logo
'نرغب في العودة إلى الجنينة، لكن نخشي الموت والمخاطر'

'نرغب في العودة إلى الجنينة، لكن نخشي الموت والمخاطر'

الأيام١٥-٠٢-٢٠٢٥

BBC
في ظل الأوضاع الصعبة التي فرضتها الحرب في السودان، تتمنى حواء مصطفى، التي تعمل معلمة، العودة إلى مدينتها الجنينة، الواقعة في أقصى غرب البلاد قرب الحدود مع تشاد.ولكن رغبتها تصطدم بمخاوف حقيقية، فقد أمضت أكثر من عام، في أحد مراكز إيواء النازحين بمدينة بورتسودان، شرقي السودان، بعدما أجبرها النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع على مغادرة منزلها.
"أرغب في لمّ شمل أسرتي"
BBC
تجلس حواء داخل خيمتها الصغيرة، التي منحتها لها إحدى المنظمات الإنسانية، وهي عاكفة على إعداد الطعام لأطفالها الأربعة.منذ أن وصلت إلى بورتسودان، تحاول جاهدة التأقلم مع الظروف الجديدة، لكنها لا تكف عن التفكير في مدينتها التي تركتها خلفها. تعيش أسرتها داخل مدرسة تم تحويلها إلى مركز إيواء للنازحين، وهو واقع مشابه لما تعيشه العديد من العائلات التي اضطرت للنزوح إلى هذه المدينة، التي صارت بمثابة العاصمة الإدارية البديلة، واستقبلت العدد الأكبر من النازحين.تحكي حواء عن رحلة نزوحها القاسية، قائلة: "وصلت إلى هنا مع أطفالي منذ عام، لكن زوجي لم يكن محظوظًا مثلنا، فقد اضطر للبقاء هناك (في مدينة الجنينة).. قوات الدعم السريع التي تسيطر على المنطقة منعته من السفر، وكان يخشى أن يتم اعتقاله إن حاول الفرار معنا. .وهكذا انفصلنا، لنجد أنفسنا هنا في بورتسودان، بينما هو لا يزال هناك".ورغم أن ظروف المعيشة في المركز ليست سيئة تمامًا، إذ تتوافر فيه بعض الخدمات الأساسية مثل الطعام والمياه، وتشهد المنطقة التي يوجد فيها استقرارًا أمنيًا مقارنة بأماكن أخرى، إلا أن حواء تشعر بأن حياتها بلغت حالة من الشلل.تقول بحزن: "الأطفال يذهبون إلى المدرسة، وكل شيء يبدو مستقرًا هنا، لكننا لا نزال نرغب في العودة إلى ديارنا في الجنينة. المشكلة أننا نخشى على حياتنا، فالطريق ليس آمنًا، والمسافة طويلة جدًا، كما أن الأوضاع في المدينة نفسها لا تزال مضطربة وغير مستقرة".
نزوح مستمر وأزمة إنسانية متفاقمة
BBC
مع اقتراب الحرب في السودان من دخول عامها الثالث، لا تزال المعارك مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في ظل استخدام مختلف أنواع الأسلحة، من الطيران الحربي إلى الطائرات المُسيَّرة، والمدفعية الثقيلة.وفي ظل هذا التصعيد، يدفع المدنيون الثمن الأكبر، إذ تزايدت أعداد النازحين بشكل غير مسبوق.وفقًا للأمم المتحدة، أدى استمرار القتال إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، ليصل عدد الفارين من ديارهم إلى 11.5 مليون شخص، ما يجعل أزمة النزوح الداخلي في السودان، هي الأكبر على مستوى العالم في الوقت الراهن.وينتشر هؤلاء النازحون في مراكز إيواء مؤقتة، بعضها يقع تحت سيطرة الجيش في مدن مثل القضارف وكسلا وبورتسودان، بينما تخضع مراكز أخرى لسيطرة قوات الدعم السريع، في أماكن مثل الفاشر والجنينة وزالنجي.لكن معظم هذه المراكز تعاني من تدهور الخدمات الأساسية، حيث تفتقر إلى المياه النظيفة والكهرباء، كما تشهد انتشارًا للأمراض المعدية مثل الكوليرا وحمى الضنك، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية.أمام هذه الأزمة المتصاعدة، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، المجتمع الدولي لتوفير 6 مليارات دولار لمواجهة الاحتياجات الإنسانية في السودان هذا العام.وأكد خلال مؤتمر عُقد على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، أن الأوضاع في السودان بلغت مستوى غير مسبوق من التدهور، محذرًا من عواقب وخيمة إذا لم يتم التحرك بشكل عاجل لتقديم المساعدات. كما دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، وتخفيف المعاناة عن المدنيين.
رحلات عودة رغم المخاطر
BBC
في الوقت الذي لا يزال فيه معظم النازحين غير قادرين على العودة إلى ديارهم بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، تمكنت مئات العائلات من الرجوع إلى مناطقها، خاصة بعد أن استعادت قوات الجيش السيطرة على بعض المناطق، لا سيما في ولايات الجزيرة وسنار وأجزاء من العاصمة الخرطوم.إحدى أبرز هذه المناطق هي مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي كانت في السابق واحدة من أهم الملاذات للنازحين القادمين من الخرطوم. ولكن عندما اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اضطر السكان إلى الفرار مجددًا إلى مدن أخرى مثل كسلا والقضارف وبورتسودان.إلا أن استعادة الجيش للمدينة مؤخرًا أحيا أمل بعض العائلات في العودة إلى ديارها، إذ انطلقت موجة عودة تدريجية، وبدأت الحياة تدب في أوصال المدينة مرة أخرى.من بين هؤلاء العائدين، أسرة أماني كوكو، التي قررت العودة إلى منزلها في حي عووضة، بعد غياب طويل.تتحدث أماني عن شعورها بالفرح وهي تعود إلى منزلها الذي لطالما احتضن ذكرياتها، قائلة: "اضطررنا للنزوح إلى بورتسودان، وعشنا هناك لفترة طويلة في أحد مراكز الإيواء. لكن الآن عدنا، ونحن سعداء بذلك، رغم التحديات التي تواجهنا".
تحديات ما بعد العودة
BBC
ورغم عودة الحياة تدريجيًا إلى ود مدني وغيرها من المناطق التي استعادها الجيش، إلا أن هذه المدن لا تزال تفتقر إلى العديد من الخدمات الأساسية، حيث تعاني من انقطاع الكهرباء، وندرة مياه الشرب، إلى جانب المخاوف الأمنية التي تفرضها العصابات المسلحة، وغياب قوات الشرطة في بعض الأحياء السكنية.لكن، رغم هذه الصعوبات، تؤكد أماني أنها وعائلتها مصممون على البقاء في مدينتهم، قائلة: "الحياة هنا ليست سهلة، لا توجد كهرباء، ونواجه صعوبة في الحصول على مياه الشرب، كما أن هناك مخاطر بسبب مخلفات الحرب التي تهدد حياة الأطفال والكبار. ومع ذلك، نحن سعداء بالعودة إلى منزلنا، ولن نغادر مرة أخرى".تشير التقديرات الرسمية إلى أن مئات العائلات تمكنت بالفعل من العودة إلى مناطقها الأصلية في العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار، وذلك بعد استعادة الجيش السيطرة عليها.ومع ذلك، يظل هذا الرقم ضئيلًا مقارنة بإجمالي عدد النازحين، الذي يُقدَّر بنحو 11 مليون شخص ما زالوا عالقين في مخيمات النزوح. وتوجد بعض هذه المخيمات على خطوط القتال الرئيسية، لا سيما في شمال دارفور، حيث تدور معارك عنيفة بين الجيش والفصائل المتحالفة معه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، مما يجعل عودة هؤلاء النازحين أمرًا بالغ الصعوبة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كيف بنى رامي مخلوف إمبراطوريته العملاقة التي جعلته احد اغنى اغنياء العالم ؟ وكيف انتهى به الحال بعد الربيع العربي ؟
كيف بنى رامي مخلوف إمبراطوريته العملاقة التي جعلته احد اغنى اغنياء العالم ؟ وكيف انتهى به الحال بعد الربيع العربي ؟

المغربية المستقلة

timeمنذ 30 دقائق

  • المغربية المستقلة

كيف بنى رامي مخلوف إمبراطوريته العملاقة التي جعلته احد اغنى اغنياء العالم ؟ وكيف انتهى به الحال بعد الربيع العربي ؟

المغربية المستقلة : بقلم الصحافي حسن الخباز عاد رامي مخلوف إلى واجهة الاحداث بعد التحقيق الاستقصائي الذي اعدته عنه جريدة 'فاينانشال تايمز'، والذي عنونته 'رامي مخلوف ، من القمة إلى الهاوية' ، حيث رصدت سبل مراكمته للملايير ليصبح في سنوات قليلة احد اغنى أغنياء العالم . فبمجرد تقلد بشار زمام السلطة عام 2000، وبسبب ضعف خبرته السياسية والاقتصادية ، اصبح المجال خصبا امام خاله محمد مخلوف كمستشار فعلي ومؤثر خلف الكواليس، استفاد من ثقة الأسد الابن الذي اعجب بطريقة إدارته ومهاراته الاقتصادية، فوضع خطة إستراتيجية محكمة هدفها الأساس السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوري، وعلى رأسها النفط، والاتصالات، والقطاع المصرفي . وتجدر الإشارة إلى ان عائلة مخلوف والأسد بين عامي 2000-2007 سيطرتا على أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي السوري، والمقُدّر حينها بنحو 60 مليار دولار، في الوقت الذي بلغت الثروة الإجمالية للعائلتين أكثر من 10 مليارات دولار، في مؤشر واضح على حجم التغلغل الذي حققته هذه الشبكة العائلية خلال سنوات حكم بشار الأسد الاولى . تدرب رامي على يد والده على تسيير العمليات التجارية، والتي شاركه أغلبها، لكونه بدأ نشاطه مبكرا ، وقد استغل فترة الحظر الاقتصادي لتهريب المواد الغذائية والكهربائية من لبنان وتركيا، مستفيدا من حصانة عائلته، وعزز شبكة علاقاته الاجتماعية والسياسية بمصاهرته محافظ درعا وليد عثمان . وقد قُدِّرت ثروته الشخصية عام 2008 بنحو 6 مليارات دولار أميركي، حيث كان مالكا لشركة 'سيريتل'، و استثمارات واسعة بقطاعات العقارات والمصارف والأسواق الحرة والمناطق التجارية على الحدود اللبنانية . وقد حرص رامي مخلوف على الحصول على الوكالة الحصرية لشركة 'مرسيدس' بسوريا بعدما ضغط بقوة لتمرير قانون يمنع الشركة الألمانية من تصدير قطع الغيار إلى السوق السورية، ما لم تمنحه حق الامتياز الحصري . جدير بالذكر ان نشاط رامي مخلوف الخارجي انطلق مباشرة بعد مقتل الحريري، حيث حوّل أموالا لبعض البلدان قصد الاستثمار فيها . وقد حرص رامي على الابتعاد عن الاضواء ، اثناء إدارته الإمبراطورية الاقتصادية لعائلة مخلوف والأسد ، ولهذا السبب اعتبر المحللون أن هذه الإمبراطورية الاقتصادية والصناعية والإعلامية الكبيرة غطاءا يعمل ليل نهار لغسيل أموال أمور غير مشروعة، وصفقات فساد تعد بالمليارات . هذا ، وقد أصدرت وزارة الخزانة الأميركية عام 2008 تقريرا اتهمت من خلاله رامي مخلوف بالاستفادة من الفساد المستشري في سوريا، واحتكاره سلعا مربحة واستغلال نفوذه للضغط على القضاء واستخدام المخابرات لترهيب منافسيه . نهاية امبراطورية مخلوف انطلقت شهر مايو 2011، بعدما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مباشرة عليه لاتهامه بتمويل النظام السوري ودعمه لوجستيا وقمع الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها الثورة السورية . انحنى رامي للعاصفة بعد ثورة 2011 وانسحب من عالم الأعمال في سوريا، محاولة منه لامتصاص غضب الشارع السوري . وفي نفس السياق اتخذ نظام بشار الأسد حينها عقوبات في حق رامي مخلوف، عبر إصدار قرار مؤقت يمنعه من السفر كما حجز على ممتلكاته ، و صادر 'جمعية البستان'، كغطاء إنساني لنشاطاته الاقتصادية، وفكك المجموعات المسلحة التابعة له، ومنعه من إبرام أي عقود مع الحكومة، وعين حارس قضائي على شركة 'سيريتل' التي كان يديرها. وقد وصل الامر عام 2020، إلى وضع بشار الأسد لابنَ خاله رامي مخلوف تحت الإقامة الجبرية، بعد تصاعد الغضب الشعبي ضد استعراض عائلته مظاهر الثراء الفاحش بعدها خرج رامي مخلوف عن صمته عبر مقاطع مصورة من منزله ، متحدثا إلى بشار الأسد، عن 'ظلم' يتعرض له نتيجة مصادرة أمواله مشيرا لمؤامرة داخل الدائرة الضيقة للرئيس تهدف لإقصائه من الساحة الاقتصادية والسياسية.

إسبانيا تلغي صفقات أسلحة مع إسرائيل بملايين اليوروهات
إسبانيا تلغي صفقات أسلحة مع إسرائيل بملايين اليوروهات

لكم

timeمنذ ساعة واحدة

  • لكم

إسبانيا تلغي صفقات أسلحة مع إسرائيل بملايين اليوروهات

ألغت إسبانيا صفقة شراء 168 قاذفة و1680 صاروخا مضادة للدبابات من شركة رافائيل الإسرائيلية، بعد إلغاء عقد للذخائر مع شركة إسرائيلية أخرى، بحسب ما أفادت وسائل إعلام إسبانية الأربعاء. ونقلت صحيفة 'إل باييس' اليومية عن مصادر حكومية قولها إن قيمة العقد المذكور الأربعاء بلغت 287,5 مليون يورو، وكان من المقرر تصنيع المعدات في إسبانيا بموجب ترخيص من الشركة الإسرائيلية. وقالت مصادر في وزارة الدفاع الاسبانية لوكالة فرانس برس 'بدأت عملية إلغاء التراخيص الإسرائيلية'، مؤكدة أن الوزارة تعمل على 'إعادة توجيه البرامج نحو تحقيق هدف الاستقلالية التكنولوجية'. يعد رئيس الحكومة الإسبانية الاشتراكي بيدرو سانشيز من أشد الأصوات الأوروبية انتقادا لنظيره الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وللهجمات على غزة ردا على الهجوم الذي شن ته حركة حماس في جنوب اسرائيل في 7 أكتوبر 2023. وكانت وزارة الداخلية الإسبانية قررت في أبريل إنهاء عقد لشراء ذخيرة من شركة إسرائيلية، بضغط من حزب 'سومار' اليساري الراديكالي، شريك الاشتراكيين في الحكومة. ونص العقد على شراء ذخيرة بقيمة 6,8 ملايين يورو من شركة 'آي إم آي سيستمز' الإسرائيلية. وصرحت يولاندا دياز، الشخصية الثالثة في الحكومة والقيادية في حزب 'سومار' آنذاك أن إسبانيا لا تستطيع ممارسة 'أعمال تجارية مع حكومة إبادة جماعية… ترتكب مجازر بحق الشعب الفلسطيني'. وعلى الرغم من ذلك، قدر مركز 'ديلاس'، وهو معهد أبحاث مقره برشلونة متخصص في الأمن والدفاع، في أبريل أن مدريد منحت 46 عقدا بقيمة 1,044 مليار دولار لشركات إسرائيلية منذ بداية الحرب، وفقا لبيانات جمعت من منصة للمناقصات العامة.

أكبر صحيفة عالمية تكشف كيف يخطط المغرب لابتلاع استثمارات أفريقيا وتحدي عمالقة العالم؟
أكبر صحيفة عالمية تكشف كيف يخطط المغرب لابتلاع استثمارات أفريقيا وتحدي عمالقة العالم؟

أريفينو.نت

timeمنذ ساعة واحدة

  • أريفينو.نت

أكبر صحيفة عالمية تكشف كيف يخطط المغرب لابتلاع استثمارات أفريقيا وتحدي عمالقة العالم؟

أريفينو.نت/خاص بعد أن ظلت مدينة الدار البيضاء لفترات طويلة مركزاً محورياً للتجارة عبر الأطلسي، ها هي اليوم تستعيد بقوة دورها كقطب استراتيجي يربط بين ضفاف أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط. ويتجلى هذا الطموح الاقتصادي المعاصر في منطقة القطب المالي للدار البيضاء (CFC)، الذي تم تأسيسه في عام 2010، ليصبح، بحسب ما أبرزته صحيفة 'الغارديان' البريطانية المرموقة، 'رمزاً حياً لطموح المغرب الراسخ في ترسيخ مكانته كبوابة عبور رئيسية للاستثمارات الأجنبية المتجهة نحو القارة الأفريقية'. جاذبية تتخطى الحدود.. عمالقة العالم يختارون 'القطب المالي'! ويحتضن هذا الحي المالي اليوم ما يناهز 240 شركة دولية مرموقة – من بينها أسماء وازنة مثل هواوي وشنايدر إلكتريك – ويوفر ما يزيد عن 7000 فرصة عمل. وعلى الرغم من التباطؤ الطفيف الذي شهده مسار نموه بفعل تداعيات جائحة كورونا، إلا أنه سرعان ما استعاد حيويته وزخمه. وتوضح 'الغارديان' أن 'النظام الضريبي المغري الذي يوفره القطب المالي للدار البيضاء قد نجح في استقطاب كيانات اقتصادية ومالية من مختلف قارات العالم، مما رسخ مكانة الدار البيضاء كمركز استقرار يحظى بتقدير وثقة المستثمرين الأجانب'. وفي هذا السياق، تؤكد السيدة لمياء المرزوقي، المديرة العامة المساعدة لهيئة القطب المالي، قائلة: 'إننا نستقبل شركات تنتمي إلى قطاعات متنوعة، ونحرص على مرافقتها ودعمها في مساعيها للتوسع والانتشار داخل القارة الأفريقية'. رافعة للاندماج الأفريقي.. وطموحات تتجاوز 'الزليج'! (الزليكاف) ويطمح المغرب إلى توظيف هذه المنصة المالية كرافعة أساسية لتعزيز ارتباطه بمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (ZLECAf)، وهي المبادرة الطموحة التي أطلقها الاتحاد الأفريقي ويتم الترويج لها منذ عام 2012. ورغم أن تفعيل هذه المنطقة لا يزال يواجه تفاوتاً بين الدول، فإن перспектива إنشاء سوق أفريقية موحدة تضم حوالي 1.4 مليار مستهلك تثير اهتماماً متزايداً. وتشير 'الغارديان' في هذا الصدد إلى أن 'الاستثمارات المغربية في القارة الأفريقية قد شهدت قفزة مذهلة، حيث ارتفعت قيمتها من 100 مليون دولار في عام 2014 إلى 2.8 مليار دولار بحلول عام 2024'. وخلال فعاليات منتدى الرؤساء التنفيذيين الأفارقة الأخير الذي انعقد في أبيدجان، وجه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا نداءً قوياً للقطاع الخاص لمواكبة الزخم الذي تبديه الحكومات، قائلاً: 'إننا نريد من الشركات أن تتبنى مشروع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وأن تنخرط فيها بفعالية […] فهي التي ستلعب دور القاطرة والمرشد'. وتتفق السيدة المرزوقي مع هذا الطرح، مؤكدة: 'في ظل الحروب التجارية الراهنة، أصبحت منطقة التجارة الحرة الأفريقية ضرورة ملحة. فالتكامل الإقليمي هو خيار استراتيجي حتمي تبنيناه منذ البداية'. طموحات تصطدم بالواقع.. هل ينجح المغرب في فك 'شفرة أفريقيا'؟ ومع ذلك، فإن الزخم الذي يتمتع به القطب المالي للدار البيضاء لا يزال يواجه تحديات موضوعية وقيوداً هيكلية. تلاحظ 'الغارديان' أن 'ثلثي الصادرات المغربية ما زالت تتجه بشكل رئيسي نحو أسواق الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الخطاب الرسمي يشدد باستمرار على إعطاء الأولوية للقارة الأفريقية'. ورداً على سؤال حول هذا التباين الظاهري، توضح السيدة المرزوقي أن 'هذه الأرقام لا ينبغي أن تحجب حقيقة التعاون الفعلي والقائم بين المغرب وبقية دول القارة'. وتعزى جاذبية الدار البيضاء أيضاً، وفقاً للصحيفة البريطانية، 'إلى صورة الاستقرار التي تعكسها المؤسسة الملكية الدستورية، وهو ما يتناقض مع حالة التقلب وعدم اليقين التي تؤثر على مراكز مالية أفريقية أخرى'. وتصر السيدة المرزوقي على أن 'المغرب يظل منصة مستقرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي الكلي. وهذا ما يؤكده لنا العديد من الشركاء الدوليين الذين يختارون الدار البيضاء نظراً لهذه الاستمرارية والقدرة على التوقع'. وفي مواجهة التوترات التجارية المتصاعدة عالمياً، خاصة منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يسعى المغرب للاستفادة من صورته كواحة استقرار. وتلاحظ 'الغارديان' أن 'القطب المالي للدار البيضاء يراهن حالياً على سمعته كملاذ آمن في عالم مضطرب لاستقطاب فاعلين اقتصاديين جدد'. إقرأ ايضاً تمويل أخضر وابتكار.. 'القطب المالي' يغازل المستقبل بوجه أفريقي! وتترافق هذه الاستراتيجية مع إعادة تموضع موضوعاتية للقطب. إذ يتعاون القطب المالي للدار البيضاء اليوم مع أكثر من عشرين وكالة أفريقية متخصصة في ترويج الاستثمار، كما يستضيف مقر صندوق 'أفريكا50' (الذي أسسه البنك الأفريقي للتنمية في عام 2015 برأسمال تأسيسي بلغ 700 مليون دولار)، ويعمل على تطوير مختبر للابتكار موجه نحو دعم التقنيات المالية الحديثة (FinTech). وبينما لا تستغل القارة الأفريقية سوى 2% من إمكاناتها في مجال أرصدة الكربون، تسعى الدار البيضاء إلى المساهمة في هيكلة اقتصاد منخفض الكربون. وتفيد 'الغارديان' بأن 'القطب المالي للدار البيضاء قد وقع في شهر سبتمبر الماضي اتفاقاً مع مؤسسة مغربية أخرى بهدف إنشاء سوق طوعية للكربون'. وترى السيدة المرزوقي، التي تشغل أيضاً منصب الرئيس المشارك لشبكة 'المراكز المالية من أجل الاستدامة' التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن 'أفريقيا مؤهلة لتصبح مركزاً طاقياً رائداً على المستوى العالمي، شريطة أن تستفيد من عمليات نقل التكنولوجيا، وتعزيز بناء القدرات، وتوفير التمويل الكافي والمناسب'. هل المراكز المالية مجرد 'مسكنات'؟.. نقاش حول الجدوى! غير أن بعض المراقبين يدعون إلى توخي الحذر. إذ يرى برايت سيمونز، من مركز إيماني للسياسات والتعليم ومقره أكرا، أن 'المراكز المالية من قبيل القطب المالي للدار البيضاء ليست سوى حلول مؤقتة أو مسكنات لعوائق هيكلية عميقة الجذور'. ويوضح قائلاً: 'تميل الحكومات الأفريقية إلى تفضيل هذه الحلول المؤسسية السريعة بدلاً من الشروع في إصلاحات جوهرية وشاملة. لقد أضحت هذه المراكز هي الوسيلة الأكثر إبداعاً، ولكنها أيضاً الأكثر وضوحاً، للالتفاف على العقبات الحقيقية'. وفي خضم هذه المنظومة التي لا تزال قيد الإنشاء، تحاول الدار البيضاء بناء توازن دقيق بين طموحاتها القارية الكبرى وبين الحقائق الهيكلية القائمة. وهو تمرين أشبه بالسير على حبل مشدود، لا تزال نتائجه وانعكاساته بعيدة المدى بحاجة إلى المزيد من الوقت لتقييمها بشكل كامل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store