
حين يصبح الألم إبداعا.. سوسن شوربا التي حولت التمثيل إلى مقاومة
لم يكن المرض بالنسبة للممثلة اللبنانية والناشطة سوسن شوربا نهاية الطريق، بل كان بوابة عودة إلى كل ما أحبّت، ومنحها مسارات جديدة للحياة. "أعاد إليَّ كل شيء أعشقه… فتح لي أبوابًا لم أكن أتصور أن أدخلها، جدد علاقتي بهواياتي، نشرت أكثر من كتاب، كتبت رواية وسردت حكايتي الشخصية، وعدت إلى خشبة المسرح التي كانت شغفي الأول قبل أن تسرقني عنها مشاغل الحياة والزواج والأبناء".
بهذه الروح المتمسكة بالحياة، خاضت سوسن شوربا معركتها مع السرطان، الذي رافقها 15 عشر عامًا، لتصاب بأكثر من 5 أنواع، بدءا بسرطان الثدي قبل أن يمتد إلى الكبد والرئة والعظام.
ومع كل انتكاسة، كانت تزداد عزيمة وصلابة، حتى وافتها المنية في 26 مارس/آذار 2025، بعد رحلة حافلة بالإصرار والإبداع. قدمت خلالها العديد من الأعمال المسرحية "ريحة العنبر"، "كليوباترا"، "فولار" و"مورفين".
"فولار" و"مورفين".. المسرح سلاح المقاومة
لم يكن المرض في حياة سوسن شوربا مجرد محنة صحية، بل أصبح مساحة جديدة للتعبير والإبداع. لم تختر أن تكون رمزًا للصراع مع السرطان، لكن المسرح منحها صوتًا، وأعاد تشكيل تجربتها في قالب فني شديد الصدق، حيث اختلطت المرارة بالسخرية، والوجع بالقوة، واليأس بالدهشة.
إعلان
في مسرحيتها "فولار"، تحدثت بصراحة عن تجربتها مع المرض، ووصفت كيف شكلت هذه المرحلة نقطة تحول في حياتها، قائلة في أحد اللقاءات التلفزيونية التي أجرتها، "لا أريد أن تُختصر صورتي بالمرض، لكنني وجدت نفسي في كل مرة أحاول أن أبتعد عن الحديث عنه، أعود إليه مجددًا، وكأن قدري أن أكون صوتًا لهؤلاء الذين يخوضون هذه المعركة".
ومع ذلك، لم يكن من السهل عليها أن ترى نفسها دائمًا من زاوية المرض، إذ أضافت: "اعتدت أن أروي حكايتي وأجد من حولي متأثرين بها، لديهم أسئلة كثيرة، وهذا ما يشجعني على الاستمرار في الحديث، وهو ما شجعني على تقديم تجربتي في فولار".
View this post on Instagram
A post shared by Sawsan Chawraba Kaddouh (@sawsanchawraba)
أما في "مورفين" التي أخرجها يحيى جابر، فقدمت مونولوجًا مسرحيًا امتد لساعة وربع، لم يكن مجرد عرض، بل كان إعلانًا للمقاومة. كانت تنهي جلسات العلاج الكيميائي، ثم تواصل التحضير للعرض، لتقف على خشبة المسرح التي تمنحها قوة استثنائية، وكأنها تترك المرض في كواليسه وتصعد بروحها المنتصرة.
تحدثت عن ذلك قائلة "جزء من مقاومة المرض هو أن أفعل شيئًا أحبه. قد لا أتمكن من القيام بأشياء كثيرة، لكن حينما يكون الأمر متعلقًا بالمسرح، أشعر بطاقة غير عادية، وكأنني أتجاوز الألم بمجرد أن أعتلي الخشبة".
في هذا العرض، حولت سوسن شوربا تجربتها مع العلاج إلى كوميديا سوداء. حيث تحول المورفين، الذي كان جزءًا من رحلة علاجها، إلى عنصر محوري في المسرحية، ليس فقط كمسكّن للألم، بل كوسيلة لاجتياز الحدود بين الواقع والهذيان. أبدعت شخصية ساخرة أطلقت عليها "مورفينية"، تجسد عالمًا عبثيًا يتنقل بين الأزمنة. كانت "مورفينية" تحيا وكأنها تنتمي لعقد السبعينيات، مسافرة بين الأزمنة وكأنها تعيشها في لحظتها. جسدت شخصية سوسن شخصيتين متناقضتين، الأولى تمثل الأمل والتحدي في مواجهة المرض، والثانية تعبر عن الاستسلام واليأس.
إعلان
منذ إصابتها قبل 15 عامًا، تبنت سوسن أسلوبًا مختلفًا للتعامل مع المرض. كانت تقول: "لم أواجه المرض لأجلي فقط، بل لأجل من حولي، كي أساعدهم على التأقلم معه". ورغم لحظات الضعف التي اختبرتها، آمنت أن المعركة المستمرة مع العمليات والعلاجات جعلتها أكثر قوة وصلابة.
تحدثت عن علاقتها بالمورفين واصفة إياه بسلاح ذو حدين. وأضافت "لو كنت أعرف ما يمكن أن يفعله بي، لتحملت الألم من دونه.. التعلق به خطر قد يتحول إلى إدمان، ولهذا أنا مصممة على التخلص منه تدريجيا".
ومع ذلك، لم يكن الألم الجسدي هو التحدي الوحيد، بل أيضًا الفراغ الذي يتركه المرض حين لا تكون منشغلة بما تحب. قالت "حين أبقى في المنزل، يصبح النظر إلى الساعة أمرًا مرهقًا، وكأن الوقت يتباطأ، لهذا أتمسك بالمسرح، بالعمل، بالشغف… لأن الإنسان يجب أن يلحق بما يحب قبل فوات الأوان".
ورغم أن المسرح كان ملاذها الأول، فإن شغفها بالمعرفة لم ينطفئ، فبعيدًا عن الفن، حرصت على مواصلة التعلم واختارت دراسة "الماورائيات"، لتخوض رحلة موازية لاكتشاف المجهول، تمامًا كما فعلت على الخشبة، وكأنها لا تتوقف أبدًا عن البحث والتجربة، سواء في الحياة أو في المسرح.
الأمومة سلاحها الأول
رحلة المرض والإبداع التي خاضتها الممثلة الراحلة بدأت وهى بعمر الـ32 عاما، كانت تخطط لإنجاب طفل آخر لكن المرض وضع حدا لهذا الحلم قبل أن يتحقق، بدأ الأمر باكتشافها ألم الظهر الذي كشف عن إصابتها بالسرطان الذي انتشر في جسدها، الثدى، الكبد، الرئة والعظام. لكنها لم تسمح له بأن يسيطر على حياتها، قائلة "أنا لا أقلل من خطورته، لكنه لن يتحكم بي. لا أريد أن يكون هو الشيء الوحيد الذي يعرفه الناس عني".
استمدت قوتها الأولى من أبنائها الذي كانوا في عمر الطفولة في هذا الوقت قبل 15 عاما، فقررت أن تقاتل لتبقى قوية من أجلهم فخاضت معركتها من أجل الدفاع عن أمومتها.
لم تُخفِ شوربا أن أكثر اللحظات تأثيرًا بالنسبة لها كانت حين فقدت شعرها لأول مرة، لأننا في الوطن العربي، وفقًا لتعبيرها، نربط هذا الأمر بالموت. لكنها، مع مرور الوقت وتكرار مواجهتها لتساقط الشعر أكثر من 3 مرات، تعلمت أن تستمتع بتجربة أشكال جديدة من القبعات على الرأس. لم تكن مضطرة لارتداء الشعر المستعار، حتى على خشبة المسرح، إذ لم تعتبر الأمر نقطة ضعف.
كما تحدثت عن فكرة الموت، التي رفضت أن يكون السرطان هو السبب فيها. فقد تموت، كما تقول، في حادث سيارة أو نوبة قلبية أو أي سبب آخر. وأضافت "أنا مستعدة لأي شيء، لكنني لا أقبل أن يكون السرطان هو نهايتي… لقد حاربت كثيرًا، ليس فقط من أجلي، بل من أجل غيري أيضًا".
رغم التجربة القاسية والملهمة التي مرت بها، رفضت سوسن شوربا أن تُختزل في لقب "مريضة سرطان"، كما رفضت أن يكون المرض العنوان الوحيد لقصة حياتها. كانت ممثلة ومقاتلة وأمًا حاربت المرض بشجاعة لا تُضاهى.
لم يكن المرض سوى محطة في رحلتها، لكنه لم يكن وجهتها الأخيرة. لم تكتفِ بمحاربته، بل حوّلته إلى جزء من فنها، واستلهمت من تجربتها نصوصًا إبداعية نقلتها إلى خشبة المسرح، حيث وجدت صوتها الأقوى. لم تكن مجرد ممثلة تؤدي دورًا، بل فنانة نسجت من معاناتها قصصًا تمس القلب وتثير الفكر، برؤية تتسم بالتحدي، السخرية، والصدق. بين الواقع والمسرح، بين الألم والإبداع، بقيت سوسن شامخة، تكتب قصتها كما ترغب، وتترك أثرا لا يُنسى برحيلها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


One 3 Sport
منذ 30 دقائق
- One 3 Sport
أحمد هشام يلحق بثلاثي المنتخب في الدور الرئيسي لكأس العالم لسلاح السيف بمدريد
الجمعة 23/مايو/2025 - 05:15 م كتب: محمد ناجي نجح أحمد هشام في التأهل إلى دور الـ64 الرئيسي من بطولة كأس العالم لسلاح السيف، المقامة في العاصمة الإسبانية مدريد خلال الفترة من 23 وحتى 25 من شهر مايو الجاري.وتمكن هشام من حجز مقعده في جدول الدور الرئيسي بعد تحقيق العلامة الكاملة في دور المجموعات، حيث حقق 6 انتصارات متتالية على أبطال كل من إسبانيا، البرتغال، فنزويلا، الصين، كندا، تركيا.وبذلك يلحق هشام بثلاثي المنتخب المصري المكون من زياد السيسي، محمد عامر، وأدهم معتز، الذين تم إعفاؤهم من خوض الأدوار التمهيدية بفضل تصنيفهم العالمي، إذ يحتل زياد السيسي المركز التاسع، ومحمد عامر الثاني عشر، وأدهم معتز السابع عشر عالميًا.ومن المقرر أن تنطلق غدًا منافسات الأدوار الرئيسية للفردي، بداية من دور الـ64 وحتى المباراة النهائية، فيما تُقام منافسات الفرق يوم الأحد بمشاركة المنتخب المصري.وتضم قائمة لاعبي مصر في البطولة: زياد السيسي، محمد عامر، أدهم معتز، أحمد هشام، ومازن العربي.وكان مازن العربي على بعد خطوة من التأهل للدور الرئيسي، بعدما تخطى دور المجموعات والتأهل للأدوار الإقصائية ليفوز على بطلي أوكرانيا وألمانيا في دور الـ256 والـ128 على الترتيب، قبل أن يخسر أمام بطل فرنسا في دور الـ64 التمهيدي، ليودع منافسات الفردي. ويشرف على المنتخب فنيًا أحمد حمدي، ويصاحبه الدكتور محمد الششتاوي كطبيب للبعثة.


One 3 Sport
منذ 30 دقائق
- One 3 Sport
تصريحات نارية لـ دودو الجباس قبل مواجهة بيراميدز وصن داونز
عبر دودو الجباس مهاجم فريق نادي بيراميدز، عن سعادته وشعوره بالفخر الشديد بالتواجد هو وزملائه في نهائي دوري أبطال أفريقيا، ومواجهة الفريق القوي صن داونز الذي يعد واحدا من أقوى فرق قارة أفريقيا، ولكن في النهاية بيراميدز رغم حداثة عهده وصل إلى هذه المرحلة الحاسمة ويسعى لأن يكون بطلا للبطولة الأقوى في القارة السمراء.ويحل بيراميدز ضيفا على صن داونر الجنوب أفريقي في الرابعة من مساء السبت ٢٤ مايو على استاد لوفتس فيرسفيلد في بريتوريا، قبل خوض مواجهة النهائي في الثامنة من مساء يوم الأحد ١ يونيو على استاد الدفاع الجوي بالقاهرة.أضاف خلال المؤتمر الصحفي أن الفريق نجح في تقديم نفسه بصورة رائعة هذا الموسم في جميع البطولات ولديه حافز قوي لأن ينهي موسمه بشكل مثالي، وأمامه الفرصة للتتويج بثلاث بطولات خلال ١٠ أيام وهو ما يمثل حافزا كبيرا للاعبين والكل يشعر بحجم المسئولية والمكانة التي سيصل إليها بيراميدز إذا حقق تلك البطولات.دودو الجباس أكد أن الفريق كل مباراة يلعبها يحصل على الثقة والخبرة المطلوبة ومن الرائع مواجهة أندية كبيرة في القارة الأفريقية، وبيراميدز له أن واجه أندية جنوب أفريقية أكثر من مرة وكذلك واجه صن داونز وتعادل معه هنا في بريتوريا، موضحا أن الخصم مختلف تماما عن أورلاندو الذي أزاحه بيراميدز في طريقه للنهائي، لأن صن داونز أقوى وأكثر خبرة في دوري الأبطال ولعب النهائيات، ويتوقع أن تكون مواجهة غاية في القوة أمام منافس قوي. أوضح الجباس أن اللاعبين في مرحلة حاسمة في مشوارهم ولديهم الحافز الكبير لتحقيق لقب أقوى بطولة في أفريقيا، ولن ينشغل اللاعبون بما يحدث في الدوري وآخر مباراة والتركيز منصب بالكامل على مواجهة النهائي القاري.


حضرموت نت
منذ 30 دقائق
- حضرموت نت
منح الحج المجانية لمن؟
تقوم المملكة العربية السعودية سنويا وعبر وزارة الحج والعمرة والشؤون الإسلامية بتقديم منح الى وزارة الأوقاف لأداء مناسك الحج والعمرة. وعلمت عدن تايم ان هذه المنح يحظى بها المقربين من الوزارة والقائمين عليها دون إشراك جهات مقابلة ، مما يفقد التوزيع عدالته حسب مصادر خاصة. وأكدت المصادر ان البعض من الصحفيين والناشطين حظوا بأداء الحج والعمرة وأسرهم ، فيما الكثير مغيب عن هذه المنح. كما ان الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تقدم منح نقل للحجيج والمعتمرين بصورة مماثلة . ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عدن تايم , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عدن تايم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.