
مؤثرون بشعار "الفضائح مقابل المشاهدات"
باتت مشاهد المؤثرين وهم ينقلون على المباشر حياتهم الخاصة دون فلاتر، نوعا جديدا من "التسلية السامة" في الجزائر، دون مراعاة للعواقب الأخلاقية أو النفسية، سواء على المؤثر نفسه أو على جمهوره. والأخطر أن هذه الممارسات أصبحت نموذجا يُحتذى به، مما يؤدي إلى مزيد من الاستعراض الزائف والتلاعب بالمشاعر على نطاق أوسع.
فرضت ظاهرة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي وجودها أكثر في السنوات الأخيرة، إذ ثمة من يعتبرها وظيفة يمارسها البعض من أجل اكتساب الشهرة، خاصة الذين يسمون أنفسهم بالمؤثرين أو المصطلحات التي يتداولها شباب اليوم أنستغراموز، أنفيلونسوز، أو يوتيوبرز، وهناك من يرى أن المؤثرين هم من يشاركون متابعيهم مواضيع متنوعة قصد التفاعل معها واقتراح حلول بديلة لمشاكل معينة.
وسرعان ما تحولت فكرة "المؤثرين" إلى ظاهرة يعتبرها البعض طريقا سهلا وسريعا للربح أو الشهرة، من خلال استخدامها لأهداف تسويقية وأيضا من خلال مشاركتهم يومياتهم على تطبيق الأنستغرام والتيك توك واليوتيوب بنشر "فلوغ" يتضمن يومياتهم ومشاركتها لمتابعيهم.
وأصبح المؤثرون يشاركون حياتهم الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي وقصص عائلتهم لاستقطاب الشباب بالفكاهة والتفاهة ويسوقون أنفسهم كنماذج سهلة للإقتداء، حيث يشاركون حياتهم اليومية وأسرارهم مع المتابعين ويرسلون لهم رسائل على أساس أنه يمكن تحقيق النجاح بطرق سهلة، من خلال تصوير طريقة معيشتهم. وهو ما أصبح يؤثر على الشباب وخاصة المراهقين الذين أصبحوا يحبذون تقليدهم بشتى الطرق، فمن الضروري إدراك الشباب وخاصة المراهقين أن ما ينشر على هذه المواقع مجرد واقع افتراضي.
فالمؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي قد يستمرون في تشكيل المشهد الرقمي والتأثير في حياة الناس، ولذلك يتعين على أن يكون واعيا لهذا الواقع ويستفيد منه بطريقة تعزز التواصل الإيجابي والتنمية الشخصية.
وفي استطلاع قامت به "الخبر"، مع بعض المتتبعين لأخبار مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، أكد البعض أن هذا لا يمنع من وجود بعض المؤثرين الذين يقومون بصناعة محتوى هادف، تعليمي، ترفيهي، تثقيفي وحتى سياحي.
فهؤلاء يقومون بتأثير إيجابي على الشباب، ويمكن الاعتماد على محتواهم كمحتوى ترفيهي أو تثقيفي للاستفادة منه، ويمكن اعتماده كبديل للمسلسلات الدرامية مثل أولئك المؤثرين الذين يحملون معدات تقنية كالكاميرا والميكروفون ذات جودة عالية، يمكنهم نقل المتابع إلى أماكن سياحية تجعل المشاهد يبقى على شاشة هاتفه طويلا للاستمتاع بالمحتوى، أو أن يقدم المؤثرون محتوى خاصا حلا لمشاكل جمهورهم، وبذلك سيكسبون ثقة متابعيهم والاعتماد على المصداقية مع جمهورهم، مما سيزيد من التفاعل مع محتواهم الإيجابي.
وذكرت السيدة دلال بوجلال، شابة جامعية متزوجة حديثا، تعمل في مجال التسويق الرقمي، أن بعض المحتويات تعبر فعلا عن صفة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى جمهور واسع وتغيير سلوكياتهم وآرائهم إلى الإيجابية.
ومع ذلك، تقول، أنه من الضروري أن يكون لدينا نظرة نقدية ووعي للتمييز بين المؤثرين الحقيقيين والمصداقية في محتواهم الذي يجب أن يكون فيه توازن بين قوة التأثير والشفافية.
من جهة أخرى، قال السيد ناصري فارس، أستاذ في الابتدائي، أن ظاهرة مشاركة المؤثرين لقصصهم العائلية والشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أشبه بعروض الواقع التي تمزج بين الترفيه والدراما، لكنها تثير العديد من التساؤلات حول حدود الخصوصية والاستغلال العاطفي للجمهور.
ويضيف أنه بينما يدعي البعض أنها نوع من الصراحة والانفتاح، إلا أنها في الواقع قد تكون وسيلة لتحقيق الشهرة السريعة أو التربح من المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات العائلية والمواقف الحساسة.
وحذّر المتحدث من أن التأثير على الجمهور، خاصة الشباب، قد يكون خطيرا، إذ يخلق توقعات غير واقعية عن العلاقات العائلية والحياة الشخصية، مما يدفع البعض إلى مقارنة حياتهم الخاصة بتلك الروايات المجمّلة أو المفبركة، وإضافة إلى ذلك، يساهم هذا النمط في انتهاك خصوصية الأفراد الآخرين من العائلة، الذين قد لا يرغبون في مشاركة تفاصيل حياتهم، لكنهم يجدون أنفسهم جزءا من "عرض" غير مرغوب فيه.
أما سامية عسكراتني، وهي سيدة في الخمسينات متقاعدة، قالت أنها تقضي بعض الساعات مع الهاتف النقال، غير أن ما تشاهده أصبح يفوق حدود الخيال، إذ كيف يمكن أن تكون حياة الأزواج مثلا مفتوحة على الجميع دون حذف؟ تتساءل.
وتؤكد أن أبرز الجوانب السلبية لهذه الظاهرة التلاعب بالعواطف، حيث يتعمد بعض المؤثرين تضخيم المشكلات أو عرض جوانب انتقائية من حياتهم لكسب التعاطف وزيادة التفاعل. وهذا النوع من المحتوى يحول القصص العائلية إلى دراما مفتعلة، مما يجعل المتابعين وكأنهم جمهور لمسلسل مستمر بلا نهاية، حيث يعاد تدوير الأزمات والمشاكل لجذب الانتباه وتحقيق الأرباح.
" يقتاتون على اختلاق فضائح أخلاقية"
وترى الأستاذة صبرينة بوراوي، مختصة نفسية تربوية ومختصة في العلاج النسقي الأسري، أن العصر الرقمي لم تعد الشهرة فيه مقتصرة على المشاهير التقليديين، بل أصبحت في متناول أي شخص يمتلك هاتفا ذكيا وحسابا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث برزت ظاهرة مشاركة تفاصيل الحياة الشخصية بشكل مفرط، لدرجة أنها أصبحت مسرحا مفتوحا، وجزءا أساسيا من المحتوى الرقمي. لذا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم، وهو ما يدفع هؤلاء المؤثرين إلى مشاركة أدق تفاصيل حياتهم مع ملايين المتابعين؟ هل هي رغبة في الإلهام أم استراتيجية تسويقية مدروسة؟.
وأكدت أنه من الناحية النفسية، يميل الإنسان بطبيعته إلى مشاركة تجاربه والتفاعل مع الآخرين، لكن في حالة المؤثرين، يبدو أن الأمر تجاوز ذلك ليصبح استراتيجية مدروسة. فمشاركة اللحظات الشخصية، سواء كانت سعيدة أو حزينة، تخلق شعورا بالتقارب مع المتابعين والوصول إلى تحقيق الحاجة إلى القبول الاجتماعي.
وتوضح أن التفاعل مع المتابعين، من خلال الإعجابات والتعليقات، يعتبر مصدرا للتعزيز الذاتي مما يخلق شعورا بالمكافأة ويعزز الرغبة في الاستمرار بالمشاركة. ومع ذلك، تقول أن هذا الارتباط بالمحتوى الشخصي قد يؤدي إلى تآكل الحدود بين الحياة الخاصة والعامة، مما يجعلهم عرضة للضغط النفسي والتدخلات غير المرغوب فيها من المتابعين.
وأضافت الأساتذة بوراوي أن المؤثرين يسعون إلى بناء هوية رقمية تعكس صورة مثالية عن حياتهم تعزز صورتهم، كما أن القصص الشخصية أداة تسويقية قوية. فالشراكة مع العلامات التجارية تعتمد بشكل كبير على تفاعل الجمهور، مما يدفع المؤثرين إلى توظيف تفاصيل حياتهم لجعل الإعلانات تبدو أكثر "طبيعية" قائلة: "هناك دراسة أظهرت أن المنشورات التي تحتوي على قصص شخصية تحصد تفاعلا أعلى بثلاثة أضعاف مقارنة بالمحتوى التقليدي".
وقالت المتحدثة أنه من السهل التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مفبرك في عالم التواصل الاجتماعي، فبينما يشارك بعض المؤثرين تجاربهم بصدق، يلجأ آخرون إلى تضخيم الأحداث أو حتى اختلاقها بالكامل من أجل إثارة الجدل وجذب المزيد من المشاهدات، معتمدين على القصص الدرامية مثل المشكلات العائلية أو الأزمات العاطفية أو حتى الفضائح الأخلاقية. وفي بعض الحالات تتطور ليصبح المؤثر أسيرا لصورة يحافظ عليها ولو كان ذلك على حساب مصداقيته أو استقراره النفسي.
وأوضحت أن الظاهرة لا تخلو من المخاطر، خاصة على الشباب، حيث نواجه خطر "تشويه الواقع"، حيث تعرض نسبة كبيرة من المؤثرين حياة "مثالية" غير واقعية، مما يخلق شعورا بعدم الرضا لدى المتابعين ويثير المقارنات السلبية، ما يؤدي إلى تدني الثقة بالنفس وزيادة مشاعر القلق والاكتئاب.
إضافة إلى أن هذه الظاهرة تعمل على "تآكل الخصوصية وتطبيعها"، حيث تحولت العلاقات الإنسانية إلى سلعة تعرض للجمهور تضعف الحدود بين الحياة العامة والخاصة، إضافة إلى خطر التأثير على "الهوية الاجتماعية" والخطر الأكبر هو الإدمان على متابعة المؤثرين، ما يؤدي إلى نوع من التعلق غير الصحي الذي قد يؤثر على تفاعلهم في الحياة الحقيقية.
وللأسف، تواصل، أن بعض المؤثرين يستخدمون قصصا شخصية كأداة للابتزاز العاطفي واستغلال مشاعر المتابعين، لتحقيق أهداف معينة قد تؤدي إلى خلق أزمة ثقة بين المؤثر والمتابع، خاصة عندما يكتشف الجمهور أن القصص كانت مبالغا فيها أو مختلقة، بالإضافة إلى أن التعرض المستمر لمثل هذه القصص يؤدي إلى "استنزاف عاطفي" يرهق المتابع من كثرة المشاعر السلبية.
نماذج عن التعامل مع المؤثرين
واختتمت بوراوي أن كفار قريش كانوا يقولون قصائد تذم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، لكن لم تصل لنا هذه القصائد لأن المسلمين لم يتناقلوها ولم يعيروها اهتماما فاندثرت.
وفي مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" وفي مشهد خارج عن السيناريو، سأل البطل القاضي إن كان يعرف محل قصب السكر في آخر نفق العباسية في مصر، وأخبره القاضي أنه يعرفه، فطلب منه البطل أن لا يشرب من ذلك المشروب.
المقطع عادي جدا، ولكن الغريب أنه كان هناك بالفعل في آخر نفق العباسية في مصر محل قصب سكر يقدم عصيرا سيئا جد، وعندما انتشر المقطع واشتهرت المسرحية، أخذ الفضول الناس هناك لزيارة المحل الذي تحدث عنه البطل لتجربة عصيره السيء، والتأكد من أنه فعلا سيء، فانزعج صاحب المحل في البداية وكان يريد رفع قضية ضد البطل، لكنه تفاجأ بتوافد آلاف الزبائن.
وبالرغم من أن الدعاية كانت سلبية، إلا أنها كانت سببا في شهرة محله وفتح عدة فروع لنفس الشراب السيئ، فالخدمة التي قدمها بطل المسرحية لصاحب المحل هي نفسها الخدمة التي نقدمها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي للأشخاص الذين يمتلكون محتوى سيئا وفاسدا، والذين جعلنا لهم قيمة في المجتمع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
٠١-٠٣-٢٠٢٥
- الخبر
مؤثرون بشعار "الفضائح مقابل المشاهدات"
باتت مشاهد المؤثرين وهم ينقلون على المباشر حياتهم الخاصة دون فلاتر، نوعا جديدا من "التسلية السامة" في الجزائر، دون مراعاة للعواقب الأخلاقية أو النفسية، سواء على المؤثر نفسه أو على جمهوره. والأخطر أن هذه الممارسات أصبحت نموذجا يُحتذى به، مما يؤدي إلى مزيد من الاستعراض الزائف والتلاعب بالمشاعر على نطاق أوسع. فرضت ظاهرة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي وجودها أكثر في السنوات الأخيرة، إذ ثمة من يعتبرها وظيفة يمارسها البعض من أجل اكتساب الشهرة، خاصة الذين يسمون أنفسهم بالمؤثرين أو المصطلحات التي يتداولها شباب اليوم أنستغراموز، أنفيلونسوز، أو يوتيوبرز، وهناك من يرى أن المؤثرين هم من يشاركون متابعيهم مواضيع متنوعة قصد التفاعل معها واقتراح حلول بديلة لمشاكل معينة. وسرعان ما تحولت فكرة "المؤثرين" إلى ظاهرة يعتبرها البعض طريقا سهلا وسريعا للربح أو الشهرة، من خلال استخدامها لأهداف تسويقية وأيضا من خلال مشاركتهم يومياتهم على تطبيق الأنستغرام والتيك توك واليوتيوب بنشر "فلوغ" يتضمن يومياتهم ومشاركتها لمتابعيهم. وأصبح المؤثرون يشاركون حياتهم الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي وقصص عائلتهم لاستقطاب الشباب بالفكاهة والتفاهة ويسوقون أنفسهم كنماذج سهلة للإقتداء، حيث يشاركون حياتهم اليومية وأسرارهم مع المتابعين ويرسلون لهم رسائل على أساس أنه يمكن تحقيق النجاح بطرق سهلة، من خلال تصوير طريقة معيشتهم. وهو ما أصبح يؤثر على الشباب وخاصة المراهقين الذين أصبحوا يحبذون تقليدهم بشتى الطرق، فمن الضروري إدراك الشباب وخاصة المراهقين أن ما ينشر على هذه المواقع مجرد واقع افتراضي. فالمؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي قد يستمرون في تشكيل المشهد الرقمي والتأثير في حياة الناس، ولذلك يتعين على أن يكون واعيا لهذا الواقع ويستفيد منه بطريقة تعزز التواصل الإيجابي والتنمية الشخصية. وفي استطلاع قامت به "الخبر"، مع بعض المتتبعين لأخبار مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، أكد البعض أن هذا لا يمنع من وجود بعض المؤثرين الذين يقومون بصناعة محتوى هادف، تعليمي، ترفيهي، تثقيفي وحتى سياحي. فهؤلاء يقومون بتأثير إيجابي على الشباب، ويمكن الاعتماد على محتواهم كمحتوى ترفيهي أو تثقيفي للاستفادة منه، ويمكن اعتماده كبديل للمسلسلات الدرامية مثل أولئك المؤثرين الذين يحملون معدات تقنية كالكاميرا والميكروفون ذات جودة عالية، يمكنهم نقل المتابع إلى أماكن سياحية تجعل المشاهد يبقى على شاشة هاتفه طويلا للاستمتاع بالمحتوى، أو أن يقدم المؤثرون محتوى خاصا حلا لمشاكل جمهورهم، وبذلك سيكسبون ثقة متابعيهم والاعتماد على المصداقية مع جمهورهم، مما سيزيد من التفاعل مع محتواهم الإيجابي. وذكرت السيدة دلال بوجلال، شابة جامعية متزوجة حديثا، تعمل في مجال التسويق الرقمي، أن بعض المحتويات تعبر فعلا عن صفة التأثير على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى جمهور واسع وتغيير سلوكياتهم وآرائهم إلى الإيجابية. ومع ذلك، تقول، أنه من الضروري أن يكون لدينا نظرة نقدية ووعي للتمييز بين المؤثرين الحقيقيين والمصداقية في محتواهم الذي يجب أن يكون فيه توازن بين قوة التأثير والشفافية. من جهة أخرى، قال السيد ناصري فارس، أستاذ في الابتدائي، أن ظاهرة مشاركة المؤثرين لقصصهم العائلية والشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أشبه بعروض الواقع التي تمزج بين الترفيه والدراما، لكنها تثير العديد من التساؤلات حول حدود الخصوصية والاستغلال العاطفي للجمهور. ويضيف أنه بينما يدعي البعض أنها نوع من الصراحة والانفتاح، إلا أنها في الواقع قد تكون وسيلة لتحقيق الشهرة السريعة أو التربح من المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات العائلية والمواقف الحساسة. وحذّر المتحدث من أن التأثير على الجمهور، خاصة الشباب، قد يكون خطيرا، إذ يخلق توقعات غير واقعية عن العلاقات العائلية والحياة الشخصية، مما يدفع البعض إلى مقارنة حياتهم الخاصة بتلك الروايات المجمّلة أو المفبركة، وإضافة إلى ذلك، يساهم هذا النمط في انتهاك خصوصية الأفراد الآخرين من العائلة، الذين قد لا يرغبون في مشاركة تفاصيل حياتهم، لكنهم يجدون أنفسهم جزءا من "عرض" غير مرغوب فيه. أما سامية عسكراتني، وهي سيدة في الخمسينات متقاعدة، قالت أنها تقضي بعض الساعات مع الهاتف النقال، غير أن ما تشاهده أصبح يفوق حدود الخيال، إذ كيف يمكن أن تكون حياة الأزواج مثلا مفتوحة على الجميع دون حذف؟ تتساءل. وتؤكد أن أبرز الجوانب السلبية لهذه الظاهرة التلاعب بالعواطف، حيث يتعمد بعض المؤثرين تضخيم المشكلات أو عرض جوانب انتقائية من حياتهم لكسب التعاطف وزيادة التفاعل. وهذا النوع من المحتوى يحول القصص العائلية إلى دراما مفتعلة، مما يجعل المتابعين وكأنهم جمهور لمسلسل مستمر بلا نهاية، حيث يعاد تدوير الأزمات والمشاكل لجذب الانتباه وتحقيق الأرباح. " يقتاتون على اختلاق فضائح أخلاقية" وترى الأستاذة صبرينة بوراوي، مختصة نفسية تربوية ومختصة في العلاج النسقي الأسري، أن العصر الرقمي لم تعد الشهرة فيه مقتصرة على المشاهير التقليديين، بل أصبحت في متناول أي شخص يمتلك هاتفا ذكيا وحسابا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث برزت ظاهرة مشاركة تفاصيل الحياة الشخصية بشكل مفرط، لدرجة أنها أصبحت مسرحا مفتوحا، وجزءا أساسيا من المحتوى الرقمي. لذا نجد أنفسنا أمام سؤال مهم، وهو ما يدفع هؤلاء المؤثرين إلى مشاركة أدق تفاصيل حياتهم مع ملايين المتابعين؟ هل هي رغبة في الإلهام أم استراتيجية تسويقية مدروسة؟. وأكدت أنه من الناحية النفسية، يميل الإنسان بطبيعته إلى مشاركة تجاربه والتفاعل مع الآخرين، لكن في حالة المؤثرين، يبدو أن الأمر تجاوز ذلك ليصبح استراتيجية مدروسة. فمشاركة اللحظات الشخصية، سواء كانت سعيدة أو حزينة، تخلق شعورا بالتقارب مع المتابعين والوصول إلى تحقيق الحاجة إلى القبول الاجتماعي. وتوضح أن التفاعل مع المتابعين، من خلال الإعجابات والتعليقات، يعتبر مصدرا للتعزيز الذاتي مما يخلق شعورا بالمكافأة ويعزز الرغبة في الاستمرار بالمشاركة. ومع ذلك، تقول أن هذا الارتباط بالمحتوى الشخصي قد يؤدي إلى تآكل الحدود بين الحياة الخاصة والعامة، مما يجعلهم عرضة للضغط النفسي والتدخلات غير المرغوب فيها من المتابعين. وأضافت الأساتذة بوراوي أن المؤثرين يسعون إلى بناء هوية رقمية تعكس صورة مثالية عن حياتهم تعزز صورتهم، كما أن القصص الشخصية أداة تسويقية قوية. فالشراكة مع العلامات التجارية تعتمد بشكل كبير على تفاعل الجمهور، مما يدفع المؤثرين إلى توظيف تفاصيل حياتهم لجعل الإعلانات تبدو أكثر "طبيعية" قائلة: "هناك دراسة أظهرت أن المنشورات التي تحتوي على قصص شخصية تحصد تفاعلا أعلى بثلاثة أضعاف مقارنة بالمحتوى التقليدي". وقالت المتحدثة أنه من السهل التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مفبرك في عالم التواصل الاجتماعي، فبينما يشارك بعض المؤثرين تجاربهم بصدق، يلجأ آخرون إلى تضخيم الأحداث أو حتى اختلاقها بالكامل من أجل إثارة الجدل وجذب المزيد من المشاهدات، معتمدين على القصص الدرامية مثل المشكلات العائلية أو الأزمات العاطفية أو حتى الفضائح الأخلاقية. وفي بعض الحالات تتطور ليصبح المؤثر أسيرا لصورة يحافظ عليها ولو كان ذلك على حساب مصداقيته أو استقراره النفسي. وأوضحت أن الظاهرة لا تخلو من المخاطر، خاصة على الشباب، حيث نواجه خطر "تشويه الواقع"، حيث تعرض نسبة كبيرة من المؤثرين حياة "مثالية" غير واقعية، مما يخلق شعورا بعدم الرضا لدى المتابعين ويثير المقارنات السلبية، ما يؤدي إلى تدني الثقة بالنفس وزيادة مشاعر القلق والاكتئاب. إضافة إلى أن هذه الظاهرة تعمل على "تآكل الخصوصية وتطبيعها"، حيث تحولت العلاقات الإنسانية إلى سلعة تعرض للجمهور تضعف الحدود بين الحياة العامة والخاصة، إضافة إلى خطر التأثير على "الهوية الاجتماعية" والخطر الأكبر هو الإدمان على متابعة المؤثرين، ما يؤدي إلى نوع من التعلق غير الصحي الذي قد يؤثر على تفاعلهم في الحياة الحقيقية. وللأسف، تواصل، أن بعض المؤثرين يستخدمون قصصا شخصية كأداة للابتزاز العاطفي واستغلال مشاعر المتابعين، لتحقيق أهداف معينة قد تؤدي إلى خلق أزمة ثقة بين المؤثر والمتابع، خاصة عندما يكتشف الجمهور أن القصص كانت مبالغا فيها أو مختلقة، بالإضافة إلى أن التعرض المستمر لمثل هذه القصص يؤدي إلى "استنزاف عاطفي" يرهق المتابع من كثرة المشاعر السلبية. نماذج عن التعامل مع المؤثرين واختتمت بوراوي أن كفار قريش كانوا يقولون قصائد تذم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، لكن لم تصل لنا هذه القصائد لأن المسلمين لم يتناقلوها ولم يعيروها اهتماما فاندثرت. وفي مسرحية "شاهد ماشفش حاجة" وفي مشهد خارج عن السيناريو، سأل البطل القاضي إن كان يعرف محل قصب السكر في آخر نفق العباسية في مصر، وأخبره القاضي أنه يعرفه، فطلب منه البطل أن لا يشرب من ذلك المشروب. المقطع عادي جدا، ولكن الغريب أنه كان هناك بالفعل في آخر نفق العباسية في مصر محل قصب سكر يقدم عصيرا سيئا جد، وعندما انتشر المقطع واشتهرت المسرحية، أخذ الفضول الناس هناك لزيارة المحل الذي تحدث عنه البطل لتجربة عصيره السيء، والتأكد من أنه فعلا سيء، فانزعج صاحب المحل في البداية وكان يريد رفع قضية ضد البطل، لكنه تفاجأ بتوافد آلاف الزبائن. وبالرغم من أن الدعاية كانت سلبية، إلا أنها كانت سببا في شهرة محله وفتح عدة فروع لنفس الشراب السيئ، فالخدمة التي قدمها بطل المسرحية لصاحب المحل هي نفسها الخدمة التي نقدمها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي للأشخاص الذين يمتلكون محتوى سيئا وفاسدا، والذين جعلنا لهم قيمة في المجتمع.


أخبار اليوم الجزائرية
١٦-٠١-٢٠٢٥
- أخبار اليوم الجزائرية
مؤثّرون يصنعون الحدث بسلوكات غريبة
نهم الأكل محتوى لصناعة البوز مؤثّرون يصنعون الحدث بسلوكات غريبة صار النهم والشراهة في الأكل محتوى لصفحات بعض المؤثرين لصناعة الشهرة بحيث تنتشر فيديوهاتهم على نطاق واسع في مختلف الوسائط الاجتماعية على غرار التيك توك واليوتيوب والفايسبوك.. ورغم المحتوى غير الهادف إلا أنه جذب انتباه الكثيرين بسلوكاتهم الغريبة وطريقة أكلهم وخلطهم للأطباق والوجبات كما أنهم يأكلون كميات كبيرة في ظرف وجيز مما شدّ الأنظار إليهم بين من يستغرب ومن يتقزز. نسيمة خباجة كثرت تلك الصفحات والقنوات التي جعلت من الأكل محتوى ولا ندري الهدف من ممارسة تلك السلوكات والأكل بطرق غريبة على الرغم من أن ديننا الإسلامي الحنيف أوصانا عند الأكل بآداب وجب الالتزام بها إلا أن ما نراه عبر تلك الفيديوهات لا يعكس ذلك ناهيك عن الخلط الحاصل في الأطباق والوجبات بغية لفت الانتباه وحصد المشاهدات بتلك السلوكات الغريبة. الأكل محتوى لصفحاتهم الأكل بنهم وخلط الوجبات هي السمة الغالبة عل تلك الصفحات التي فعلا حصدت مشاهدات قياسية بممارسة سلوكات غريبة بعد أن صارت التفاهة تصنع البوز فبين الاستغراب والتقزز تكون تعليقات المتابعين بحيث إن هؤلاء المؤثرين جعلوا من نهم الأكل والشراهة محتوى لقنواتهم عبر المنصات الالكترونية كما يُلاحَظ أنهم يأكلون بطريقة غريبة تغيب عنها آداب الأكل ويتعمّدون خلط الوجبات فأكلهم لا يتوافق تماما مع نمط الأكل الجزائري والأطباق الراقية فعادة ما يخلطون اللبن مثلا مع المرق كسلوك غريب للفت الانتباه. اقتربنا من بعض المواطنين لرصد آرائهم حول تلك القنوات التي تخصص أصحابها في الشراهة في الأكل وخلط الوجبات فأجمعوا انها سلوكات غريبة والفضول هو ما دفعهم لمتابعة هؤلاء اليوتوبور. تقول الآنسة ريمة إنها فعلا تمر عليها تلك الفيديوهات عبر التيك توك أو الفايسبوك وتجذبها غرابة تلك السلوكات ونهم الأكل وخلطه بصورة غير محببة تبعد عن التقيد بالنظام الغذائي الصحي فهؤلاء يؤذون صحتهم لصناعة الشهرة ورأت ان الظاهرة يطغى عليها جنس الإناث وقلما نجد مؤثرين رجال يمارسون تلك السلوكات وذكرت على سبيل المثال أختين شاعت فيديوهاتهما كثيرا بحيث تأكلان بطريقة غريبة وتخلطان الأكل إلى حد التقزز ورأت إحداهما مؤخرا وهي تخلط طبق البوزلوف بالكسكسي وتشرب اللبن بين الفينة والأخرى كما أكلت كمية كبيرة مما شد انتباهها. أما السيد عادل فقال انه لاحظ الظاهرة التي شاعت وانتشرت بحيث يطغى محتوى الأكل على تلك القنوات التي كثرت في الوقت الحالي وعبر بالقول إنه لا فائدة منها لاسيما وان الكثيرون انحازوا إلى سلوكات غريبة فلا آداب في الأكل كما أن اصطفاف أشهى الأكلات لدى بعضهم وأكلها بشراهة سيسيل لعاب من ليست له القدرة على توفير رغيف خبز بحيث أن بعض اليويتوبرز تصطف أشهى الأكلات على غرار الدجاج المشوي واللحوم وغيرها وتنطلق في الأكل بشراهة لترويج القناة وحصد المشاهدات دون أدنى اعتبار للفقراء والمرضى. التقليد وسّع تلك القنوات محتوى الأكل بشراهة لم يقف عند مؤثر واحد أو اثنين بل انتقل إلى العديد من الذين اختاروا محتوى الأكل لصناعة الشهرة بحيث يلتهمون الأطباق في وقت قياسي من اجل البروز والظهور بين المتابعين وقد بدأ ذلك المحتوى بين أختين شاعتا في ظرف قياسي لا تظهران حتى تصطفان الأكل على المائدة والمشروبات بكل أنواعها فهو المحتوى الرئيسي لهما وتقومان بأكل الأطباق مرة واحدة وبكميات كبيرة كما تخلطان الأكل لجذب الانتباه والبروز بعدها زحفت الفكرة إلى مؤثرين آخرين وصار الأكل في أفخم المطاعم إذ تُصطف أرقى الأكلات التي يتناولها المؤثر أو المؤثرة على المباشر وبكميات كبيرة تخرج عن الطبيعة البشرية وتعرضت تلك القنوات إلى انتقادات لاذعة فالمحتوى غير هادف كما أن آداب الأكل شرط غائب إلى جانب خلط الوجبات وعدم الاعتماد على نظام غذائي متوازن وكأن غرض هؤلاء هو التأثير السلبي على العقول بعيدا عن الإيجابيات التي تنعدم تماما في تلك الفيديوهات. حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة


الشروق
١٠-٠١-٢٠٢٥
- الشروق
جزائريون يحوّلون 'يناير' من احتفال محلي إلى ثقافة عالمية
يحتفل الجزائريون كل عام برأس السنة الأمازيغية 'يناير'، خاصة بعدما أصبح يوما رسميا منذ بضع سنوات، فهو مناسبة تعكس ارتباطهم العميق بجذورهم الثقافية وهويتهم المتجذرة عبر التاريخ، هذا الاحتفال الذي يحمل طابعا تقليديا أصيلا بات اليوم يشهد تحوّلا معاصرا بفضل جهود الشباب الذين يجمعون بين الإبداع التكنولوجي والاعتزاز بتراثهم الأمازيغي، عبر منصات الرقمنة الحديثة، استطاع هؤلاء الشباب تحويل يناير من مجرد احتفال محلي كان يقتصر على بعض المناطق فقط، إلى فرصة عالمية للترويج للثقافة الأمازيغية الجزائرية والعمل على استمراريتها وتعريف الأجيال الجديدة بها. تتنوع الأجواء الاحتفالية والمظاهر بعيد يناير من إعداد الأطباق التقليدية مثل 'الكسكس' و'الشخشوخة'، إلى تنظيم أنشطة فنية وفلكلورية تجسّد الروح الجماعية والموروث الشعبي للمنطقة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تطورا في أسلوب الاحتفال، حيث تبنّت الجمعيات الثقافية والمؤسسات المحلية طرقا عصرية تعزّز من قيمة هذه المناسبة، كنوع من الترويج لثقافتها. وفي سياق ذلك، كشف الدكتور علي كحلان، المختص في الرقمنة، لـ'الشروق' عن إدراج عروض رقمية بهذه المناسبة تحكي تاريخ الأمازيغ عبر تقنيات الواقع الافتراضي، مما يسمح للمتصفحين بالتعرف على التراث الأمازيغي بطرق مبتكرة، كما تقام معارض افتراضية تسلط الضوء على الحرف اليدوية الأمازيغية والأزياء التقليدية، ما يجعل هذه الثقافة أقرب لجيل الشباب، مضيفا أن بعض الشركات الناشئة أصبحت اليوم تستثمر في تطوير تطبيقات تعليمية لتعلم اللغة الأمازيغية، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يجعل اللغة والثقافة الأمازيغية أكثر سهولة في الانتشار والتعلم. وفي المقابل، أضاف المتحدث أن التكنولوجيا أصبحت أداة قوية لتثمين التراث بصفة عامة وليس الأمازيغي فقط وضمان استمراره في مواجهة تحدّيات العولمة، قائلا إن الرقمية تقدّم فرصة فريدة لتعريف العالم بهذا التراث، طالما أن الشباب مستمرون في الجمع بين الإبداع، التكنولوجيا، والاعتزاز بجذورهم، سينجحون في التعريف به عالميا على حد قوله. وأوضح الدكتور كحلان، أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية هو في حد ذاته فرصة لترويج التراث الأمازيغي الذي يعتبر إحدى الركائز الأساسية للهوية الجزائرية، مشيرا إلى أنه يعكس عمق الجذور وتنوع الثقافة المحلية التي تتميّز بها بلادنا، وأضاف أن العولمة قد تتسبّب أحيانا في طمس الهويات، ولهذا يصبح الحفاظ على هذا الإرث وتثمينه ضرورة، خاصة بالنسبة للشباب الذين يعتبرون اداة لنقل التراث للأجيال القادمة. وأشار الخبير إلى أن التكنولوجيا مؤخرا ساهمت بشكل كبير في إعادة إحياء الثقافة الأمازيغية وتحويلها إلى قوة معاصرة،حيث لم يعد هذا التراث مجرد جماد قديم، بل تطور إلى محتوى افتراضي من خلال أعمال حديثة مثل مقاطع موسيقية تمزج بين الإيقاعات التقليدية والأصوات العصرية، أفلام قصيرة، وحتى رسوم متحركة تروي الأساطير والحكايات الأمازيغية. كما لفت الدكتور كحلان إلى الإبداع الكبير الذي يظهره الشباب الجزائري في توظيف المنصات الرقمية مثل 'يوتيوب'، 'أنستغرام'، و'التيك توك' لنشر القصص، الأغاني التقليدية، والحكايات التاريخية، واعتبر أن هذه الأرشيفات الرقمية تساهم في الحفاظ على الذاكرة الثقافية للجزائر، مع تشديده للسعي إلى تحويل يناير إلى حدث عالمي يعترف به كجزء من التراث الإنساني، بالتعاون مع المنظمات الثقافية الدولية، قائلا أن هذه الخطوة نحو العالمية، وإن بدت صغيرة، تحمل في طياتها طموحات كبيرة لتعزيز الوعي بالهوية الوطنية، وإظهار ثراء الثقافة الجزائرية في مشهد ثقافي عالمي متنوع.