الرشوة سرطان يفتك بلبنان والعالم
الرشوة ليست مجرد مخالفة قانونية عابرة، بل هي آفة أخلاقية، واجتماعية، واقتصادية، تتغلغل في جذور المؤسسات العامة والخاصة، فتفسدها وتفتك بها كما يفتك السرطان بخلايا الجسد السليم، إنها مرض العصر الأخلاقي الذي تتفاوت درجات انتشاره من بلد إلى آخر، فهي ليست حكرا على دولة دون أخرى، حيث تنتشر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، إلا أن الفرق يكمن في كيفية مواجهتها، ففي حين تعتمد بعض الدول على مؤسسات رقابية فاعلة، وقوانين صارمة، وقضاء مستقل، تلجأ دول أخرى، كلبنان، إلى غض النظر عنها بل وشرعنتها تحت مسميات "التسهيل" و"الإكرامية" و"الواسطة"، ما جعلها بابا رئيسيا لانتهاك القانون وضرب العدالة وإفراغ القوانين من معناها.
الجدير بالذكر أن الرشوة تعرف على أنها نوع من أنواع الفساد، يطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه.
لم يكن لبنان بمعزل عن هذه الظاهرة، بل إنه غارق فيها حتى النخاع، فلبنان الذي كان يعرف يوما بـ"سويسرا الشرق"، أصبح اليوم نموذجا للانهيار الناجم عن تراكم الفساد بكل أنواعه، وعلى رأسه الرشوة، التي تحولت من مخالفة قانونية إلى نمط حياة وإلى جزء من "النظام" حتى باتت عرفا غير مكتوب، فساهمت في انهيار الاقتصاد، وأدت إلى تفكك الثقة بين المواطن والدولة، ففي كل مفصل من مفاصل الدولة، يبدو المواطن مضطرا لأن "يدفع ليسير أموره"، فالرشوة في لبنان لم تعد استثناءً، بل تحولت إلى قاعدة، تبدأ من أصغر المعاملات كالحصول على إخراج قيد، ولا تنتهي عند التلزيمات الكبرى والمناقصات المشبوهة، حيث تهدر مئات الملايين من الدولارات في صفقات لا تمر إلا عبر "بوابات الرضى السياسي".
واحتل لبنان المرتبة 132 عالميا من بين 194 دولة ومنطقة حكم ذاتي في مؤشر TRACE لمخاطر الرشوة لعام 2024، كما جاء في المرتبة الثامنة عربيا من أصل 19 دولة عربية، والمرتبة الـ25 ضمن 50 دولة ذات الدخل المتوسط الأدنى، ووفقا لنتائج المؤشر، بلغت نسبة المخاطر في لبنان 32% عالميا، مما يعني أن 68% من الدول حول العالم لديها مخاطر رشوة أقل من لبنان، أما عربيا، فقد سجل لبنان نسبة 63%، أي أن 37% من الدول العربية تتمتع بمستوى مخاطر أقل.
ان واقع الحياة العملية في لبنان يدل على مأساة حقيقية نعيشها كل يوم إسمها الرشوة أو "الإكرامية"، والتي تقف حائلاً بين المواطن وبين معاملته القانونية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل هيئات المجتمع المدني للتوعية حول مخاطر هذه الظاهرة وأضرارها على المجتمع والإقتصاد وسمعة الدولة، إلا أن ظاهرة الرشوة في لبنان تكاد تكون "سيدة الميدان" في معظم الإدارات والمصالح الحكومي، ويعمد البعض إلى تفسير تفشي الرشوة في لبنان، الذي لم يأت بحسب تعبيرهم من الفراغ، بل تغذيه بيئة إدارية متداعية، فضعف الرواتب مقابل غلاء المعيشة، وانعدام نظام حوافز أو رقابة فعالة داخل الإدارات، وغياب المساءلة وتفشي "ثقافة الإفلات من العقاب"، وضعف السلطة القضائية وتسييس القضاء وخوف أصحاب المصالح من تعطيل معاملاتهم إذا لم "يدفعوا"، إضافة إلى استغلال المسؤولين لنفوذهم ومواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية كلها عوامل أدت إلى أنتشار الرشوة.
يشار إلى أن مؤشرمخاطر الرشوة يصدر عن منظمة TRACE الدولية غير الربحية، والتي تهدف إلى تقييم مخاطر الرشوة والامتثال والحوكمة الرشيدة، بهدف مساعدة الشركات في قياس مستوى مخاطر الرشوة عند التعامل مع القطاع العام في مختلف البلدان، ويتكون من 65 متغيرًا موزعة على أربع فئات رئيسية للمخاطر:
التفاعلات التجارية مع الحكومة
الردع والإنفاذ في مكافحة الرشوة
شفافية الحكومة والخدمة المدنية
قدرة المجتمع المدني على المراقبة
ويتم تصنيف الدول وفق درجة من 0 إلى 100، حيث تشير الدرجات الأعلى إلى مستوى مخاطر أعلى، وقد سجل لبنان 57 نقطة في عام 2024، وهي النتيجة نفسها التي حصل عليها في 2023.
وينظرعلماء الاجتماع إلى الرشوة على أنها أفة مجتمعية قديمة لا يكاد يخلو أي مجتمع من المجتمعات من آثارها، وخطورتها تمس الفرد والمجتمع والدولة على السواء، والمعاناة منها تكاد تكون على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، بل يتعدى أثرها إلى المستوى السياسي أيضا، فهي من الجرائم الفاسدة والمفسدة، وهي تضعف ثقة الأفراد في السلطة العامة ونزاهتها، كما أن انتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض في ما بينهم، ورواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع، فالمجتمعات السليمة تنمو على أساس تكافؤ الفرص، بينما تتحول المجتمعات المصابة بالرشوة إلى أماكن مظلمة يحكمها النفوذ والمال.
يقول شارل ديغول قائد عسكري وسياسي ورجل دولة فرنسي "إذا كنت أريد أن أبني دولة راقية ومتطورة يجب أن يكون جميع المسؤولين فيها لا جيوب في سراويلهم ولا مذلة في قلوبهم"، وهنا تجدر الإشارة إلى ما أكد عليه بحث أكاديمي قامت به دائرة الإقتصاد في إحدى الجامعات اللبنانية حول الرشوة في البلاد، أن مجموع ما سرق ونهب من مال من داخل أجهزة الدولة وخارجها منذ العام 1992 إلى اليوم يشكل أكثر من 40% من الدين العام الملقى على أكتاف الشعب اللبناني، وتشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الدول حول العالم تخسر سنويا مئات مليارات الدولارات بسبب الفساد، ما يزيد الفقر، ويضعف التعليم، ويمنع تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والبنى التحتية.
يشار إلى أن السلطات في لبنان (على سبيل المثال لا الحصر) وبأمر من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجارأوقفت الشهر الجاري وزير الاقتصاد السابق أمين سلام للتحقيق معه في شبهات فساد تتعلق بـ"التزوير وإبرام عقود مشبوهة والتصرف بأموال بخلاف القانون "، كما تم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة العام الماضي وبقرار من الحجار، إضافة إلى ما حصل في عام 2023 داخل مصلحة تسجيل السيارات حيث كشفت التحقيقات عن شبكة واسعة من الرشوة داخل المصلحة وتم توقيف أكثر من 30 موظفا، بينهم رؤساء أقسام ومديرون.
القوانين اللبنانية رغم وضوحها في معاقبة الرشوة، تبقى غير مطبقة بفعالية فمواد قانون العقوبات من 350 إلى 361، والتي تعالج الإخلال الوظيفي وصرف النفوذ والاختلاس، لا تزال حبرا على ورق، مصدر قانوني أكد أن "الرشوة داء عضال لا يمكن الشفاء منه إلا من خلال إصلاح الفرد وتهذيبه وتعليمه، ابتداءً من أصغر موظف في الدولة وصولاً إلى أعلى المناصب، والوقاية من هذا المرض تبدأ بتربية الأفراد على رفض الفساد، وتعزيز ثقافة الشفافية في المدارس والجامعات ثم يأتي دور القوانين الصارمة، والأهم من ذلك تطبيقها دون استثناء" مضيفا "نحن اليوم نحتاج إلى تطبيق حازم لقانون العقوبات، وأبرز المواد 350، 351، 352، 353، 354، و355 المتعلقة بالإخلال الوظيفي، فضلا عن المادة 357 المتعلقة بصرف النفوذ والمادة 361 المتعلقة بالاختلاس واستثمار الوظيفة"، مشيرا إلى "قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/2018 الذي شكل نقلة نوعية في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، والذي يهدف إلى تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن الفساد عبر توفير شبكة حماية قانونية ومؤسساتية شاملة".
يذكر أن قانون حماية كاشفي الفساد يشمل جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، من يشغلون وظائف رسمية تشريعية، قضائية، تنفيذية، أو إدارية، سواء أكانوا دائمين أو مؤقتين، منتخبين أو معينين، مدفوعي الأجر أو غير مدفوعي الأجر، ويعتبر كاشف الفساد محميا قانونيا، ولا يعاقب بتهمة خرق السرية المهنية عند كشفه عن حالات الفساد الذي يجب عليه تقديم الكشف حصريا إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتضمين الكشف معلومات مفصلة (الاسم، النشاط المهني، طبيعة الفساد، الأشخاص المعنيون، الأدلة) ويتم الكشف بأي وسيلة قانونية.
كما يتم منح كاشفي الفساد حماية وظيفية تشمل منع، الفصل أو النقل أو الحرمان من الترقية، التخفيض في الراتب أو الرتبة، التحرش الوظيفي أو المعاملة التمييزية، أما الحماية من الأضرار غير الوظيفية تشمل: الأذى الجسدي أو المعنوي أو المادي، التهديدات أو الضغوط على الكاشف أوعائلته، والحماية الشخصية حيث يمكن للهيئة أن تطلب من النيابة العامة أو القوى الأمنية حماية الكاشف، عائلته، العاملين لديه أو الشهود، ويحظر الإفصاح عن اسم الكاشف أو هويته من دون إذنه، باستثناء الحالات الضرورية لحمايته أو لمصلحة التحقيق، وتبقى السرية سارية حتى بعد إحالة الملف للقضاء، إلا في حالات الافتراء أو الغش.
ويغرم المعتدي على كاشفي الفساد من 10 إلى 100 مليون ل.ل، و تطبيق القوانين الجزائية المشددة، أما عن المكافأت والتعويضات بالنسبة لكاشفي الفساد تصل إلى 5% من قيمة المبالغ المحصلة أو الأضرار المادية المجنبة.وإذا لم يمكن تقييم الفائدة ماديا، تحدد المكافأة بما لا يتجاوز 50 ضعف الحد الأدنى للأجور، لا يُمنح المشاركون بالفساد أي مكافآت.
أما التعويضات فتشمل لأجراء القطاع الخاص بمنح تعويض مالي يراوح بين 12 و24 شهرًا من الراتب، أما موظفي القطاع العام عبر مجلس الخدمة المدنية أو الإدارات المختصة.
الرشوة بأشكالها المختلفة تعد من الأمراض المجتمعية الخطيرة التي تنمو في ظل فساد إداري ومجتمعي بعيد عن الرقابة الفعالة بل بعيد عن أي وازع ديني وأخلاقي قد يكفي لخلق رقابة ذاتية ربما تعد الأكثر جدوى من أية رقابة أخرى قد تفرضها القوانين والأنظمة والمتابعات الإدارية الأخرى، ويجب على الجميع العمل بجدية للتخلص من سموم الرشوة وتعزيز النزاهة والعدالة في البلاد، حتى يتمكن لبنان من التقدم نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارا وازدهارا لجميع مواطنيه.
ربى أبو فاضل - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 7 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
الرشوة سرطان يفتك بلبنان والعالم
الرشوة ليست مجرد مخالفة قانونية عابرة، بل هي آفة أخلاقية، واجتماعية، واقتصادية، تتغلغل في جذور المؤسسات العامة والخاصة، فتفسدها وتفتك بها كما يفتك السرطان بخلايا الجسد السليم، إنها مرض العصر الأخلاقي الذي تتفاوت درجات انتشاره من بلد إلى آخر، فهي ليست حكرا على دولة دون أخرى، حيث تنتشر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، إلا أن الفرق يكمن في كيفية مواجهتها، ففي حين تعتمد بعض الدول على مؤسسات رقابية فاعلة، وقوانين صارمة، وقضاء مستقل، تلجأ دول أخرى، كلبنان، إلى غض النظر عنها بل وشرعنتها تحت مسميات "التسهيل" و"الإكرامية" و"الواسطة"، ما جعلها بابا رئيسيا لانتهاك القانون وضرب العدالة وإفراغ القوانين من معناها. الجدير بالذكر أن الرشوة تعرف على أنها نوع من أنواع الفساد، يطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه. لم يكن لبنان بمعزل عن هذه الظاهرة، بل إنه غارق فيها حتى النخاع، فلبنان الذي كان يعرف يوما بـ"سويسرا الشرق"، أصبح اليوم نموذجا للانهيار الناجم عن تراكم الفساد بكل أنواعه، وعلى رأسه الرشوة، التي تحولت من مخالفة قانونية إلى نمط حياة وإلى جزء من "النظام" حتى باتت عرفا غير مكتوب، فساهمت في انهيار الاقتصاد، وأدت إلى تفكك الثقة بين المواطن والدولة، ففي كل مفصل من مفاصل الدولة، يبدو المواطن مضطرا لأن "يدفع ليسير أموره"، فالرشوة في لبنان لم تعد استثناءً، بل تحولت إلى قاعدة، تبدأ من أصغر المعاملات كالحصول على إخراج قيد، ولا تنتهي عند التلزيمات الكبرى والمناقصات المشبوهة، حيث تهدر مئات الملايين من الدولارات في صفقات لا تمر إلا عبر "بوابات الرضى السياسي". واحتل لبنان المرتبة 132 عالميا من بين 194 دولة ومنطقة حكم ذاتي في مؤشر TRACE لمخاطر الرشوة لعام 2024، كما جاء في المرتبة الثامنة عربيا من أصل 19 دولة عربية، والمرتبة الـ25 ضمن 50 دولة ذات الدخل المتوسط الأدنى، ووفقا لنتائج المؤشر، بلغت نسبة المخاطر في لبنان 32% عالميا، مما يعني أن 68% من الدول حول العالم لديها مخاطر رشوة أقل من لبنان، أما عربيا، فقد سجل لبنان نسبة 63%، أي أن 37% من الدول العربية تتمتع بمستوى مخاطر أقل. ان واقع الحياة العملية في لبنان يدل على مأساة حقيقية نعيشها كل يوم إسمها الرشوة أو "الإكرامية"، والتي تقف حائلاً بين المواطن وبين معاملته القانونية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل هيئات المجتمع المدني للتوعية حول مخاطر هذه الظاهرة وأضرارها على المجتمع والإقتصاد وسمعة الدولة، إلا أن ظاهرة الرشوة في لبنان تكاد تكون "سيدة الميدان" في معظم الإدارات والمصالح الحكومي، ويعمد البعض إلى تفسير تفشي الرشوة في لبنان، الذي لم يأت بحسب تعبيرهم من الفراغ، بل تغذيه بيئة إدارية متداعية، فضعف الرواتب مقابل غلاء المعيشة، وانعدام نظام حوافز أو رقابة فعالة داخل الإدارات، وغياب المساءلة وتفشي "ثقافة الإفلات من العقاب"، وضعف السلطة القضائية وتسييس القضاء وخوف أصحاب المصالح من تعطيل معاملاتهم إذا لم "يدفعوا"، إضافة إلى استغلال المسؤولين لنفوذهم ومواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية كلها عوامل أدت إلى أنتشار الرشوة. يشار إلى أن مؤشرمخاطر الرشوة يصدر عن منظمة TRACE الدولية غير الربحية، والتي تهدف إلى تقييم مخاطر الرشوة والامتثال والحوكمة الرشيدة، بهدف مساعدة الشركات في قياس مستوى مخاطر الرشوة عند التعامل مع القطاع العام في مختلف البلدان، ويتكون من 65 متغيرًا موزعة على أربع فئات رئيسية للمخاطر: التفاعلات التجارية مع الحكومة الردع والإنفاذ في مكافحة الرشوة شفافية الحكومة والخدمة المدنية قدرة المجتمع المدني على المراقبة ويتم تصنيف الدول وفق درجة من 0 إلى 100، حيث تشير الدرجات الأعلى إلى مستوى مخاطر أعلى، وقد سجل لبنان 57 نقطة في عام 2024، وهي النتيجة نفسها التي حصل عليها في 2023. وينظرعلماء الاجتماع إلى الرشوة على أنها أفة مجتمعية قديمة لا يكاد يخلو أي مجتمع من المجتمعات من آثارها، وخطورتها تمس الفرد والمجتمع والدولة على السواء، والمعاناة منها تكاد تكون على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، بل يتعدى أثرها إلى المستوى السياسي أيضا، فهي من الجرائم الفاسدة والمفسدة، وهي تضعف ثقة الأفراد في السلطة العامة ونزاهتها، كما أن انتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض في ما بينهم، ورواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع، فالمجتمعات السليمة تنمو على أساس تكافؤ الفرص، بينما تتحول المجتمعات المصابة بالرشوة إلى أماكن مظلمة يحكمها النفوذ والمال. يقول شارل ديغول قائد عسكري وسياسي ورجل دولة فرنسي "إذا كنت أريد أن أبني دولة راقية ومتطورة يجب أن يكون جميع المسؤولين فيها لا جيوب في سراويلهم ولا مذلة في قلوبهم"، وهنا تجدر الإشارة إلى ما أكد عليه بحث أكاديمي قامت به دائرة الإقتصاد في إحدى الجامعات اللبنانية حول الرشوة في البلاد، أن مجموع ما سرق ونهب من مال من داخل أجهزة الدولة وخارجها منذ العام 1992 إلى اليوم يشكل أكثر من 40% من الدين العام الملقى على أكتاف الشعب اللبناني، وتشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الدول حول العالم تخسر سنويا مئات مليارات الدولارات بسبب الفساد، ما يزيد الفقر، ويضعف التعليم، ويمنع تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والبنى التحتية. يشار إلى أن السلطات في لبنان (على سبيل المثال لا الحصر) وبأمر من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجارأوقفت الشهر الجاري وزير الاقتصاد السابق أمين سلام للتحقيق معه في شبهات فساد تتعلق بـ"التزوير وإبرام عقود مشبوهة والتصرف بأموال بخلاف القانون "، كما تم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة العام الماضي وبقرار من الحجار، إضافة إلى ما حصل في عام 2023 داخل مصلحة تسجيل السيارات حيث كشفت التحقيقات عن شبكة واسعة من الرشوة داخل المصلحة وتم توقيف أكثر من 30 موظفا، بينهم رؤساء أقسام ومديرون. القوانين اللبنانية رغم وضوحها في معاقبة الرشوة، تبقى غير مطبقة بفعالية فمواد قانون العقوبات من 350 إلى 361، والتي تعالج الإخلال الوظيفي وصرف النفوذ والاختلاس، لا تزال حبرا على ورق، مصدر قانوني أكد أن "الرشوة داء عضال لا يمكن الشفاء منه إلا من خلال إصلاح الفرد وتهذيبه وتعليمه، ابتداءً من أصغر موظف في الدولة وصولاً إلى أعلى المناصب، والوقاية من هذا المرض تبدأ بتربية الأفراد على رفض الفساد، وتعزيز ثقافة الشفافية في المدارس والجامعات ثم يأتي دور القوانين الصارمة، والأهم من ذلك تطبيقها دون استثناء" مضيفا "نحن اليوم نحتاج إلى تطبيق حازم لقانون العقوبات، وأبرز المواد 350، 351، 352، 353، 354، و355 المتعلقة بالإخلال الوظيفي، فضلا عن المادة 357 المتعلقة بصرف النفوذ والمادة 361 المتعلقة بالاختلاس واستثمار الوظيفة"، مشيرا إلى "قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/2018 الذي شكل نقلة نوعية في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، والذي يهدف إلى تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن الفساد عبر توفير شبكة حماية قانونية ومؤسساتية شاملة". يذكر أن قانون حماية كاشفي الفساد يشمل جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، من يشغلون وظائف رسمية تشريعية، قضائية، تنفيذية، أو إدارية، سواء أكانوا دائمين أو مؤقتين، منتخبين أو معينين، مدفوعي الأجر أو غير مدفوعي الأجر، ويعتبر كاشف الفساد محميا قانونيا، ولا يعاقب بتهمة خرق السرية المهنية عند كشفه عن حالات الفساد الذي يجب عليه تقديم الكشف حصريا إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتضمين الكشف معلومات مفصلة (الاسم، النشاط المهني، طبيعة الفساد، الأشخاص المعنيون، الأدلة) ويتم الكشف بأي وسيلة قانونية. كما يتم منح كاشفي الفساد حماية وظيفية تشمل منع، الفصل أو النقل أو الحرمان من الترقية، التخفيض في الراتب أو الرتبة، التحرش الوظيفي أو المعاملة التمييزية، أما الحماية من الأضرار غير الوظيفية تشمل: الأذى الجسدي أو المعنوي أو المادي، التهديدات أو الضغوط على الكاشف أوعائلته، والحماية الشخصية حيث يمكن للهيئة أن تطلب من النيابة العامة أو القوى الأمنية حماية الكاشف، عائلته، العاملين لديه أو الشهود، ويحظر الإفصاح عن اسم الكاشف أو هويته من دون إذنه، باستثناء الحالات الضرورية لحمايته أو لمصلحة التحقيق، وتبقى السرية سارية حتى بعد إحالة الملف للقضاء، إلا في حالات الافتراء أو الغش. ويغرم المعتدي على كاشفي الفساد من 10 إلى 100 مليون ل.ل، و تطبيق القوانين الجزائية المشددة، أما عن المكافأت والتعويضات بالنسبة لكاشفي الفساد تصل إلى 5% من قيمة المبالغ المحصلة أو الأضرار المادية المجنبة.وإذا لم يمكن تقييم الفائدة ماديا، تحدد المكافأة بما لا يتجاوز 50 ضعف الحد الأدنى للأجور، لا يُمنح المشاركون بالفساد أي مكافآت. أما التعويضات فتشمل لأجراء القطاع الخاص بمنح تعويض مالي يراوح بين 12 و24 شهرًا من الراتب، أما موظفي القطاع العام عبر مجلس الخدمة المدنية أو الإدارات المختصة. الرشوة بأشكالها المختلفة تعد من الأمراض المجتمعية الخطيرة التي تنمو في ظل فساد إداري ومجتمعي بعيد عن الرقابة الفعالة بل بعيد عن أي وازع ديني وأخلاقي قد يكفي لخلق رقابة ذاتية ربما تعد الأكثر جدوى من أية رقابة أخرى قد تفرضها القوانين والأنظمة والمتابعات الإدارية الأخرى، ويجب على الجميع العمل بجدية للتخلص من سموم الرشوة وتعزيز النزاهة والعدالة في البلاد، حتى يتمكن لبنان من التقدم نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارا وازدهارا لجميع مواطنيه. ربى أبو فاضل - الديار انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


الديار
منذ 17 ساعات
- الديار
الرشوة سرطان يفتك بلبنان والعالم
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب الرشوة ليست مجرد مخالفة قانونية عابرة، بل هي آفة أخلاقية، واجتماعية، واقتصادية، تتغلغل في جذور المؤسسات العامة والخاصة، فتفسدها وتفتك بها كما يفتك السرطان بخلايا الجسد السليم، إنها مرض العصر الأخلاقي الذي تتفاوت درجات انتشاره من بلد إلى آخر، فهي ليست حكرا على دولة دون أخرى، حيث تنتشر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، إلا أن الفرق يكمن في كيفية مواجهتها، ففي حين تعتمد بعض الدول على مؤسسات رقابية فاعلة، وقوانين صارمة، وقضاء مستقل، تلجأ دول أخرى، كلبنان، إلى غض النظر عنها بل وشرعنتها تحت مسميات "التسهيل" و"الإكرامية" و"الواسطة"، ما جعلها بابا رئيسيا لانتهاك القانون وضرب العدالة وإفراغ القوانين من معناها. الجدير بالذكر أن الرشوة تعرف على أنها نوع من أنواع الفساد، يطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه. لم يكن لبنان بمعزل عن هذه الظاهرة، بل إنه غارق فيها حتى النخاع، فلبنان الذي كان يعرف يوما بـ"سويسرا الشرق"، أصبح اليوم نموذجا للانهيار الناجم عن تراكم الفساد بكل أنواعه، وعلى رأسه الرشوة، التي تحولت من مخالفة قانونية إلى نمط حياة وإلى جزء من "النظام" حتى باتت عرفا غير مكتوب، فساهمت في انهيار الاقتصاد، وأدت إلى تفكك الثقة بين المواطن والدولة، ففي كل مفصل من مفاصل الدولة، يبدو المواطن مضطرا لأن "يدفع ليسير أموره"، فالرشوة في لبنان لم تعد استثناءً، بل تحولت إلى قاعدة، تبدأ من أصغر المعاملات كالحصول على إخراج قيد، ولا تنتهي عند التلزيمات الكبرى والمناقصات المشبوهة، حيث تهدر مئات الملايين من الدولارات في صفقات لا تمر إلا عبر "بوابات الرضى السياسي". واحتل لبنان المرتبة 132 عالميا من بين 194 دولة ومنطقة حكم ذاتي في مؤشر TRACE لمخاطر الرشوة لعام 2024، كما جاء في المرتبة الثامنة عربيا من أصل 19 دولة عربية، والمرتبة الـ25 ضمن 50 دولة ذات الدخل المتوسط الأدنى، ووفقا لنتائج المؤشر، بلغت نسبة المخاطر في لبنان 32% عالميا، مما يعني أن 68% من الدول حول العالم لديها مخاطر رشوة أقل من لبنان، أما عربيا، فقد سجل لبنان نسبة 63%، أي أن 37% من الدول العربية تتمتع بمستوى مخاطر أقل. ان واقع الحياة العملية في لبنان يدل على مأساة حقيقية نعيشها كل يوم إسمها الرشوة أو "الإكرامية"، والتي تقف حائلاً بين المواطن وبين معاملته القانونية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل هيئات المجتمع المدني للتوعية حول مخاطر هذه الظاهرة وأضرارها على المجتمع والإقتصاد وسمعة الدولة، إلا أن ظاهرة الرشوة في لبنان تكاد تكون "سيدة الميدان" في معظم الإدارات والمصالح الحكومي، ويعمد البعض إلى تفسير تفشي الرشوة في لبنان، الذي لم يأت بحسب تعبيرهم من الفراغ، بل تغذيه بيئة إدارية متداعية، فضعف الرواتب مقابل غلاء المعيشة، وانعدام نظام حوافز أو رقابة فعالة داخل الإدارات، وغياب المساءلة وتفشي "ثقافة الإفلات من العقاب"، وضعف السلطة القضائية وتسييس القضاء وخوف أصحاب المصالح من تعطيل معاملاتهم إذا لم "يدفعوا"، إضافة إلى استغلال المسؤولين لنفوذهم ومواقعهم لتحقيق مكاسب شخصية كلها عوامل أدت إلى أنتشار الرشوة. يشار إلى أن مؤشرمخاطر الرشوة يصدر عن منظمة TRACE الدولية غير الربحية، والتي تهدف إلى تقييم مخاطر الرشوة والامتثال والحوكمة الرشيدة، بهدف مساعدة الشركات في قياس مستوى مخاطر الرشوة عند التعامل مع القطاع العام في مختلف البلدان، ويتكون من 65 متغيرًا موزعة على أربع فئات رئيسية للمخاطر: التفاعلات التجارية مع الحكومة الردع والإنفاذ في مكافحة الرشوة شفافية الحكومة والخدمة المدنية قدرة المجتمع المدني على المراقبة ويتم تصنيف الدول وفق درجة من 0 إلى 100، حيث تشير الدرجات الأعلى إلى مستوى مخاطر أعلى، وقد سجل لبنان 57 نقطة في عام 2024، وهي النتيجة نفسها التي حصل عليها في 2023. وينظرعلماء الاجتماع إلى الرشوة على أنها أفة مجتمعية قديمة لا يكاد يخلو أي مجتمع من المجتمعات من آثارها، وخطورتها تمس الفرد والمجتمع والدولة على السواء، والمعاناة منها تكاد تكون على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، بل يتعدى أثرها إلى المستوى السياسي أيضا، فهي من الجرائم الفاسدة والمفسدة، وهي تضعف ثقة الأفراد في السلطة العامة ونزاهتها، كما أن انتشارها يؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين وإثارة الأحقاد والضغائن والتباغض في ما بينهم، ورواج الكيد والغش وكثرة السماسرة المتاجرين بحقوق الناس، حتى يغدو المجتمع غابة يكون البقاء فيها للقادرين على الدفع، فالمجتمعات السليمة تنمو على أساس تكافؤ الفرص، بينما تتحول المجتمعات المصابة بالرشوة إلى أماكن مظلمة يحكمها النفوذ والمال. يقول شارل ديغول قائد عسكري وسياسي ورجل دولة فرنسي "إذا كنت أريد أن أبني دولة راقية ومتطورة يجب أن يكون جميع المسؤولين فيها لا جيوب في سراويلهم ولا مذلة في قلوبهم"، وهنا تجدر الإشارة إلى ما أكد عليه بحث أكاديمي قامت به دائرة الإقتصاد في إحدى الجامعات اللبنانية حول الرشوة في البلاد، أن مجموع ما سرق ونهب من مال من داخل أجهزة الدولة وخارجها منذ العام 1992 إلى اليوم يشكل أكثر من 40% من الدين العام الملقى على أكتاف الشعب اللبناني، وتشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن الدول حول العالم تخسر سنويا مئات مليارات الدولارات بسبب الفساد، ما يزيد الفقر، ويضعف التعليم، ويمنع تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والبنى التحتية. يشار إلى أن السلطات في لبنان (على سبيل المثال لا الحصر) وبأمر من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجارأوقفت الشهر الجاري وزير الاقتصاد السابق أمين سلام للتحقيق معه في شبهات فساد تتعلق بـ"التزوير وإبرام عقود مشبوهة والتصرف بأموال بخلاف القانون "، كما تم توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة العام الماضي وبقرار من الحجار، إضافة إلى ما حصل في عام 2023 داخل مصلحة تسجيل السيارات حيث كشفت التحقيقات عن شبكة واسعة من الرشوة داخل المصلحة وتم توقيف أكثر من 30 موظفا، بينهم رؤساء أقسام ومديرون. القوانين اللبنانية رغم وضوحها في معاقبة الرشوة، تبقى غير مطبقة بفعالية فمواد قانون العقوبات من 350 إلى 361، والتي تعالج الإخلال الوظيفي وصرف النفوذ والاختلاس، لا تزال حبرا على ورق، مصدر قانوني أكد أن "الرشوة داء عضال لا يمكن الشفاء منه إلا من خلال إصلاح الفرد وتهذيبه وتعليمه، ابتداءً من أصغر موظف في الدولة وصولاً إلى أعلى المناصب، والوقاية من هذا المرض تبدأ بتربية الأفراد على رفض الفساد، وتعزيز ثقافة الشفافية في المدارس والجامعات ثم يأتي دور القوانين الصارمة، والأهم من ذلك تطبيقها دون استثناء" مضيفا "نحن اليوم نحتاج إلى تطبيق حازم لقانون العقوبات، وأبرز المواد 350، 351، 352، 353، 354، و355 المتعلقة بالإخلال الوظيفي، فضلا عن المادة 357 المتعلقة بصرف النفوذ والمادة 361 المتعلقة بالاختلاس واستثمار الوظيفة"، مشيرا إلى "قانون حماية كاشفي الفساد رقم 83/2018 الذي شكل نقلة نوعية في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، والذي يهدف إلى تشجيع الأفراد على الإبلاغ عن الفساد عبر توفير شبكة حماية قانونية ومؤسساتية شاملة". يذكر أن قانون حماية كاشفي الفساد يشمل جميع العاملين في القطاعين العام والخاص، من يشغلون وظائف رسمية تشريعية، قضائية، تنفيذية، أو إدارية، سواء أكانوا دائمين أو مؤقتين، منتخبين أو معينين، مدفوعي الأجر أو غير مدفوعي الأجر، ويعتبر كاشف الفساد محميا قانونيا، ولا يعاقب بتهمة خرق السرية المهنية عند كشفه عن حالات الفساد الذي يجب عليه تقديم الكشف حصريا إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتضمين الكشف معلومات مفصلة (الاسم، النشاط المهني، طبيعة الفساد، الأشخاص المعنيون، الأدلة) ويتم الكشف بأي وسيلة قانونية. كما يتم منح كاشفي الفساد حماية وظيفية تشمل منع، الفصل أو النقل أو الحرمان من الترقية، التخفيض في الراتب أو الرتبة، التحرش الوظيفي أو المعاملة التمييزية، أما الحماية من الأضرار غير الوظيفية تشمل: الأذى الجسدي أو المعنوي أو المادي، التهديدات أو الضغوط على الكاشف أوعائلته، والحماية الشخصية حيث يمكن للهيئة أن تطلب من النيابة العامة أو القوى الأمنية حماية الكاشف، عائلته، العاملين لديه أو الشهود، ويحظر الإفصاح عن اسم الكاشف أو هويته من دون إذنه، باستثناء الحالات الضرورية لحمايته أو لمصلحة التحقيق، وتبقى السرية سارية حتى بعد إحالة الملف للقضاء، إلا في حالات الافتراء أو الغش. ويغرم المعتدي على كاشفي الفساد من 10 إلى 100 مليون ل.ل، و تطبيق القوانين الجزائية المشددة، أما عن المكافأت والتعويضات بالنسبة لكاشفي الفساد تصل إلى 5% من قيمة المبالغ المحصلة أو الأضرار المادية المجنبة.وإذا لم يمكن تقييم الفائدة ماديا، تحدد المكافأة بما لا يتجاوز 50 ضعف الحد الأدنى للأجور، لا يُمنح المشاركون بالفساد أي مكافآت. أما التعويضات فتشمل لأجراء القطاع الخاص بمنح تعويض مالي يراوح بين 12 و24 شهرًا من الراتب، أما موظفي القطاع العام عبر مجلس الخدمة المدنية أو الإدارات المختصة. الرشوة بأشكالها المختلفة تعد من الأمراض المجتمعية الخطيرة التي تنمو في ظل فساد إداري ومجتمعي بعيد عن الرقابة الفعالة بل بعيد عن أي وازع ديني وأخلاقي قد يكفي لخلق رقابة ذاتية ربما تعد الأكثر جدوى من أية رقابة أخرى قد تفرضها القوانين والأنظمة والمتابعات الإدارية الأخرى، ويجب على الجميع العمل بجدية للتخلص من سموم الرشوة وتعزيز النزاهة والعدالة في البلاد، حتى يتمكن لبنان من التقدم نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارا وازدهارا لجميع مواطنيه.


النهار
٢١-٠٣-٢٠٢٥
- النهار
رتبة لبنان حيال مخاطر الرشوة: 132 عالمياً والثامنة عربياً
احتلّ لبنان المرتبة 132 بين 194 دولة ومنطقة حكم ذاتي عالمياً، والمرتبة الثامنة بين 19 دولة عربية، والـ25 بين 50 دولة ذات الدخل المتوسط الأدنى في العام حيال مؤشر مخاطر الرشوة لعام 2024. وجاء لبنان في مقياس النسبة اﻠ32 عالمياً في عام 2024، ما يعني أن 68% من البلدان حول العالم لديها مخاطر للرشوة أقل من تلك التي في لبنان، فيما جاء في مقياس النسبة اﻠ63 عربياً، بما يعني أن 37% من البلدان العربية لديها مخاطر للرشوة أقل من المخاطر في لبنان. بالمقارنة، جاء لبنان في المركز 127 بين 194 دولة ومنطقة حكم ذاتي عالمياً، وفي المرتبة السادسة بين 19 دولة عربية وفي المركز 24 بين 50 دولة ذات الدخل المتوسط الأدنى حيال مخاطر الرشوة في عام 2023. عند احتساب ذات عدد البلدان المشمولة في مؤشر عام 2023 وعام 2024، تراجعت مرتبة لبنان العالمية بخمسة مراكز، كما تراجعت مرتبته العربية بمركزين، فيما انخفضت مرتبته بين الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى بمركز واحد من عام 2023. ويصدر التقييم عن TRACE وهي منظمة دولية غير ربحية تهدف إلى تقييم الطبيعة المتعددة الأبعاد للرشوة والامتثال والحوكمة الرشيدة، ويهدف إلى تحديد مخاطر الرشوة في بلد معيّن ومساعدة الشركات على قياس مخاطر مواجهة ممارسات الرشوة في القطاع العام في البلدان والمناطق التي تنوي الشركات ممارسة الأعمال التجارية فيها. ويتألف من 65 متغيراً جُمعت في أربع فئات للمخاطر وهي التفاعلات التجارية مع الحكومة، والردع والإنفاذ في مجال مكافحة الرشوة، وشفافية الحكومة والخدمة المدنية، والقدرة على المراقبة من قبل المجتمع المدني. وتراوح نتيجة بلد ما على المؤشر بين صفر و100، بحيث تعكس الدرجة الأعلى مستوى مخاطر أعلى للرشوة، بينما النتيجة الإجمالية لبلد ما هي المتوسط المرجح للدرجات في كل فئة من الفئات الأربع. ووفق نتائج المسح في التقرير الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة بنك بيبلوس Lebanon This Week، فقد كان لبنان أكثر عرضة لمخاطر الرشوة من سلطنة عمان وتركيا والمملكة العربية السعودية، وأقلّ عرضة من هندوراس، أوزبكستان، والنيجر بين الاقتصادات ذات الناتج المحلي الذي يبلغ 10 مليارات دولار أو أكثر. أيضاً، كان لبنان أكثر عرضة لمخاطر الرشوة من الهند، المغرب، وهندوراس، وأقل عرضة من أوزبكستان وساحل العاج وباكستان بين الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، فيما كان لبنان أكثر عرضة لمخاطر الرشوة من الأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت وتونس والمغرب و سلطنة عمان بين الدول العربية. وسجل لبنان نتيجة 57 نقطة في مسح عام 2024، دون تغيير عن مسح عام 2023 مقارنة مع المعدل العالمي البالغ 48.7 نقطة و معدل الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى الذي بلغ 56.9 نقطة والمعدل العربي البالغ 62.3 نقطة، بما يعني أن مستوى مخاطر الرشوة في لبنان أعلى من المتوسط العالمي والدول ذات الدخل المتوسط الأدنى، ولكنه أقل من مستوى مخاطر الرشوة في البلدان العربية. ويصنف المسح البلدان في خمس فئات للمخاطر وهي "منخفضة جداً" و"منخفضة" و"متوسطة" و"مرتفعة" و"مرتفعة جداً"، وأشار المؤشر إلى أن لبنان يقع ضمن فئة المخاطر العالية، إلى جانب 49 دولة وولاية قضائية. وأشار إلى أن لبنان يعاني من انخفاض جودة الردع لمكافحة الرشوة وتطبيق قوانين مكافحة الرشوة، وضعف مستوى الشفافية الحكومية، ومستوى متوسط من الشفافية المالية، ومستوى متوسط من حرية وجودة الإعلام، ودرجة متوسطة من مشاركة المجتمع المدني. تعادل لبنان مع النيجر ومصر، وكان خطر الرشوة فيه أقل من بنين وبوركينا فاسو، ومستوى الخطر فيه أعلى من جمهورية الدومينيكان وغينيا عالمياً في فئة التفاعلات التجارية مع الحكومة. ويقيّم هذا العامل الروابط المباشرة بين المؤسسة والموظفين في القطاع العام، ويقيس مدى تكرار التفاعل، والتوقعات المجتمعية المحيطة بالرشوة، والنفوذ الذي قد يمارسه الموظف في القطاع العام في السعي وراء الرشوة. وكان مستوى المخاطر في لبنان أقل من قطر والبحرين والسودان والعراق والجزائر واليمن وموريتانيا وليبيا وسوريا بين الدول العربية.