
الحملة على عبدالنّاصر: استهداف لمصر ودورها
هجمت وسائل إعلاميّة عديدة على حدثٍ يقال إنّه جرى اكتشافه من أواخر الستّينيات، وهو يعني قبول عبدالناصر لمبادرة 'روجرز'. والمقالة تدرس هذا الاحتمال وتعتبره زائفاً، فقبول عبدالناصر للمبادرة كان علنيّاً وواضحاً. أمّا الخبر السيّار هذا فهدفه الإساءة إلى عبدالناصر الذي استسلم(!)، وأمّا حماس فلم تستسلم. لا اكتشاف ولا مَنْ يكتشفون، وإنّما القصد الإساءة إلى صورة عبدالناصر، وإلى دور مصر الحاليّ.
استغربت في الأيّام الماضية خبر 'الاكتشاف' الفظيع عن جمال عبدالناصر، وأنّه كان مؤيّداً لمبادرة 'روجرز' (وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز 1968-1969)، فقد كنّا طلّاباً بالجامعة بمصر وعرفنا من الصحف المصرية عن المبادرة، وبعد حوالى أسبوعين انطلقت حملة في الصحافة المصريّة على اليسار الطفوليّ، وعلى الجهات الرسمية العربية التي تزعم تشكيل جبهة رفضٍ للحلول الاستسلاميّة، وهم مثل رصفائهم من دعاة اليسار والبعث ليسوا أهل حربٍ أو سلام، بل هم أفواهٌ كبيرةٌ وهمم صغيرة، ومصر لا تأبه لهؤلاء الصغار والزعانف، وتقرّر سياساتها بنفسها، لا بالأيديولوجيات والدعاوى القادمة من الشرق أو الغرب.
بعد الحملة المصرية على اليساريّين والبعثيّين والغمز من قناة حكّام سورية (أيّام صلاح جديد) وحكّام العراق (في بداية عهد البكر وصدّام) حملت الصحف اللبنانية الموالية لعبدالناصر على المتنكّرين للسياسات الواقعية للرئيس القائد، وعرفنا من الصحف اللبنانية التي كانت الصحف المصرية تنقل مقالاتها أنّ الساخطين على قبول عبدالناصر لمبادرة 'روجرز' هم من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وأنّه حصل انشقاق في حزب البعث يؤيّد السياسات الواقعية للرئيس المصري.
هجمت وسائل إعلاميّة عديدة على حدثٍ يقال إنّه جرى اكتشافه من أواخر الستّينيات، وهو يعني قبول عبدالناصر لمبادرة 'روجرز'
استبدال الحلفاء
وقد فهمنا من مقالتين لمحمد حسنين هيكل أنّ ألم الرئيس من الكلام العشوائي والخطابي لا يعود لتأثيره على الساحة العربية فهو بدون تأثير. لكنّ الألم يأتي من أنّ هؤلاء كانوا يزعمون أنّهم أصدقاء مصر وكانوا يحظون بمساعدتها. لكنّهم أصغوا فيما يبدو للهمسات الخارجية وللأهواء والصراعات في الحرب الباردة. وفي مقالة هيكل الثانية لكلام يشبه إلى حدٍّ بعيد الكلام الذي ظهر في حديث عبدالناصر مع العقيد معمّر القذّافي الذي يبدو أنّه كان أيضاً من المعترضين. والكلام الدفاعيّ هو: إقرار مبدأ التفاوض لا يعني تجاهل مبدأ الحقّ في استعادة الأرض بأيّ شكل، والأمر الثاني أنّه إذا وصل الأمر إلى التفاوض بالفعل، فلن تتجاهل مصر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأمّا الأمر الثالث فهو أنّ مصر تحتاج إلى وقت لإعادة بناء الجيش، ولذلك هي محتاجة إلى هدنة لن يمنحها إيّاها الإسرائيليون، وهم الذين سيرفضون مبادرة 'روجزر' من أجل الاستمرار في العدوان، فلماذا لا تنتهز مصر الفرصة، وبخاصّةٍ أنّها تأتي من جانب الولايات المتّحدة القوّة العظمى في العالم.
كان اليساريون من الفلسطينيين واللبنانيين يأتون إلى القاهرة كلّ عدّة أشهرٍ منذ عام 1965، وقد اشتُهر أنّ اليساريّ اللبناني محسن إبراهيم كان ذا حظوةٍ عند عبدالناصر. فلمّا حصلت الواقعة وبادر اليساريون عبدالناصر بالهجوم، توقّف الرئيس عن استقبالهم باستثناء مرّةٍ واحدةٍ استقبل فيها محسن إبراهيم الذي أُوفد لإيضاح الموقف للزعيم، لكنّه لم ينجح. وحصل بعدها أمر غريب بشكلٍ مفاجئ. فقد استقبل الرئيس وفداً من حركة فتح التي ما أقبل عليها المصريون طوال سنوات، بسبب الأصول الإخوانيّة لبعض المؤسّسين. وهكذا بسبب مواقف اليسار، وهو قسمان سوفيتي ومن اليسار الجديد، أو بعثيّ متياسر، جرى استبدال الحلفاء أواخر أيّام عبدالناصر، وظلّت 'فتح' أيّام السادات ثمّ مبارك هي الجهة المفضّلة حتّى أوسلو عام 1993.
كان اليساريون من الفلسطينيين واللبنانيين يأتون إلى القاهرة كلّ عدّة أشهرٍ منذ عام 1965، وقد اشتُهر أنّ اليساريّ اللبناني محسن إبراهيم كان ذا حظوةٍ عند عبدالناصر
كلّ هذا ما كان سرّاً، منذ مطلع السبعينيّات حتّى وفاة عبدالناصر وهو يحاول التوسّط بين الأردن والفلسطينيين لإخماد الصراع المسلّح بين الطرفين. ولذلك فاجأتني مزاعم اكتشاف استسلاميّة عبدالناصر، وهي فترة قصيرة اعتبرها عبدالناصر فرصة لإعادة بناء الجيش، وانتهت خلال أقلّ من ثلاثة أشهر، لأنّ إسرائيل المعتزّة بانتصارها الأسطوريّ ما وافقت على مبادرة 'روجرز'، لأنّها كانت تعني هدنةً يستفيد منها المصريون في الترميم الذي لا تريده إسرائيل.
تعذيب النّفس
إذاً موقف عبدالنّاصر من مبادرة 'روجرز' كان معروفاً بتفاصيله منذ عام 1969. ولذلك أذهلني سوء النيّة أو سوء التقدير الذي بدا في الأحاديث التلفزيونية عن الكشف المزعوم! من الذي يستفيد من هذا الاختراع الاكتشافيّ؟ إسرائيل و'حماس' والذين لا يعجبهم الدور المصري الحالي في التوسّط وطرح المشروع البديل للمذبحة الإسرائيلية ولحكم 'حماس' لغزّة، وهو المشروع الذي تدعمه الدول العربية والإسلامية.
لقد أخطأ الذين وقعوا في فخّ اكتشاف استسلام عبدالناصر، كما أخطأ الباحثون المصريون الذين شاركوا في الحلقات التلفزيونية والحوارات الصحافية بالإصرار على النفي المطلق تنزيهاً للزعيم، في حين ذهب فريقٌ آخر إلى أنّ عبدالناصر كان يضحك على الأميركيين وإسرائيل.
بعد حرب غزّة، وهي أسوأ الحروب وأكثرها دمويّة، لسنا بحاجة إلى المزيد من تعذيب النفس باكتشافاتٍ عن عبدالناصر وغير عبدالناصر. لندع المتوفَّين من رجالاتنا قبل عقودٍ ولا حاجة إلى نبش قبورهم، بعدما تعذّر علينا الحصول على قبورٍ لأطفال غزّة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ 5 ساعات
- رؤيا نيوز
يديعوت أحرونوت: محادثات واشنطن مع ممثلي حمـا.س مستمرة
ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، الأحد، أن المحادثات التي تجريها واشنطن مع ممثلين عن حركة حماس لا تزال مستمرة وكذلك المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى رغم أنها متعثرة حاليًا. وأوضحت الصحيفة: 'في إسرائيل يُقدّرون أن الضغط العسكري على حماس بدأ يؤتي ثماره، لكنه غير كافٍ حتى الآن'. وفي الوقت الذي تجري فيه الاستعدادات الإسرائيلية لتكثيف العملية العسكرية وتوسيع سيطرة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، جاءت الرسالة من الجانب الأميركي: 'تريثوا، لا تُسرعوا باجتياح كامل للقطاع'، بحسب الصحيفة. وأشارت الصحيفة إلى أن 'هذه الرسالة تعكس التوتر المتزايد بين تل أبيب وواشنطن، حيث تحاول الأخيرة دفع الطرفين إلى تسوية سياسية ووقف فوري لإطلاق النار، بينما ترى إسرائيل أن حماس لم تصل بعد إلى مرحلة الانهيار الكامل التي تُعد شرطًا لإبرام اتفاق بشروطها'. ورغم أن الاتصالات بشأن الصفقة متعثرة إلى حد كبير، إلا أنها مستمرة طوال الوقت في جهاز الأمن والمستوى السياسي في إسرائيل يُقدّرون أن الضغط العسكري بدأ يُؤتي ثماره بالفعل، لكن في هذه المرحلة 'غير كافٍ'، بحسب مصادر إسرائيلية. ولذلك، تُقدّر هذه المصادر أنه من المرجّح أن نشهد 'تصعيدًا في العملية العسكرية' قريبًا. اجتماع أمني ومساء الأحد، يعقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اجتماعا أمنيا بمشاركة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية، في ظل التوتر القائم بينهم، وفي وقت تمارس فيه واشنطن ضغوطًا على إسرائيل. ولم يوقف الجانب الأميركي فعليًا اتصالاته المباشرة مع حركة حماس، والتي لا تزال مستمرة خلف الكواليس. وفي هذه الأثناء، يطلب الأميركيون من إسرائيل: 'أعطونا مزيدًا من الوقت قبل أن تُتموا السيطرة على قطاع غزة' ووفقًا لمسؤولين في الجيش الإسرائيلي، تسيطر إسرائيل بالفعل على حوالي 40 بالمئة من مساحة قطاع غزة وتخطط للسيطرة على 75 بالمئة، أي إضافة 35 بالمئة أخرى خلال شهرين. التواصل الأميركي يذكر أن المسؤول الأميركي المتواصل مع الوسطاء هو المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف. وفي الوقت نفسه، تستمر أطراف أخرى في واشنطن في إجراء المحادثات مع حماس عبر قنواتهم الخاصة، بوساطة رجل الأعمال الأميركي الفلسطيني بشارة بحبح. ووفقًا لمسؤول رفيع في الجيش الإسرائيلي، إسرائيل تتجه نحو حسم الأمور، لأن 'ليس بإمكانها السماح ببقاء حماس في غزة'. وأضاف أن حماس نجحت في تصنيع مئات الصواريخ قصيرة المدى، وعشرات الصواريخ متوسطة المدى. وعند سؤاله كيف ستبدو عملية الحسم ضد حماس، أوضح أن الخطوات التالية هي تدمير الجناح العسكري، ضرب القدرات الحكومية، احتلال الأراضي والسيطرة عليها، وإدارة المساعدات الإنسانية مع قطعها عن حماس.


البوابة
منذ 5 ساعات
- البوابة
هلع في إسرائيل.. تحقيق استخباري يحقق في مكالمات "مرعبة"
بدأ مركز "السايبر" الإسرائيلي، التحقيق بشكل موسّع عقب انتشار حالة من الهلع بين الإسرائيليين إثر تلقي آلاف الإسرائيليين مكالمات هاتفية من أرقام مجهولة تتضمن تسجيلات لـ "محتجزين يصرخون بفزع ويستغيثون باللغة العبرية". وكانت حالة من الذعر والهلع انتشرت في صفوف إسرائيليين، إثر تأكيد عدد منهم تلقيهم مكالمات هاتفية من أرقام مجهولة، قالوا إنها تبث عليهم 'تسجيلات لأسرى يصرخون رعبا في قطاع غزة'، وفق إعلام عبري. وطلب المركز، المعنيّ بالتقنيات في الحكومة الإسرائيلية، من الإسرائيليين الامتناع عن الرد على الرسائل وإهمالها، بعد تلقّي مكالمات هاتفية من أرقام شبيهة بالهواتف الإسرائيلية. وكان مَن تلقّوا المكالمات، التي بدأت يوم الجمعة، قد سمعوا أصوات استغاثة بالعبرية وصفارات إنذار، ودويّ انفجارات قوية، في الخلفية. بينما تلقّى مَن تجاهل المكالمة الأولى "اتصالاً آخر بعد ساعتين"، وفق ما روت شاهدة عيان ممن يعملون في المخابرات الإسرائيلية، لوسائل إعلام عبرية. أما مَن تجاهل المكالمة بتاتاً، فقد تلقّى رسالة مسجلة بالمحتوى نفسه. ووفقاً للمصادر الأمنية، فإنه في أحد التسجيلات سُمع صوت مقطع من فيديو كانت "كتائب القسام" نشرته في العاشر من الشهر الحالي، أظهر اثنين من الأسرى الإسرائيليين لديها. وفي الوقت الذي رجّحت فيه أجهزة أمن إسرائيلية أن تكون "حماس" هي التي تقف وراء هذه الاتصالات، في إطار حملتها وحربها النفسية، توقعت وسائل إعلام عبرية أن تكون هذه المكالمات جزءاً من حملة تخوضها عائلات "المحتجَزين" أو إحدى الحركات التي تُناصرها في معركتها ضد الحكومة. بدورها، نفت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين أن "تكون هي من تقف وراء هذه المكالمات المجهولة، مشيرة إلى أن بعض أفرادها أنفسهم تلقّوا هذه المكالمات". وحذّرت الهيئة من أن يكون توجيه الاتهامات لها محاولة للمساس بها، وجدّدت تأكيدها أن الإسرائيليين يؤيدون عودة جميع المختطَفين والمختطَفات ضمن صفقة واحدة، ولو على حساب إنهاء الحرب. المصدر: الشرق الأوسط


رؤيا نيوز
منذ 14 ساعات
- رؤيا نيوز
إعلام عبري:أميركا طلبت من إسرائيل تأجيل عمليتها الشاملة بغزة
كشفت صحيفة 'جيروزاليم بوست'، الأحد، أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تأجيل إطلاق العملية البرية الواسعة في قطاع غزة، بهدف منح مفاوضات صفقة تبادل الرهائن مزيدا من الوقت لتحقيق تقدم ملموس. وبحسب مصادر مطلعة تحدثت للصحيفة، شمل الطلب الأميركي نقطتين رئيسيتين: تأجيل التوغل البري الشامل، والسماح باستمرار المفاوضات بالتوازي مع العمليات العسكرية المحدودة التي تجري حاليا. وأكد مسؤولون إسرائيليون للصحيفة أن أي عملية برية كبرى ستجعل انسحاب القوات من المناطق التي تسيطر عليها أمرا غير وارد، حتى في حال التوصل إلى اتفاق، ما سيعقد جهود الوصول إلى وقف لإطلاق النار لاحقا. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد صرح مؤخرا بأن الجيش 'سيعمل بكامل قوته ولن يتوقف حتى تحقيق جميع الأهداف'، في إشارة إلى العملية المرتقبة في غزة. نتنياهو يلمح إلى مرونة محدودة رغم التصعيد العسكري، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء الماضي، إنه 'مستعد لوقف إطلاق نار مؤقت بهدف إعادة الرهائن'، ما يشير إلى إمكانية اعتماد مقاربة مرنة في حال أحرزت المفاوضات تقدما. وفي الأسبوع الماضي، سحبت إسرائيل وفدها التفاوضي من العاصمة القطرية الدوحة، بعد أن اشترطت حركة حماس الحصول على ضمانات أميركية بإنهاء الحرب كجزء من أي اتفاق، وهو ما ترفضه تل أبيب، مؤكدة أن 'إطار ويتكوف' هو المقترح الوحيد المطروح حاليا. ويتضمن هذا الإطار وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما مقابل إطلاق 10 رهائن. ورغم انسحاب الوفد الإسرائيلي، تواصل واشنطن، وفق الصحيفة، إجراء محادثات غير مباشرة مع حركة حماس عبر الوسيط الأميركي الدكتور بشارة.