
6 عوامل أفشلت الانقلاب في سوريا
لم ترشح رواية رسمية مفصلة عما جرى في سوريا في 8 مارس/ آذار 2025، ومع ذلك فقد كانت تلك الأحداث التي شهدها الساحل السوري في جوهرها "محاولة انقلاب".
تذكروا أن العمليات الإرهابية التي بدأها جنود سابقون من جيش الأسد في مناطق اللاذقية وطرطوس وحماة سرعان ما تحولت إلى اشتباكات في أماكن متعددة.
هذه المواجهات، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص، أثارت ردود فعل قوية على مستوى الرأي العام العالمي، وخاصة في تركيا وأوروبا وأميركا، حيث انطلقت حملة تحت شعار: "العلويون يرتكبون مذابح"، مما دفع الولايات المتحدة وروسيا إلى دعوة مجلس الأمن الدولي لعقد اجتماع طارئ.
لكن الأحداث لم تتوقف عند هذا الحد. في شمال حلب، خرج مسلحو قوات سوريا الديمقراطية YPG وحزب العمل الكردستاني PKK من مواقعهم في حيي الشيخ مقصود والأشرفية الخاضعين لسيطرتهم، وهاجموا قوات الأمن التابعة للحكومة السورية الجديدة. شهدت هذه المناطق اشتباكات عنيفة، ونتج عن ذلك اضطرابات كبيرة داخل المدينة.
وفي الوقت نفسه، بدأت المليشيات الشيعية داخل العراق، إلى جانب الجماعات الكردية شبه العسكرية القريبة من PKK، في التحرك، لكن الحكومة العراقية وتركيا منعتا دخول هذه الجماعات إلى سوريا.
وبمرور الوقت، أصبح من الواضح أن هذه الأحداث لم تكن مجرد اضطرابات عشوائية، بل كانت جزءًا من مخطط منظم يهدف إلى الإطاحة بالحكومة السورية، وذلك من خلال تحركات منسقة بين بقايا جيش الأسد وقوات سوريا الديمقراطية YPG.
وكان من يقف وراء هذا المخطط، إسرائيل، وبدرجة أقل، إيران. لكن هذه المحاولة فشلت.
إذن، كيف حدث ذلك؟
لماذا فشلت محاولة الإطاحة بالحكومة في دمشق؟
سبق أن كتبت هنا أن إسرائيل، في إطار إستراتيجيتها لزعزعة استقرار سوريا، حاولت خلق فوضى عبر استغلال الأقليات الدرزية والعلوية والكردية.
لكن الدروز لم يكونوا جزءًا من هذا المخطط. بل على العكس، أعلن زعيمهم في لبنان وليد جنبلاط، إلى جانب العديد من العائلات الدرزية، وقوفهم إلى جانب الحكومة السورية.
في المقابل، انسحبت بعض المجموعات من الجنود السابقين لجيش الأسد إلى العمل السري داخل المناطق العلوية، حيث نظمت نفسها بانتظار اللحظة المناسبة للهجوم على الحكومة. وكان من الواضح أن هذه الجماعات تلقت تحفيزًا من إيران.
يُعتقد أن التحذير الصارم الذي وجهه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لإيران بعدم التدخل في الشأن السوري كان يستند إلى معلومات استخباراتية تلقتها أنقرة حول استعداد بقايا جيش الأسد وقوات YPG لتنفيذ هجمات.
أما رفض قوات سوريا الديمقراطية YPG المرتبطة بحزب العمال الكردستاني دعوة عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح، فقد كان بإيعاز من إسرائيل، حيث استغل التنظيم الاضطرابات التي بدأت في اللاذقية وطرطوس ليشن هجمات على قوات الأمن التابعة للحكومة السورية في حلب، ليكون جزءًا من المخطط الأوسع للإطاحة بالحكومة.
لو نجحت هذه الخطة، لكانت دمشق قد دخلت في حالة من الفوضى، وكان من الممكن أن تمتد الاضطرابات إلى العاصمة، مما كان سيؤدي إلى سقوط حكومة أحمد الشرع، مدعومًا ذلك بتدخلات من قوى أجنبية.
وكانت النتيجة التي يهدف إليها المخطط هي إقامة دولتين جديدتين في سوريا: دولة علوية على الساحل، ودولة كردية بقيادة YPG في الشمال. هذه الخطة كانت جزءًا من المشروع الإسرائيلي المعلن لتقسيم سوريا، كما أنها كانت تتماشى مع المصالح الإيرانية.
أما روسيا، فقد فضلت البقاء في موقف المراقب، في انتظار معرفة من ستكون له الغلبة قبل أن تحدد موقفها النهائي.
لكن هذا المخطط لم ينجح، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
1- التحالف التركي-السعودي أفشل المخطط
حظيت الحكومة السورية الجديدة بدعم قوي من اثنتين من أقوى دول المنطقة. عندما قدمت تركيا والمملكة العربية السعودية دعمًا قويًا لحكومة أحمد الشرع، انضمت إليهما دول أخرى ضمن نفس التحالف.
مع بداية الأحداث، حلّقت الطائرات الحربية التركية فوق الحدود العراقية- السورية، مما منع المجموعات الكردية والمليشيات الشيعية شبه العسكرية التي كانت تحاول العبور إلى سوريا.
وبعد يومين فقط من اندلاع المواجهات، زار كل من وزير الخارجية التركي، ووزير الدفاع، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطنية (MİT) دمشق، ليعلنوا مجددًا دعمهم العلني للحكومة السورية.
من جانبها، أعلنت السعودية وقوفها إلى جانب الحكومة السورية، كما ضمنت دعم القبائل العربية والجماعات المدعومة من الأردن لصالح دمشق. وكان لهذا الدعم التركي والسعودي الدور الأكبر في إفشال المحاولة الانقلابية.
2- نجاح الحكومة السورية في إدارة الأزمة
بعد اندلاع الأحداث في اللاذقية وطرطوس، تابع أحمد الشرع بجدية الادعاءات التي تفيد بأن المدنيين تعرضوا للأذى، وبدلًا من إنكار هذه الادعاءات، قام على الفور بتشكيل لجنة وفتح تحقيقًا رسميًا، وهو ما كان نقطة تحوّل هامة.
كما تمكنت الحكومة من السيطرة على بعض الجماعات التي خرجت عن السيطرة وألحقت أضرارًا بالمدنيين، حيث تم اعتقال عناصرها، مما أدى إلى طمأنة الأقلية العلوية بشأن سلامتها، وأحبط أي محاولة لتحويل الأزمة إلى حرب أهلية. وقد ساهمت هذه الإجراءات أيضًا في تهدئة الرأي العام العالمي.
3- تأثير اتفاق عمّان
قبل يوم واحد فقط من اندلاع الأحداث، اجتمعت كل من تركيا وسوريا والعراق ولبنان والأردن في عمّان، حيث أعلنت للمرة الأولى عن إنشاء هيكل مشترك لمكافحة تنظيم الدولة.
وقد لقي الإعلان عن أن أربع دول مجاورة لسوريا ستؤسس مركز عمليات داخل البلاد لدعم الحكومة السورية صدى واسعًا في المنطقة.
إلى جانب ذلك، أعلنت هذه الدول عن تعاونها في مجال أمن الحدود، ومكافحة المخدرات، والتصدي للإرهاب، مما مثل دعمًا كبيرًا لسوريا.
استوعبت كل من إيران وإسرائيل هذه الرسالة، كما أدركت القوى التي تعمل بالوكالة داخل سوريا أن قنوات دعمها الخارجية ستنقطع قريبًا، وهو ما شكل تأثيرًا نفسيًا ساهم في إحباط المحاولة الانقلابية.
4- التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة
أدى قيام الإدارة الأميركية بمفاوضات مباشرة مع حماس بشأن وقف إطلاق النار في غزة إلى تصاعد التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي رد فعل علني على الانتقادات الإسرائيلية، وقبل أن يتم عزله لاحقًا، قال المبعوث الخاص الذي عيّنه ترامب لشؤون الأسرى في غزة، آدم بوهلر، في تصريح لشبكة CNN: "نحن لسنا عملاء لإسرائيل؛ لدينا مصالح محددة، وقد تواصلنا مع حماس بناءً على هذه المصالح".
وفي حديث لصحيفة وول ستريت جورنال، قال مسؤول أميركي: "لقد بذلنا جهدًا من أجل تحقيق تقارب بين الأكراد والحكومة السورية"، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة كانت تتصرف بشكل معاكس لسياسة إسرائيل التي تهدف إلى زعزعة استقرار سوريا. وهذه المؤشرات كانت تدل على وجود خلافات واضحة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وعندما فشلت المحاولة الانقلابية، التقى قائد القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) الجنرال مايكل إريك كوريلا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (SDF) مظلوم عبدي، ثم نقله على متن مروحية أميركية إلى دمشق، حيث تم ترتيب لقائه مع أحمد الشرع للتوصل إلى الاتفاق الشهير بين الطرفين.
في الواقع، لم يكن هذا الأمر يروق لإسرائيل، لأن هذا الاتفاق كان يساهم في استقرار سوريا، وهو ما لا يخدم المصالح الإسرائيلية.
5- الواقع الجيوسياسي
الأمر الذي لم تستوعبه إسرائيل والفصائل المدعومة من الولايات المتحدة، هو أن الواقع الميداني في سوريا، إلى جانب التغيرات الجيوسياسية الجديدة، لم يعد يسمح لهما بتنفيذ العمليات التي كانتا تخططان لها بسهولة.
فتركيا، التي تمتلك قوة عسكرية كبيرة داخل الأراضي السورية والتي دفعت PKK إلى إطلاق نداء بإلقاء السلاح، ازدادت نفوذًا بعد تراجع الدور الإيراني في الساحة السورية. إلى جانب تركيا والسعودية، تدعم قطر وعدد كبير من الدول الإقليمية الحكومة السورية، وترفض أي عمليات عسكرية تهدف إلى زعزعة استقرارها. كما أن خمس دول مجاورة لسوريا شكلت تحالفًا وأعلنت دعمها للحكومة السورية.
كل هذه العوامل تشير إلى أن الواقع الجيوسياسي قد تغير بشكل جذري، ولذلك فإن تنفيذ انقلاب داخل سوريا لم يعد أمرًا سهلًا كما كان يُظن.
6- الصراع الأوروبي-الأميركي
أثرت الحرب التجارية التي بدأها ترامب مع أوروبا على التوازنات الإقليمية أيضًا، حيث بدأت أوروبا في التقارب مع تركيا، كما بدأت في معارضة السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة وإسرائيل في كل من سوريا وغزة. عارض الاتحاد الأوروبي علنًا تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى، كما أصدر بيانًا بشأن الاضطرابات في سوريا جاء متطابقًا تقريبًا مع الموقف التركي، حيث قال:
"يدين الاتحاد الأوروبي بشدة الهجمات الأخيرة التي شنتها عناصر من بقايا نظام الأسد ضد قوات الحكومة المؤقتة، وأعمال العنف ضد المدنيين في المناطق الساحلية السورية".
كان هذا التصريح بمثابة دعم واضح للحكومة السورية الجديدة. وبعد الإعلان عنه، أصيبت الجاليات الكردية والعلوية في أوروبا بخيبة أمل، إذ لم تتمكن من تشكيل رأي عام أوروبي داعم لمطالبها.
كما أن هذا التصريح كان مؤشرًا على أن أوروبا لم تعد مستعدة لدعم كل ما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل فرضه في المنطقة. كل هذه العوامل أدت إلى فشل المحاولة الانقلابية في سوريا.
لكن هناك حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها: الشعب السوري بات يدعم حكومة أحمد الشرع، وقد أنهكته الحروب ولم يعد يريد سوى الاستقرار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
5 ملفات استراتيجية يناقشها ترامب مع قادة الخليج
مع زيارة الرئيس دونالد ترامب منطقة الخليج اليوم، الثالث عشر من مايو/ أيار 2025، تتزايد التوقّعات وتتضاعف الرهانات. إذ تمثل هذه الزيارة لحظة مفصلية في عملية إعادة ضبط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط. ففي ظلّ تحولات جيوسياسية سريعة – بدءًا من تجدد المسار الدبلوماسي مع إيران، وسقوط نظام الأسد، وصولًا إلى استمرار الحرب المشتعلة في غزة – يُتوقّع أن تتناول محادثات ترامب مع القادة الخليجيين قضايا إستراتيجية آنية، إضافة إلى رؤى بعيدة المدى تتعلق بالأمن، وفرص السلام، والتحول الاقتصادي. وعلى عكس ولايته الأولى، التي اتسمت بسياسات متشددة تجاه إيران وسوريا، تُعدّ هذه الزيارة فرصة لترامب ليتبنى نهجًا دبلوماسيًا أكثر مرونة وبراغماتية، متأثرًا بواقع إقليمي متغير وتوجهات خليجية أكثر عملية. الاتفاق النووي الإيراني وأمن الخليج في مقدمة هذه التغيرات تبرز قضية إيران. إذ من المتوقع أن تتزامن الزيارة مع الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، في إشارة إلى تحوّل كبير عن موقف ترامب السابق الرافض لخطة العمل الشاملة المشتركة، ويبدو أنَّ واشنطن وحلفاءها في الخليج يميلون حاليًا إلى مسار دبلوماسي يهدف إلى فرض قيود يمكن التحقق منها على البرنامج النووي الإيراني، مع تجنّب المواجهة العسكرية المباشرة. وقد استثمرت الأطراف الخليجية خلال العامين الماضيين في قنوات دبلوماسية خلفية مع طهران، لتأسيس آليات خفض التصعيد وقنوات اتصال غير معلنة. ومن المرجّح أن تستكشف إدارة ترامب كيف يمكن لدول الخليج أن تؤدي دورًا داعمًا في هذه المفاوضات، ربما من خلال تقديم حوافز إقليمية – كتعاون اقتصادي أو مشاريع تكامل في مجال الطاقة – مرتبطة بالتزام إيران. وقد يسهم هذا التنسيق الأميركي- الخليجي في تخفيف المخاوف من سباق تسلّح إقليمي، وخلق إطار أمني أوسع قوامه الترابط الاقتصادي كقوة استقرار. ومن المتوقع أيضًا أن يدعو القادة الخليجيون ترامب إلى ربط أي اتفاق نووي بآليات تحقق صارمة، وبنود تقيّد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونشاطاته العسكرية عبر الوكلاء. وهو ما يؤكد أن دول الخليج لم تعد تكتفي بالدبلوماسية عن بُعد، بل تطالب بدور مباشر في صياغة ترتيبات ما بعد الاتفاق. وقد يسعى ترامب إلى استثمار هذا الإجماع الخليجي لانتزاع تنازلات أوسع من طهران، لا سيما فيما يتعلق بتدخلاتها في الصراعات بالوكالة في العراق ولبنان واليمن. وإذا ما أثمرت الزيارة عن رؤية ثلاثية منسقة تجمع واشنطن، ودول الخليج، وإيران، فقد تفتح الباب أمام تهدئة إقليمية أكثر استدامة، رغم استمرار العقبات السياسية. سوريا بعد الأسد وإعادة الإعمار أما الملف السوري، فيحمل قدرًا مماثلًا من الأهمية، وربما تعقيدًا أكبر. فقد مثّل سقوط بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد أكثر من عقد من الحكم السلطوي والحرب الدامية، بداية فصل جديد هش في تاريخ سوريا. إذ تقود دمشق حاليًا حكومة انتقالية، ترى فيها دول الخليج فرصة لإعادة دمج سوريا في الفضاء العربي، بشرط أن يترسخ هذا الانتقال عبر إعادة الإعمار والإصلاحات. ومن المتوقع أن تدفع السعودية باتجاه مطالبة ترامب بتخفيف بعض عقوبات قانون قيصر، التي تعيق الاستثمار في البنية التحتية والقطاعات العامة في سوريا. ويرى قادة الخليج أن التخفيف المدروس للعقوبات – في مجالات الطاقة والمياه والإسكان – قد يعزز القيادة الجديدة، ويقطع الطريق أمام عودة النفوذ الإيراني، ويحول دون تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة. أما التحدي أمام ترامب، فيكمن في الموازنة بين الالتزامات القانونية الأميركية والمواقف الأخلاقية من جهة، والمنطق الإستراتيجي لإعادة الانخراط الاقتصادي المشروط من جهة أخرى. وإذا ما تم تقديم هذا الطرح بإطار محكم، فقد يحقق مكاسب مزدوجة: الحفاظ على النفوذ الأميركي، وفتح المجال أمام إعادة إعمار تقودها دول الخليج واستقرار سياسي طويل الأمد. ويُضاف إلى هذا المشهد السوري المعقّد فراغ السلطة الناشئ، الذي تسعى قوى متعددة لملئه. وتخشى العواصم الخليجية أن يؤدي انسحاب أميركي متسرّع من سوريا إلى أزمة مطوّلة جديدة. لذلك يُتوقّع أن تقترح هذه الدول مبادرة استقرار تقودها دول الخليج، وربما تحت مظلة جامعة الدول العربية، على أن تكون مشروطة بدعم سياسي أميركي وأطر قانونية تسمح بتدفقات مالية غربية محدودة. وقد يجد ترامب، المعروف بميوله نحو تفويض الأعباء للحلفاء الإقليميين، في هذا الطرح فرصة سياسية مناسبة، تسمح لواشنطن بالحفاظ على نفوذها في مرحلة التحول السياسي السوري، دون التورط في التزامات عسكرية أو مالية كبيرة، وذلك انسجامًا مع عقيدته المعروفة: "أميركا أولًا". وقف الحرب في غزة وإعادة الإعمار في ملف غزة، فقد تجاوزت الحرب مع إسرائيل أهدافها الأولية، وتسببت في كارثة إنسانية هائلة. ومن المرجّح أن تركّز لقاءات ترامب مع القادة الخليجيين على آليات وقف إطلاق نار فوري، وحلول طويلة الأمد للحكم بعد الحرب. ومع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، يُتوقّع أن تقترح دول الخليج مبادرة لإعادة إعمار غزة برعاية أميركية، وتمنح السلطة لمؤسسات محلية تكنوقراطية أو بإشراف دولي لا تشارك فيه حماس. وقد يسعى ترامب إلى إحياء إنجازاته السابقة من خلال اتفاقيات أبراهام، عبر ربط جهود إعادة الإعمار بتعزيز التطبيع العربي- الإسرائيلي. بيدَ أن هذا المسار محفوف بمخاطر سياسية، خصوصًا في حال رفضت إسرائيل تقديم تنازلات جوهرية، أو استمرت الانقسامات الفلسطينية الداخلية. ومع ذلك، يمكن لترامب ودول الخليج توظيف أدوات نفوذهم – الاقتصادية من جهة الخليج، والدبلوماسية من جهة واشنطن – لتأسيس نموذج حوكمة جديد في غزة، يحظى بدعم المانحين الدوليين وشرعية الفاعلين الإقليميين. وعلاوة على ذلك، من المرجّح أن يطالب القادة الخليجيون بأن تقترن جهود إعادة الإعمار بضمانات سياسية تحول دون عودة الجماعات المسلحة. وقد يقترحون نشر قوات حفظ سلام عربية أو مراقبين دوليين في غزة بعد انتهاء النزاع لضمان الاستقرار وبناء الثقة. ومن المرجّح أن يجد ترامب، الذي يفضّل الصفقات الواضحة وذات الأثر القوي، في هذه المبادرة فرصة لتقديم نفسه كصانع سلام في منطقة طالما ارتبطت بالنزاعات المزمنة. وسيكون لهذا الخطاب جاذبية مزدوجة: في العواصم الخليجية التي تتوق إلى دور أميركي فاعل، وفي قاعدته المحلية التي تسعى إلى انتصارات دبلوماسية دون انخراط عسكري طويل الأمد. التحالفات الأمنية والدفاعية في الخليج بعيدًا عن بؤر التوتر الجيوسياسي، ستكون مسألة التعاون الدفاعي والأمني ركيزة محورية في الزيارة. فما زالت دول الخليج تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي لردع التهديدات الإقليمية، خصوصًا تلك الصادرة عن إيران والجماعات المسلحة غير الحكومية كحزب الله والحوثيين. ومن المتوقع أن يؤكد ترامب على التزام بلاده بالضمانات الأمنية، مع الدعوة إلى تعزيز التكامل العملياتي عبر تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادل فوري للمعلومات الاستخباراتية، ونظم دفاع صاروخي متكاملة. كما قد تُطرح مجددًا فكرة إنشاء تحالف أمني على غرار NATO (حلف شمال الأطلسي) خاص بالخليج، لتأطير الشراكات الدفاعية القائمة منذ عقود. وسيكون لهذا التحالف دور مزدوج: ردع المغامرات الإيرانية، وإرسال رسالة مفادها استمرار التزام واشنطن بأمن الخليج، رغم انشغالاتها الإستراتيجية العالمية. غير أن ترامب سيشترط على الأرجح تعزيز هذه الضمانات بزيادة الإنفاق الدفاعي الخليجي، ورفع حجم المشتريات من الصناعات العسكرية الأميركية. وهو ما يتّسق مع نهجه المعتمد على مبدأ "المقابل المادي" في التحالفات. إعلان وفي هذا السياق، يبرز اهتمام متزايد بدمج التكنولوجيا الناشئة في البنى الدفاعية الخليجية. فأنظمة الطيران الذاتي، والمراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي، وبروتوكولات الأمن السيبراني، باتت من الركائز الأساسية في إستراتيجيات الدفاع الإقليمي. ومن المتوقع أن يعرض ترامب حزمة من تقنيات الدفاع الأميركية المصممة خصيصَى لتلبية احتياجات الخليج، بدءًا من أسراب الطائرات بدون طيار، ووصولًا إلى أنظمة بحرية ذاتية القيادة، ومنصات رصد تهديدات مدعومة بالذكاء الاصطناعي. ويُعدّ هذا الاندماج بين التكنولوجيا العسكرية والدفاع الخليجي بمثابة المرحلة التالية من التعاون الأميركي- الخليجي، إذ يتيح للدول الخليجية قدرًا أكبر من الاستقلالية، مع الحفاظ على الولايات المتحدة كشريك تقني مفضل، في مواجهة منافسين مثل الصين وروسيا. وبقدر لا يقل أهمية، وإن كان أقلّ تداولًا، يأتي في مجال التكنولوجيا، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد باتت دول خليجية مراكز إقليمية في هذا المجال، مستثمرةً مليارات الدولارات في البنية التحتية الذكية، والحكومة الرقمية، والدفاع المؤتمت. الذكاء الاصطناعي والتعاون التكنولوجي من المتوقع أن تشمل زيارة ترامب مقترحات لإنشاء شراكات ثنائية في أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتأسيس مراكز ابتكار تابعة لجهات أميركية في عواصم خليجية، وتعزيز التعاون في مجالات الأمن السيبراني والمعايير الرقمية. وستدعم هذه المبادرات أهداف التنويع الاقتصادي طويل الأمد في إطار رؤية 2030 وغيرها، كما ستشكّل في الوقت نفسه توازنًا إستراتيجيًا في مواجهة النفوذ الرقمي الصيني. ومع تزايد قلق واشنطن من تغلغل بكين في البنية التحتية الرقمية الخليجية، قد يعرض ترامب بدائل مغرية في مجالات الجيل الخامس، والخدمات السحابية، وسياسات السيادة الرقمية. علاوة على ذلك، توفّر أجندة الذكاء الاصطناعي فوائد مشتركة في مجالي تنمية القوى العاملة وبناء أنظمة الابتكار. إذ تسعى دول الخليج إلى تطوير كوادر وطنية عبر شراكات مع جامعات وشركات تقنية أميركية رائدة، وقد يقترح ترامب إنشاء تحالفات أكاديمية- صناعية تدمج الخبرات الأميركية في قطاعات الابتكار الخليجية. ومن أدوات هذه الشراكة المتوقعة: أدوات التنبؤ الأمني، وأنظمة مقاومة التغير المناخي المعززة بالذكاء الاصطناعي، وغيرها. وتتيح هذه المبادرات لترامب تقديم بلاده كقائد في ميدان يتنامى فيه النفوذ الصيني. وإن تحققت هذه المقترحات، فقد تؤسس لتحالف رقمي طويل الأمد لا يقل أهمية وتأثيرًا عن الاتفاقيات الأمنية التقليدية. في سياق أوسع، تندرج الزيارة ضمن مساعيه لإعادة بناء تحالفاته في الشرق الأوسط، في ظل تراجع الثقة الأوروبية، وعودة النفوذ الروسي- الصيني في المنطقة. وعلى هذا الأساس، تسعى إدارة ترامب إلى تأطير الخليج كمنصة إستراتيجية لانطلاقة جديدة، توظف فيها أدوات الدبلوماسية الثقافية، والابتكار التكنولوجي، والاستثمار السيادي لتعزيز موقع الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يُطرح موضوع "الناتو العربي" مجددًا، ولكن بصيغة معدّلة تُركّز على التكامل الأمني السيبراني، والدفاع الجوي المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بما يتماشى مع تطلعات دول الخليج لتعزيز أمنها الداخلي دون الانجرار إلى تحالفات عسكرية غير مرنة. ختامًا، تمثّل زيارة ترامب إلى الخليج اختبارًا لرؤيته الجيوسياسية الجديدة، وفرصة نادرة لإعادة صياغة العلاقات الأميركية-الخليجية ضمن معادلة أكثر تنسيقًا واستقرارًا. وبينما يحمل التاريخ سجلًا متقلبًا لهذه العلاقات، فإن التحولات الجارية – من حرب غزة، إلى إعادة تشكيل سوريا، إلى تصاعد المنافسة مع الصين – تفرض على الجانبين مقاربة أكثر واقعية وابتكارًا. وفي حال نجحت الزيارة في بلورة تفاهمات عملية، فقد تُمهّد الطريق لإعادة تعريف الدور الأميركي في الشرق الأوسط في العقد المقبل، بعيدًا عن الحروب المفتوحة، وقريبًا من شراكات التنمية والنفوذ الذكي.


الجزيرة
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الأوضاع الإنسانية في غزة
تعرف على العقوبات الغربية على نظام المخلوع بشار الأسد رزحت سوريا تحت وطأة عقوبات ثقيلة على مدى سنوات طويلة جعلتها ثالث أكثر دولة تعرضًا للعقوبات بعد روسيا وإيران. اقرأ المزيد المصدر : الجزيرة


الجزيرة
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
ماكرون يستقبل الشرع غدا في أول زيارة للرئيس السوري إلى أوروبا
أعلن قصر الإليزيه الثلاثاء أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيستقبل في باريس الأربعاء أحمد الشرع ، في أول زيارة للرئيس السوري الانتقالي إلى أوروبا. وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون سيؤكد مجددا دعم فرنسا لبناء سوريا جديدة حرة ومستقرة وذات سيادة تحترم كل مكونات المجتمع السوري. وأضافت أن هذا اللقاء يندرج في إطار التزام فرنسا التاريخي تجاه السوريين الذين يتطلعون إلى السلام والديمقراطية، مؤكدة أن ماكرون سيكرر مطالبه للحكومة السورية، وفي مقدمتها استقرار المنطقة، وبخاصة لبنان، وكذلك مكافحة الإرهاب. وفي بداية فبراير/شباط، وجه الرئيس الفرنسي دعوة للرئيس السوري لزيارة فرنسا، قبل أن يقرن هذه الدعوة في نهاية مارس/آذار بشرط تشكيل حكومة سورية تضم كل مكونات المجتمع المدني وضمان الأمن لعودة اللاجئين السوريين. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أكملت فصائل سورية سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث ، و53 سنة من سيطرة عائلة الأسد، بينها 24 عاما تولى خلالها بشار الأسد الرئاسة (2000-2024). وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الإدارة السورية الجديدة الشرع رئيسا للبلاد خلال فترة انتقالية من المقرر أن تستمر 5 سنوات. ومنذ تولّيه السلطة في دمشق، يحاول الرئيس السوري تقديم صورة مطمئنة للمجتمع الدولي الذي يحضّه على احترام الحريات وحماية الأقليات. ويسعى الشرع حاليا لرفع العقوبات المفروضة على سوريا حين كانت لا تزال تحت حكم الأسد.