
الفيلم 15: Metropolis .. يهدد اساس المدنية
استحوذ الذكاء الاصطناعي منذ فترة طويلة على خيال صُناع الأفلام والجمهور والنقاد على حد سواء، مما أدى إلى ظهور بعض القصص السينمائية الأكثر إثارة وعمقًا. تتناول هذه الأفلام المعضلات الأخلاقية، والإمكانات التكنولوجية، وطبيعة البشرية نفسها. من أفلام الخيال العلمي المثيرة إلى الدراما التأملية، تقدم أفضل أفلام الذكاء الاصطناعي رؤى استفزازية وسرديات آسرة لمجموعة واسعة من عشاق السينما.
وفي طليعة هذه الأفلام التي تتناول الذكاء الاصطناعي، توجد أمثلة رائعة لكيفية دمج كل إنتاج لموضوعات الذكاء الاصطناعي في نسيج قصته. تتحدى شخصيات مثل الروبوتات الواعية، والروبوتات المتقدمة، والبرامج القائمة على الكمبيوتر المفاهيم البشرية عن الوعي الذاتي، والوعي، والأخلاق. ويثير التصوير المعقد للذكاء الاصطناعي في هذه الأفلام مناقشات مثيرة حول آثار التكنولوجيا على المجتمع، مما يشكل مشهد السينما المعاصرة.
يعتبر فيلم "ميتروبوليس" (1927)، من إخراج فريتز لانج، واحدًا من الأفلام الرائدة في مجال الخيال العلمي، وقد استطاع منذ اللحظة الأولى لإطلاقه أن يترك بصمة لا تمحى على هذا النوع وتاريخ السينما. يشتهر هذا الفيلم الألماني الصامت بمؤثراته الخاصة الرائدة وتصميمه المعقد للمشاهد، واستكشافه الطموح لموضوعات مثل الصراع الطبقي والحالة الإنسانية. وباعتباره أحد أقدم أفلام الخيال العلمي وأكثرها تأثيرًا، لا يزال "ميتروبوليس" يأسر الجماهير ويُلهم صناع الأفلام بعد مرور ما يقرب من قرن على إصداره.
وهنا أجدها مناسبة قبل الحديث عن أحداث الفيلم أن أشيد بدعم "السينماتيك الفرنسي"، الذي أتاح لي الفرصة المناسبة لرصد ومتابعة النسبة الأكبر من عروض هذه السلسلة. بل إن "السينماتيك الفرنسي" وقياداته أمنت لي شخصيًا نسخًا من أفلام تكاد تكون غير متوفرة في أي مكتبة أخرى حول العالم.
تدور أحداث الفيلم في مستقبل بائس، ويصور مجتمعًا منقسمًا بشكل صارخ، حيث تعيش النخبة الغنية في رفاهية فوق الأرض، بينما يكدح العمال المضطهدون في ظروف قاسية تحت المدينة. وتدور القصة حول فريدر (جوستاف فروليش)، الابن المتميز لجوه فريدرسن (ألفريد آبل)، الحاكم القوي لميتروبوليس. وتتحول حياة فريدر بشكل درامي عندما يلتقي بماريا (بريجيت هيلم)، وهي عاملة عطوفة تبشر بالوحدة والسلام.
بعد أن أثارت رسالة ماريا فضول فريدر وتأثر بها، يخوض المغامرة في أعماق المدينة ليشهد محنة العمال بشكل مباشر. ويشعر بالرعب من الظروف الوحشية ويصبح مصممًا على سد الفجوة بين الطبقات. في الوقت نفسه، يستعين جوه فريدرسن بمساعدة المخترع الشرير روتوانج (رودولف كلاين روج) لإنشاء روبوت بديل لماريا، بهدف استخدامه للتلاعب بالعمال والسيطرة عليهم.
الروبوت "ماريا" في فيلم ميتروبوليس يثير الفوضى والتمرد بين العمال، مما يؤدي إلى صراع حاسم يهدد بنية المدينة نفسها. وفي النهاية، يسلط الفيلم الضوء على أهمية التفاهم والتعاون بين الطبقات الاجتماعية، وهذا ما تجسده العبارة الشهيرة: "الوسيط بين العقل واليدين يجب أن يكون القلب".
هذا هو الخط الدرامي لفيلم ميتروبوليس، الذي يُعد من أوائل الأفلام العالمية التي تناولت موضوع الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
يُعتبر إخراج فريتز لانغ في هذا الفيلم بمثابة رؤية فنية مبدعة، حيث يدمج بين السرد البصري الفخم والتعليق الاجتماعي المعقد. ويظهر اهتمامه الدقيق بالتفاصيل في الديكورات المعقدة والمؤثرات الخاصة المبتكرة، التي كانت ثورية في زمانها. تظل المشاهد الحضرية المستقبلية التي رسمها لانغ في ميتروبوليس بمثابة إنجاز كبير في فن التصميم السينمائي.
كما أن التصوير السينمائي الذي قام به كارل فرويند وغونتر ريتاو عزز التأثير الدرامي والموضوعي للفيلم. استخدموا تقنيات مبتكرة مثل عملية "شوفتان"، التي كانت بمثابة مقدمة للمؤثرات الخاصة الحديثة، ما خلق تجربة بصرية آسرة. والمشاهد الأيقونية مثل تحول الروبوت وتسلسل الفيضان تظل دليلًا على براعتهم الفنية.
أما الموسيقى التصويرية الأصلية التي ألّفها جوتفريد هوبرتز، فتلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الأثر العاطفي للفيلم. فالموسيقى تضخم التوتر الدرامي وتعزز الصدى العاطفي، مما يساهم في تأثير الفيلم الكبير رغم غياب الحوار. تمزج موسيقى هوبرتز بين العظمة الأوركسترالية والزخارف الموضوعية بما يتناسب مع رؤية لانغ الملحمية. ولا تزال موسيقى الفيلم تُمثل مادة حية، يتم إحياؤها في العديد من المناسبات الفنية الهامة.
فيلم ميتروبوليس يظل واحدًا من أفضل الأعمال السينمائية، بفضل أسلوبه المبدع في السرد، وموهبته الفنية في التصوير، واستكشافه العميق للقضايا الاجتماعية. تأثيره يمتد عبر عدد كبير من أفلام الخيال العلمي التي تم إنتاجها لاحقًا، مثل بليد رانر و ذا ماتريكس. موضوعات الفيلم حول الصراع الطبقي، والتقدم التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، والسعي للتواصل الإنساني، ما زالت ذات صلة، وتواصل التفاعل مع الجماهير المعاصرة.
أعادت النسخة المستعادة من فيلم "ميتروبوليس"، التي تضم لقطات مفقودة سابقًا، إحياء الاهتمام بهذا العمل الرؤيوي الذي أخرجه فرانز لانغ، مما أتاح للأجيال الجديدة فرصة تجربة روعته الكاملة. لا تزال الصور الأيقونية للفيلم، مثل المناظر الطبيعية الشاهقة لمدينة متروبوليس وماريا الروبوتية، تثير الإعجاب وتلهم وتدهش حتى اليوم.
أما عن البناء الدرامي، فالفيلم يقدم قصة تقع في المستقبل غير المحدد، حيث تنقسم مدينة متروبوليس إلى فئتين اجتماعيتين: الطبقة العليا التي تعيش في سطح المدينة حياة مريحة، وطبقة العمال التي تعيش تحت السطح. تقوم ماريا، التي تقود طبقة العمال، بالدعوة إلى ضرورة إيجاد أرضية مشتركة بين الفئتين، مؤمنةً بأن الطبقات ستحتاج إلى "القلب" بينهما للبقاء على قيد الحياة. يدخل فريدر فريدرسون، نجل سيد المدينة يوهان فريدرسون، الذي يقع في حب ماريا. في الوقت نفسه، يقرر يوهان أن الطبقة العاملة لم تعد لها مكان في مجتمعه، فيصنع روبوتًا مقلدًا لماريا بهدف إشعال ثورة من أجل القضاء على الطبقة العاملة.
ما يميز هذا الفيلم عن غيره هو موضوعه العميق حول كيف يمكن للبشرية أن تتغلب عليها أعمالها وتكنولوجياتها، وتزداد الهوة بينها وبين حياة الرفاهية. هذا الموضوع يثير مشاعر الأمل في وسط اليأس، ويعكس شعورًا بالتمرد، مما يضيف طابعًا شعريًا خاصًا. ما يذهلني أكثر هو مدى حداثة قصة "ميتروبوليس"، على الرغم من مرور ما يقرب من مئة عام على إنتاجه. فهو مليء بالإبداع والإثارة، ومع ذلك، لا يزال يحمل روح الشباب والابتكار، مما يجعله فيلمًا خالدًا بلا شك.
نظرًا لأن هذا فيلم صامت، فإن الممثلين يتحملون مهمة صعبة تتمثل في استخدام لغة الجسد وتعبيرات الوجه لنقل الرسالة التي يسعون إلى إيصالها للجمهور. وقد نجح الجميع في أداء هذه المهمة في "ميتروبوليس"، حيث استعان فريتز لانغ بطاقم من النجوم المتميزين لإنجاز هذه المهمة. حتى الشخصيات الخلفية تحمل إحساسًا بالعمق، وهو أمر غالبًا ما تُغفِلُه العديد من الأفلام الحديثة.
يعد فيلم "ميتروبوليس" (1927) علامة بارزة في تاريخ السينما، حيث يقدم مزيجًا قويًا من الخيال العلمي والدراما والتعليق الاجتماعي. أخرجه فريتز لانغ وتميز بأداء رائع، خاصة من قبل بريجيت هيلم وجوستاف فروليش، وقد رسخت الابتكارات البصرية والموضوعية للفيلم مكانته كفيلم كلاسيكي خالد. يظل فيلم "ميتروبوليس" فيلمًا يجب مشاهدته لأي متحمس للسينما، حيث يجسد القوة الدائمة لسرد القصص الرؤيوية والفن السينمائي.
حتى لا نطيل، يمكن القول إن فيلم ميتروبوليتان يمثل قصيدة سينمائية عالية الجودة في استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية، لكن النتائج تذهب في النهاية نحو السيطرة على القوى العاملة والبشرية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 12 دقائق
- مصرس
سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة
تمكنت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القليوبية تحت إشراف اللواء عبدالفتاح القصاص مساعد وزير الداخلية لقطاع أمن القليوبية، من ضبط مروجى المواد المخدرة بدائرة مركز شرطة الخانكة، وتم تحرير محضر بالواقعة وتولت النيابة العامة التحقيق. وردت معلومات إلى اللواء محمد السيد مدير الإدارة العامة لمباحث القليوبية واللواء محمد فوزي رئيس مباحث القليوبية من المقدم دكتور أمير الكومى رئيس مباحث مركز شرطة الخانكة بقيام شخصان بالترويج للمواد المخدرة بنزلة الليثي بمنطقة ابوزعبل دائرة المركز.وعقب تقنين الإجراءات وإعداد الأكمنة اللازمة بقيادة النقيب محمد معتز والنقيب محمود الحديدي والنقيب محمد عطا معاوني رئيس المباحث، تم ضبط المتهمين، وبحوزتهما المواد المخدرة، وتم تحرير محضر بالواقعة وتولت النيابة العامة التحقيق وأمرت بحبس المتهمين 4 أيام علي ذمة التحقيقات.اقرأ أيضا | المشدد 6 سنوات لسائقين وغرامة 100 ألف جنيه بتهمة الاتجار في المخدرات بشبرا


حدث كم
منذ 12 دقائق
- حدث كم
رئيس مجلس النواب يتباحث بالرباط مع وزيري الشؤون الخارجية والدفاع بجمهورية سلوفاكيا
أجرى رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، اليوم الخميس بالرباط، مباحثات مع وزير الشؤون الخارجية والأوروبيين، جوراج بلانار، ونائب الوزير الأول ووزير الدفاع بجمهورية سلوفاكيا، روبيرت كاليناك، وذلك في إطار زيارة رسمية يقومان بها للمملكة بمعية وفد هام. وذكر بلاغ لمجلس النواب أن هذا اللقاء شكل فرصة لإبراز الأوراش الكبرى التي انخرطت فيها المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، وكذا التأكيد على أهمية العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها. كما شكل اللقاء مناسبة للتذكير بأن المبدأ الأساسي في علاقات المغرب الخارجية هو احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذا عمله الدؤوب على حل النزاعات بالطرق السلمية ودعم كل المبادرات القارية والدولية الرامية لإحلال السلم والأمن. كما أكدت المباحثات على أهمية العلاقات البرلمانية الثنائية ومتعددة الأطراف في تعزيز التعاون بين البلدين عبر تقاسم الخبرات والتجارب البرلمانية والتواصل الدائم والفعال وتبادل الزيارات والتنسيق في مختلف المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية، وتوضيح وجهات النظر واستثمار كل الإمكانيات المتاحة لتعزيز العلاقات بين المؤسستين التشريعيتين. حضر هذه المباحثات سفير جمهورية سلوفاكيا بالرباط، جوراج توماغا، وعدد من المسؤولين والمستشارين والأطر بوزارتي الخارجية والأوروبيين والدفاع بجمهورية سلوفاكيا.


دوت مصر
منذ 12 دقائق
- دوت مصر
بريطانيا وفرنسا وكندا تهدد إسرائيل بسبب الحرب على غزة: سنتخذ إجراءات ضدكم
ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا كتب عبد الوهاب الجندى الثلاثاء، 20 مايو 2025 01:30 ص حذر قادة بريطانيا وفرنسا وكندا في بيان مشترك، الاثنين، من أن دولهم ستتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الذي استأنفته على قطاع غزة، وترفع القيود المفروضة على المساعدات. وبحسب بيان مشترك للدول الثلاث نشرته الحكومة البريطانية"، إن "منع الحكومة الإسرائيلية إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين أمر غير مقبول، وينتهك القانون الإنساني الدولي". وأضاف: "نعارض أي محاولة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية... ولن نتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات محددة الهدف". وفي وقت سابق الإثنين، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل ستسيطر على قطاع غزة بالكامل رغم تزايد الضغوط الدولية التي أجبرتها على رفع الحصار المفروض على دخول المساعدات، والذي جعل القطاع على شفا المجاعة. وفي السياق ذاته نقلت صحيفة واشنطن بوست اليوم (الاثنين)، رسالة مسئولين في الإدارة الأمريكية إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلية بقيادة بنامين نتنياهو، مفادها: "سنتخلى عنكم إذا لم تنهوا الحرب في غزة". وقال مصدر مطلع للصحيفة إن الضغوط الأمريكية على إسرائيل تزايدت في الأيام الأخيرة، أيضا على خلفية القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دون تصويت في الحكومة، بإعادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.