
سورة «الماعون» وحصار غزة.. صمت عين العاصفة
A+ A-
أَرَءَيتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱليَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلمِسكِينِ (3) فَوَيل لِّلمُصَلِّينَ (4) ٱلَّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ (5) ٱلَّذِينَ هُم يُرَآءُونَ (6) وَيَمنَعُونَ ٱلمَاعُونَ (7) (سورة الماعون)
تكذيب عملي مع تدين شكلي:
في سورة الماعون، ترسم الآيات القليلة صورة لمجتمع انفصلت فيه العبادة عن الأخلاق، والإيمان عن الرحمة، والعبادة عن العمل الاجتماعي. إنها سورة قصيرة، لكنها تنسف النفاق الديني وتفضح زيف التدين الذي ينفصل عن الموقف الأخلاقي تجاه الإنسان، خصوصًا حين يكون هذا الإنسان ضعيفًا أو مظلومًا فما بالكم بغزة العزة وهي تتعرض لإبادة ليس بقنبلة ذرية ولا باجتياح وإنما بأسلوب همجي متخلف من حصار يستطيع من يأكل أن يأكل ومن يشرب أن يشرب وهو يرى إخوته يموتون جوعا وهو يذهب إلى المسجد ليصلي والى أفراحه وأتراحه وكل عناوين اللامبالية، الجاهلية والكفر لم ترض أن يستمر حصار شعب أبي طالب وكانوا يعلمون أن الغذاء يهرّب لهم، لكننا نقبل ونعيش حياتنا وكأن شيئا لم يكن.
عندما كنا نقرأ هذه الآيات كنت استغرب كيف يكون الويل لمصلٍ كيف يكون وعيد الله لعباد لا تعلن الكفر، لكن ما نراه في غزة وتجاهل مقيت هو إفراغ لمعنى الدين رغم بقاء التدين الغريزي فأي دين يبقى حين يُترك اليتيم تحت الأنقاض، والمسكين بلا دواء ولا ماء، ثم تُقام الصلوات في قاعات مكيفة دون أن تُقض مضاجعنا من مشهد طفل ينزف على الهواء؟
الصمت العربي: أخرجوا آل لوط من قريتكم
غالبية الأنظمة العربية اختارت الوقوف في المنطقة الرمادية، محتمية إما بالخطاب السياسي البارد أو بالذرائع الجيوسياسية، بينما الدم ينزف بلا انقطاع، المنصات الرسمية في عالمنا العربي تنشغل بالاحتفالات وتعظيم القادة الأفذاذ الضرورة الذين لا تعرف لم وضعت النياشين على صدورهم وبحسابات الربح والخسارة، وكأن الدم الفلسطيني مجرد ملف إقليمي عابر.
هذا يطرح سؤالاً فلسفياً: هل الصمت تجاه الشر، خصوصًا حين يكون جماعيًا، يعكس موقفًا وجوديًا أعمق؟ هل نحن أمام تحلل داخلي للمجتمعات التي لم تعد ترى شيئا مهما أو لها قضية، ام هو عين العاصفة عندما يسود السكون مبشرا بالدمار القادم؟
سورة الماعون: فلسفة الأخلاق
إن جوهر سورة الماعون ليس فقط فضح المنافق الذي يعبد الله ظاهريًا، بل تفكيك النظام الأخلاقي الذي يسمح له بذلك. وصف لمعنى أمة الغثاء التي لا تشعر بالعار ولا بغبش الفهم، ليست خطابًا تشريعيا بل صرخة فلسفية ضد اللامبالاة الأخلاقية، ضد التطبيع مع الألم، وضد تحييد الضمير.
وهنا يلتقي النص القرآني مع أعمق ما وصلت إليه الفلسفة الأخلاقية الحديثة، من إيمانويل ليفيناس الذي جعل «وجه الآخر» نداءً أخلاقيًا لا يمكن تجاهله، ما يحصل فضيحة وعار أيها السادة سيكتبها التاريخ والأهم ستكتب في صفائح أعمالكم حين تقفون أمام الله.
غزة اليوم ليست فقط قضية فلسطينية، بل مرآة الأمة كلها في لحظة تاريخية، تجتمع فيها الوحشية عارية غير خجلة فممن تخجل، والإفلات من العقاب، وتواطؤ قوى كبرى تكون وسيطا ولكنها مفاوض بينما هنالك من يتاجر بالقضية سيف على إخوته وخنجر بيد أعدائه، فتصبح ردة الفعل – أو غيابها – شهادة حية على من نحن حقًا.
حين يصمت من يمتلك القدرة على الحديث، أو يساوي بين القاتل والضحية، أو يتذرع بالواقعية السياسية، فإنه لا يخذل فلسطين فقط، بل يعلن إفلاسه الوجودي وسهوه عن الصلاة ومنع الماعون ليس لأنه لا يصلي، بل لأنه يصلي دون أثر، ويرى أهله يموتون بل وأحيانا يشارك في قتلهم.
** المفارقة العميقة أن الشعوب الأوروبية التي طالما عُرفت بدعم حكوماتها للعدوان، لم تحتمل هول ما ترى. نزلت إلى الشوارع، مزقت الخطوط الحمراء، وواجهت القوانين القمعية لتعلن: «هذا ليس باسمنا».
هذه الشعوب، رغم بعدها الثقافي والديني، استجابت لـ 'الماعون» الإنساني: تقديم الحد الأدنى من النخوة، الإغاثة، الكلمة، الصوت، في المقابل، كان الضمير الإنساني الأوروبي، رغم كل تاريخه الاستعماري، أكثر يقظة، آلاف التظاهرات والاعتصامات، وجماهير غربية تمشي من أجل غزة، أما العالم العربي، الذي يُفترض أنه الأقرب دمًا ولغة ودينًا، فإنه يعاني مما تسميته بـ 'أزمة فهم المعنى» فحين يصبح لقد جرفنا تيار الدم إلى مضيق وجودي.
** وبعد
كان ملك يفرض الضرائب ويحذره مستشاروه أن الشعب يصرخ، إلى أن جاءه مستشاره فرحا وقال له: الشعب صمت! فنهض من مكانه وقال ارفعوا عن الشعب الضرائب لأنه الآن بات خطرا وسينفجر.
إذا استمر الصمت العربي، فإن الكارثة في غزة قد لا تكون فقط مجزرة بشرية، بل قد تكون مجزرة داخل الذات العربية، ويل ليس واديا في الآخرة فقط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الشرق
منذ 2 أيام
- صحيفة الشرق
حفلات الطلاق.. الوجه الصاخب لانهيار صامت
381 ليست 'حفلة الطلاق' زينة تعلق في صالات الفرح، ولا مجرد انفعال فردي عابر، وليست 'احتفالا شخصيا' كما تروج له بعض الأصوات؛ بل هي علامة فارقة على تحول مؤلم في الثقافة الأسرية والمجتمعية. إنها زلزال صامت يهز أعماق القيم، ويشق صفوف البيوت، ويكشف عن فجوة هائلة بين مقاصد الشريعة في الميثاق الغليظ، وبين فهم معاصر اختزل الزواج في صور، والطلاق في انتصار! فما كان الطلاق يوما زينة، ولا الانفصال مسرحا، ولا الميثاق الغليظ خاتمة تزف بالأغاني والضحكات؛ بل كان في الشريعة ضرورة تكره، ودواء مرا يلجأ إليه بعد استفراغ الجهد في الإصلاح. لكن حين يسلب الزواج قدسيته، وتفرغ العلاقة من معانيها، وتبتر النصوص من سياقها، وتزين الفوضى بألوان الفرح… يكون هذا هو المشهد: ضحكات فوق ركام البيوت، وتصفيق فوق جراح الأطفال، و'حرية' مزعومة تشترى بثمن الندم المؤجل، وثقافة مشوهة تبارك الفكاك أكثر مما تبارك الثبات. فما الذي أوصلنا إلى هذا؟ وما الأسباب التي فجرت هذه الظاهرة؟ فلنبدأ من الجذور… الأسباب العميقة لظاهرة حفلات الطلاق: 1. فهم ساذج للزواج الزواج عند كثيرين لم يعد مشروعا للسكينة والبناء، بل تحول إلى 'تجربة' ذات طابع عاطفي سطحي. بعض النساء ترى الزواج 'رواية حب خالدة' لا تعب فيها ولا مسؤوليات، وبعض الرجال يراه ساحة للهيمنة، دون اعتبار لمفهوم المشاركة أو مراعاة الطبائع. وحين تصطدم هذه التوقعات الحالمة بصخرة الواقع، تصاب العلاقة بالانهيار؛ لا لأن الطرفين أشرار، بل لأن الفهم كان ساذجا، والمقدمات هشة. قال رسول الله ﷺ: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» [رواه مسلم]. فالمتاع لا يعني الترف المؤقت، بل الشراكة الهادفة التي تتطلب صبرا وفهما. 2. فهم مشوه للطلاق الطلاق دواء شرعه الله حين تتعذر الحياة، لا حين تتعكر فقط. لكن في التصور المعاصر، صار الطلاق 'تحررا'، و'بداية جديدة'، و'فرصة لإعادة اكتشاف الذات'، كما يروج في القصص المستوردة والمقاطع المؤثرة. وقد حذر النبي ﷺ من الطلاق بلا سبب، فقال: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة». والأسوأ من الطلاق: أن يحول إلى عرض احتفالي، وصرخة نشوة، بدلا من أن يكون لحظة تأمل ومسؤولية. 3. القوامة والتمرد حين تغتال القوامة على يد رجل ظالم، أو ترفض على يد امرأة متمردة، تنهار معاني السكن والرحمة. فالقوامة ليست تسلطا، ولا الطاعة إذلالا، بل توازن شرعي دقيق. قال تعالى: ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ لكن حين يفهم النص بمعزل عن روح الشراكة، ترى الرجل يتجبر، وتسمع المرأة تقول: 'لن أقاد'، وتتحول العلاقة إلى مواجهة لا مودة. 4. غياب الدفء والحوار البيوت لا تنهار فجأة، إنها تبرد أولا. تبرد حين يسكت الطرفان عن التعبير، ويغيب الحديث الحميم، وتستبدل الكلمات الدافئة بالصمت أو الصراخ. إن من أعظم أسباب الألفة: دوام المراسلة والحديث؛ فإن النفوس مجبولة على من يأنس بها ويحادثها. فالحوار ليس ترفا؛ بل صمام أمان. وإذا جف الحوار، ماتت العلاقة وإن بقيت تحت سقف واحد. 5. شعارات زائفة بين امرأة تقول: 'أنا قوية'، 'مستقلة'، ورجل يقول: 'ما أحتاج أحدا'، و'كلمتي لا تناقش'، تنتشر شعارات غير متزنة تملأ الفضاء، وتشحن بها العقول، لكنها تهدم بيوتا، وتفتت أسرا. ففي كل علاقة ناجحة، قدر من الضعف، وقبول بالاحتياج، وتنازل للود. أما الكبرياء الدائم، فهو طريق مسدود. 6. فوضى الحقوق والواجبات استيراد مفاهيم مشوهة من بيئات متفككة، وتغليفها بثوب 'الوعي'، أفسد توازن العلاقة. المرأة تطالب بمساواة لا حدود لها، والرجل يتشبث بالقوامة مع إهمال المسؤوليات. والحل أن نعود إلى أصل الشريعة: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة﴾ درجة تكليف وعدل، لا قهر واستعلاء. 7. غياب الناصح الأمين حين يغيب العلماء، ويستبدلون بمؤثرين ومشاهير، تصبح الكلمة الفاصلة في قرار الطلاق تغريدة، أو مقطعا دراميا، لا فتوى ولا نصيحة حكيمة. قال تعالى: ﴿فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها﴾ فأين هؤلاء 'الحكماء' اليوم؟ بل أين من يصغي إليهم أصلا؟ 8. المادية القاتلة حين تصبح العلاقة حسابا ماليا، تتساقط فيها معاني المودة، وتتحول النفقة إلى من، والهدايا إلى استثمار، والبيت إلى صفقة! وتغيب المودة التي هي أصل الزواج: ﴿وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ ما قال: 'صفقة ومقابلا'. المودة لا تشترى، بل تبنى يوما بعد يوم. 9. ضغط الإعلام والمنصات الإعلام المعاصر يصنع من كل طلاق 'قصة نجاح'، ويعرضه على أنه تحرر من القيود، وتحقق للذات؛ فيختزل الألم، وتخفى الدموع، ويعرض الوجه اللامع فقط. والخطر حين تصبح هذه الروايات مصدر إلهام، فتتخذها الشابة قدوة، ويتخذها الشاب مخرجا وهميا من مشكلاته. نعم، قد يكون الطلاق مغنما. لكنه استثناء، لا قاعدة. 10. اجتزاء النصوص الشرعية من أكثر ما يستخدم في تبرير الطلاق الآية: ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته﴾ لكنها ليست رخصة للتمرد، بل وعد بعد عناء. قال ابن عاشور: 'الغنى المذكور في الآية ليس دعوة للفراق، بل تسلية لمن اضطر إليه بعد استنفاد الوسائل'. فمن يستدل بها على طلاقه المتهور، يسيء فهم الوحي، ويستخدم النور ليبرر به الهروب. خاتمة: إن حفلات الطلاق ليست سوى العرض الخارجي لمرض داخلي عميق؛ تشوهت فيه المفاهيم، واهتزت القيم، وتقدم الزيف على الصدق، والفرح المصطنع على التأمل العميق. ليس كل طلاق خطأ، وليس كل زواج نعيما. لكن الهروب من الألم لا يكون بالتزييف، ولا يعالج الفشل بالضجيج. الأسرة ميثاق، لا مناسبة، والفكاك حين يقع، ينبغي أن يلف بالحكمة، لا أن يزف بالأهازيج. فلنعد النظر في مفاهيمنا قبل أن نشيع مزيدا من البيوت، ونبني من بقاياها مسارح عبث لا ينتهي.


صحيفة الشرق
منذ 3 أيام
- صحيفة الشرق
قيم لتعارف الحضارات: (لتعارفوا)
102 قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات:13)، آية عظيمة اختزلت غاية من غايات الخلق، وهي: التعارف لا التنافر، والتواصل لا التصادم. التعارف بين الحضارات ليس ترفًا فكرياً، بل ضرورة إنسانية، وركيزة قرآنية لتحقيق السلام والتكامل في هذا العالم المتنوع. أولاً: الاحترام المتبادل التعارف لا يقوم إلا على أساس الاحترام، الذي يعني الاعتراف بإنسانية الآخر وخصوصيته، دون احتقار أو ازدراء. وقد بين النبي ﷺ ذلك عملياً في تعامله مع غير المسلمين، حيث زار مريضًا يهوديًا، وقام لجنازة فقال: «أليست نفسًا؟» رواه البخاري. ثانياً: العدل لا يمكن أن ينجح أي تعارف إذا غاب العدل. العدل قيمة عليا لا تفرق بين مسلم وغير مسلم، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ (المائدة: 8). ثالثاً: الحوار الحوار هو الجسر الذي يصل بين الحضارات، وأمر الله به نبيه فقال: ﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (النحل:125). وقد ضرب الإسلام أروع الأمثلة في آداب الحوار مع المخالفين، كما فعل النبي ﷺ مع وفد نصارى نجران، حيث استقبلهم في المسجد وأمنهم وناقشهم بأدب واحترام. رابعاً: الرحمة فالرحمة ليست حكرًا على أبناء الدين الواحد، بل تشمل كل البشر. قال ﷺ: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» رواه الترمذي. وهذه الرحمة تسهم في بناء علاقات إنسانية راقية بين الشعوب. خامساً: الاعتراف بالتنوع التنوع سنة إلهية، لا مفر منها ولا مصلحة في إنكارها: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود:118). فالاعتراف بهذا التنوع لا يعني الذوبان، بل الفهم والتكامل، فكل حضارة لها ما تقدمه للإنسانية. وخلاصة القول: إن التعارف بين الحضارات ليس شعاراً نظريًا، بل مسار أخلاقي وسلوك عملي، يقوم على قيم سامية دل عليها الوحي، وثبتها السلوك النبي، وشهدت بها تجارب التاريخ. فلنكن سفراء لهذه القيم في واقعنا، نفتح نوافذ الحوار، ونغلق أبواب الصدام، ونظهر أجمل ما في حضارتنا لنرتقي بالعالم معاً. «لتعارفوا». مساحة إعلانية


صحيفة الشرق
منذ 5 أيام
- صحيفة الشرق
الاحتشام وخلع الحجاب!
مقالات 177 الاحتشام وخلع الحجاب! • الحجاب والحياء وجهان متكاملان لهوية المرأة وكرامتها وصورتها الراقية والرزينة، يجتمعان ليشكلا درعا يحميها من أنظار وعقول تراقبها، وحجاب يزينها ويحفظها ويحميها من تناقضات وصور خاطئة بمعنى الحشمة. • فالحجاب ليس مجرد غطاء للرأس، بل رمز للإيمان واعتزاز بالهوية الإسلامية والعربية، ورسالة صامتة تعرف بالهوية واعتزازها في كل مكان وكل الظروف، وتؤكد أن القيم يمكن أن تبقى حيّة رغم تغير الأزمنة والضغوط والظروف. • وأجمل ما يزيّن المرأة الحياء، تلك القوة الداخلية الثابتة التي تمنع الانسياق وراء التصرفات الخاطئة تحت شعارات الحرية المضللة، وتجعلها تختار الصواب بوعي ومسؤولية، وتمنع الانسياق خلف سراب النسويات والأفكار المضللة والخاطئة! • ومع الحجاب والحياء وترسيخ مبادئ الدين وقيم وأعراف المجتمع، وتعزيزه بالاحتشام وخفض الصوت والجانب في كل مكان، ليشمل السلوك والكلمة والنظرة وحركتها وطريقة مشيها، فيحفظ للمرأة مكانتها ويرسخ قيم وعادات وأعراف المجتمع. • فالمرأة التي تجمع بين الإيمان والحياء تعلن أن الحرية الحقيقية ليست في كسر الحدود والقيود المزعومة والمغلوطة، بل في ضبطها بالقيم التي تصون الروح وتحفظ الكرامة وتأكيد ان تعاليم الدين الإسلامي جاءت لتحفظ المرأة من القيود والعبودية وجاءت لتحفظ كرامتها ومكانتها. • في المجتمعات العربية، أصبح الحجاب مع الحياء عنوانا للفخر بالانتماء ودليلا على أن الأصالة يمكن أن تتعايش مع الحداثة والتطور وأعلى درجات التعلم، والأدوار واثبات الوجود بما لا يتعارض ودورها الحقيقي في تربية وتنشئة الاسرة وبناء الاجيال، ودون تنازل عن المبادئ. • ومع ذلك، قد تهتز وتضيع جمالية وقيمة هذه الصورة حين يتسلل التناقض إلى الأفعال. فخلع الحجاب في السفر، ولو بحجة الحرية أو مسايرة العادات، أو زعم ان لا يتعرف الاخر على هويتها الإسلامية منعا في مضايقتها كما تزعم ضعاف النفوس…! هنا في هذا التناقض لا يبقى مجرد اختيار شخصي، بل يصبح رسالة غير مباشرة للأبناء والمجتمع في تناقض وصورة مشوهة! • حين ترى الفتاة أو الابن أمَّه أو اخته تتنقل بين الاحتشام في الوطن وتركه وخلعه في الخارج، يتشوش في أذهانهم معنى الثبات على القيم، وتضعف المنظومة الأخلاقية التي بُنيت بالتربية والقدوة. • الأم قد لا تدرك أن موقفا واحدا أمام أبنائها قد يهدم سنوات من التعليم والتوجيه، لأن الطفل يتعلم مما يرى أكثر مما يسمع. • إن الحجاب والحياء ليسا مجرد واجب ديني، بل مسؤولية تربوية ورسالة عبر الأجيال ورسالة أصيلة للمبادئ والأخلاق، تمسك المرأة بهما في كل مكان، سواء في وطنها أو خارجه، يرسخ الثبات على القيم ويغرس في الأبناء معنى الالتزام الحقيقي الذي لا يتغير بتغير المكان أو الظروف. • فالأم التي تحافظ على حجابها وتظهر حياءها تُعلم أبناءها درسا عمليا بأن الدين ليس مظهرا اجتماعيا بل منهج حياة، وأن القيم لا تُجزّأ ولا تُلبس وتُخلع بحسب الزمان والمكان. • المرأة المحتشمة بحجابها وحيائها تعكس صورة الهوية الإسلامية والعربية والخليجية لمجتمعها في أبهى صوره وحضورها؛ صورة الأصالة التي تواكب الحداثة دون أن تتخلى عن الجذور. إنها تُثبت أن أجمل حرية هي التي تضبطها القيم، وأعظم قوة هي التي يزينها الخلق. • آخر جرة قلم: الحجاب والحياء معا ليسا قيدا بل تحررا من ضغط المظاهر وإرضاء الناس، ورفعة للنفس بحب الله والاعتزاز بالدين. وعندما تفهم المرأة هذه الحقيقة، تدرك أن تمسكها بحجابها وحيائها ليس فقط حفاظا على ذاتها، بل حماية لجيل كامل يراقبها ويستلهم منها معنى الثبات على الطريق المستقيم ومعنى الاعتزاز بالهوية الإسلامية والعربية والخليجية معنى حقيقيا لا يتناقض بتناقضات تهز وتشوش فكر الجيل الحالي والمعنى الحقيقي والثابت للحياء والحجاب، ولا يتشوه بصور مخالفة تسعى لتقليد الاخر وتبعيته التي لا تكون نتيجتها إلا ضعف الشخصية وسهولة قيادتها، وضعف الحضور في سهولة التخلي عن المبادئ والقيم وتعاليم الدين الإسلامي والاعتزاز الحقيقي بالهوية الوطنية.