
الدكتور بنطلحة الدكالي يفضح أوهام الانفصال ويكشف خداع 'الدمى والأراجوز'
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
سألني أحد الصحافيين حول قرار الحزب الكردستاني إلقاء السلاح هل ينسف أطروحة' البوليساريو' الانفصالية؟
إن الصحراء المغربية كانت وستظل بقوة الوثيقة الأثرية والمرجع العلمي، وأن قرار حزب العمال الكردستاني(PKK) حل تنظيمه ووقف العمل المسلح ووضع السلاح يبعث إشارات قوية إلى كافة الجماعات الانفصالية المسلحة في العالم، لأنه يأتي في سياق إنهاء المليشيات والتنظيمات الانفصالية المسلحة، وأن الخيار المقبول والمعقول هو الانخراط في مؤسسات الدولة، وهو الحال بالنسبة لإقليم كاتالونيا أو إقليم كردستان العراق، وهو المصير نفسه الذي ينتظر مليشيات البوليساريو، بما أنها تجارب تتقاطع في الارتكاز على أمور واهية، رغم أن عبد الله أوجلان، قائد الحزب الكردستاني، يتسم بالكاريزما واستقلالية الموقف، بينما ابن بطوش يحركه الأراجوز.
ضحك الصحافي وهو يحاورني قائلا: من منا لايتذكر الأراجوز أو ما يطلق عليه فن الدمى حين كان يقدم لنا عبارة عن عروض مسرحية في المدارس تشاكس خيالنا البريء.
أتفق معك، لكن مر زمن طويل قبل أن نعلم أن شخصيات فن الدمى يتم التلاعب بها من أعلى بواسطة خيوط متصلة بعنصر تحكم، ويطلق على الشخص الذي يقوم بتحريك الدمى في العروض اسم 'محرك الدمى'، ويقوم بذلك من خلف ستائر أو غطاء أسفل أو على المسرح.
والدمى أنواع، منها المصنوعة من قماش، ومنها المخلوقة من لحم ودم. ورغم الفارق بينهما، فإنهما يقومان بالدور نفسه، ويخضعان لمحرك من خلف ستار.
لقد غمرت المشهد في هذه الأيام جوقة كراكيز يحركها نظام جبان، تردد دون توقف ادعاءات باطلة موغلة في الغرائبية والحقد والحسد تجاه المغرب الأبي ورموزه الشامخة، وتهدف إلى التضليل ونشر المزاعم الكاذبة، تنم عن حملة قذرة لاتراعي عرفا ولاجوارا ولا دما .
لقد تغيرت قواعد مسرح العرائس في زماننا (يقول الصحافي)، فإذا كان يطلق على التمثيل في المسرح كلمةPlaying ، أي اللعب، فإنه يراد به أن يلعب الممثلون للجمهور، لا أن يلعبوا عليه، أي أن لا يسعى الممثلون إلى خداع المخرجين بأداء تنكري واستعراض مهارات زائفة.
أؤكد كلامك، وأقول لك إن هناك اتجاها عريقا ومختلفا لمسرح الدمى، هو الاتجاه الياباني المسمى 'بونراكو'، وهي أعمال جادة وليست كوميدية، حيث اشتهر المخرج تشيكاماتشو كأعظم مؤلفيها التراجيديين، وفي هذا النوع المسرحي، الذي يحترم مشاهديه، يرى الجمهور دمى ضخمة يحركها بوضوح أمام أنظاره لاعبون ظاهرون للعيان.
وماذا عن صاحبنا الأراجوز؟
لقد سقط القناع عن القناع، وما كان يجري خلسة بات الآن يحدث في العلن دون خجل، وتبين أن المسرحية التي تحكي 'قصة الحب' لها نصيب من المأساة، وسط ديكور مأساوي تعرض فيه جماجم الذاكرة المثقوبة ودماء الشهداء.. ليست إلا ملهاة رديئة لمخرج فاشل… ويا لبؤس الأراجوز حين انكشف تحت أضواء الحقيقة المبهرة.
وهل عاد الأراجوز إلى صوابه؟
الأراجوز يتبع سلوك المقامر المنهزم الذي تتملكه رغبة لاشعورية في أن يخسر بدل أن يكسب، ويسيطر عليه دافع أن يخسر ويستمر في الخسارة كنوع من العقاب ينزله بنفسه.
وماذنب الدمى إذا كان هذا سلوك الأراجوز؟
في كتابه 'نحن والحمير في المنعطف الخطير' يروي الأديب اليمني محمد مصطفى العمراني مأساة واقعية من قلب قريته، حيث كان أهلها يقطعون طريقا محفوفا بالمخاطر للوصول إلى عين الماء، طريق يمر بجانب واد سحيق التهم أرواح أطفال سقطوا فيه مع حميرهم، وهم في رحلة الشقاء اليومية لجلب الماء.
مرت سنوات طويلة، كبر الصغار ورحل الضحايا، لكن الخطر ظل على حاله، اجتمع وجهاء القرية ذات يوم في دار أحدهم يتناقشون بجدية عن ذلك 'المنعطف القاتل' وكيف يمكن حل هذه الكارثة المتكررة.
سألهم الكاتب، وقد كان أحد أولئك الصغار الذين ذاقوا ألم السقوط في الوادي: 'لماذا لا تسلكون طريقا آخر أكثر أمانا؟'. فجاء الجواب صادما: 'نحن نمشي وراء الحمير، وهي التي تسلك بنا ذلك الطريق'!.
وهل من مسلك آخر حتى لا يسقط الجميع؟
المسلك هو استيعاب الدروس التي يلقي بها التاريخ عبر تجاربه. إن المخيمات تعيش على وقع الفوضى المتصاعدة والرعب اليومي، وما يجري مؤشرات أولية على بداية الإفلاس التام، والانهيار الكامل قد يكون وشيكا، أما لعبة الأراجوز فهي من حكايا التاريخ…
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مراكش الآن
منذ 4 ساعات
- مراكش الآن
الدكتور بنطلحة الدكالي يفضح أوهام الانفصال ويكشف خداع 'الدمى والأراجوز'
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء سألني أحد الصحافيين حول قرار الحزب الكردستاني إلقاء السلاح هل ينسف أطروحة' البوليساريو' الانفصالية؟ إن الصحراء المغربية كانت وستظل بقوة الوثيقة الأثرية والمرجع العلمي، وأن قرار حزب العمال الكردستاني(PKK) حل تنظيمه ووقف العمل المسلح ووضع السلاح يبعث إشارات قوية إلى كافة الجماعات الانفصالية المسلحة في العالم، لأنه يأتي في سياق إنهاء المليشيات والتنظيمات الانفصالية المسلحة، وأن الخيار المقبول والمعقول هو الانخراط في مؤسسات الدولة، وهو الحال بالنسبة لإقليم كاتالونيا أو إقليم كردستان العراق، وهو المصير نفسه الذي ينتظر مليشيات البوليساريو، بما أنها تجارب تتقاطع في الارتكاز على أمور واهية، رغم أن عبد الله أوجلان، قائد الحزب الكردستاني، يتسم بالكاريزما واستقلالية الموقف، بينما ابن بطوش يحركه الأراجوز. ضحك الصحافي وهو يحاورني قائلا: من منا لايتذكر الأراجوز أو ما يطلق عليه فن الدمى حين كان يقدم لنا عبارة عن عروض مسرحية في المدارس تشاكس خيالنا البريء. أتفق معك، لكن مر زمن طويل قبل أن نعلم أن شخصيات فن الدمى يتم التلاعب بها من أعلى بواسطة خيوط متصلة بعنصر تحكم، ويطلق على الشخص الذي يقوم بتحريك الدمى في العروض اسم 'محرك الدمى'، ويقوم بذلك من خلف ستائر أو غطاء أسفل أو على المسرح. والدمى أنواع، منها المصنوعة من قماش، ومنها المخلوقة من لحم ودم. ورغم الفارق بينهما، فإنهما يقومان بالدور نفسه، ويخضعان لمحرك من خلف ستار. لقد غمرت المشهد في هذه الأيام جوقة كراكيز يحركها نظام جبان، تردد دون توقف ادعاءات باطلة موغلة في الغرائبية والحقد والحسد تجاه المغرب الأبي ورموزه الشامخة، وتهدف إلى التضليل ونشر المزاعم الكاذبة، تنم عن حملة قذرة لاتراعي عرفا ولاجوارا ولا دما . لقد تغيرت قواعد مسرح العرائس في زماننا (يقول الصحافي)، فإذا كان يطلق على التمثيل في المسرح كلمةPlaying ، أي اللعب، فإنه يراد به أن يلعب الممثلون للجمهور، لا أن يلعبوا عليه، أي أن لا يسعى الممثلون إلى خداع المخرجين بأداء تنكري واستعراض مهارات زائفة. أؤكد كلامك، وأقول لك إن هناك اتجاها عريقا ومختلفا لمسرح الدمى، هو الاتجاه الياباني المسمى 'بونراكو'، وهي أعمال جادة وليست كوميدية، حيث اشتهر المخرج تشيكاماتشو كأعظم مؤلفيها التراجيديين، وفي هذا النوع المسرحي، الذي يحترم مشاهديه، يرى الجمهور دمى ضخمة يحركها بوضوح أمام أنظاره لاعبون ظاهرون للعيان. وماذا عن صاحبنا الأراجوز؟ لقد سقط القناع عن القناع، وما كان يجري خلسة بات الآن يحدث في العلن دون خجل، وتبين أن المسرحية التي تحكي 'قصة الحب' لها نصيب من المأساة، وسط ديكور مأساوي تعرض فيه جماجم الذاكرة المثقوبة ودماء الشهداء.. ليست إلا ملهاة رديئة لمخرج فاشل… ويا لبؤس الأراجوز حين انكشف تحت أضواء الحقيقة المبهرة. وهل عاد الأراجوز إلى صوابه؟ الأراجوز يتبع سلوك المقامر المنهزم الذي تتملكه رغبة لاشعورية في أن يخسر بدل أن يكسب، ويسيطر عليه دافع أن يخسر ويستمر في الخسارة كنوع من العقاب ينزله بنفسه. وماذنب الدمى إذا كان هذا سلوك الأراجوز؟ في كتابه 'نحن والحمير في المنعطف الخطير' يروي الأديب اليمني محمد مصطفى العمراني مأساة واقعية من قلب قريته، حيث كان أهلها يقطعون طريقا محفوفا بالمخاطر للوصول إلى عين الماء، طريق يمر بجانب واد سحيق التهم أرواح أطفال سقطوا فيه مع حميرهم، وهم في رحلة الشقاء اليومية لجلب الماء. مرت سنوات طويلة، كبر الصغار ورحل الضحايا، لكن الخطر ظل على حاله، اجتمع وجهاء القرية ذات يوم في دار أحدهم يتناقشون بجدية عن ذلك 'المنعطف القاتل' وكيف يمكن حل هذه الكارثة المتكررة. سألهم الكاتب، وقد كان أحد أولئك الصغار الذين ذاقوا ألم السقوط في الوادي: 'لماذا لا تسلكون طريقا آخر أكثر أمانا؟'. فجاء الجواب صادما: 'نحن نمشي وراء الحمير، وهي التي تسلك بنا ذلك الطريق'!. وهل من مسلك آخر حتى لا يسقط الجميع؟ المسلك هو استيعاب الدروس التي يلقي بها التاريخ عبر تجاربه. إن المخيمات تعيش على وقع الفوضى المتصاعدة والرعب اليومي، وما يجري مؤشرات أولية على بداية الإفلاس التام، والانهيار الكامل قد يكون وشيكا، أما لعبة الأراجوز فهي من حكايا التاريخ…


مراكش الآن
منذ يوم واحد
- مراكش الآن
الدكتور بنطلحة يكتب: جنوب إفريقيا في قفص الاتهام
د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء استقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في البيت الأبيض، في وقت وصلت العلاقة بين البلدين إلى أدنى مستوياتها، في هذا الصدد أعلن مكتب رامافوزا في بيان أن «زيارة الدولة التي يقوم بها إلى الولايات المتحدة ستوفر منصة لإعادة ضبط العلاقات الاستراتيجية بين البلدين»، سيما وأن الولايات المتحدة تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري لجنوب إفريقيا بعد الصين، بموجب قانون فرص النمو في إفريقيا المعفاة من الرسوم الجمركية الذي تم تقديمه عام2000. اللقاء/ الفخ، فاجأ به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا خلال لقائهما في المكتب البيضاوي، حيث بدا الأخير مرتبكا وغير قادر على التعبير السليم، لقد كان يحاول جاهدا جمع أفكاره والبحث عن الكلمات المناسبة، سيما أن اللقاء جرى أمام وسائل الإعلام..! خلال اللقاء أحرج الرئيس الأمريكي نظيره سيريل رامافوزا بعرض صور ومقاطع فيديو تثبت وجود إبادة جماعية تستهدف البيض في جنوب إفريقيا، وفي إحدى اللقطات من الفيديو، ظهر جوليوس ماليما زعيم حزب المناضلون من أجل الحرية الاقتصادية، وهو يدلي بتصريحات اعتبرها ترامب داعمة للاتهامات الأمريكية بشأن تعرض المزارعين البيض لأعمال إبادة. لقد أكد الرئيس الأمريكي أمام رامافوزا ووسائل الإعلام أن:' إيجاد حل لمسألة البيض هناك سيجعل العلاقة جيدة بين البلدين، وأن عدم حلها سيعني نهاية جنوب إفريقيا' وفق تعبيره. لقد ترجمت إدارة ترامب غضبها بطرد السفير الجنوب إفريقي لدى الولايات المتحدة، وقرر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، عدم المشاركة في قمة وزراء خارجية مجموعة العشرين في جوهانسبورغ فبراير الماضي. وفي أبريل الماضي فرضت إدارة ترامب، رسوما جمركية بنسبة 30 في المائة على جميع السلع الجنوب إفريقية و25 في المائة إضافية على السيارات والمركبات، ممارفع إجمالي الضريبة عليها إلى55في المائة، كما وقع ترامب أمرا بوقف المساعدات لجنوب إفريقيا متهما إياها بالتعاون مع إيران لتطوير برنامج نووي. لقد وجه ترامب ضربة اقتصادية ضد جنوب إفريقيا، حيث وقع أمرا بتنفيذ وقف المساعدات الخارجية لمدة تسعين يوما، ما أدى إلى تعطيل تمويل برامج مكافحة أمراض قاتلة مثل الإيدز، حيث كانت الولايات المتحدة تمول نحو 18 في المائة من موازنة جنوب إفريقيا لمكافحة المرض، حيث تصنف جنوب إفريقيا أكبر مكان في العالم للمصابين بمرض نقص المناعة البشرية. سلسلة من الإجراءات الاقتصادية اتخذتها الإدارة الأمريكية ضد نظام جنوب إفريقيا الذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة التي تزيد على 30 في المائة، ومعدل نمو اقتصادي أقل من1 في المائة في المتوسط. تلك نكبة نظام جنوب إفريقيا، ولأن المصائب تأتي تباعا، تطالب «كيب الغربية» بالاستقلال عن جنوب إفريقيا.. نعم كما تدين تدان، لقد جاء في روضة العقلاء 'كما تدين تدان وبالكأس الذي تسقي به تشرب وزيادة لأن البادي لا بد له من أن يزاد'. تذكرت هذه الحكمة البليغة التي أوردها الشيباني وأنا أتصفح الأخبار القادمة من مختلف أنحاء العالم، وفحواها أن حركة 'ويسترن كيب' أو 'كيب الغربية' تطالب بالاستقلال عن دولة جنوب إفريقيا من خلال تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو المطلب الذي يرفضه الحزب الحاكم في بريتوريا منذ سنوات. نعم محافظة كيب الغربية، التي تبلغ مساحتها حوالي 130 ألف كيلومتر مربع، والتي يقدر عدد سكانها بـ6,5 ملايين نسمة، والتي تحتضن مدينة كيب تاون، ثالث أكبر مدن جنوب إفريقيا، يتطلع شعبها إلى الاستقلال، لذلك انبرى فيها حزب 'كيب' إلى المناداة بالانفصال عن دولة جنوب إفريقيا وسط دعم شعبي يتزايد مع الأيام. ويرتكز هذا الحزب على الدستور الجنوب إفريقي لإعلان مطالبه بطرق سلمية، وتحديدا المادة 235، التي تسمح للشعوب المتميزة ثقافيا ولغويا بإنشاء دولة مستقلة، وهو الشيء الذي دفع زعيمه جاك ميلر إلى وصف جنوب إفريقيا بـ'الدولة الاستعمارية'. لذلك يطالب هذا الحزب بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو ما يرفضه الحزب الحاكم في بريتوريا (حزب المؤتمر الوطني الإفريقي)، بل رفض مجرد نقل سلطات معينة إلى حكومة المقاطعة مثل مجالات الشرطة والنقل العام. شعب منطقة كيب الغربية، الغني بموارده، يعاني أزمة اقتصادية واجتماعية مسّت كل جوانب الحياة وشملت جميع القطاعات، رغم القوة الاقتصادية لهذه المحافظة التي لا تتحكم حتى في ضرائبها، مما أدى إلى بلوغ معدل البطالة بها ما يزيد عن 25 بالمائة، وتفشت الجريمة بها بشكل كبير، حيث تسجل أعلى معدل لجرائم القتل في العالم، كما انهارت البنية التحتية والخدماتية، بل وصل الأمر إلى انقطاع التيار الكهربائي يوميا، ما أدى إلى خنق النمو الاقتصادي. ورغم هذه المعاناة يستمر نظام دولة جنوب إفريقيا في فرض الحصار على أحلام هذا الشعب، متحججا بكون دستوره ينص على تقرير المصير في إطار سيادة الدولة! في الوقت الذي يتبجح فيه مسؤولوه بالعديد من العنتريات السياسوية والشعارات البلهاء الفارغة، وينصبون أنفسهم حماة للعديد من الأوهام التي تجعلهم يتدخلون في سيادة الدول. ولكي لا نحرم أنفسنا من تتبع بعض اللحظات التراجيدية في مسرح التاريخ، أعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة في جنوب إفريقيا، فينيست ماغوينيا، أن للرئيس سيريل رامافوزا 'نظرة متشائمة للغاية' تجاه الزيارة التي تعتزم 'مجموعة الدفاع عن استقلال كيب' القيام بها شهر أبريل المقبل للولايات المتحدة لطلب انفصال كيب الغربية عن جنوب إفريقيا، منهيا حديثه بالقول: 'نحن نشكل مجتمعا ديمقراطيا ينبغي ألا يزج به في دوامة الانقسامات العرقية'. وأضاف 'لا يمكن السماح لأي جزء من البلاد بالانفصال'. في المقابل يقوم شعب ويسترن كيب بترويج حضاري وديمقراطي لحملته التحررية، لاسيما أنه يسعى من خلال ذلك للضغط على حكومة جنوب إفريقيا لاحترام المبادئ الديمقراطية وإجراء استفتاء حول استقلال الإقليم، علما أن توترات شابت مؤخرا العلاقة بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، في أعقاب إصدار الرئيس جنوب الإفريقي قانون مصادرة الأراضي، علاوة على طرد السفير الجنوب إفريقي بالولايات المتحدة، إبراهيم رسول، مؤخرا بحجة أن قانون المصادرة الجنوب إفريقي ينتهك حقوق الإنسان ويصادر الأراضي بشكل تعسفي. حركة 'كيب الغربية'، التي يقودها الأفارقة البيض، تعتزم إجراء زيارة لواشنطن للحصول على دعم دونالد ترامب لهذه المطالب، حسبما أعلنته 'مجموعة الدفاع عن استقلال كيب '(GIAC). إنهم يعتزمون إرسال وفد يمثل شعبهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية للقاء مسؤولين أمريكيين من أجل الدعم الدبلوماسي حتى يمكنهم إجراء استفتاء لاستقلال كيب. الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، الذي يحلو له أن يقدم نفسه بكونه مناصر الشعوب التي تتوق إلى الاستقلال في إفريقيا، أكد أن 'أي جزء من جنوب إفريقيا لن يسمح له بالانفصال'، وهو ما يتناقض مع الحق في تقرير مصير الشعوب، الذي تتبجح به دولة جنوب إفريقيا انطلاقا من 'الالتزام الأخلاقي والقانوني الذي يقع على عاتق بلاده'، كما صرح بذلك مؤخرا دبلوماسي جنوب إفريقي حول الصحراء المغربية. شعب ويسترن كيب (WC) يطمح إلى تأسيس دولة ديمقراطية لأنه من خلال الاقتراع الذي أجرته جهات مستقلة أجمع أغلبية سكان كيب الغربية على دعم الاستفتاء حول مسألة استقلال كيب، وفي حالة الرفض أعلن أنه سيلجأ إلى الأمم المتحدة كما يملي ذلك القانون الدولي. بقي أن أشير إلى أن هذا الشعب المحتل يطالب بمد العون له جراء ما يعانيه من نظام دولة جنوب إفريقيا. المغرب دولة ذات دبلوماسية ثابتة ونهج سياسي واضح يرتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، رغم تعرضه لحملات دعائية معادية من قبل جنوب إفريقيا. بقي أن أشير، أنه في بعض اللحظات التراجيدية في مسرح التاريخ حري بنا التملي في الحكمة التراثية البليغة: 'كما تدين تدان، وبالكأس الذي تسقي به تشرب وزيادة لأن البادي لا بد له من أن يزاد'، وهذا ما يرويه تاريخ الشعوب.


أخبارنا
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
حل حزب العمال الكردستاني : أي تأثير على مرتزقة البوليزاريو؟
شكل قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه خلال مؤتمره الأخير ووضع سلاحه ووقف العمل المسلح في مواجهة تركيا حدثا مفاجئا وبارزا على الساحة الدولية كما أنه سيعيد توزيع الأدوار على المنطقة الحدودية بين تركيا، سوريا، العراق وإيران على اعتبار علاقة هذا الحزب السياسي- الحركة المسلحة مع مجموعة من الحركات المشابهة رغم تغليفها في طابع سياسي في المنطقة سالفة الذكر. وكان حزب العمال الكردستاني قد تأسس سنة 1978 على يد مجموعة من الطلاب اليساريين الماركسيين في تركيا بطريقة سرية وبدأ في استقطاب الشباب ليبلغ ذروته في تسعينيات القرن الماضي من حيث عدد المنخرطين والقوة التنظيمية والعسكرية كما أنه كان يشكل علامة فارقة في حركات التحرر العالمية حيث كان يدعو لانفصال إقليم كردستان ككل عن كل الدول التي تتشارك في الحدود من خلال اقتطاع جزء جغرافي من العراق وسوريا وتركيا وإيران وتأسيس دولة كردية بحكومة مستقلة ذات سيادة. إلا أن تاريخ الأكراد في مساعيهم للانفصال لم تكن مرتبطة بتأسيس PKK فقط، وإنما هي ضاربة في التاريخ على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى من خلال المفاوضات مع كمال أتاتورك، وما تلاها من تمردات عنيفة، ثم فيما بعد من خلال النزاع المسلح مع العراق خلال ستينيات القرن العشرين، فترت قليلا بعدها المواجهات لتستعر من جديد سنة 1975 بين الطرفين. لينتقل فيما بعد الصراع إلى تركيا سنوات الثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت المواجهات أكثر دموية بسبب تقوية حزب العمال الكردستاني والدعم المالي والعسكري الذي أصبح يتلقاه. وبالغوص في الأسباب الحقيقية وراء اتخاذ الحزب قرار حل نفسه بتوجيه من مؤسسه عبد الله أوجلان وهو وراء القضبان، نجد عدة مسببات أهمها العزلة الجيوسياسية التي أصبح يعاني منها الحزب، بعد تقلص عدد حلفائه بالمنطقة مقارنة مع توسع عدد حلفاء تركيا، خصوصا بعد حملة الحرب على الإرهاب ومواجهة كل الحركات المسلحة. كما أن أربعة عقود من المواجهة المسلحة مع الدولة دون تحقيق حلم تكوين دولة كردية مستقلة تعتبر مدة طويلة تستوجب مراجعة للمنهج المستعمل من طرف الحزب. وكأي تنظيم حي يقوم بتقييم مواقفه ومراجعة أفكاره، فقد قام قياديو الحزب بمراجعة عقيدة الحزب والانتقال من فكرة المواجهة المسلحة إلى الانخراط السياسي لتحقيق الأهداف. دون نسيان تغير البنية المجتمعية للأكراد، الذين أصبحوا يبحثون عن ظروف عيش كريمة ومتطورة بعيدا عن زاوية الهوية المتزمتة، فلا خير لهم في دولة مستقلة قائمة على الهوية الكردية لا تتوفر فيها سبل الرفاهية والعيش الرغيد وتوفر الحقوق السياسية والثقافية والمدنية. بالنظر في تاريخ حركات التحرر التي انتقلت من مواجهة المستعمر إلى الدعوة للانفصال وبلقنة القطع الجغرافية على أساس عرقي أو مذهبي داخل الدولة الواحدة، نجد أن هذا الحركات في طريقها للانقراض، إما عن طريق منحها بعض الحقوق والحرية في التنظيم كما حدث مع كيبيك الكندية وكورسيكا الفرنسية، أو عن طريق الاندثار التام كما وقع مع المنظمة العنيفة إيطا الباسكية في إقليم الباسك الاسباني، ينضاف إليهم اليوم حزب العمال الكردستاني الذي سيؤثر حله على حركات الأكراد في المنطقة ككل وسيدفع بها إلى إيجاد حلول سياسية مع الأنظمة الحاكمة خصوصا في سوريا والعراق. ويبقى أهم تحد أمام السلطات التركية، هو كيفية إدماج هذه الفئة من الشعب في المجتمع ومدى قدرتهم على الانصهار والتماهي مع منظومة تؤمن بالتعدد وتقبل الاختلافات العرقية والمذهبية. لا يمكن إغفال مؤشر مهم هو تضييق الخناق على ما تبقى من حركات المرتزقة الانفصاليين خصوصا جبهة البوليزاريو التي تعد شريكا استراتيجيا للحزب الكردي، وكانت تتلقى منه الدعم المالي والعسكري والتدريبي لعناصرهم. وبحل الحزب تجد الجبهة الانفصالية نفسها معزولة أكثر مما كانت عليه وفي مواجهة مصير محتوم يقضي بزوالها، كيف لا وهي الجبهة القائمة على قضية خاسرة لا شرعية لها. فبعد فقدان المرتزقة لدعم مليشيات حزب الله الشيعي، وانشغال إيران بمشاكلها الإقليمية، وحل الحزب الكردي، وتراجع حركات الانفصال في العالم لصالح موجات الاستقرار ودعم الدول من أجل تثبيت الاستقرار في السياقات الجيوسياسية الإقليمية، فإن مسألة تفكك وزوال جبهة البوليزاريو هي مسألة وقت ليس إلا.