
التصميم التعليمي.. نموذج يجمع بين الإبداع وحل المشكلات
اضافة اعلان
في عالم يتطلب تعليما أكثر تكيفا وابتكارا، يبرز التصميم التعليمي كنموذج تحويلي يجمع بين الإبداع وحل المشكلات في آن واحد، ليعيد تشكيل العملية التعليمية من مجرد تقديم للمحتوى إلى تجربة تعلم متكاملة.وبينما يعتمد هذا النموذج على منهجية هندسية معرفية تراعي احتياجات المتعلم، وتوظف أدوات التفكير التصميمي لتخطيط مكونات التعليم بشكل يثير الفضول ويحفز الانخراط الفعال عبر دمج عناصر التحليل، والتجريب، والتطوير المستمر، أكد خبراء تربويون أن التعليم القائم على التصميم يسهم في تحسين الأداء الأكاديمي، وتعميق الفهم، ورفع مستوى المشاركة الصفية، مما يجعله نموذجًا فعالًا في إعداد خريجين مؤهلين للواقع العملي، وقادرين على التفاعل مع تحديات المجتمع وسوق العمل.وبينوا في أحاديثهم المنفصلة لـ"الغد"، إن التعليم القائم على هذا النهج يوظف التصميم كأداة للتفكير الإبداعي وحل المشكلات، ما يتيح للمعلمين والطلبة العمل معا في بيئة تعلم نشطة ومتكاملة، لافتين إلى أن هذا النوع يحتاج لفرق تربوية وتقنية متخصصة لترجمته وتكون قادرة على ربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي.وفي هذا السياق، قال الخبير التربوي د. محمد أبوغزلة، إن العصر الرقمي أثر على التعليم وأحدث تحولات جوهرية ببنيته النظامية التقليدية وبغاياته وبعناصره كافة وخاصة إستراتيجيات تقديمه حيث لم يعد الاعتماد على طرائق وإستراتيجيات التعليم المباشر لتلبية احتياجات المتعلمين وفق أنماط تعلمهم، بل لم تعد هذه الطرائق من تقديم التعليم تمكنهم من ما يحتاجونه من المهارات والخبرات التعليمية والحياتية التي يحتاجونها.لذا ظهرت، بحسب أبو غزلة توجهات حديثة، تتبنى توظيف نماذج جديدة في التعليم ومنها نموذج التعليم القائم على التصميم التعليمي بهدف تصميم تعليم يرتبط باحتياجات المتعلمين ووفق مبادئ الإبداع، والتفكير النقدي، وحل المشكلات وتقديم هذا التعليم وفق منهجية تعليمية مخططة ومصممة ومرنة تدمج بين ما يتعلمه الطلبة وما يجب أن يطبقونه في تعليمهم أو حياتهم العملية.وأوضح أن هذا النوع من التعليم يضع الطالب بقلب التجربة التعليمية ليسهم بالابتكار والتصميم والتجريب والتحليل، ووضع الحلول لما يواجه هو وزملاؤه من مشاكل تعليمية إضافة إلى أنها تمنحهم الفضاء التعليمي لزيارة معارفهم وخبراتهم التعليمية والحياتية.وبين أن جميع الاتجاهات والمداخل التربوية ومنها التعليم القائم على التصميم التعليمي بين الإبداع وحل المشكلات تعمل على تخطيط وتطوير وتقييم العمليات التعليمية، لتلبية احتياجات المتعلمين وتقديم الموضوعات التعليمية المناسبة لهم وتنفيذها وتقويمها لتجويد أداءاتهم الأكاديمية والشخصية، والاجتماعية والتي ستنعكس على تحسين مخرجات التعلم.ولفت إلى أن هذه المداخل وخاصة التعليم القائم على دمج التصميم التعليمي في التدريس يصبح التعلم فيه أكثر فاعلية كونه يتمحور حول تصميم مواقف تعليمية، يكون المتعلم العنصر الأساس فيها، وبالتالي فإن دافعيته للتعلم تزداد وتصبح مشاركته نشطة تدفعه، للتفكير بشكل منهجي يؤدي لإنتاج حلول إبداعية، لما يتعلمه أو ما يصادفه من مشكلات تعليمية أو حياتية ضمن سياقات تعلم تربط ما يتعلمه بواقعه.واعتبر أنها فرصة للطالب أن يدمج معارفه وتأملاته وخياله فيما يتم تصميمه ليتم تجريبه في تعلمه، ما سيعزز لديه روح الابتكار والقدرة على تحليل التجربة التعليمية التي يمر بها، من زوايا متعددة كما يؤدي لتعزيز التعلم النشط لديه لأنه سيكون محور العملية التعليمية وليس مجرد مستقبل للمعلومة بل هو من يسهم ببنائها، وجعلها فاعلة لإنتاج معارف جديدة، كما ستكون لديه الفرصة لتنمية مهارات التواصل والتعاون، وتنمية وتطوير مهارات التفكير العليا، كالتحليل، والتخطيط، والتقويم، والإبداع لديه.ولضمان نجاح هذا التعليم، بحسب أبو غزلة، فإن على القائمين على العملية التعليمية أن يتوسعوا بتبني هذه المداخل والأشكال التعليمية لتجويد التعليم والتوسع بوضع السياسات التربوية والتعليمية التي تشجع على دمج التصميم التعليمي بمحتوى الأطر العام للمناهج، والكتب المدرسية، وتشكيل الفرق المتخصصة في التصميم التعليمي والتقني والتربوي، والتعاون مع المعنيين بالميدان التربوي لوضعها موضع التنفيذ بالخطط الدراسية، وتوفير بيئات التعلم المرنة والمناسبة لتطبيقه من قبل الطلبة والمعلمين وإعادة جدول الحصص المدرسية وترشيقها.كما يمكن للوزارة، وفق أبوغزلة، التعاون مع الجامعات في كليات التربية لتضمين برامجها وخططها موضوعات التصميم التعليمي، لتدريسها للطلبة الملتحقين ببرامج إعداد المعلمين، والمساهمة بتدريب وتطوير برامج التدريب المهني للمعلمين وتأهيلهم في مجال التصميم التعليمي والأدوار والأنشطة التي يجب أن يتم تصميمها مع الطلبة، وتوفير الموارد والأدوات التكنولوجية والبنية التحتية التي تساعد على تطبيق هذا النوع من التعليم، لافتا إلى أن هذا النوع يحتاج لفرق تربوية وتقنية متخصصة لترجمته وتكون قادرة على ربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي، كما من المهم تطوير أدوات التقويم المناسبة له مثل أدوات التقويم التي تركز على تقييم المشاريع والتفكير التصميمي.بدوره، قال د. في كلية العلوم التربوية في جامعة مؤتة رائد المواجدة، إن التعليم العالمي في العصر الحديث يشهد تحولات جذرية تتجاوز حدود الأساليب التقليدية في التدريس والتعلم، ومن أبرز هذه التحولات ظهور التعليم القائم على التصميم التعليمي (Instructional Design-Based Education)، الذي يجمع بين الابتكار والإبداع من جهة، وحل المشكلات وتحقيق الفعالية التعليمية من جهة أخرى.واضاف، ان هذا النموذج يعتمد على مبادئ علمية مدروسة لتصميم تجارب تعليمية متمركزة حول المتعلم، تأخذ في الحسبان أهداف التعليم، وخصائص المتعلمين، والسياقات الثقافية والتقنية.وأوضح أن التصميم التعليمي هو عملية منهجية لتحديد الاحتياجات التعليمية، وتحليل السياق، وتصميم المحتوى، وتطويره، وتنفيذه، وتقييمه لضمان تحقيق أهداف تعلم محددة"، ولا يقتصر على إنتاج مواد تعليمية، بل يشمل هندسة البيئة التعليمية بكل مكوناتها.وبين أن التعليم القائم على هذا النهج يوظف التصميم كأداة للتفكير الإبداعي وحل المشكلات، ما يتيح للمعلمين والمتعلمين العمل معا ببيئة تعلم نشطة ومتكاملة.ويرتكز التصميم التعليمي على عدد من المبادئ التي تحفز الإبداع، من بينها: تصميم التعلم المتمركز حول المتعلم حيث يتيح للمتعلمين التعبير عن أنفسهم وتوظيف اهتماماتهم الشخصية، والتفكير التصميمي الذي يقوم على فهم عميق للمشكلة، ثم توليد أفكار مبتكرة، وتجريبها وتحسينها الى جانب دمج التكنولوجيا الرقمية مما يفتح آفاقًا واسعة أمام المعلمين لتطوير بيئات تعلم تفاعلية.وأشار إلى أن من السمات المميزة للتعليم القائم على التصميم، التركيز على حل المشكلات الواقعية، مما يعزز مهارات التفكير العليا لدى المتعلمين وفقا لنموذج "ADDIE" (التحليل – التصميم – التطوير – التنفيذ – التقييم)، تصاغ مكونات التجربة التعليمية بطريقة منهجية تساعد في تفكيك المشكلة وتقديم حلول متسلسلة.وأشار إلى أن الأردن بدأ مؤخرا باتخاذ خطوات فاعلة نحو تبني مبادئ التصميم التعليمي ضمن برامج التطوير المهني للمعلمين، بخاصة ضمن برنامج "رخصة المعلم" ومبادرات مثل "إدراك"، وقد ظهرت بعض التطبيقات الميدانية الناجحة، منها: مشروع "منهاجي التفاعلي"، الذي أعاد تصميم وحدات دراسية وفق نماذج تصميم تعليمية رقمية تفاعلية، ومبادرات وزارة التربية والتعليم في تدريب المعلمين على استخدام أدوات رقمية لتصميم وحدات دراسية تحفز مهارات التفكير الناقد.ولفت إلى أن دراسة حديثة في الجامعة الأردنية 2023، أظهرت أن "التدريس باستخدام التصميم التعليمي يزيد من دافعية الطلاب بنسبة 40 %، ويُحسن نتائج التحصيل العلمي في المواد العلمية واللغوية".ومن أبرز التحديات التي تواجه تعميم التعليم القائم على التصميم في الأردن، بحسب المواجدة ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق، وغياب الثقافة التصميمية لدى بعض المعلمين لكن في المقابل، هناك فرص واعدة مثل: دعم صندوق التحول الرقمي في التعليم، وتطور برامج إعداد وتأهيل المعلمين لتشمل وحدات خاصة بالتصميم التعليمي، وتبني الجامعات الأردنية للتعليم المدمج والافتراضي.وأشار إلى أن التعليم القائم على التصميم التعليمي لا يُعد مجرد إطار نظري أو ترف تربوي، بل هو ضرورة لتحديث النظم التعليمية وتمكين الطلبة من التفكير بطرق إبداعية ومنهجية، في عالم سريع التغير، لا بد من اعتماد نماذج تعليمية تجعل من الإبداع وحل المشكلات أساساً للتعلم.من جانبها، قالت الخبيرة التربوية د. حنان العمري انه في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم في مختلف الميادين، وتزايد الحاجة لتعليم يستجيب لتحديات العصر، برزت أهمية تبني نماذج تعليمية حديثة تواكب المتغيرات وتعزز من قدرة الطلبة على الفهم العميق، والإبداع، والتفكير النقدي.واضافت ان التعليم القائم على التصميم بين الإبداع وحل المشكلات يعد أحد أبرز هذه النماذج، إذ يجمع بين التفكير التصميمي والنهج البنائي للتعلم في إطار واقعي وتشاركي.وبينت العمري أن هذا النموذج يعتمد على إشراك الطلبة في تصميم حلول أو منتجات استجابة لمشكلات حقيقية من واقعهم، وذلك من خلال المرور بمراحل تبدأ من التعاطف مع المشكلة وفهم أبعادها، ثم تحديد الحاجة، فابتكار الأفكار، يليها بناء النماذج الأولية، وانتهاء باختبارها وتحسينها، مما يعزز من اندماج الطلبة في العملية التعليمية ويجعلهم شركاء في إنتاج المعرفة لا مجرد متلقين لها. وأشارت العمري إلى إمكانية تطبيق هذا النموذج في مختلف المراحل الدراسية، شريطة تكييفه بحسب الفئة العمرية ومستوى الإدراك المعرفي لدى الطلبة.وأوضحت أن هذا النموذج يتميز بالجمع بين الإبداع والتفكير التحليلي ضمن إطار عملي موجه نحو الإنجاز، فهو يفعل دور الطالب بإنتاج المعرفة، ويعزز التعاون والتواصل، ويوفر فرصا لتوظيف التكنولوجيا بتصميم الحلول، وينمي المهارات الحياتية كالتخطيط والتنظيم واتخاذ القرار وحل المشكلات المعقدة، كما يُكسب التعلم بعدا واقعيا يزيد من دافعية المتعلم ويجعله أكثر وعيا بقيمة ما يتعلمه.ولفت إلى أن أثر هذا النوع من التعليم لا يقتصر على جانب المهارات فقط، بل يمتد ليطور نمط تفكير الطالب عبر تحفيز الإبداع، وتعزيز القدرة على التحليل والنقد، وترسيخ مرونة التفكير، وتحقيق التكامل بين المفاهيم وتطبيقها في مواقف جديدة.أما على مستوى مخرجات التعلم والتعليم، فأوضحت العمري، أن التعليم القائم على التصميم يسهم في تحسين الأداء الأكاديمي، وتعميق الفهم، ورفع مستوى المشاركة الصفية، ويُعد المتعلم ليكون أكثر انفتاحًا ومرونة في مواجهة قضايا الحياة ومشكلاتها، كما يطور مهارات قابلة للتوظيف مثل العمل الجماعي، والقيادة، والبحث، والاكتشاف، مما يجعله نموذجًا فعالًا في إعداد خريجين مؤهلين للواقع العملي، وقادرين على التفاعل مع تحديات المجتمع وسوق العمل.وفي سياق رفع جودة التعليم، فإن هذا النموذج يوفر بيئة تعليمية نشطة ودامجة، تعزز من فعالية التدريس وتكامل المواد، وتدعم دور المعلم كموجه ومحفز، وتسهم في إحداث تعلم أعمق، أكثر ارتباطا بالسياق وأطول أثرا في الذاكرة، كما أنه يوسع من آفاق التعلم عبر تقدير الفروق الفردية وتعدد أنماط التعلم المناسبة للطلبة، ما ينعكس إيجابا على التحصيل الأكاديمي والشعور بالانتماء والتفاعل مع العملية التعليمية، بحسب العمري.وبينت أن هذا النوع من التعليم يُعد أداة فاعلة بإعداد الطلبة لسوق العمل، حيث لا يكتفي بتزويدهم بالمعارف، بل يدربهم على استخدام هذه المعارف في سياقات حقيقية، ويكسبهم مهارات القرن الواحد والعشرين التي تتضمن التفكير النقدي، والإبداع، والتواصل، والتعاون، والمرونة، والتعلم مدى الحياة وعبر تكليف الطلبة بمهام تصميمية تحاكي مشكلات الواقع، يُتاح لهم فرصة التمرن على إدارة المشاريع، والعمل ضمن فرق متعددة التخصصات، واستخدام أدوات رقمية وتقنية متقدمة، ما يسهم بتضييق الفجوة بين مخرجات التعليم النظري ومتطلبات الوظائف الحديثة، ويعزز من جاهزيتهم المهنية ونجاحهم في المستقبل.وتابعت العمري إن التعليم القائم على التصميم بين الإبداع وحل المشكلات يُعد من أبرز الاتجاهات التربوية الحديثة وأكثرها تكاملًا، لأنه يجمع بين متطلبات الإصلاح التربوي، وأهداف التنمية المستدامة، واحتياجات الاقتصاد المعرفي، وخصائص المتعلم العصري ولذا فإن دمجه في النظم التعليمية لا يمثل مجرد خيار تربوي، بل ضرورة لبناء جيل يملك الأدوات اللازمة لصناعة المستقبل، وقادر على التعامل مع عالم معقد ومتسارع، بفكر مبدع، ومهارات متقدمة، ورؤية مسؤولة ومرنة نحو الحياة والعمل والمجتمع.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 2 ساعات
- الرأي
منح لصغار المزارعين للتكيف مع التغير المناخي
وقعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبالتعاون مع مديرية زراعة الكرك، اتفاقيات منح مع مجموعة من المزارعين ممن انطبقت عليهم شروط المنحه، وذلك ضمن مشروع تعزيز الأمن الغذائي من خلال التكيف مع التغير المناخي وندرة المياه في محافظتي الكرك ومعان، والممول من الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي. وتهدف هذه الاتفاقيات بحسب مدير الزراعة المهندس مامون العضايله إلى دعم أنظمة تجميع مياه الأمطار وتطوير الزراعات المائية (الزراعة بدون تربة)، بما يسهم في تعزيز صمود المزارعين وتطوير أساليب الزراعة المستدامة في المناطق المتأثرة بندرة المياه وتغير المناخ. وأكد ممثل الفاو المهندس طلال الفايز أن هذه الخطوة تأتي في إطار جهودهم المستمرة لدعم المجتمعات المحلية وتمكين صغار المزارعين من اعتماد تقنيات حديثة تعزز الإنتاج الزراعي وتوفر مصادر مياه بديلة ومستدامة، مشيرة إلى أهمية التعاون مع وزارة الزراعة في تنفيذ هذا المشروع الحيوي. و أعرب المزارعون المستفيدون عن تقديرهم للدعم المقدم من المنظمة ولجهود مديرية زراعة الكرك والذي من شأنه تحسين إنتاجهم الزراعي ومساعدتهم في مواجهة التحديات المناخية والمائية التي تعاني منها المنطقة.


الرأي
منذ 9 ساعات
- الرأي
تربويون في إربد: برنامج "بصمة" بيئة تفاعلية يعزز المهارات والقيم الوطنية
وتوعويا بارزا في أوساط طلبة الصف التاسع والعاشر في محافظة إربد من خلال بيئة تفاعلية تعزز القيم الوطنية وتساهم في تطوير المهارات الحياتية وتُشجع على المبادرة والمشاركة المجتمعية الفاعلة. البرنامج الذي يستهدف طلبة الصف التاسع والعاشر الأساسي يعتبر مبادرة مهمة وفق ما أكده تربويون في إربد وينفذ في عدد من مراكز المدارس في المحافظة، بمشاركة واسعة من الطلبة الذين وجدوا في "بصمة" منصة تثقيفية وتعليمية غير تقليدية تُنمي لديهم روح العمل الجماعي وترسخ مفاهيم المواطنة والقيادة والانتماء للوطن ضمن أنشطة فنية ورياضية وتحديات لتعزيز وقياس القدرات الفردية والجماعية والكشافة ومحاضرات توعوية دينية وحول آفة المخدرات والانتخابات والمواطنة الصالحة. وأكد مدير تربية لواء بني كنانة الدكتور زياد الجراح لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) اليوم الثلاثاء أن البرنامج يعد من المبادرات الريادية التي تسهم في بناء شخصية الطالب الأردني فكريا وسلوكيا، عبر أنشطة تربوية متنوعة تمزج بين التوعية والمهارات والعمل التطوعي، مشيرا إلى أن المديرية حرصت على توفير الكوادر المؤهلة والبيئة الداعمة لإنجاح البرنامج. وأشار إلى أن أنشطة "بصمة" لا تقتصر على الجوانب الترفيهية بل تتضمن محاور هادفة أبرزها تنمية المهارات القيادية وتعزيز الحوار والاتصال الفعال والتدريبات الكشفية إضافة إلى الأنشطة البيئية والمسابقات الثقافية والمسرح التفاعلي، مبينا ان المشاركين يظهرون بلباس موحد يحمل شعار البرنامج وجملة ما البصمة التي ستقدمها لوطنك. بدوره، قال المدير المالي والإداري في تربية لواءي الطيبة والوسطية الدكتور خالد سلامة بني عامر أن برنامج "بصمة" يمثل خطوة استراتيجية مهمة نحو تمكين الطلبة وتوجيه طاقاتهم بشكل إيجابي خلال العطلة الصيفية، مبينا أن الأنشطة الموجهة التي يتضمنها البرنامج تسهم في ترسيخ مبادئ الانتماء الوطني وتعزيز الهوية الوطنية الأردنية الجامعة وبناء اتجاهات سليمة نحو العمل الجماعي والتطوعي. وأضاف ان البرنامج أتاح للمشاركين فرصة التفاعل مع محيطهم ومجتمعهم المحلي من خلال مبادرات ومشاريع صغيرة زرعت فيهم الإحساس بالمسؤولية والاعتزاز بالذات، مشيرا إلى أن المحافظة شهدت نماذج مشرقة من الطلبة الذين أظهروا قدرات ومهارات قيادية لافتة خلال تنفيذ الأنشطة وساهم في اكتشاف قدراتهم وأمكاناتهم التي خرجت من الإطار المدرسي الى المجتمعي والتطوعي. وفي مركز مدرسة كفر عان الثانوية للبنين في لواءي الطيبة والوسطية أبدى الطلبة تفاعلا كبيرا مع الورش التوعوية والتدريبات العملية حيث اعتبر الطلبة أن البرنامج مثل نقطة تحول في فهمهم لمعنى العمل الجماعي والانتماء للمجتمع واهمية الأنشطة في تعزيز ثقة الطلبة بانفسهم وتطوير مهاراتهم في التواصل. من جهتها، قالت الطالبة بيلسان عبادة من مركز مدرسة المزار الأساسية المختلطة ان البرنامج عرفها على مفاهيم جديدة تتعلق بالديمقراطية والمسؤولية وساهم في توسيع مداركها حول أهمية المشاركة المجتمعية، والعمل بروح الفريق موضحة أن الورش التطبيقية ساعدتها على اكتساب مهارات لم تدرس في المناهج الصفية. كما أشادت بالوعي المتزايد لدى الطلبة المشاركين، مؤكدة أن البرنامج أظهر مواهب وقدرات مميزة لدى الطلبة أبرزها البرامج الكشفية وتحية العلم والرياضية مثل كرة الطائرة والمحاضرات التوعوية حول الديمقراطية والمشاركة في الانتخابات ومحاضرات دينية في المجالات الحياتية وتوعوية ورسم اللوحات الجدارية والمبادرة في طرح أفكار لحملات تطوعية داخل المجتمع المحلي. وأضافت أن الطلبة أظهروا حماسا لافتا للمشاركة في النقاشات التي تناولت مفاهيم المواطنة والانتماء والهوية الوطنية مما يدل على أثر البرنامج في ترسيخ تلك المفاهيم ضمن بيئة حوارية تفاعلية. ويُعد "بصمة" من المبادرات السنوية التي تنفذها وزارة التربية والتعليم بالشراكة مع وزارة الشباب، ضمن خطة وطنية تهدف إلى الاستثمار في طاقات الشباب واليافعين، وتهيئتهم لمراحل متقدمة من المشاركة الفاعلة، سلوكًا وثقافةً وممارسة.


الرأي
منذ 9 ساعات
- الرأي
أم الرصاص.. حين تهمس الصحراء بتاريخها
في تلك البقعة الصامتة جنوب شرق عمّان، تمتد الأرض على اتساع النظر، بلا ضجيج، بلا زحام. الرمال هناك ليست كغيرها، وكأنها تحفظ الأسرار بهدوء الصحارى، وتُبقي في عمقها أنفاس حضارات مضت. هنا، في أم الرصاص، لا تحتاج إلى خيال واسع كي ترى ملامح الزمن، فكل حجر، وكل بقايا جدار، وكل فسيفساء ملوّنة، تروي فصلاً من تاريخ لا يزال نابضًا في وجدان المكان. حين تسير على أطراف الزمن يستقبلك الموقع بعزلة مهيبة، لا شيء يعلو فوق صوت الريح، وهي تمرّ بين الأعمدة المتساقطة، وكأنها تُنصت لـ"وشوشات" الزمن القديم. تتناثر بقايا الأبنية على الأرض، وكل منها يشير إلى مرحلة من مراحل صعود مدينة بدأت كمعسكر روماني، وازدهرت حتى غدت مركزًا دينيًا وثقافيًا في العصور البيزنطية، ثم الإسلامية المبكرة. وفي لحظة سكون، تحت سماء مفتوحة لا تحجبها أبنية حديثة، تشعر أن الأرض هنا تتحدث. خطواتك تُوقظ تاريخًا لم يُروَ بعد، وأنت تمشي فوق آثارٍ حملت على أكتافها أجيالاً، صلّت، وحرثت، وبَنَت، ثم اختفت، تاركة وراءها هذا الصمت العميق. فسيفساء تشبه القصائد في قلب الموقع، تظهر كنيسة القديس أسطفان، وقد خبّأت في أرضها واحدة من أروع الفسيفساء التي عرفها الأردن. عند رؤيتها، يصعب التصديق أن هذه الألوان والرسوم ما زالت صامدة منذ عام 785 ميلادي. المدن المرسومة، البيوت، الأنهار، أسماء الأماكن التي تزين الأرضية وكأنها خريطة من العصر القديم، ليست مجرّد زخرفة، بل رسائل بصرية من عالم اختفى. كل حجر ملون هناك، هو بمثابة كلمة من قصيدة طويلة كُتبت بلا حروف، تفهمها العيون قبل العقول، وتحرك فيك شعورًا عميقًا بالدهشة والاحترام. الطبيعة كأنها تحرس التاريخ ما حول الموقع ليس مجرد صحراء قاحلة، بل طبيعة تتداخل بلطف مع بقايا الحضارة. تحيط به آثار الحقول القديمة، وشبكات ريّ معقّدة من قنوات وآبار، شاهدة على محاولات الإنسان للتكيّف والبقاء. في الربيع، تزهر الأرض بشيء من الحياة، فتتناثر الأعشاب البرية بين الحجارة، وكأنها تواسي ما تبقى من الأطلال. تجلس هناك، ربما على أحد جدران الكنائس المنهارة، وتحدّق في الأفق، فتشعر أنك في مكان لا يعرف الزمن. هنا، لا توجد واجهات إسمنتية، ولا لوحات إعلانية، فقط أنت، والطبيعة، وآثار منسوجة بدقة، تنتظر من يفهمها. مكان لم يكشف كل أسراره بعد رغم مرور قرون، ما زال كثير من أم الرصاص مدفونًا تحت الأرض. حفريات محدودة هي التي أظهرت الكنائس والمنشآت وبعض المنازل. ومع ذلك، فإن كل ما كُشف، يُشير إلى مدينة كاملة كانت تضجّ بالحياة، بالتجارة، بالإيمان، وبالعمران. في زواياها المجهولة، ربما تنتظر كنوز جديدة أن ترى النور، وربما يحمل المستقبل اكتشافات تفتح أبوابًا لفهم أعمق لماضي المنطقة بأكملها. أكثر من أثر.. تجربة روحية أم الرصاص ليست فقط موقعًا أثريًا، بل تجربة شعورية وروحية. لا يذهب الناس إليها من أجل الصور فقط، بل من أجل أن يعيشوا لحظة اندماج نادرة بين الإنسان والأرض، بين الأطلال والسماء، بين التاريخ والحاضر. ولهذا، يجذب المكان الحجاج المسيحيين من مختلف بقاع العالم، كما يستقطب عشّاق الآثار والتاريخ من كل الجنسيات. في أم الرصاص، تتوقف عقارب الزمن، وتبدأ أنت بالسير داخله. كل ما حولك يدعوك للتأمل، ولإعادة النظر في معنى الاستمرارية والزوال. بين بقايا الكنائس، ورسوم الفسيفساء، وصمت الطبيعة، تفهم أن الحضارات لا تموت، بل تختبئ حين لا يجدها من يفهم لغتها.