
التحول الغربي
#التحول_الغربي
أ.د رشيد عبّاس
يرى الكثير من المهتمين اليوم أن الموقف الغربي تجاه #القضية_الفلسطينية موقف فيه كثير من التعقيد والتشابك, حيث يتراوح الموقف بين دعم حقوق الشعب الفلسطيني من جهة, وبين الحفاظ على أمن إسرائيل من جهة أخرى, وتتفاوت دول الغرب في طبيعة ومستويات هذين الموقفين المتعاكسين, ويبقى السؤال المحوري هنا: لماذا هذا التحول السريع في موقف دول الغرب تجاه القضية الفلسطينية منذُ لحظة إعلان ترامب زيارة بعض دول الخليج العربي؟ قبل أن نجيب على مثل هذا السؤال علينا الوقوف على المواقف الغربية تجاه العديد من القضايا في هذه العالم عبر مئات القرون.
في الحرب العالمية الأولى والثانية نجد أن الموقف الغربي كان متذبذباً بشكل عام لدرجة التغييرات المفاجئة قُبيل اندلاع الحرب, كذلك نجد أن الموقف الغربي في قضية الاستعمار لبعض الدول شابها كثير من التناقضات والتحولات على أرض الواقع, والقصص تطول حول الموقف الغربي المتغير بين الفينة والأخرى من الصين وروسيا وإيران والعالم العربي.
الموقف الغربي من الحرب على قطاع غزة بدأ بشيء, واليوم ينتهي بشيء آخر, فقد بدأ هذا الموقف داعماً لإسرائيل بالسلاح والمال والخبرات العسكرية بكل سخاء, واليوم نجد أن هناك تراجع واضح ومُعلن في مثل هذا الدعم المادي والمعنوي, وعلى رأس هذه الدول بريطانيا وفرنسا وألمانيا مثلاً, ويبدو أن لزيارة ترامب الاقتصادية لبعض دول الخليج قلبت الموازين لدى كثير من دول الغرب.
دول الغرب بدأت تدرس بكل عناية مستقبل الاقتصاد الأوروبي خارج إطار الاقتصاد الأمريكي, ومن هذا المنطلق سيشكل الاقتصاد الأوروبي منهجاً جديداً, وذلك من خلال بناء شراكات جديدة مع دول اقتصادية أخرى كالصين مثلاً, كردة فعل للشراكات الاقتصادية بين أمريكا وبعض دول الخليج العربي.
أمريكا ودول الغرب باتوا يتنافسوا على مواطن الاقتصاد في العالم, وسينتج عن ذلك اقتصاد شرق اوسطي جديد, فشرق أوسطي جديد لا يعني بالضرورة احتلال دول من قبل دول أخرى أو ربما استعمارها من جديد, إنما يعني بالضرورة التحولات والتحالفات الاقتصادية الجديدة في الشرق الاوسط, حيث ستشكل أمريكا ودول الخليج من جهة كتلة اقتصادية قوية, وستشكل دول الغرب والصين من جهة أخرى كتلة اقتصادية مماثلة لها.
التحول والموقف الغربي تجاه القضية الفلسطينية اليوم ليس له أية أثر أو أية معنى على الصعيد السياسي على القضية الفلسطينية برمتها, إنما هو ردة فعل اقتصادية مؤقته, سينتج عنها شراكات اقتصادية بين الغرب ودول شرق أوسطية خارج دائرة دول الخليج العربي.
الحقيقة التي لا تقبل الشك أن تاريخ دول الغرب بالنسبة للعالم العربي تاريخ مليء بالتناقضات والمفاجئات والتغيرات وعدم الالتزام, فقد تخلت كل من بريطانيا وفرنسا سياسياً عن بعض الدول العربية, تاركةً هذه الدول مرتعاً للروس والأمريكان, كيف لا وقد لعبت كل من بريطانيا وفرنسا دوراً كبيراً في تأسيس دولة إسرائيل في فلسطين قبل عام 1948 بعقود.. وكان ما كان.
وبعد..
علينا أن لا نتفاءل كثيراً بالتحول الغربي تجاه القضية الفلسطينية اليوم, فالمبالغة في التفاؤل قد يضيع كثير من الحقوق المشروعة للأمة بشكل عام وللقضية الفلسطينية بشكل خاص.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

السوسنة
منذ ساعة واحدة
- السوسنة
بين زواج مارشال وطلاق ترامب
خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية، كقوة وحيدة من بين دول الجانبين، لم تتأثر بنيتها التحتية من طرق ومبانٍ وجسور وبنوك ونحوه بضرر، ما ساعدها في احتكار التقنية الحديثة وصناعتها، واتخاذ وضعية تؤهلها لإنتاج السلع وبيعها بأسعار عالية في أرجاء العالم.لكن وجدت أمريكا أن هذا النمو الاقتصادي سيظل محصورا داخل حدودها، ما لم تقم بتفعيل اقتصادات أوروبا – التي خرجت منهكة من الحرب – لتكون سوقا لمنتجاتها، وعلمت أمريكا كذلك أن الفشل في تعافي الاقتصاد الأوروبي سوف يفسح الطريق أمام المد الشيوعي.بناء على هذه المعطيات، قامت أمريكا بوضع خطة «مارشال»، نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال، الذي دعا في خطاب له في جامعة هارفارد عام 1947 إلى مشروع مساعدة أوروبا في إعادة البناء.لم تكن أهداف خطة مارشال اقتصادية بحتة، فقد كانت أمريكا ترمي من خلالها إلى جعْل أوروبا حليفا قويا في مواجهة السوفييت، وترمي كذلك إلى منع عودة أية أنظمة ديكتاتورية تجر إلى الاقتتال بين دول أوروبا.المساعدات التي قدمتها أمريكا لأوروبا من خلال خطة مارشال، كانت حجر الأساس في انطلاق أوروبا نحو التعافي الاقتصادي.أوروبا القارة العجوز التي تقاسمت مع الولايات المتحدة الأمريكية مفهوم الغرب، ومثلتا معا ركني الحضارة الغربية، ظلت على مدى عقود من بعد الحرب العالمية الثانية متنعمة بمظلة الحماية الأمريكية، القوة الأولى في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إضافة إلى الشراكات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي حققت المنافع المتبادلة.ترامب الذي يولي تعزيز الاقتصاد الأمريكي الأولوية القصوى، ينظر إلى أوروبا على أنها عالة على الدعم الاقتصادي والأمني الأمريكي، ومن ثم يتجه إلى فصل هذا التحالف الغربيومع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، حدثت تغيرات جذرية في السياسات الخارجية الأمريكية، كان أبرزها السياسات غير المألوفة في التعامل مع أوروبا، التي فجرت مفهوم الغرب، وأنذرت بفك الارتباط، الذي امتد على مدى ما يقرب من ثمانين عاما بين أمريكا وأوروبا.بدأ ترامب حقبته بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية، وهدد بالاستحواذ على جزيرة غرينلاند الدنماركية، وتنكّر لأوكرانيا، واتهم رئيسها زيلينسكي بأنه ديكتاتور ومختلس للمساعدات الأمريكية، وعقد المفاوضات مع بوتين في غياب أوكرانيا وأوروبا.ظهر في سلوك ترامب وإدارته، ما اعتبرته أوروبا تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية، حيث دأبت الإدارة الأمريكية على انتقاد الأنظمة الأوروبية واتهامها بقمع الحريات، ومطاردة المعارضين والسطو على الانتخابات، وأرسل نائبه جيه دي فانس إلى مؤتمر ميونخ في فبراير/شباط الماضي، ليخطب خطابا تاريخيا حمل من أصناف التوبيخ لأوروبا ما حمل، ما حدا برئيس مؤتمر ميونيخ كريستوف هويسغن، للتعقيب على الخطاب قائلا: يبدو أن المبادئ المشتركة بين الدول الغربية لم تعد مشتركة اليوم، بما يعني أن العلاقات بين أمريكا وأوروبا لن تكون كما كانت. ترامب الذي يولي تعزيز الاقتصاد الأمريكي الأولوية القصوى، ينظر إلى أوروبا على أنها عالة على الدعم الاقتصادي والأمني الأمريكي، ومن ثم يتجه إلى فصل هذا التحالف الغربي، كان آخر مظاهره: التعريفات الجمركية التي فرضها على الاتحاد الأوروبي والصين. هناك أخطار عدة تتهدد القارة العجوز جراء تفتت هذا التحالف، فإضافة إلى الخسائر الاقتصادية، سوف تفقد القارة الأوروبية – التي ركنت طويلا إلى القوة الأمريكية- مظلة الحماية في وجه روسيا، ما يعرّض أوروبا، خاصة دول الشرق منها لاجتياح النفوذ الروسي. ولا شك أن أمريكا فرضت صيغة على النظم الأوروبية، تحول دون ولادة نظم ديكتاتورية ذات أطماع استعمارية على غرار الفاشية والنازية من جديد، ومع تفتت هذا التحالف فإن الباب أمام ولادة هذه النظم قد فُتح، خاصة إذا انكفأت كل دولة على شؤونها الخاصة، وتصاعدت النبرة القومية بين الشعوب الأوروبية.سياسة ترامب الجديدة، هي دعم اليمين الأوروبي الذي يتناغم مع توجهاته السياسية، ومن ثم تخشى أوروبا أن تقع الدول الأوروبية في قبضة هذا اليمين المتطرف. لا شك أن حقبة ترامب يتشكل فيها نظام عالمي جديد، من خلال سياسات ترامبية تتبنى القومية الاقتصادية، تعتمد على المصلحة الذاتية أولا، وإعادة توزيع القوة من خلال دوائر النفوذ، ووصولا إلى ذلك يعمل ترامب على مد جسور التفاهم مع الصين وروسيا، باعتبارهما أقوى وأبرز المنافسين، بما يعني أن العالم معرض لأن يكون كعكة تتقاسمها الدول العظمى من خلال التفاهمات وتقاطع المصالح واقتسام النفوذ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.كاتبة أردنية


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
روبيو، كوبا، والنموذج الصهيوني
ترجمة: علاء الدين أبو زينة اضافة اعلان لورنس ديفيدسون* - (تو ذا بوينت) 26/5/2025في هذا المقال، يشرح لورنس ديفيدسون كيف أن تاريخ لوبي الأميركيين الكوبيين، بتقليده للوبي الإسرائيلي، هيأ وزير الخارجية الأميركي لتنفيذ رغبات ترامب، غالبًا غير الإنسانية والمخالفة للدستور.* * *تحوّل ماركو روبيو إلى واحد من الأشخاص الذين "يُعتمد عليهم" بالنسبة للرئيس دونالد ترامب. تمّ تعيينه أولًا وزيرًا للخارجية في ولاية ترامب الثانية، ثم عُيِّن مؤخرًا ليكون مستشارًا للأمن القومي بالإنابة. وقد أثبت فاعلية في تحويل أهداف ترامب إلى ممارسات سياسية واقعية.لم يكن هذا بالأمر الصعب على روبيو لأنه يتقاسم مع ترامب العديد من تحيزاته، مثل الإيمان المطلق تقريبًا بوجوب دعم إسرائيل حتى وهي تنتهك المبادئ الإنسانية والقانون الدولي.لهذا الغرض، كرّس روبيو نفسه -بصفته وزيرًا للخارجية- لإعادة هيكلة "مكتب وزارة الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل". لماذا فعل؟ لأن هذا المكتب، بحسب زعمه، "خاض معارك ضد القادة غير المنسجمين مع الفكر التقدمي في دول مثل بولندا والمجر والبرازيل، وسعى إلى تحويل كراهيته لإسرائيل إلى سياسات ملموسة، مثل حظر الأسلحة". وفي الوقت ذاته، دعم روبيو ممارسات ترامب التي تجلّت في اعتقال مؤيدي فلسطين وترحيل قادتهم من البلاد بطريقة انتقائية.ويؤكد سجل روبيو التصويتي في الكونغرس ارتباطه الوثيق بإسرائيل:1. "عارض السيناتور روبيو الاتفاق النووي مع إيران، ودعم نقل السفارة الأميركية إلى القدس. كما دعم 'قانون تايلور فورس'، الذي ينص على عدم تقديم أي أموال حكومية أميركية إلى أي جهة فلسطينية تكافئ ماليًا 'الإرهابيين' أو عائلاتهم. كما انتقد قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي يؤكد أن المستوطنات الإسرائيلية لا تمتلك شرعية قانونية، وشارك في رعاية تشريع يعارض هذا القرار".2. "يعارض السيناتور روبيو 'حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات' (BDS)، وشارك في رعاية قانون مناهضة مقاطعة إسرائيل وقانون مكافحة 'حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات' للعام 2017، وهما قانونان يهدفان إلى مكافحة المقاطعات التي اعتُبرت تمييزية والتي تستهدف إسرائيل. وفي العام 2019، صوّت روبيو لصالح "قانون تعزيز أمن الشرق الأوسط الأميركي"، الذي -من بين بنود أخرى- عزز أمن إسرائيل وسمح للحكومات المحلية أو الحكومية باتخاذ إجراءات لسحب استثماراتها من الكيانات التي تقاطع إسرائيل".3. "شارك السيناتور روبيو في رعاية 'قانون الوعي بمعاداة السامية'، الذي يهدف إلى تبني تعريف لمعاداة السامية لأغراض تطبيق القوانين الفيدرالية المناهضة للتمييز في البرامج أو الأنشطة التعليمية".من كل هذه المظاهر، يبدو روبيو سياسيًا انتهازيًا لا يعبأ كثيرًا بالقواعد التي يفرضها الدستور الأميركي، ناهيك عن القانون الدولي. وهو بالتأكيد مستعد وقادر على تنفيذ أوامر ترامب، حتى وإن كانت غير دستورية وغير إنسانية.لكن ثمة جانبًا أعمق في قصة ماركو روبيو.خلفية روبيو ذات الصلةوُلد روبيو في العام 1971 لأبوين كوبيين منفيين يعيشان في فلوريدا، ما يعني أنه وُلد في داخل مجتمع بثقافة تعادي حكم فيدل كاسترو وخلفائه بشكل علني. ولا يمكن التأكيد بما يكفي على أن هذا المجتمع كان مغلقًا نسبيًا، لكنه كان شديد التنظيم بحيث كان مجرد التشكيك في الموقف المعادي لكاسترو يُعتبر خيانة.وكان ذلك المجتمع أيضًا واحدًا يتمتع بتأثير سياسي كبير عندما يتعلق الأمر بالضغط على الحكومة الفيدرالية عندما يتعلق الأمر بالسياسات الخارجية المتعلقة بكوبا. على سبيل المثال، سعى سياسيون، مثل روبيو، إلى فرض الحصار الاقتصادي على كوبا من دون أي اكتراث بمدى الفقر المتزايد للشعب الكوبي، أو ما تسببه هذه السياسة من توتر مع حلفاء الولايات المتحدة الذين يتعاملون تجاريًا مع كوبا.لطالما صوت أغلب الأميركيين الكوبيين الذين تعود جذورهم إلى الهجرة المناهضة لكاسترو لصالح الجمهوريين. وهو أمر مفهوم؛ فقد رأوا أن الجمهوريين أكثر ثباتًا في عدائهم لكاسترو من الديمقراطيين، خاصة بعد فشل محاولة غزو خليج الخنازير.بذلك، يكون انتماء روبيو الدائم للحزب الجمهوري، سواء في مسيرته السياسية في فلوريدا أو خلال عضويته في الكونغرس، انعكاسًا لظاهرة الامتثال الثقافي. كما تفسر هذه الخلفية تحالفه السريع مع ترامب، الذي سعى دائمًا إلى كسب دعم المجتمع الكوبي الأميركي (المثال الذي يتصوره ترامب عن "المهاجرين الجيدين").ولكن، كيف يمكن أن تفسر هذه الخلفية التزام روبيو الواضح تجاه إسرائيل والصهاينة؟الأميركيون الكوبيون والصهاينةفي العام 1981، قام أحد المنفيين الكوبيين والمشاركين في فشل عملية خليج الخنازير، ويدعى ماس كانوسا، بتأسيس "المؤسسة الوطنية الأميركية الكوبية" (CANF). وقد تشكلت هذه المؤسسة تحت تأثير كراهية كانوسا العميقة لحكومة كاسترو. وكانت تكتيكاتها في العمل تعكس شخصيته السلطوية ذات النظرة الأحادية.على سبيل المثال، وبحسب ما كانت تراه "مؤسسة كوبا الوطنية الأميركية"، سيكون سقوط نظام كاسترو فقط هو ما يمكن أن يُعتبر نتيجة مقبولة. أما أولئك الذين اقترحوا التفاوض مع الحكومة الكوبية، فتم تصنيفهم على أنهم خونة. وكان تجويع المواطنين الكوبيين إلى الحد الذي يُفترض أنهم سينقلبون عنده على النظام هو الاستراتيجية المقبولة والمفضلة.وفي غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً، أصبحت وجهة نظر هذه المؤسسة هي السائدة أولاً في مجتمع المنفى الكوبي في ميامي، ثم في باقي أنحاء فلوريدا وخارجها. ومع ذلك، سرعان ما تجاوزت طموحات المؤسسة المجتمع الكوبي الأميركي. كان الهدف النهائي للمؤسسة هو السيطرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه كوبا.بعد وقت قصير من إنشاء المؤسسة، قال مؤسسها ماس كانوسا: "لقد أدركنا بسرعة أننا حتى نتمكن من أن نؤثر في النظام السياسي الأميركي، يجب علينا أن نقلد النموذج اليهودي... وقد أقمنا تحالفاً وثيقاً مع اللوبي اليهودي في واشنطن".وإذن، كان مصدر الإلهام والمرشد للمؤسسة الكوبية الأميركية هو 'لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية' (AIPAC). ونتيجة لذلك، أصبح الدعم غير المشروط للصهيونية جزءاً لا يتجزأ من الأيديولوجيا المجتمعية التي روّجت لها مؤسسة المنفيين الكوبيين.(1)كان ماركو روبيو نتاجًا لتلك الأيديولوجيا المجتمعية، وهو ما يفسر دعمه غير النقدي لإسرائيل. ففي منصبه كوزير للخارجية، صرّح مراراً بأن "حماس يجب أن تُباد" وأنه يجب "إعادة توطين الفلسطينيين". وبمجرد تحقيق ذلك، فإن غزة ستكون جاهزة لعملية إعادة إعمار كبرى، أطلق عليها اسم مشروع "ريفييرا غزة". وقال روبيو إن "الولايات المتحدة مستعدة لتقود عملية جعل غزة جميلة من جديد".قد تضع الخلافات الراهنة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو روبيو في موقف محرج، غير أن هذه الخلافات تتعلق بالاستراتيجية وليس بالمبدأ. سوف يبقى روبيو وفياً لترامب، وقد يوجّه انتقادات لنتنياهو، لكنه سيظل في الوقت نسه مؤيداً وفياً للدعم المادي لإسرائيل.يشغل روبيو الآن منصب "كبير مستشاري السياسة الخارجية" في إدارة ترامب. وهو يسيطر على وزارة الخارجية، كما يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن القومي للرئيس. وقد وصل إلى هذه المناصب نتيجة لعاملَين: 1) أن البيئة السياسية التي شكّلت حياته كانت متوافقة مع أهداف ترامب السياسية العامة؛ و2) أن تنشئته جعلته وكيلاً موثوقاً لقائد (ترامب)، والذي يعكس إلى حد بعيد سلوكيات ورؤية بطل الجالية الكوبية الأميركية، ماس كانوسا.لهذه الأسباب، كان من السهل على روبيو أن يفي بتوقعات ترامب: "الولاء أولاً؛ الولاء للرجل، والولاء للمهمة".تُذكّر الطريقة التي يدير بها ترامب حكومته بمبدأ "المركزية الديمقراطية" الذي كان من المبادئ الحاكمة للشيوعيين الأوائل في روسيا. في البداية، يُسمح بالنقاش حول القضايا (ويمكن للمرء أن يتخيل الكثير من الأخذ والرد بين الحلفاء الغرباء الذين يدعمون ترامب). لكنّ ما يحدُث في الواقع هو أن الجميع يحاولون استشعار الاتجاه الذي يفضله الزعيم. وبمجرد أن يتضح هذا الاتجاه، يتوحد الجميع حوله. وفي تلك اللحظة، يتوقف كل نقاش ويُتوقع من الجميع أن يصطفوا ويهتفوا.ثمة شك في ما إذا كان ترامب يستمع للنقاش من الأساس. ويغلب أنه عادة ما يمتلك تفضيلاً منذ البداية -سواء كان ذلك التفضيل متصلاً بالواقع أم لا. وتجعل الطريقة التي تُدار بها هذه "الحوكمة" ترامب لا يسمع إلا صدى صوته. وسوف يشكل هذا المحيط المغلق في نهاية المطاف مصير ماركو روبيو المهني، وكذلك مصير دونالد ترامب. ويبدو أن الناتج النهائي سيكون كارثة حقيقية، سواء على المستوى الداخلي أو في السياسة الخارجية.في النهاية، من المرجّح أن يعود روبيو إلى مستنقع السياسة المحلية في فلوريدا، حيث سيذوب مرة أخرى في المجتمع ضيق الأفق والمتحيّز الذي نشأ فيه.*لورانس ديفيدسون Lawrence Davidson: أستاذ التاريخ الفخري في جامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا. ينشر تحليلاته حول السياسة الداخلية والخارجية الأميركية، والقانون الدولي والإنساني، وممارسات وسياسات إسرائيل/الصهيونية منذ العام 2010.*نشر هذا المقال في موقع الكاتب: تحت عنوان: Marco Rubio and the Zionist Connection(1) للمزيد عن هذا الموضوع، انظر كتاب لورانس ديفيدسون: Privatizing America's National Interest، دار نشر جامعة كنتاكي، الصفحات (76-78).


الغد
منذ 3 ساعات
- الغد
في معضلة الاتفاق مع إيران
اضافة اعلان تستمر المفاوضات الإيرانية مع الإدارة الأميركية في إطار السعي للوصول إلى اتفاق مبدئي مقبول أميركيًا. وبين تضارب التصريحات بين متفائلة ومتشائمة، تبقى فكرة إيجاد توافق بين الطرفين معقّدة إلى حدّ ما.ورغم الحديث المتكرر لمبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، ويتكوف، المتفائل "دائمًا" بقرب الوصول إلى اتفاق، فإن هذا التفاؤل يمكن تسميته بـ"عقدة ويتكوف" في السعي نحو تحقيق إنجاز سريع للأزمات، حتى لو تمّ عبر اتفاق ظاهري، مع الإبقاء على تعقيدات المسألة على الأرض.إن تبسيط المشاكل القائمة في المنطقة، بهدف تسويق "إنجاز"، هو في الحقيقة عملية ترحيل وتأجيل لتفجير الأوضاع، وهي بالضبط نفس الطريقة التي تعامل بها ويتكوف مع مسألة التفاهمات مع روسيا، واحتفاؤه بلقاء الرئيس بوتين، وتسويقه لتلك اللقاءات على أنها إنجاز لاتفاق مع روسيا بشأن أوكرانيا. لنعود بعدها إلى نقطة التصعيد، وهجوم الرئيس ترامب على بوتين في تغريداته الأخيرة.على الأرض، تمتلك إسرائيل خاصية التصعيد في جبهات متعددة. ففي غزة، عملت في الأسابيع الماضية على فصل الملف الإنساني عن العسكري، من خلال إيجاد نقاط توزيع للمساعدات الإنسانية تحت إشرافها، مع الحفاظ على زخم العمليات العسكرية.أما في لبنان، فيتواصل التصعيد على الجبهة اللبنانية، مع ضغط متزايد باتجاه ضرورة التعامل مع استحقاق نزع سلاح حزب الله، والذي بدأ فعليًا مع الحديث عن نزع سلاح الفصائل الفلسطينية الخاضعة عمليًا لرعاية الحزب. لذلك فإن استمرار إسرائيل في تنفيذ عمليات استهداف داخل العمق اللبناني، بالتوازي مع تصعيد أميركي قادم للضغط نحو نزع سلاح الحزب، يعني أن هذه الجبهة تبقى مفتوحة على احتمالات التصعيد.أما توقف الولايات المتحدة عن استهداف الحوثيين في اليمن، وتقدُّم إسرائيل في هذه المواجهة، فيعني تحويل اليمن إلى جبهة مفتوحة أمام إسرائيل، التي ترى فيها آخر محطات المواجهة غير المباشرة مع إيران، قبل الانتقال إلى الاستهداف المباشر، إذ يعتقد الإسرائيليون أن إغلاق كل الجبهات دون توجيه ضربة حقيقية لإيران أمر غير ممكن، فمثل هذه الضربة تُعتبر ضرورية لشلّ قدرات النظام الإيراني، ولتأكيد عزله عن الإقليم، وإجباره على الانكفاء لمعالجة مشاكله الداخلية.حتى العراق ما يزال يدور في فلك التصعيد الإسرائيلي، باعتباره إحدى أهم المحطات اللوجستية المتبقية لإيران، وهو ما يفسر بدء الإعلان الإسرائيلي عن استهدافات تطال الحدود السورية-العراقية، حيث أصبحت هذه المناطق اليوم تحت رقابة إسرائيلية مشددة.إذًا، فإن التفاهم مع إيران، حتى لو تم، لا ينهي الأزمة، وهدنة غزة المقترحة لا تغلق المشهد الإقليمي. فحجم التعقيدات كبير جدًا، ولا يمكن اعتبار ما يقوم به ويتكوف أو ما يقوله وصفة حل حقيقية لهذه الأزمات، بل هو بالأحرى تعبير عن رغبة في إغلاق الأزمات ضمن رؤية معينة تُقدَّم للرئيس ترامب لتخدم تسويقا صورته كصانع سلام، والرجل الذي أوقف الأزمات والتصعيد وأسس لواقع جديد.بين الواقع على الأرض والمبادرات الدبلوماسية، لا بد من إدراك أن إيران اليوم تجلس على طاولة المفاوضات بعد أن تلقت ضربات كبيرة طالت كل تركيبتها الإقليمية، وأفقدتها فاعليتها، وبعد ضغط كبير عمّق أزمتها الداخلية على مختلف الأصعدة: الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وحتى السياسية.والأهم أيضًا، التلويح بضربات عسكرية أميركية غير مسبوقة، ولهذا فإن أي حل لا يمكن أن يقتصر على الملف النووي الإيراني فقط، كما أن عروض الاستثمار الإيراني المقدمة للأميركي بصيغة "تريلونية" لا تمثل وصفة حل للمشاكل المعقدة والمرتبطة جوهريًا بسياسات إيران الإقليمية.لذلك، فإن أي اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار إغلاق الجبهات المفتوحة، وتقديم حلول واقعية وحقيقية، يجعل إنهاء الأزمة الإقليمية أمرًا بالغ الصعوبة، ويجعل من انفجار الجبهات المتعددة أمرًا شبه حتمي، كما هو الحال في لبنان وسورية وحتى الضفة الغربية.أما جبهة إيران نفسها، فلا يمكن أن تكون بمنأى عن الاستهداف المباشر، وإطالة أمد المفاوضات يجعل احتمالية هذا الاستهداف أكبر، بل إن فشل المفاوضات قد يُشكّل بداية لأزمة داخلية إيرانية معقّدة.