
من عُمان إلى الخليج.. جسور ثقافية لا تنقطع
مدرين المكتومية
انطلق قبل نحو أسبوع معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، في أكبر تظاهرة ثقافية تشهدها عاصمتنا العامرة كل عام، وتجمع بين جنباتها المفكرين والمُثقفين وأصحاب الإبداعات من كُتّاب وشعراء وأدباء، احتفالًا بعُرس الثقافة العُمانية السنوي، في مشهد يُعزز المشاعر الوطنية، والانتماء إلى جذور هذا الوطن العزيز، الذي لطالما كان- وما يزال- منارة ثقافية ومعرفية سامقة، تُنير للعالم أجمع دروب المعرفة والعِلم.
وخلال الأيام الماضية، تابعت عن كثب، سواء بالحضور أو عبر التغطيات الإعلامية، ما يشهده معرض مسقط الدولي للكتاب من تطور سنوي يؤكد حرص القائمين عليه، على إيجاد أفضل السبل وتهيئة الظروف المناسبة من أجل تنظيم معرض سنوي للكتاب يليق بمكانة عُمان الثقافية ومكانتها الإقليمية والدولية. وقد تجلّى ذلك في العدد الكبير من دور النشر التي تشارك في المعرض؛ سواء من داخل عُمان أو خارجها، وكان من اللافت للنظر أن عدد دور النشر العُمانية يتزايد عامًا تلو الآخر؛ بل وتتطور الكُتب المعروضة، بما يعكس ازدياد النشاط الأدبي والمعرفي في وطننا الحبيب. ولا يخفى على أحد هذه الطفرة التي نشهدها على ساحتنا الأدبية، في التأليف والكتابة، فقد كان المعرض قبل سنوات، يكتفي بعرض الكتب الأكاديمية والتعريفية التي تُنتجها مؤسسات الدولة، مثل الوزارات والهيئات، وأغلبها كانت كتباً غير جاذبة للقارئ الباحث عن الكلمة والفكرة والمعرفة والعمق والأثر، لكن مع مرور الوقت، وتخريج أجيال واعدة من العُمانيين المُمسكين بتلابيب الثقافة وحبال المعرفة، تشكَّل لدينا مخزون معرفي وثقافي كبير، ينمو عامًا وراء عام، ويتزايد كمًّا وكيفًا، فبدأنا نقرأ لروائيين عُمانيين شباب، وكان لافتًا زيادة أعداد الروائيات من النساء، وجميعهن صاحبات أقلام مبدعة وأسلوب سرد آسر يأخذك إلى عوالم أخرى، تسبح من خلالها في آفاق خلابة.
وتزامنًا مع معرض مسقط الدولي للكتاب، تلقيتُ دعوةً كريمة لتغطية معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدولة الإمارات العربية المُتحدة، في مشهد يعكس مدى الترابط الفكري والثقافي بين اثنتين من عواصم خليجنا العربي، كما يتزامن في هذه الأثناء انعقاد معرض الشارقة القرائي للطفل في إمارة الشارقة، من المقرر أيضاً أن ينطلق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 مايو المقبل، وجميعها معارض ثقافية وتنويرية تكشف مدى التطور المعرفي والثقافي الذي باتت تشهده دول الخليج خلال السنوات الأخيرة الماضية، في استعادة لأمجاد العرب الأوائل الذين اشتهروا في العالم أجمع ببلاغتهم وفصاحتهم وإمكانياتهم الأدبية العالية، فقد كانت أسواق الشعراء في منطقتنا تتنافس فيما بينها، في ممارسة ظلت راسخة على مدى قرون.
والحقيقة أنني في جميع تغطياتي لمعارض الكتاب، سواء في سلطنة عُمان أو خارجها، ألحظُ هذا النهم المعرفي لدى قطاعات عريضة من المجتمع، على الرغم من تغوُّل الأدوات المعرفية الإلكترونية على حياتنا اليومية، بل ومنافسة المنصات الرقمية الترفيهية للكتاب المطبوع في الاستحواذ على المتابعين. ورغم ذلك، يتأكد من خلال معارض الكتاب أن هذا الكتاب المطبوع ما يزال له عظيم الأثر في النفس، وجاذبيته للقراء، فلا شك أن ذلك الملمس المُحبب لصفحات الكُتب له مذاقه الخاص في القراءة، فعلى الرغم من أن الكتاب الإلكتروني أسهل في الاقتناء والحمل وسرعة القراءة ربما، إلّا أن القراءة من الكتاب الورقي المطبوع تظل لها سمتها الخاصة التي لا يُمكن تعويضها، فضلًا عن رائحة الكتب المُميزة والتي تُشعر القارئ بما أنجزه بقراءة كتاب ما.
الحديث عن معارض الكتاب يدفعنا لفتح ملف كبير وهو ملف الثقافة والمعرفة في مجتمعاتنا العربية، التي ما تزال القراءة فيها دون المعدلات الدولية، لا أُنكر أن أعدادًا كبيرة من العرب تقرأ، لكن من بيننا فئات كثيرة جدًا لا تقرأ أبدًا، وإن قرأت فلا تُحقق الفائدة المرجوة، نتيجة لضعف المحتوى في بعض الأحيان، أو اقتصاره على جوانب دون أخرى.
لذلك يحدوني الأمل في تقديم الدعم اللازم للكُتّاب ودور النشر لمساعدتهم على الاستمرارية في عالمٍ يمضي نحو الرقمنة الشاملة بخطى مُتسارعة، وجمهور البعض منه لم يعد مهتمًا بالقراءة والآخر غير قادر على شراء كل ما يحتاجه من كُتب نتيجة لارتفاع الأسعار.
وأخيرًا.. إنَّ الثقافة والمعرفة من الأدوات المؤثرة في صناعة الوعي المجتمعي، وعلى مُختلف المؤسسات المعنية أن تؤدي دورها المأمول من أجل نشر الكلمة وتعظيم أهميتها في المجتمع وفي بناء الفرد والجماعة، وعلينا أيضًا أن نُعزِّز معدلات القراءة من خلال تشجيع أنفسنا والآخرين على القراءة والاطلاع والنهم بالمعارف، فنحن في عصر العِلم والمعرفة، والتقدم نحو المستقبل لن يتحقق دون هذا العِلم والمعرفة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
السيدة ميَّان.. التتويج المُستحق
مدرين المكتومية عندما أكتبُ عن صاحبة السمو السيدة ميّان بنت شهاب آل سعيد، فإنني أسعى لتقديم شهادة حق صادقة، واعتراف صريح وشفافق بأن هذه السيدة الموقرة تستحقُ كل التقدير والثناء، وتستحق أن نُسجِّل إنجازاتها بمداد نفيس على جدران التاريخ؛ إذ لم تصل وتحقق هذا الإنجاز إلّا بعد عملٍ دؤوبٍ ومتواصل واجتهادات شخصية ظهر بعض منها للناس، والكثير ظل خلف الكواليس بكل تواضع. لا أستطيع أن أُخفي إعجابي الشديد ومحبتي الصادقة لصاحبة السمو، رغم أننا لم نلتقِ كثيرًا، لكنني كنتُ أحرصُ دومًا على قراءة الأخبار المتعلقة بها، وما تنشره عبر حسابتها الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، وتظهر فيها أنشطتها الاجتماعية والتخصصية. والحقيقة أن ما دفعني لكتابة هذا المقال عن صاحبة السمو السيدة ميّان بنت شهاب آل سعيد رئيسة مجلس إدارة الجمعية العُمانية للتصميم، هو حصولها على جائزة المرأة العربية لعام 2025، في مجال التأثير الاجتماعي من مؤسسة لندن العربية بالعاصمة البريطانية لندن، وهو تكريم مُستحق؛ بل لن أُبالغ إذا قلت إن المؤسسة المانحة قد تشرفت بالفعل بمنح هذه الجائزة إلى صاحبة السمو، لما تتمتع به سموها من مكانة اجتماعية مرموقة، تعكس مدى التقدير والاحترام والتواضع في شخصية سموها تجاه الجميع. هكذا يكون التأثير الإيجابي الصحيح والذي نريد أن نراه في كل المجتمعات، المُؤثِّر الذي يملك همة صادقة وعزيمة متقدة، وليس كما يظن البعض أن المؤثر هو صاحب آلاف المتابعين أو أكثر، فيكفي أن نعلم أن سُموها ظلت لعدة أيام حديث المجتمع في ظل ما تقوم به من أدوار اجتماعية مضيئة، نسعدُ بها ونفرح. سُموها اليوم باتت تمثل قدوة شابة لفتيات وشابات مجتمعنا؛ بمظهرها الأنيق الذي يعكس السمت العُماني الأصيل، وجوهرها اللؤلؤي؛ لتكون بذلك واحدة من بنات عُمان الكريمات اللائي يُشار إليهن بالبنان تقديرًا وعرفانًا بما يبذُلنه من جهود تصب في خدمة المجتمع. إن المرأة العُمانية يجب أن تكون استثناءً دائمًا وتحرص على التعليم وحُسن الخلق والتحلي بالقيم العُمانية الأصيلة، من احترام الوالدين وطاعتهما، والسعي بكل جهد لخدمة الوطن وتحقيق الذات في جميع المجالات. ولا ريب أن ما حققته المرأة العُمانية من إنجازات بشكل عام؛ تُحسب لها، وتؤكد دومًا أنها امرأة ملهمة ولديها القدرة على النجاح في أي موقع ومسؤولية، وأي مجال عمل يُمكنها أن تصل من خلاله لأعلى المراتب، فقط هي تحتاج للثقة والفرصة السانحة لإثبات الذات. ونحن معشر النساء في عُمان، نجحنا في تحقيق الكثير، سواء كُنا طالبات أو نساء عاملات في مواقع العمل المختلفة. نعم حققنا الكثير والكثير من النجاحات، ومثَّلن عُمان أحسن تمثيل في المحافل الإقليمية والدولية، وذلك خير دليل على أن المرأة العُمانية، معطاءة بطبعها، قادرة بفطرتها على أن تكون دائمًا في الصفوف الأولى وفي المواقع التي تتطلب صفات شخصية خاصة من حزم وعزم واقتدار. هكذا هن نساء عُمان الفضليات، وهكذا تتوالى المُنجزات النسائية في وطننا الحبيب، بفضل ما ننعم به من خير عميم تحت ظل القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه. ومما يبعث على الراحة والطمأنينة في مجتمعنا، أن المرأة العُمانية تظل محل تقدير واهتمام أينما حلت أو ارتحلت، وتحظى ببيئة خصبة لتشجيعها على التقدم والتطور، مؤمنة بقدرتها على صناعة الفارق، ورغبتها في أن تحقق المعادلة المستحيلة. المرأة العُمانية لا تتوانى أبدًا عن العمل بكل جهد من أجل أن تكون دائمًا في المقدمة، وستسلك الدروب الصعبة لتسجل كل إنجاز يُحسب لها ويعود بالنفع على وطنها. لقد ألهمتني صاحبة السمو السيدة ميّان آل سعيد، بمسيرتها العامرة بالعطاء والبذل، لكي أواصل المسير في عملي الصحفي، كنتُ دائمًا أتطلع لها بعينٍ تملؤها مشاعر الفخر والاعتزاز، لما تُجسِّده من قيم نبيلة وأخلاق سامية، وهي سليلة العز والمجد، والكرم والسمو الإنساني. ما أجمل أن نرى النماذج المضيئة في مجتمعنا، ما أجل أن نشاهد نساء عُمان وهُن يتبرعن على قمم التميُّز والنجاح، فكُل امرأة وفتاة تُسطِّر إنجازًا شخصيًا، هو إنجاز باسم الوطن في نهاية المطاف، لأنهن بنات هذا الوطن العزيز، الذي أعز النساء وأكرمهن، ووفر لهن كل سبل الدعم والحماية، لكي يكُن خير النساء. إنني أنتهزُ هذه السانحة؛ لكي أعرب مُجددًا عن عظيم فخري وسعادتي الغامرة بما أحرزته صاحبة السمو السيدة ميّان بنت شهاب بن طارق آل سعيد، من إنجازات شتى، وآخرها حصد جائزة المرأة العربية، من بين نساء وطننا العربي الكبير من عُمان شرقًا إلى المغرب غربًا، فكل التهاني والتبريكات إلى صاحبة السمو على هذا المُنجز الوطني الكبير، وصادق الأمنيات بمزيد من النجاح والتميُّز في المستقبل.


جريدة الرؤية
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
من عُمان إلى الخليج.. جسور ثقافية لا تنقطع
مدرين المكتومية انطلق قبل نحو أسبوع معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، في أكبر تظاهرة ثقافية تشهدها عاصمتنا العامرة كل عام، وتجمع بين جنباتها المفكرين والمُثقفين وأصحاب الإبداعات من كُتّاب وشعراء وأدباء، احتفالًا بعُرس الثقافة العُمانية السنوي، في مشهد يُعزز المشاعر الوطنية، والانتماء إلى جذور هذا الوطن العزيز، الذي لطالما كان- وما يزال- منارة ثقافية ومعرفية سامقة، تُنير للعالم أجمع دروب المعرفة والعِلم. وخلال الأيام الماضية، تابعت عن كثب، سواء بالحضور أو عبر التغطيات الإعلامية، ما يشهده معرض مسقط الدولي للكتاب من تطور سنوي يؤكد حرص القائمين عليه، على إيجاد أفضل السبل وتهيئة الظروف المناسبة من أجل تنظيم معرض سنوي للكتاب يليق بمكانة عُمان الثقافية ومكانتها الإقليمية والدولية. وقد تجلّى ذلك في العدد الكبير من دور النشر التي تشارك في المعرض؛ سواء من داخل عُمان أو خارجها، وكان من اللافت للنظر أن عدد دور النشر العُمانية يتزايد عامًا تلو الآخر؛ بل وتتطور الكُتب المعروضة، بما يعكس ازدياد النشاط الأدبي والمعرفي في وطننا الحبيب. ولا يخفى على أحد هذه الطفرة التي نشهدها على ساحتنا الأدبية، في التأليف والكتابة، فقد كان المعرض قبل سنوات، يكتفي بعرض الكتب الأكاديمية والتعريفية التي تُنتجها مؤسسات الدولة، مثل الوزارات والهيئات، وأغلبها كانت كتباً غير جاذبة للقارئ الباحث عن الكلمة والفكرة والمعرفة والعمق والأثر، لكن مع مرور الوقت، وتخريج أجيال واعدة من العُمانيين المُمسكين بتلابيب الثقافة وحبال المعرفة، تشكَّل لدينا مخزون معرفي وثقافي كبير، ينمو عامًا وراء عام، ويتزايد كمًّا وكيفًا، فبدأنا نقرأ لروائيين عُمانيين شباب، وكان لافتًا زيادة أعداد الروائيات من النساء، وجميعهن صاحبات أقلام مبدعة وأسلوب سرد آسر يأخذك إلى عوالم أخرى، تسبح من خلالها في آفاق خلابة. وتزامنًا مع معرض مسقط الدولي للكتاب، تلقيتُ دعوةً كريمة لتغطية معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدولة الإمارات العربية المُتحدة، في مشهد يعكس مدى الترابط الفكري والثقافي بين اثنتين من عواصم خليجنا العربي، كما يتزامن في هذه الأثناء انعقاد معرض الشارقة القرائي للطفل في إمارة الشارقة، من المقرر أيضاً أن ينطلق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 مايو المقبل، وجميعها معارض ثقافية وتنويرية تكشف مدى التطور المعرفي والثقافي الذي باتت تشهده دول الخليج خلال السنوات الأخيرة الماضية، في استعادة لأمجاد العرب الأوائل الذين اشتهروا في العالم أجمع ببلاغتهم وفصاحتهم وإمكانياتهم الأدبية العالية، فقد كانت أسواق الشعراء في منطقتنا تتنافس فيما بينها، في ممارسة ظلت راسخة على مدى قرون. والحقيقة أنني في جميع تغطياتي لمعارض الكتاب، سواء في سلطنة عُمان أو خارجها، ألحظُ هذا النهم المعرفي لدى قطاعات عريضة من المجتمع، على الرغم من تغوُّل الأدوات المعرفية الإلكترونية على حياتنا اليومية، بل ومنافسة المنصات الرقمية الترفيهية للكتاب المطبوع في الاستحواذ على المتابعين. ورغم ذلك، يتأكد من خلال معارض الكتاب أن هذا الكتاب المطبوع ما يزال له عظيم الأثر في النفس، وجاذبيته للقراء، فلا شك أن ذلك الملمس المُحبب لصفحات الكُتب له مذاقه الخاص في القراءة، فعلى الرغم من أن الكتاب الإلكتروني أسهل في الاقتناء والحمل وسرعة القراءة ربما، إلّا أن القراءة من الكتاب الورقي المطبوع تظل لها سمتها الخاصة التي لا يُمكن تعويضها، فضلًا عن رائحة الكتب المُميزة والتي تُشعر القارئ بما أنجزه بقراءة كتاب ما. الحديث عن معارض الكتاب يدفعنا لفتح ملف كبير وهو ملف الثقافة والمعرفة في مجتمعاتنا العربية، التي ما تزال القراءة فيها دون المعدلات الدولية، لا أُنكر أن أعدادًا كبيرة من العرب تقرأ، لكن من بيننا فئات كثيرة جدًا لا تقرأ أبدًا، وإن قرأت فلا تُحقق الفائدة المرجوة، نتيجة لضعف المحتوى في بعض الأحيان، أو اقتصاره على جوانب دون أخرى. لذلك يحدوني الأمل في تقديم الدعم اللازم للكُتّاب ودور النشر لمساعدتهم على الاستمرارية في عالمٍ يمضي نحو الرقمنة الشاملة بخطى مُتسارعة، وجمهور البعض منه لم يعد مهتمًا بالقراءة والآخر غير قادر على شراء كل ما يحتاجه من كُتب نتيجة لارتفاع الأسعار. وأخيرًا.. إنَّ الثقافة والمعرفة من الأدوات المؤثرة في صناعة الوعي المجتمعي، وعلى مُختلف المؤسسات المعنية أن تؤدي دورها المأمول من أجل نشر الكلمة وتعظيم أهميتها في المجتمع وفي بناء الفرد والجماعة، وعلينا أيضًا أن نُعزِّز معدلات القراءة من خلال تشجيع أنفسنا والآخرين على القراءة والاطلاع والنهم بالمعارف، فنحن في عصر العِلم والمعرفة، والتقدم نحو المستقبل لن يتحقق دون هذا العِلم والمعرفة.


جريدة الرؤية
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
أدباء وباحثون: أدب الطفل يبني الهوية ويزرع القيم الإنسانية في الأجيال
أكد عدد من الكتّاب والباحثين في أدب الطفل أن القراءة وأدب الطفل يشكلان أدوات أساسية لبناء شخصية الطفل وتعزيز هويته الثقافية، مشيرين إلى أهمية غرس القيم العربية والإنسانية في سن مبكرة، وإلى دور الأدب في معالجة القضايا الاجتماعية بطريقة تناسب وعي الأطفال، وتشجعهم على التفكير النقدي والانفتاح على التنوع. وشددوا على أهمية تمثيل مختلف الخلفيات والثقافات في كتب الأطفال لتعزيز الشعور بالانتماء والاحترام المتبادل، مؤكدين أن الأدب يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً، ويُعد وسيلة فعّالة لتجاوز الاختلافات الثقافية وتعزيز القيم المشتركة مثل الصداقة والتسامح. جاء ذلك خلال ندوة حوارية بعنوان "قصص توحدنا"، نظمتها هيئة الشارقة للكتاب ضمن البرنامج الثقافي لمهرجان الشارقة القرائي للطفل 2025، وتحدث فيها كل من: الكاتبة الإماراتية بدرية الشامسي، وروندا روماني، مؤلفة وصحفية أمريكية من أصل سوري، والكاتب المغربي الحسن بنمونة، والباحث والأكاديمي التونسي الدكتور نزار القمري، وأدارتها الإعلامية عائشة المازمي، من إذاعة بلس 95 في الشارقة. خصوصيات ثقافية بدرية الشامسي، تحدثت عن اختفاء الفروق بين الفئات العمرية في تلقي المعرفة، تماماً كذوبان الحدود الثقافية العالمية في ظل وفرة المعرفة وسرعتها، مؤكدة أهمية توعية الطفل في سن مبكرة لتكون عنده حصانة ثقافية ومعرفية، وتعزيز القيم العربية لأن شخصية الطفل تبنى خلال السنوات الخمس الأولى، مشيرة إلى أهمية الأدب في معالجة كل هذه القضايا الاجتماعية والثقافية، حيث يمكن لأدب الطفل أن يكون أداة قوية لمناقشة القضايا الهامة بطريقة مناسبة للأطفال، مما يشجعهم على التفكير النقدي وتطوير وعي اجتماعي، إضافة إلى تأثير القصص على الهوية والانتماء وتعزيز التراث المحلي أو من ثقافات أخرى. زرع الأمل بدورها، تحدثت روندا روماني عن كتاباتها وحضور الهوية وقضايا الحرب والسلام، ومحاولتها زرع الأمل من خلال هذه الكتابات في نفوس الأطفال، كما أشارت إلى أهمية تمثيل التنوع والشمولية في أدب الطفل، وضرورة وجود شخصيات وقصص متنوعة تمثل مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية والقدرات في كتب الأطفال، ما يساعدهم في الشعور بالانتماء والتقدير لذواتهم وللآخرين، مبينة أن أدب الطفل يلعب دوراً رئيساً في الوحدة والتنوع وبناء جيل أكثر انفتاحاً وتقبلاً للآخر. كما تحدثت عن تجربتها الشخصية مع القصص وكيف تؤثر الكتب في حياة الأطفال ونظرتهم للعالم، وكيف يمكن لهم أن يترجموا هذه التجارب في أعمالهم وحياتهم. مشتركات إنسانية أما الحسن بنمونة فأصَّل لمفهوم الاختلافات الثقافية، خاصة بين الشرق والغرب، مؤكداً ضرورة التركيز على المشتركات الإنسانية التي يقدم الأدب، حيث تتكرر الموضوعات المشتركة منذ فجر التاريخ، مثل الصداقة، والتعاون، والرحمة، والتسامح، والعدالة، ويعيد الكتّاب كتابتها بطرق مختلفة وجديدة، لذلك عليهم إعادة إنتاج هذه القيم التي تمثل البعد الإنساني للأدب والقوة الحقيقية للقصص بأساليب جديدة، وتمكين الأطفال من معرفة اللغة وتذوق الأدب، لافتاً إلى أن مهمة الكاتب ليست بناء المجتمع فقط، بقدرما هي صناعة الأدب وتكييف كل الموضوعات لجعلها متلائمة مع البيئة الثقافية وبناء مجتمعات أكثر تماسكاً ووحدة، إضافة إلى استكشاف قوة القصص في جمع الناس وتجاوز الاختلافات. أدوار علمية من ناحيته، قال الدكتور نزار القمري: "تلعب القراءة دورًا علميًا مهمًا لا يمكن تجاهله؛ فالقصة يمكن قراءتها في أي زمان ومكان، وتُسهم في تنمية اللغة وتوسيع الخيال. كما أن تأثير القراءة على الطفل كبير، فهي تحفزه على التفكير وتساعده على تكوين صور ذهنية تعزز قدراته الإدراكية". كما أشار إلى دور القصص في بناء الجسور الثقافية وتعريف الأطفال بثقافات وعادات وتقاليد مختلفة، مما يعزز التفاهم والاحترام المتبادل بينهم وبين أقرانهم من خلفيات متنوعة، وكسر الصور النمطية وتعزيز التعاطف مع الآخر. وتندرج هذه الجلسة ضمن ندوات مهرجان الشارقة القرائي للطفل، والذي يضم إضافة للجلسات مجموعة واسعة من الإصدارات الجديدة المخصصة للأطفال واليافعين إلى جانب برنامج حافل بالفعاليات التفاعلية والعروض والأنشطة التثقيفية والترفيهية التي تستمر على مدار 12 يوماً.