
ميلاني جورجياد "ديامس" مغنية فرنسية أسلمت و"آثرت الحياة على الموت"
ميلاني جورجياد، المعروفة فنيا باسم ديامس أبرز نجوم فن "الراب الفرنسي" في العقد الأول من القرن الـ21، تميزت بصوتها القوي وكلماتها الجريئة التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية متنوعة.
ودافعت ديامس عن حقوق المهاجرين وسلطت الضوء على مشاكل المهمشين، وناضلت عبر أغانيها معارضة خطاب أقصى اليمين في فرنسا ، مما جعل منها أيقونة للشباب الفرنسي المنتمي إلى ضواحي المدن والمنحدر من المناطق المهمشة.
ووراء الأضواء الكاشفة للنجاح والشهرة، واجهت ديامس تحديات نفسية كبيرة، إذ عانت من نوبات اكتئاب حادة وهي في ذروة شهرتها، وتم تشخيصها طبيا بـ"اضطراب ثنائي القطب" عام 2007.
وأدى تناولها للأدوية المضادة للاكتئاب أثناء رحلة علاجها إلى نوع من الإدمان، حاولت على إثره الانتحار، وفق ما كشفت عنه في إحدى مقابلاتها الصحفية عام 2008.
وبعد رحلة بحث روحي عن أمان داخلي يضع حدا لمعاناتها النفسية، اعتنقت ميلاني الإسلام عام 2008، حين وجدت فيه -على حد تعبيرها- إجابات عن أسئلتها الوجودية وبلسما خفف من وطأة المرض النفسي الذي أنهكها.
وقد أثار ارتداؤها الحجاب بعد ذلك عام 2009 عاصفة من الانتقادات الإعلامية في فرنسا، إذ هاجمتها وسائل إعلام محسوبة على اليمين، ونشرت مجلة "باري ماتش" صورا لها تخرج من المسجد مرتدية الحجاب، مما دفعها لرفع دعوى قضائية لحماية خصوصيتها.
ورغم حدة تلك الانتقادات، ظلت ديامس ثابتة في وجه هذه العاصفة، ودافعت عن موقفها، مؤكدة أن الإسلام خلصها من المعاناة ومنحها الاطمئنان و"السلام الداخلي" ومنتقدة بجرأة وشجاعة النقاش الدائر آنذاك في فرنسا بشأن الحجاب والإسلاموفوبيا.
وقد اعتزلت ديامس الغناء، وتخلت عن عالم الفن بشكل نهائي عام 2012 لتركز على حياتها الأسرية ونشاطها الإنساني في أفريقيا عبر مؤسسة خيرية أسستها لهذا الغرض.
المولد والنشأة
ولدت ميلاني جورجياد يوم 25 يوليو/تموز 1980 في العاصمة القبرصية، من أم فرنسية وأب قبرصي. وانتقل والدها للعمل في فرنسا، فانتقلت معه أسرته للعيش في باريس عام 1982، قبل أن ينفصل والداها لاحقا عام 1984، وهي في الرابعة من عمرها، فنشأت في كنف والدتها بعيدا عن الأب.
ونشأت ميلاني وحيدة مع أمها المطلقة في إسون (جنوب باريس) وتلقت تعليمها الابتدائي في إحدى مدارس المقاطعة، قبل أن تنتقل عند بلوغها سن الـ13 للعيش في بلدية إينيي، وهناك أكملت دراستها في المدرسة الإعدادية الخاصة "سان نيكولا" ثم انتقلت لاحقا للعيش في "ماسي" ثم "أورساي" واستقرت هناك في حي "مونديتور" وفيه قضت مرحلة مراهقتها.
وكان لنشأتها -في ظل ظروف اجتماعية صعبة- أثر سلبي على نفسيتها، إذ شكل غياب الوالد ندبا غائرا في طفولتها، وطبع حياتها في مرحلة المراهقة، مما جعلها تعيش على وقع مشاكل اجتماعية واضطرابات نفسية حاولت على إثرها الانتحار وهي لم تتجاوز بعد ربيعها الـ15.
وبعد أن تجاوزت تلك الأزمة اعتنقت الإسلام وتزوجت، ولها ولدان هما مريم وإبراهيم.
إخفاق البدايات
اكتشفت ميلاني شغفها بموسيقى الراب في سن مبكرة، عند سماعها ألبوم "كرونيك" للمغني "دكتور دري" وكانت بعد طفلة في الـ12 من عمرها، لتستهل مسيرتها الفنية بعد ذلك عام 1995 مع "مافيا تريسي" إحدى الفرق الموسيقية الشبابية التي كانت تحيي حفلات محلية في الأحياء الهامشية بضواحي باريس.
واختارت ديامس اسما فنيا لها، وقالت إنها اشتقته من كلمة "دياموند" (ألماس) والذي يرمز إلى "الصلابة والجمال في آن واحد" على حد تعبيرها. وعام 1997 كانت على موعد مع ظهورها الفني الأول، حين أدت أغنيتين، ضمن أول ألبوم تصدره المجموعة، والذي كان يتضمن في مجمله 4 أغان.
وانفصلت فيما بعد عن فرقة "مافيا تريسي" ورسمت مسارا فنيا بمفردها، فأصدرت عام 1999 أول ألبوم غنائي تحت عنوان "المهمة الأولى" إلا أنه لم يرق إلى مستوى تطلعاتها ولم يلق رواجا، إذ لم تتجاوز مبيعاته 9 آلاف نسخة.
وواجهت ديامس بعد ذلك صعوبات في العثور على دعم كاف يمكنها من إنتاج إبداعاتها الغنائية، إلا أن هذا التعثر لم يمنعها من الاستمرار في تطوير أسلوبها الموسيقي المميز الذي مزج بين الكلمة الجريئة والإيقاعات المتنوعة، إلى أن حصلت على فرصة مع شركة الإنتاج "هوستيل ريكوردس" عام 2003.
الانطلاق نحو النجومية
شكلت هذه الفرصة منعطفا فاصلا في مسيرة ديامس الفنية، إذ وقعت عقدا حصريا، أصدرت بموجبه ألبومها الثاني "امرأة خام" وحقق انتشارا واسعا بفضل الحملة الترويجية المكثفة التي أطلقتها شركة الإنتاج عبر المحطات الإذاعية، فضلا عن الدعم الكبير الذي حظيت به من الفنان الكوميدي المشهور " جمال دبوز".
واعتبر هذا الألبوم نقلة نوعية في مسيرة ديامس الفنية، إذ حظيت الأغاني التي تضمنها بإعجاب طيف كبير من الجمهور، وحازت بفضل أغنية "امرأة خام" جائزة "الأغنية الذهبية" التي تمنح للمغني الذي حقق ألبومه أكبر رقم مبيعات في فرنسا، قبل أن تحصل كذلك على جائزة أفضل ألبوم راب في جوائز الموسيقى الفرنسية السنوية عام 2004.
وبعد هذا النجاح الكبير، انطلقت ديامس في جولة غنائية كانت الأولى في مسيرتها الفنية، ابتدأتها من مدينة ستراسبورغ (شمال شرق فرنسا) في أكتوبر/تشرين الأول 2003، واختتمتها بحفل كبير على مسرح باتكلان الشهير في باريس يوم 20 يناير/كانون الثاني 2005، وجابت أثناءها مختلف المدن، وسط تفاعل جماهيري لافت.
جرأة سياسية والتزام اجتماعي
شكلت السنوات التي أعقبت هذه الجولة مرحلة جديدة في مسيرة ديامس الفنية، إذ عززت مكانتها نجمة بارزة في سماء فن الراب الفرنسي، عبر إصدار ألبومها الثالث "داخل فقاعتي" أو بتعبير آخر "في عالمي الخاص" عام 2006.
ومثل هذا الألبوم نقلة نوعية في أسلوبها الموسيقي، إذ عملت على المزج ما بين موسيقى الراب والبوب، مع كلمات جريئة، خاصة في أغنية "الخطأ الفادح" التي تصدرت المشهد الغنائي الفرنسي إبانها وأصبحت كلماتها شعارات يرددها الشباب المنحدر من أوساط اجتماعية مهمشة في فرنسا.
وحازت ديامس بفضل هذا الألبوم 3 جوائز في حفل الموسيقى الفرنسية السنوي عام 2007، وحققت رقما قياسيا من حيث المبيعات بلغ 800 ألف نسخة، في حين كشفت صحيفة لوفيغارو أن إيرادات الألبوم تجاوزت 2.66 مليون يورو.
وفي تلك الفترة وسعت ديامس حضورها الإعلامي وبلغت ذروة شهرتها عبر مشاركاتها في برامج تلفزيونية بارزة ناقشت فيها قضايا اجتماعية ترتبط أساسا بالهوية والتمييز والهشاشة الاجتماعية، فأضافت بذلك بعدا آخرا إلى شخصيتها العامة، خاصة بعد انتقادها اللاذع لرموز حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) الذي يتزعم أقصى اليمين الفرنسي، أبرزهم جون ماري لوبان وابنته مارين لوبان في أغنية "مارين" كما كان للرئيس السابق نيكولا ساركوزي نصيب من النقد، إذ وصفته في أغنية "الخطأ الفادح" بـ"الديماغوجي" و"الفاشي" احتجاجا على سياساته الأمنية والقمعية تجاه ضواحي باريس عندما كان وزيرا للداخلية.
وانطلقت ديامس بعد ذلك في جولة فنية واسعة عام 2007، قادتها إلى مدن أوروبية وأفريقية عدة، وحققت إقبالا جماهيريا غير مسبوق، إذ بيعت جميع تذاكر حفلاتها في وقت قياسي.
بعد غياب إعلامي استمر عاما، عادت ديامس إلى الساحة الفنية عام 2009 بأغنية "أطفال الصحراء" التي شكلت بداية مرحلة جديدة في مسيرتها.
واستوحت ديامس كليب الأغنية من مشهد شهير في فيلم "فوريست غامب" للمخرج والمنتج الأميركي "روبرت زيميكيس" فاعتبرها طيف واسع من جمهورها رسالة تحرر وتغيير.
وكانت هذه الأغنية مقدمة لألبومها الرابع "النجدة" الذي صدر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ولقي نجاحا تجاريا كبيرا، إذ تصدر قوائم المبيعات في فرنسا وتوج بجوائز عديدة بعدما تجاوزت مبيعاته 300 ألف نسخة.
ويعتبر هذا الألبوم علامة فارقة في مسيرة ديامس الفنية، ومثل نقلة نوعية في نضجها الفني، إذ حملت أغنية "لو كانت آخر مرة" إيحاءات مبكرة بقرب نهاية مشوارها الغنائي، في الوقت الذي أظهرت كلمات الألبوم عمقا جديدا في تعاملها مع مواضيع الاكتئاب والبحث عن الذات.
وتولد هذا التحول العميق في حياة ديامس -نتيجة لاعتناقها الإسلام على ضفاف شاطئ في جزيرة موريشيوس في ديسمبر/كانون الأول 2008- تتويجا لرحلة "البحث عن المعنى" و"السعادة التي لم تجدها في الشهرة والمال" على حد تعبيرها.
وبدأت قصتها مع الإسلام عندما كانت في جلسة استجمام مع صديقاتها يتبادلن أطراف الحديث، فاستأذنت إحداهن للمغادرة مؤقتا من أجل أداء الصلاة، فطلبت منها ديامس أن تصلي معها، فلم تمانع صديقتها ورحبت بالفكرة، وتقول إنها شعرت أثناء الصلاة براحة نفسية دفعتها للبحث والتعرف على الإسلام الذي ساعدها فيما بعد على تجاوز محنتها.
حملة إعلامية شرسة
أثار اعتناق ديامس الإسلام جدلا واسعا في فرنسا، خاصة بعد نشر مجلة "باري ماتش" صورا لها بالحجاب مع زوجها عام 2009 وهما يغادران مسجد "جانفيلييه" في الضاحية الباريسية.
وحدث ذلك في ظل نقاش عام عن حظر الحجاب في فرنسا، مما عرضها لحملة إعلامية شرسة، وصفت تحولها إلى الإسلام بـ"التحول الصادم والمريب". وربطت العديد من وسائل الإعلام المحلية بشكل متكرر بين اختيارها الديني وقضايا التطرف، الأمر الذي عارضته ديامس بشدة، مؤكدة أن إسلامها شأن واختيار شخصي.
الانخراط في العمل الخيري
بعد رحلة إنسانية قادتها إلى كل من السنغال و النيجر تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) -في يناير/كانون الثاني 2009- تبنت ديامس قضايا اجتماعية جديدة، فخصصت عائدات ألبومها الجديد بالكامل لمنظمة خيرية أنشأتها بهدف دعم الأطفال المهمشين في القارة الأفريقية.
وعززت ديامس صورتها فنانة ملتزمة اجتماعيا بمشاركتها في فعاليات خيرية، كان أبرزها حفل الذكرى الستين لتأسيس حركة "إيماوس" الدولية يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2009 على مسرح قاعة زينيث باريس.
وتعد هذه الحركة إحدى أشهر المؤسسات الخيرية في فرنسا، وتعنى بمساعدة الفقراء واللاجئين، وأسسها هنري كرووي المعروف بالأب بيير عام 1949.
ومع نهاية العقد الأول من القرن الـ21، بدأت بوادر التراجع الفني لديامس، إذ ألغت جزءا من حفلات جولة "رحلة النجدة" لأسباب صحية، وفق ما أعلنته وقتها. وركزت في المقابل بشكل متزايد على العمل الخيري، كما خفضت من وتيرة ظهورها الإعلامي بشكل ملحوظ.
الاعتزال والتحول إلى الإبداع بالكتابة
أماطت هذه الفترة اللثام عن تحول عميق في أولويات ديامس، إذ ركزت على الكتابة، فأصدرت عام 2012 سيرتها الذاتية تحت عنوان "ديامس.. السيرة الذاتية" مستعرضة مسيرتها الفنية منذ إطلاق ألبومها الأول حتى ظهورها على المسارح وفوزها بعدد من الجوائز.
كما كشف الكتاب عن تفاصيل مثيرة طبعت حياة ديامس الشخصية، إذ سلط الضوء على نشأتها دون أب، وتجربتها مع الاكتئاب وعلاجها في مصحة نفسية، وقدم تفاصيل عن رحلتها نحو اعتناق الإسلام.
وحقق الكتاب مبيعات بلغت 78 ألف نسخة بحلول عام 2013، وفرصة وضحت المؤلفة من خلالها وجهة نظرها ودافعت عن نفسها أمام حدة الحملة الإعلامية التي استهدفتها وتعدت على حريتها الشخصية.
وأشارت ديامس إلى أن سبب منعها من الظهور على المحطات هو ارتداؤها الحجاب، وخوف السلطات من تبني وتقليد العديد من فتيات "الضواحي" أسلوب حياتها الجديد.
وكان الكتاب تمهيدا لقرارها اعتزال الساحة الفنية أشهرا قليلة بعد ذلك، فقد ظهرت ديامس -في 30 سبتمبر/أيلول 2012- بحجابها الكامل لأول مرة أمام الجمهور، عندما حلت ضيفة على برنامج "من سبعة إلى ثمانية" على قناة "تي إف 1" وأعلنت رسميا اعتزالها الغناء، مشيرة إلى أن قرارها جاء نتيجة تطورات في إيمانها الديني ورغبتها في العيش بعيدا عن الأضواء، مؤكدة رغبتها في التركيز على حياتها الشخصية ومشاريعها الجديدة خارج الوسط الفني.
وعام 2015، عادت ديامس للكتابة مرة أخرى، وأصدرت كتابها الثاني تحت عنوان "ميلاني الفرنسية والمسلمة" نشرته دار "دون كيشوت للنشر" يوم 21 مايو/أيار 2015. وحاولت عبره أن تبين عدم وجود أي تناقض أو تعارض بين كونها "مسلمة" و"فرنسية" في آن واحد، مؤكدة من جديد أن إسلامها نابع من قناعة شخصية تامة.
وتناولت المؤلفة المنعطف الذي عرفته حياتها بعد اعتزالها الفن، متعمقة في تحولاتها الروحية والاجتماعية. ووصفت كيف حل "نور الله" محل "أضواء الشهرة" وكيف وجدت في الإسلام "ملاذا" من معاناتها مع الاكتئاب و"الاضطراب ثنائي القطب" وكيف منحها ذلك "إحساسا بأمان وسلام داخلي لم تعرفه في ذروة نجاحها الفني".
كما تطرقت في كتابها إلى تحديات حياتها الجديدة بعدما أصبحت امرأة محجبة في فرنسا، موضحة كيف واجهت نظرات الشك والانتقاد، خاصة بعد أحداث الهجوم على مقر جريدة " شارلي إيبدو" الأمر الذي أدانته بشدة، منتقدة في الوقت ذاته استخدامها ذريعة لتعميم الصور النمطية عن المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا.
وكشفت ميلاني النقاب في كتابها عن مصالحة مع ماضيها العائلي المضطرب، خاصة مع والدها الذي كان غائبا في طفولتها، وكيف ساعدها الإسلام في إصلاح هذه العلاقة، ووصفت بتأثر بالغ لقاءها به بعد سنوات من القطيعة، كما روت تجربة الأمومة مع ابنتها مريم، وكيف أعادها الطلاق ثم الزواج لاحقا إلى مسار جديد من الاستقلالية بصفتها امرأة مسلمة في مجتمع غربي.
عادت ديامس إلى الأضواء عام 2022 عبر تعبير إبداعي آخر، إذ أخرجت فيلما وثائقيا بعنوان "السلام" قُدم لأول مرة ضمن قسم العروض الخاصة، في النسخة الـ75 ل مهرجان كان السينمائي المنظم خلال الفترة بين 17 و28 مايو/أيار 2022، في غياب لافت لميلاني التي فضلت البقاء بعيدة عن الأضواء.
وتناول الفيلم -الذي أخرجته ميلاني بالتعاون مع المخرجتين "هدى بن يمينة" و"آن سيسي"- مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية، وكشف تفاصيل جديدة عن رحلتها الروحية وتحدياتها النفسية.
وتناول المسارات المتشعبة في حياتها انطلاقا من فترة شهرتها في مجال الغناء، مرورا بتجاربها مع الفراغ النفسي والاكتئاب، وصولا إلى اعتناقها الإسلام وابتعادها عن الأضواء.
وقد أثار هذا العمل الوثائقي ردود فعل متباينة بالأوساط الثقافية الفرنسية. ففي الوقت الذي أشاد فيه الناقد "لوران كاربونتييه" -في مقال له على صحيفة لوموند بتاريخ 27 مايو/أيار 2022 بعمق الفيلم وصدقه مستشهدا بعبارة ديامس المؤثرة "اخترت الحياة بدلا من الموت"- هاجم محللون ونقاد آخرون أمثال برنار روجيه ما وصفه -في حوار أجرته معه مجلة "لكسبريس" بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2022- بـ"التساهل الإعلامي" مع مضمون الفيلم، معتبرا أنه "يعكس تناقضات العصر".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
مسلمات العصر الفيكتوري.. قصة شمعتين أضاءتا بريطانيا في عصر مظلم
يسعى مسلمون جدد في بريطانيا إلى بناء ذاكرتهم الجماعية، بالتنقيب في تاريخ الإسلام المبكّر، وتدوين وقائعه، وإبراز دور الشخصيات المؤثرة فيه. والحلقتان المميزتان من سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' المتعلقتان بمسلمتين 'فاطمة إليزابيث كيتس' و'الليدي زينب كوبولد' مثال جيّد على ذلك. فقد عاشت كلتاهما إسلامها على طريقتها الخاصّة العميقة، فمثلتا نموذجين مختلفين للمرأة البريطانية المسلمة. سلسلة 'مسلمو العصر الفيكتوري' هي من إخراج 'ستيفن لونغدي'، وقد أنتجتها قناة الجزيرة الوثائقية، وعرضتها على شاشتها. يعوّل المخرج 'ستيفن لونغدين' أساسا على ناشطين مسلمين متحمسين لإحياء التاريخ، منهم 'رون جيفز' و'إيفون ريدلي' و'أميرة سكرسبريك'، وعلى مؤرخين وباحثين في تاريخ الإسلام والمسلمين في بريطانيا، منهم حامد محمود و'يحيى بيرت' مؤلفا كتاب 'فاطمة ليفربول: قصة فاطمة كيتس، المرأة الفيكتورية التي أسهمت في تأسيس الإسلام البريطاني'، وعلى كتابات المرأتين الشخصية. 'فاطمة كيتس'.. داعية مصلحة اهتدت إلى الإسلام نشأت 'فرانسيس إليزابيث موراي' (1865-1900) في عائلة مسيحية صارمة من الطبقة العاملة، وتعد أول امرأة تدخل الإسلام في ليفربول. ومع أنّ والدها ذا الأصل الأيرلندي كان يشتغل حمالا، فقد أسعف الحظ البنت، فتلقت تعليمها برغم ظروف العائلة المادية، فكانت من أوائل المجموعات التي استفادت من قانون إجبارية التعليم عام 1870، واستطاعت أن تبني شخصيتها المستقلة المتمرّدة. دفعتها استقلاليتها هذه إلى الانخراط في 'حركة الاعتدال'، وهي حركة اجتماعية نشطت في الولايات المتحدة وبريطانيا، وعملت على نشر الديمقراطية، ومناهضة العبودية، وفرض الحقّ النقابي. كما عملت على الحدّ من استهلاك الخمور ضمن تصورها للمجتمع المتوازن، ثمّ تولت الكتابة العامة لفرع الحركة في ليفربول، أما الحدث الذي غيّر حياتها، فهو لقاؤها 'عبد الله هنري كويليام'، ناشر الإسلام في الأرخبيل البريطاني. فقد أوقد فضولها للتعرّف على الدين الإسلامي، حين ذكر في خطبة له أنّ من العظماء الذين تستلهم منهم الحركة قيمها النبي محمد ﷺ، 'العربي العظيم الذي لا يشرب الخمر'. ثم لمّا أبدت حماستها للإسلام نصحها بقراءة القرآن أولا، ومنحها نسخة مترجمة منه، قائلا: لا تُصدِّقي ما أقول وما يقوله الآخرون عن الإسلام، من الأفضل أن تكتشفي ذلك بنفسك، اقرئي القرآن. وفي يونيو/ حزيران من سنة 1887 أعلنت إسلامها، وسمّت نفسها فاطمة. مسلمة صابرة على الأذى في سبيل الله بعد ترسّخ قناعاتها الدينية، شاركت 'فاطمة إليزابيث كيتس' مع 'كويليام' و'علي هاميلتون' في تأسيس جمعية ليفربول الإسلامية (Liverpool Muslim Society). وتمثّل دورها في الدعوة إلى الإسلام، وشرح تعاليمه، فكانوا يلتقون يوم الجمعة في مبنى مستأجر للصلاة وحفظ القرآن والتفقه في الدين. ولكن تحريض مناوئيهم دفع صاحب العقار إلى إنذارهم بوجوب إخلاء محلّه سنة 1887. وبعد سنتين، انتقلت الجمعية إلى مبنى أكبر حجما وأكثر جذبا للناس، فتعاظم دورها وأشعت صورتها الدولية، ثم تولت فاطمة تمثيلها وطنيا ودوليا، ونشرت كتاباتها ذات البعد الديني شعرا ونثرا في مجلة الله أباد. ولم تكن طريقها إلى الإسلام سالكة، فقد لقيت عراقيل كثيرة، أولها عائلتها، فقد حاولت أمها أن تمنعها من قراءة المصحف، وأن تأخذه منها لإحراقه. وتنقل الحلقة عنها قولها: لقد لجأت إلى غرفتي، وأقفلت الباب، وواصلت قراءة القرآن، الذي اكتشفت فيما بعد أنه أفضل الكتب على الإطلاق. ثم غضب عليها الناس لترك دينها، حتى رُمي مسكنها بالحجارة، وكُسرت نوافذه مرارا، ولُطّخ وجهها بروث البغال. وقد زوجها أهلها عنوة للخلاص مما وجدوه عبئا عليهم، ومع أن المصادر تعلن إسلام زوجها، فقد مثّل هذا الاقتران عقبة جديدة، فلم تسلم فاطمة من أذاه، الذي بلغ حدّ الشروع في القتل. ولمّا طلبت حماية الشرطة، اصطدمت بقانون صادر عام 1857، يرفض طلب النساء للطلاق، فأسعفت بانفصال عن زوجها مدة سنة، ولكن رباطهما انتهى حقا، فقد عاشت منفصلة عنه حتى وفاته سنة 1895. وفي المعهد عطّل خصوم الجمعية اجتماعات أعضائها، فمنعوا دون دخولهم مقرها، ورموهم بالخضر والقمامة، واعتدوا عليهم جسديا. ولم تمنعها تلك العقبات من التمسك بدينها، والمضي في تكوين مجتمع إسلامي بريطاني، فعلى يديها أسلمت أختاها 'كلارا' و'آن'، ونسوة من ليفربول منهن 'بيرثا بومان'، و'هانا ورودا روبنسون'، و'ليا بانكس'، و'إيمي موكايش'. لم تعمّر هذه المرأة الاستثنائية طويلا، فقد أصيبت بأنفلونزا، خلّفت لها التهابا رئويا أودى بحياتها عام 1900. ومع أنها أقيمت لها مراسم دفن إسلامية بمقبرة 'أنفيلد'، فقد ظل قبرها بلا علامات وأهمل لاحقا، حتى أخذ حامد محمود -وهو أحد مسلمي هذا الجيل- على عاتقه تحديد موقعه وإعادة بنائه، ثم سمى باسمها مدرسته الدينية لإحياء ذكراها. 'زينب كوبولد'.. آثار الطفولة في البلاد العربية تنحدر 'إيفلين كوبولد' (1867-1965) من عائلة أرستقراطية، فقد كان والدها المستكشف 'إيرل دونمور السابع' يصطحب عائلته إلى ممتلكاته بشمال أفريقيا كل شتاء، هروبا من برد أسكوتلندا. لذلك فقد قضت أكثر طفولتها بين الجزائر والقاهرة، وخوّل لها ذلك أن تنغمس في أسلوب حياة العرب المسلمين، مستفيدة من براءة الأطفال وسلامتهم من التمييز العنصري والطبقي، فتعلمت العربية، وزارت المساجد، ونشأت على الانبهار بالشرق، وقد أثر ذلك في حياتها كلها. ولمّا بلغت سن الشباب تزوجت رجل أعمال ثريا من شرق إنجلترا، وقد كان متفهّما كرهها للحياة المستقرّة المترفة في إنجلترا، وتفضيلها حياة الإثارة والترحال، فاستأنفت رحلاتها إلى الشرق بدعم منه، بداية من 1911، قبل أن تدخل الإسلام. وفي عام 1912، نشرت كتابها الأول الذي يعرض رحلاتها تلك، بعنوان 'عابرة سبيل في الصحراء الليبية'، وفصّلت فيه مغامرات التخييم الممتعة في الصحراء وزيارة المساجد. 'لطالما كنت مسلمة في قلبي من دون أن أعي' ينقل الفيلم عن 'إيفلين موراي' قصّة إسلامها كما ترويها بنفسها لحفيدها. فتقول: مرّت عدة سنوات، وفي أحد الأيام كنت أقيم في روما مع بعض الأصدقاء الإيطاليين، فسألتني مضيفتي هل أرغب بزيارة البابا، فشعرت بسعادة غامرة، ولبست ثيابا سوداء وحجابا طويلا، ودخلت إلى حضرة البابا الموقّر مع مضيفي وأخته. وفجأة خاطبني حضرته وسألني هل أنا كاثوليكية، فصمتّ لحظة، ثم أجبته: أنا مسلمة. لا أستطيع أن أفسّر تماما ما دفعني إلى ذلك، فأنا لم أفكر في الإسلام سنين عددا، لكن ما حدث أربكني، وأنار شيئا في داخلي، فقد كنت عازمة على دراسة العقيدة الإسلامية، ولطالما كنت مسلمة في قلبي من دون أن أعي. ثم كتبتُ في مذكراتي: يسألونني متى ولماذا أصبحت مسلمة؟ فلا يسعني الرّد، فأنا لا أعرف اللحظة الدقيقة التي تفجرت فيها حقيقة الإسلام داخلي، لكن يبدو أنني كنت مسلمة دائما. سمت 'إيفلين' نفسها 'زينب كوبولد'، ثم عزمت على أداء فريضة الحج، لأنه أهم رحلة يخوضها المسلم، فطلبت من سفير السعودية في لندن أن يساعدها في مسعاها لتحقيق 'أمنيتها الأخيرة في الحياة'، ويبدو أن الأمر لم يكن هينا. يشرح الفيلم الصعوبات التي لقيتها، وينزّل زيارتها المفترضة ضمن سياقها السياسي، فقد تأسست الممالك العربية في شبه الجزيرة العربية على حساب الدولة العثمانية، وكانت علاقتها بالإمبراطورية البريطانية التي دعمتها تجمع بين الصداقة والحذر، ومن شأن مثل هذه الزيارة الغريبة يومئذ أن تثير الريبة، كما يرى الباحث في التراث الإسلامي البريطاني محمد صديق سدون. أضف إلى ذلك أن هذه المرأة كانت تنوي زيارة مكة بلا محرم، لذلك لم تتلق ردا سريعا من السلطات السعودية، ولم تستطع تحقيق حلمها إلا عام 1933، بعد مساعٍ كثيرة. يقرأ حفيدها الأصغر الذي يحتفظ بأرشيفها رسالتها إلى والده، وفيها تعبّر عن فخرها بكونها أول امرأة مسلمة بريطانية المولد تؤدي فريضة الحج. ويذكر أنها ألّفت بعد عودتها كتابا سردت فيه تفاصيل رحلتها المقدسة تلك، وقدمت المحاضرات وعرضت الصور. وتظهر الحلقة أنها أدّت المناسك بروح المستكشفة التي ورثتها من والدها. وبعد حجها بثلاثين سنة، توفيت في مركز لرعاية المسنين وقد بلغت 95 عاما، ودفنت في مرتفعات 'ويستروس' بأسكتلندا على وصيتها، بين الأيائل التي أدمنت صيدها، وقد صادف موتها موجة برد شديدة في التلال المتجمّدة، ولكن احتُرمت رغبتها في أن تدفن سريعا، على عادة المسلمين الذين يرون أن إكرام الميت دفنه. مسلمتان وتصوّران لإسلام المرأة البريطانية بعد إعادة اكتشاف قبر 'فاطمة إليزابيث كيتس' المهمل في مقبرة الأنفيلد سنة 2022، نُقش على شاهده الرخامي مقطع من شعرها، تستعرض فيه محنها التي واجهتها بعزيمة وصبر. ومنه: تتربص بنا جحافل من الأعداء مختبئين على امتداد الطريق علينا مواجهتهم بعزيمة لا تلين بالعمل والاجتهاد، والتضرع بالدعاء إنهم يراقبوننا، لينقضوا كوحوش كاسرة تبحث عن فريسة إذا غفلنا، ولو لحظة واحدة وتوقفنا عن العمل والدعاء فلنكن على يقظة من الإشارات التي أنعم الله بها علينا حتى نسير بأمان على الطريق.. الطريق الذي يقودنا إلى الجنة ف. إ. ك. (فاطمة إليزابيث كيتس)- (1892) ومقابل انخراط 'فاطمة إليزابيث كيتس' في إسلام نضالي دعوي، مثّل ارتباط الليدي 'زينب كوبولد' بالإسلام وبالشرق طريقة في الحياة، أكثر من كونه دخولا في ديانة، ومثّل تديّنها مسألة شخصية، فقد طوعته ليناسب حياتها الأرستقراطية المترفة. فلم تتخلّ عن أناقتها، وبقيت تعتمر القبعات والفساتين أو التنورات على طريقة سيدات المجتمع البريطاني، مع ما كان يميز رفقاءها المسلمين من المشايخ والأئمة من الالتزام، وكانوا يقبَلون منها ذلك، ولا يرون فيه حرجا. ولم تهجر هواية صيد الغزلان في مرتفعات أسكوتلندا، حيث كانت تمتلك منزلا، ومن خلال ألبوماتها التي يحتفظ بها حفيدها الأصغر تبدو فخورة بمهارتها وهي تقف بجانب فرائس الغزلان والأيائل الضخمة. هكذا مثلت 'فاطمة إليزابيث كيتس' الإسلام البريطاني النضالي، ومثلت 'الليدي زينب كوبولد' الإسلام الأرستقراطيّ الروحاني، ولا شكّ أنّ للبيئة الحضارية وللانتماء الطبقي لكلتيهما دورا في ذلك.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
يتمحور معرض كبير يحتضنه متحف اللوفر في باريس اعتبارا من الأربعاء حول "المماليك" الذين عرف الشرق الأدنى مرحلة ذهبية عندما امتد سلطان سلالتهم في العصور الوسطى على إمبراطورية مصرية سورية شاسعة، بعدما كانوا أساسا يتحدرون من طبقة الرقيق المحاربين من القوقاز وآسيا الوسطى. ويسلط معرض "المماليك، 1250-1517" للمرة الأولى في أوروبا الضوء على هذه الإمبراطورية التي شهدت خلالها "الحضارة الإسلامية نهضة دامت أكثر من قرنين"، من القاهرة إلى دمشق ، مرورا بحلب والقدس وطرابلس، على ما شرحت مديرة قسم الفنون الإسلامية في متحف اللوفر ثريا نجيم ومديرة المجموعة في هذا القسم كارين جوفان لوكالة فرانس برس. ويضم المعرض الذي يستمر إلى 28 يوليو/تموز نحو 260 قطعة موزعة على 5 أقسام موضوعيّة تفصل بينها مساحات غامرة، ومن بين هذه المعروضات منسوجات وتحف فنية ومخطوطات ولوحات وقطع عاج وزخارف حجرية وخشبية. ويستحضر كل من هذه الأقسام بالتفصيل هذه "الحقبة التي نادرا ما يُعرض شيء عنها للجمهور العريض"، بحسب نجيم. وأضافت أن محتويات المعرض "تُظهر كيف أن السلاطين والأمراء والنخب المدنية كانوا مهتمين برعاية الفنون، وشجعوا طوال قرنين ونصف قرن الجمالية المجردة التي تعكس المجتمع" المملوكي المتنوع الانتماءات، والذي شكّل "مفترق طرق للتبادلات" و"صلة وصل بين الشرق والغرب". حواضر المماليك الكبرى ولاحظت جوفان أن الدولة المملوكية نجحت في مجال التخطيط المُدني "في أن تُشكّل بالكامل صورة المدن الحضرية الكبرى" في الشرق الأوسط. وأضافت أن سلطنة المماليك كانت أيضا "الممر الإلزامي عبر البحر الأحمر من آسيا إلى أوروبا" لتجارة التوابل والفراء والمرجان والحرير. ومن بين المعروضات مخطوطات مكتوبة بخط اليد وزخارف بأنماط نباتية وهندسية، و"مخطوطات الحج" ذات الزخارف الجميلة التي تشبه مذكرات السفر، والكثير من المزهريات وقطع الزجاج المنفوخ والمطلي بالمينا والمذهّب. ويحتوي المعرض أيضا على سجادة نادرة، بنمط 3 ميداليات على الشكل الهندسي النجمي المميز للعصر المملوكي. ومصدر هذه السجادة متحف اللوفر في "أبو ظبي"، حيث سينتقل المعرض ابتداءً من شهر أيلول/سبتمبر المقبل. وأضافت نجيم أن "الضوء والشفافية في كل مكان (من المعرض)، كما هي الحال في العمارة، يعبّران عن عالم روحي وخيال يستحضر اللانهاية". وفيما يتعلق بالمجتمع، يعرّف المعرض بالشخصيات الكبرى في الإمبراطورية المملوكية، من علماء ومتصوفين وكتاب وتجار وحرفيين، رجالا ونساء، مسلمين كانوا أم من الأقليتين المسيحية واليهودية. القاهرة ودمشق وشكلت القاهرة ودمشق آنذاك نقطتي الارتكاز لهذه الإمبراطورية. وتتأتى السلالة التي أسست دولة المماليك من نظام فريد من نوعه يقوم على العبودية العسكرية، تميزوا فيه كمحاربين ببراعتهم في الفروسية والرمي. كان معظمهم من الأتراك ثم القوقازيين، يؤخذون من عائلاتهم أطفالا، فيحصلون على تنشئة قائمة على روح الانتماء إلى وحدة عسكرية، وعلى الإسلام. أما فيما يتعلق بالنساء، وهو موضوع يثير اهتمام الباحثين منذ نحو 10 سنوات، فلاحظت نجيم أن "حياتهنّ وفق النصوص القانونية، محصورة بالمجال المنزلي، لكنهنّ في الواقع كنّ يتجولن في الأسواق والشوارع ويشاركن في الحياة المجتمعية". إعلان وأشارت إلى أن "بعضهن كنّ يرتقين في السلم الوظيفي، ويصبحن سيدات أعمال، ويجمعن ثروات طائلة، ويبنين أضرحة"، مثل العبدة السودانية الست حدق (أو الست مسكة). وأضافت أن "السلطانة شجرة الدر التي حكمت 80 يوما فحسب، كانت تسكّ النقود باسمها بعد أن أوصلتها حاشيتها وضباط المماليك إلى السلطة". ويبين المعرض أيضا كيف تطور العلم بشكل كبير في عهد المماليك. ومن بين التطورات التكنولوجية المعروضة، "أسطرلاب يمكن أن يمثل أسس الثورة الكوبرنيكية"، بحسب نجيم. وقد أثار المماليك اهتمام الأوروبيين في القرن التاسع عشر، وألهموا الحركة الاستشراقية. كذلك كان نابوليون معجبا بسلاح الفرسان المملوكي، وهو ما ظهر أثناء حملته المصرية ومعركة الأهرامات (1798)، وصوّره لوحة للفنان فرنسوا أندريه فنسان (1746-1816) معروضة في المتحف. وتُواكب المعرض سلسلة من المؤتمرات ويوم دراسي. ومن المقرر أن يُقدَّم عرض توضيحي عن الحفريات الأثرية في قلعة حلب، معقل الدولة المملوكية، في 15 مايو/أيار المقبل.


الجزيرة
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
ميلاني جورجياد "ديامس" مغنية فرنسية أسلمت و"آثرت الحياة على الموت"
ميلاني جورجياد، المعروفة فنيا باسم ديامس أبرز نجوم فن "الراب الفرنسي" في العقد الأول من القرن الـ21، تميزت بصوتها القوي وكلماتها الجريئة التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية متنوعة. ودافعت ديامس عن حقوق المهاجرين وسلطت الضوء على مشاكل المهمشين، وناضلت عبر أغانيها معارضة خطاب أقصى اليمين في فرنسا ، مما جعل منها أيقونة للشباب الفرنسي المنتمي إلى ضواحي المدن والمنحدر من المناطق المهمشة. ووراء الأضواء الكاشفة للنجاح والشهرة، واجهت ديامس تحديات نفسية كبيرة، إذ عانت من نوبات اكتئاب حادة وهي في ذروة شهرتها، وتم تشخيصها طبيا بـ"اضطراب ثنائي القطب" عام 2007. وأدى تناولها للأدوية المضادة للاكتئاب أثناء رحلة علاجها إلى نوع من الإدمان، حاولت على إثره الانتحار، وفق ما كشفت عنه في إحدى مقابلاتها الصحفية عام 2008. وبعد رحلة بحث روحي عن أمان داخلي يضع حدا لمعاناتها النفسية، اعتنقت ميلاني الإسلام عام 2008، حين وجدت فيه -على حد تعبيرها- إجابات عن أسئلتها الوجودية وبلسما خفف من وطأة المرض النفسي الذي أنهكها. وقد أثار ارتداؤها الحجاب بعد ذلك عام 2009 عاصفة من الانتقادات الإعلامية في فرنسا، إذ هاجمتها وسائل إعلام محسوبة على اليمين، ونشرت مجلة "باري ماتش" صورا لها تخرج من المسجد مرتدية الحجاب، مما دفعها لرفع دعوى قضائية لحماية خصوصيتها. ورغم حدة تلك الانتقادات، ظلت ديامس ثابتة في وجه هذه العاصفة، ودافعت عن موقفها، مؤكدة أن الإسلام خلصها من المعاناة ومنحها الاطمئنان و"السلام الداخلي" ومنتقدة بجرأة وشجاعة النقاش الدائر آنذاك في فرنسا بشأن الحجاب والإسلاموفوبيا. وقد اعتزلت ديامس الغناء، وتخلت عن عالم الفن بشكل نهائي عام 2012 لتركز على حياتها الأسرية ونشاطها الإنساني في أفريقيا عبر مؤسسة خيرية أسستها لهذا الغرض. المولد والنشأة ولدت ميلاني جورجياد يوم 25 يوليو/تموز 1980 في العاصمة القبرصية، من أم فرنسية وأب قبرصي. وانتقل والدها للعمل في فرنسا، فانتقلت معه أسرته للعيش في باريس عام 1982، قبل أن ينفصل والداها لاحقا عام 1984، وهي في الرابعة من عمرها، فنشأت في كنف والدتها بعيدا عن الأب. ونشأت ميلاني وحيدة مع أمها المطلقة في إسون (جنوب باريس) وتلقت تعليمها الابتدائي في إحدى مدارس المقاطعة، قبل أن تنتقل عند بلوغها سن الـ13 للعيش في بلدية إينيي، وهناك أكملت دراستها في المدرسة الإعدادية الخاصة "سان نيكولا" ثم انتقلت لاحقا للعيش في "ماسي" ثم "أورساي" واستقرت هناك في حي "مونديتور" وفيه قضت مرحلة مراهقتها. وكان لنشأتها -في ظل ظروف اجتماعية صعبة- أثر سلبي على نفسيتها، إذ شكل غياب الوالد ندبا غائرا في طفولتها، وطبع حياتها في مرحلة المراهقة، مما جعلها تعيش على وقع مشاكل اجتماعية واضطرابات نفسية حاولت على إثرها الانتحار وهي لم تتجاوز بعد ربيعها الـ15. وبعد أن تجاوزت تلك الأزمة اعتنقت الإسلام وتزوجت، ولها ولدان هما مريم وإبراهيم. إخفاق البدايات اكتشفت ميلاني شغفها بموسيقى الراب في سن مبكرة، عند سماعها ألبوم "كرونيك" للمغني "دكتور دري" وكانت بعد طفلة في الـ12 من عمرها، لتستهل مسيرتها الفنية بعد ذلك عام 1995 مع "مافيا تريسي" إحدى الفرق الموسيقية الشبابية التي كانت تحيي حفلات محلية في الأحياء الهامشية بضواحي باريس. واختارت ديامس اسما فنيا لها، وقالت إنها اشتقته من كلمة "دياموند" (ألماس) والذي يرمز إلى "الصلابة والجمال في آن واحد" على حد تعبيرها. وعام 1997 كانت على موعد مع ظهورها الفني الأول، حين أدت أغنيتين، ضمن أول ألبوم تصدره المجموعة، والذي كان يتضمن في مجمله 4 أغان. وانفصلت فيما بعد عن فرقة "مافيا تريسي" ورسمت مسارا فنيا بمفردها، فأصدرت عام 1999 أول ألبوم غنائي تحت عنوان "المهمة الأولى" إلا أنه لم يرق إلى مستوى تطلعاتها ولم يلق رواجا، إذ لم تتجاوز مبيعاته 9 آلاف نسخة. وواجهت ديامس بعد ذلك صعوبات في العثور على دعم كاف يمكنها من إنتاج إبداعاتها الغنائية، إلا أن هذا التعثر لم يمنعها من الاستمرار في تطوير أسلوبها الموسيقي المميز الذي مزج بين الكلمة الجريئة والإيقاعات المتنوعة، إلى أن حصلت على فرصة مع شركة الإنتاج "هوستيل ريكوردس" عام 2003. الانطلاق نحو النجومية شكلت هذه الفرصة منعطفا فاصلا في مسيرة ديامس الفنية، إذ وقعت عقدا حصريا، أصدرت بموجبه ألبومها الثاني "امرأة خام" وحقق انتشارا واسعا بفضل الحملة الترويجية المكثفة التي أطلقتها شركة الإنتاج عبر المحطات الإذاعية، فضلا عن الدعم الكبير الذي حظيت به من الفنان الكوميدي المشهور " جمال دبوز". واعتبر هذا الألبوم نقلة نوعية في مسيرة ديامس الفنية، إذ حظيت الأغاني التي تضمنها بإعجاب طيف كبير من الجمهور، وحازت بفضل أغنية "امرأة خام" جائزة "الأغنية الذهبية" التي تمنح للمغني الذي حقق ألبومه أكبر رقم مبيعات في فرنسا، قبل أن تحصل كذلك على جائزة أفضل ألبوم راب في جوائز الموسيقى الفرنسية السنوية عام 2004. وبعد هذا النجاح الكبير، انطلقت ديامس في جولة غنائية كانت الأولى في مسيرتها الفنية، ابتدأتها من مدينة ستراسبورغ (شمال شرق فرنسا) في أكتوبر/تشرين الأول 2003، واختتمتها بحفل كبير على مسرح باتكلان الشهير في باريس يوم 20 يناير/كانون الثاني 2005، وجابت أثناءها مختلف المدن، وسط تفاعل جماهيري لافت. جرأة سياسية والتزام اجتماعي شكلت السنوات التي أعقبت هذه الجولة مرحلة جديدة في مسيرة ديامس الفنية، إذ عززت مكانتها نجمة بارزة في سماء فن الراب الفرنسي، عبر إصدار ألبومها الثالث "داخل فقاعتي" أو بتعبير آخر "في عالمي الخاص" عام 2006. ومثل هذا الألبوم نقلة نوعية في أسلوبها الموسيقي، إذ عملت على المزج ما بين موسيقى الراب والبوب، مع كلمات جريئة، خاصة في أغنية "الخطأ الفادح" التي تصدرت المشهد الغنائي الفرنسي إبانها وأصبحت كلماتها شعارات يرددها الشباب المنحدر من أوساط اجتماعية مهمشة في فرنسا. وحازت ديامس بفضل هذا الألبوم 3 جوائز في حفل الموسيقى الفرنسية السنوي عام 2007، وحققت رقما قياسيا من حيث المبيعات بلغ 800 ألف نسخة، في حين كشفت صحيفة لوفيغارو أن إيرادات الألبوم تجاوزت 2.66 مليون يورو. وفي تلك الفترة وسعت ديامس حضورها الإعلامي وبلغت ذروة شهرتها عبر مشاركاتها في برامج تلفزيونية بارزة ناقشت فيها قضايا اجتماعية ترتبط أساسا بالهوية والتمييز والهشاشة الاجتماعية، فأضافت بذلك بعدا آخرا إلى شخصيتها العامة، خاصة بعد انتقادها اللاذع لرموز حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقا) الذي يتزعم أقصى اليمين الفرنسي، أبرزهم جون ماري لوبان وابنته مارين لوبان في أغنية "مارين" كما كان للرئيس السابق نيكولا ساركوزي نصيب من النقد، إذ وصفته في أغنية "الخطأ الفادح" بـ"الديماغوجي" و"الفاشي" احتجاجا على سياساته الأمنية والقمعية تجاه ضواحي باريس عندما كان وزيرا للداخلية. وانطلقت ديامس بعد ذلك في جولة فنية واسعة عام 2007، قادتها إلى مدن أوروبية وأفريقية عدة، وحققت إقبالا جماهيريا غير مسبوق، إذ بيعت جميع تذاكر حفلاتها في وقت قياسي. بعد غياب إعلامي استمر عاما، عادت ديامس إلى الساحة الفنية عام 2009 بأغنية "أطفال الصحراء" التي شكلت بداية مرحلة جديدة في مسيرتها. واستوحت ديامس كليب الأغنية من مشهد شهير في فيلم "فوريست غامب" للمخرج والمنتج الأميركي "روبرت زيميكيس" فاعتبرها طيف واسع من جمهورها رسالة تحرر وتغيير. وكانت هذه الأغنية مقدمة لألبومها الرابع "النجدة" الذي صدر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ولقي نجاحا تجاريا كبيرا، إذ تصدر قوائم المبيعات في فرنسا وتوج بجوائز عديدة بعدما تجاوزت مبيعاته 300 ألف نسخة. ويعتبر هذا الألبوم علامة فارقة في مسيرة ديامس الفنية، ومثل نقلة نوعية في نضجها الفني، إذ حملت أغنية "لو كانت آخر مرة" إيحاءات مبكرة بقرب نهاية مشوارها الغنائي، في الوقت الذي أظهرت كلمات الألبوم عمقا جديدا في تعاملها مع مواضيع الاكتئاب والبحث عن الذات. وتولد هذا التحول العميق في حياة ديامس -نتيجة لاعتناقها الإسلام على ضفاف شاطئ في جزيرة موريشيوس في ديسمبر/كانون الأول 2008- تتويجا لرحلة "البحث عن المعنى" و"السعادة التي لم تجدها في الشهرة والمال" على حد تعبيرها. وبدأت قصتها مع الإسلام عندما كانت في جلسة استجمام مع صديقاتها يتبادلن أطراف الحديث، فاستأذنت إحداهن للمغادرة مؤقتا من أجل أداء الصلاة، فطلبت منها ديامس أن تصلي معها، فلم تمانع صديقتها ورحبت بالفكرة، وتقول إنها شعرت أثناء الصلاة براحة نفسية دفعتها للبحث والتعرف على الإسلام الذي ساعدها فيما بعد على تجاوز محنتها. حملة إعلامية شرسة أثار اعتناق ديامس الإسلام جدلا واسعا في فرنسا، خاصة بعد نشر مجلة "باري ماتش" صورا لها بالحجاب مع زوجها عام 2009 وهما يغادران مسجد "جانفيلييه" في الضاحية الباريسية. وحدث ذلك في ظل نقاش عام عن حظر الحجاب في فرنسا، مما عرضها لحملة إعلامية شرسة، وصفت تحولها إلى الإسلام بـ"التحول الصادم والمريب". وربطت العديد من وسائل الإعلام المحلية بشكل متكرر بين اختيارها الديني وقضايا التطرف، الأمر الذي عارضته ديامس بشدة، مؤكدة أن إسلامها شأن واختيار شخصي. الانخراط في العمل الخيري بعد رحلة إنسانية قادتها إلى كل من السنغال و النيجر تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) -في يناير/كانون الثاني 2009- تبنت ديامس قضايا اجتماعية جديدة، فخصصت عائدات ألبومها الجديد بالكامل لمنظمة خيرية أنشأتها بهدف دعم الأطفال المهمشين في القارة الأفريقية. وعززت ديامس صورتها فنانة ملتزمة اجتماعيا بمشاركتها في فعاليات خيرية، كان أبرزها حفل الذكرى الستين لتأسيس حركة "إيماوس" الدولية يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2009 على مسرح قاعة زينيث باريس. وتعد هذه الحركة إحدى أشهر المؤسسات الخيرية في فرنسا، وتعنى بمساعدة الفقراء واللاجئين، وأسسها هنري كرووي المعروف بالأب بيير عام 1949. ومع نهاية العقد الأول من القرن الـ21، بدأت بوادر التراجع الفني لديامس، إذ ألغت جزءا من حفلات جولة "رحلة النجدة" لأسباب صحية، وفق ما أعلنته وقتها. وركزت في المقابل بشكل متزايد على العمل الخيري، كما خفضت من وتيرة ظهورها الإعلامي بشكل ملحوظ. الاعتزال والتحول إلى الإبداع بالكتابة أماطت هذه الفترة اللثام عن تحول عميق في أولويات ديامس، إذ ركزت على الكتابة، فأصدرت عام 2012 سيرتها الذاتية تحت عنوان "ديامس.. السيرة الذاتية" مستعرضة مسيرتها الفنية منذ إطلاق ألبومها الأول حتى ظهورها على المسارح وفوزها بعدد من الجوائز. كما كشف الكتاب عن تفاصيل مثيرة طبعت حياة ديامس الشخصية، إذ سلط الضوء على نشأتها دون أب، وتجربتها مع الاكتئاب وعلاجها في مصحة نفسية، وقدم تفاصيل عن رحلتها نحو اعتناق الإسلام. وحقق الكتاب مبيعات بلغت 78 ألف نسخة بحلول عام 2013، وفرصة وضحت المؤلفة من خلالها وجهة نظرها ودافعت عن نفسها أمام حدة الحملة الإعلامية التي استهدفتها وتعدت على حريتها الشخصية. وأشارت ديامس إلى أن سبب منعها من الظهور على المحطات هو ارتداؤها الحجاب، وخوف السلطات من تبني وتقليد العديد من فتيات "الضواحي" أسلوب حياتها الجديد. وكان الكتاب تمهيدا لقرارها اعتزال الساحة الفنية أشهرا قليلة بعد ذلك، فقد ظهرت ديامس -في 30 سبتمبر/أيلول 2012- بحجابها الكامل لأول مرة أمام الجمهور، عندما حلت ضيفة على برنامج "من سبعة إلى ثمانية" على قناة "تي إف 1" وأعلنت رسميا اعتزالها الغناء، مشيرة إلى أن قرارها جاء نتيجة تطورات في إيمانها الديني ورغبتها في العيش بعيدا عن الأضواء، مؤكدة رغبتها في التركيز على حياتها الشخصية ومشاريعها الجديدة خارج الوسط الفني. وعام 2015، عادت ديامس للكتابة مرة أخرى، وأصدرت كتابها الثاني تحت عنوان "ميلاني الفرنسية والمسلمة" نشرته دار "دون كيشوت للنشر" يوم 21 مايو/أيار 2015. وحاولت عبره أن تبين عدم وجود أي تناقض أو تعارض بين كونها "مسلمة" و"فرنسية" في آن واحد، مؤكدة من جديد أن إسلامها نابع من قناعة شخصية تامة. وتناولت المؤلفة المنعطف الذي عرفته حياتها بعد اعتزالها الفن، متعمقة في تحولاتها الروحية والاجتماعية. ووصفت كيف حل "نور الله" محل "أضواء الشهرة" وكيف وجدت في الإسلام "ملاذا" من معاناتها مع الاكتئاب و"الاضطراب ثنائي القطب" وكيف منحها ذلك "إحساسا بأمان وسلام داخلي لم تعرفه في ذروة نجاحها الفني". كما تطرقت في كتابها إلى تحديات حياتها الجديدة بعدما أصبحت امرأة محجبة في فرنسا، موضحة كيف واجهت نظرات الشك والانتقاد، خاصة بعد أحداث الهجوم على مقر جريدة " شارلي إيبدو" الأمر الذي أدانته بشدة، منتقدة في الوقت ذاته استخدامها ذريعة لتعميم الصور النمطية عن المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا. وكشفت ميلاني النقاب في كتابها عن مصالحة مع ماضيها العائلي المضطرب، خاصة مع والدها الذي كان غائبا في طفولتها، وكيف ساعدها الإسلام في إصلاح هذه العلاقة، ووصفت بتأثر بالغ لقاءها به بعد سنوات من القطيعة، كما روت تجربة الأمومة مع ابنتها مريم، وكيف أعادها الطلاق ثم الزواج لاحقا إلى مسار جديد من الاستقلالية بصفتها امرأة مسلمة في مجتمع غربي. عادت ديامس إلى الأضواء عام 2022 عبر تعبير إبداعي آخر، إذ أخرجت فيلما وثائقيا بعنوان "السلام" قُدم لأول مرة ضمن قسم العروض الخاصة، في النسخة الـ75 ل مهرجان كان السينمائي المنظم خلال الفترة بين 17 و28 مايو/أيار 2022، في غياب لافت لميلاني التي فضلت البقاء بعيدة عن الأضواء. وتناول الفيلم -الذي أخرجته ميلاني بالتعاون مع المخرجتين "هدى بن يمينة" و"آن سيسي"- مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية، وكشف تفاصيل جديدة عن رحلتها الروحية وتحدياتها النفسية. وتناول المسارات المتشعبة في حياتها انطلاقا من فترة شهرتها في مجال الغناء، مرورا بتجاربها مع الفراغ النفسي والاكتئاب، وصولا إلى اعتناقها الإسلام وابتعادها عن الأضواء. وقد أثار هذا العمل الوثائقي ردود فعل متباينة بالأوساط الثقافية الفرنسية. ففي الوقت الذي أشاد فيه الناقد "لوران كاربونتييه" -في مقال له على صحيفة لوموند بتاريخ 27 مايو/أيار 2022 بعمق الفيلم وصدقه مستشهدا بعبارة ديامس المؤثرة "اخترت الحياة بدلا من الموت"- هاجم محللون ونقاد آخرون أمثال برنار روجيه ما وصفه -في حوار أجرته معه مجلة "لكسبريس" بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2022- بـ"التساهل الإعلامي" مع مضمون الفيلم، معتبرا أنه "يعكس تناقضات العصر".