
نهاية الكون: علم أم غيب؟
الدراسات العلمية لا تهدأ لإسهامها في اكتشاف المعارف الجديدة، أحيانًا تكون هذه المعارف قد توقفت عندها الأبحاث والدراسات السابقة، حول تكوين معرفة غائبة أو تنبؤات جديدة، قد يكون لها تأثير مباشر في جانب معين من جوانب الحياة البشرية أو الظواهر الكونية، سواء في المناخ أو الصحة أو الثقافة أو على الملامح الجغرافية للأرض بشكل عام، من خلال الوصول إلى ابتكارات علمية تعالج المشكلة أو يمكن أن تُحدث نقلة نوعية غير مسبوقة أو غير متوقعة.
ولكن في المقابل، تلك الدراسات تصبح مثارًا للجدل، لتتعمق الواسع في قضايا أكبر من أن يستوعبها العقل البشري أو يقف على أبعادها أو يصدقها.
انتشرت مؤخرًا دراسة حديثة صادرة عن جامعة رادبود الهولندية، تناولت مصير الكون في المستقبل البعيد، مستخدمة عناوين مثيرة مثل «نهاية العالم تقترب». الدراسة أثارت بهذه الصياغة تساؤلات بين القراء المهتمين بالشأن العلمي، خاصة أنها لا تتحدث عن نهاية وشيكة أو قريبة بالمعنى البشري أو الزمني المألوف، بل استندت إلى افتراضات علمية ونماذج رياضية تتعلق بإشعاع هوكينغ، كما ذكرت أن إشعاع هوكينغ يشكل تأثيرًا على مصير الثقوب السوداء والنجوم بعد فترات زمنية لا يمكن للعقل البشري تصورها.
وفقًا لحسابات الفريق البحثي، فإن جميع النجوم في الكون ستنطفئ بعد مدة تُقدّر بـ«كوينفيجينتيليون» سنة، أي رقم يتكون من 1 وأمامه 78 صفرًا. وللتقريب، فإن عمر الكون الحالي لا يتجاوز 13.8 مليار سنة، مما يعني أن أمام الكون ـ بحسب هذه الفرضية ـ فترة زمنية أطول بأضعاف لا تُحصى من عمره الحالي قبل أن يصل إلى نهايته المحتملة.
ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن «اقتراب النهاية» يعد تعبيرًا غير دقيق ومبالغًا فيه.
ومن المهم الإشارة إلى أن مثل هذه الدراسات، مع قيمتها في توسيع الفهم العلمي، تبقى ضمن دائرة النظريات والافتراضات القابلة للمراجعة والتطوير، ولا تقدم يقينًا حول المستقبل بقدر ما تسهم في رسم تصورات علمية مفتوحة. ويبقى علم نهاية الكون في حقيقته أمرًا غيبيًا لا يعلمه إلا الله، كما جاء في قوله تعالى: (عنده علم الساعة)، وهو ما يجعلنا نتعامل مع هذه الطروحات برصانة وهدوء، بعيدًا عن التهويل، مع إدراك أن العلم مهما اتسع، يظل محاطًا بحدود.
ويُحمد للمتلقي اليوم اتساع أفقه العلمي وقدرته على التمييز بين الطرح العلمي الهادئ والعنوان الإعلامي المثير، وهو ما يعزز من أهمية النقد الموضوعي لمثل هذه الأخبار الغيبية.
ولا شك أن الطمأنينة الحقيقية لا تأتي فقط من فهم التفاصيل العلمية، وإنما بإدراك إيماني بأن مصير الكون، كمصير الإنسان، بيد الله وحده، لا تدركه الحسابات ولا تحيط به النظريات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
منذ 4 ساعات
- الوطن
نهاية الكون: علم أم غيب؟
الدراسات العلمية لا تهدأ لإسهامها في اكتشاف المعارف الجديدة، أحيانًا تكون هذه المعارف قد توقفت عندها الأبحاث والدراسات السابقة، حول تكوين معرفة غائبة أو تنبؤات جديدة، قد يكون لها تأثير مباشر في جانب معين من جوانب الحياة البشرية أو الظواهر الكونية، سواء في المناخ أو الصحة أو الثقافة أو على الملامح الجغرافية للأرض بشكل عام، من خلال الوصول إلى ابتكارات علمية تعالج المشكلة أو يمكن أن تُحدث نقلة نوعية غير مسبوقة أو غير متوقعة. ولكن في المقابل، تلك الدراسات تصبح مثارًا للجدل، لتتعمق الواسع في قضايا أكبر من أن يستوعبها العقل البشري أو يقف على أبعادها أو يصدقها. انتشرت مؤخرًا دراسة حديثة صادرة عن جامعة رادبود الهولندية، تناولت مصير الكون في المستقبل البعيد، مستخدمة عناوين مثيرة مثل «نهاية العالم تقترب». الدراسة أثارت بهذه الصياغة تساؤلات بين القراء المهتمين بالشأن العلمي، خاصة أنها لا تتحدث عن نهاية وشيكة أو قريبة بالمعنى البشري أو الزمني المألوف، بل استندت إلى افتراضات علمية ونماذج رياضية تتعلق بإشعاع هوكينغ، كما ذكرت أن إشعاع هوكينغ يشكل تأثيرًا على مصير الثقوب السوداء والنجوم بعد فترات زمنية لا يمكن للعقل البشري تصورها. وفقًا لحسابات الفريق البحثي، فإن جميع النجوم في الكون ستنطفئ بعد مدة تُقدّر بـ«كوينفيجينتيليون» سنة، أي رقم يتكون من 1 وأمامه 78 صفرًا. وللتقريب، فإن عمر الكون الحالي لا يتجاوز 13.8 مليار سنة، مما يعني أن أمام الكون ـ بحسب هذه الفرضية ـ فترة زمنية أطول بأضعاف لا تُحصى من عمره الحالي قبل أن يصل إلى نهايته المحتملة. ومن هذا المنطلق، فإن الحديث عن «اقتراب النهاية» يعد تعبيرًا غير دقيق ومبالغًا فيه. ومن المهم الإشارة إلى أن مثل هذه الدراسات، مع قيمتها في توسيع الفهم العلمي، تبقى ضمن دائرة النظريات والافتراضات القابلة للمراجعة والتطوير، ولا تقدم يقينًا حول المستقبل بقدر ما تسهم في رسم تصورات علمية مفتوحة. ويبقى علم نهاية الكون في حقيقته أمرًا غيبيًا لا يعلمه إلا الله، كما جاء في قوله تعالى: (عنده علم الساعة)، وهو ما يجعلنا نتعامل مع هذه الطروحات برصانة وهدوء، بعيدًا عن التهويل، مع إدراك أن العلم مهما اتسع، يظل محاطًا بحدود. ويُحمد للمتلقي اليوم اتساع أفقه العلمي وقدرته على التمييز بين الطرح العلمي الهادئ والعنوان الإعلامي المثير، وهو ما يعزز من أهمية النقد الموضوعي لمثل هذه الأخبار الغيبية. ولا شك أن الطمأنينة الحقيقية لا تأتي فقط من فهم التفاصيل العلمية، وإنما بإدراك إيماني بأن مصير الكون، كمصير الإنسان، بيد الله وحده، لا تدركه الحسابات ولا تحيط به النظريات.

سعورس
منذ 4 ساعات
- سعورس
بين المنظور من المدركات وما وراء المنظور
وبعيدا عن الإرباك والضياع في متاهات التفسيرات المختلفة في الإجابة عن هذا التساؤل، وفي اليقين المؤمن بالله تعالى، يكون الجواب (يخلق ما يشاء وهو القوي العزيز). لكن لغز الخلق مع ذلك يظل بكيفيته عصيا على تصور الإنسان ذي العقل المحدود التصور؛ لذلك يظل الأفق واسعاً أمامه للبحث والاستكشاف والتيقن عن علم. فوسائل إنسان اليوم غير وسائله بالأمس. وقد يقترب يوماً ما من إدراك الكيفية التي حيرته. ومع ذلك فالكائن الحي لا يمكن تخليقه من دون خالق يهبه سر الحياة على قاعدة (فنفخنا فيه من روحنا)، فلو عرفنا مثلا أن جسم الكائن الحي، مثل الذباب، يتكون من الكربون والهيدروجين والأوكسجين.. الخ ، فإننا لو جمعنا هذه العناصر في المختبر بنفس النسب التي في جسم الذباب، ووفرنا لها نفس الظروف اللازمة للتخليق، لما تمكنا من خلق الذباب، ومنحناه الحياة. ويبقى الإنسان مطالباً بالبحث والتحري والكشف على قاعدة (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا.. لا تنفذون إلا بسلطان)، وقد يكون السلطان هو الوسائل التي تتاح للإنسان لكي يمتطيها ويستخدمها في النفوذ بحثا عن مبتغاه، لما يعتقده اليوم في معارفه المتاحة لغزا (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم). لكن الإنسان العاقل العالم يبقى عارفا أن قدرات العقل محدودة، فليس كل ما لا يحسه العقل غير موجود، فما وراء غير المنظور من المدركات عوالم غيبية شاسعة.. فيها من الحقائق والموجودات ما يدهش الألباب ويبهر العقول. وهكذا تبقى قدرات الإنسان في الحس والإدراك محدودة، ومحكومة بحدود ما وهبه الله تعالى من قدرات، على قاعدة (سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت علام الغروب).


الوطن
منذ 4 ساعات
- الوطن
بين المنظور من المدركات وما وراء المنظور
كثيرأ ما يثور السؤال (كيف وجدت الحياة على الأرض)؟.. خاصة وأنها كانت جزءاً من المنظومة الشمسية. وبدرجة حرارة ملتهبة لا تسمح بوجود أي نوع من الحياة عليها؟ وبعيدا عن الإرباك والضياع في متاهات التفسيرات المختلفة في الإجابة عن هذا التساؤل، وفي اليقين المؤمن بالله تعالى، يكون الجواب (يخلق ما يشاء وهو القوي العزيز). لكن لغز الخلق مع ذلك يظل بكيفيته عصيا على تصور الإنسان ذي العقل المحدود التصور؛ لذلك يظل الأفق واسعاً أمامه للبحث والاستكشاف والتيقن عن علم. فوسائل إنسان اليوم غير وسائله بالأمس. وقد يقترب يوماً ما من إدراك الكيفية التي حيرته. ومع ذلك فالكائن الحي لا يمكن تخليقه من دون خالق يهبه سر الحياة على قاعدة (فنفخنا فيه من روحنا)، فلو عرفنا مثلا أن جسم الكائن الحي، مثل الذباب، يتكون من الكربون والهيدروجين والأوكسجين.. الخ ، فإننا لو جمعنا هذه العناصر في المختبر بنفس النسب التي في جسم الذباب، ووفرنا لها نفس الظروف اللازمة للتخليق، لما تمكنا من خلق الذباب، ومنحناه الحياة. ويبقى الإنسان مطالباً بالبحث والتحري والكشف على قاعدة (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا.. لا تنفذون إلا بسلطان)، وقد يكون السلطان هو الوسائل التي تتاح للإنسان لكي يمتطيها ويستخدمها في النفوذ بحثا عن مبتغاه، لما يعتقده اليوم في معارفه المتاحة لغزا (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم). لكن الإنسان العاقل العالم يبقى عارفا أن قدرات العقل محدودة، فليس كل ما لا يحسه العقل غير موجود، فما وراء غير المنظور من المدركات عوالم غيبية شاسعة.. فيها من الحقائق والموجودات ما يدهش الألباب ويبهر العقول. وهكذا تبقى قدرات الإنسان في الحس والإدراك محدودة، ومحكومة بحدود ما وهبه الله تعالى من قدرات، على قاعدة (سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت علام الغروب).