بين حلم بن غوريون وثورة الخميني
في زمانه أطلق مؤسس دولة الاحتلال الاسرائيلي، دافيد بن غوريون، مقولته الخبيثة: "عظمة إسرائيل تكمن في انهيار دول ثلاث، مصر والعراق وسوريا"، وتُروى بصيغة مختلفة وفي مواضع أخرى "إن قوتنا ليست بالسلاح النووي بل قوتنا بتدمير ثلاث دول عربية كبيرة من حولنا وهي مصر وسورية العراق... وتحويلها إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا في هذا الأمر لا يعتمد على ذكائنا بل بقدر ما يعتمد على غباء وجهل الطرف الثاني". وفي العام 1979، عقب الثورة الإسلامية في إيران، عمل نظام روح الله الخميني على ما يعرف بـ"تصدير الثورة" وشعار "طريق القدس" و"يا قدس إننا قادمون". والحال أن السرديات والوقائع تجيب على ما آلت اليه أحلام بن غوريون، وثورة الخميني، وتظهر إنهما النقيضان والعدوان اللذان يلتقيان، أو أن مشاريعهما تحقق جانباً من الهدف ذاته، وإن اختلفت النوايا الأيديولوجية والدينية.
والسؤال: كيف تحقّقت أحلام بن غوريون التوراتية، وماذا أنتجت ثورة الخميني؟ للإجابة على سؤال أحلام بن غوريون، ربما علينا أن نبدأ الكلام من مصر، صاحبة الدور المتقدّم في الشرق الأوسط، التي فقدت عزيمتها ودورها الإقليمي بعد هزيمة 1967 وأيقنت أنها تحارب أميركا وليس إسرائيل خلال حرب تشرين 1973، بحسب ما قال أنور السادات، لذا ذهب إلى اتفاقية كامب ديفيد العام 1978، فربح سيناء وخسر مصر بمعنى من المعاني، وأصبحت "أم الدنيا" أسيرة الرغيف والمساعدات الاقتصادية الأميركية، ولم يطُل الوقت بعد كامب ديفيد، حتى سقط شاه إيران في 1979. والزعمُ بأن الأدوار المرسومة في المخيلة الغربية لمجيء الخميني إلى السلطة بعد سقوط الشاه، من محاربة الشيوعية وتحديداً حزب تودة، إلى زعزعة القومية العربية التي تعتبر فلسطين قضيتها المركزية، وجوانب أخرى من الأدوار المرسومة المزعومة والمتخيلة، ذهب على نقيض تمنيات بعض العواصم الغربية. فإسرائيل وإيران كانتا حليفتين في مطلع خمسينيات القرن الماضي، إبان حكم آخر شاه إيران محمد رضا بهلوي، غير أن هذه العلاقة انهارت فجأة مع اندلاع الثورة الإسلامية، ومع مجيء الخميني الذي رفع شعار تحرير القدس وعمل على "تصدير الثورة".
ولما كان العراق نقطة الانطلاق لتصدير الثورة الخمينية بسبب العوامل الطائفية والدينية والامتداد الجغرافي والمقدسات وتداعيات الاستبداد، دخل عراق صدام حسين في حرب طويلة مع ايران، جعلت المنظّر الأميركي هنري كيسنجر يقول: "هذه أول حرب في التاريخ أتمنى ألا يخرج بعدها منتصر، وإنما أن يخرج طرفاها وكلاهما مهزوم!".
كان الهدف المرسوم للحرب الطويلة، بيع السلاح. في 7 حزيران1981، قصف سرب طائرات إسرائيلية، مفاعل "تموز" النووي في العراق ودمّره. ومع أن الخميني رفع شعارات تحرير القدس فلسطين ورمي إسرائيل في البحر، فخلال الحرب العراقية الايرانية، مدّت إسرائيل إيران بالسلاح والذخيرة لا لأنها رأت أن العراق يمثل خطرًا، بل لأنها كانت ترى الخطر في "القومية العربية"،. وتجلى التعاون بين بين الشيطانين الأصغر والأكبر في ما عُرف بـ"إيران غيت" وأيضاً باسم "إيران كونترا"، وينسب اسمها إلى صفقة سرية حيث باعت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية، أسلحة لإيران، بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأميركية لها "عدوة لأميركا" و"راعية للإرهاب". وفي المقابل، استخدمت واشنطن أموال الصفقة وأرباحها في تمويل سري لحركة معارضة الثورة المعروفة بـ"الكونترا" التي حاربت لإطاحة الحكومة اليسارية وحزب "ساندينيستا" الذي كان يحكم نيكاراغوا.
وفي العام 1985، أُعلن تأسيس حزب الله في لبنان، وكانت نشاطاته انطلقت منذ العام 1982 تحت اسم "منظمة الجهاد الاسلامي". في 20 تموز 1988، أعلن روح الله خميني القبول بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 598، الصادر في اليوم نفسه من العام السابق، وقد وصف خميني القبول بقرار وقف الحرب بـ"تجرّع كأس السم". تداعيات حرب الخليج الأولى دفعت الديكتاتور العراقي صدام حسين إلى غزو الكويت في 2 آب 1990، والتي أنتجت حرب الخليج الثانية والتحالف الدولي والسكود الصدّامي على إسرائيل والحصار وتدمير القدرات العراقية. حصل ذلك بمشاركة النظام السوري الأسدي بطريقة أو بأخرى، وتقاضى حافظ الأسد ثمنها، إذ سُمح له بالسيطرة الكاملة على لبنان من خلال إطاحة ميشال عون والانتشار في المناطق الشرقية المسيحية. وإذ حُلّت الميليشيات اللبنانية المسلحة بعد الحرب الأهلية اللبنانية، ترك النظام السوري حزب الله يتسلّح ويسرح ويمرح بحجة تحرير الجنوب ومقاومة إسرائيل ووحدة المسار والمصير مع سوريا. وتحول الحزب مع الوقت إلى دولة رديفة بل أقوى من الدولة، فيما كانت المفاوضات بين العرب وإسرائيل على قدم وساق، وبمشاركة أكثر من طرف، وكان هناك تيار يسعى إلى السلام وآخر يرفض وينفذ العمليات الانتحارية. واغتال التطرف اليهودي إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل، في 4 تشرين الثاني 1995...
عوامل إقليمية كثيرة أنتجت التطرف الديني الإسلامي واليهودي، ومهدت لصعود نتنياهو ونظرياته الحربية، وفي المقابل كان الخط الموالي لإيران يتصاعد من "حماس" و"الجهاد" إلى "حزب الله". في العام 2000، تحرّر الجنوب اللبناني وصعد نجم حسن نصرالله، ورحل حافظ الأسد وورثه ابنه بشار. في العام 2001 كانت غزوة 11 أيلول التي وترت العلاقة بين الولايات المتحدة والإسلام السنّي، فعدا غزو أفغانستان حيث تمركز أسامة بن لادن ورهطه، كان الانتقام من العراق العام 2003 بزعم امتلاكه أسلحة محظورة، وفكك الجيشَ العراقي، بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي سابقاً، وتحقق الفصل الثاني من حلم بن غوريون أي تدمير العراق، بل أكثر من ذلك، تسليمه لإيران عبر تمدّد الميليشيات والفصائل التابعة لها، وبدأت نظريات "الشرق الأوسط الجديد" و"الفوضى الخلاقة" والمحافظون الجدد في أميركا.
في 2004 توفي أو قُتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ودخلت القضية الفلسطينية مرحلةً جديدة من الصراع. في 2005 اغتيل الزعيم اللبناني رفيق الحريري، ودخل لبنان بدوره في مجهول جديد، وفي هذه المرحلة كان محور إيران يتصاعد ويأخذ مجده في ما سُمّي "الهلال الشيعي". وفي 2006، شهد لبنان "حرب تموز" التي أعطت حزب الله بُعداً إقليمياً وإيديولوجياً إضافياً، ووجد بعض القوميين في نصرالله بطلاً جديداً، وبدأ وهج السلاح الرديف والتابع لإيران يتمدد، من لبنان الى فلسطين واليمن والعراق.
في 2011، بدأت موجات "الربيع العربي"، ودخل حزب الله في الحرب السورية في خطوة سببت أزمة طائفية. وفي حقبة الرئيس الأميركي الأسبق باراك حسين أوباما، توترت علاقته ببعض الأنظمة العربية إذ غض النظر عن تغلغل الإيرانيين في سوريا، بل غض النظر عن اجرام بشار الأسد. وفي 2014 خُلقت نظرية أوبامية تقول إن الوقت آنذاك لمحاربة الإرهاب وليس لتنحي الأسد، وكانت النتيجة في الميدان تدمير دور سوريا المركزي وتحقق الفصل الثالث من حلم بن غوريون، وظهرت تصريحات إيرانية تتحدّث عن الطريق المفتوح من إيران إلى العراق إلى حلب إلى مياه المتوسط في لبنان، والسيطرة على عواصم عربية في إطار تصدير الثورة الخمينية، وزرع دول بديلة عن الدولة، من حزب الله في لبنان، إلى الحوثي في اليمن، إلى الحشد الشعبي في العراق، إلى حماس في فلسطين، إلى الميليشيات والألوية الزينبية والفاطمية في سوريا، على وقع مفاوضات الملف النووي... إلى أن كان يحيى السنوار وطوفان 7 أكتوبر 2023 في غزة، الذي أنتج طوفانات أخرى، فاستدعى "حرب الإسناد" في لبنان، وأطاح قيادات حزب الله وعلى رأسهم عمود المحور حسن نصرالله ولسانه الطليق، واغتيل زعيم حماس إسماعيل هنية في قلب إيران.
الجموح الإسرائيلي هنا دفع نتنياهو للحديث أيضاً عن شرق أوسط جديد وحروب جديدة، واغتيال نصرالله وتصدع حزب الله مهّدا لسقوط نظام بشار الأسد في أقل من أسبوعين، وما لم تدمّره براميل الأسد المتفجرة، دمّرته الطائرات الإسرائيلية، إذ قصفت ما تبقى من عتاد وقدرات عسكرية سورية بعد سيطرة أحمد الشرع على السلطة وهروب الاسد...
وكانت إسرائيل وإيران قد تبادلتا الضربات المباشرة للمرة الألى في نيسان 2024، عندما شنّت إيران هجوماً بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل. جاء الهجوم الإيراني رداً على ضربة جوية قبلها بأسبوعين استهدفت مباني دبلوماسية إيرانية في دمشق. ونُسبت هذه الضربة إلى إسرائيل، رغم أنها لم تعترف بتنفيذها. ودُحضت نظرية بعض المحللين عن أن "اليهود والفرس لا يتحاربون". ولم تكن صواريخ نيسان 2024 إلا بروفة لحرب مباشرة من دون أذرع أو قفازات، وكثر من المحللين اعتبروا أن سقوط سوريا سيمهد لوصول إسرائيل إلى إيران، على الرغم من المحاولة الحثيثة في تشغيل الجبهة اليمنية الحوثية، وإطلاق الصواريخ الباليستية. وبالتالي، انتهت عقود من الضخ الإعلامي والحروب على أراضي الآخرين وبالآخرين، بالمواجهة المباشرة والفتاكة بين مشروع الخميني ومشروع بن غوريون، أو بين عدوين كل منهما يسعى أن يكون الشرق الأوسط على صورته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الديار
منذ 19 دقائق
- الديار
قيادة الأمن السيبراني الإيرانية: الكيان الصهيوني شن هجمات سيبرانية واسعة منذ أمس على شبكة بنوك البلاد، ونجحنا في التصدي لعدد من الهجمات.
Aa مواجهة بلا سقف بين إيران و«إسرائيل»... وواشنطن على حافة التدخّل! سفير غربي يحذر من عمل عسكري «اسرائيلي» في الجنوب حتى الأولي برّاك بعد لودريان: لا اعذار للتاخير الذين يُريدون تغيير شكل ... الله ما بعد الحرب على إيران: هل يتحوّل العرب الى دافعي جزية؟ هل استخلصت ايران العبر من الحرب "الاسرائيلية" على حزب الله؟ اشترك بنشرة الديار لتصلك الأخبار يوميا عبر بريدك الإلكتروني إشترك عاجل 24/7 21:02 قيادة الأمن السيبراني الإيرانية: الكيان الصهيوني شن هجمات سيبرانية واسعة منذ أمس على شبكة بنوك البلاد، ونجحنا في التصدي لعدد من الهجمات. 21:02 القناة 12 "الإسرائيلية": المقاتلات "الإسرائيلية" تزودت بالوقود في الجو 600 مرة منذ بدء الهجوم على إيران. 20:58 الحرس الثوري الإيراني: الهجمات الصاروخية ستكون مركزة ومتواصلة وفتحنا أبواب الجحيم على الصهاينة. 20:58 الحرس الثوري الإيراني: دمرنا الدفاعات الجوية للجيش الصهيوني وأجواء الأراضي المحتلة مفتوحة لصواريخنا ومسيراتنا، واستخدمنا صواريخ سجيل الثقيلة بعيدة المدى في الموجة ١٢ الصاروخية ضد الكيان الصهيوني. 20:43 نتنياهو: هدف العملية على ايران هو إزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني. 20:36 المتحدث باسم الخارجية الفرنسية للجزيرة: الرئيس الأميركي كان واضحا بأن إيران لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووي.


الديار
منذ 19 دقائق
- الديار
القناة 12 "الإسرائيلية": المقاتلات "الإسرائيلية" تزودت بالوقود في الجو 600 مرة منذ بدء الهجوم على إيران.
Aa مواجهة بلا سقف بين إيران و«إسرائيل»... وواشنطن على حافة التدخّل! سفير غربي يحذر من عمل عسكري «اسرائيلي» في الجنوب حتى الأولي برّاك بعد لودريان: لا اعذار للتاخير الذين يُريدون تغيير شكل ... الله ما بعد الحرب على إيران: هل يتحوّل العرب الى دافعي جزية؟ هل استخلصت ايران العبر من الحرب "الاسرائيلية" على حزب الله؟ اشترك بنشرة الديار لتصلك الأخبار يوميا عبر بريدك الإلكتروني إشترك عاجل 24/7 21:02 قيادة الأمن السيبراني الإيرانية: الكيان الصهيوني شن هجمات سيبرانية واسعة منذ أمس على شبكة بنوك البلاد، ونجحنا في التصدي لعدد من الهجمات. 21:02 القناة 12 "الإسرائيلية": المقاتلات "الإسرائيلية" تزودت بالوقود في الجو 600 مرة منذ بدء الهجوم على إيران. 20:58 الحرس الثوري الإيراني: الهجمات الصاروخية ستكون مركزة ومتواصلة وفتحنا أبواب الجحيم على الصهاينة. 20:58 الحرس الثوري الإيراني: دمرنا الدفاعات الجوية للجيش الصهيوني وأجواء الأراضي المحتلة مفتوحة لصواريخنا ومسيراتنا، واستخدمنا صواريخ سجيل الثقيلة بعيدة المدى في الموجة ١٢ الصاروخية ضد الكيان الصهيوني. 20:43 نتنياهو: هدف العملية على ايران هو إزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني. 20:36 المتحدث باسم الخارجية الفرنسية للجزيرة: الرئيس الأميركي كان واضحا بأن إيران لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووي.


الديار
منذ 19 دقائق
- الديار
الحرس الثوري الإيراني: الهجمات الصاروخية ستكون مركزة ومتواصلة وفتحنا أبواب الجحيم على الصهاينة.
Aa مواجهة بلا سقف بين إيران و«إسرائيل»... وواشنطن على حافة التدخّل! سفير غربي يحذر من عمل عسكري «اسرائيلي» في الجنوب حتى الأولي برّاك بعد لودريان: لا اعذار للتاخير الذين يُريدون تغيير شكل ... الله ما بعد الحرب على إيران: هل يتحوّل العرب الى دافعي جزية؟ هل استخلصت ايران العبر من الحرب "الاسرائيلية" على حزب الله؟ اشترك بنشرة الديار لتصلك الأخبار يوميا عبر بريدك الإلكتروني إشترك عاجل 24/7 21:02 قيادة الأمن السيبراني الإيرانية: الكيان الصهيوني شن هجمات سيبرانية واسعة منذ أمس على شبكة بنوك البلاد، ونجحنا في التصدي لعدد من الهجمات. 21:02 القناة 12 "الإسرائيلية": المقاتلات "الإسرائيلية" تزودت بالوقود في الجو 600 مرة منذ بدء الهجوم على إيران. 20:58 الحرس الثوري الإيراني: الهجمات الصاروخية ستكون مركزة ومتواصلة وفتحنا أبواب الجحيم على الصهاينة. 20:58 الحرس الثوري الإيراني: دمرنا الدفاعات الجوية للجيش الصهيوني وأجواء الأراضي المحتلة مفتوحة لصواريخنا ومسيراتنا، واستخدمنا صواريخ سجيل الثقيلة بعيدة المدى في الموجة ١٢ الصاروخية ضد الكيان الصهيوني. 20:43 نتنياهو: هدف العملية على ايران هو إزالة التهديد النووي والصاروخي الإيراني. 20:36 المتحدث باسم الخارجية الفرنسية للجزيرة: الرئيس الأميركي كان واضحا بأن إيران لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووي.