
القوة الناعمة وتحصين الدولة
في زمنٍ أصبحت فيه الجيوش لا تُقاس بعدد الطائرات والصواريخ وحدها، تبرز القوة الناعمة كأحد أعظم الأسلحة التي تُمكّن الدولة من بناء جسور الثقة وتحصين كيانها من كل التحديات.
إنّ الكويت، بما تمتلكه من تاريخٍ عريق وإرث ثقافي غني، استطاعت أن تحول فنها إلى أداة إستراتيجية قوية تعكس روح الأمن والحكمة. وكما هو حال الدول العظمى ذات السيادة – كالولايات المتحدة واليابان والصين وبريطانيا – فإن لكلٍ منها سلاحه الخاص في ميدان القوة الناعمة، إلا أن الكويت قد وجدت في المسرحيات والمسلسلات القديمة مرآةً تعكس همومها وآمالها وتبرز هويتها الوطنية.
إنّ القوة الناعمة ليست سحراً أسطورياً، بل هي قدرة الدولة على التأثير في العقول والقلوب عبر الثقافة والفنون والإعلام. هذا التأثير، حين يُدار برؤية إستراتيجية، يتحول إلى ركيزة أساسية في تعزيز الهوية الوطنية واستقرار الدولة. الكويت، من خلال استثمارها في الفنون، حملت رسالة واضحة: أن الهوية والثقافة هما السلاح الذي يصون كيان الوطن ويُثبِت مكانته على الساحة الإقليمية والدولية.
خلال عقود من الزمن، كان للمسرح الكويتي دوره البارز في نشر الوعي وتثقيف الجماهير بأسلوبٍ يجمع بين النقد اللاذع والفكاهة الذكية. فقد كانت المسرحيات – مثل «هذا سيفوه» و«باي باي لندن» – بمثابة جسر بين الفن والسياسة، إذ تناولت موضوعات كالعنصرية وصراع الهوية، وسلّطت الضوء على تحديات التحديث دون أن تفقد هويتها الأصيلة.
مسرحية «هذا سيفوه»، التي تناولت موضوع العنصرية والتمييز، برزت بقوتها في نقد الممارسات الاجتماعية الخاطئة، ما جعلها رمزاً للفن الثوري الذي لا يعرف الخوف من طرح الحقائق ومسرحية «باي باي لندن» كانت بمثابة رسالة تحذيرية من الانبهار المفرط بالحداثة الغربية على حساب القيم الأصيلة.
لم تكن القوة الناعمة مقتصرة على المسرح فقط، بل امتدت إلى شاشات التلفزيون حيث برزت المسلسلات الكويتية القديمة كأدوات توعوية وترسيخٍ للهوية الوطنية ومسلسل «درب الزلق»، الذي وثّق التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الكويت، كان بمثابة مرآة تعكس التحديات التي واجهت المجتمع الكويتي في مسيرته نحو التحديث ومسلسل «خالتي قماشة»، بتناوله لقضايا الأسرة والصراع بين الأجيال، قدّم نموذجاً درامياً جمع بين الفكاهة والواقعية، ما أسهم في بناء روابط اجتماعية قوية واستيعاب القيم المشتركة.
هذه الأعمال لم تكن مجرد وسائل ترفيهية، بل كانت أدوات فاعلة في توعية الجماهير وترسيخ مبادئ الوحدة والاحترام المتبادل، ما ساهم في بناء مجتمع واعٍ قادر على مواجهة تحديات العصر.
الدول العظمى مثل الولايات المتحدة، التي استخدمت السينما والإعلام لنشر قيم الحرية والديمقراطية واستخدمتها شماعة ناجحة لأجنداتها وأمنها القومي، واليابان، التي حولت الأنمي والمانغا إلى ظاهرة عالمية تُبرز روح الإبداع والابتكار، والصين التي استثمرت في مشاريع ثقافية ضخمة لتسليط الضوء على حضارتها العريقة، وبريطانيا التي صنعت من أدبها وفنونها وسيلة دبلوماسية متقنة، جميعها اعتمدت على القوة الناعمة كأداة إستراتيجية لتعزيز مكانتها العالمية.
ومن هنا، نجد أن الكويت قد رسمت لنفسها مساراً فريداً، حيث جعلت من الفنون والدراما وسيلة حيوية لتقوية كيان الدولة وترسيخ الهوية الوطنية، بما يتماشى مع تجارب هذه الدول العظمى التي أدركت أن القوة ليست فقط في العتاد بل في النفوذ الثقافي والفكري.
إنّ استثمار الكويت في القوة الناعمة من خلال المسرحيات والمسلسلات القديمة لم يكن مجرد ترفٍ ثقافي، بل كان قراراً إستراتيجياً مدروساً لتعزيز الأمن القومي وتماسك الكيان الوطني. هذا النهج، الذي يجمع بين حس الأمن الحكيم وروح الإبداع الفني، أثبت فعاليته في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وجعل من الكويت نموذجاً يحتذى به في المنطقة.
وعليه، فإن المستقبل يحمل في طياته دعوة لتعميق الاستثمار في الثقافة والفنون كأدوات أساسية لتحصين الدولة، مع الاستفادة من تجارب الدول العظمى التي ورّثتها التاريخ والحضارة، وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث.
إنّ القوة الناعمة هي الطريق لتحقيق التوازن بين التقاليد والحداثة، بين الهوية والانفتاح، وهي السبيل الأكيد لترسيخ سيادة الكويت وتعزيز مكانتها في وجه تحديات المستقبل.
Jisrmuneer@gmail.com

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجريدة
منذ 4 أيام
- الجريدة
جائزة «المعلوماتية» تطلق النسخة العاشرة لمسابقتها الثقافية «شفت الكويت»
أطلقت جائزة سمو الشيخ سالم العلي الصباح للمعلوماتية النسخة العاشرة لمسابقتها الثقافية الرائدة «شفت الكويت» بالتعاون مع بيت السدو تحت عنوان «الكويت مدينة عالمية لحرفة نسيج السدو» بمناسبة احتفاء الجائزة بيوبيلها الفضي. وقال عضو مجلس أمناء الجائزة بسام الشمري لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» اليوم الثلاثاء إن النسخة العاشرة للمسابقة تتجسد بأسئلة مشوقة تطرح لمدة عشرة أيام على حسابات الجائزة وبيت السدو على منصتي «إنستغرام» و«فيس بوك» يتفاعل معها الآلاف من داخل الكويت وخارجها. وأضاف الشمري أن آلية المسابقة تعتمد على الإجابة عن ستة أسئلة تتمحور حول حرفة السدو ويتأهل من يجيب بشكل صحيح لدخول قرعة الفوز فيما تبلغ قيمة جوائز المسابقة هذا العام 50 ألف دولار توزع على خمسين فائزا بحيث يحصل كل منهم على ألف دولار. من جانبه قال المشرف العام على المسابقة الشيخ سالم عذبي السالم الصباح لـ«كونا» إن شراكة جائزة المعلوماتية وبيت السدو شكلت إضافة جوهرية إلى المسابقة وتجسيدا رائعا للتكامل بين الثقافة والتكنولوجيا. وأضاف الشيخ سالم الصباح أن هذا التعاون يسلط الضوء على حرفة السدو باعتبارها إرثا كويتيا عريقا بطريقة تفاعلية جذابة تستقطب اهتمام الأجيال الجديدة. وذكر أن هذه الشراكة تعكس ما تمتاز به الكويت من مؤسسات ثقافية راسخة تتكامل فيما بينها لتقديم مبادرات وطنية تعزز مكانة البلاد إقليميا وعالميا. وأشار إلى أن الجائزة تتطلع إلى مزيد من التعاون في مشاريع مستقبلية تصب في خدمة الثقافة الرقمية والتراث الكويتي الأصيل. يذكر أن مسابقة «شفت الكويت» انطلقت في رحاب جائزة سمو الشيخ سالم العلي الصباح للمعلوماتية منذ عام 2010 على شبكات التواصل الاجتماعي وقدمت خلال مسيرتها جوائز مادة تشجيعية ومازالت مسيرتها طامحة إلى مزيد من نشر الثقافة والمعرفة.


الرأي
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الرأي
«نتفليكس» تدخل سباق الفيديوهات القصيرة
في خطوة تُظهر مدى تغيّر عادات المشاهدة وتحوّل سلوك الجمهور نحو الترفيه السريع، أعلنت «نتفليكس» عن اختبار ميزة جديدة لمقاطع الفيديو القصيرة، تُعرض عبر موجز عمودي مخصص لتطبيق الهواتف المحمولة. وكشفت الشركة عن هذه التجربة خلال أول حدث تقني تنظمه على الإطلاق، في محاولة منها لمجاراة شعبية تطبيقات مثل «تيك توك»، و«يوتيوب شورتس»، و«إنستغرام ريلز»، والتي باتت تستهلك جزءًا كبيرًا من وقت المستخدمين، حتى على حساب منصات البث العملاقة، بحسب تقرير نشره موقع «تك كرانش». ميزة مصمّمة لجذب الانتباه الميزة الجديدة تتيح للمشتركين تصفح مقاطع قصيرة مختارة بعناية من إنتاجات «نتفليكس» الأصلية، ضمن خلاصة عمودية سهلة التمرير. يمكن للمستخدم بنقرة واحدة مشاهدة الفيلم أو المسلسل الكامل، أو إضافته إلى قائمة المفضلة، أو مشاركته مع الآخرين. ولضمان التفاعل السريع، لا تأتي هذه المقاطع من مكتبة «نتفليكس» الكاملة، بل من قسم «أفضل اختياراتك اليوم»، في محاولة لتقديم محتوى مُخصص لكل مستخدم، بما يزيد احتمالية جذبهم للمشاهدة الكاملة. ومن المتوقع طرح هذه الميزة تدريجيًا لمستخدمي (iOS) وأندرويد حول العالم خلال الأسابيع المقبلة، وستظهر كعلامة تبويب جديدة في الصفحة الرئيسية للتطبيق. «نتفليكس» تواكب تغيّر الذوق العام تأتي هذه الخطوة في توقيت حساس، حيث تتنافس المنصات الرقمية بقوة لاقتناص وقت المستخدمين، خاصةً بعد أن باتت الفيديوهات القصيرة هي المفضلة لجمهور الهواتف المحمولة. وهي ليست المحاولة الأولى لـ«نتفليكس»، ففي عام 2021 أطلقت ميزة «ضحكات سريعة» التي ركزت على المقاطع الكوميدية، لكن التجربة الجديدة تستهدف جمهورًا أوسع بمحتوى متنوع وشخصي أكثر. تصميم جديد وتجربة مشاهدة أذكى وخلال الحدث، كشفت «نتفليكس» أيضًا عن تعديلات في تصميم الصفحة الرئيسية على أجهزة التلفزيون، حيث نُقلت اختصارات مثل «البحث» و«قائمتي» إلى الأعلى لتصبح أكثر سهولة في الوصول. كما أُضيفت شارات جديدة توضح الجوائز أو نوع المحتوى، مثل العناوين الحائزة على جوائز إيمي. وفي تطور مهم لنظام التوصيات، أصبح بإمكان المنصة تعديل الاقتراحات المعروضة للمستخدمين بشكل لحظي، استنادًا إلى تفضيلاتهم الفورية، مثل مشاهدة مقطع دعائي معين أو البحث عن ممثل محدد. ومع دخول خدمات بث أخرى مثل «Tubi» و«Peacock» مجال الفيديو القصير، يبدو أن «نتفليكس» تدرك أهمية عدم التأخر في هذا السباق.


الرأي
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الرأي
فخري عودة ترك الأثر في «درب الزلق» والوفاء لـ «عدنان ولينا»
هكذا شاءت «الأقدار» أن تكتب شهادة الوفاة لـ «حبيب الصغار والكبار»... إذ يُوارى الثرى صباح يوم غد في مقبرة الصليبيخات، الفنان والشاعر والإعلامي فخري عودة، بعدما غيبه الموت اليوم عن 75 عاماً، تاركاً وراءه سيرتين عطرتين، مهنية ثرية، وإنسانية طيبة، عُرف من خلالهما بدماثة الخلق وطيبة القلب. ونعت وزارة الإعلام الراحل، واصفةً مسيرته المهنية بـ«المشرّفة، قدم خلالها الكثير في خدمة الإعلام الكويتي بكل إخلاص وتميز». ونقلت الوزارة في بيان لها تعازي وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري، والقياديين والعاملين كافة في الوزارة إلى أسرة الفقيد وذويه، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله ومحبيه جميل الصبر وحسن العزاء. وبيّنت الوزارة أن «الساحة الإعلامية فقدت شخصية مهنية تركت أثراً طيباً في كل من عرفه وتعامل معه وستظل سيرته حاضرة في ذاكرة الإعلام الكويتي». بدأ عودة العمل في المجال الإعلامي والتلفزيوني، بعد الحصول على بكالوريوس التمثيل والإخراج من المعهد العالي للفنون المسرحية من الكويت في العام 1982، بعدها كان العمل تحت مظلة وزارة الإعلام حيث شغل العديد من المواقع، منها منسق برامج للقناة الثانية والثالثة ومراقب التنفيذ ومراقباً للمكتبة وأيضاً مشرفاً عاماً على القناة الرابعة ومديراً لها، ومن قبلها مديراً لإدارة التنسيق والتنفيذ بالإدارة العامة للقناة الأولى. وشغل أيضاً منصب المستشار الإعلامي لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. كما شارك في أعمال درامية عدة، منها مسلسل «درب الزلق» حيث جسّد من خلاله شخصية «المحامي سالم النبيه» التي ما زال يتذكرها المشاهدون، بالإضافة إلى مشاركته في مسلسل «الأقدار» ومسرحيتي «الإمبراطورية» و«فوضى»، والأخيرة تعد أول مسرحية كويتية تُصوّر بالألوان للتلفزيون في عام 1976، إضافة إلى أعمال للأطفال والبرامج الإذاعية والتلفزيونية. كما لم يقتصر حب الناس له على فئة الكبار، بل أحبّهُ المشاهدون الصغار - من دون حتى أن يعرفوه - في المسلسل الكرتوني «عدنان ولينا»، الذي شارك به ممثلاً بأدائه الصوتي لشخصية «علام» وكاتباً لأغنيات المسلسل، فأوفى لجمهور الطفل، كما عهدناه وفياً وصادقاً طوال مسيرته.