
ضغوط غير مسبوقة تواجه عمالقة صناعة البتروكيماويات في العالمقطاع البتروكيماويات السعودي.. بين الابتكار وتحديات الأسعار
على مدى أربعة عقود، تحوّلت المملكة العربية السعودية من مجرّد مُصدّر للنفط الخام إلى قوة صناعية في قطاع البتروكيماويات، عبر تأسيس قاعدة إنتاجية ضخمة شملت شركات كبرى مثل سابك والمتقدمة وكيان وينساب، هذه الشركات لم تُحقق الريادة فقط في التصدير، بل ساهمت في بناء منظومة صناعية متكاملة تقوم على المعرفة والتقنيات وسلاسل الإمداد، وقد مثّل استحواذ أرامكو على حصة الأغلبية في سابك عام 2020 نقطة تحول محورية، عززت من التكامل بين إنتاج النفط والصناعات التحويلية، ورسخت نموذجًا صناعيًا متماسكًا يربط الموارد الطبيعية بالمخرجات الصناعية ذات القيمة العالية، قطاع البتروكيماويات على المستوى العالمي دخل في مرحلة من التقلبات غير المسبوقة خلال العقد الأخير، فقد تتابعت الأزمات بدءًا بجائحة كوفيد-19 التي أوقفت عجلة الإنتاج مؤقتًا وخفضت الطلب الصناعي، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية التي رفعت أسعار الغاز الطبيعي أحد أهم مدخلات الإنتاج، وأربكت حركة سلاسل الإمداد حول العالم، وتعمّقت التحديات بفعل التوترات التجارية، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، التي خلقت حواجز جمركية وعقبات تنظيمية أثّرت على تدفق المنتجات في الأسواق الكبرى، في ظل هذه البيئة شهد السوق العالمي تخمة في المعروض نتيجة دخول قدرات إنتاجية ضخمة من عدة دول، وهو ما أدى إلى تآكل هوامش الربحية، حتى في أوساط الشركات العملاقة، كما واجهت الشركات في أوروبا أعباء بيئية وتنظيمية متصاعدة، دفعت بعضها لإعادة التفكير في مواقع مصانعها، بينما اضطرت شركات آسيوية كبرى إلى تخصيص استثمارات ضخمة لمواءمة التزاماتها البيئية تجاه الحياد الكربوني، أما في أمريكا الشمالية فشكلت تقلبات أسعار الطاقة والضغوط التنظيمية تحديات معقدة أمام شركات كانت لسنوات طويلة تقود الابتكار في القطاع، وفي ظل هذا المشهد المضطرب، ولم تكن الشركات السعودية بمنأى عن الأثر، فقد واجهت بدورها ضغوطًا مرتبطة بتكلفة الغاز المحلي، وتذبذب الطلب العالمي، وتزايد المنافسة من أسواق ناشئة تقدم جودة مقبولة بأسعار منخفضة، ومع ذلك فإن الاستجابة السعودية كانت واعية ومدروسة، إذ بدأت الشركات في إعادة تعريف أولوياتها، والتحوّل من التركيز على المنتجات السائبة إلى الاستثمار في المنتجات المتخصصة وعالية القيمة، هذا التحول كان مسارًا استراتيجيًا لتعزيز القدرة التنافسية والحد من التقلبات المرتبطة بالأسواق التقليدية، كما توسعت الجهود نحو البحث والتطوير، بدعم من الدولة ومراكز أبحاث مثل كابسارك، لتطوير مواد مستدامة، وبوليمرات متقدمة، وتقنيات صديقة للبيئة، واعتمدت الشركات السعودية التقنيات الرقمية والأتمتة الصناعية، مستفيدة من أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة في تحسين كفاءة التشغيل، وجدولة الإنتاج، والصيانة الوقائية، هذا التحول الرقمي عزز القدرة على اتخاذ القرار بشكل أكثر دقة ومرونة، وهو ما يُعد من متطلبات المنافسة في عصر النهضة الصناعية الرابعة، الابتكار في قطاع البتروكيماويات لم يعد يقتصر على تطوير المنتج، بل أصبح يشمل نموذج العمل ذاته، من سلسلة التوريد إلى إدارة الكربون، وقد بدأت شركات سعودية في تبني مفاهيم الاقتصاد الدائري، من خلال الاستثمار في إعادة التدوير الكيميائي للمواد البلاستيكية، لتقليل الاعتماد على المواد البكر، وخفض الانبعاثات، كما برزت توجهات قوية نحو تطوير منتجات متقدمة تُستخدم في صناعات حساسة كالمجالات الطبية، والإلكترونيات، والطيران، والتي تتميز بربحية أعلى واستقرار أكبر في الطلب، ورغم الصعوبات المتراكمة، فإن المملكة لم تكتف بالصمود، بل أعادت تموضعها بخطى واثقة نحو ريادة عالمية مستدامة، لم تعد السعودية بلد النفط فقط، بل بلد المواد التي تُشكّل نسيج العالم الحديث، ومع استمرار الابتكار والتكامل الصناعي، فإن قطاع البتروكيماويات السعودي مؤهل لأن يكون في مصاف الصناعات الأكثر تقدمًا في العالم، لا من حيث الحجم فقط، بل من حيث القيمة والنوعية والاستدامة، وفي مجال خفض الانبعاثات الكربونية سعت الشركات إلى استخدام حلول متقدمة مثل الالتقاط الكربوني، وتحسين كفاءة الأفران والمفاعلات الكيميائية، بما ينسجم مع الالتزامات البيئية العالمية ومع رؤية السعودية في الوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060، على الجانب الرقمي، أصبح التحول الذكي والتقنيات الصناعية 4.0 من الأدوات الحاسمة، حيث يجري استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين جدولة الإنتاج والتنبؤ بالطلب والصيانة الوقائية، مما يقلل التكاليف ويزيد من موثوقية العمليات، كذلك ساهم تحليل البيانات الضخمة في تعظيم كفاءة التشغيل وتحسين القرارات الاستراتيجية في الوقت الحقيقي، ولم تغفل الشركات جانب الشراكات البحثية، حيث كثّفت من تعاونها مع الجامعات ومراكز الابتكار لتطوير مواد جديدة وتطبيقات مبتكرة، وتُعد مبادرات مثل 'مركز سابك للتقنية والابتكار' ومراكز أرامكو البحثية أمثلة حية على هذا التوجه، إذ تسعى إلى خلق جيل جديد من المنتجات التي تلائم متطلبات المستقبل وتُحقق ميزة تنافسية مستدامة، وفي عالم متغير بات الابتكار ليس مجرد خيار استراتيجي، بل ضرورة وجودية لإعادة تعريف دور قطاع البتروكيماويات في الاقتصاد العالمي الجديد.
رغم أن السنوات القادمة مرشحة لتحولات كبرى على مستوى الصناعة العالمية، إلا أن قطاع البتروكيماويات في المملكة يقف أمام فرصة تاريخية، ففي حال تم استثمار هذه المرحلة المفصلية، يمكن للمملكة أن تتقدم بخطى واثقة نحو موقع الريادة، ليس فقط على المستوى الاقليمي، بل ضمن قائمة أكبر خمسة منتجين للبتروكيماويات المتقدمة في العالم، لقد تجاوزت المملكة مرحلة الاكتفاء بدور 'بلد النفط'، لتغدو مركزًا لصناعة المواد التي تدخل في كل ما يحيط بنا من أدوات وتطبيقات حديثة، لتكتب فصلًا جديدًا في مسيرتها الصناعية العالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 19 دقائق
- أرقام
مناقشات السوق السعودي ليوم الأحد 22 يونيو 2025
أنهى مؤشر السوق السعودي جلسة الخميس الماضي على ارتفاع بنسبة 0.2 % ليغلق عند 10611 نقطة (+ 20 نقطة)، وبتداولات بلغ قيمتها الإجمالية نحو 6.4 مليار ريال، حيث شهدت الجلسة تنفيذ فوتسي راسل تغييراتها في السوق السعودي وفقا لمراجعتها ربع السنوية الدورية لمؤشراتها. وفيما يخص الأسواق العالمية.. ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي، الجمعة الماضية، بنسبة طفيفة ناهزت 0.10% أو ما يعادل 35 نقطة إلى 42206 نقاط. وفي سوق النفط.. انخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم أغسطس بنسبة 2.33% أو ما يعادل 1.84 دولار إلى 77.01 دولار للبرميل. هذه المدونة وضعت لتسجيل ملاحظاتكم وآرائكم حول السوق وتوقعاتكم لهذا اليوم... مع تمنياتنا للجميع بالتوفيق.. للاطلاع على مفكرة السوق السعودي


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
سياقاتمتى نحمد الاندفاع نحو الذكاء الاصطناعي؟
كم قيل لنا مرارا وتكرارا: سيغير الذكاء الاصطناعي الصناعات بين عشية وضحاها؟ عندها تتصدر العناوين الرئيسة بنتائج الدراسات الدعائية التي تقول إن 30% من المهام في القطاعات الرئيسة قابلة للأتمتة بحلول عام 2030، وتروج الشركات الناشئة المدعومة بصناديق الاستثمار بتقييمات بمليارات الدولارات على وعد بخفض تكاليف العمالة. في هذا الجو العام، أي رئيس تنفيذي يتردد في ركوب الموجة سيوصف بالتخلف والرجعية. يشبه الاندفاع إلى الأتمتة إقامة خط مترو أنفاق جديد لامع دون توظيف ما يكفي من السائقين أو المهندسين لتشغيل القطارات. تحصل على بنية تحتية جميلة على الورق، ولكن الركاب تقطع بهم السبل على منصات مظلمة. المنصة في حالتنا هي سوق العمل المحلي، والركاب هم موظفون نازحون يتدافعون لإعادة التدريب في سوق غير مستعد لاستيعابهم. ما سر الاندفاع وراء اعتماد الذكاء الاصطناعي بهذه السرعة؟ أولا: هناك دافع الربح.. تواجه الشركات المدرجة خصوصا ضغوطا ربع سنوية: خفض تكاليفك وارفع من كفاءة الانفاق، وتابع أسهمك وهي تحلق في المؤشر. تواجه الشركات الناشئة الاندفاع نفسه بطريقة مختلفة، كلما قدمت أداة جديدة لابد أن تسمع السؤال المعتاد: هل يستخدم الذكاء الاصطناعي؟ الإجابة السلبية تعني تمويلا أقل. ثانيا: تعمل الآلة الإعلامية لتغذية هذا الاندفاع بضجيجها الذي لا تتوقف عناوينها: استبدلت الشركة (س) ألفي وظيفة بالذكاء الاصطناعي. ستسمع قصص النجاح أكثر من قصص الفشل التي تدفن بهدوء. يغذي الإعلام هذا الاندفاع حيث يرى المديرون التنفيذيون أقرانهم يحققون نجاحات بالذكاء الاصطناعي فيسارعون للحاق بالركب، وإن لم يعدوا للأمر عدته. الاستغناء عن الموظفين سهل لكن تعويضهم بقوى عاملة أكثر مهارة في الوقت المناسب صعب. ثالثا: يقابل اندفاع التبني تباطؤ في التعليم. تتدافع الجامعات والمدارس المهنية للحاق بمناهج الذكاء الاصطناعي، ولكن الإصلاحات الأكاديمية تستغرق سنوات. بحلول الوقت الذي ينتج فيه معسكر الذكاء الاصطناعي لمدة ثمانية أسابيع الخريجين، سيكون الذين سرحوا من أعمالهم قد استقروا في وظائف أقل أجرا أو تركوا سوق العمل بالكامل. يعزز من هذا الاندفاع إحدى الأساطير التي تتشعب في أدبيات التحول الرقمي ويصعب استئصالها، ما يقال عن الوظائف الجديدة التي من المتوقع استحداثها. إذا دققت في الأمر فلن تجد لهذه الوظائف وجودا حتى الآن. وإذا كان التعليم يأخذ وقته بالطول فإن تصميم الوظائف الجديدة يأخذ وقته بالعرض، فكيف للوظائف الجديدة أن تطرح لمؤهلات غير موجودة في السوق؟ إذا نظرت بعمق إلى التبني المندفع ومكوناته الداخلية، سيتضح لك أمران: السرعة وتفكك مكونات الحل. يشير تقرير شركة مكينزي السنوي عن سرعة تبني الذكاء الاصطناعي إلى أن 60% من المنظمات اعتمدت الذكاء الاصطناعي في مجال واحد على الأقل اعتبارا من العام 2023، مقارنة بعشرين في المئة في العام 2017. للمقارنة، استغرق الإنترنت عقدا كاملا للوصول إلى ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي في نصف المدة. يقابل سرعة التبني تفكك عناصر الحل في الاستجابة سواء كل عنصر على حدة مثل التعليم والحوكمة والتشريع، أو كلها مجتمعة. إما تعمل عناصر الحل بسرعات مختلفة كلها أبطأ من الذكاء الاصطناعي، أو أنها مثل التروس المتآكلة، يعطل بعضها بعضا. إذا تركنا الحبل على الغارب، واندفعنا مع موجة المندفعين فسنكون قد فرطنا بمسؤوليتنا في هذا الجيل وربما الجيل الذي يليه. ما علينا فعله أن نبطئ من مكونات تبني الذكاء الاصطناعي ونسرع من المكونات الأخرى التي تنوء بأعبائها الثقيلة. وعلينا أن ندرك أن ظاهرة الاندفاع كغيرها تعمل وسط مركب من أجزاء مختلفة في اتصال مستمر، وأن مكمن الخلل في ضعف التكامل بين هذه العناصر. إذا تدخلنا إيجابيا لضمان الاتساق بينها، يمكن لنا أن نحول طاقة الاندفاع الطبيعية نحو الجديد، إلى طاقة إبداعية تحرك جوانب التعليم والتوظيف والتشريع معا في منظومة واحدة.


الرياض
منذ 5 ساعات
- الرياض
بموضوعيةالاقتصاد والسياسة والأثر والتأثير
العالم اليوم وتحديداً منذ جائحة كورونا وهو لم يخرج من أزمة "التضخم والنمو الاقتصادي" فلا زال العالم يعاني لليوم، ولم يكتف العالم بهذا الأثر "الوبائي الصحي" بل تداخل معه أزمات متتالية سياسية وحروب، من روسيا وأوكرانيا، والمواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة والصين والعالم "أزمة الرسوم الجمركية" التي بدأت مع ولاية الرئيس الأمريكي الثانية دونالد ترمب، ولازالت تداعياتها تتصاعد ولم تهدأ، وتوترات في الشرق الأوسط منذ السابع أكتوبر من العام المنصرم، وتوسعت اليوم مع المواجه المباشرة بين إسرائيل وإيران، ولا يعرف كيف ومتى تنتهي هذه الأزمة، وهنا تداخل الظروف السياسية والحروب في هذا العالم، في وقت العالم يحتاج فيه إلى النمو الاقتصاد والاستقرار وانخفاض للتضخم وتوازن لأسعار العملات، ولكن هذا لم يحدث لليوم بل تصاعدت معها التوترات، ويقول هنري كيسنجر "وزير الخارجية الأمريكي الأسبق" الذي توفي في نوفمبر 2023 " الاقتصاد قد يخلق النفوذ، لكن السياسة هي من تضع قواعد اللعبة " وهنا نجد أن لا يمكن أن يعمل وينجز وينمو شيء بدون تأثير وأثر للسياسة، فالحروب لا تعني إلا تكلفة وخسائر في كل اتجاه وتقضي على كل محفزات الاقتصاد وهذا ما يترك أثره على العالم، ويقول نعوم تشومسكي وهو أمريكي ولد في ديسمبر 1928 ولازال يقول "السياسة الحديثة ليست سوى إدارة مصالح اقتصادية ضخمة " وهذا ما يضع الاقتصاد دوما هو الخيار الأكثر تأثرا بالأزمات السياسية. الاقتصاد في هذا العالم يحتاج إلى "الاستقرار" وهي لم تكون في أوج أزمتها كما اليوم " منذ كورونا وحتى اليوم " وتتزايد حالة التوتر العالمي اليوم كما نشهده مباشرة بالحرب المباشرة الإيرانية الإسرائيلية " و" الروسية الأوكرانية " وأزمة "الرسوم الجمركية" وهذا ما يكرس أن العالم يعيش حالة ضبابية اقتصادية كبرى، وأكدها جيروم بأول بقراراته للمرة الرابعة الرافضة لخفض الفائدة على الدولار رغم كل الضغوط، ورهن بأول خفض الفائدة بظهور" إشارات واقعية على انخفاض التضخم " وهذا يؤكد حالة الضبابية بعد توقعات ببداية العام أو نهاية 2024 بخفض أربع مرات للفائدة، وصلنا الآن لتوقعات مرتين حتى نهاية العام، ويرى كثير أن السياسة هي من تقرر الاقتصاد، وهذا صحيح باعتبار القرارات هي التي تلقى بتأثيرها على الاقتصاد، فلن يكون هناك قرارات بمعزل عن تأثيرها، هذا الترابط والارتباط بين السياسة والاقتصاد، يضع كل اقتصاد ومستثمر رهينة بما سيحدث وما يؤثر به هذه القرارات، ولن تدور عجلة الاقتصاد العالمي بالنمو في ظل هذا التوترات غير الواضحة النهاية، العالم اليوم يحتاج إلى الاستقرار والسلام والأمن وهو أول مفاتيح التحفيز الاقتصادي وعودة عجلة النمو والعمل، وخلق فرص العمل والتنمية للشركات والقطاعات، العالم اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى للتنمية الاقتصادية والنمو.