
دراسة عالمية: جهود إصلاح الإنتاجية الحكومية القائمة على الذكاء الاصطناعي لا تقلل من شأن الثقافة
3 مارس 2025 – يجب إعطاء الأولوية للثقافة والتكنولوجيا في آن واحد حتى تزدهر إنتاجية القطاع الحكومي. كانت هذه إحدى النتائج الرئيسية التي خرج بها تقرير جديد أجرته وكالة 'إيكونوميست إمباكت' Economist Impact برعاية 'ساس'، الشركة الرائدة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، بهدف دراسة الفرص والعقبات التي تعترض إصلاح إنتاجية القطاع العام. ويأتي هذا التقرير الذي يحمل عنوان إعادة تصور مستقبل إنتاجية القطاع العام، في وقت يعمل فيه الذكاء الاصطناعي على تغيير طبيعة العمل والإنتاجية في مختلف القطاعات. فهل ستتمكن مؤسسات القطاع العام من اغتنام هذه الفرصة للوصول إلى مستويات جديدة من الإنتاجية والخدمة التي تقدّمها للمواطنين؟
يقول جوناثان بيردويل، رئيس قسم السياسات والرؤى في 'إيكونوميست إمباكت': 'في ظل القيود المالية والطلبات المتزايدة على الخدمات العامة لمعالجة التحديات المعقدة، مثل شيخوخة السكان وتغير المناخ وتفشّي حالة انعدام اليقين الاقتصادي، يجب على الحكومات التصرّف بحزم لتنفيذ إصلاحات الإنتاجية. وعلى سبيل المثال، بلغت الاستجابة المالية لجائحة 'كوفيد-19″ في عدد من الدول ذات الدخل المرتفع 21% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤكد الدور الحاسم للتدخل الحكومي في أوقات الأزمات'.
وأضاف بيردويل: 'لقد وجد بحثنا أنه رغم أهمية التحول الرقمي كنهج ضروري في عصرنا الحالي، إلا أنه لن يكون كافياً بمفرده لتحقيق هذا الهدف. ويعتمد النجاح على الهياكل التنظيمية التكيفية التي تتغلب على مقاومة التغيير، إضافة إلى مشاركة الموظفين في تصميم وتنفيذ التقنيات الجديدة. ويوفر الذكاء الاصطناعي للقطاع العام فرصة لتحويل الطرق التي يعتمد عليها لتقديم خدماته للمواطنين وتعزيز تجربة الموظفين'.
ويستند التقرير إلى استطلاع شارك به أكثر من 1,550 موظفاً في القطاع الحكومي وفي قطاع الرعاية الصحية العامة في 26 دولة في الأمريكتين وأوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، وتتضمّن نتائجه الرئيسية ما يلي:
الدور الحاسم للتحول الرقمي وإعادة تصميم المؤسسات من أجل تعزيز إنتاجية القطاع العام.
أهم حالات استخدام الذكاء الاصطناعي التي تناولتها الحكومات ، بما في ذلك التحليلات التنبؤية والأمن السيبراني/ الوقاية من الاحتيال.
أهمية إصلاحات الإنتاجية التدريجية والتحدّيات التي تفرضها قيود الميزانية.
أهمية الشراكات مع الموردين الخارجيين لتبسيط العمليات وتحسينها، وزيادة سرعة الاستجابة، وتعزيز الاستلام .
الحاجة إلى مشاركة أكبر مع موظفي القطاع العام في تصميم وتنفيذ الإصلاحات الإنتاجية.
الثقافة والتكنولوجيا تتكاملان بشكل متوازي: خرج التقرير بنتيجة مفادها أن الحكومات تحقّق مكاسب كبيرة من الاستثمارات في الحكومة الإلكترونية والخدمات القائمة على البيانات والذكاء الاصطناعي، لكن هذه وحدها لا تكفي لإحداث التغيير المنشود. ويكشف الاستطلاع أن التصميم التنظيمي القادر على التكيّف إلى جانب التحوّل الرقمي يُمثّلان أهم استراتيجيتين لتعزيز الإنتاجية، كما يحملان نفس القدر من الأهمية تقريباً. ويشير الاستطلاع أيضاً إلى أن الوكالات التي شرعت في التحوّل الرقمي كانت أكثر عرضة لتنفيذ الإصلاحات التنظيمية بطريقة ناجحة.
يقول ميخائيل كنيازيف، مدير استشارات العملاء لدى ساس الشرق الأوسط: 'تعمل منصتنا لتحليل البيانات المتقدمة القائمة على السحابة ساس فايا ' SAS Viya' على تمكين القطاع العام، كونها تعدّ منصّة موحّدة يُمكنها تلبية احتياجات فئات متنوعة من المستخدمين، بدءاً من علماء البيانات وحتى محللي الأعمال. وتتيح واجهتها البديهية الخالية من التعليمات البرمجية والسحب والإفلات للمستخدمين التوصل إلى الابتكارات بشكل أسرع. ومع ذلك، لا يمكن للتكنولوجيا وحدها تحفيز الإنتاجية، بل تحتاج المؤسسات إلى ثقافة تُعزز الابتكار، وتُسهم في تمكين التحسينات المستمرة، ما يؤدي إلى إحراز اختلاف كبير بمرور الوقت'.
في الواقع، أكد 68% من المشاركين في الاستطلاع في المملكة العربية السعودية أنهم حريصون على تبني التقنيات الجديدة، مدعومة بالأدلة على فعاليتها في مؤسسات أخرى، مما يتماشى بشكل وثيق مع المتوسط العالمي البالغ 70%. تعتبر قضايا خصوصية البيانات (58%) من التحديات الرئيسية التي تواجه تبني التقنيات بنجاح. كما أشار ثلث المشاركين (32%) إلى أن عدم القدرة على قياس الإنتاجية يعد عائقًا أمام إصلاح الإنتاجية.
ورغم إقرار المشاركين بهذه العقبات، رأت الغالبية العظمى (98%) من المستطلع أرائهم في المملكة، أن التقنيات الرقمية تقدم فوائد تفوق حجم المخاطر التي قد تتعرض لها مؤسساتهم، في حين بلغ المتوسط العالمي 90%.
الذكاء الاصطناعي في الصدارة
يعتقد ما يقرب من نصف المستطلع أرائهم (48%) أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبيرو حاسم في تحسين الإنتاجية داخل مؤسساتهم على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ويستكشف التقرير الاستخدامات الواعدة للذكاء الاصطناعي في الحكومة، كما يتضمن دراسات حالة واقعية مستمدة من وكالات مختلفة حول العالم. وكشف الاستطلاع أن التحليلات التنبؤية هي الاستخدام الأبرز حالياً للذكاء الاصطناعي، حيث اختارها 64% من المشاركين. وتعدّ القدرة على التنبؤ بالمخاطر والتخطيط لها إحدى أكثر حالات الاستخدام جاذبية للذكاء الاصطناعي، نظراً لقدرتها على محاكاة السيناريوهات.
ويعتبر الأمن السيبراني ومنع الاحتيال أحد التطبيقات الأخرى الشائعة للذكاء الاصطناعي، حيث اختاره 50% من المشاركين في الإجابة على أسئلة الاستطلاع. ونظراً لتعقيد الجرائم المالية وغسل الأموال، واستخدام الذكاء الاصطناعي من قبل المجرمين السيبرانيين المتطورين، يجد مكافحو الاحتيال أنفسهم مُجبرين على تعزيز استخدامهم لهذه التكنولوجيا.
الاعتماد على الموردين لتحفيز الإنتاجية
يشير هذا البحث إلى أن نهج شراء الذكاء الاصطناعي قد يحتاج إلى إعادة النظر. وفي الغالب، يتطلب الذكاء الاصطناعي التخصيص والتحديثات المستمرة، على عكس نماذج المشتريات التقليدية التي تركز على منتج أو مشروع واحد جاهز. وإضافة إلى ذلك، غالباً ما تدير أقسام المشتريات مجالات متعددة، وقد تبذل جهوداً مُضنية لتقييم جودة التقنيات الجديدة. وكان تردد القطاع العام في تبني التقنيات ناجماً عن عدم الإلمام بنماذج البرمجيات كخدمة، فضلاً عن سمة التعقيد لعملية إدارة التقنيات التي تحتاج إلى البيانات الكثيفة.
ويمكن لمورّدي التكنولوجيا أداء دور أساسي كشركاء مهمّين في هذه العملية. وأكد المشاركون في الاستطلاع هذا الأمر، حيث أشار 40% منهم إلى الاستعانة بمصادر خارجية من الموردين الخارجيين، باعتبار ذلك يعدّ إحدى أكثر الاستراتيجيات فعالية لتحسين الإنتاجية.
إشراك الموظفين
قد تكون إصلاحات الإنتاجية عرضة للفشل إذا لم يشترك الموظفون فيها، ومع ذلك يظهر الاستطلاع الحاجة إلى مشاركة أكبر. وقالت أقلية من المشاركين في الاستطلاع ذاته في المملكة إن الموظفين والمديرين يشاركون بشكل أساسي في تحديد الاحتياجات (22%)، واختيار نوع التكنولوجيا (20%)، وتنفيذ التكنولوجيا (42%)، ولا يزال هذا أعلى من المتوسط العالمي. ويتوقع من العاملين في القطاع العام فهم فوائد التقنيات الجديدة عن طريق التدريب، كما يحتاجون إلى التمكين لتقديم الملاحظات من أجل تحقيق التحسين المستمر.
إن إصلاحات الإنتاجية تكون أكثر فعالية عندما تتم صياغتها على أنها تعزز تأثير الخدمات الحكومية على المجتمع، مع تحسين تجربة الموظفين. وذكر المشاركون في الاستطلاع رضا الموظفين (50%) كأحد المقاييس التي تستخدم داخل مؤسساتهم لقياس الإنتاجية، يليه رضا المواطنين (50%).
وتلعب إصلاحات الإنتاجية دوراً قيّماً لتعزيز تقديم الخدمات من خلال ضمان وقت استجابة أسرع، إلى جانب التواصل المبسط، والعمليات المحسنة. وتعمل هذه التحسينات على تعزيز رضا الموظفين من خلال الحد من تراكم المتأخرات وتفادي الإرهاق، وتحسين تجربة المواطنين، وذلك من خلال الوصول السريع والسهل إلى الخدمات.
ويعتمد تقرير إعادة تصور مستقبل إنتاجية القطاع العام على استطلاع عالمي بمشاركة موظفي القطاع العام، بما في ذلك في مجال الرعاية الصحية العامة والمستشفيات، وتم دعمه عن طريق إجراء مقابلات مع خبراء يعملون لدى المؤسسات الأكاديمية والهيئات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف. ويقدم التقرير نتائج الاستطلاع المدعومة بالرؤى النوعية، كما يُقدم توصيات لمساعدة الجهات ذات العلاقة لمتابعة الإصلاحات الإنتاجية الطموحة والواقعية بنفس الوقت في الحكومة المركزية والمحلية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 8 ساعات
- البلاد البحرينية
أول خسارة أسبوعية منذ أبريل.. تراجع أسعار النفط عالمياً
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً محدوداً في آخر جلسة بالأسواق العالمية، مع الاتجاه لتسجيل أول خسارة أسبوعية خلال ثلاثة أسابيع، متأثرة بتوقعات زيادة كبيرة في إنتاج منظمة أوبك+ خلال يوليو. ارتفاع طفيف في أسعار النفط مع خسائر أسبوعية مرتقبة قفزت عقود خام برنت الآجلة 30 سنتاً، أو ما يعادل 0.47%، لتصل إلى 64.74 دولاراً للبرميل، فيما ارتفعت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 27 سنتاً، أو 0.44%، لتسجل 61.47 دولاراً للبرميل. ورغم ذلك، يتجه كلا العقدين لفقدان أكثر من 1% من قيمتهما هذا الأسبوع بعد مكاسب متتالية في الأسابيع الماضية. أوبك+ تخطط لزيادة الإنتاج بنحو 411 ألف برميل يومياً في يوليو تجتمع أوبك+ الأسبوع المقبل، ومن المتوقع أن تعلن عن زيادة إنتاج جديدة تصل إلى 411 ألف برميل يومياً لشهر يوليو، في خطوة تأتي ضمن خطة لفك الخفض الطوعي البالغ 2.2 مليون برميل يومياً الذي تم تطبيقه سابقاً. وسبق للمجموعة أن رفعت إنتاجها بمقدار مليون برميل يومياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية. رغم التوترات التي أثارها تقرير عن استعدادات إسرائيل لضرب منشآت نووية إيرانية، بالإضافة إلى العقوبات الأوروبية والبريطانية الجديدة على النفط الروسي، إلا أن زيادة المعروض النفطي كانت له الأثر الأكبر في ضغط الأسعار. إلى جانب ذلك، ساهم ارتفاع مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة في كبح أسعار الخام. الطلب على التخزين الأمريكي يصل إلى مستويات مرتفعة مع توقعات بزيادة ضخ النفط في الأسواق خلال الأشهر القادمة، شهد الطلب على تخزين النفط الخام في الولايات المتحدة قفزة كبيرة، لتصل إلى مستويات مشابهة لتلك المسجلة في ذروة جائحة كوفيد-19، وفق بيانات شركة "ذا تانك تايغر". يراقب المستثمرون عن كثب بيانات عدد منصات الحفر الأمريكية التي تصدرها شركة بيكر هيوز، والتي تعتبر مؤشراً رئيسياً على المعروض النفطي المستقبلي. كما تتجه الأنظار نحو الجولة الخامسة من المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران المزمع عقدها في روما اليوم، والتي قد تلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل صادرات النفط الإيراني. تم نشر هذا المقال على موقع


البلاد البحرينية
منذ يوم واحد
- البلاد البحرينية
الإفلاس.. من وصمة العجز إلى أداة إنقاذ اقتصادي
القانون البحريني يستند لنموذج يشابه الفصل الحادي عشر الأميركي البحرين تتيح للشركات 'الفرصة الثانية' قبل إعلان الإفلاس ضرورة استحداث سجلات للإفلاس تعزز الشفافية مما لا شك فيه أن الإفلاس لم يعد مجرد إجراء قانوني يهدف إلى تصفية أموال التاجر المتعثر وإنهاء نشاطه، بل بات يمثل إحدى الركائز الجوهرية لضمان استقرار النظام الاقتصادي وحماية السوق من الانهيار المفاجئ لكيانات اقتصادية قد تكون في جوهرها قابلة للإنقاذ، فالإفلاس بمفهومه الحديث لم يعد مرادفًا للانهيار أو الفشل بل تحول إلى أداة لإعادة الهيكلة والتوازن سواء في السياسات التجارية أو في حماية الدائنين، وهو ما يظهر جليًّا في مسار تطور القوانين العربية والخليجية في هذا المجال. لقد أدركت معظم الأنظمة القانونية العربية أن غياب إطار تشريعي متطور للإفلاس يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة أبرزها عزوف المستثمرين عن الدخول في بيئة لا توفر الحماية القانونية اللازمة في حالات التعثر، وخلق سوق غير منظمة يتعمد فيها البعض التهرب من المسؤوليات القانونية، بما ينعكس سلبًا على ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية. التجربة الخليجية وتعد التجربة الخليجية من التجارب الرائدة التي تستحق التوقف عندها، فكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة قد تبنتا قوانين إفلاس حديثة تستند في مرجعياتها إلى قواعد 'الأونسيترال' (UNCITRAL) النموذجية، مع مراعاة الخصوصية الوطنية لكل دولة. في السعودية صدر نظام الإفلاس بموجب المرسوم الملكي رقم (م/50) لسنة 1439هـ، وهو قانون شامل ينظم سبعة إجراءات مختلفة لمعالجة أوضاع المدين المتعثر، بدءًا من التسوية الوقائية التي تهدف إلى منع حدوث الإفلاس فعليًّا، مرورًا بإعادة التنظيم المالي وإعادة الهيكلة التي تسمح للمدين بالحفاظ على استمرارية نشاطه، وصولًا إلى التصفية التي تعد الخيار الأخير بعد استنفاد جميع محاولات الإنقاذ، ويتميز النظام السعودي بوجود محاكم تجارية متخصصة وأمناء إفلاس مرخصين، إضافة إلى سجل إلكتروني للإفلاس يعزّز الشفافية والثقة في العملية برمتها. أما في الإمارات فقد صدر القانون الاتحادي رقم 9 لسنة 2016 بشأن الإفلاس، وتم تعديله لاحقًا بالقانون رقم 21 لسنة 2020 لمواكبة التحديات التي فرضتها جائحة 'كوفيد 19'، وأتاح القانون الإماراتي مرونة كبيرة في جدولة الديون وإعادة الهيكلة مع إقرار إنشاء سجل للإفلاس يخضع لإشراف السلطات المختصة، فضلًا عن منح المحكمة سلطات واسعة لضمان توازن المصالح بين المدين والدائنين، وتجنب الإفلاس التعسفي. وتُعَدّ الإمارات نموذجًا عمليًّا في إدماج الإفلاس ضمن منظومة متكاملة تهدف للحفاظ على الاقتصاد الوطني ومناخ الاستثمار. أما سلطنة عمان، فقد صدر قانون الإفلاس بالمرسوم السلطاني رقم 53 لسنة 2019، وتم تفعيله بدءًا من يوليو 2020، ويمثل هذا القانون خطوة نوعية نحو تحديث التشريع، حيث يتضمن تنظيمًا دقيقًا لإجراءات الإنقاذ، مع إعطاء الأولوية للتسوية الوقائية وإعادة الهيكلة قبل الشروع في التصفية القضائية، إضافة إلى مراعاة خصوصية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر تبسيط الإجراءات وإيجاد آليات داعمة، مثل تعيين الخبراء الماليين من خارج الجهاز القضائي، ولا يخفى على المتابع أن هذا القانون يتبنى فلسفة اقتصادية تركز على دعم استدامة الأعمال، وتعزيز قدرة الشركات على تجاوز الأزمات المالية. في البحرين، صدر المرسوم بقانون رقم 22 لسنة 2018 بشأن إعادة التنظيم والإفلاس، ويُعد من القوانين المتقدمة في المنطقة إذ يسمح للشركات المتعثرة بإعادة تنظيم أوضاعها تحت إشراف المحكمة، ويشجع على بقاء النشاط التجاري قيد التشغيل مع إخضاعه لرقابة محكمة الإفلاس، ويستند القانون البحريني إلى نماذج عالمية مشابهة مثل الفصل الحادي عشر في القانون الأميركي، الذي يتيح للشركات فرصة 'الفرصة الثانية' قبل إعلان الإفلاس الكامل. هذا القانون يعكس رؤية البحرين في تحفيز بيئة استثمارية مرنة ومستقرة، خصوصًا للشركات المتوسطة والصغيرة التي تمثل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الوطني. أما الكويت، فلا يزال القانون التجاري رقم 68 لسنة 1980 هو الإطار القانوني السائد الذي ينظم الإفلاس، ولم تصدر حتى اليوم تشريعات متقدمة متخصصة في هذا المجال، ويُعاب على القانون الحالي تقادمه وافتقاره لآليات إعادة الهيكلة أو التسوية الوقائية، حيث يركز بشكل رئيس على التصفية بدلًا من الإنقاذ، ويعد هذا الوضع من التحديات القانونية والاقتصادية التي تواجه الكويت، خصوصًا في ظل الحاجة المتزايدة لتشريعات تسهم في تنشيط السوق وتوفير حماية متوازنة بين حقوق الدائنين وحماية الأنشطة التجارية. وفي قطر، لا تزال التشريعات المتعلقة بالإفلاس مقتصرة على بعض التعديلات في قانون التجارة القطري، دون وجود قانون مستقل ومتكامل للإفلاس، وهذا الفراغ التشريعي يثير قلقًا اقتصاديًّا لاسيما مع تنامي القطاعات الاستثمارية والتجارية في الدولة، وضرورة وجود إطار قانوني يضمن تنظيم التعثر المالي وحماية جميع الأطراف. التجربة العربية تتنوع التجارب العربية في مجال قوانين الإفلاس بين تقدم واضح في بعض الدول وغياب أو تقادم تشريعي في أخرى. في مصر، صدر قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس برقم 11 لسنة 2018، وهو قانون يمثل نقلة نوعية في مجال التشريعات الاقتصادية، إذ يتضمن تنظيمًا متكاملًا لإجراءات إعادة الهيكلة والصلح الواقي ويتيح للمدين التصالح مع الدائنين تحت إشراف لجنة إعادة الهيكلة المختصة، كما أنشأ القانون محاكم اقتصادية متخصصة تسهل وتسريع النظر في هذه القضايا؛ ما أدى إلى خفض نسب الإفلاسات المعلنة، وتحسين مناخ الأعمال. ومن الجدير بالذكر أن القانون المصري اعتمد في صيغته على تجربة القانون الأميركي والفصل الحادي عشر، مع إدخال تعديلات تواكب البيئة الاقتصادية والاجتماعية المصرية. أما لبنان، فيفتقر إلى قانون إفلاس حديث ومتكامل، حيث لا يزال العمل قائمًا على قانون التجارة القديم للعام 1942، الذي لا يتضمن آليات إعادة هيكلة أو تسوية وقائية ويُشكل هذا النقص تحديًا كبيرًا، لاسيما في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد، والتي تستدعي تشريعات فعالة لإعادة تنظيم الديون وحماية المؤسسات الاقتصادية من الانهيار الكامل. في الأردن، صدر قانون الإعسار رقم 21 لسنة 2018، الذي يعتبر الإفلاس حالة ضمن حالات الإعسار المدني، ويتيح إعادة تنظيم أعمال المدين تحت إشراف المحكمة، مع إعطاء الأولوية لاستمرارية النشاط الاقتصادي وحماية حقوق الدائنين، ويُظهر القانون الأردني تقدما ملحوظا في اعتماد آليات متوازنة بين الإنقاذ والتصفية. وفي تونس، صدر القانون عدد 36 لسنة 2016، وهو قانون حديث نسبيًّا يتضمن مسطرة الإنقاذ التي تسبق الحكم بالإفلاس ويسمح بالتفاوض بين المدين والدائنين قبل اللجوء إلى القضاء، كما ينص على تعيين مراقبين مستقلين لمساعدة القضاء في تقييم خطط الإنقاذ؛ ما يعزز فرص إعادة تأهيل المؤسسات المتعثرة. أما المغرب، فقد شهد تعديلًا مهمًّا من خلال قانون رقم 73.17 المتعلق بإصلاح الكتاب الخامس من مدونة التجارة، الذي ركز على الوقاية والتسوية القضائية والتصفية، مع إنشاء قضاء تجاري متخصص، وإتاحة الفرصة لإعادة إدماج المدين في الحياة الاقتصادية بعد انتهاء إجراءات الإفلاس، في فلسفة تقوم على منح 'الفرصة الثانية' للأعمال. ولا ريب أن النموذج التشريعي للإفلاس يتطور داخل الدول العربية والخليجية من عقوبات تقليدية نحو فلسفة اقتصادية تركز على الوقاية، والإنقاذ، وإعادة الهيكلة، وهو توجه يعكس وعيًا متقدمًا بأهمية استمرار المؤسسات الاقتصادية وحماية حقوق الدائنين على حد سواء. ولعل أبرز ما يمكن ملاحظته في هذه القوانين هو: - إعادة تعريف الإفلاس كمفهوم لا يعني الفشل، بل هو مرحلة يمكن التحكم فيها ضمن دورة حياة الأعمال، وتجاوزها بإعادة الهيكلة. - تمكين القضاء من حماية المدين المؤقت من الملاحقة العشوائية، مع وضع آليات صارمة لمنع سوء الاستخدام. - اعتماد إجراءات وقائية وتشغيلية، مثل التسوية الوقائية، والصلح الواقي، لإعادة التوازن المالي. - توفير بيئة قضائية متخصصة وسريعة النظر لتقليل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الإفلاس. - استحداث سجلات للإفلاس تعزز الشفافية، وتوفر معلومات موثوقة للمستثمرين والمؤسسات المالية. - مراعاة خصوصية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ لما لها من أهمية اقتصادية واجتماعية. رؤية قانونية من منظور قانوني واقتصادي، يبدو أن تجربة بعض الدول الخليجية، مثل السعودية والإمارات، قد وضعت معايير متقدمة يمكن أن تكون نموذجًا يُحتذى به لباقي الدول العربية، من حيث شمولية القوانين، ومرونتها، وربطها بمراكز مختصة وأمناء إفلاس محترفين. أما الدول التي تفتقر إلى تشريعات حديثة، مثل لبنان وقطر والكويت، فيتوجب عليها الإسراع في تبني قوانين متطورة تتماشى مع المعايير الدولية، لاسيما أن غياب إطار قانوني متكامل يضر ببيئة الأعمال ويضعف من ثقة المستثمرين. أما مصر، فلديها تشريع متقدم، لكن التطبيق يحتاج إلى مزيد من التفعيل الفعلي، من خلال تدريب القضاة والخبراء وإنشاء وحدات متخصصة، ومراكز تسوية تسهم في تسريع وتسوية النزاعات بفعالية. ختامًا، لا يمكن النظر إلى قوانين الإفلاس على أنها مجرد نصوص قانونية صماء، بل هي أدوات حيوية لتحقيق استقرار الاقتصاد، وحماية سوق العمل، وتعزيز ثقة المستثمرين، بما يضمن استدامة الأعمال والفرص الاقتصادية في بيئة متجددة ومستقرة.


الوطن
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- الوطن
الأوقاف التعليمية: رافعة استراتيجية للاستثمار في رأس المال البشري
تُعدّ الأوقاف التعليمية من أهم أدوات التنمية المستدامة في المجتمعات، لما لها من دور فاعل في تمويل التعليم وضمان استمراريته بعيداً عن تقلبات تمويلات القطاع العام والقطاع الخاص أو التبرعات الموسمية. وتُعرف الأوقاف التعليمية بأنها أصول موقوفة تُدار بشكل استثماري وتُخصص عوائدها لدعم مؤسسات التعليم أو المنح الدراسية أو البرامج البحثية والتدريبية. وفقاً لتقرير البنك الدولي (2022)، فإن الاستثمار في التعليم يعزز الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية بنسبة تصل إلى 10% إذا تم توجيهه بفاعلية نحو الفئات ذات الدخل المحدود. وهنا تتجلى أهمية الأوقاف التعليمية، خصوصاً في الدول التي تسعى لتحقيق رؤية تنموية طويلة المدى لتعزيز التمويل الذاتي للجامعات والمؤسسات الأكاديمية. وتشير إحصاءات مؤسسة الوقف التعليمي العالمية (IEF) إلى أن حجم الأوقاف التعليمية في الجامعات الأمريكية تجاوز 840 مليار دولار في 2023، حيث تتصدر جامعة هارفارد بحجم وقف يناهز 50.7 مليار دولار، ما يتيح لها تمويل الأبحاث، وتقديم منح دراسية، واستقطاب الكفاءات دون الاعتماد على الرسوم الدراسية وحدها. وعلى الصعيد العربي، يُعد وقف السلطان قابوس لجامعة نزوى في سلطنة عُمان أحد النماذج الرائدة عربياً، إذ يدير أصولاً وقفية تتجاوز 130 مليون دولار، ويُعد مثالاً على شراكة مستدامة بين الحكومة والقطاع الوقفي لدعم التعليم العالي. تُحدث الأوقاف التعليمية أثراً عميقاً في كل من البعدين الاجتماعي والاقتصادي، إذ تسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال إتاحة فرص التعليم للفئات المحرومة، وتقليل الفجوة التعليمية بين الطبقات. فعلى سبيل المثال، تشير دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD, 2021) إلى أن كل سنة إضافية يقضيها الفرد في التعليم تزيد من دخله بنسبة تتراوح بين 9% و15%، ما يعكس الأثر المباشر للأوقاف التعليمية في تحسين مستويات المعيشة وتقليل نسب البطالة. أما على المستوى الاقتصادي، فتمثل الأوقاف التعليمية آلية تمويل مستدامة تقلل من عبء الدولة على المدى الطويل، وتسهم في بناء رأس مال بشري قادر على دعم الابتكار وزيادة الإنتاجية. وتُظهر تقارير مؤسسة ماكنزي (2023) أن الاستثمارات التعليمية ذات الطابع الوقفي تُولّد عائداً اقتصادياً يزيد بنسبة 20% على الاستثمارات التقليدية في البنية التحتية، إذا ما أحسن إدارتها، وربطها باحتياجات سوق العمل. كما تُعزز الأوقاف التعليمية من استقرار المنظومة التعليمية في أوقات الأزمات الاقتصادية أو الكوارث، كما حصل خلال جائحة كوفيد-19، حيث تمكّنت الجامعات ذات الأوقاف القوية في الولايات المتحدة وكندا من الحفاظ على برامجها وتقديم منح طارئة للطلبة، مقارنة بتلك التي تعتمد على التمويل الحكومي وحده. اجتماعياً، تُسهم الأوقاف التعليمية في خلق فرص متساوية وتحفيز ثقافة التفوق العلمي، خاصةً إذا وُجّهت لدعم التخصصات المستقبلية كالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وهو ما يشكل رافعة للتحول نحو اقتصاد المعرفة في دولنا الخليجية. في الختام، تمثل الأوقاف التعليمية ركيزة حيوية لبناء اقتصاد المعرفة، ودعم العدالة التعليمية، واستدامة تمويل المؤسسات الأكاديمية. ومع اتساع التحديات التعليمية عالمياً، فإن تنمية هذا القطاع باتت ضرورة استراتيجية لا ترفاً مؤسسياً.