logo
الأم ليست بخير، فهل المجتمع بخير؟

الأم ليست بخير، فهل المجتمع بخير؟

الأيام٣٠-٠٥-٢٠٢٥
Getty Images
هل فكّرتم يوماً أن الأم التي تبتسم لطفلها كل صباح تخوض معركةً داخليةً لا يراها أحد؟ في هذا التقرير، تروي بعض النساء قصصهن مع معارك الصحة النفسية وكيف تعاملن معها وسط كل التحديات والمسؤوليات التي أُلقيَت على عاتقهن.
السابع من مايو/أيار هذا العام يصادف 'اليوم العالمي للصحة العقلية للأم' للتوعية بالقضية، ولا يزال العديد من الأمهات تعانين بصمت وتتحمّلن عبء الضغوط النفسية والجسدية مع مسؤوليات أولادهن وعملهن.
رانيا أحمد، أمٌّ سورية لجأت إلى لبنان مع اندلاع الحرب في سوريا قبل 14 عاماً، تقول إنها عانت كثيراً في الغربة؛ 'كنت أقوم بدور الأم والأب في آنٍ واحد'، عندما يمرض أولادها، تقول إنه لا أحد يكون بجانبها، فتتحمّل وحدها مسؤولية رعايتهم والاهتمام بهم. وإذا مرضت هي، فلا تجد من يعتني بها أو حتى يترك لها مجالاً لتستريح. تعيش في خوف دائم، خوف من أن تُحرَم من أطفالها، وخوف عليهم من مستقبل مجهول، وخوف على نفسها مِن استغلال مَن حولها.
منذ عام، لم يظهر والد أطفالها، لا بالسؤال ولا بأي نوع من الدعم، المادي أو المعنوي. هي وحدها من تعمل وتُدير شؤون المنزل وتربية الأولاد. 'لا أهل يدعمونني، ولا طليقي، ولا المجتمع يرحم لأنني'مطلقة'.
تشرح لي وضعها: أعصابها متعبة، ذهنها مثقلٌ بالهموم. فهي تفكر في مصاريف الأولاد، إيجار البيت، متطلبات الدراسة، وتوفير الطعام، وكل ما يحتاجونه. تعمل رانيا في بيع الخضار والطبخ، لتأمين مصروف البيت – رغم الإرهاق الجسدي الذي تعاني منه. ومع ذلك، فإن ما تعانيه اليوم 'أهون من أن تعيش مع رجل سيّئ بكل ما تحمله الكلمة من معنى'.
رغم المشقة التي تعيشها الآن، تشعر بأن أطفالها 'بدأوا يتنفّسون شيئاً من الراحة النفسية'، بعد أن تخلّصوا من بيئة 'مليئة بالعنف والإذلال'.
تنهي حديثها لي بالقول: 'أنا قد ما انضغطت وصلت للانتحار، بس تراجعت مشان ولادي، مالون غيري'.
تقول اختصاصية علم النفس الدكتورة خولة القدومي، إنه كلما زادت ظروف الأمهات قسوةً مثل اللجوء، والهجرة، والفقر، فإنهن يصبحن أكثر عرضة للتهميش والاكتئاب نتيجة تزايد المشكلات وصعوبة الوصول إلى المساعدة الضرورية، كما أنهن بحاجة إلى مضاعفة الجهود وتيسير السبل للتدخل بالشكل والوقت المناسب بما يضمن حصولهن على بعض احتياجاتهن الضرورية دون المساس بحقوقهن المشروعة.
كذلك، أظهرت تقارير صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة للسكان، أن الأمهات في مخيمات النزوح يعانين من مستويات مرتفعة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، نتيجة التعرض للعنف أو فقدان أحد أفراد الأسرة أو العيش في ظروف غير إنسانية. وتؤكد الدراسات أن هذه الضغوط لا تؤثر فقط على الصحة النفسية للأم، بل تمتد لتؤثر على النمو العاطفي والسلوكي لأطفالهن، الذين غالباً ما يعيشون في بيئة تخلو من الحماية النفسية والدعم المجتمعي.
Getty Images
ريمي سلّوم، وهي أم لتوأم ومدوّنة، تقول لي إنها ومثل كثير من الأمهات، مرّت بتجربة اكتئاب ما بعد الولادة.
توضح أن المشكلة لم تكن في شعورها بـ'الخجل' من الحديث عن الأمر، بل في عدم إدراكها أنها تمر بهذه الحالة أصلاً. فالتوعية حول اكتئاب ما بعد الولادة كانت شبه منعدمة، إلى درجة أنها كانت تفسّر ما تمرّ به على أنه مجرد تعب، أو قلة نوم، أو ربما شعور بالحنين لشيء ما، دون أن تدرك أنها تعاني من حالة نفسية حقيقية تحتاج إلى التعامل معها بجدية.
تقول إن اكتئابها لم يُصنَّف على هذا النحو في البداية، لا من قِبلها ولا من قِبل مَن حولها، خاصةً وأن أهلها من جيل 'لا يؤمن كثيراً بوجود أمراض نفسية 'أو 'صحة نفسية' بشكل عام.
'كانوا يرون أنها بخير ما دامت بصحة جسدية جيدة، ويعتبرون أن مسؤولية الأطفال تقع على عاتقها وحدها. رغم أن عائلتها كانت داعمة على المدى القصير، إلا أن المسؤولية الكبرى بقيت على عاتقها وحدها، دون حتى أن تُلقى على مربية أو شخص آخر'.
ترى ريمي أنه من المهم جداً أن تكون الأم قادرة على ممارسة 'الوعي الذاتي' أو التأمل في ذاتها، لتفهم مشاعرها وتتمكن من طلب المساعدة في الوقت المناسب. فإذا شعرت بأنها عالقة في حالة اكتئاب لا تستطيع الخروج منها، ولم تعد تجد شيئاً يفرحها أو يحفّزها، فهنا ينبغي أن تطلب دعماً من مختصين نفسيين.
وإذا لاحظت أن هناك عادات صغيرة تقوم بها يومياً تساعدها على تخفيف حدة الاكتئاب، فعليها أن تلتزم بها. لأن تجربة الخروج من الاكتئاب تكون شخصية للغاية، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع.
وفي حالتها الشخصية، فقد تضاعف الاكتئاب بعد الولادة لأنها كانت تعاني مسبقاً من الاكتئاب والقلق المزمن، ما جعل التجربة أكثر تعقيداً.
وتضيف أن كتب المساعدة الذاتية قد تكون مفيدة أحياناً، ولكن في كثير من الحالات لا تكفي وحدها، خاصة في المراحل الحرجة مثل ما بعد الولادة.
نسبة كبيرة من الأمهات عرضة له، خاصة عندما لا يلقين الرعاية والاهتمام الكافيين من الزوج والأهل، وهو قد ينجم عن تزايد المسؤولية وتعاظمها مع وجود طفل رضيع جديد في الأسرة، لا حول له ولا قوة إلا في حضن والدته، ويستمد منها القوة التي تساعده في النمو واستمرار الحياة.
أمام تلك المسؤولية العظيمة قد تنهار المرأة خاصة مع اضطراب الهرمونات الذي يحصل في جسم الأم بعد الولادة لمساعدتها في التوازن والعودة للوضع الطبيعي قبل الحمل.
إخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي تشرح لي: حتى نستطيع تجنيب المرأة اكتئاب ما بعد الولادة، ينبغي إعطاؤها ومنحها المزيد من الاهتمام، خاصة من قِبَل الزوج الذي يفترض أن يكون الشريك الرئيس لقدوم هذا الطفل للعالم.
وتضيف الإخصائية أنه من مظاهر الاهتمام الواجب توفيرها: أكل صحي وغذاء مناسب، وراحة تامة (توفير مساعدة) في المنزل لفترة مناسبة حتى تستعيد الأم صحتها وعافيتها، وبيئة آمنة هادئة بعيدة عن المشاكل – ويجب أن تسعى عائلة الأب والأم معاً لتوفير أجواء مرح وسعادة لاستقبال الحفيد الجديد.
كما تؤكد أن الصحة النفسية للأم تؤثر بشكل مباشر على صحة أطفالها، وخصوصاً في سن مبكّرة، حيث يتلقون تجاربهم الأولى في الحياة من خلال الأم أولاً والمحيط ثانياً، فالأم هي الشخص الأكثر احتكاكاً بأطفالها منذ نعومة أظفارهم.
بحسب المجلة الأمريكية للطب النفسي، فإن ما يصل إلى 15-20 في المئة من الأمهات يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، وهو أكثر شيوعاً لدى الأمهات الجدد اللاتي لا يتلقين الدعم الاجتماعي الكافي. الاكتشاف المبكر والتدخل العلاجي له تأثير إيجابي في تخفيف الأعراض وتحسين جودة العلاقة بين الأم والطفل.
'الدعم النفسي أهم من الطعام والشراب'
زينة سليم، أمٌ لشاب يدرس في الجامعة، ولفتاة مراهقة في المدرسة. هي متزوجة، 'لكن ليس بإرادتها الكاملة'.
تقول: 'لو توفرت لي القدرة المادية الكافية، لانفصلت منذ زمن. كما أنني محرومة من أي دعم معنوي من الأسرة أو المجتمع المحيط، ولا أملك بيئة تُتيح لي أن أكون مطلقة وأعيش حياة كريمة وعزيزة مع أولادي'.
بالنسبة لها، كأم معنَّفة، كما تقول لي، فإن الصحة النفسية والدعم النفسي 'أهم من الطعام والشراب'، بل أهم من أي حاجة أساسية.
'كثيراً ما فكرت: لو أنني امتلكت الشجاعة لطلب المساعدة النفسية في وقتٍ مبكر، لكنت وفّرت على نفسي كثيراً من الألم ونوبات الغضب والأمراض الجسدية التي نشأت بسبب الضغط المزمن'.
تكمل قائلة: 'صحيح أن هناك جمعيات تقدّم دعماً نفسياً، لكن هذا وحده لا يكفي. ليست كل النساء يمتلكن الجرأة ليقلن 'لا'. نحن ضحايا في مجتمع يُمارس العنف بشكل مؤسسي. العنف يبدأ من بيت الأهل؛ تتزوج الفتاة وهي غير واعية لحقوقها كإنسانة. كان من المفترض أن يكون الأب أول من يدعم ابنته، لكن للأسف، في مجتمعنا، كثير من الآباء متخلّون عن دورهم الحقيقي. يعملون ويجلبون المال، لكنهم لا يشاركون في التربية، ولا يقدّمون لبناتهم الدعم العاطفي أو التربوي اللازم. وهكذا تنشأ الفتاة بشخصية مهزوزة، تجهل حقوقها، وتفقد الثقة بنفسها'.
تقول زينة: 'الدعم النفسي مهم، لكنه لا يوفّر الحماية الكافية للأم في مجتمع سطحي وظالم. لو قررتُ، مثلاً، أن أغادر منزلي وألجأ إلى جمعية ما، سيُمعن المجتمع في إيذائي أنا وأطفالي. نحن ما زلنا بعيدين عن تحقيق دعم حقيقي وفعّال للنساء، لكن لا بد أن أقول: كل الشكر للجمعيات، فهي النقطة البيضاء في هذا الظلام. بإمكانهم إحداث فرق حقيقي إنْ ضغطوا نحو إنجاز قوانين تُنصف المرأة وتحميها'.
تشدد إخصائية علم النفس، الدكتورة خولة القدومي، على أهمية أن تراعي المناهج الدراسية أدوار الأمهات منذ مرحلة تشكيل الأسرة، وأن تعكس هذه الأدوار بصورة واقعية تُبرز حجم المسؤوليات والمهام التي تؤديها الأم على مختلف المستويات، لا أن تقتصر على الصور النمطية التقليدية مثل 'ماما تطبخ'.
'كنتُ امرأة محطَّمة'
Getty Images
تستذكر زينة سليم العديد من المواقف التي مرّت بها، 'أعترف أن من أخطائي في الماضي أنني كنت أنفعل أمام أولادي. كنت امرأة محطّمة، تعاني بصمت، وأهلي كانوا يرون معاناتي دون أن يمدّوا لي يد العون. انفعلت، وصرخت، وربما تصرفت بعنف أحياناً. أعلم أن ذلك خطأ. لكنني كنت إنسانة على حافة الانهيار'.
تروي لي أنها مؤخراً، اكتشفت أن زوجها يقيم علاقة مع امرأة أخرى: 'لم أُظهر له رد فعل سوى ابتسامة ساخرة. لم أخبر ابني بذلك، ليس حرصاً على صورة الأب لديه، التي لم تعد تعنيني، بل حفاظاً على تركيز ابني في دراسته'.
'رسالتي لكل أم: لا تترددي في طلب الدعم النفسي من مختصين. حاولي قدر المستطاع أن تُبعِدي أولادكِ عن مشاكلك مع الزوج والأب الذي يمارس التعنيف، فالأبناء يدفعون ثمن ذلك حين يكبرون. ابني عاش مراهقة صعبة بسبب ما رآه في المنزل، وابنتي الآن تمرّ بالشيء ذاته. لم أكن قادرة ولا واعية في السابق لحماية أطفالي من كل ذلك'، كما تقول زينة.
تضيف أن التوعية تبدأ من المدارس، ومن تربية الأطفال على فهم حقوقهم، ورفض العنف، وقبول فكرة الرعاية النفسية.
بيّنت دراسة نُشرت في ذا لانسيت سايكيتري The Lancet Psychiatry في 2015 أن القلق والاكتئاب أثناء الحمل لا يؤثران فقط على الأم، بل قد يكون لهما تأثيرات بيولوجية على الجنين، مثل زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، ما قد يؤدي إلى مشاكل في النمو العصبي للطفل لاحقاً.
في حديثها لي، أخصائية علم النفس الدكتورة خولة القدومي، تقول إن علامات حاجة الأم للدعم النفسي تكون عندما: تتغير طبيعة سلوك الأم إلى الجانب السلبي، مثلاً: البكاء بدون أسباب واضحة، والميل للعزلة والصمت خلافاً لما اعتادت عليه، وإهمال الأم لنظافتها أو نظافة بيتها وأطفالها، وعدم اهتمامها بجمالها وأناقتها كالمعتاد، والعصبية الزائدة بلا مبرر، وانخفاض مستوى الشكوى لديها بشكل واضح، والتبرُّم من الحياة ومشاغلها خاصة للتي لا عمل لديها وليس بيدها مصدر دخل.
'هلأ عايشة كرمال ولادي وشغلي'
Getty Images
سميرة إبراهيم، امرأة متزوجة، وأم لثلاثة أطفال: ولدان وبنت.
كانت سميرة تعتني بصحتها النفسية وتؤمن بأهميتها، لكنها حين أصبحت أُمّاً، تدهورت حالتها النفسية. لم تكن ترغب في التحدث مع أحد، فعاشت وحدها سنوات من المعاناة والصمت. ترى سميرة أنه حين تكون الأم واقعة تحت ضغط نفسي، من الضروري أن تلجأ إلى معالج نفسي، لأن ذلك يخفف عنها كثيراً.
'بقوتها النفسية تستطيع أن تبقى ثابتة في وجه المجتمع وأمام عائلتها، لأن لا أحد سيقف معها إن لم تكن قوية'.
كما تعتقد أن الأم التي لا تملك القدرة على تحمّل مسؤولية طفل، من الأفضل ألا تُنجبه، لأن الطفل وحده هو من يدفع ثمن مشاكل الأهل.
خلال فترة الحمل، تعرّضتْ للضرب حتى أُجهض جنينها، وتقول إنها كانت ضحيةً للخيانة والعنف الجسدي من زوجها، هي وأطفالها عانوا كثيراً. وصلت سميرة إلى حد التفكير بالانتحار بسبب الضرب والإهانة والتعب الجسدي الذي أنهكها. أولادها كذلك تأذوا نفسياً بشكل كبير، ولم تجد من يساعدها، لا من الدولة ولا من القضاء، إذ وجدت أن الجميع يقف إلى جانب الرجل.
خصصت إحدى الجمعيات لأطفالها جلسات دعم نفسي، فقد أصبح أحد أبنائها عدوانياً، وابنتها تأثرت دراسياً، وكانت تمر بحالة غضب دفعتها للتفكير بجمع المال لشراء سلاح للانتقام ممن سبّب لها الأذى.
والآن، تحاول أن تعيش من أجل أطفالها ومن أجل عملها، بعد أن استطاعت الوقوف على قدميها من جديد.
تزداد أهمية التدخل المبكر والدعم النفسي للأمهات. وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن عدم تلقي العلاج والدعم الاجتماعي قد يؤدي إلى تفاقم الحالة النفسية، ما يؤثر على علاقة الأم بطفلها، ويضعف قدرتها على الرعاية والتفاعل.
تختتم الدكتورة خولة القدومي، أخصائية علم النفس، بقولها: 'لكل امرأة أرهقها القلق والتوتر والتفكير الزائد، كوني لنفسك صديقة، ادعمي ذاتك، ولا تسمحي لأحد أيّاً كان أن يخنقك أو يدمر ذاتك. لو انتابك الضعف وشعرتِ بتدني مفهومك لذاتك، ابحثي عن مساعدة المختصين ولا تترددي في عرض شكواكِ عليهم. وينبغي توفير قائمة بأسماء المعالجين النفسيين والأطباء المختصين الذين لديهم استعداد كافٍ لتقديم الدعم النفسي أو العلاج للنساء مجاناً، خاصةً وأن كلفة العلاج النفسي في مجتمعنا مرتفعة جداً'.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

'الهندية'.. كنز غذائي حُرم منه المغاربة
'الهندية'.. كنز غذائي حُرم منه المغاربة

الأيام

timeمنذ 2 أيام

  • الأيام

'الهندية'.. كنز غذائي حُرم منه المغاربة

BBC يعتبر التين الشوكي، عن جدارة، كنزا نباتيا، لما يحتوي عليه من خصائص غذائية وعلاجية على السواء، وتكفي الإشارة إلى أن ثمرة التين الشوكي تتمتع بنشاط عالِ مضادٍ للأكسدة يعادل ضعفَي هذا النشاط في ثمار الكمثرى والتفاح والطماطم والموز، ويعزى ذلك إلى فيتامين سي ومركبات الفلافونويد والبيتالينات، وفقا لدراسة حديثة نشرتْها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). وأشارت الدراسة إلى أن اتباع نظام غذائي غنيّ بثمار التين الشوكي كفيلٌ بخفض نسبة احتمالات الإصابة بمرض الشريان التاجي وبعض أنواع السرطانات. وتساعد الألياف التي تحتوي عليها ثمار التين الشوكي في خفض الكوليسترول، كما يساعد تناوُل هذه الفاكهة بانتظام في تحسين أداء الصفائح الدموية. أمّا محتوى البوتاسيوم العالي ومحتوى الصوديوم المنخفض فيقدّمان فوائد غذائية للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الكُلى وارتفاع ضغط الدم، وفقاً لدراسة الفاو. 'غذاء متكامل يدعم الصحة العامة' منذ مئات السنين، وحتى الآن، يجري استخدام التين الشوكي في الطب التقليدي أو الشعبي لعلاج العديد من الأمراض، مثل السُكري والإسقربوط (مرض ينجم عن نقص فيتامين سي)، فضلاً عن استخدامه منذ القِدم في علاج حروق الشمس. واليوم، كشفت الأبحاث عن مزيد من الفوائد الصحية للتين الشوكي، الذي يمتلك خصائص تؤهله للعمل كـ مُطهّر للأمعاء وللكَبد والكلى والمثانة نظراً لخصائصه المدرّة للبول. وفي حديث لبي بي سي، قالت اختصاصية التغذية العلاجية مجد الخطيب، إن للتين الشوكي تأثيرات صحية مهمة على الجهاز الهضمي والقلب وحتى على الحالة النفسية. وأشارت الخطيب إلى أن وفرة الألياف الغذائية في ثمرة التين الشوكي قادرة على تحسين حركة الأمعاء والوقاية من الإمساك، إضافة إلى دورها في تعزيز البكتيريا النافعة. وتبرز هنا أهمية ما يُعرف بـ 'محور الأمعاء-الدماغ'، وهو الرابط بين صحة الجهاز الهضمي والمزاج؛ إذ تشير الدراسات إلى أن توازُن بكتيريا الأمعاء قد يُسهم في تحسين الحالة النفسية وتقليل التوتر. FAO ولفتت أخصائية التغذية مجد الخطيب إلى قُدرة التين الشوكي على ضبط مستويات سكر الدم لدى مرضى السُكري من النوع الثاني؛ 'فالألياف والبكتين الموجودة في لبّ الثمرة تُبطئ امتصاص السكريات، بينما تسهم مضادات الأكسدة في تحسين استجابة الجسم للإنسولين'، فضلاً عن مساعدة هذه المضادات في تقليل الالتهابات والتوتر والقلق. كما يساعد التين الشوكي في خفض الكوليسترول الضار وتحسين مرونة الأوعية الدموية، ما يجعله خياراً مناسباً للوقاية من أمراض القلب والشرايين، وفقاً للخطيب. وبفضل احتواء التين الشوكي على فيتامين سي والمعادن الأساسية، فإنه يعزّز عمل الجهاز المناعي ويساعد الجسم على مقاومة الالتهابات والأمراض المزمنة، ليؤكد بذلك مكانته كـ'غذاء متكامل يدعم الصحة العامة'. ولكنْ، رغم كل هذه الفوائد، تنصح أخصائية التغذية مجد الخطيب بالاعتدال في تناوُل ثمار التين الشوكي، وخصوصاً مرضى السكري ومَن يعانون انخفاضاً في ضغط الدم ومرضى القولون العصبي، مُفضّلة 'أن يكون ذلك ضمن نظام غذائي متوازن وتحت إشراف طبي عند الحاجة'. وينصح خبراء التغذية بتناول ثمار التين الشوكي بمعدّل ثمرتين اثنتين في اليوم مع شُرب كمية مناسبة من المياه. وتتمتع ثمرة التين الشوكي بثروة من العناصر المُغذية كالحديد والفوسفور والبوتاسيوم، فضلا عن مضادات الأكسدة ومضادات الالتهابات، ما يجعل التين الشوكي مفيداً في مقاومة عدد من الأمراض. كما تُستخدم مُستخلصات ألواح الصبار في علاج الصُداع وألم الأسنان والكدمات. الجذور التاريخية لنبات الصبار عُرف التين الشوكي ونبات الصبار بشكل عام كدواء منذ القِدم، لا سيما في أمريكا الوسطى وتحديدا المكسيك، حيث كان الصبار جزءا من ثقافة شعب الأزتيك الذي ازدهرت حضارته ما بين القرنَين الرابع عشر والسادس عشر للميلاد، وفقاً للمصادر التاريخية. وكان شِعار عَلَم الجيش الأزتيكي عبارة عن نسر يقف على نبات الصبار ويفترس ثعباناً، كما كانت عاصمة الأزتيك تُسمّى 'تينوتشتيتلان' (أو نبات الصبار فوق صخرة). Getty Images علم المكسيك وكان شعب الأزتيك في المكسيك يعرف التين الشوكي باسم 'تينوشتلي'. ولم يكن الأوروبيون حتى عام 1492 يعرفون التين الشوكي حتى قام الإسبان بغزو جزيرة هيسبانيولا (هايتي والدومينيكان حالياً) في البحر الكاريبي، وهناك قدّم إليهم السكان الأصليون ثمار التين التي كانوا يطلقون عليها اسم 'تون'، وفقا لدراسة الفاو. ونقل الإسبان نبات الصبّار إلى أوروبا لينتشر على طول ساحل المتوسط وشمال إفريقيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وخلال القرن الثامن عشر، انتشر الصبار في جنوب إفريقيا والهند والصين. وساعد على نجاح تلك الهجرة، تحمُّل نبات الصبار للرحلات الطويلة دون أن يفقد القدرة على التجذُّر (أو إنتاج جذور جديدة)، فضلاً عن قدرته الفائقة كنبات على التأقلم؛ حيث ينمو الصبار في جميع أنواع التربة، وبإمكان الصبار أن ينمو في درجة حرارة تتجاوز 40 مئوية. ولا يحتاج نبات الصبار إلى رعاية بشرية أو إلى تدخُّل كيمائي من أي نوع. لكنه يتأثر سلبياً بالملوحة العالية وغمْر المياه. استخدامات أخرى وإلى جانب استخدامه منذ القدم لعلاج أمراض وشفاء جروح، يدخل الصبار في صناعة العديد من مستحضرات التجميل كالكريمات المُرطّبة والصابون والشامبو وطلاء الشفاه؛ كما يدخل الصبار في صناعة الصمغ النباتي والأصباغ. وفي بعض المجتمعات، كما هي الحال في المسكيك وكاليفورنيا على سبيل المثال، تؤكل ألواح الصبار، حيث تُقطّع إلى شرائح وتؤكَل مُحمّصة أو مُتبّلة، أو حتى مُحمَّرة في الزُبد، ويضاف إليها الجُبن. كما يدخل الصبار في إنتاج الأعلاف للبهائم؛ حيث تحتوي ألواحه على نسبة مرتفعة من الكربوهيدرات والنشا والبيتاكاروتين. وثمة فائدة بيئية ، فقد شجعت دراسة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) على الاستزادة من زراعة الصبار، كجزء من استراتيجية للحدّ من تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي؛ ذلك أن مزارع الصبار تعمل كخزان للكربون في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. وأخيرا، كان الصبار يستخدم قديما كنبات للزينة، كما استخدمه النبلاء الإسبان في حدائقهم، وهو للآن يستخدم كسياج لبعض البساتين حيث يساعد في صدّ الرياح والحماية بوجه عام. وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن المغاربة حتى اليوم يعرفون الصبار باسم 'تابيا'، نِسبة إلى كلمة إسبانية تعني السياج. ورغم منافعه الكبيرة جدا، فإن المغاربة أصبحوا محرومين من 'الهندية' التي كانت توصف بـ'فاكهة الفقراء' غير أنه في ظل أسعارها المحلقة عاليا فإن هذا الإسم لم يعد يليق بها، بل ربما الأجدر تسميتها بـ'فاكهة الأغنياء' مادام سعر الحبة الواحدة يتراورح بين 5 و10 دراهم كما أنها تباع ببعض المناطق بـ50 درهم للكيلو غرام. ويكشف ارتفاع أسعار'فاكهة الفقراء'، عن تحديات أعمق تواجه المستهلك المغربي. فقد أصبحت هذه الفاكهة، التي كانت في السابق رمزا للوفرة والغذاء الميسور، خارج متناول شريحة واسعة من المواطنين. وخلال السنوات الأخيرة سجلت أسعار 'الكرموس' ارتفاعا كبيرا، أرجعه مهنيون إلى تعرض مساحات مهمة مخصصة لتلك الزراعة إلى الإتلاف بسبب انتشار فيروس الحشرة القرمزية، غير أن متتبعين يرون أن هناك العديد من العوامل التي أدت إلى الارتفاع الصاروخي لأسعار 'الزعبول'، من أهمها ضعف التفاعل الحكومي في مواجهة اندثار إنتاج 'الهندية'.

العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟
العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟

الأيام

timeمنذ 4 أيام

  • الأيام

العالم يزداد حرارة، هل تؤثر موجات الحر على أدمغة البشر؟

Getty Images الحرارة العالية تؤثر على الحاجز الذي يحمي الدماغ ما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للاختراق يزداد العالم حرارة بسبب موجات الحر الشديدة الناتجة عن التغير المناخي، مما يدفع العلماء للتسابق من أجل فهم تأثير ارتفاع الحرارة على قدرات أدمغتنا البشرية. لم يكد الرضيع جيك أتمّ شهره الخامس، حتى أُصيب بأول نوبة صرع كبرى، حيث تيبس جسده الصغير ثم أخذ يرتعش بسرعة. تقول والدته، ستيفاني سميث: "كان الجو حاراً جداً، وبالتالي ارتفعت درجة حرارته، ثم رأينا ما اعتقدنا أنه أفظع شيء سنراه على الإطلاق". "لكن للأسف، كان هناك ما هو أكثر من هذا." بدأت نوبات الصرع تزداد في الطقس الحار. وفي أيام الصيف الخانقة والرطبة، كانت عائلة جيك تلجأ إلى استخدام كل أساليب التبريد الممكنة، وتصارع بشراسة للسيطرة على هذه النوبات. خضع جيك لاختبار جيني في سن 18 شهراً، وشخّص الأطباء حالته بأنها متلازمة درافيت، وهي حالة عصبية تتضمن شكلاً من أشكال الصرع، وتصيب طفلاً واحداً من كل 15 ألف طفل تقريباً. غالباً ما يصاحب هذه الحالة نوبات إعاقة ذهنية ومجموعة أمراض مثل التوحد واضطراب فرط الحركة وضعف الانتباه، بالإضافة إلى صعوبات في الكلام والحركة وتناول الطعام وحتى النوم. ويمكن أن تحدث النوبات بسبب ارتفاع الحرارة والتغيرات المفاجئة في درجات الحرارة. يبلغ جيك الآن من العمر 13 عاماً، وتوضح والدته أنه عانى من نوبات كثيرة لا تحصى مع تغير الطقس، وتقول ستيفاني: "ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وموجات الحر تزيد من عبء التعايش مع هذه الحالة المدمرة أصلاً". وتعد متلازمة درافيت واحدة من أمراض عصبية عديدة تزداد حدتها مع ارتفاع درجات الحرارة، كما يقول سانجاي سيسوديا، من كلية لندن الجامعية، وهو رائد في مجال تأثير تغير المناخ على الدماغ وطبيب أعصاب متخصص في الصرع، وسمع الكثير من عائلات المرضى عن تزايد المشاكل خلال موجات الحر. يقول سيسوديا: "تساءلت في نفسي، بالطبع، لماذا لا يؤثر تغير المناخ أيضاً على الدماغ؟ ففي النهاية، هناك العديد من العمليات في الدماغ مرتبطة بكيفية تعامل الجسم مع الحرارة." أثناء بحثه في المراجع العلمية، اكتشف مجموعة من الحالات العصبية التي تتفاقم مع ارتفاع الحرارة والرطوبة، منها الصرع، السكتة الدماغية، التهاب الدماغ، التصلب اللويحي، والصداع النصفي، وغيرها. كما اكتشف أن آثار تغير المناخ على أدمغتنا أصبحت واضحة بالفعل. على سبيل المثال، خلال موجة الحر الأوروبية عام 2003، جاءت 7 في المئة من الوفيات الزائدة بسبب مشاكل عصبية مباشرة. وتم رصد أرقام مماثلة خلال موجة الحر في بريطانيا عام 2022. كما أن الحرارة يمكن أن تغير أيضاً الطرق التي تعمل بها أدمغتنا، مما يجعلنا أكثر عنفاً وغضباً واكتئاباً. والسؤال الآن، في ظل ارتفاع درجة حرارة العالم بسبب تغير المناخ، ما هو التأثير المتوقع للحرارة على أدمغتنا؟ Getty Images موجات الحر الشديد تؤدي إلى تغيرات في السلوك والمزاج، وغالباً ما يؤدي إلى تفاقم الحالات العصبية نادراً ما ترتفع درجة حرارة الدماغ البشري بمقدار درجة مئوية واحدة في المتوسط عن درجة حرارة الجسم الأساسية. لكن نظراً لكونه من أكثر أعضاء الجسم استهلاكاً للطاقة، فإن الدماغ يُنتج قدراً من الحرارة الذاتية (يسخن الدماغ ذاتياً)، عندما نقوم بعمليات التفكير والتذكر ونتفاعل مع العالم من حولنا. هذا يعني أن أجسامنا تبذل جهداً كبيراً للحفاظ على برودتها، وهو ما يقوم به الدم خلال دورته عبر شبكة من الأوعية الدموية من أجل الحفاظ على درجة الحرارة، وكذلك التخلص من الحرارة الزائدة. هذا ضروري لأن خلايا دماغنا حساسة جداً للحرارة. وهناك فهم أيضاً لأن وظيفة بعض الجزيئات التي تنقل الرسائل بين هذه الخلايا تعتمد على درجة الحرارة، ما يعني أنها كفاءة عملها تتأثر إذا ارتفعت درجة حرارة أدمغتنا أو حتى إذا انخفضت. يقول الدكتور سانجاي سيسوديا: "لا نفهم تماماً كيف تتأثر المكونات المختلفة لهذه الصورة المعقدة (من الخلايا الدماغية). لكن يمكننا تخيلها كأنها ساعة، لم تعد جميع الأجزاء تعمل معاً بشكل صحيح." على الرغم من أن الحرارة الشديدة تغير آلية عمل أدمغة الجميع، وقد تؤثر سلباً على اتخاذ القرارات وتدفع الناس إلى مخاطر أكبر، إلا أن المصابين بأمراض عصبية هم الفئة الأكثر تضرراً غالباً، لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال ضعف عملية التعرق بسبب بعض الأمراض. ويوضح سيسوديا أن تنظيم الحرارة وظيفة دماغية، وقد "تتعطل إذا لم تعمل أجزاء معينة من الدماغ بشكل صحيح." ففي بعض حالات مرض التصلب اللويحي، يبدو أن درجة حرارة الجسم الأساسية تتغير. كما أن بعض الأدوية التي تعالج الأمراض العصبية والنفسية، مثل الفصام، تؤثر على تنظيم درجة الحرارة، مما يجعل من يتناولونها أكثر عرضة للإصابة بضربة الشمس، أو ما يُعرف طبياً بالإجهاد الحراري، كما أنهم أكثر عرضة للوفاة المرتبطة بالحرارة. يمكن لموجات الحر، التي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة ليلاً، أن تؤثر على جودة النوم مما يؤثر على مزاج البشر، وقد يؤدي هذا إلى تفاقم أعراض بعض الحالات المرضية. يقول الدكتور سيسوديا: "بالنسبة للعديد من المصابين بالصرع، فإن قلة النوم يمكن أن ترفع خطر الإصابة بنوبات مرضية." Getty Images مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية نتيجة لتغير المناخ، سيزيد ذلك من الضغط على أجسادنا وأدمغتنا تشير الدلائل إلى أن حالات دخول المستشفيات ومعدلات الوفيات بين المصابين بالخرف تزداد أيضاً خلال موجات الحر. قد يرجع هذا جزئياً إلى التقدم في السن، نظراً لأن كبار السن أقل قدرة على تنظيم درجة حرارة أجسامهم، لكن الضعف الإدراكي لديهم قد يعني أيضاً ضعف القدرة على التكيف مع الحرارة الشديدة، فهم مثلا قد لا يشربون كمية كافية من الماء، أو ينسون إغلاق النوافذ، أو يخرجون في وقت ذروة الحرارة. كما أن هناك ارتباط أيضاً بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حالات السكتة الدماغية والوفيات. في إحدى الدراسات التي حللت بيانات وفيات السكتة الدماغية من 25 دولة، وجد الباحثون أن الحرارة الشديدة أدت إلى حدوث حالتي وفاة إضافيتين من بين 1000 حالة وفاة ناجمة عن السكتة الدماغية الإقفارية. تقول بيثان ديفيز، أخصائية طب الشيخوخة في مستشفيات جامعة ساسكس البريطانية: "قد لا يبدو هذا العدد كبيراً. ولكن مع بلوغ عدد الوفيات حول العالم بسبب السكتة الدماغية إلى سبعة ملايين وفاة سنوياً، فإن الحرارة العالية تتسبب في أكثر من 10 آلاف حالة وفاة إضافية بالسكتة الدماغية سنوياً". وحذرت بيثان وزملاؤها من أن تغير المناخ من المرجح أن يفاقم هذا الوضع في السنوات القادمة. ولأن البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل الأكثر تضرراً من تغير المناخ وتشهد أيضاً أعلى معدلات السكتات الدماغية، فإنها سوف تعاني من تزايد هذه الحالات المرتبطة بالحرارة. وتضيف بيثان ديفيز: "سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفاقم الفجوة الصحية بين البلدان وبعضها، وحتى داخل البلد نفسها ستزداد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية". وتتزايد الأدلة حول وجود خطر أكبر على كبار السن وأصحاب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدني، فهم أكثر عرضة لخطر الوفيات المرتبطة بالحرارة. كما أن ارتفاع درجة حرارة العالم يضر بالنمو العصبي للأطفال الأصغر سناً. وتقول جين هيرست، أستاذة صحة المرأة العالمية في إمبريال كوليدج لندن بريطانيا: "هناك ارتباط بين الحرارة الشديدة ومشكلات الحمل السيئة، مثل الولادات المبكرة". وقد وجدت مراجعة منهجية حديثة للأبحاث العلمية أن موجات الحر ترتبط بزيادة نسبة الولادة المبكرة إلى 26 في المئة، مما قد يؤدي إلى تأخر النمو العصبي وضعف إدراكي للأطفال. Getty Images ارتفاع درجات الحرارة قد تؤثر على آلية عمل الدماغ البشر وانتقال الرسائل بين الخلايا العصبية وتضيف جين: "مع ذلك، هناك الكثير مما نجهله. مثلاً من هم الأكثر عرضة للخطر ولماذا؟ لأن هناك 130 مليون امرأة تلدن أطفالاً كل عام، وكثيرات منهن في بلدان حارة، ولا يحدث لهن هذا." كما أن الحرارة المفرطة الناجمة عن تغير المناخ قد تؤدي لضغوط إضافية على الدماغ، مما يجعله أكثر عرضة للتلف وبالتالي إصابته بأمراض عصبية تنكسية. فالحرارة تؤثر أيضاً على الحاجز الذي يحمي الدماغ عادة، مما يجعله أكثر هشاشة وقابلية للاختراق، ويزيد من خطر انتقال السموم والبكتيريا والفيروسات إلى أنسجة الدماغ. قد يزداد هذا الأمر أهمية مع ارتفاع درجات الحرارة وأيضاً انتشار البعوض الذي ينقل فيروسات قد تسبب أمراضاً عصبية، مثل زيكا وشيكونغونيا وحمى الضنك. يقول توبياس سوتر، عالم الحشرات الطبية في المعهد السويسري للصحة الاستوائية والعامة: "يمكن أن يؤثر فيروس زيكا على الأجنة ويسبب صغر الرأس". ويضيف: "ارتفاع درجات الحرارة واعتدال الحرارة في فصول الشتاء يعني أن موسم تكاثر البعوض (يكون طويلاً) يبدأ مبكراً وينتهي متأخراً." ويمكن لموجات الحر أن تؤثر على مجموعة كبيرة من العمليات النفسية، بدءاً من النبضات الكهربائية للخلايا العصبية، ومروراً بخطر التفكير في الانتحار، والقلق المناخي، وقد تؤثر حتى على فاعلية الأدوية المستخدمة لعلاج الحالات العصبية. لكن العلماء ما زالوا يعملون على التحديد الدقيق لكيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة على أدمغتنا. يؤثر الحر على الناس بطرق مختلفة جداً، بعضهم يزدهر في الطقس الحار، بينما يجده آخرون لا يُطاق. يقول سيسوديا: "قد تكون هناك عوامل مختلفة ذات صلة بهذه الحساسية المختلفة، وقد يكون أحدها الاستعداد الوراثي." يمكن للمتغيرات الجينية أن تؤثر على هياكل البروتينات التي قد تجعل بعض الناس أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. ويضيف: "قد تكون هناك خصائص كامنة مرتبطة باستجابة الإنسان للحرارة، لن تظهر إلا في حالة وجود ضغوط بيئية حرارية تؤدي في النهاية لخروجها"، "ما نراه اليوم من أعراض لدى الأشخاص المصابين باضطرابات عصبية قد تظهر على أشخاص غير مصابين بها مع تقدم تغير المناخ". لا تزال هناك أسئلة أخرى بحاجة إلى إجابة. على سبيل المثال، هل درجة الحرارة القصوى، أم طول موجة الحر، أم درجة الحرارة الليلية، هي الأكثر تأثيراً؟ قد يختلف الأمر من شخص لآخر أو حسب الحالة العصبية. لكن تحديد الفئات المعرضة للخطر وأسباب معاناتها أمر مهم جداً للمساعدة في وضع استراتيجيات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً. قد يشمل ذلك أنظمة إنذار مبكر أو تأمينات لتعويض عمال اليومية عن الأجور التي سيخسرونها لعدم العمل بسبب الحر الشديد. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عندما تم تأكيد أن شهر يوليو/تموز 2023 هو الشهر الأكثر حرارة على الإطلاق: "لقد انتهى عصر الاحتباس الحراري، وبدأ عصر الغليان العالمي". تغير المناخ حاضر ويتفاقم، وعصر ارتفاع درجة حرارة الدماغ بدأ الآن.

هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء
هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء

الأيام

timeمنذ 4 أيام

  • الأيام

هوس أكياس الكافيين: موضة بين المراهقين تثير قلق بعض الخبراء

Getty Images يقول خبراء إن أعدداً متزايدة من المراهقين في الولايات المتحدة يستخدمون أكياس الكافيين للحصول على دفعة من الطاقة، وسط مخاوف من أن تنتشر هذه الظاهرة قريباً في المملكة المتحدة. هذه الأكياس الصغيرة، التي تشبه أكياس الشاي وتُوضع بين الشفة واللثة، تمنح جرعة سريعة من الكافيين تصل مباشرة إلى مجرى الدم. بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي يروجون لهذه المنتجات، وينصحون بها مرتادي الصالات الرياضية لتحسين الأداء، أو الطلاب الراغبين في البقاء متيقظين أثناء الامتحانات. ويقول الدكتور روب فان دام، من جامعة جورج واشنطن، إن متجر "تيك توك" يبيع الكثير من العلامات التجارية والنكهات التي قد تجذب الشباب. لكن مع احتواء الكيس الواحد على كمية من الكافيين تعادل كوبين من القهوة، لن يكون من السهل تناول جرعات كبيرة تؤدي إلى آثار جانبية سيئة، بحسب قوله. هناك بالفعل قلق متزايد في المملكة المتحدة بشأن استخدام الشباب لأكياس النيكوتين أو "السنوُس". كما أن أكياس الكافيين غير لافتة للنظر – إذ قد يصعب ملاحظة وجودها في الفم – ما يجعل من السهل إخفاؤها عن الأهل والمعلمين. بعض مستخدمي هذه المنتجات يتفاخرون عبر الإنترنت بشعورهم بـ"النشوة" عند استخدام كيسين في الوقت نفسه للحصول على جرعة مضاعفة من الكافيين. وبما أن الكافيين يُمتص بسرعة، فقد تبدأ آثاره بعد دقائق من تناوله وتستمر لساعات عدة. ويمكن أن تصل المستويات إلى حد الخطر. وقال الدكتور فان دام لبي بي سي: "قد يكون لدى الشباب تحمل أقل للكافيين، وهناك احتمال أن ينتهي بهم الأمر في غرفة الطوارئ إذا تناولوا الكثير منه". لماذا الكافيين وما الذي يحدث عند الإفراط فيه؟ Getty Images الكافيين مادة منبهة يمكن أن تجعلك أكثر يقظة وأقل شعوراً بالنعاس، بسبب تأثيرها على الدماغ والجهاز العصبي. يقول لويس جيمس، من كلية علوم الرياضة والتمارين الصحية في جامعة لوبورو، إن هناك أدلة قوية على أن الكافيين يمكن أن يجعل ممارسة الرياضة أسهل شعوراً. وأصبح من أكثر المكملات استخداماً بين الرياضيين. أثناء ممارسة الرياضة، ينتج الجسم مادة كيميائية تُسمى "الأدينوزين" تجعلك تشعر بالتعب. يعمل الكافيين على حجب مستقبلات الأدينوزين في الأعصاب، فيقل إدراك الدماغ للألم والإرهاق. لكن تأثيره يمتد إلى أجزاء أخرى من الجسم أيضاً – بما في ذلك الجهاز القلبي الوعائي – ما قد يكون محفوفاً بالمخاطر. المستويات العالية يمكن أن تسبب سرعة ضربات القلب، واضطرابات في النظم القلبي، ونوبات تشنجية. ورغم ندرتها، وُثقت حالات وفاة بسبب الإفراط في تناول الكافيين. بعض الأشخاص أكثر حساسية للكافيين من غيرهم، وقد يصابون بالغثيان والقلق والتهيج، ويعانون من الصداع حتى عند جرعات أقل. بشكل عام، يُعتبر تناول ما يصل إلى 400 مليغرام من الكافيين يومياً آمناً لمعظم البالغين الأصحاء – أي ما يعادل نحو أربعة أكواب من القهوة الفورية. الشاي يحتوي على كمية أقل قليلاً، لذا فإن خمسة أكواب يومياً غالباً ما تكون مقبولة. ويُنصح النساء الحوامل بتقليل الاستهلاك اليومي إلى 200 مليغرام أو أقل. الأطفال والمراهقون أكثر عرضة للمخاطر واحتمال التسمم بالكافيين، ولهذا السبب تُلزم قوانين الاتحاد الأوروبي مشروبات الطاقة التي تحتوي على أكثر من 150 مليغرام من الكافيين بحمل تحذير: "محتوى مرتفع من الكافيين. غير موصى به للأطفال أو النساء الحوامل أو المرضعات". انتبه إلى المشروبات أو الأطعمة الأخرى التي تحتوي على الكافيين يقول الدكتور فان دام إنه من السهل تناول كميات مفرطة من الكافيين، لأنه موجود في كثير من المشروبات وبعض الأطعمة، لذلك من المهم التحقق من كمية ما تستهلكه. ويضيف: "بينما يصعب تناول جرعة زائدة من القهوة، فإن هذه المنتجات تجعل الأمر أسهل، خاصة إذا كان الشباب يستخدمون مشروبات الطاقة أيضاً". ويشير إلى أن بعض المنتجات تحتوي، عند فحصها في المختبر، على كمية من الكافيين تفوق ما هو مذكور على الملصق. Getty Images • القهوة: يحتوي الكوب على نحو 100 إلى 140 مليغرام من الكافيين، لكن النسبة قد تختلف كثيراً • الشاي: يحتوي الكوب على نحو 75 مليغرام. • مشروبات الطاقة: غالباً تحتوي على 80 مليغرام في عبوة حجمها 250 مل. • المشروبات الغازية: عادة تحتوي على نحو 40 مليغرام في العبوة. • الشوكولاتة: يوجد نحو 25 مليغرام من الكافيين في لوح شوكولاتة داكنة وزنه 50 غراماً، ونحو 10 مليغرام في لوح شوكولاتة بالحليب بنفس الوزن. يقول أطباء الأسنان إن استخدام هذه الأكياس على المدى الطويل قد يسبب تهيجاً في اللثة، تماماً كما يحدث مع "السنوُس" وأكياس النيكوتين. ويخشى بعض الخبراء أن تكون أكياس الكافيين بوابة لاستخدام هذه المنتجات الأخرى. تقول باني سورش، رئيسة قسم التغذية العلاجية في "كليفلاند كلينك" بلندن والمتحدثة باسم الجمعية البريطانية للتغذية، إن استخدام الأكياس قد يبدو "موضة" أو أمراً غير ضار، لكن هناك خطراً حقيقياً في جعل استخدام المنبهات أمراً طبيعياً بين المراهقين والشباب، ما قد يخلق أنماطاً من الاعتماد. وأضافت لبي بي سي: "بينما قد يمنح الكافيين دفعة مؤقتة، فإنه قد يعرقل النوم ويفاقم التعب بمرور الوقت، خصوصاً لدى الأطفال والمراهقين الأكثر حساسية لتأثيراته". إذا كان الشباب سيتناولون الكافيين، فإن الجمعية البريطانية للتغذية وهيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا تنصحان بالحذر. وتقترح الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية ألا يتجاوز الحد الأقصى للأطفال والمراهقين 3 مليغرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم، أي أن الطفل الذي يزن 30 كيلوغراماً يجب ألا يتناول أكثر من 90 مليغرام في اليوم. بدلاً من اللجوء إلى الكافيين، تقول سورش إنه من الأفضل التركيز على الوجبات المنتظمة، وشرب الماء، والأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية التي تدعم مستويات طاقة ثابتة طوال اليوم. وتؤكد أن النظام الغذائي الصحي الذي يحتوي على ما يكفي من الحديد والبروتين والكربوهيدرات بطيئة الامتصاص يجب أن يفي بالغرض.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store