logo
رمضان في القدس شهر تزدان قداسته بالصمود والرباط

رمضان في القدس شهر تزدان قداسته بالصمود والرباط

معا الاخبارية٠٢-٠٣-٢٠٢٥

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
تستقبل الأمة الاسلامية في كل انحاء العالم شهر رمضان المبارك فرِحة بقدوم شهر الطاعات والعبادة ، ولكن الامر في فلسطين المحتلة خاصة مدينة القدس ينغصه الاحتلال الاسرائيلي، فنظراً لقداسة ورمزية هذه المدينة في الوجدان الفلسطيني والعربي والاسلامي، يكثف الاحتلال الاسرائيلي تضييقه عليها، ساعياً لتهويدها واسرلتها وعبرنتها، وفرض هوية صهيونية مزيفة عليها، لذا يركز حملته الشرسة في شهر رمضان المبارك بما تتضمنه من سياسة الاقتحامات والقتل والاسر والمصادرة والاغلاق والابعاد، لطمس الهوية العربية الفلسطينية للمدينة والمظاهر الدينية الاسلامية فيها خلال هذا الشهر، فيغيب عن المدينة المقدسة مناخ السلام وحرية العبادة وتسود سياسة الكراهية والشر التي يتمسك بها الاحتلال.
لقد شهدت مدينة القدس على مدار عقود الاحتلال الظالم وقائع وأحداث قاسية في شهر رمضان المبارك، شملت التضييق على المصلين بمنع وصولهم الى المسجد الاقصى المبارك، عن طريق تحديد اعمار المسموح لهم بالصلاة وغالباً فوق 40 عاماً، فيما يحتاج من هم دون ذلك الى تصاريح تحتاج لاجراءات معقدة، وفي الوقت نفسه منع اهالي قطاع غزة من قبل الاحتلال وعلى مدار عدة اعوام من دخول مدينة القدس، وتتزايد الانتهاكات الاسرائيلية في شهر رمضان الفضيل في أوقات تتزامن فيها الاعياد الدينية اليهودية مع هذا الشهر، ففي رمضان الفائت من عام 2024م كانت الطقوس المزعومة لما يسمى عيد المساخر العبري، الأمر الذي انعكس بالاغلاقات والحواجز والمسيرات الاستفزازية .
ومن جهة أخرى وفي سياق مناخ التضييق والأسرلة الممنهج الذي تتبعه اسرائيل في القدس وكل فلسطين، فإنه لا شك متصل بشرعية الاحتلال الزائفة بمظلة القوانين العنصرية الاسرائيلية، والتي سيكون لها تأثيرها على مدينة القدس، ومنها مؤخراً مشروع قانون يفرض على كافة القوانين تسمية "يهودا والسامرة" بدل التسميات الأخرى للضفة الغربية والذي أقر بالقراءة التمهيدية بتاريخ 12 شباط 2025م، وهو قانون يلزم أيضاً جميع مؤسسات الاحتلال اعتماد هذا المصطلح المزعوم بديلاً عن عبارة ( الضفة الغربية) والتي كانت تصفها اسرائيل قبل تشريع القانون بمسميات أخرى منها ( منطقة أو المنطقة المدارة)، ومشروع قانون آخر يجيز للحكومة الإسرائيلية بيع أراض في الضفة للمستوطنين، وقد اقره الكنيست بتاريخ 29 كانون الثاني عام 2025م، ولمنع توجيه اي تهمة للاحتلال ومؤسساته وامعاناً في الاستمرار في سياسة ونهج الاحتلال طُرح بتاريخ 13 كانون الثاني 2025م مشروع قانون يفرض غرامة مالية باهظة على من ينعت شخصًا إسرائيليًا أو جهة إسرائيلية بـ مجرم/ مجرمة حرب، اضافة بالطبع الى قوانين تمنع عمل وكالة الاونروا في القدس ومصادرة المباني بما في ذلك المدارس التابعة لها ، وقوانين تمنع دخول من وجهت له تهمة مقاومة الاحتلال، بالدخول الى الضفة الغربية وكل فلسطين المحتلة، وهناك سياسة الابعاد والترحيل الخطيرة، بما في ذلك ابعاد الاسرى ونفيهم بمن فيهم مقدسيين خارج فلسطين المحتلة في اطار اتفاق انهاء الحرب في غزة ، وما يتصل به من شروط اطلاق سراح الاسرى.
ومع كل هذا المناخ العدواني الاسرائيلي المفروض على القدس، الا أن لشهر رمضان المبارك علاقة تاريخية مع مدينة القدس ثرية بالاحداث والوقائع، تجعله عنوان كبير للأمل والصمود والبطولة، ففي 13 رمضان سنة 15 هجري/638م كان فتح مدينة القدس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأعطاء (العهدة العمرية)، وفي رمضان أيضاً بتاريخ 26 رمضان سنة 583هجري/1187م، كانت معركة حطين التاريخية التي مهدت لتحرير القدس على يد صلاح الدين الايوبي، ولأن شهر رمضان أيضاً هو شهر الطاعات والرحمة فقد جسد فيه اهلنا في فلسطين والقدس وغزة، نموذجاً معاصراً للنضال والارادة في الدفاع عن النفس والأرض والمقدسات ، ومن هنا كانت هبة القدس أو معركة سيف القدس في رمضان عام 2021م.
إن اللجنة الملكية لشؤون القدس تُبين للرأي العام أن الشهر الفضيل اليوم يأتي بعد عامين من العدوان الاسرائيلي على غزة ومدن الضفة الغربية، فعلى الرغم من توقف مؤقت لوحشية القتل والتدمير المباشر في غزة بالقصف الشامل، الا أن الحصار ومنع وصول المساعدات الاغاثية والصحية، والمشاهد المروعة لصور انتشال جثث الشهداء ومعاناة الاسرى المعذبين في سجون الاحتلال، اضافة لما يُمارس في مدن الضفة الغربية ومخيماتها من عدوان مستمر، جميعها ظروف واوضاع تجعل من رمضان هذا العام ثقيلاً على المقدسيين والأقصى، فالجوع والابادة والتضييق والاقتحامات تجعل من صيام أهلنا لرمضان هذا العام نموذجاً للصمود والرباط.
وتؤكد اللجنة أن وحدة الصف الفلسطيني والعربي والاسلامي أمر في غاية الضرورة، وتدعو العالم لهبة انسانية عاجلة من أصحاب الضمائر الحية، بما في ذلك دول العالم التي أعلنت ادانتها لجرائم الاحتلال ويسعى بعضها لتجريمه في المحاكم الدولية من اجل نصرة الشعب الفلسطيني، فالجميع عليه واجب اخلاقي وقانوني مدعوم بالشرعية الدولية تجاه ضرورة الزام اسرائيل بإنهاء الاحتلال والتقيد بقرارات الشرعية الدولية، ولا ننسى أن نذكر الدول التي تدعي الديمقراطية والمنحازة للاسف لاسرائيل وانتهاكاتها، بأنها دول مطالبة من الانسانية كلها أن تحترم الارادة الدولية وان لا تنساق خلف شريعة الغاب الاسرائيلية.
وتوضح اللجنة للمجتمع الدولي بأن الاردن شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس تتمسك بالثوابت الوطنية والقومية الاردنية، والمتمثلة بما قاله جلالة الملك عبد الله الثاني في اكثر من مناسبة بما في ذلك لقاء جلالته مع الرئيس الامريكي ترامب قبل أيام في واشنطن " كلا للتهجير، كلا للتوطين، كلا للوطن البديل"، وتنبه اللجنة الراي العام والمنظمات الدولية ودعاة السلام من خطورة مخططات وتحضيرات منظمات الهيكل المزعوم وطلبة المدارس التلمودية والمستوطنين والمدعومة بحماية جيش الاحتلال من تكثيف اقتحاماتها للمسجد الاقصى المبارك في شهر رمضان المبارك بزعم اقامة طقوس توراتية واعياد دينية مزعومة، وسيبقى الاردن على عهده ونهجه الداعم لاهلنا في فلسطين والقدس مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مركز الاتصال الحكومي يصدر تقريرا يوثق إنجازات وزارة الأشغال العامة والإسكان خلال عام من تولي الحكومة
مركز الاتصال الحكومي يصدر تقريرا يوثق إنجازات وزارة الأشغال العامة والإسكان خلال عام من تولي الحكومة

قدس نت

timeمنذ ساعة واحدة

  • قدس نت

مركز الاتصال الحكومي يصدر تقريرا يوثق إنجازات وزارة الأشغال العامة والإسكان خلال عام من تولي الحكومة

أصدر مركز الاتصال الحكومي تقريرا يوثق أبرز إنجازات وزارة الأشغال العامة والإسكان خلال عام من تولي حكومة محمد مصطفى (نيسان 2024 – نيسان 2025). وأشار مركز الاتصال الحكومي في بيان صادر عنه، اليوم الثلاثاء، إلى وجود تقدم ملموس في مشاريع البنية التحتية، والمباني العامة، والتدخلات الطارئة، إلى جانب إطلاق مشاريع استراتيجية وتنظيمية تمسّ حياة المواطنين بشكل مباشر، رغم التحديات الميدانية التي يفرضها عدوان الاحتلال وخاصة في قطاع غزة ومحافظات شمالي الضفة الغربية. إعادة إنشاء وتأهيل الطرق وفي إطار خطتها الشاملة لتحديث شبكة الطرق، تواصل الوزارة العمل على 9 مشاريع جديدة بطول 35 كم، يجري تنفيذها حالياً بتمويل قدره 66.3 مليون شيقل، كما شهد العام تنفيذ 9 مشاريع طرق رئيسية بطول إجمالي بلغ 34.9 كم، وبتكلفة وصلت إلى 16.65 مليون شيقل. شملت هذه المشاريع تأهيل طرق حيوية في مختلف المحافظات، وهي: • تأهيل طريق بيتونيا – عين قينيا • إعادة تأهيل مدخل طولكرم الجنوبي • تأهيل طريق العيزرية – جبل البابا • تأهيل طريق جبع – صانور • تأهيل طريق إذنا – دير سامت • تأهيل طريق واد سعير – الخليل • تأهيل طريق زيتا – علار • تأهيل طريق بديا – سنيريا • تأهيل شارع جفنا – بيرزيت المباني العامة: تطوير المرافق وتعزيز البنية المؤسسية في سياق تحسين البنية التحتية للمؤسسات، نفذت الوزارة 12 مشروعًا في مجال المباني العامة، بقيمة بلغت 51.57 مليون شيقل. وهذه المباني هي: •إنشاء مبنى أكاديمية الضباط - أريحا •تأهيل محكمة بداية صلح أريحا •إنشاء مركز "تراثي" للمنتجات التراثية - رام الله •مبنى هيئة سوق رأس المال الفلسطينية - رام الله •إنشاء مسرح تصوير خارجي للمدرسة الوطنية-رام الله •صيانة مبنى وزارة الخارجية - رام الله •ترميم مدخل مبنى الصحيفة - رام الله •ترميم منازل (المرحلة 3) - مسافر يطا •تأهيل مقر الهيئة العامة للشؤون المدنية - الخليل •صيانة مركز تدريب مهني - الخليل •إنشاء الوسائل التكميلية والعوائق التدريبية - أريحا •صيانة وحدات استحمام الشرطة الخاصة - الخليل فيما يجري حالياً استكمال تنفيذ 10 مشاريع إضافية بقيمة 36 مليون شيقل، تتوزع على عدة محافظات. تدخلات طارئة وتعاملت الوزارة مع آثار المنخفضات الجوية وآثار العدوان الإسرائيلي في محافظات شمالي الضفة، وشق طرق زراعية، من خلال تدخلات طارئة شملت: • معالجة أضرار الشتاء عبر تنفيذ 40 مشروعاً على شبكات الطرق، بكلفة 10 مليون شيقل. • إصلاحات عاجلة في الطرق العامة بطول 2.2 كم وبتكلفة 4.8 مليون شيقل. • شق طرق جديدة بطول 18 كم لتسهيل الوصول إلى المناطق الزراعية والنائية. مشاريع استراتيجية: رؤى متقدمة للتخطيط وتوفير الموارد كما أطلقت الوزارة عدداً من المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى تحسين جودة التخطيط وخفض التكاليف، منها: • إعادة تصميم مشروع طريق وادي النار لتقليل التكلفة بنسبة 30%. • منصة رقمية لحصر أضرار العدوان، مكّنت من تعبئة 250 ألف استمارة إلكترونية لتوثيق الأضرار في الوحدات السكنية. شمالي الضفة: استجابات فورية في وجه العدوان في ظل التصعيد الإسرائيلي شمال الضفة، نفذت الوزارة تدخلات ميدانية فورية شملت: • فتح الطرق وإزالة الردم عشرات المرات، مع فرد طبقات مؤقتة لتأمين حركة المواطنين والمركبات. • حصر الأضرار في 7,640 منزلاً ومبنى، وضرر في أكثر من 71 كم من شبكة الطرق حتى نهاية عام 2024. •إعادة تأهيل البنية التحتية عشرات المرات بعد أكثر من 50 اجتياحًا لشمال الضفة. عطاءات مركزية: دعم للمؤسسات وتطوير للقدرات تم إحالة 13 عطاء مركزيًا لصالح 6 مؤسسات حكومية، بقيمة إجمالية بلغت 41 مليون شيقل، في إطار تعزيز التكامل بين الوزارات والجهات الرسمية. إنجاز تشريعات كما أنجزت وزارة الأشغال العامة والإسكان كودات وطنية حديثة: •كود الأحمال والقوى الفلسطيني. •كود الطرق. المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله

الغزيون بين الحاجة والكرامة.. المساعدات الإنسانية حق لا يُبتز
الغزيون بين الحاجة والكرامة.. المساعدات الإنسانية حق لا يُبتز

فلسطين أون لاين

timeمنذ 6 ساعات

  • فلسطين أون لاين

الغزيون بين الحاجة والكرامة.. المساعدات الإنسانية حق لا يُبتز

غزة/ عبد الرحمن يونس في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعيشها قطاع غزة المحاصر، تتجسد معاناة الفلسطينيين في صراع يومي بين البقاء والحفاظ على الكرامة. ففي زمن تسييس المساعدات وابتزاز الحقوق، يؤكد سكان القطاع أن المساعدات ليست منةً بل هي حقٌ قانوني وأخلاقي لا تجوز المساومة عليه. نعيم عوض، نازح من شمال غزة، يروي بحسرة من مركز إيواء مكتظ كيف تحوّلت حاجاتهم الأساسية إلى معركة صعبة: "نحن بحاجة إلى طعام ودواء وماء لنعيش، لكن كرامتنا تبقى صامدة رغم كل القصف والحصار. نرفض أن تكون مساعداتنا ثمنًا للصمت أو الخضوع." في حين يصف حسام كلوب، المعيل الوحيد لعائلته في منطقة الشاطئ الشمالي، واقع الحصار بقوله: "الاحتلال يحاصرنا ويمنع وصول الغذاء، لكنه ملزم قانونيًا بإدخال المساعدات. نحن نصبر ونثق بأن الفرج قادم من الله، لا نطلب الشفقة، بل الالتزام بحقوق الإنسان." أما الحاج أبو ياسر شقورة (65 عامًا)، فيؤكد: "سنصبر ونبقى صامدين، لأن إدخال المساعدات ليس منّة بل واجب قانوني، والاحتلال مضطر لإدخالها تحت ضغوط دولية." هذه الشهادات البشرية، وسط تقارير المنظمات الدولية والأمم المتحدة، تلخص مأساة غزة بلغة الكرامة والرفض لأي شكل من أشكال الابتزاز أو التسييس. الفلسطينيون يطالبون بأن تكون المساعدات أداة إنقاذ، لا وسيلة لإذلالهم أو فرض الشروط. في مواجهة هذه الأزمة، حذر مجلس تنسيق مؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني من تجاوز المؤسسات الوطنية في آلية إدخال وتوزيع المساعدات، مؤكدًا أن ذلك يشكل انتهاكًا للسيادة الوطنية ويخدم الاحتلال الإسرائيلي. وأكد المجلس في بيان صحفي، على ضرورة إشراف الجهات الرسمية الفلسطينية بالتنسيق مع المؤسسات الأممية لضمان توزيع عادل يحترم الخصوصية الوطنية. بدورها، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ضرورة إيصال المساعدات دون تسييس، مشددة على التزام (إسرائيل) كقوة احتلال بضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين. وأوضحت أن الأوضاع الإنسانية تتطلب تسريع دخول الإغاثة وتأمين بيئة آمنة لتوزيعها. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الوضع في غزة كارثي، حيث يواجه أكثر من 2.4 مليون فلسطيني خطر المجاعة، ويعاني أكثر من 92% من الأطفال دون سنتين من نقص حاد في التغذية، إضافة إلى حاجة ماسة لمئات الآلاف من النساء الحوامل والمرضعات والمسنين إلى مكملات غذائية. وسط هذه المعاناة الشاملة، يظل الغزيون متمسكين بحقهم في حياة كريمة، مؤمنين بأن المساعدات الإنسانية ليست هبة بل حق يجب أن يصل إليهم بلا شروط أو ابتزاز، في ظل معركة صعبة بين الحصار والكرامة. المصدر / فلسطين أون لاين

فلسطين ... وسرديات مختلفة...!
فلسطين ... وسرديات مختلفة...!

قدس نت

timeمنذ 17 ساعات

  • قدس نت

فلسطين ... وسرديات مختلفة...!

بقلم: أكرم عطا الله بقلم أكرم عطالله : النقاش السياسي في لحظة أخلاقية فادحة يصبح غير أخلاقي بالنسبة لمن يدفعون الثمن بلا مقابل وطني أو في لحظات النزيف الدامي، هكذا بدا الأمر في هذه الإبادة التي تعرضت لها غزة التي تموت بأنين خافت أمام وجهات نظر فلسطينية خارجها غارقة في ترف النظريات التاريخية ومقارناتها، دون حساب لعواطف البشر ودموعهم وأرواح كانت لها أحلام وأرواح ومستقبل وذاكرة وعائلات تمزقت بالنزوح حيناً وبالموت أحياناً، أما الجوع الذي لا يتوقف عن أكل البشر فهو خارج الحسابات. هكذا بدت الأمور في هذه الحرب التي كشفت حجم تباين الفلسطينيين حيث لكل مكان سرديته الخاصة التي تزداد تباعداً، ولم يعد الفلسطيني موحداً حول ذاكرة واحدة كما العقود الأخيرة ولن يكون بعد هذه الحرب وبسبب نتائجها، صحيح أنه كانت هناك مؤشرات ووقائع لهذا التشتّت لكن الحرب على غزة كشفت أصعب مما كان متوقعاً، فقد أصبحت لغزة سرديتها الخاصة منذ عام ونصف العام، سردية الضحية التي ما كان يجب أن تندفع بهذا الجنون، هكذا يقيّم الغزيون فعل السابع من أكتوبر بعد أن فقدوا مدنهم وبيوتهم وذكرياتهم وتركوا خلفهم أبناءهم تحت الأنقاض، وتعرضوا لمجاعة شديدة الصعوبة ولخذلان أشد وطأة من كل شيء من الأخ والصديق والرفيق ليجدوا أنفسهم عرايا وحدهم تحت سماء التاريخ. في الداخل الفلسطيني، ظهرت سردية وسطية تقترب إلى حد ما من سردية غزة، فهي تدرك حجم الوحشية الإسرائيلية وتدرك أكثر أصول اللعبة وطبيعة المعادلة لمعرفتها بالعقل الإسرائيلي بحكم التعايش اليومي، وتدرك أن التعبير عن رأيها للحدث سيدفعها لواحدة من أكبر الخسارات وهي تقف في وضع استثنائي إذ تنتمي لشعب وتعيش في ظل سلطة تحتل هذا الشعب لتفضل الصمت حتى لا تستفز وحش القوانين ضدها وتجد نفسها خارج المكان، كما استفزت غزة وحش السلاح لتجد نفسها ومجتمعها على حافة المكان. وقد وجدت الضفة الغربية سرديتها المشتقة من واقع رفضها للاحتلال وتسعى للانتقام منه بأي شكل لتجد في السابع من أكتوبر ما يدغدغ لحظة عاطفية تجسدها عربدة المستوطنين وحواجز الجيش وحرق الزيتون وعنصرية الطرق وتمدد المستوطنة، دون أن تدقق كثيراً بمأساة غزة التي ستمتد لعقود أو تغرق في تفاصيل عاطفية يومية بل كان حكماً سياسياً لم ينتبه لأزمته الأخلاقية حين لا يتحمل وطأة الحدث. أما الخارج الأكثر بعداً عن الحدث والمتحرر من ضغط الاحتلال يرى فيه بطولة تجسدت في لحظة ما، ما يكفي أو يستحق سحق مدينة بمواطنيها وتاريخها مستدعياً من تجارب التاريخ والتضحيات البعيدة ما يسند سرديته بالشعار الكبير والتساؤلات على نمط: كل الشعوب دفعت أثمان التحرير أو هل تتوقعون حرية بلا ثمن؟ وغيرها من التساؤلات التي لا تستوي مع الانفصال عن المكان وشراكة الثمن، بل ترى أن الثمن الذي تدفعه غزة هو ثمن طبيعي لا يتعلق الأمر هنا بقراءة التاريخ بقدر ما يتعلق بتوزع الجغرافيا وعدالة الثمن. قبل عقود، حصل ما يشبه ذلك في النكبة الفلسطينية حين توزع الشعب الفلسطيني تحت أكثر من نظام حكم. ففي غزة، أصبح تحت الإدارة المصرية وفي الضفة تحت الإدارة الأردنية وفي الداخل وجد نفسه تحت حكم من طرد شعبه يتعرض لعملية أسرلة واختلفت المناهج الدراسية وفي الشتات أكثر كان الأمر متباعدا فنشأ تعدد الروايات، إلى أن جاءت منظمة التحرير في ستينيات القرن الماضي لتعيد صناعة رواية موحدة جسدت أهم ما حدث للفلسطينيين بعد النكبة وقد أدى احتلال اسرائيل لباقي فلسطين بعد النكسة إلى إعادة التواصل بين التجمعات الثلاثة ليكون ذلك مقدمة للانتفاضة الموحدة. إلى أن جاءت حركة حماس من رحم حركة الإخوان المسلمين وظلت خارج منظمة التحرير لتصنع لها سرديتها الخاصة الموازية. ومع انقلاب العام 2007 كان للفصل بين غزة والضفة دور في صناعة روايتين وثقافتين ومجتمعين ورؤيتين، إلى أن جاء السابع من أكتوبر وتداعياته التي أحدثت الشرخ الأكبر في الروايات الفلسطينية والأحداث. لذا لم يعد النقاش سهلاً بين فلسطينييْن أحدهما من غزة جائع خائف فقد نصف أسرته ولم يتمكن من دفنهم مع فلسطيني في العواصم يشعر بوخز البعد عن المكان ويعيش لحظة فخر السابع من أكتوبر ويكتفي بها دون أن يكون جزءا من التداعيات والأكلاف وليس مستعداً للنظر بالإستراتيجيات القائمة والقادمة إذا ما كان الفعل ونتائجه سيؤديان إلى الطريق الوحيد أم سيغلقان كل الطرق، هذا ليس مهماً. الخشية أن تنتهي هذه الحرب بتمزيق الشعب الفلسطيني لروايته التي حاول أن تكون موحدة على امتداد عقود مضت. فالنجاحات عادة تغطي على كل الأسئلة فيما الفشل يفتح على الكثير من الأسئلة. وهذه المرة غزة وحدها ترى الكارثة فيما بقية الفلسطينيين في العالم لا يشاركونها ذلك لذا أسئلة غزة نابعة من فشل فادح بدل أن يحرر أرضاً استدعى اسرائيل لاحتلال غزة، وأما بقية من فلسطين ترى البطولة التي تستحق مهما كلف الثمن. وما بين الكارثة والبطولة يتحول الفلسطينيون إلى شعوب وقبائل لا ليتعارفوا بل ليتعاركوا، هذه هي الحقيقة لكن الأهم أن فائض الترف السياسي في لحظة أخلاقية فادحة ينبغي أن يكون مشوبا بالحذر فقد يبدو أنه لا أخلاقي. جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store