
خطة إسرائيلية لإعادة احتلال «قبر يوسف» في نابلس... فماذا نعرف عنه؟
يُخطط قادة الاستيطان اليهودي لاستغلال العملية الإسرائيلية الجارية في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لاستعادة السيطرة الدائمة على منطقة «قبر يوسف» التي تُعد محل خلاف كبير، ونقطة توتر دائمة شهدت كثيراً من الاشتباكات والمواجهات ومقتل فلسطينيين وجنود إسرائيليين.
وبعد سنوات من مطالبة اليمين الإسرائيلي بإعادة احتلال «قبر يوسف»، تناقش لجنة الخارجية الأمن في الكنيست الإسرائيلي الخميس، المسألة، تحت غطاء العملية العسكرية الجارية في المدينة.
جندي إسرائيلي خلال الهجوم على نابلس الثلاثاء (أ.ب)
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه من المتوقع أن تناقش لجنة فرعية في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، في جلسة طارئة الخميس، بقيادة النائب تسفي سوكوت (الصهيونية الدينية)، مصير «قبر يوسف» ووضعه في اتفاقيات «أوسلو» للسلام، والهدف «تطبيق الاتفاقيات»، وإبقاء دائم للجنود الإسرائيليين هناك.
وفي الجلسة التي ستُعقد بمشاركة ممثلين عن الجيش الإسرائيلي، وأجهزة أمنية، ورئيس «مجلس شومرون الاستيطاني» يوسي داغان، وهو مسؤول كبير في حزب «الليكود» الحاكم، ستُعرض مواقف الجهات الأمنية بشأن الوجود الدائم للجنود في «قبر يوسف» والتبعات الأمنية المحتملة لهذه الخطوة، إضافة إلى ردود فعل دولية محتملة!
وحتى انعقاد الجلسة، يعمل قادة المستوطنين على صياغة رأي قانوني، مفاده أن الأمر يُعد مصلحة أمنية إسرائيلية.
جنود إسرائيليون في نابلس بالضفة الغربية الثلاثاء (أ.ب)
وستُعقد المناقشة على خلفية العملية العسكرية في نابلس.
وكانت إسرائيل قد أطلقت، الثلاثاء، في نابلس عملية عسكرية في حي القصبة (البلدة القديمة) قالت إنها تجري بمشاركة كتيبتي احتياط، ووحدة «دوفدوفان» وتستهدف بنى تحتية في المدينة.
وقتلت إسرائيل شقيقين يوم الثلاثاء، وأصيب جنود في العملية التي تعد جزءاً من عملية «الجدار الحديدي» التي بدأت 21 يناير (كانون الثاني) في شمال الضفة الغربية، واستهدفت مخيمات جنين وطولكرم، وما زالت مستمرة.
وقالت «يديعوت أحرونوت» إنه في إطار هذه العملية، تمركزت قوات الجيش بشكل دائم في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين، ويأمل المستوطنون أن ينطبق الأمر نفسه على «قبر يوسف» في نابلس.
و«قبر يوسف» يقع شرق مدينة نابلس، ويزوره المستوطنون، بعد تنسيق يجريه الجيش الإسرائيلي مع السلطة.
ويزعم مستوطنون يهود أن هذا القبر يضم بعضاً من رفات النبي يوسف، عليه السلام، لكن أهل نابلس يقولون إن القبر «حديث نسبياً، ودفن فيه رفات يوسف دويكات، وهو رجل من صالحي المسلمين».
ويرى الفلسطينيون أن إسرائيل تزعم أنه قبر النبي يوسف؛ لأنها أرادت الاحتفاظ به ضمن أي تسوية، واتخاذه موقعاً استراتيجياً على مشارف نابلس، رغم كونه إرثاً إسلامياً مسجلاً لدى «دائرة الأوقاف الإسلامية».
عمليات ترميم يجريها مستوطنون وعسكريون إسرائيليون داخل «قبر يوسف» في نابلس عام 2022 (إكس)
وخلال المفاوضات حول اتفاقيات «أوسلو»، في سنة 1993، تحوّل هذا القبر إلى موضوع خلاف؛ حيث أصرت إسرائيل على إبقائه ضمن المناطق المحتلة، وفعلاً أصبح بمثابة جيب إسرائيلي داخل مدينة نابلس.
وشهدت المنطقة مواجهات دامية أدّت إلى إحراق جنود إسرائيليين داخله مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، وقتل جندي إسرائيلي في المكان لاحقاً برصاص قناص، ما أدّى إلى الانسحاب من هذا القبر، على أن يُحافظ الفلسطينيون عليه، ويسمحوا لمجموعات يهودية بزيارة الضريح، وأداء الصلاة فيه.
ومنذ ذلك الحين، يرفض معظم المتطرفين اليهود الاعتراف بواقع إشراف السلطة الفلسطينية على القبر، وقد نظموا عدة اقتحامات متكررة دون أي تنسيق مع السلطة، ما أدّى في بعض الحالات إلى مقتل مستوطنين في الموقع.
ويطالب غلاة اليهود المتطرفون منذ ترك القبر باستعادته من السلطة بالقوة وإخضاعه بالكامل للجيش الإسرائيلي.
وفي فبراير (شباط) الماضي، كشفت «يديعوت» أن قادة الاستيطان اليهودي يعملون على الدفع باتجاه وجود استيطاني دائم في «قبر يوسف»، باعتبار الفرصة سانحة للاستيلاء على المكان بعد مرور 25 عاماً على انسحاب الجيش الإسرائيلي منه عام 2000، ويرون أن العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة في جنين وطولكرم تفتح باباً أمام تنفيذ هجوم شبيه على نابلس، وهو ما تم اليوم فعلاً.
ويقود هذه المساعي التي ترجمت باتصالات مع السياسيين ومظاهرات أسبوعية عند مداخل مدينة نابلس، شخصيات بارزة في الحركة الاستيطانية، من بينها الحاخام دودو بن نتان، رئيس أحد المعاهد التوراتية في مستوطنة رحاليم، إلى جانب داغان، وسوكوت.
وقال عضو الكنيست سوكوت، حسب «يديعوت» «إن إعادة الوجود اليهودي في (قبر يوسف) ضرورية من منظور أمني وسياسي وتاريخي. وسنعمل بكل الطرق لتحقيق هذا الهدف».
وإضافة إلى السيطرة على القبر، يريد القائمون على الخطة، إعادة بناء مدرسة دينية في المكان كانت قد أنشئت عام 1986.
«الحريديم» خلال مظاهرة في القدس ضد قرار تجنيدهم بالجيش الإسرائيلي 30 يونيو 2024 (أ.ب)
وقالت «يديعوت أحرونوت» إنه إذا مضت هذه الخطوة الدراماتيكية قدماً، فقد تُحدث فوضى حقيقية، لأنه من الصعب معرفة رد فعل الجهات الدولية على هذه الخطوة، التي قد تُعدّ انتهاكاً للاتفاقيات مع السلطة، وتقويضاً مباشراً لحكم السلطة الفلسطينية الذي تحاول إعادة بنائه في نابلس.
لكن كلاً من وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووزير المالية ووزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، لا يُلقيان بالاً للانتقادات الدولية؛ حيث قادا سلسلة من التحركات الجذرية في الضفة الغربية بالتنسيق مع قادة المستوطنين، بهدف تعزيز الاستيطان، وكان آخرها الاعتراف بالمستوطنات التي تم إخلاؤها ضمن خطة فك الارتباط في شمال الضفة والعودة إليها.
واعترف سموتريتش بأنه يقود ثورة في الضفة من شأنها تغير «دي إن إيه» المنطقة، نحو سيطرة إسرائيلية مطلقة، ودفع مئات آلاف المستوطنين للاستيطان في المنطقة بوصفهم «درع إسرائيل».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 37 دقائق
- الشرق الأوسط
«فجوة الغاز» تشغل المصريين مع بوادر صيف ملتهب
أثار تزامن المواجهات الحالية بين إيران وإسرائيل مع بداية فصل الصيف في مصر، الذي بات يشهد درجات حرارة مرتفعة بسبب تغيرات مناخية، وتعطل إمدادات الغاز لمصر، تساؤلات بين المصريين حول مدى قدرة الحكومة على توفير الكهرباء دون انقطاع خصوصاً للمنازل. ووفق مصدر مسؤول، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دون الكشف عن هويته، فإن الوضع الحالي «ليس جديداً، حيث إن إمدادات الغاز من إسرائيل شبه متوقفة بالفعل منذ قبل بدء الحرب مع إيران، بسبب ما قالت إسرائيل إنها أعمال صيانة في خطوط التصدير»، منوهاً بأن «القاهرة تعاملت مع انقطاع الإمدادات بحرفية بتجهيز بدائل». أجواء جميلة طبعا وكل حاجةبس أنا مش مستعدة لعودة تخفيف الأحمالأقسم بالله أعصابي تلفت — سارة (@ImStillSaraious) June 16, 2025 لكن المصدر أوضح أن «هذا لا يعني إمكانية عدم حدوث أزمة في حال استمرار الحرب الإيرانية - الإسرائيلية طويلاً؛ لأنها أدت لتعطل كبير في خطوط الملاحة البحرية، خصوصاً أن مصر عقدت اتفاقات مع بعض الدول مثل روسيا وقطر والجزائر لتكون بديلاً لإسرائيل، لكن هذه التوريدات كانت ستتم بحراً عبر ناقلات، لهذا كلما طال أمد الحرب سيقع على عاتق الناس التعاون مع الحكومة في الترشيد حتى لا تحدث أزمات». وفي منتصف مايو (أيار) الماضي، أبلغت إسرائيل القاهرة نيتها تنفيذ أعمال صيانة دورية في أحد خطوط تصدير الغاز على مدى 15 يوماً، وهو ما من شأنه أن ينعكس على حجم الكميات الموردة إلى مصر، لتكون أقل من المتفق عليه والمستهدف خلال أشهر الصيف. ومنذ هذا التوقيت بدأت كميات الغاز الإسرائيلي الموردة إلى مصر في الانخفاض، لتصل إلى 500 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً، بدلاً من مليار قدم مكعبة، وكان من المتوقع أيضاً أن يتم خفض آخر خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) المقبلين بسبب ارتفاع الاستهلاك المحلي في إسرائيل، فيما عزاه خبراء ومصادر مصرية وقتها «لرغبة إسرائيل في الضغط على مصر بملف الغاز لإرغامها على قبول خطة تهجير أهل غزة». في ظل أزمة الطاقة الحالية في مصر تتعدد أسباب المشاكل الخاصة بإمداد المحطات بالوقود، لكن من العدل والموضوعية الإشادة بالأداء اللافت لوزارة الكهرباء، التي تعمل تحت ظروف تشغيل غير اعتيادية، وتعاني من فجوة وقود قاسية خارجة عن سيطرتها تماما — Mohamed A. Fouad (@MAFouad) June 14, 2025 وتعتمد مصر على الغاز المسال في تشغيل محطات توليد الكهرباء، ومن المتوقع أن يؤثر انقطاع الغاز الإسرائيلي بسبب الحرب مع إيران، على قدرة تلك المحطات في الوفاء بالاحتياجات الزائدة للتيار الكهربائي في فصل الصيف... وكانت مصر لجأت أخيراً لاستخدام المازوت بديلاً لتشغيل المحطات، لكنّ الخبراء أكدوا ضرره على المحطات وعدم جدواه. والأربعاء، قال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين لـ«رويترز»، إن إسرائيل ستستأنف صادراتها من الغاز الطبيعي عندما يمنحها الجيش الإذن بذلك عندما يتأكد أن هذه الخطوة آمنة. ومنذ منذ 13 يونيو (حزيران)، أغلقت السلطات اثنين من ثلاثة حقول غاز في إسرائيل وهما: «ليفياثان» الذي تديره شركة «شيفرون»، و«كاريش» التابع لـ«إنرجيان» قبالة ساحلها على البحر المتوسط. وأبقت بذلك السلطات العمل في «تمار»، أقدم حقولها، والمستخدم لتزويد إسرائيل بالغاز، وقال كوهين إنه على اتصال مع مصر والأردن بشأن توقف الإمدادات. وأضاف لـ«رويترز»: «عليهما أن يدركا أننا في حرب. لا أريد أن أستخدم مخزوننا الاستراتيجي، ولذلك تعين علينا خفض الصادرات». رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مع وزير الكهرباء محمود عصمت عقب اجتماع لمناقشة تداعيات المواجهات الإيرانية - الإسرائيلية (الحكومة المصرية) وبدأت مصر استيراد الغاز الإسرائيلي منذ عام 2020 ضمن صفقة بلغت قيمتها 15 مليار دولار بين شركتي «نوبل إنرجي» التي استحوذت عليها «شيفرون»، و«ديليك دريلينغ»، ومع تراجع إنتاجها المحلي من الغاز الطبيعي عادت خلال العام الماضي لاستيراد الغاز المسال بعدما توقفت عن الاستيراد منذ عام 2018 على خلفية اكتشافات ضخمة أبرزها «حقل ظهر». وخلال اجتماع مع الحكومة، الأربعاء، سعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى طمأنة المواطنين فيما يتعلق بإمدادات الوقود، لافتاً في هذا السياق إلى القرار الذي أصدره بتشكيل «لجنة أزمات» برئاسته، لمتابعة تداعيات العمليات العسكرية الإيرانية - الإسرائيلية، بما يُسهم في الاستعداد لأي مُستجدات بمختلف القطاعات. وبحسب بيان لمجلس الوزراء، طالب مدبولي من المواطنين بضرورة الحرص الشديد على ترشيد استهلاك الكهرباء، في ظل هذه الظروف الاستثنائية، مع التأكيد على التزام الحكومة بالعمل على إمداد محطات الكهرباء بالوقود اللازم لتشغيلها بالكفاءة المطلوبة. ويتوقع عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب المصري (الغرفة الأولى للبرلمان) محمد الجبلاوي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، «عدم حدوث أزمة بشأن انقطاع الكهرباء»، مشيراً إلى أن «وزارة البترول أبلغت لجنة الطاقة بالبرلمان بأنها ماضية في خططها لتنويع مصادر الإمداد بالطاقة، ومشروعات التعاون المشترك بين دول المنطقة تمثل أفضل السبل لتأمين وتنويع تلك المصادر». وأشار إلى أن «مصر حالياً تعتمد بشكل كبير على إنتاج الطاقة من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتوسعت في ذلك بشكل كبير؛ لإدراكها أن الوقود أصبح ورقة ضغط على قرارها السياسي، فضلاً عن التوترات التي تحدث وتؤدي إلى تعطل الملاحة وتوقف الإمدادات»، منوهاً أيضاً بأن «الإنتاج من حقل ظهر المصري للغاز عاد لطبيعته بعد حل المشكلات التي حصلت وعطلت الإنتاج لفترة». وكانت الحكومة المصرية على لسان رئيسها قطعت وعداً في 14 يونيو الحالي بعدم تخفيف الأحمال في فصل الصيف. وبدلاً من ذلك أعلنت خطة لترشيد استهلاك الكهرباء، تضمنت تخفيض إنارة الشوارع والميادين العامة بنسبة 60 في المائة بالتنسيق مع الجهات المختصة، والالتزام الصارم بترشيد الكهرباء داخل المباني والمرافق الحكومية، فضلاً عن إغلاق المحال التجارية والمولات 11 مساء، ما عدا يومي الخميس والجمعة، حيث تمدد المهلة إلى 12 مساء. استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، الدكتور ماهر عزيز، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر معرضة لأزمة محدودة في إمدادات الغاز إذا كان انقطاع الإمداد بالغاز الطبيعي الآتي من خط الغاز الواصل من حقل الغاز الإسرائيلي الذي تم إغلاقه بسبب الحرب مؤثراً حال عدم كفاية شحنات الغاز الطبيعي التي تعاقدت عليها مصر». عزيز وهو عضو «مجلس الطاقة العالمي»، أوضح أنه «إذا كانت تعاقدات الغاز الطبيعي المسال كافية لتغطية نقص الإمداد بخط الغاز الإسرائيلي، فلن تتعرض مصر لأزمة، وغالباً سيكون شكل الأزمة - إذا - حدثت - في صورة تخفيف تبادلي لأحمال الكهرباء لأوقات محدودة خلال النهار، وهو ما يمكن تحمله من جانب المستهلك».


الرياض
منذ ساعة واحدة
- الرياض
إيران تستدعي سفير سويسرا للاحتجاج على تصريحات ترمب
أفادت وسائل إعلام إيرانية من بينها وكالة أنباء مهر شبه الرسمية اليوم الأربعاء بأن إيران استدعت السفير السويسري في طهران بصفته ممثلا للمصالح الأمريكية في البلاد للاحتجاج على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "الاستفزازية". وكان ترامب طالب إيران في وقت سابق "بالاستسلام غير المشروط".


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
القنبلة النووية التي لن تنفجر
تبدل الزمن الذي كانت فيه الطائرات ترمي الجنود بالمظلات من السماء كما يتم رمي البذار في الحقول كي يتشبثوا فيها ويحققوا انتصار الجنرالات القابعين في غرفة إدارة الحرب من خلفهم، كان الجندي مجرد شجرة أو ربما حبة شعير يتم زراعتها في أرض غير أرضه، وفي النهاية يكون حصاداً أو تدوسه آلة الحرب قصداً وخطأً، ففي التاريخ القديم كان المحارب يذهب إلى الحرب حاملاً رمحه كي يعود حاملاً عليه رأس عدوه، فالحرب تنجب الفرسان والبطولات، وتأتي بالعربات التي تحمل الغلال والمال، والحروب أيضاً مصنع الأساطير، فقد كانت تجري على أراضٍ بعيدة، قبل أن تأتي بها الحربان الكونيتان إلى القارة العجوز وكثيراً من البلدان قبل وبعد. ولما رأى الناس أن ما استقر بهم غير ما سمعوه عن الحرب، جعلهم يدركون أن صورة البعيد منها هي كالقريب، وعرفوا أن الجنس البشري الذي يتقاتلون به عليه أكثر رصداً لتقادم الأهوال قبل الأحوال، مع نمو المفردات وتخادم اللغات، ما أدى الى تشكيل حالة من الوعي الإنساني الجديد فبدأت تتلاشى قصة الحروب البعيدة التي كانت تذهب اليها الجيوش لكي تحصل على البطولات، ونمت صورة القيم الإنسانية، وازدادت غزارة القوانين التي تحفظ اللون والعرق والمعتقد، رغم أنها كانت صورة المشرق العربي قبل الغرب، لكن صميمة الفكرة بدلت كثيراً من المعتقد القديم عن الانسان القديم الجديد. غير أن من كبريات العلل، أن بعضاً من التقنية يذهب للإنسانية، وبعضاً منها تأخذه هواجس الحروب، والبحث عن القوة واستشعار العظمة، بالتالي كان للسلاح النووي سطوة وللكلمة فيه أثر، رغم تنامي الشعور الإنساني بعدما حدث في هورشيما وناغزاكي، فبقدر ما تميل الإنسانية يميل نقيضها نحو التوحش، ما يدفع بالحرب نحو الحرب، في مشهد يتكرر ويود صانعوه أن يستمر في كل جيل، غير أن بعد الحرب الكونية الثانية سقطت فكرة الاستيلاء على الأرض بالعموم لا الخصوص، فالناس شركاء في الماء والهواء وشركاء أيضاً في المصالح، ورغم قسوة الشركات العابرة للحدود عند نشأتها غير أن الواقع الحالي يميل نحو التراضي بمعنى استفادة الطرفين من المخزون من المواد الخام واستثمار ذلك في جلب التقنية، وبالتالي أنتج هذا العالم المتبدل في المصالح تعاوناً يأتي بالرفاهية للطرفين بدون كلفة غزو البلاد التي تظهر فيها الشمس كثيراً وبالتالي تكون الغلال فيها أكثر من غيرها، بالتالي توصل الإنسان عبر التجربة وعبر ادراكه المعرفي، أن الكائن البشري مفيد لأخيه، ومع ازدياد العلوم كان الكون يصبح صغيراً بحجم المعرفة، كبيراً بحجم الإمكانات والمخزون فيه، عظيماً بحجم استثمار العلوم فيه، لكن يضيق كثيراً على الانسان كلما أراد حمل رمحه وإحضار رأس عدوه. ليس صحيحاً أن السلاح النووي قوة ردع في الواقع الحالي، فقد أسقطت التكنولوجيا فكرة الردع النووي أمام التطور التقني الذي يجعل طائرة صغيرة تشغل إسرائيل 40 دقيقة في الحرب الحالية قبل العثور عليها، بالتالي ما هو القادم وما هي التقنية غير المرئية التي لم تكشف اللثام عن وجهها بعد، فما يتاح اليوم من اختراق المنظومات الأمنية عبر اللغة السيبرانية "الرقمية" وربما دون معرفة من يقف ورائها يمكن أن يضرب اقتصادات ومنشآت، وما يمكن أن تفعله طائرة صغيرة يسيطر عليها فرداً واحداً لا تستطيع فعله كتيبة من الجنود وقد تكون هذه الطائرة مبرمجة وذاتية الحركة بحيث يطلقها صاحبها ويذهب لتدخين سيجارة ويتفرج عليها كواحد من الجمهور دون ان يعرفه أحد، فنحن أمام خلاصة العقل البشري اليوم، والذي نود أن يعطي مزيداً من قيمة للحياة، بين الأوبئة والموجود من الأمراض، وبين درء الخطر من المجهول، خصوصاً وأن الانسان في كثير من الدول لم يعد مقاتلاً من أجل أن يأكل رغيف الخبز، بقدر ما بات يقاتل لأجل رفاهية أكثر وسعادة أكثر أمام عدو مشترك أكبر من الصراعات القومية والعرقية وغيرها، هو عدو صمتت الأجيال عنه طويلاً لعدم إدراك عظيم خطره، كان يجلس في البيئة ولا يزال ولا يضعف من شأنه إلا سنّة الله في الخلق الأول في تعارف البشر على بعضهم، وإدراكهم أن اللون والعرق واللسان كل ذلك هو الكون، وأن دبلوماسية العلوم الإنسانية ليس فيها خاسر. لا حروب نووية قادمة، فقد انتهت الحرب الكونية الثانية بعد ملايين القتلى واكتشف الأوروبيون وغيرهم أنهم يستطيعون العيش مع بعضهم البعض.