
تصاعد المواجهات الإسرائيلية - الإيرانية هل يُعقد فرص الوصول لهدنة في غزة؟
غبار المعركة المحتدمة بين إسرائيل وإيران، المتصاعدة بشكل لافت، تتوارى خلفه محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة التي تراجعت للخلف مجدداً، بعد تصريحات لافتة من رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بتسريع جهود التفاوض.
ذلك الحراك نحو إبرام هدنة بغزة تبخَّر تحت سخونة المواجهات الإسرائيلية - الإيرانية التي تجاوزت الأسبوع، وسيبقى أيضاً «يُراوح مكانه» دون أن يترجم على أرض الواقع إلى شيء ملموس، كما يتوقع خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط»، وأوضحوا أن التصعيد الحالي في المواجهات بين إسرائيل وإيران سيُعقّد فرص التوصل لاتفاق بغزة، خاصة أن إسرائيل تركيزها الأكبر حالياً تجاه إيران، معتقدة أن كسرها عسكرياً سيُضعف حركة «حماس»، ومن ثم تتعاظم مكاسب نتنياهو في الجبهتين.
ومنذ بدء إسرائيل هجومها على إيران قبل أسبوع، كانت المفاوضات في غزة حاضرة بشكل لافت، وقال نتنياهو في مؤتمرين صحافيين يومي الأحد والاثنين، إن «هناك تحركات بشأن (اتفاق غزة)، وأعطيت تفويضاً واسعاً للفريق المفاوض للمضي في المفاوضات وننتظر إجابة»، غير أن متحدث «الخارجية القطرية»، ماجد الأنصاري، أكد في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، أن جهود الوساطة (التي تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة) لوقف إطلاق النار بغزة «مستمرة؛ لكن لا مؤشرات إيجابية بعد، في ظل التصعيد بين إسرائيل وإيران».
وشددت مصر وقطر ودول عربية وغربية بينها السعودية وتركيا والمملكة المتحدة، في بيان مشترك، الثلاثاء، على «استمرارية الدعم اللامتزعزع لكل الجهود الرامية لإنهاء الحرب في غزة»، في حين ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، الأربعاء، أن «الولايات المتحدة ومصر وقطر طلبت من إسرائيل إرسال وفد إلى منتجع شرم الشيخ المصري، بهدف استئناف المفاوضات المتعلقة بقطاع غزة والتوصل إلى اتفاق»، دون أن يصدر أي تعقيب من دول الوساطة حتى، الجمعة، عن إحياء مسار المفاوضات.
ولا تزال المواجهات بين إسرائيل وإيران، متصاعدة. ووفق إعلام إيراني فإن الهجمات الجوية الإسرائيلية قتلت 639 شخصاً في إيران، ومن بين القتلى مسؤولون عسكريون وعلماء، في حين قالت إسرائيل إن 24 مدنياً لقوا حتفهم في هجمات صاروخية إيرانية، وفق ما نقلته «رويترز»، الجمعة.
وبعد يومين من بداية المواجهات، نقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية، عن مسؤولين في البيت الأبيض وإسرائيل، أنه «من المتوقع أن تستغرق العملية الإسرائيلية ضد إيران أسابيع لا أياماً، وهي تمضي قُدماً بموافقة أميركية ضمنية».
فلسطيني يحمل كيس دقيق على ظهره في شارع الرشيد غرب جباليا (أ.ف.ب)
وباعتقاد الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات»، الدكتور سعيد عكاشة، فإن «هدنة غزة» مع تصاعد المواجهات «تلاشى حضورها، ونسيت لدى واشنطن الحليف الأول لإسرائيل، وتعقّدت فرص نجاحها حالياً»، موضحاً أن تركيز إسرائيل سيبقى على إيران، على أمل أن تنتهي المواجهة لصالحها، وهذا يُساعد في مفاوضات غزة لاحقاً، ويضعف «حماس» أكثر، دون أن يتوقف التصعيد العسكري بالقطاع أيضاً.
في حين يرى المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أنه «بكل تأكيد، المنطق ينحاز إلى أن انغماس إسرائيل في حربها مع إيران، يترجم إلى اتفاق تهدئة في غزة تقليلاً لتكلفة الجبهات»، مضيفاً «لكن الواقع يكشف عن أن ذلك عَقّد التوصل لاتفاق، وأن هناك إصراراً إسرائيلياً على التصعيد بكل الجبهات، خاصة في غزة، وعلى مدار أسبوع كل يوم يسقط شهداء فلسطينيين بغزة، وظهور عمليات لـ(حماس)».
ورغم تراجع حضور الهدنة في قطاع غزة، وسط تلك الأحداث المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، تواصلت محادثات الوسيطين المصري والقطري منذ بداية الحرب لتهدئة جبهة إيران، وتأكيد استمرار جهود وقف إطلاق النار بالقطاع.
والجمعة، بحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره البريطاني، ديفيد لامى، «سُبل وقف التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران»، وحذّر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال اتصال هاتفي مع وزير خارجية النرويج، أسبن بارث إيدية، من خطورة تقويض إسرائيل جهود تحقيق السلام، وجرّ المنطقة نحو حرب إقليمية.
فلسطينيون يحملون جثماناً على منصة نقالة قُتل في قصف إسرائيلي غرب جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
وجاءت تلك الاتصالات غداة محادثات مصرية أجراها وزير الخارجية المصري مع مبعوث واشنطن للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ووزير خارجية إيران، عباس عراقجي، بشـأن «ضرورة بذل كل الجهود لخفض التصعيد، ووقف إطلاق النار، ومنع انزلاق المنطقة إلى فوضى».
وانضمّت لذلك المسار محادثات بين عبد العاطي ونظرائه في سلوفاكيا، يوراي بلانار، وسلوفينيا، تانيا فايون، وصربيا، جورو ماتسوت، وفرنسا، جان نويل بارو، بجانب كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، تناولت «الجهود المصرية الحثيثة الرامية لاستئناف وقف إطلاق النار، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة»، وفق بيانات لـ«الخارجية المصرية» الخميس.
وأعلنت «كتائب القسام» (الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية)، في بيانات الخميس، مسؤوليتها عن قنص جندي إسرائيلي وتدمير 3 دبابات «ميركافا» في مدينة غزة، شمال القطاع.
في حين قُتل 43 شخصاً في قطاع غزة بنيران الجيش الإسرائيلي، بينهم 26 كانوا ينتظرون المساعدات، وفقاً لما أعلن الدفاع المدني بالقطاع، الجمعة، ومنذ 27 مايو (أيار) الماضي، يُعلن الدفاع المدني كل يوم تقريباً عن مقتل العشرات من الغزيين بنيران إسرائيلية قرب مراكز توزيع المساعدات المحدودة التي أقامتها «مؤسسة غزة الإنسانية»، التي يدور جدل حول مصادر تمويلها وصلتها بإسرائيل. وترفض المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة التعاون معها، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».
ومنذ ذلك الحين، قُتل 397 شخصاً، وأصيب 3 آلاف على الأقل أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات في غزة، وفق آخر حصيلة أوردتها وزارة الصحة في القطاع التي تديرها حركة «حماس».
ويرى عكاشة أن الاتصالات التي يجريها الوسيطان، المصري والقطري، تُعد أمراً طبيعياً، بوصفها من المهام الأساسية لأي وسيط، فحتى في ظل حالة الجمود، تواصل الفرق الفنية والأمنية عملها دون انقطاع، على أمل تحقيق أي اختراق محتمل في المحادثات لاحقاً.
وأكد أن «الاستهدافات من جانب (حماس) تعد بمثابة إثبات وجود، ولا تُغير في ميزانية القوة والتصعيد الإسرائيلي المستمر شيئاً، خاصة أنه لا أفق قريب لهدنة في ظل تصعيد المواجهات الإسرائيلية - الإيرانية دون تحقيق أحد منهما الغلبة بعد».
ويتوقع نزال أن «يستمر التصعيد في غزة، وتُعقّد فرص التوصل لاتفاق، تزامناً مع تصعيد إيران»، مرجحاً استمرار جمود المفاوضات انتظاراً لنهاية مسار المواجهات الإسرائيلية - الإيرانية، والنظر في نتائجها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاقتصادية
منذ 19 دقائق
- الاقتصادية
ستاندرد آند بورز وناسداك يغلقان على انخفاض مع ترقب الوضع في الشرق الأوسط
أغلق المؤشران ستاندرد آند بورز 500 وناسداك على انخفاض اليوم الجمعة، مع قلق المستثمرين من الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل، وذلك في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة ما إذا كانت ستتدخل في الحرب، وشهدت الجلسة تقلبات حادة في التداول معظم الوقت. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن طهران تدعم استمرار المباحثات مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وستكون مستعدة للقاء مجددا في وقت قريب بعد محادثات جرت بين الجانبين في جنيف. وذكر البيت الأبيض أمس أن الرئيس دونالد ترمب سيقرر خلال الأسبوعين المقبلين ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل في الحرب بين إسرائيل وإيران، مما يزيد الضغط على طهران للتفاوض. وقال ريك ميكلر، الشريك لدى شركة تشيري لين إنفستمنتس في نيوجيرزي "يشعر المستثمرون ببعض القلق فيما يتعلق بشراء الأسهم في ظل هذا الوضع". وتهدف هجمات إسرائيل إلى تدمير قدرات طهران على صنع أسلحة نووية. وتشير بيانات أولية إلى أن المؤشر ستاندرد آند بورز 500 انخفض 0.21 % إلى 5968.34 نقطة. ونزل المؤشر ناسداك المجمع 0.49 % إلى 19451.01 نقطة. وارتفع المؤشر داو جونز الصناعي 0.09 % إلى 42210.13 نقطة. وقيم المستثمرون تعليقات لمسؤولي مجلس الاحتياطي الاتحادي بعد أن أبقى البنك المركزي الأمريكي يوم الأربعاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وحذر رئيس البنك جيروم باول من احتمال ارتفاع التضخم خلال الصيف. وقال كريستوفر والر، المسؤول بمجلس الاحتياطي الاتحادي: إنه يرى أن خطر التضخم الناجم عن الرسوم الجمركية ضئيل، مضيفا أنه ينبغي على البنك المركزي خفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل. أما توم باركين، رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في ريتشموند، فقد اتخذ موقفا أكثر اعتدالا، وقال إنه لا داعي للإلحاح على خفض أسعار الفائدة. وأسهم شركات التكنولوجيا العملاقة، بما في ذلك إنفيديا، من بين أكبر الخاسرين على مؤشري ستاندرد آند بورز 500 وناسداك. وقفزت أسهم كروجر بعد أن رفعت سلسلة متاجر البقالة توقعاتها لنمو مبيعاتها السنوية. وانخفضت أسهم أكسنتشر بعد أن أعلنت الشركة المزودة لخدمات تكنولوجيا المعلومات عن انخفاض الحجوزات الجديدة في الربع الثالث.


الاقتصادية
منذ 19 دقائق
- الاقتصادية
تراجع أسعار النفط مع تهدئة العقوبات الأمريكية مخاوف التصعيد في إيران
تراجعت أسعار النفط عند التسوية اليوم مع فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة مرتبطة بإيران فيما يشير إلى نهج دبلوماسي غذى الآمال في التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض، وذلك بعد يوم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن الأمر ربما يستغرق أسبوعين لاتخاذ قرار بشأن مشاركة واشنطن في الصراع الإسرائيلي الإيراني. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 2.33 % عند التسوية إلى 77.01 دولار للبرميل. ونزلت كذلك العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم يوليو تموز 0.28 % إلى 74.93 دولار، ولم يتم تسويتها أمس الخميس لأنه كان عطلة في الولايات المتحدة وينتهي أجلها اليوم الجمعة. وبلغت العقود الآجلة للخام الأمريكي تسليم أغسطس الأكثر تداولا 73.84 دولار عند التسوية. وارتفع برنت 3.6% خلال الأسبوع، بينما زادت العقود الآجلة للخام الأمريكي تسليم شهر أقرب استحقاق 2.7%. وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في إشعار على موقعها الإلكتروني، أن إدارة ترمب أصدرت عقوبات جديدة متعلقة بإيران، شملت كيانين مقرهما في هونج كونج، وأخرى متعلقة بمكافحة الإرهاب. وأفاد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع للوزارة بأن العقوبات تستهدف ما لا يقل عن 20 كيانا وخمسة أفراد وثلاث سفن. وقال جون كيلدوف الشريك في أجين كابيتال في نيويورك "هذه العقوبات سلاح ذو حدين، وقد تكون جزءا من نهج تفاوضي أوسع نطاقا تجاه إيران. قيامهم بذلك، إشارة إلى أنهم يحاولون حل هذه المسألة بعيدا عن الصراع". وقفزت الأسعار 3% تقريبا أمس بعد أن قصفت إسرائيل أهدافا نووية في إيران التي ردت بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة عليها. ولا مؤشرات حتى الآن على انحسار القتال المستمر منذ أسبوع بين الجانبين. وقلصت العقود الآجلة لخام برنت مكاسب الجلسة الماضية بعد تصريحات البيت الأبيض بأن ترمب سيحدد قراره بشأن التدخل في الصراع الإسرائيلي الإيراني خلال الأسبوعين المقبلين. وقال راسل شور كبير محللي السوق في ترادو دوت كوم "على الرغم من أن التصعيد الكبير لم يحدث بعد، فإن المخاطر على الإمدادات من المنطقة لا تزال مرتفعة، ولا تزال تعتمد على احتمال التدخل الأمريكي". وقال جون إيفانز المحلل في (بي.في.إم) "ومع ذلك، وبينما تستمر إسرائيل وإيران في تبادل القصف، قد يكون هناك دائما إجراء غير مقصود يصعد الصراع ويؤثر على البنية التحتية النفطية". سبق أن هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة ردا على الضغوط الغربية. وأي إغلاق للمضيق قد يقيد التجارة ويؤثر في أسعار النفط العالمية. قال جيوفاني ستونوفو المحلل في بنك يو.بي.إس إن صادرات النفط لم تتأثر حتى الآن، ولا يوجد نقص في الإمدادات. أضاف "سيعتمد اتجاه أسعار النفط من الآن فصاعدا على ما إذا كان هناك تعطيل للإمدادات". وقال آشلي كيلتي المحلل في بانمور ليبيرم إن تصعيد الصراع بطريقة ربما تؤدي إلى مهاجمة إسرائيل للبنية التحتية للتصدير أو تعطيل إيران لحركة الشحن عبر المضيق قد يؤدي إلى وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل. وفي سياق آخر، ذكرت بلومبرج أن الاتحاد الأوروبي تخلى عن اقتراحه بخفض سقف سعر النفط الروسي إلى 45 دولارا.


Independent عربية
منذ 24 دقائق
- Independent عربية
معادلة الحرب والتفاوض: القنبلة أو النظام
لعبة الأمم وصلت إلى المرحلة الأخيرة في ما تسميه إسرائيل "صراع وجود" مع إيران، وعملية "الأسد الصاعد" ضد إيران أكبر من مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسياسته الشخصية، وإطالة حرب غزة لإطالة عمر حكومته. إنها حرب إسرائيل التي تقول مع نتنياهو إنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي "فلن يكون هناك وجود لإسرائيل"، فالاستراتيجية الدائمة في إسرائيل هي "حصرية السلاح النووي فيها"، ورفض حصول أية دولة في الشرق الأوسط على القنبلة. وإيران التي دفعت مليارات الدولارات وتحملت أقسى العقوبات من أجل بناء مشروع نووي على مدى عقود تعرف أن بوليصة ضمان النظام هي امتلاك القنبلة، بصرف النظر عن النفي وحديث فتوى تحريم السلاح النووي والكلام على سلمية المشروع. وما نراه حالياً هو قتال أمام "العتبة النووية" في طهران، صراع وجود ليس فيه عادة حل وسط. غير أن ما يدور من تقاصف لا يزال مضبوطاً على حافة حرب شاملة لا تريد أميركا الذهاب إليها، وتخشى طهران من عواقبها، وتسعى روسيا والصين وأوروبا والدول العربية إلى الحؤول دون انزلاق الأطراف إليها. تقاصف لم يقترب بعد من التوسع إلى خارج الجغرافيا الإيرانية والإسرائيلية، بحيث يبدو مفروضاً على إيران. عمليات عسكرية نوعية يريد الرئيس دونالد ترمب توظيفها في إجبار طهران على قبول شروطه في التفاوض على الملف النووي، بما يلغي إمكان الحصول على سلاح نووي. نوع من ممارسة قول كلازوفيتز "إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى". أما إسرائيل، فإن ما تريده هو عرقلة التفاوض الأميركي - الإيراني، لأنها خائفة من الوصول إلى "باذار" إقليمي - دولي لا يناسبها، وبالتالي العمل لإنهاء المشروع النووي الإيراني بالقوة. وليس خارج المألوف أن تصف طهران عملية "الأسد الصاعد" بأنها "لعب إسرائيلي بذيل الأسد"، ولا بالطبع أن يهدد وزير الدفاع الإسرائيلي بإحراق طهران، ويهدد الحرس الثوري بإحراق تل أبيب، لكن ما كشفت عنه العمليات العسكرية خطر جداً، وسط ما بقي خارج الكشف. من التفوق التكنولوجي الهائل إلى المعلومات الاستخبارية الدقيقة، التي قادت إلى قطع رؤوس قادة الجيش والحرس الثوري وعلماء الذرة. ومن إقامة الموساد قاعدة سرية للطائرات المسيرة داخل إيران، إلى عمليات كوماندوس على الأرض الإيرانية. فضلاً عن السيطرة الإسرائيلية على الأجواء في طهران والمدن الأخرى، من دون أية قدرة فعالة على الدفاع الجوي ضد الغارات. ففي المرحلة الماضية كانت إسرائيل تضع ألف حساب لأية ضربة داخل إيران، خوفاً من هطول الصواريخ عليها من أذرع إيران الخارجية في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة، أما بعد إضعاف الأذرع في حرب غزة ولبنان وسقوط نظام الأسد في سوريا، فإن نقل الحرب إلى الرأس الإيراني بات ممكناً من دون حساب لمشاركة الأذرع. والمعادلة المطروحة في التكامل العسكري والدبلوماسي بين أميركا وإسرائيل هي البرنامج النووي أو النظام، والرد الإيراني يعزز تمسك ترمب ونتنياهو بهذه المعادلة، فالتهديد بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي، والمسارعة إلى تخصيب اليورانيوم بأعلى من نسبة 60 في المئة، يعني المخاطرة بحرب شاملة ضد إيران تخوضها أميركا علناً. وأية حرب شاملة تنتهي، لا فقط بخسارة البرنامج النووي، بل أيضاً بخسارة النظام والبرنامج. والخيار أمام طهران لا يزال متاحاً في فرصة ثانية لمعاودة التفاوض، كما يقول ترمب. وما تشترطه إيران، هو وقف العمليات الإسرائيلية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) غير أن من الصعب الهرب من القاعدة التقليدية التي يعرفها القادة العسكريون، حين تدخل الحرب تفقد السيطرة على الأحداث وتصبح أسيرها، فليس لعمليات التقاصف الحالية أفق سياسي، هي مجرد تبادل الأذى والدمار في لعبة عض الأصابع وانتظار من يصرخ أولاً، ولا مخرج منها إلا بالتفاوض الأميركي - الإيراني على ما هو أكثر من البرنامج النووي. والمحلل الاستراتيجي البريطاني لورنس فريدمان البروفسور الفخري لدراسات الحرب في كلية الملك في لبنان، يرى في مقالة نشرتها "فورين أفيرز" أنه "بعد نهاية الحرب الباردة فقدت الحروب السريعة قوة الدفع، ولم تقدم الكثير، بحيث تحولت الصراعات إلى شيء عنيد جداً". وبكلام آخر، وداعاً للحروب السريعة والضربة القاضية. وما كشفت عنه غزارة القصف الإيراني بعد ساعات من صدمة الهجوم الإسرائيلي هو أن إيران ليست ضعيفة، لكنها ليست بالقوة التي تدعيها. فهي اعتادت المبالغة في قوتها إلى حد خرافي، مثل التهديد بإزالة إسرائيل من الوجود خلال "سبع دقائق ونصف دقيقة". وهي ترفع في العاصمة لافتات عن المسافة بالثواني إلى المدن في إسرائيل، لا بل تعتبر أن "محور المقاومة" الذي وصفه وزير الخارجية عباس عرقجي بأنه "مكون مهم جداً في قوة إيران" ليس سوى "طبقة ثانوية في عقيدة الدفاع والردع الإيرانية"، كما نقلت "فورين بوليسي" عن مسؤولين إيرانيين. وفي رأي سوزان مالوني نائبة رئيس بروكنغز، فإن حرب إسرائيل في غزة ولبنان وسقوط نظام بشار الأسد "كسرت استراتيجية إيران الإقليمية، لكن إيران ضعيفة ليست أقل خطورة". وهذا ما تضعه أميركا وروسيا والصين والدول العربية في الحسابات، ضمن معادلة الحاجة إلى نظام إيراني من دون سلاح نووي ولا مشروع إقليمي له أذرع مسلحة. وقديماً قال كليمنصو، "أنا أعتذر - لآتيلا، ولكن فن ترتيب كيف يعيش الرجال أكثر تعقيداً من فن ذبحهم".