logo
عندما تتحوّل البكالوريا إلى مغامرة غير محسوبة

عندما تتحوّل البكالوريا إلى مغامرة غير محسوبة

الشروقمنذ 5 ساعات

لا أخفي صدمتي من حجم التعلق المرضي بالتوقعات لدى عدد كبير من مترشحي البكالوريا هذا الموسم. بصفتي خبيرة في التربية، أتابع عن كثب ما يحدث في الميدان، ولا يسعني إلا أن أقول إننا أمام ظاهرة مقلقة تُهدد فلسفة التعلّم نفسها؛ فقد تحوّل التلميذ من باحث عن المعرفة، إلى مقامر يراهن على سؤال أو محور، معتقدًا أن الحظ قد يحسم مستقبله.
هل أصبحت البكالوريا قُرعة؟ هل بات المترشح يعتقد أن النجاح يمكن أن يتحقق بحفظ موضوعين من أصل عشرة؟
للأسف، نعم.
لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض الدروس الخصوصية، تعمّق هذا الانحراف التربوي. يُروِّج بعض المدرِّسين فكرة 'الدروس المتوقعة' وكأنها ضمانٌ للنجاح، ويتلقاها التلميذ كحقيقة مطلقة، فيُهمل غيرها. وهذا، في نظري، خيانة لجوهر التعلّم، وتفريغ للامتحان من قيمته الأكاديمية.
نعم، من الطبيعي أن يبحث التلميذ عن محاور ذات احتمال عالٍ، وأن يستعين ببعض التوقعات لتنظيم وقته، لكن أن يتحوّل ذلك إلى قاعدة وحيدة للتحضير، فهنا نكون أمام خطر تربوي حقيقي. وهو ما رأيناه هذا العام حين واجه عددٌ من التلاميذ أسئلة مختلفة تمامًا عمّا راهنوا عليه، فدخلوا في حالة من الذهول والارتباك، بل وانسحب بعضهم نفسياً من المعركة، قبل أن يكتبوا حتى أسماءهم على ورقة الإجابة.
نحن كمختصين في قطاع التربية، مسؤولون عن التصدي لهذه الثقافة. علينا أن نعيد بناء الخطاب الموجَّه للتلاميذ، نزرع فيهم الثقة في قدراتهم، ونرسّخ لديهم قناعة أن النجاح لا يُختَزل في توقع، بل يُبنى بعرق الجبين، وبالمثابرة، والتدرّب على التفكير لا الحفظ فقط.
كيف نواجه الظاهرة؟
لمعالجة هذا الخلل، لا بد من تدخُّل جماعي ومدروس، وأقترح ما يلي:
إعادة تأهيل أساليب التقييم داخل القسم لتشجع التلميذ على الفهم والتحليل بدل الحفظ.
تنظيم حملات تحسيسية قبل البكالوريا تقودها أطقم تربوية ونفسية، هدفها تصحيح المفاهيم الخاطئة حول 'التوقعات' و'التسريبات'.
مراقبة مضامين الدروس الخصوصية والتصدي للمتاجرة بالتوقعات على حساب التكوين الحقيقي.
إدراج حصة 'منهجية التحضير للامتحان' ضمن البرامج التكميلية في السنة النهائية، لتعليم التلاميذ كيف يخططون للمراجعة بذكاء من دون مغامرة.
إشراك الأولياء في العملية التحضيرية، وإقناعهم بدورهم في توجيه أبنائهم نحو العمل المتوازن والفعّال.
رسالتي للمترشحين للسنوات المقبلة :
لا تجعلوا البكالوريا لعبة احتمالات؛ فالمعرفة ليست توقعًا، بل استيعابًا. والنجاح لا يُقاس بالحظ، بل بالجهد.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

'هبة الله' كفيفة تتحدّى إعاقتها وتجتاز امتحان البكالوريا
'هبة الله' كفيفة تتحدّى إعاقتها وتجتاز امتحان البكالوريا

الشروق

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشروق

'هبة الله' كفيفة تتحدّى إعاقتها وتجتاز امتحان البكالوريا

تم تصنيفها الوحيدة على المستوى الوطني، من اجتازت شهادة بكالوريا دورة جوان 2025 وفي الشعبة العلمية، وهي فاقدة للبصر، لأن بقية المكفوفين من الذين ترشحوا للشهادة، كانوا ضمن الشعبة الأدبية. اسمها هبة الله إسراء تيجاني من مدينة عنابة، عاشت قصة حزينة، فقدت خلالها في طفولتها البصر، فحوّلت أزمتها، تحدّيا كبيرا، وهي بصدد إكمال مشوارها بعد أن اجتازت شهادة البكالوريا بنجاح تجلى في عملها الجيد في انتظار النتيجة والتي قد تكون استكمالا لنتائجها في الثانوية التي درست فيها، حيث تراوح معدلها السنوي ما بين 16 و17 من عشرين، وهي بالتأكيد تأمل في تحقيق الامتياز. 'الشروق' سألت والدتها، وسألت هبة الله عن معاناتها وعن أمنياتها وكيف اجتازت شهادة البكالوريا. والدة هبة الله عادت بنا إلى سنوات الأحزان كما وصفتها، فقد كانت هبة الله أول ثمرة لزواجها، لم تكن وزوجها يظهران إلا مغتبطين بضحكاتها وبراءتها إلى أن حل يوم الحادثة عندما خرجت هبة الله أمام البيت، تتابع مشهد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إلا أن مفرقعة طارت واستقرت في عينها، فتألمت الصغيرة ولم تكن قد تجاوزت سنتها الثانية إلا ببضعة أشهر، ولا أحد تصوّر بأن المفرقعة ستفقدها بصرها نهائيا. طار الوالدان بهبة الله إلى مختلف العيادات والاختصاصيين في طب العيون بمدينة عنابة ومنها إلى العاصمة، ثم شدا الرحال إلى العاصمة التونسية، التي توجد بها العديد من عيادات العيون، وعادا يجرّان الحسرة، فأخذا الصغيرة إلى مستشفى 'مصطفى باشا'، حيث أجريت لها ثمان عمليات جراحية دقيقة، كانت كل منها تحمل الأمل الكبير، ولكنه لا يلبث أن يتبخر، بمجرد أن تنزع الصغيرة هبة لله 'العصابة' عن عينيها، حيث تقول ببراءة: 'ما شفت والو ماما'، فتصيب الأم برصاصة مؤلمة. الحياة لا تتوقف والقرآن أقرّ بأنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، هكذا قالت والدة هبة الله، وبدأ التحدي الكبير، وفي كل سنة دراسية تتفتح شهية هبة الله للدراسة إلى أن بلغت النهائي، وكانت ضمن الـ800 ألف طالب وطالبة صنعوا خلال الأسبوع الماضي الحدث العلمي الكبير، وستكون، بحول الله، ضمن الفرحين والمتسببة في سعادة أهلها، والديها وأخويها الصغيرين. تتحدث هبة الله لـ'الشروق اليومي' بكثير من الشغف والتفاؤل وتحاول أن تختصر طموحاتها في كلمات وجيزة فلا تستطيع: 'أنا عديدة الطموحات، أريد أن أخوض في كل العلوم، كنت صغيرة، أحببت مهنة الطب، فتحت بصيرتي مع أهل المآزر البيضاء، ثم أحببت علم المحاسبة، كما يستهويني علم النفس، لا أبحث بعد اجتيازي شهادة البكالوريا عن معدل معيّن، لأنتمي فيه لهذه الشُعبة أو تلك، وإنما أرى بأن كل الشُعب مثيرة للاهتمام، وبإمكاني أن أحبها وأنجح فيها'. هبة الرحمان بكثير من الحسرة تتحدث عن بعض الناس الذين يزرعون اليأس في قلوب غيرهم: 'كنت كلما أقوم بخطوة أسمع كلمات الإحباط .. أخطيك هاذيك صعيبة وأنت ما تشوفيش، كانوا في كل لحظة يذكروني بأنني فاقدة للبصر بنسبة 100 بالمائة وبالتالي علي أن لا أخوض أي تحدي وأبقى قطعة في البيت'. وتنصح هبة الله المشرفين على امتحانات ذوي الهمم وخاصة المعوقين بصريا بأن يغيروا طريقة الامتحان، حيث يختارون مصاحب للمكفوف من دون المادة التي يمتحن فيها، وهذا ما أوقعها في صعوبات تقول هبة الله: 'كان الذي يقرأ لي مثلا أسئلة العلوم مختص في التسيير، فوجدت صعوبة في فهم ما يقول لي وشرح ورقة السؤال التي بها رسومات، وحتى عندما أباشر الإجابة وأقرأ عليه إجابتي ورسوماتي والمنحنيات، أحسّ بأنه يترجمها على ورقة الإجابة بصعوبة'. هبة الله تتمنى النجاح للجميع، وتطلب من كل من فشل في المحاولة الأولى أو الثانية بأن يتشبث بالأمل ويعود في المناسبة القادمة مستخلصا للأخطاء وأكثر قوة.

غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني
غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني

جزايرس

timeمنذ 3 ساعات

  • جزايرس

غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني

سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص. إلى 55908 شهداء و131138 مصابا ارتفعت حصيلة ضحايا حرب الابادة الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023, إلى 55908 شهداء و 131138 مصابا, حسب ما أفادت به السلطات الصحية في قطاع غزة, يوم أمس السبت. وأوضح ذات المصدر أن عدد الشهداء الذين وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال ال48 ساعة الماضية, بلغ 202 شهداء و 1037 مصابا.أما حصيلة الضحايا منذ 18 مارس الماضي تاريخ استئناف الكيان الصهيوني لعدوانه بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي, فقد بلغت 5599 شهيدا و 19097 مصابا, علما أن هناك العديد من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات, ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم. كما أحصت السلطات الصحية في قطاع غزة إجمالي ما وصل للمستشفيات من شهداء منتظري المساعدات 450 شهيدا و 3466 إصابة.

عندما تتحوّل البكالوريا إلى مغامرة غير محسوبة
عندما تتحوّل البكالوريا إلى مغامرة غير محسوبة

الشروق

timeمنذ 5 ساعات

  • الشروق

عندما تتحوّل البكالوريا إلى مغامرة غير محسوبة

لا أخفي صدمتي من حجم التعلق المرضي بالتوقعات لدى عدد كبير من مترشحي البكالوريا هذا الموسم. بصفتي خبيرة في التربية، أتابع عن كثب ما يحدث في الميدان، ولا يسعني إلا أن أقول إننا أمام ظاهرة مقلقة تُهدد فلسفة التعلّم نفسها؛ فقد تحوّل التلميذ من باحث عن المعرفة، إلى مقامر يراهن على سؤال أو محور، معتقدًا أن الحظ قد يحسم مستقبله. هل أصبحت البكالوريا قُرعة؟ هل بات المترشح يعتقد أن النجاح يمكن أن يتحقق بحفظ موضوعين من أصل عشرة؟ للأسف، نعم. لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض الدروس الخصوصية، تعمّق هذا الانحراف التربوي. يُروِّج بعض المدرِّسين فكرة 'الدروس المتوقعة' وكأنها ضمانٌ للنجاح، ويتلقاها التلميذ كحقيقة مطلقة، فيُهمل غيرها. وهذا، في نظري، خيانة لجوهر التعلّم، وتفريغ للامتحان من قيمته الأكاديمية. نعم، من الطبيعي أن يبحث التلميذ عن محاور ذات احتمال عالٍ، وأن يستعين ببعض التوقعات لتنظيم وقته، لكن أن يتحوّل ذلك إلى قاعدة وحيدة للتحضير، فهنا نكون أمام خطر تربوي حقيقي. وهو ما رأيناه هذا العام حين واجه عددٌ من التلاميذ أسئلة مختلفة تمامًا عمّا راهنوا عليه، فدخلوا في حالة من الذهول والارتباك، بل وانسحب بعضهم نفسياً من المعركة، قبل أن يكتبوا حتى أسماءهم على ورقة الإجابة. نحن كمختصين في قطاع التربية، مسؤولون عن التصدي لهذه الثقافة. علينا أن نعيد بناء الخطاب الموجَّه للتلاميذ، نزرع فيهم الثقة في قدراتهم، ونرسّخ لديهم قناعة أن النجاح لا يُختَزل في توقع، بل يُبنى بعرق الجبين، وبالمثابرة، والتدرّب على التفكير لا الحفظ فقط. كيف نواجه الظاهرة؟ لمعالجة هذا الخلل، لا بد من تدخُّل جماعي ومدروس، وأقترح ما يلي: إعادة تأهيل أساليب التقييم داخل القسم لتشجع التلميذ على الفهم والتحليل بدل الحفظ. تنظيم حملات تحسيسية قبل البكالوريا تقودها أطقم تربوية ونفسية، هدفها تصحيح المفاهيم الخاطئة حول 'التوقعات' و'التسريبات'. مراقبة مضامين الدروس الخصوصية والتصدي للمتاجرة بالتوقعات على حساب التكوين الحقيقي. إدراج حصة 'منهجية التحضير للامتحان' ضمن البرامج التكميلية في السنة النهائية، لتعليم التلاميذ كيف يخططون للمراجعة بذكاء من دون مغامرة. إشراك الأولياء في العملية التحضيرية، وإقناعهم بدورهم في توجيه أبنائهم نحو العمل المتوازن والفعّال. رسالتي للمترشحين للسنوات المقبلة : لا تجعلوا البكالوريا لعبة احتمالات؛ فالمعرفة ليست توقعًا، بل استيعابًا. والنجاح لا يُقاس بالحظ، بل بالجهد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store