
حرب منصات التواصل الاجتماعي.. هل بيكسل فيد قادرة على منافسة إنستغرام؟
في السنوات الأخيرة، تغيرت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، فقد تطورت منصات، مثل " إنستغرام"، من تطبيقات بسيطة لمشاركة الصور إلى أنظمة معتمدة على الخوارزميات تعطي الأولوية للإعلانات ومقاييس التفاعل على تجربة المستخدم.
وفي عالم يتسم بالهيمنة شبه الكاملة لمنصات التواصل الاجتماعي الكبرى، يشعر العديد من المستخدمين بالإحباط بسبب مخاوف الخصوصية والإعلانات والخوارزميات.
وقد أدى ذلك إلى ظهور منصات بديلة تسعى إلى تقديم تجربة مختلفة للمستخدمين، ومنها "بيكسل فيد" (Pixelfed).
وتبرز هذه المنصة بصفتها بديلا مفتوح المصدر وغير مركزي يقدم تجربة مألوفة تشبه "إنستغرام" دون الجوانب السلبية.
وتتيح هذه المنصة للمستخدمين مشاركة الصور مع التركيز على الخصوصية، مما يجعلها منافسًا محتملًا في سوق يتزايد فيه الوعي بأهمية حماية البيانات وتجنب الاحتكار التكنولوجي.
ما "بيكسل فيد"؟
تعد "بيكسل فيد" بمنزلة بديل غير مركزي خالٍ من الإعلانات لمنصة "إنستغرام"، وتعتمد المنصة على بروتوكول "أكتفيتي بوب" (ActivityPub).
إعلان
ويسمح هذا البروتوكول بالتواصل بين منصات مختلفة ضمن ما يسمى "فيديفيرس" (Fediverse)، وهي الشبكات الاجتماعية العالمية من الخوادم المترابطة التي تسمح للأشخاص بالتواصل عبر منصات مختلفة.
ويعني هذا النهج غير المركزي أنه باستطاعة المستخدمين اختيار الخوادم، وبدلًا من الاعتماد على شركة واحدة يدير العديد من المشغلين المستقلين الشبكة.
ويجعل هذا الأمر "بيكسل فيد" مختلفة عن منصات مثل "إنستغرام" التي يتحكم فيها كيان واحد فقط.
وفي جوهرها، تهدف "بيكسل فيد" إلى إعادة حرية وسائل التواصل الاجتماعي، مما يسمح للمستخدمين بمشاركة الصور من دون تتبع أو جمع بيانات أو خوارزميات.
وعلى عكس الشبكات الاجتماعية التقليدية، حيث تملي الشركات الخوارزميات وإستراتيجيات الإعلان، تتبع "بيكسل فيد" مبادئ اللامركزية والشفافية والتطوير المفتوح المصدر.
مزايا "بيكسل فيد"
إذا أردت إجراء مقارنة بين "إنستغرام" و"بيكسل فيد"، فإن "بيكسل فيد" تقدم تجربة مستخدم مختلفة عن "إنستغرام" في جوانب رئيسية.
وتتمثل إحدى أكبر الشكاوى حول "إنستغرام" في الإعلانات وخوارزميات التتبع، إذ تجمع "ميتا" كميات كبيرة من بيانات المستخدم لتحسين الإعلان والتفاعل.
وفي حين أن "إنستغرام" تعتمد على الإعلانات كمصدر رئيسي للدخل، فإن "بيكسل فيد" خالية كليا من الإعلانات.
ولا تجمع المنصة بيانات المستخدمين لأغراض إعلانية أو تبيعها كما هو الحال في منصات "ميتا"، مما يعزز ثقة المستخدمين المهتمين بحماية البيانات الشخصية.
وتعمل المنصة عبر خوادم مدعومة من المجتمع بدلا من التمويل المؤسسي، مما يعني أنها لا تعتمد على عائدات الإعلانات.
وللوهلة الأولى، تبدو "بيكسل فيد" مشابهة جدا لمنصة "إنستغرام"، ولكنها توفر خيارات تخصيص أكبر، مثل التحكم في من يمكنه رؤية المنشورات، وإعدادات خصوصية أكثر دقة.
إعلان
وتقرر خوارزميات "إنستغرام" ما تراه، ولا تعرض المنشورات بترتيب زمني، بل يجري ترتيبها بناء على المشاركة والتفاعلات ومدى ملاءمة الإعلان.
ويجد العديد من المستخدمين هذا الأمر مزعجًا، لأنه يحد من الوصول ويخلق تجربة مستخدم غريبة.
وفي هذا الصدد، تقدم "بيكسل فيد" خلاصة مرتبة زمنيا، مما يعني أنك ترى المنشورات بالترتيب الذي نشرت به، دون تدخل من خوارزمية تحاول زيادة التفاعل.
وعلى عكس "إنستغرام" التي تروّج للمحتوى المدعوم ومنشورات المؤثرين، لا تعزز "بيكسل فيد" محتوى معينا بشكل مصطنع.
وتتمتع "بيكسل فيد" بمزايا مشاركة الصور المشابهة لمنصة "إنستغرام"، ويمكن للمستخدمين نشر الصور والقصص والمجموعات.
ومع ذلك، على عكس "إنستغرام"، لا يوجد تعديل محتوى بالذكاء الاصطناعي أو تحسين خوارزمي.
وتحافظ "بيكسل فيد" على الخصوصية، فيمكن للمستخدمين اختيار تشغيل الخدمة واستضافتها بأنفسهم أو اختيار شخص يثقون به لتخزين صورهم وبياناتهم الخاصة معه.
وعلى عكس "إنستغرام" التي تسيطر عليها شركة مركزية واحدة، فإن "بيكسل فيد" غير مركزية، ويعني هذا أنه يمكن للمستخدمين اختيار الخادم أو حتى استضافة خادم خاص بهم.
ولا توجد شركة واحدة تمتلك جميع البيانات، إذ يدار كل خادم بشكل مستقل.
ويمكن لمستخدمي "بيكسل فيد" التفاعل مع الأشخاص عبر الشبكات الاجتماعية العالمية "فيديفيرس" دون الحاجة إلى حسابات متعددة.
وتجعل هذه الاختلافات الأساسية "بيكسل فيد" بديلاً قويًّا للمستخدمين المهتمين بالخصوصية.
دوافع الانتقال إلى "بيكسل فيد"
توجد أسباب عدة تدفع المستخدمين إلى البحث عن بدائل لمنصة "إنستغرام"، من أبرزها القلق بشأن الخصوصية.
وبعد سلسلة من الفضائح المتعلقة بخصوصية بيانات المستخدمين عبر منصات "ميتا"، أصبح العديد من المستخدمين يبحثون عن بدائل أكثر احترامًا للخصوصية.
ويشتكي العديد من مستخدمي "إنستغرام" من تزايد المحتوى المدفوع والإعلانات المستهدفة، مما يجعل تجربة الاستخدام أقل متعة وأقل ارتباطًا بالمحتوى الأصلي للمستخدمين.
ويفضل بعض المستخدمين دعم المشاريع غير الربحية التي تعتمد على المجتمعات بدلًا من الشركات العملاقة.
وتعتمد "إنستغرام" على خوارزميات يمكنها تقليل ظهور بعض المنشورات، وهو أمر يزعج العديد من المستخدمين الذين يفضلون وصول محتواهم إلى المتابعين دون تدخل.
كما تعتمد "إنستغرام" على خوادم مركزية، في حين توفر "بيكسل فيد" العديد من الخوادم، مما يعني أنه يمكنك الاشتراك عبر خادم محلي حتى تحصل على محتوى محلي.
ويمكنك استضافة بياناتك بنفسك عبر "بيكسل فيد"، حيث تسمح المنصة للمستخدمين باستضافة خوادمهم.
كما صممت "ميتا" منصة "إنستغرام" بطريقة تتعمد الإدمان وإبقاءك ضمنها لأطول مدة ممكنة. وكلما زاد الوقت الذي تقضيه زادت الأموال التي تكسبها "ميتا" من خلال بيع بياناتك للمعلنين.
وإلى جانب ذلك، هناك القضايا المتعلقة بالاكتئاب والشعور بالوحدة والمشاكل العقلية الأخرى، حيث تسبب "إنستغرام" انخفاضًا في احترام الذات وتزيد مشاكل صورة الجسم مع تعظيم الشعور بعدم الجاذبية.
التنافس على الهيمنة
رغم أن "بيكسل فيد" لا تشكل تهديدًا مباشرًا لمنصة "إنستغرام" في الوقت الحالي بسبب قاعدتها الجماهيرية الصغيرة وعدم وجود العلامات التجارية والمؤثرين وخيارات الربح، فإن هناك علامات تدل على أن "إنستغرام" قد بدأت بتبني بعض المزايا التي تجذب المستخدمين إلى البدائل.
ويشمل ذلك تحسين تجربة المستخدم، فقد تلجأ "ميتا" إلى تعديل بعض سياساتها بشأن الإعلانات المزعجة، إلى جانب تحسين أدوات الخصوصية أو تعديل نظام الخوارزميات لمنح المستخدمين تحكمًا أكبر في المحتوى الذي يرونه.
وبغض النظر عن قلة الترويج وصعوبة إقناع المستخدمين العاديين بالانتقال إلى منصة أقل شهرة، فإن "بيكسل فيد" تتمتع بفرصة النمو عبر التركيز على مزاياها الفريدة، مثل تعزيز مجتمع المصورين المحترفين والمهتمين بالفن، حيث قد تصبح المنصة خيارًا رئيسيا للفنانين والمصورين الذين يبحثون عن مكان خالٍ من الإعلانات.
يجب على المنصة التوسع في دعم مزايا جديدة، مثل القصص والبث المباشر، بطريقة تحافظ على تجربة خالية من الإعلانات ومن دون تتبع المستخدمين، إلى جانب تقديم أدوات أفضل لإدارة المحتوى مقارنة بمنصة "إنستغرام".
وبدلًا من محاولة منافسة "إنستغرام" مباشرة، تستطيع "بيكسل فيد" بناء جمهورها المستهدف عبر التركيز على مجموعات محددة من المستخدمين المهتمين بالخصوصية والمحتوى الفني، وخاصة بين الفئات التالية:
إعلان
المهتمون بالخصوصية: مع تزايد الوعي بأهمية حماية البيانات، تستطيع المنصة جذب مستخدمين يبحثون عن بدائل آمنة.
المطورون والمهتمون بالمصادر المفتوحة: قد يكون مجتمع المصادر المفتوحة داعمًا قويا للمنصة.
المستخدمون الذين يبحثون عن تجربة بسيطة وخالية من الإعلانات: تقدم المنصة تجربة مستخدم نظيفة وخالية من الإعلانات، مما قد يجذب أولئك الذين يشعرون بالإرهاق من الإعلانات المستهدفة.
في الختام، رغم أن "إنستغرام" لا تزال مهيمنة في مجال مشاركة الصور، فإن "بيكسل فيد" تمثل بديلًا واعدًا يقدم تجربة أكثر تحررًا وأمانًا.
ويعتمد نجاحها في منافسة "إنستغرام" على قدرتها على جذب المستخدمين المهتمين بالخصوصية والمحتوى غير التجاري، إلى جانب تحسين مزاياها وزيادة الوعي بوجودها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
كيفية منع "ميتا إيه آي" من التدريب بواسطة البيانات الشخصية
تخطط شركة ميتا لاستعمال المعلومات والمحتوى العام على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لها مثل فيسبوك و إنستغرام وتطبيق التواصل الفوري " واتساب" لتدريب الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" (Meta AI) بدءا من 27 آيار/مايو المقبل. ويمكن للمستخدم الاعتراض على هذا الإجراء بدون إبداء أسباب. وأوضحت شركة ميتا أنها توفر استمارات عبر الإنترنت للاعتراض على هذا الإجراء بشبكتي فيسبوك وإنستغرام، ولكن لا يمكن الوصول إلى هذه الاستمارات إلا بعد تسجيل الدخول في هذه الخدمات، ويلزم إدخال عنوان البريد الإلكتروني، الذي يستعمله المستخدم للوصول إلى الخدمة المعنية، ويمكن ترك خانة النص الأخرى خالية من البيانات؛ حيث لا يُشترط وجود أسباب للاعتراض على هذا الإجراء. آخر موعد للاعتراض وأوصى مركز حماية المستهلك بولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية بعدم الموافقة على استعمال البيانات الخاصة لتدريب الذكاء الاصطناعي حتى 26 آيار/مايو المقبل على أقصى تقدير؛ لأن البيانات الخاصة بعد هذا التاريخ ستصبح جزءا من الذكاء الاصطناعي، ولا يسري الاعتراض المقدم في يوم 27 آيار/مايو أو في أي تاريخ لاحق إلا على المحتويات المنشورة بدءا من وقت الاعتراض. وأشار الخبراء الألمان إلى أن شركة ميتا تريد استعمال "المحتوى العام في منتجات ميتا" إلى جانب البيانات المتاحة بشكل عام لتدريب نماذج الاصطناعي الخاصة بها وتحسينها بدرجة كبيرة، ويمكن للمستخدم الاطلاع على التفاصيل في شرح شركة ميتا لاستخدام المعلومات في الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبحسب ما أوضحته الشركة الأميركية فإن المحادثات الشخصية على تطبيق التراسل الفوري "واتساب" لا تعتبر معلومات عامة، ويتم تشفير هذه المعلومات من النهاية إلى النهاية، ولكن بمجرد اتصال تطبيق التراسل الفوري "واتساب" بالذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" أو ربط الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" في المحادثة الجماعية، فإن أجزاء الاتصال مع "ميتا إيه آي" لم تعد مشفرة من النهاية للنهاية، وبالتالي فإنها تصبح معلومات "عامة". وأوضح المركز الألماني أنه يتم استعمال جميع الاستفسارات والرسائل، التي يتم إرسالها إلى روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي، لتدريب وظيفة الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي"، وإذا لم يرغب المستخدم في ذلك فإنه يتعين عليه التخلي عن استعمال الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" في تطبيق التراسل الفوري "واتس آب" وعدم استعمال خانة الإدخال "ميتا إيه آي" أو النقر على الدائرة الزرقاء أو جلب مساعد الذكاء الاصطناعي إلى المحادثة الجماعية عن طريق "@MetaAI". التعامل بحذر مع البيانات الشخصية وأوصى الخبراء الألمان المستخدمين، الذين يستعملون الذكاء الاصطناعي في تطبيق التراسل الفوري "واتساب" وشبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستغرام أو أي خدمات أخرى لشركة ميتا، بالتعامل بعناية وحذر مع البيانات الشخصية، ولا ينبغي أبدا إدخال البيانات الحساسة مثل الأسماء وتواريخ الميلاد أو المعلومات الصحية، سواء كان في وظيفة "ميتا إيه آي" أو آي مساعد ذكاء اصطناعي آخر. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تعطيل وظيفة "ميتا إيه آي" أو الدائرة الزرقاء أو حتى إخفاؤها في خدمات شركة ميتا، ولذلك يتعين على المستخدم تجاهل هذه الوظيفة في حالة عدم الرغبة في استعمالها.


الجزيرة
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
الذكاء الاصطناعي واقتصاد الانتباه
لقد ناهز حجم سوق الإعلان الرقمي العالمي عبر الإنترنت 237 مليار دولار عام 2022، ويتوقع أن يصل معدل النمو السنوي المركب له إلى 15.7% بحلول 2030. ولعل أبرز عوامل هذا النمو: زيادة استخدام الإنترنت والهواتف الذكيةفي العالم. تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي،وتحليل البيانات لاستهداف الإعلانات بدقة. انتشار منصات التواصل الاجتماعيمثل فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، و(X). التحول الكبير نحو التجارة الإلكترونية، ما زاد من الطلب على الإعلانات الرقمية.استخدام الفيديو والإعلانات التفاعلية كأدوات تسويقية فعالة. ومن المتوقع أن يستمر السوق في التوسع مستقبلا بفضل: التطورات فيإعلانات الذكاء الاصطناعي والتخصيص الفائق. نموالإعلانات عبر البث المباشر (Live Streaming) والواقع المعزز (AR). زيادة الاستثمار فيإعلانات البحث المدفوعة (PPC) والتسويق بالمحتوى. يُعد سوق الإعلان الرقمي أحد أسرع القطاعات نموًّا، حيث يقود التحول الرقمي عالميًّا مع تطور إستراتيجيات التسويق التقني. وبالتدقيق في هذا الاقتصاد الكبير نجد أنه يقوم على الانتباه؛ فجذب انتباه الزبائن، ثم الاحتفاظ به وتوجيهه، عناصر لها أهمية دائمة في هذا الاقتصاد. ونود في هذا المقال بيان ذلك، وإيضاح دور الذكاء الاصطناعي في تسارع نمو هذا الاقتصاد. هل فيكم من يذكر بدايات انتشار الإنترنت أواخر القرن العشرين؟ هل فيكم من يذكر متصفحًا مثل "مكتوب" أو"Netscape"؟ لم تكن تللك الفترة بداية الإنترنت (الذي استخدمته البحرية الأميركية منذ مطلع السبعينيات)، ولكنها كانت حقًّا بداية انتشاره بين شعوب الأرض. وكان إقبال الجماهير على هذه الظاهرة الجديدة قويًّا ومدفوعًا في الغالب بحب الاستطلاع والفضول، بينما كانت شركات تقديم الخدمة تستمتع بفترة ذهبية من جمع معلومات المستخدمين طوعًا وكرهًا. كان الإقبال كبيرًا على الحصول على بريد ألكتروني واكتشاف مزاياه، وكان المستخدم مستعدًّا لقبول شروط مقدم الخدمة "المجانية"، بل كان متحمسًا لها؛ فكان مستعدًّا لملء استمارات طويلة ببياناته الشخصية واختياراته وهواياته، وما شاء مقدم الخدمة "المجانية" من معلومات.. وكان هذا المسكين مستعدًّا لانتظار يوم أو أكثر لـ"دراسة طلبه" والموافقة عليه! أما اليوم، فيتنافس مقدمو هذه الخدمة "المجانية" على توزيع خدماتهم، لا يطلبون سوى رقم هاتف أو بريد ألكتروني يرسلون عليه رمزًا للتحقق من صلاحيته، ولا يتطلب الأمر من "المستفيد" سوى ثوانٍ معدودة. فما هو الثابت والمتغير خلال هذه العقود الثلاثة؟.. أما الثابت فهو أن مقدمي الخدمة يجتهدون في تحقيق مصالحهم، وأما المتغير فهو الوسائل والطرق المتبعة. في البداية كان المستخدم مهتمًّا ومندفعًا؛ فكان يركز انتباهه لـ"متطلبات الخدمة"، وكان مقدم الخدمة يتوسع في هذه المتطلبات فيحصل على ما يريد من بيانات، ثم يستخدمها في الكسب من الترويج أو التأثير، أو غير ذلك من الأنشطة المدرة للدخل. مثال ذلك أن يقول مقدم الخدمة لشركة تجارية: "أستطيع عرض بضاعتكم على مليون شخص بالصفات المناسبة لبضاعتكم، فكم تدفعون؟" ويقول مثل ذلك لحزب سياسي في حملة انتخابية، وهكذا.. أما اليوم، وفي عصر السرعة الفائقة، فقد تكفل الذكاء الاصطناعي بجمع المزيد من بيانات المستخدمين، من خلال الربط بين بروفايلاتهم والمواقع والصفحات التي يزورونها، والمدة الزمنية التي يقضونها أمام كل صفحة، وأنواع وعينات المحتويات التي يتفاعلون معها.. إذا نجح الموقع في الاحتفاظ بانتباه المستخدم استثمر ذلك الوقت في بناء الثقة بينهما؛ تمهيدًا للمرحلة الثالثة -وهي الأخطر- ألا وهي توجيه الانتباه في البداية، كان المستخدم يقدم انتباهه مجانًا وبطيب خاطر لمقدم الخدمة، ويضعه تحت تصرفه فيفعل فيه ما يشاء. أما اليوم، فقد تكاثر مقدمو الخدمة، وازداد وعي المستخدم، وتوجسه من الجرائم السيبرانية وإساءة استخدام البيانات، وغير ذلك من العوامل التي قلصت بشكل كبير إمكانية ولوج مقدمي الخدمة إلى مساحة الانتباه لدى المستخدمين. ومع تقدم الزمن، أنشأ التجار والباحثون عن زبائن مواقعهم الألكترونية؛ فصاروا ينافسون مقدمي الخدمة التقليديين على انتباه المستخدمين. وهكذا نشأ التنافس القوي بين كل هؤلاء على المستخدمين المساكين، وتطورت خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتنافست في إنتاج مواد جاذبة للانتباه، قصيرة المدة سريعة الوصول واضحة الإيحاء والدلالة، تعرض نفسها على المستخدم من غير سابق طلب ولا علم بها. وفي كل الحالات، تمر معركة الانتباه بمراحل ثلاث: الجذب والاحتفاظ والتوجيه. جذب الانتباه هو المرحلة الأولى، وهي الأساس، هدفها خطف انتباه المستخدم لينشغل بالمعروض، فيضغط زرًّا أو رابطًا يُدخله إلى موقع المحل أو المتجر، ويصرفه عن المنافسين؛ فيخرج من حلبة تنافسهم وينصرف عن معروضاتهم. بهذا تنتهي مهمة المرحلة الأولى وتبدأ مرحلة أصعب وأكبر تحديًا، وهي مرحلة الاحتفاظ بالانتباه… الاحتفاظ بالمستخدم داخل المتجر، والحرص على أن لا يخرج فيصطاده المنافسون. تتفنن خوارزميات الذكاء الاصطناعي في عرض البضائع الأقرب إلى ذوق المستخدم حسب بياناته في وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى خصائصه البدنية والثقافية واهتماماته حسب المواقع التي يتصفحها والوقت الذي يقضيه أمامها، وغير ذلك من البيانات التي تمكن قراءتها من السلوك الألكتروني للمستخدم. إذا نجح الموقع في الاحتفاظ بانتباه المستخدم استثمر ذلك الوقت في بناء الثقة بينهما؛ تمهيدًا للمرحلة الثالثة -وهي الأخطر- ألا وهي توجيه الانتباه. في هذه المرحلة يكون المستخدم قد اطمأن للموقع وزاره وأعاد زيارته مرات؛ فيبدأ الموقع في اقتراح "بدائل" أو "معززات" أو ما إلى ذلك من التسميات الهادفة إلى توريط المستخدم في عادات استهلاكية جديدة، سواء كانت في الملبس أو المأكل أو المركب أوالترفيه، أو.. هنا أيضا يبرز دور الذكاء الاصطناعي في اقتراح تلك البدائل والمعززات، مستخدما ما يتاح له من بيانات في إقناع المستخدم؛ فتقنيات الذكاء الاصطناعي تتيح تتبع سلوك المستخدم جغرافيًّا وألكترونيًّا، فتتعرف على المواقع التي زارها، وتفاعله معها، والمدة التي قضاها في كل موقع، وتضيف إلى ذلك بيانات الطقس وعروض الموسم، وغير ذلك من المعلومات المتعلقة بالبيئة؛ فتطبخ من كل تلك البيانات عروضا "مناسبة"، بل "مغرية"، تدفع المستخدم لاقتناصها. وأمام هذه الوضعية نتذكر مقولة شهيرة متداولة "إذا لم تدفع الثمن، فلست الزبون، بل أنت المنتج الذي يتم بيعه"… هذه العبارة الشهيرة (المنسوبة غالبًا إلى أندرو لويس أو ريتشارد سيرا) تلخص نموذج عمل العديد من المنصات المجانية مثل: مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، إنستغرام، تيك توك). محركات البحث (جوجل). التطبيقات المجانية التي تعتمد على الإعلانات. أمنك من أمن بياناتك؛ فكلما حافظت على بياناتك حفظت أمنك وخصوصيتك كيف يعمل هذا النموذج؟ أنت تقدم بياناتك مجانًا (اهتماماتك، سلوكك، تفاعلاتك، وحتى موقعك الجغرافي). الشركات تبيع هذه البيانات للمعلنين لجعل الإعلانات أكثر استهدافًا وفعالية. النتيجة: أنت "المنتج"، والمعلنون هم "الزبائن الحقيقيون". كيف تحمي نفسك؟ قلل مشاركة البيانات الشخصية. استخدم أدوات منع التتبع (مثل: VPN أو متصفح Brave). اقرأ شروط الخصوصية قبل الموافقة عليها. ويلاحظ المرء تكرر هذه الظاهرة مع نماذج الذكاء الاصطناعي وإن باختلاف طفيف؛ فعند ظهور شات جي بي تي كان "المجاني" محصورًا كمًّا وكيفًا، إذ كان "طعمًا" لدفع المستخدمين إلى الاشتراك المدفوع، وبمجرد أن ظهرت نماذج أخرى مثل ديب سيك اهتزت سوق الذكاء الاصطناعي واشتد التنافس، وها هي النماذج تظهر تباعًا، منها المتخصص والعام، ولعل الأيام ستكشف قريبًا عن التوازن الذي ستستقر عليه السوق ومدى ذاك الاستقرار. والخلاصة، إن أمنك من أمن بياناتك؛ فكلما حافظت على بياناتك حفظت أمنك وخصوصيتك. ويؤثر عن الدكتور مصطفى محمود (رحمه الله) قوله: "الخصوصيّة قوّة، فالناس لا يستطيعون تدمير ما لا يعرفون، أنت سيّد ما تخفيه، وأسير ما تفشيه".


الجزيرة
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- الجزيرة
تحديث "فيسبوك" الأخير.. خطوة تصحيح أم مزيد من التخبط؟
منذ إطلاقه في عام 2004، حصل "فيسبوك" على العديد من التحديثات المختلفة التي أضافت ميزات جديدة جعلته مختلفا للغاية عما كان عليه في البداية، والآن يبدو أن زوكربيرغ يسعى لإعادة إحياء التجربة الأصلية لمنصة " فيسبوك" كآلية جديدة للمنافسة في قطاع منصات التواصل الاجتماعي الشرس. أعلنت " ميتا" عبر تدوينة في موقعها الرسمي عن إطلاق تحديث جديد يعيد سحر التواصل مع الأصدقاء ومتابعة أخبارهم بسهولة عبر منصة "فيسبوك"، وذلك فيما أطلقت عليه الشركة تجربة "أو جي فيسبوك" (OG Facebook) تماشيا مع الألفاظ الدارجة، ولكن هل يستطيع هذا التحديث إعادة المنصة إلى ساحة المنافسة، خاصة بعد توغل "إنستغرام" و"ت يك توك" وسيطرتهما شبه الكاملة على ساحات التواصل الاجتماعي. ماذا يتضمن التحديث الجديد؟ بحسب ما أعلنت عنه "ميتا"، فإن التحديث الجديد يضيف واجهة جديدة تماما لمنصة "فيسبوك"، وهذه الواجهة تضم كل ما ينشره الأصدقاء عبر حساباتهم في المنصة، وذلك بدلا من موجز الأخبار العامة الذي يمثل الواجهة الرئيسية للمنصة. في المعتاد، تقوم صفحة موجز الأنباء بعرض كل المنشورات والتفاصيل من مختلف الحسابات التي يتابعها المستخدم إلى جانب مجموعة كبيرة من المنشورات المقترحة بناء على تفضيلات المستخدم الشخصية، وتأتي هذه الترشيحات من الذكاء الاصطناعي الخاص بالمنصة، فيما يعرف باسم "الخوارزمية" (Algorithm). إعلان ولكن بعد التحديث الجديد، تضيف المنصة موجزا خاصا بالأصدقاء، أي أنه لن يعرض أي مقترحات من خوارزمية المنصة، ولا يعني هذا التخلي عن موجز الأنباء المعتاد الذي يعرض الأخبار والمقترحات بناء على الخوارزمية، ولكن الخاصية الجديدة تأتي على شكل موجز مختلف يمكن الوصول إليه من زر الأصدقاء في المنصة. تمثل هذه الخطوة ابتعادا واضحا عن سياسة "ميتا" و"فيسبوك" خلال السنوات الماضية، إذ كانت الشركة تركز على تطوير الخوارزمية وجعلها أكثر قدرة على تقديم اقتراحات ملائمة، ولكنها ليست غريبة تماما، فالعديد من منصات التواصل الاجتماعي تقدم موجزا مشابها لهذا. محاكاة للعديد من المنصات يسعى العديد من منصات التواصل الاجتماعي لتطوير خوارزميات أقوى وأفضل من أجل تقديم اقتراحات أكثر ملاءمة للمستخدمين، وهي آلية تسهم في الترفيه عن المستخدمين والحفاظ عليهم داخل المنصة، فضلا عن الترويج لصناع المحتوى وجعل مهمتهم أسهل. غير أن هذا لم يمنع المنصات من إضافة موجز أنباء خاص بالأصدقاء أو من يتابعهم المستخدم بشكل مباشر ورئيسي، إذ كانت "فيسبوك" الوحيدة التي لا تملك مثل هذه الخاصية بشكل افتراضي داخل الواجهة الخاصة بها. في "إكس" و"تيك توك" يمكنك أن تجد نوعين من موجزات الأنباء، الأول يدعى "فور يو" (For You) وهو يضم ترشيحات الخوارزمية والمنشورات من الأشخاص التي لا تقوم بمتابعتها بشكل مباشر، والثاني وهو "فولوينغ" (Following)، وهو يضم المحتوى المقدم من الأفراد والحسابات التي تقوم بمتابعتها بشكل شخصي، سواء كانت هذه الحسابات شخصية أو تجارية. وعلى صعيد آخر، تقدم منصة "بلو سكاي" (Blusky) ميزة مماثلة ولكن أكثر تطورا، إذ تقدم أكثر من موجز أنباء بناء على تفضيلات المستخدم، وهي موجزات يتم توليدها عبر خوارزمية والذكاء الاصطناعي للمنصة تلقائيا، لذا تجد الموجزات الأساسية الخاصة بمن تقوم بمتابعتهم، فضلا عن موجز الاكتشاف والمقترحات، ثم موجزا مخصصا لكل مجال تقرر متابعته. بهذه الطريقة، استطاعت منصات التواصل الاجتماعي الموازنة بين اكتشاف المنشورات الجديدة والترويج لها وبين متابعة الأشخاص الذين يفضلهم المستخدم ويبحث عنه باستمرار، وهو نهج يختلف تماما عما كانت "فيسبوك" تتبعه في السنوات الماضية. لماذا يسعى زوكربيرغ لهذا التغيير؟ شهدت "فيسبوك" عددا كبيرا من التغيرات في الآونة الأخيرة، بدءا من إلغاء فرق التحقق من المعلومات ومتابعتها، وصولا إلى هذا التحديث الجديد الذي لن يكون الأخير بحسب وصف زوكربيرغ و"ميتا" في تدوينة الإعلان الرسمية. فبحسب ما جاء في التدوينة، فإن "فيسبوك" يحصل على المزيد من التحديثات خلال هذا العام الذي تجعله يقترب من التجربة الأساسية القديمة، وذلك من أجل جعل المنصة أكثر متعة ومحققة الهدف الرئيسي لها في تقوية العلاقات الاجتماعية. بشكل رسمي، فإن السبب وراء هذا التغيير هو رغبة زوكربيرغ ومجلس الإدارة في تحسين المنصة وإعادة رونقها السابق، ولكن ربما يكون هناك أسباب أخرى وراء رحلة التغيير الذي تنوي "فيسبوك" خوضه. وربما يكون عدد المستخدمين النشط شهريا من ضمن هذه الأسباب، ففي الوقت الذي تمكنت فيه "تيك توك" من القفز بأعداد المستخدمين بشكل مطرد، كانت "فيسبوك" تنمو بمعدل أبطأ مقارنة بحجم المنصة، فضلا عن وجود التحديات القانونية أمام "تيك توك" واعتمادها على نوعية محتوى واحدة بعكس "فيسبوك". بالطبع، تؤثر تفضيلات أبناء الجيلين "زد" و"ألفا" على حجم المنصات وآلية عملها وتطورها، ومن المهم ملاحظة أن هذه الآلية لعبت في صالح "إنستغرام" أيضا، فقد نمت المنصة وتمكنت من تحقيق أرباح بمعدل يفوق "فيسبوك" رغم أنهما مملوكتين لصالح الشركة الأم ذاتها. هل تغير "فيسبوك" سياسة الإعلانات الخاصة بها؟ ورغم أن التحديث الجديد يغير طريقة تعامل المستخدمين والخوارزمية مع المحتوى المجاني بشكل كامل، فإن أثره على المحتوى المدفوع ما زال غير معلوم، فبينما يعرض الموجز الجديد المنشورات المجانية من الأصدقاء دون الجهات الأخرى، قد تلتزم "فيسبوك" بعرض الإعلانات وسط هذا الموجز بشكل يحاكي موجز الأنباء الرئيسي. إعلان وذلك اتباعا للعديد من المنصات الأخرى التي تقدم موجز أنباء خاصا بالأصدقاء، فتعرض أيضا الإعلانات وسط هذا الموجز، ليكون الاختلاف الوحيد أن الموجز لا يضم منشورات مجانية مقترحة من قبل الخوارزمية. وتجدر الإشارة إلى أن التغير الأساسي الذي حدث في خوارزمية "فيسبوك" سابقا كان في صالح آليات عرض الإعلانات المختلفة، إذ مكن المنصة من عرض الإعلانات بشكل طبيعي أكثر وجعلها لا تبدو مثل الإعلانات. هل تنجح هذه الخطوة في إعادة "فيسبوك"؟ في الوقت الحالي، أطلقت "ميتا" التحديث الجديد بشكل تجريبي في الولايات المتحدة وكندا فقط، ومن المتوقع أن يمتد إلى بقية مناطق العالم تدريجيا، ذلك في حال نجاح هذا التحديث ورواجه بين المستخدمين في المناطق التجريبية. ولكن، يمكن القول إن هذا التحديث يأتي استجابة لشكاوى العديد من العملاء الذين يجدون منشورات غريبة وسط موجز الأنباء الخاص بهم، وذلك بعد أن تحول موجز الأنباء بشكل شبه كامل إلى منشورات مقترحة من الخوارزمية. لذا لا يمكننا التيقن من أثر هذا التحديث في الوقت الحالي، وتبقى الأيام وحدها قادرة على إثبات نجاحه أو فشله.