
أمريكا الجنوبية: تحولات سياسية وارتدادات استراتيجية على الصراع في الشرق الأوسط
هذا التغير في مواقف عدد من دول أمريكا الجنوبية ليس معزولًا عن السياقات السياسية الداخلية فيها، إذ يعكس وصول أحزاب يسارية وطنية وتقدمية إلى الحكم — مثل 'باكتو هيستوريكو' في كولومبيا، و'حزب العمال' في البرازيل بقيادة لولا دا سيلفا — تطورًا نوعيًا في سياسات التضامن الدولي، وانخراطًا أكبر في قضايا الجنوب العالمي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
التحولات السياسية في أمريكا الجنوبية وتداعياتها
على مدى السنوات الأخيرة، شهدت قارة أمريكا الجنوبية عودة قوية لليسار التقدمي إلى الحكم بعد مرحلة من سيطرة اليمين النيوليبرالي. في كولومبيا، أعاد انتخاب غوستافو بيترو تعريف السياسات الخارجية على أساس المبادئ الإنسانية والحقوقية، فيما أعاد لولا دا سيلفا في البرازيل التأكيد على مركزية السياسة الخارجية متعددة الأطراف، ومناهضة الاستعمار الجديد، والدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة.
هذه التحولات انعكست بوضوح في المواقف من القضية الفلسطينية، حيث ترى هذه الحكومات أن دعم فلسطين يتسق مع القيم التحررية ومع تجاربهم التاريخية في مقاومة الاستعمار والتبعية. ويبدو أن هذه الدول، خصوصًا في ظل الضغوط الشعبية المتزايدة وتوسع الوعي السياسي، باتت تنظر إلى العدوان الإسرائيلي لا كصراع جيوسياسي فقط، بل كقضية أخلاقية وإنسانية تتطلب تحركًا حاسمًا.
من التنديد إلى الأفعال: خطوات ملموسة
يعتبر قرار كولومبيا اعتراض شحنات الفحم المتجهة لإسرائيل من الإجراءات العقابية الاقتصادية النادرة التي تُتخذ من دولة لاتينية ضد إسرائيل . وهو قرار يعكس فهمًا عميقًا لترابط الاقتصاد بالحرب، ويشكل ضغطًا مباشرًا على إسرائيل في سياق دعمها العسكري والاقتصادي لاستمرار العدوان.
اما بخصوص انضمام البرازيل إلى دعوى الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية فهو لا يعزز فقط المسار القانوني الدولي، بل يمنح القضية الفلسطينية دعمًا إضافيًا من دولة ذات ثقل قانوني ودبلوماسي كبير. موقف البرازيل يُعد امتدادًا لنهجها التاريخي بدعم القضايا العادلة في الجنوب العالمي.
استمرار المظاهرات الشعبية والتنديد الشعبي في فنزويلا، كما في حادثة قارب 'حنظلة'، يعكس أن الدعم لفلسطين لا يقتصر على النخب السياسية بل يمتد إلى عمق الشارع اللاتيني الذي بات يعتبر القضية الفلسطينية امتدادًا لصراعاتهم ضد الإمبريالية والاستعمار.
التأثير المحتمل على الشرق الأوسط
الدعم المتزايد من أمريكا الجنوبية يفتح الباب أمام إعادة تشكيل موازين التأثير في القضية الفلسطينية على مستوى النظام الدولي. ورغم أن هذه الدول ليست جزءًا من القوى التقليدية الفاعلة في الشرق الأوسط، إلا أن مواقفها تحمل:
زخمًا معنويًا وقانونيًا يزيد من عزلة إسرائيل الدولية، ويعزز حملات نزع الشرعية عنها في المحافل الدولية.
ضغطًا دبلوماسيًا متراكمًا على دول الشمال (خصوصًا في أوروبا) التي تواجه ضغوطًا شعبية متزايدة للانخراط في المساءلة القانونية لإسرائيل، خاصة مع توسع جبهة الدول الداعمة للدعوى القضائية في لاهاي.
تشجيعًا لمزيد من الدول على الانخراط القانوني، وقد يؤدي ذلك إلى دعم أوسع داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وربما الدفع نحو قرارات جديدة بشأن تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لفرض الانسحاب من الأراضي المحتلة.
تعزيز مسار المحاسبة والمساءلة الدولية، خاصة إذا تم توثيق الإبادة بشكل قانوني، ما يفتح بابًا واسعًا لمحاكمات لاحقة لقادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
إسرائيل في مواجهة العزلة المتزايدة
تدرك القيادة الإسرائيلية أن التحولات في أمريكا الجنوبية ليست مجرد موجة مؤقتة، بل هي جزء من تحوّل أعمق في موازين القوة العالمية، حيث تبرز تكتلات الجنوب العالمي كلاعبين مؤثرين في تشكيل النظام الدولي لما بعد الحرب في أوكرانيا والصراع في غزة.
العزلة التي تفرضها هذه الدول تعمّق المخاوف الإسرائيلية من أن يؤدي الاتساع الجغرافي للتحالفات الداعمة لفلسطين إلى:
•فرض قيود اقتصادية.
•وقف اتفاقيات تجارية.
•تزايد محاولات حظر الأسلحة.
•فتح ملفات جرائم حرب بشكل أوسع في المؤسسات القضائية الدولية.
وعلى الرغم من تعنّت إسرائيل والفيتو الأمريكي، فإن التحولات الجارية تعزز مناخًا دوليًا ملائمًا لإعادة الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على حدود الخامس من حزيران 1967، بما في ذلك:
•إعادة طرح مبادرة 'المؤتمر الدولي للسلام' بقيادة دول الجنوب.
•الضغط باتجاه إصدار قرار ملزم من الجمعية العامة (بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام) للاعتراف بالدولة الفلسطينية كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.
•دعم مسار محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى ملزمة بشأن الاحتلال والاستيطان.
ختاما، تثبت التحركات الجارية في أمريكا الجنوبية أن التضامن الدولي مع فلسطين لا يزال حيًا، بل يزداد رسوخًا في مواجهة التحالفات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. ومع تنامي دور الجنوب العالمي وصعود قوى بديلة عن النظام الدولي التقليدي، فإن هذه المواقف يمكن أن تمهد لتحولات استراتيجية على الأرض، تضيق هامش المناورة أمام إسرائيل وتعيد طرح حل الدولتين كضرورة دولية لا يمكن تأجيلها أكثر. وبينما تتعالى أصوات العدالة في بوغوتا وبرازيليا وكراكاس، يبقى الرهان على تكامل الضغط القانوني والسياسي والشعبي من الجنوب إلى الشمال، لكسر حلقة الإفلات من العقاب، وفرض انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ ثانية واحدة
- معا الاخبارية
الكابنيت ناقش خطوات دراماتيكية في غزة لكن لم يتم اتخاذ أي قرارات
بيت لحم- معا- انعقد الكابنيت الحربي الاسرائيلي مساء أمس الاثنين لمناقشة قضايا حساسة للغاية، في ظل جمود مفاوضات إطلاق سراح الاسرى وتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لإنهاء القتال في قطاع غزة. وكان على جدول الأعمال إجراءات عسكرية قاسية ، بما في ذلك استئناف احتلال القطاع أو فرض حصار شامل على المدن التي تسيطر عليها حماس. وبعد أن قرر نتنياهو نهاية الأسبوع الماضي "الهدنة الإنسانية في غزة"، من دون الوزيرين سموتريتش وبن جفير ، شارك في النقاش هذه المرة أعضاء من الجناح اليميني في الائتلاف. وفي ختام المؤتمر، أصدر رئيس الوزراء نتنياهو بيانا باللغة الإنجليزية أكد فيه أن إسرائيل ستواصل التعاون مع الوكالات الدولية، وكذلك مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لضمان تدفق واسع للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حيث الوضع صعب. وكان مصدر عسكري إسرائيلي صرّح في هذا السياق بأن "تصريحات وزراء الحكومة المشينة أضرّت بالجيش، وتصبّ في مصلحة حملة حماس. إن حملات الوزراء الدعائية كارثة". واتهم المصدر نفسه قطر بتمويل حملة الضغط. وقال: "كان هناك زخمٌ للتوصل إلى اتفاق، ولكنه أُحبط"، مضيفًا أن هناك حاجةً إلى خطواتٍ حثيثةٍ لإعادة الضغط على حماس. وتناول النقاش إمكانية فرض حصار، يشمل، وقف تدفق المساعدات الإنسانية - وهي خطوة تُعتبر متطرفة للغاية، وقد تجنبتها إسرائيل حتى الآن. وتؤكد مصادر سياسية أن أي محاولة لفرض حصار فعال تتطلب وقف نقل المساعدات، بما في ذلك الغذاء والكهرباء، وإلا فهي بلا معنى عملي. وتقول إسرائيل إن الأولوية القصوى هي التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن وعدم الانجرار إلى التصعيد.


فلسطين أون لاين
منذ ثانية واحدة
- فلسطين أون لاين
نتنياهو يماطل في مفاوضات غزة رغم تفاؤل الوسطاء وتضييق فجوة الاتفاق
ترجمة عبد الله الزطمة وسط تفاؤل حذر يسود الأوساط الإسرائيلية والدول الوسيطة بقرب التوصل إلى اتفاق بشأن مخطط "ويتكوف"، يكشف مصدر رفيع في المفاوضات أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يُصر على اتفاق جزئي فقط، رافضًا إنهاء الحرب في غزة. وحسب ما نشر موقع "يديعوت أحرنوت" اليوم الثلاثاء، فإن التسريبات تشير إلى أن تعنّت نتنياهو الذي لا يرتبط فقط باعتبارات أمنية، بل أيضًا بحسابات سياسية داخلية، حيث يسعى للإبقاء على الحرب كأداة للهروب من الضغوط المحلية، في وقت تعيش فيه عائلات الأسرى وضعًا مأساويًا ومفتوحًا على المجهول. ووفقا مسؤولين إسرائيليين يقولون إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتصرف كما لو أنه لا ينوي، مرة أخرى، السماح لوقف إطلاق النار المؤقت بأن يصبح دائما وإنهاء الحرب في قطاع غزة، ويفعل كل شيء للعودة إلى القتال مرة أخرى. المصدر / ترجمة فلسطين اون لاين


فلسطين أون لاين
منذ ثانية واحدة
- فلسطين أون لاين
الاحتلال يهدم منشآت سكنية في بلدة سلوان بالقدس المُحتلَّة
هدمت قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، اليوم الثلاثاء، منشآت سكنية في حيي عين اللوزة والبستان ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك. وأفادت محافظة القدس، بأن طواقم بلدية الاحتلال في القدس هدمت منشأة سكنية ومغسلة مركبات تعودان للمقدسي هاني السلايمة في حي عين اللوزة. كما اقتحمت طواقم بلدية الاحتلال حي البستان المجاور، وهدمت سورا يحيط بموقع منزل المواطن المقدسي تامر عودة، بعد أسابيع على هدم منزله. وتزامنت عمليتا الهدم مع إغلاقات فرضتها قوات من شرطة الاحتلال على الطريق المؤدي إلى حي عين اللوزة، والبستان. ويأتي ذلك ضمن سياسة ممنهجة تستهدف الوجود الفلسطيني في مدينة القدس وضواحيها. المصدر / وكالات