logo
دمشق بلا خالد خليفة

دمشق بلا خالد خليفة

المدن١٧-٠٣-٢٠٢٥

خاطر بقي يتردد على بالي، كلما حضرني حلم العودة إلى دمشق، خطر على بالي. لقاء مجموعة محدودة من الأصدقاء، الذين كنت على تواصل معهم بوسائل مختلفة، ومن بين هؤلاء الروائي
خالد خليفة
، الذي عرفته في بداياته الشعرية بمدينة حلب طالبا في المدرسة الثانوية، قبل أن يحصل على شهادة البكالوريا، ويذهب إلى الجامعة. واستمرت العَلاقة بيننا على نحو متقطع، من خلال رسائل شفوية، ينقلها أصدقاء مشتركون، وتبادل الكتب، ولم نلتق حتى عام 2014 في الدوحة، حيث أمضينا عدة أيام معا، هو كان يشارك في كتابة مسلسل "وجوه وأماكن" مع شركة "ميتافورا" للإنتاج، وأنا في صحيفة العربي الجديد، التي كنا نستعد لصدورها. كان عائدا من الولايات المتحدة بعد أن انسحب من برنامج للكُتّاب في جامعة هارفارد لمدة عامين. وحدثني عن تلك التجربة، التي لم تكتمل. انسحب منها في البداية، لأنه دخل في حالة اكتئاب وحنين إلى دمشق، التي لم يستطع تحمل العيش بعيداً عنها. ترك كل شيء وعاد إلى سوريا، وبرر لي ذلك بأنه لا يحتمل الحياة خارج البلد، "لا أريد أن أعيش في أي مكان آخر. لا أريد أن أخلق ذكريات جديدة".
خلال اللقاءات في الدوحة تحدثنا مطولا عن سوريا، وكانت الثورة في أوجها. وشعرت بأن خالد كان فرحا بها، ليس كحدث سوف يغير حياة الشعب السوري، بل الكتابة السورية كذلك. وبدأ يخطط لكتابة أعمال جديدة من وحي الهزة الكبيرة، التي ولدتها الثورة في الوجدان السوري. وكعادته، بدا متفائلا بنهاية سعيدة قريبة، وحينما استشرى العنف والقتل والدمار، لم يغير رأيه أبدا، وظل على يقين بأن نهاية النظام وشيكة، وبعد كل انتكاسة يراهن على موعد جديد. حتى لو لم نلتق لعدة أعوام، كانت أخباره تصلني، من خلال متابعتي له على وسائل التواصل، وشهادات الأصدقاء المشتركين، وأحاديثه الصحافية، وبعض النصوص التي كان ينشرها في الصحف.
تأثر خالد بالنكبة السورية، ودخلت جرعة عالية من المرارة إلى لغته الروائية، وظهر ذلك في روايتيه "الموت عمل شاق" التي صدرت عام 2016، و"لم يصل عليهم أحد" التي صدرت عام 2019، وشيئا فشيئا بدأ الكاتب المتفائل، يحس بالثقل الكبير لنتائج الحرب داخل دمشق التي أصبحت مدينة مظلمة ليلا، ولم تعد هناك مكتبات وصالات سينما وأمسيات ثقافية، وبقي موزعا بين السفر والإقامة، لكن لم يفكر للحظة واحدة بترك سوريا نهائيا، بقي يتنقل بين الساحل ودمشق، وبين حين وآخر يذهب في منحة كتابة في الخارج، مثل منحتي مجلة بانيبال التي تصدرها الكاتبة البريطانية ماغي أوبانك وزوجها الكاتب العراقي صموئيل شمعون في عام 2022، التي دامت ثلاثة أشهر قضاها في جامعة دورهام البريطانية، التي تركت أثرا طيبا، حتى إن الجامعة تدرس حاليا تحويل ذلك إلى تكريم دائم. والمنحة الثانية كانت في مطلع عام 2023 في مدينة زيوريخ في سويسرا، التي دامت ستة أشهر، وحضر بعدها إلى لندن واستضافته ماغي وصموئيل مرة ثانية في فندق "نوفتيل" المقابل لسكني، وكانت مفاجأة له ولي، حين خرجت إلى شرفتي فوجدته يقف عند باب الفندق يتحدث إلى سيدة ترافقه، ناديته باسمه فالتفت نحوي وهو ذاهل.
عادت لي ذكرى تلك المفاجأة، التي حصلت في لندن عام 2023. لكثرة ما فكرت به، كدت أنسى وفاته، حتى خطر لي، وأنا أسير في شوارع دمشق لمسافات طويلة، بأني قد ألتقي خالد مصادفة في أحد الحارات، التي كان يحدثني عنها بشغف، أو أني سأجده في أحد المقاهي أو المطاعم، جالسا ومن حوله الأصدقاء الذين رافقوه في أعوامه الأخيرة، وكانوا على قدر كبير من الحرص، ألا يتركوه وحيدا، بعد أن تعرض إلى جلطة دماغية، ولكن عبثا، لم يظهر خالد في دمشق، وكثيرا ما تخيلت أنه كان يجلس على مقعد محدد في مقهى الهافانا، أو فندق الشام، وذات يوم قرر أن يهجر المدينة، ولا يعود، ذهب إلى بيته في حي مساكن برزة، هناك جلس على كرسيه، وغفى الإغفاءة الأخيرة، التي لم ينهض بعدها. كأنه أراد أن يكتب مشهد موت الكاتب كحقيقة، وليس كما في رواية أو مسلسل تلفزيوني. لم يكن تمثيلية، بل صحوة أخيرة.
قلت لأكثر من صديق لخالد أن مكانه فارغ في دمشق، ومن المحزن أنه رحل قبل أن يشهد سقوط نظام الأسد. كان يحلم بأن يرى سوريا تتنفس هواء الحرية، لكن القلب المثقل خذله فسقط في ربع الساعة الأخيرة من سباق الماراتون.
موت الأصدقاء في دمشق، لا ينفصل عما أصاب المدينة. هذا ما خطر لي وأنا أسير في الشوارع، أو ارتاد الأماكن التي كانت تضج بالحيوية، وتشهد جدالات وخلافات المثقفين والكتاب والفنانين في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، واختفى أغلبها، بعضها أغلق أبوابه مثل "اللاتيرنا" (القنديل) الواقع في الصالحية، وهو مقهى ومطعم تمتلكه عائلة المحامي نجاة قصاب حسن، وقد هاجر إليه الوسط الثقافي عام 1978 بعد أن أغلق مقهى "النجمة" الواقع على الساحة التي تحمل الاسم ذاته، أبوابه بوجههم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كريم عبد العزيز يعود إلى المسرح بمسرحية "الباشا" ضمن فعاليات موسم جدة
كريم عبد العزيز يعود إلى المسرح بمسرحية "الباشا" ضمن فعاليات موسم جدة

الديار

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الديار

كريم عبد العزيز يعود إلى المسرح بمسرحية "الباشا" ضمن فعاليات موسم جدة

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب يستعد النجم كريم عبد العزيز، للوقوف على خشبة المسرح من جديد من خلال مسرحيته الجديدة "الباشا"، والمقرر عرضها ضمن فعاليات موسم جدة الترفيهي في المملكة العربية السعودية، في الفترة من 21 إلى 24 مايو 2025، على مسرح العربي في "سيتي ووك". تدور أحداث المسرحية في إطار كوميدي اجتماعي حول شخصية "أبو المعاطي الباشا" الذي يعيش مع أسرته البسيطة في غرفة متواضعة فوق أحد الأسطح، قبل أن تنقلب حياتهم رأسًا على عقب بعد انتقالهم المفاجئ إلى فيلا فخمة تملكها سيدة أعمال ثرية تُدعى "ليلى الصياد"، لتبدأ رحلة مليئة بالمفارقات والطرائف. يشارك كريم عبد العزيز البطولة كل من هنا الزاهد، دينا محسن (ويزو)، حاتم صلاح، وجان رامز، المسرحية من إنتاج آلاء الغزالي، تأليف علاء حسن ومحمد صلاح خطاب، وإخراج رامي إمام. يُذكر أن "الباشا" حققت نجاحًا لافتًا عند عرضها الأول في موسم الرياض نهاية عام 2024، وهو ما شجّع على تقديمها مرة أخرى في جدة.

"العربي 2" توقع اتفاقية تاريخية مع شبكة "ARTE"
"العربي 2" توقع اتفاقية تاريخية مع شبكة "ARTE"

المدن

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • المدن

"العربي 2" توقع اتفاقية تاريخية مع شبكة "ARTE"

أعلنت قناة "العربي 2" عن توقيع اتفاقية كبرى مع الشبكة التلفزيونية الفرنسية الألمانية الأشهر "ARTE" في تعاون هو الأضخم من نوعه في المنطقة العربية. وتتيح الاتفاقية بث ما يقارب 100 ساعة من الوثائقيات العالمية المتميزة عبر قناة "العربي 2" وتطبيق "العربي+". وضمن الاتفاقية تعرض قناة "العربي 2" مجموعة من الوثائقيات المميزة التي حازت جوائز مرموقة، واستأثرت باهتمام واسع من النقاد والجمهور على حد سواء، ما يجعلها تتلاءم مع توجه القناة الرائدة في مجالي الثقافة الترفيه، وتتسق مع سعيها لتوفير محتوى عالي الجودة للمشاهدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأكد مدير الاستحواذ في شبكة "التلفزيون العربي" جوزيف الحسيني في بيان أن "التعاون مع ARTE محطة مميزة في مسيرة قناة العربي2، باعتبار سمعة الشبكة العريقة التي جعلتها مرادفاً للجودة والابتكار في سرد القصص الوثائقية"، وأضاف أن "هذا التعاون يتماشى تماماً مع رسالتنا في تثقيف جمهورنا وترفيهه وإلهامه من خلال محتوى يعزز الفهم والتبادل الثقافي". من جهته، قال المدير التنفيذي لقناة "العربي2" إلياس خوري أن "الاتفاقية تجسد التزام قناة العربي2 بتقديم برامج ثقافية وترفيهية ثرية تلبي تطلعات جمهورها المتنوع، باعتبار أن المجموعة المختارة من ARTE وثائقيات حائزة على جوائز مرموقة، وتغطي مجموعة واسعة من المواضيع من التاريخ والعلوم، إلى الفنون والقضايا العالمية". يذكر أن الوثائقيات ستعرض عبر شاشة "العربي 2" كما ستكون متاحة للمشاهدة عند الطلب عبر تطبيق "العربي+" طيلة مدة الاتفاقية، ما يضمن سهولة الوصول إلى هذا المحتوى الرفيع. وتشكل هذه الخطوة دفعة قوية نحو شراكات استراتيجية مستقبلية، تعزز موقع "العربي2" كمنصة رائدة للمحتوى الثقافي والترفيهي في العالم العربي.

أنا هنا حين تخونك الأناأنا هنا حين تخونك الجدران والغرفحين تغدر بك الشوارع الضيقةحين تؤذيك خطواتك وترمي بك من أحضانها
أنا هنا حين تخونك الأناأنا هنا حين تخونك الجدران والغرفحين تغدر بك الشوارع الضيقةحين تؤذيك خطواتك وترمي بك من أحضانها

النهار

time٠٦-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

أنا هنا حين تخونك الأناأنا هنا حين تخونك الجدران والغرفحين تغدر بك الشوارع الضيقةحين تؤذيك خطواتك وترمي بك من أحضانها

أنا هنا حين تخونك الأنا أنا هنا حين تخونك الجدران والغرف حين تغدر بك الشوارع الضيقة حين تؤذيك خطواتك وترمي بك من أحضانها حين تكسرك الرياح العاتية وتعصف بك دموعها أنا هنا حين يخونك المطر ويقذف بك الشاطئ حين ينتهي الكلام ولا يعود للحروف مراد حين يموت الذنب وتغتفر اللذة حين يضرب الليل وتنهار الطرقات أنا هنا حين يخونك القدر ويشي بك الزمن ستجدني هنا… بعد أن ينتهي كل هذا الغدر ستجدني في درب العودة لكنني بعدها… سأمضي.. كما مضيت… سأمضي لأنك أسفاً أتيت بعد أن انتهيت من انتظارك فبعد أن قدمت لك الاستثناء على طبق ساخن وبعدما كانت ترعبني الاحلام الخالية منك ها أنا اليوم أجهض الذكريات لأنسج لأحلامي كفناً بعد أن أصبحت أشعر بثقل الهواء فاعذر انطفاء روحي، ربما تكون قد تاهت في عتمة حزن لا يمكن البوح به…

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store