logo
"بياض الثلج" منبوذاً وممنوعاً في زمن السواد السياسي

"بياض الثلج" منبوذاً وممنوعاً في زمن السواد السياسي

النهار١٨-٠٤-٢٠٢٥

لا أحد يبدو معجباً بـ"بياض الثلج" ("سنو وايت") لمارك وب، أحدث إنتاجات "ديزني" التي حاولت إعادة إحياء إحدى كلاسيكياتها العتيقة (1937)، ولكن هذه المرة بصورة حية وبشخصيات من لحم ودم. الفيلم غارق في دوّامة من الجدال منذ إعلان صدوره، زادتها أحداث غزة الأخيرة تعقيداً. ذلك أن إحدى بطلاته وهي الأميركية رايتشل زيغلر تضامنت مع الفلسطينيين، بينما الأخرى، الإسرائيلية غال غادوت، واجهت سخطاً واسعاً بسبب مواقفها (خدمت في الجيش الإسرائيلي)، لتتحوّل ساحة النقاش حول الفيلم إلى ميدان صراع سياسي. في شبّاك التذاكر العالمية، أخفق الفيلم اخفاقاً غير مسبوق، اذ لم يحقّق الإيرادات المتوقّعة. يبدو ان كثراً ملّوا من أخباره، ولم يحملهم الفضول لسلوك طريق الشاشات.
مُنع الفيلم في عدد من الدول العربية، من بينها لبنان. هناك مَن انتقده لأسباب محض فنية، ومَن رفضه من دون أن يكلّف نفسه عناء المشاهدة. تسنّت لي معاينته خلال وجودي في إحدى المدن الفرنسية، في قاعة صغيرة كنت فيها المتفرّج الوحيد. من فرط ما قرأتُ من آراء هجومية وسلبية، استبدّ بي الفضول لأكتشف بنفسي مدى "سوء" الفيلم. لكن، بعد خروجي من الصالة، لم أشارك ذلك الشعور الجارف بالخيبة الذي عبّر عنه كثيرون. بل دهمني إحساس بأن المبالغات طغت، وأن بعض ما كُتب لم يكن "بريئاً"، بل متأثّر بمناخ سياسي محتقن ومشحون.
الهجوم على الفيلم بدأ حتى قبل أن يرى النور، يوم أُعلن أن ممثّلة لاتينية (زيغلر) ستجسّد دور بياض الثلج، في خطوة تنسجم مع ما يُعرف بثقافة الصحوة التي ترفع شعار التنوّع والتمثيل العادل للأقليات. تغييرات أخرى طرأت على هذه النسخة: حذف كلمة "أقزام" من العنوان احتراماً لحساسية جديدة باتت تتحكّم في الخطاب العام، حتى أن مجرد النطق بشيء يلمّح إلى التمييز أصبح كفيلاً بإشعال عاصفة. استُبدِل اذاً الأقزام بشخصيات تنتمي إلى خلفيات وأعراق متعدّدة (تم ابتكارها بالكومبيوتر)، وتتمتّع بقدرات خاصة، من دون الإشارة إليها كأقزام، إذ إن واحداً فقط منهم ينتمي فعلاً إلى هذه الفئة. ومع ذلك، لم تُرضِ هذه التعديلات بعض الناشطين، فجاءت الانتقادات كما لو أنها نيران صديقة، تُطلق من الصفّ ذاته الذي يفترض أن يدافع عن الفيلم. أما الأمير، فارس الأحلام في النسخة الأصلية، فقد أُزيح من مكانه ليحلّ محلّه شاب قبضاي يعيش في الغابات، لا يهبّ لإنقاذ بياض الثلج، بل يتساوى معها في كلّ شيء، في محاولة واضحة لإعادة صوغ الحكاية بما يتماشى مع صورة "الفتاة القوية المستقلة". لكن هذا التعديل يبدو أشبه بتصحيح قسري أكثر منه تطويراً سردياً منسجماً مع روح الحكاية.
رغم هذه التعديلات التي بثّت في الفيلم نفحة نسوية، لم أرَ انغماساً في ثقافة الـ"ووك" كما حدث مع "باربي" لغريتا غرويغ، ذلك العمل الذي بدا كأنه بيان نسوي. المثير أن "بياض الثلج" أثار غضب كثر، حتى المتخاصمون والمتضادون وجدوا أرضاً مشتركة في انتقاده. تزامن عرضه مع عودة ترامب إلى الواجهة السياسية، ممّا أضفى عليه بُعداً رمزياً جعله ضيفاً غير مرغوب فيه على الشاشات. نعم، الخسارة المادية والمعنوية كبيرة لـ"ديزني"، لكنني لا أستطيع أن أقول إن الساعتين إلا عشر دقائق اللتين أمضيتهما في الصالة كانت مضيعة للوقت. هناك لحظات متعة، وإن كانت محدودة. فلا هو عمل إستثنائي ولا هو سقوط سينمائي مدوٍّ كما صوّر البعض.
مَن لا يعرف "بياض الثلج"؟ إنها حكاية الأخوين غريم التي عبرت الأجيال والحقبات، ولامست وجدان الصغار خصوصاً، فأصحبت من التراث الشعبي في الغرب. في حديث لي مع المخرج فرنسيس فورد كوبولا، سألته عن أكثر فيلم أثّر فيه في طفولته، فأجاب بلا تردّد: "سنو وايت". لا أعتقد انه الوحيد من ذلك الجيل.
لكن أي طفل أو مراهق اليوم سيهتم بقصّة بهذه النمطية (رغم التعديلات)؟ الأزمنة تغيّرت، ويبدو أن "ديزني"، المهمومة بالربح المادي السهل، هي الوحيدة التي لا تعي ذلك. كيف يمكن إقناع مَن هم في العاشرة أو الثانية عشرة بفكرة بدائية، بشخصيات كاريكاتورية، انطلاقاً من نص فانتازي يدور حول خلاص فتاة من زوجة أبيها الشريرة؟ مجرّد إعادة الاستثمار في قصّة كهذه، هو غضّ نظر عن التحوّلات العميقة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، وساهمت في بلورة عقول الأجيال الجديدة.
نعم، لا نزال نشاهد أفلاماً كهذه من الماضي باعتبارها وثائق زمنية تنتمي إلى عصورها، بوعي أننا نلتفت إلى الوراء. أما تحديثها عبر الإضافة والحذف لتتماشى قسراً مع روح العصر، فغالباً ما يفضي إلى مسخ لا يُرضي أحداً. المفارقة أن ثقافة الـ"ووك" التي لا تملك سردياتها وأعمالها الفنية الخاصة والأصيلة، لا تجد حرجاً في استعارة قصص الآخرين واعادة تدويرها… ثم تطويعها على مقاس قيمها، ظنّاً منها أن ذلك يساهم في التغيير.
الحكم القيمي الذي يمكن إطلاقه على الفيلم، بعيداً من المهاترات والجدال العقيم، هو الآتي: عمل متوسط المستوى، يقدّم لحظات مرحة بفضل أغانٍ خفيفة الظلّ من توقيع جاستن بول وبنج باسيك (الثنائي وراء أغاني "لا لا لاند")، تمثيل مقبول، مشاهد حركة منضبطة وإدارة فنية مدروسة. رغم معرفتنا المسبقة بالأحداث، إلا أن الحبكة تُتابَع بشيء من التشويق، مع تحيات واضحة إلى الفيلم الأصلي في مشاهد الغابة وغيرها.
يصعب وضع "بياض الثلج" في مصاف كلاسيكيات "ديزني"، مثل "الأسد الملك"، 'مولان" أو "الجميلة النائمة". ما تفتقر إليه هذه النسخة العصرية، هي أولاً وأخيراً الثقة بالنفس، عنصر أساسي في صناعة فنّ ذي كاراكتير. فيأتي الفيلم أشبه بمرآة لزمن مضطرب، يرزح تحت عبء الماضي لكنه يطمح إلى المستقبل، متردداً، مرتبكاً، لا يعرف ماذا يفعل أو أين يضع قدميه، كمن يتلمّس طريقه وسط ضباب كثيف من الحيرة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بإطلالة أميرات ديزني.. بلقيس تتألق على السجادة الحمراء في "مهرجان كان"
بإطلالة أميرات ديزني.. بلقيس تتألق على السجادة الحمراء في "مهرجان كان"

ليبانون 24

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • ليبانون 24

بإطلالة أميرات ديزني.. بلقيس تتألق على السجادة الحمراء في "مهرجان كان"

خطفت النجمة بلقيس الأنظار بإطلالة ساحرة مستوحاة من عالم أميرات ديزني ، على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي حيث تألقت بفستان مميز من توقيع دار الأزياء الراقية " أوسكار دي لا رنتا" oscar de la renta ، مزج بين الرقيّ والخيال بطريقة أبهرت الحضور وعدسات الكاميرات. جاء الفستان بتصميم منفوش، من دون أكمام، يفيض أنوثةً وأناقة. تميّز الجزء العلوي منه بقماش لمّاع بلون رمادي أنيق، انسدل تدريجاً ليتداخل بتناغم ساحر مع درجات الأزرق الفاتح والأبيض في التنورة الواسعة، مما أضفى على الإطلالة لمسة خيالية تأسر القلوب، فبدت كأنها خرجت من إحدى قصص ديزني.

قريبا 'ديزني لاند' في أبو ظبي
قريبا 'ديزني لاند' في أبو ظبي

القناة الثالثة والعشرون

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • القناة الثالثة والعشرون

قريبا 'ديزني لاند' في أبو ظبي

كشفت شركة والت ديزني الأربعاء عن خطة لبناء مدينة ترفيهية جديدة في الإمارات، موضحة أن المشروع سيكون الأكثر حداثة وتقدما تكنولوجيا بين وجهاتها. وسيقام المنتجع على الواجهة البحرية لجزيرة ياس في أبوظبي بالشراكة مع شركة ميرال التي ستتولى تطويره وبناءه ثم تشغيله، بينما تشرف ديزني على التصميم الإبداعي ودعم التشغيل. الإعلان يسبق زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات الأسبوع المقبل. وستكون 'ديزني لاند أبوظبي' المتنزه السابع للمجموعة منذ إطلاق أول منتجع في أنهايم بكاليفورنيا عام 1955، بعدما توسعت ديزني إلى فلوريدا وطوكيو وباريس وهونغ كونغ وشنغهاي. وقال الرئيس التنفيذي روبرت آيغر إن 'ديزني لاند أبوظبي' ستحمل 'طابع ديزني الأصيل' و'ستتميز بالطابع الإماراتي'، ووصف المشروع بأنه 'واحة من الترفيه المميز من ديزني في هذه المنطقة من العالم التي تشكل مفترق طرق'. وذكر بيان الشركة أن المنتجع، الذي يضم فنادق ومطاعم ومتاجر، سوف يمزج 'قصص ديزني وشخصياتها وملاهيها الشهيرة وثقافة أبوظبي النابضة بالحياة وشواطئها الخلابة وهندستها المعمارية الآسرة'، مستهدفا زوارا من الشرق الأوسط وإفريقيا والهند وآسيا وأوروبا. مكتب أبوظبي الإعلامي أكد أن ميرال ستتكفل بالتمويل الكامل للمشروع، بينما تتولى ديزني الجوانب الإبداعية وتشرف على تصميم المعالم الترفيهية وتطوير التجارب السياحية، على أن تتولى ميرال التشغيل بعد الافتتاح. وتدير ميرال بالفعل مرافق مثل 'وارنر براذرز' و'عالم فيراري' و'سي وورلد'، وقد اختير موقع ديزني لاند لتقريب التجربة إلى 'مئات الملايين من الزبائن' الذين كانت زيارتهم للمتنزهات الستة الأخرى تتطلب سفرا طويلا ومكلفا، بحسب آيغر. وصرح رئيس مجلس إدارة ديزني إكسبيرينسز جوش دامارو لمجلة هوليوود ريبورتر بأن المنتجع الجديد سيكون الوجهة الأكثر 'حداثة' و'تقدما من الناحية التكنولوجية' في تاريخ ديزني، مشيرا إلى 'قلعة عصرية فريدة من نوعها، تتجاوز في فكرتها وتنفيذها كل ما ابتكرته ديزني سابقا'. وأوضح دامارو أيضا أن النموذج المالي غير المعتاد، إذ تمول ميرال المشروع بالكامل، هو 'الترتيب التجاري المناسب في هذا الجزء من العالم ومع هذا الشريك'، فيما يظل الإشراف الإبداعي لشركة ديزني. وأعلنت ديزني أعلنت في اليوم نفسه عن زيادة إيراداتها الفصلية بنسبة سبعة في المئة، لتصل إلى 23,6 مليار دولار بين كانون الثاني وآذار ، مع ارتفاع عدد مشتركي خدمة ديزني بلس إلى 126 مليونا، بزيادة 1,4 مليون مشترك. كما حقق قطاع ديزني إكسبيرينسز، الذي يشمل المتنزهات الترفيهية، إيرادات بلغت 8,9 مليارات دولار. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

رسوم متحركة بهوية محلية وطموح عالمي: أصوات من الشرق الأوسط وأفريقيا في الشارقة
رسوم متحركة بهوية محلية وطموح عالمي: أصوات من الشرق الأوسط وأفريقيا في الشارقة

النهار

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

رسوم متحركة بهوية محلية وطموح عالمي: أصوات من الشرق الأوسط وأفريقيا في الشارقة

في قاعة نقاش هادئة مشبعة بالأسئلة الكبرى، اجتمع عدد من مؤسسي استوديوهات الرسوم المتحركة وصُنّاع المحتوى من الشرق الأوسط وأفريقيا ضمن فعاليات الدورة الثالثة من "مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة 2025"، لطرح ما يشبه خارطة طريق لصناعة لا تزال تبحث عن ركائز مستدامة تدعم بقاءها ونموها. جاءت الجلسة تحت عنوان: "الرسوم المتحركة في الشرق الأوسط وأفريقيا: الفرص والتحديات"، ودار فيها النقاش بين تجارب شخصية وملاحظات هيكلية تعكس واقعاً معقداً، وواعداً. استهلّت زُمروت باكوي، مديرة البرمجة في "وارنر براذرز ديسكفري" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، النقاش بالحديث عن مسؤولية المؤسسات الإعلامية الكبرى تجاه تمثيل التنوع الثقافي واللغوي في أعمالها. أشارت إلى أن منصات مثل "كرتون نتورك" و"كرتونيتو" تضع جودة القصة والمحتوى التربوي في صلب أولوياتها، لكنها شددت على أن التوسع الرقمي لا يجب أن يأتي على حساب الأصالة، محذرة من إغراء التماهي مع الذوق العالمي على حساب الهوية. من جانبه، تحدث عبدالعزيز عثمان، مؤسس "زيز أنيميشن" في السعودية، عن التحديات المؤسسية التي تعيق تطور الصناعة، مشدداً على أن الاستوديوهات الفردية، مهما بلغت طاقتها، لا يمكن أن تنهض وحدها بالقطاع. ولفت إلى أن دورة الإنتاج الطويلة لأعمال الرسوم المتحركة تتطلب نماذج تمويل مستدامة، عارضاً تجربة استوديوه الذي انطلق بتمويل ذاتي لينتج لاحقاً سلسلة "نايرات" التي لاقت صدى إقليمياً. أما طارق علي، مؤسس "زَنَد" في مصر، فاختار أن يذكّر بالإرث السينمائي المصري، داعياً إلى تجديده من خلال الرسوم المتحركة. أكد أن مصر قادرة على إنتاج محتوى يتحدث بلغتها وينبض بثقافتها، شريطة وجود منظومة تحمي الملكية الفكرية وتمنح المبدعين مساحة للتجريب والثقة. الحديث عن التجارب الأفريقية كان حاضراً بقوة، من خلال ريموند مالينغا من أوغندا، الذي استعرض مسيرة "كريتشرز"، الاستوديو الذي بدأ بموارد محدودة وانتهى به المطاف إلى التعاون مع "ديزني+" لإنتاج فيلم ضمن سلسلة "Kizazi Moto". وأشار مالينغا إلى أهمية التحدث بلسان الجمهور المحلي، بلغاته ولهجاته، في بناء ثقة الأطفال بالمحتوى الذي يشاهدونه. المديرة التنفيذية لـ'سميدز' داملولا سوليسي. وفي نيجيريا، كما أوضحت داملولا سوليسي، لا تزال التحديات أكبر، ولكن الأرض خصبة. فقد أشارت المديرة التنفيذية لاستوديو "سميدز" إلى أن غالبية سكان البلاد من الشباب، ما يشكل قاعدة واعدة لصناعة ناشئة. غير أن هذا الزخم البشري يحتاج إلى بيئة تعليمية وتشريعية تفتح له أبواب التمويل والإنتاج. الجلسة لم تنتهِ من دون توصيات واضحة: حماية حقوق المبدعين من خلال تشريعات تحمي الملكية الفكرية، تطوير منصات محلية للتوزيع تحفظ الخصوصية الثقافية، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتسريع الإنتاج من دون التفريط بجوهر العملية الإبداعية. هكذا، بدا النقاش وكأنه دعوة للتفكير الجماعي في مستقبل الرسوم المتحركة في هذه الجغرافيا الواسعة – بين واقع يتطلب بنية متماسكة، وحلم بأن يتحوّل الصوت المحلي إلى لغة يفهمها العالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store