
كنوز فنية خلف الجدران في مصر
أبواب مغلقة
، أو في قاعات لا يصلها الضوء الكافي من الاهتمام. لوحات أصلية لفنانين كبار مثل فان غوخ ورودان ورينوار وروبنز، ومقتنيات إسلامية نادرة، وسجاد وتحف خزفية من عصور مختلفة، ترقد في انتظار لحظة العرض. بعض هذه الأعمال والمقتنيات لم يرها الجمهور منذ سنوات طويلة، وبعضها الآخر يُعرض في صمت، دون تفاعل حقيقي أو حضور جماهيري يليق بقيمتها. وسط هذه المفارقة، تُطرح هنا أسئلة ملحة حول الأسباب التي تؤخر عودة هذه المؤسسات إلى الحياة، ولماذا تغيب بعض المتاحف عن الفضاء العام، رغم ما تملكه من تراث بصري وإنساني؟
جُمعت هذه القطع المحجوبة على مدى قرون لتصبح مع الوقت جزءاً أصيلاً من
الذاكرة
المصرية، لكنّها اليوم تعاني عزلةً وإهمالاً يهدّد وجودها. متحف محمد محمود خليل وحرمه المطلّ على النيل، ومتحف الجزيرة بساحة الأوبرا، يكشفان حجم المعضلة، فهما يضمان مقتنيات فريدة تستقر في صمت خلف أبواب مغلقة أو قاعات خاوية من الزائرين.
لا يروي متحف محمد محمود تاريخ فنون مستوردة فحسب، بل يسرد حكاية شغف فردي تحوّل إلى تراث وطني، هي حكاية عشق جمعت بين السياسي المصري الثري في زمن الملكية والفن الأوروبي، خاصة الفرنسي. بدأت هذه الرحلة عام 1903 عندما اقتنى خليل لوحة "ذات رابطة العنق من التل الأبيض" لأوغست رينوار مقابل 400 جنيه مصري فقط. وقد أتاحت ظروف الحربَين العالميتَين له فرصة تكوين مجموعة فنية استثنائية. يضم المتحف اليوم أكثر من 300 لوحة و50 تمثالاً لفنانين عالميين مثل فان غوخ وغوغان ومانيه وسيزان ورودان. وتبرز بين هذه المقتنيات لوحة "زهرة الخشخاش" ل
فان غوخ
التي تقدر قيمتها بنحو مئة مليون دولار، والتي تحولت إلى أيقونة للمتحف رغم فقدانها. تعرضت هذه اللوحة للسرقة مرتين، الأولى في ثمانينيات القرن الماضي مع شكوك حول أصالتها عند استعادتها، والثانية في 2010 وهي ما زالت مفقودة حتى اليوم.
تجهيزات العرض التقليدية لا تليق بقيمة المقتنيات المعروضة
ورغم الضجة التي أثارتها السرقة الأخيرة، ووعود وزارة الثقافة بتعزيز أنظمة الحماية، يلاحظ الزائر أن إجراءات الأمان ما تزال دون المستوى المطلوب لمتحف يضم مثل هذه الأعمال، كما أن تجهيزات العرض التقليدية لا تليق بقيمة المقتنيات المعروضة. فبعد إعادة افتتاحه، يواجه المتحف أزمات مزمنة، تبدأ بضعف الترويج الذي ينعكس مباشرة على أعداد الزوار، وتصل إلى نقص المرشدين المؤهلين، وغياب أي أنشطة تفاعلية يمكن أن تربط الجمهور بالمكان ومقتنياته، كما أن طريقة العرض لا تزال تقليدية وتفتقر إلى الوسائط البصرية الحديثة، مما يحوّل التجربة إلى زيارة صامتة لا تحفّز الاكتشاف أو التأمل.
على مسافة ليست ببعيدة عن متحف محمد محمود خليل ينهض متحفٌ آخر لا يقل عنه أهمية، وهو متحف الجزيرة الكائن بسراي النصر، أحد قصور العصر الملكي. شُيّد القصر عام 1936 ليستقبل الملك فاروق في استراحاته، ثم تحوّل سنة 1957 إلى متحف للمقتنيات والأعمال الفنية المُصادرة من العائلة الملكية. اليوم يحتفظ هذا المبنى بأكثر من أربعة آلاف قطعة نادرة، من زجاج وخزف إسلامي من مصر وسورية وإيران، وسجاد فاخر من أصفهان، وتحف معدنية مملوكية، ولوحات لفنانين عالميين مثل رودان وديلاكروا وماتيس ورينوار. هذا المتحف الذي يضاهي في مقتنياته متاحف عالمية كبرى أغلق عام 1988 بحجة التطوير، وكان من المفترض أن يُعاد افتتاحه في 2012، ثم أُرجئ المشروع مراراً. وبينما تنتظر الأعمال المخزَّنة منذ أكثر من ثلاثة عقود ظروف عرض تليق بها، يُحذِّر المختصون من أن أي خلل في درجة الحرارة أو الرطوبة قد يُعرّض القطع الفنية والمنسوجات والأعمال الدقيقة للتلف.
لا يجد الزوار هذه المتاحف على خرائطهم السياحية
هذه الحالة لا تبدو استثناءً بل تكشف عطباً بنيوياً يُثقل كاهل معظم المتاحف الفنية في مصر؛ فأنظمة الحماية القديمة وسوء التهوية وغياب تجهيزات العرض الحديثة تكاد تكون سِمةً مشتركة، يُفاقمها تشتّت الجهات المشرفة بين الثقافة والسياحة والدفاع، ما يعرقل أي رؤية موحَّدة للتطوير ويُطيل أمد البيروقراطية. وإلى جانب ضعف التمويل والميزانيات المحدودة، يغيب الترويج الفعّال داخلياً وخارجياً، فلا يجد الزوار هذه المتاحف على خرائطهم السياحية، بينما يمرّ معظم الجمهور المحلي بجوارها دون أن يلحظ وجودها.
في مدنٍ عالمية كبرى، تحوّلت المتاحف إلى فضاءات مجتمعية نابضة بالحياة، تستضيف ورشاً للأطفال، وتقدّم جولات تعليمية، وتحتضن عروضاً فنية وموسيقية. أما في مصر، فما زالت المتاحف أسيرة تصوّر قديم يجعلها أماكن مغلقة يقصدها المتخصّصون وحدهم، ما يفقدها قدرتها على التفاعل مع الجمهور. ولعل غياب هذه الرؤية المجتمعية لا يؤدي إلى انخفاض أعداد الزوار فحسب، بل يخلق فجوة معرفية وعاطفية بين الناس وبين هذه المؤسّسات. فالمتحف حين يُقدَّم مكاناً رسمياً جافاً، لا يمكن أن يصبح مصدر إلهام أو فضاءً للتعلّم. من هنا، تبدو الحاجة ماسة لإعادة دمج المتحف في المجال العام، ليس بوصفه مكاناً لمشاهدة القطع فحسب، بل بصفته منصةً للحوار، وبيئة تعليمية، وتجربة ثقافية حيّة.
فنون
التحديثات الحية
معارض الصيف في القاهرة.. ضرورات السوق وتحوّلات المشهد الفني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
قانون بريطاني يسبّب حظر منشورات غزة على مواقع التواصل
تُحظَر المنشورات المندِّدة بحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويأتي هذا امتثالاً لقانون السلامة على الإنترنت الجديد في المملكة المتحدة، الذي دخل حيز التنفيذ في 25 يوليو/تموز. ولطالما اتُهمت مواقع التواصل الاجتماعي بحظر المحتوى المؤيد للفلسطينيين على الإنترنت، بما في ذلك "ميتا" و"ريديت" و"إكس"، ليضيف القانون البريطاني طبقة جديدة من القيود على صوت فلسطين في الإنترنت. ووجدت خدمة بي بي سي فيريفاي أن مقطع فيديو نُشر على " إكس " لرجل في غزة يبحث عن أفراد عائلته تحت أنقاض المباني التي دمرتها إسرائيل قد حُظر، على الرغم من عدم عرضه جثثاً أو صوراً صادمة. وتلقى المستخدمون الذين لم يُثبتوا أعمارهم رسالة نصها: "بموجب القوانين المحلية، نُقيّد الوصول إلى هذا المحتوى مؤقتاً حتى يُقدّر "إكس" عمرك". وأزال "إكس" التحذير بعد أن تواصلت معه خدمة "بي بي سي فيريفاي". غزة على مواقع التواصل.. وأوكرانيا أيضاً كشفت "بي بي سي فيريفاي" أن موقع المنتديات "ريديت" قد أدخل قيوداً مماثلة، حيث يُلزم المستخدمين بتسجيل الدخول لتأكيد أعمارهم عند الوصول إلى الصفحات المتعلقة بحرب إسرائيل على غزة على مواقع التواصل وكذلك الحرب الروسية على أوكرانيا ، ومناقشات برلمانية، وصورة للوحة "زحل يلتهم ابنه" للفنان فرانسيسكو دي غويا من القرن التاسع عشر التي تُظهر الإله الروماني زحل وهو يأكل أحد أطفاله. ولم يتضح بعد عدد المنشورات التي تعرّضت للحذف. وأوضحت "بي بي سي فيريفاي" أن الأمثلة ركزت على "إكس" و"ريديت" لأنهما يُبلغان عن المحتوى المقيد حسب العمر، بينما لدى "ميتا" نظام مختلف حيث تخضع ملفات تعريف "المراهقين" للرقابة الأبوية، ما يُصعّب تحديد المحتوى المقيد. تكنولوجيا التحديثات الحية تطبيق أوروبي رسمي للتحقق من عمر الأطفال على الإنترنت وبموجب القانون الجديد، ستُغرَّم شركات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الأخرى بما يصل إلى 18 مليون جنيه إسترليني (نحو 24 مليون دولار)، أو بما يعادل 10% من إيراداتها العالمية، أو قد تُحظَر إذا فشلت في حماية الشباب من المحتوى الضار، بما في ذلك المواد الإباحية والعنف والترويج لإيذاء النفس. لكن حذّر الخبراء من أن "الإفراط في تطبيق" القانون قد يُقيّد النقاش العام. وانتقد مالك شركة إكس إيلون ماسك قانون السلامة على الإنترنت مُشيراً إلى أنه قد يمنع الشركات من إطلاق منتجات في المملكة المتحدة.


العربي الجديد
منذ 6 ساعات
- العربي الجديد
صُنّاع الأفلام يستغلون التصعيد بين الهند وباكستان... ويحرّضون ضد المسلمين
استغل مخرجون في الهند التصعيد العسكري بين الهند وباكستان من أجل إنتاج أفلام للاستفادة من الصراع مادياً. أطلقت الهند على عملها العسكري ضد باكستان اسم "عملية سيندور"، فسجلت استوديوهات الأفلام عدداً كبيراً من العناوين التي تُجسّد هذه العملية، منها: "مهمة سيندور"، و"سيندور: الانتقام"، و"إرهاب باهالغام"، و"عملية سيندور". وقال المخرج فيفيك أغنيهوتري: "إنها قصة تستحق أن تُروى". وأضاف لوكالة فرانس برس: "لو كانت هوليوود هي من أنتجت عشرة أفلام حول هذا الموضوع. فالناس يريدون معرفة ما حدث وراء الكواليس". وحقّق أغنيهوتري نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر مع إصداره عام 2022 فيلم "ملفات كشمير"، المُقتبس عن قصة هروب الهندوس الجماعي من كشمير في التسعينيات. أشاد حزب بهاراتيا جاناتا اليميني الحاكم بهذا الفيلم، واتُّهم بأنه يهدف إلى إثارة الكراهية ضد الأقلية المسلمة في الهند. ومنذ تولي رئيس الوزراء القومي الهندوسي ناريندرا مودي منصبه عام 2014، يرى بعض النقاد أن بوليوود تروّج بشكل متزايد أيديولوجية حكومته. وقال الناقد السينمائي وكاتب السيناريو راجا سين إن صانعي الأفلام شعروا بالتشجيع. وقال سين لـ"فرانس برس" عن الاشتباكات في باكستان: "حاولنا شن حرب، ثم هدأنا عندما طلب منا السيد ترامب ذلك. فما هي الشجاعة هنا؟". وفي بوليوود، غالباً ما يسعى صانعو الأفلام إلى توقيت عرض الأفلام في الأعياد الوطنية، مثل عيد الاستقلال الذي يرتبط بحماس وطني متزايد. وعُرض فيلم "فايتر"، من بطولة النجمين الكبيرين هريثيك روشان وديبيكا بادوكوني، عشية يوم الجمهورية الهندي في 25 يناير/كانون الثاني من العام الماضي. وعلى الرغم من أنه ليس إعادة سرد واقعية، إلا أنه استوحى بشكل كبير من الغارة الجوية الهندية عام 2019 على بالاكوت الباكستانية. وتلقى الفيلم تقييمات متباينة بين الإيجابية والسلبية، لكنه حقق 28 مليون دولار في الهند، ما جعله رابع أعلى فيلم هندي ربحاً في ذلك العام. هذا العام، حقق فيلم "تشافا"، وهو دراما مستوحاة من حياة سامباجي مهراج، حاكم إمبراطورية المراثا، أعلى الإيرادات في تاريخ السينما. كما أثار انتقادات لاذعة لتأجيجه التحيز ضد المسلمين. سينما ودراما التحديثات الحية صناعة الأفلام والمسلسلات في ألمانيا: النيات لا تُشغّل الكاميرات تحيّز الأفلام ضد المسلمين قال سين: "يأتي هذا في وقت تُصوّر فيه السينما الملوك والقادة المسلمين بعنف"، "هنا يجب على من يروون القصص أن يكونوا مسؤولين عن اختيار القصص التي يروونها". وأضاف أن صُنّاع الأفلام يترددون في اختيار مواضيع "مناهضة للمؤسسة". وأوضح: "إذا أُغرق الجمهور بعشرات الأفلام التي تسعى جميعها لخدمة أجندة معينة، من دون السماح للطرف الآخر بإيصال صوته، فإن هذه الدعاية والمعلومات المضللة تتغلغل في وجدان الجمهور". وقال المخرج الشهير راكيش أومبراكاش ميهرا إن الوطنية الحقيقية تكمن في تعزيز السلام والوئام من خلال السينما. وفاز فيلم "رانغ دي باسانتي" (2006) للمخرج ميهرا، وهو فيلم درامي اجتماعي سياسي، بجائزة الفيلم الوطني لأفضل فيلم شعبي، واختير ليكون الممثل الرسمي للهند في جوائز غولدن غلوب وجوائز الأوسكار ضمن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية. وتساءل: "كيف يمكننا تحقيق السلام وبناء مجتمع أفضل؟ كيف نتعلم حب جيراننا؟"، "بالنسبة لي، هذا هو حب الوطن".


العربي الجديد
منذ 2 أيام
- العربي الجديد
مبتكر "بيكي بلايندرز" يكتب سيناريو الجزء المقبل من "جيمس بوند"
سيتولى مبتكر مسلسل "بيكي بلايندرز" ستيفن نايت مهمة كتابة سيناريو الجزء الجديد من سلسلة أفلام "جيمس بوند"، وفق ما أعلنت استديوهات "أمازون إم جي إم" يوم الأربعاء. وسيتعاون نايت في هذا الفيلم مع الكندي دوني فيلنوف، مخرج فيلم "دون"، الذي أعلن في يونيو/ حزيران الماضي عن اختياره لإخراج الجزء السادس والعشرين من السلسلة، والذي يُمثّل عودة "جيمس بوند" إلى الشاشة الكبيرة بعد غياب منذ عرض "نو تايم تو داي" عام 2021. استحوذت "أمازون" عام 2022 على استديو "إم جي إم"، المالك التاريخي لحقوق أفلام "جيمس بوند"، في صفقة بلغت قيمتها نحو 8.45 مليارات دولار. لكن المجموعة واجهت مقاومة من منتجي السلسلة السابقين باربرا بروكلي ومايكل ويلسون اللذين حافظا على السيطرة الإبداعية على شخصية العميل 007 لعقود. وفي فبراير/ شباط الماضي، توصل الطرفان إلى اتفاق مالي يمنح "أمازون" تحكماً إبداعياً في السلسلة، ما أتاح لها حرية تطوير الامتياز الذي يُعد من الأعلى إيراداً في تاريخ هوليوود، بمبلغ إجمالي تجاوز سبعة مليارات دولار منذ انطلاقها عام 1962. وتعوّل "أمازون إم جي إم" على تجربة نايت في تقديم دراما مظلمة وعنيفة كما في "بيكي بلايندرز"، الذي تدور أحداثه في إنكلترا الصناعية في مطلع القرن العشرين، وحقق نجاحاً عالمياً. وسبق له أن شارك في ابتكار النسخة الأصلية من برنامج "من سيربح المليون؟"، وكتب أربع روايات، كما أخرج أعمالاً مثل "تابو" و"سي" و"ذيس تاون" و"أول ذي لايت وي كانّوت سي". ولم يُعلن بعد عن عنوان الفيلم الجديد أو موعد طرحه، كما لم يُحدد اسم الممثل الذي سيخلف دانيال كريغ في دور الجاسوس البريطاني الشهير. وتداولت وسائل الإعلام أسماء مرشحة، منها: آرون تايلور جونسون، وتوم هولاند، وهاريس ديكنسون، وجيكوب إلوردي، وكينغسلي بن أدير. لكن "أمازون إم جي إم" لم تؤكد أياً منها. (فرانس برس)