logo
عماد عبد الرحمن : خطاب قيمّي تاريخي

عماد عبد الرحمن : خطاب قيمّي تاريخي

أخبارنامنذ 6 ساعات

أخبارنا :
حفل خطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بفرنسا، بجملة من المقاربات وأساسيات القيم والأخلاقيات العميقة التي نسيها أو تناساها العالم هذه الأيام، عند التعامل مع القضايا والأزمات في المنطقة، كما قدم أيضاً سلسلة من الحلول لمشاكل المنطقة والعالم، بالعودة الى طبيعتنا كبشر، وإسترجاع إنسانيتنا ومبادئ حقوق الإنسان، "العهدة العمرية مثالا"، إذا ما أراد العالم تخطي هذه المرحلة التاريخية، التي تنذر بكوارث وحروب طاحنة إذا ما تراجعت القوى المؤثرة عن النهج الحالي اللاأخلاقي والمدمر.
كلام الملك الذي حظي بتصفيق ووقوف مطولين من أعضاء البرلمان الأوروبي، يمثل نموذج وصفي ومنطقي لما تمر به المنطقة والعالم هذه الأيام من تراجع للقيم والمبادئ، وتشخيص إستراتيجي لحالة الإنهيار الأخلاقي الدولي، عند التعامل مع الأزمات، خصوصاً المسلحة منها، فالأحلام السعيدة قد تنتهي بكوابيس وكوراث، وما نحتاجه رؤية واقعية لما يجب أن يكون عليه التعامل مع المسارات المختلفة لقضايا المنطقة، خصوصاً القضية المركزية، قضية فلسطين.
البرلمان الأوروبي الحريص على الإستماع الى وجهة نظر الملك فيما يتعلق بملفات المنطقة وأزماتها، كما هي أزمات العالم، وهو الأكثر حضوراً بين قادة العالم من خارج أوروبا لمقر البرلمان الأوروبي، يؤكد دوما دور الأردن المحوري في نزع فتيل الأزمات الكبرى، ودوره المحوري في إنقاذ المنطقة وشعوبها من القتل والظلم والإبادة الجماعية التي تحصل على مرأى ومسمع العالم في غزة، والعالم المتزن كما يمكنه الإعتماد على الأردن كطرف يحظى بثقة وإحترام الأطراف ليكون سفير سلام وإنقاذ، لتحقيق الإستقرار وتدعيم أسس السلام والأمن في منطقتنا والعالم.
العالم اليوم، بحاجة أكثر من أي وقت مضى لإعادة توصيف العلاقة التي يقوم عليها النظام العالمي هذه الأيام، والتي تقوم أساساً على المصالح والنفوذ والسيطرة، لمعالجة الخلل الذي إعترى القيم والأخلاقيات التي تحكم العلاقات بين الدول، ولعل التعامل مع القضية الفلسطينية وما نتج عنها من صراعات إقليمية، منذ أكثر من سبعين عاماً، ولم تهدأ حتى اليوم، خير دليل على الخلل الكبير في النظام العالمي الجديد بالتعاطي مع الأزمات وجوهرها الوجودي، بما مثله ذلك من أنتهاك خطير للقيم والأخلاقيات المتوارثة والمتعارف عليها، منذ أيام الحرب العالمية الثانية، وحتى وقت قريب.
لم يعد كافياً الإستماع للكلام المحسوب والمجاملات والمديح، فالمنطقة تحتاج الى إقتران القول بالفعل والعمل بجدية من أجل إنهاء التوتر وخفض التصعيد، لا أن تترك المنطقة لمصيرها على قاعدة "إذهب انت وربك فقاتلا"، صحيح أن الأردن يعمل ليل نهار من أجل عودة الإستقرار والهدوء للمنطقة، لكن في نهاية المطاف، "يد وحدها لا تصفق" والكل ينأى بنفسه وينتظر، حالياً، لا صوت يعلو على صوت البارود، لكن الأردن الذي يمثل صوت الحكمة والإعتدال في المنطقة المشتعلة، وأوروبا التي عانت ويلات الحروب، يمكنهما التأثير بمجريات الأحداث وتغيير الواقع المرير اذا ما توفرت الإرادة للأطراف بذلك.
نعم أنه خطاب تاريخ ومؤثر، ورسالة سلام وإعتدال الى العالم أجمع، فلا التغاضي أو التواطئ عما يحصل ينفع، ولا هدم حدود وبوصلة الأخلاقيات في التعامل بين الشعوب والفشل في التعامل مع الملفات الساخنة تحسم أو تحدد نهايات المعارك ومآلاتها المؤلمة. ــ الراي

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حرب إسرائيل الجوية.. لن تُدمر البرنامج النووي الإيراني
حرب إسرائيل الجوية.. لن تُدمر البرنامج النووي الإيراني

مصر 360

timeمنذ 37 دقائق

  • مصر 360

حرب إسرائيل الجوية.. لن تُدمر البرنامج النووي الإيراني

المقال الأصلي على فورين آفيرز Israel's Futile Air War مقال لروبرت أ. بابي أستاذ العلوم السياسية ومدير مشروع جامعة شيكاغو للأمن والتهديدات. وهو مؤلف كتاب 'القصف لتحقيق النصر: القوة الجوية والإكراه في الحرب'. على مدار الأسبوع الماضي، خاضت إسرائيل حملة جوية طويلة الأمد في إيران لتحقيق هدف، لم يسبق أن نجحت فيه أي دولة من قبل: إسقاط حكومة والقضاء على قدراتها العسكرية الأساسية باستخدام القوة الجوية وحدها. إن محاولة إسرائيل بلوغ هذه الأهداف الطموحة للغاية عبر حملة جوية وشبكات استخباراتية متقدمة، دون نشر قوات برية، هي محاولة لا سابقة لها في العصر الحديث، وحتى الولايات المتحدة لم تنجح قط في تحقيق مثل هذه الأهداف بالضربات الجوية وحدها، سواء خلال حملات القصف الاستراتيجي الواسعة في الحرب العالمية الثانية، أو في الحرب الكورية، أو حرب فيتنام، أو حرب الخليج، أو الحروب في البلقان، أو الحرب على العراق. وكذلك فشل كلٌّ من الاتحاد السوفيتي وروسيا في تحقيقها في أفغانستان والشيشان وأوكرانيا. أما إسرائيل نفسها، فلم تحاول أبداً تنفيذ مثل هذه الحملة في صراعاتها السابقة في العراق ولبنان وسوريا، وحتى في عمليتها الأخيرة في غزة. حققت إسرائيل، بوصفها القوة العسكرية الأقوى في الشرق الأوسط، العديد من النجاحات التكتيكية باستخدام الضربات الجوية الدقيقة والاستخبارات عالية المستوى منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. فقد تمكّنت قوات الدفاع الإسرائيلية من اغتيال قادة كبار في التنظيمات التابعة لإيران، بمن فيهم عدد كبير من قيادات حزب الله في المستويين المتوسط والعالي. وفي تبادل سابق لإطلاق الصواريخ في إبريل، دمّرت القوات الإسرائيلية مجموعة من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية وقدراتها الصاروخية. أما هجماتها الأخيرة على إيران، فقد أدّت إلى مقتل قيادات بارزة في الحرس الثوري الإسلامي، وتدمير أنظمة اتصالات حساسة للنظام، وإلحاق أضرار بأهداف اقتصادية مهمة، فضلًا عن إضعاف بعض جوانب البرنامج النووي الإيراني. لكن، وعلى الرغم من استمرار إسرائيل في تحقيق انتصارات فردية، تبدو وكأنها تسقط في 'فخ القنابل الذكية'، ذلك الفخ الذي ينجم عن الإفراط في الثقة بالأسلحة الدقيقة والمعلومات الاستخباراتية، والذي لا يُغري فقط قادة البلاد بالاعتقاد، بأن بمقدورهم إيقاف اندفاعة إيران نحو امتلاك سلاح نووي، بل وحتى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وإنما يجعل إسرائيل أقل أمنًا، مما كانت عليه. القوة الجوية مهما بلغت من دقة وشدة، لا تضمن تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، كما أنها لن تمهّد الطريق لتغيير النظام في طهران. وفي الواقع، إذا كان التاريخ مرشدًا، فإن الإفراط في الثقة بقدرات الأسلحة المتطورة إسرائيليًا سيؤدي على الأرجح إلى تقوية عزيمة إيران، ويُفضي إلى نتائج معاكسة تمامًا، لما تريده إسرائيل: إيران أكثر خطورة، وربما مسلّحة بأسلحة نووية. ومن دون غزو بري، (وهو أمر مستبعد للغاية)، أو دعم مباشر من الولايات المتحدة، (والذي قد تُحجم إدارة ترامب عن تقديمه)، فإن النجاحات العسكرية الإسرائيلية في إيران وخارجها قد تكون مؤقتة وعابرة. قوة الضربة القاضية الضربات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية لا تحرّكها الخشية، من أن تمتلك إيران القدرة على تصنيع سلاح نووي ــ ففي عام 2025، باتت إيران قادرة دون شك على إتقان التكنولوجيا التي مرّ عليها ثمانون عامًا، والمستخدمة في تصنيع أسلحة نووية بدائية كتلك التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما وناجازاكي ـ بل تنبع من القلق، من أن إيران قد تكون على وشك الحصول على المادة الانشطارية الحاسمة اللازمة لصنع القنبلة. ويمكن لإيران، أن تطوّر هذه المادة بطريقتين: تخصيب خام اليورانيوم للوصول إلى نقاء النظائر المطلوب لصناعة قنبلة نووية، وذلك عبر مناجم خام اليورانيوم الإيرانية. تواجه إسرائيل ثلاثة عوائق رئيسية، تحول دون القضاء الكامل على البرنامج النووي والمنشآت ذات الصلة: أولاً: جزء كبير من البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك منشآت تخصيب اليورانيوم، يقع في أعماق الأرض. فالمرفق المتطور في منشأة فوردو محفور على عمق مئات الأقدام تحت الجبل، كما يجري بناء منشأة تحت أرضية جديدة في نطنز، على أعماق مماثلة، منذ عدة سنوات. وحتى الآن، لم تستهدف إسرائيل موقع فوردو إطلاقًا، واقتصرت هجماتها على نطنز، وعلى مرافق توليد الطاقة فقط، دون أن تحاول تدمير أجهزة الطرد المركزي أو مخزون اليورانيوم المخصب المدفون على عمق 75 قدمًا تحت الأرض. لا توجد أدلة متوفرة تشير إلى أن لدى إسرائيل القدرة على حمل القنابل الضخمة الخارقة للتحصينات التي طوّرتها الولايات المتحدة، والتي تزن 30 ألف رطل، واللازمة لتدمير منشأة مثل فوردو بالكامل. ويُشير امتناع إسرائيل حتى عن استهداف الغرف تحت الأرضية الأقل تحصينًا في نطنز، إلى أنها تواجه قيودًا ــ قد تكون مفروضة من الولايات المتحدة، أو نابعة من محدودية قدراتها العسكريةــ حتى تجاه المنشآت الأضعف نسبيًا. ويبدو أن القادة العسكريين الإسرائيليين يدركون، أن أي عملية حاسمة ضد فوردو ستكون مستحيلة بدون دعم أمريكي، إذ أكّد وزير الدفاع السابق يوآف جالانت، أن الولايات المتحدة 'ملزمة' بالانضمام إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد البرنامج النووي الإيراني. ماذا لو انضمت الولايات المتحدة، بقنابلها الخارقة للتحصينات، إلى الهجوم؟ هل تستطيع إسرائيل فعلاً القضاء على برنامج الأسلحة الإيراني بهذا الدعم؟ حتى لو وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على طلب جالانت بقصف فوردو، وحتى لو تمكنت قنابل الولايات المتحدة الضخمة الخارقة للتحصينات من اختراق أعمق غرف فوردو، فستظل الولايات المتحدة وإسرائيل تواجهان تحديات أكبر في القضاء على قدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية. لن تكون هناك لحظة 'إنجاز المهمة' التي يمكن فيها للبلدين، أن يستنتجا بثقة مطلقة، أن إيران لا تستطيع المضي قدمًا سرًا، بل على العكس، فإن هجومًا بمساعدة الولايات المتحدة على منشآت إيرانية سيضع الولايات المتحدة فقط في مرمى نيران إيران النووية، بدلًا من حل المشكلة نهائيًا. ثانيًا: إضافة إلى منشآت التخصيب الإيرانية، يُمثل مفاعل بوشهر، الذي يقع على بُعد حوالي 11 ميلًا جنوب شرق مدينة بوشهر، تحديًا كبيرًا، حيث يُمكن تعديل المفاعل لإنتاج البلوتونيوم الذي يُمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية. لا يُمكن استبعاد هذا الخطر، ما دام المفاعل قائمًا، ولكن إذا دمّرته إسرائيل، فقد تُخاطر بانبعاث سحابة إشعاعية، تُشبه سحابة تشيرنوبيل فوق المدينة، التي يقطنها حوالي 200 ألف نسمة، وكذلك فوق المراكز السكانية في الخليج العربي. كما سيُثير ذلك ردًا صاروخيًا باليستيًا إيرانيًا انتقاميًا ضد مجمع المفاعلات النووية الإسرائيلية في ديمونا. أخيرًا: والأهم من ذلك، أنه وحتى بعد الغارات الجوية المكثفة على المنشآت النووية، سيظل هناك غموض كبير بشأن حالة العناصر المتبقية وقدرتها على إعادة التكوين. وبدون عمليات تفتيش ميدانية، لن تتمكن إسرائيل من إجراء تقييمات موثوقة للأضرار التي لحقت بقدرات إيران على تخصيب اليورانيوم ومخزوناتها الحالية من اليورانيوم المخصب. ومن غير المرجح، أن تسمح إيران للمفتشين الدوليين، ناهيك عن الفرق الأمريكية أو الإسرائيلية، بتقييم الدرجة الدقيقة للضرر الذي لحق بمخزوناتها من اليورانيوم المخصب، أو تحديد ما إذا كانت المعدات أو المواد القابلة للاستخدام قد أُزيلت قبل الضربات أو بعدها، أو تحديد مواقع تصنيع مكونات إنتاج أجهزة الطرد المركزي المحلية المهمة في إيران. قد تحاول فرق الكوماندوز الاستطلاع الميداني، لكنها ستواجه مخاطر واضحة من هجوم القوات الإيرانية. هذا النقص في المعرفة، يعني أن إسرائيل- حتى بمساعدة الولايات المتحدة- لن تكون واثقة أبدًا، من أن إيران لم تعد تملك طريقًا إلى القنبلة. إن المخاوف بشأن امتلاك إيران للسلاح النووي سراً، سوف تتفاقم، مما يفسر المخاوف التي دفعت الولايات المتحدة في عام 2003، إلى شن حرب برية لغزو العراق، بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة. سوء تقدير تشير الإحصاءات المتوفرة حول مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بوضوح إلى استحالة تحقيق الهدف المعلن لإسرائيل، والمتمثل في تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل وبشكل دائم. حتى لو افترضنا، أن الضربات الإسرائيلية دمّرت فعليًا كل المواد المخصبة في منشأة نطنز، فإن المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، لا يزال موجودًا في فوردو. ووفقًا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو، فإن هذا المخزون بلغ 408 كيلوجرامات، صعودًا من 275 كيلوجرامًا في فبراير، وهي كمية تكفي لإنتاج عشر قنابل نووية بعد أسابيع قليلة من التخصيب الإضافي، (إذ يتطلب تصنيع قنبلة واحدة نحو 40 كيلوجرامًا فقط). ما لم تكن الضربات الجوية قادرة على ضمان تدمير أكثر من 90٪ من هذا المخزون في فوردو ــ وهو هدف بالغ الصعوبة حتى لو شاركت الولايات المتحدة في المهمة ــ فإن إيران ستحتفظ بكمية كافية من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة على الأقل، وربما أكثر. هذا دون احتساب مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪، والبالغ 276 كيلوغرامًا، وهو ما يكفي لصنع قنبلتين إضافيتين. ونظرًا لأن إيران تسارع في زيادة معدلات تخصيبها لليورانيوم بشكل كبير، فإن منعها تمامًا من إعادة بناء برنامجها النووي سيتطلب من إسرائيل تدمير جزء كبير من أجهزة الطرد المركزي، إضافة إلى منشآت تصنيع أجهزة الطرد المركزي، التي لم تُكشف مواقعها علنًا. ومع تسارع جهود إيران لإخفاء ما تبقّى من قدراتها، ستضطر الاستخبارات الإسرائيلية للاعتماد على تقديرات غير دقيقة ستزداد غموضًا مع مرور الوقت، في وقتٍ تكون فيه إيران مدفوعة بكل الحوافز لإعادة تشغيل منشآتها الباقية وتسريع سعيها لصنع سلاح نووي. الأنظمة الجديدة لا تسقط من السماء تُفسّر القيود التكتيكية التي تمنع إسرائيل من القضاء التام على القدرات النووية الإيرانية؛ سبب رغبتها في دفع الأمور نحو تغيير النظام، فإذا كانت الضربات الجوية غير كافية لتدمير القدرات النووية، فإن استبدال النظام الحاكم في إيران بحكومة جديدة قد يبدو، في نظر إسرائيل حلاً استراتيجيًا جذّابًا. وقد لمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فعلًا، إلى أن الحملة الجوية الإسرائيلية أضعفت النظام الإيراني إلى حد جعله عرضة لثورة شعبية. لكن تغيير النظام هو هدف مبالغ في طموحه، فمثل هذه المغامرة تتطلب أكثر من مجرد قطع رأس القيادة العليا للنظام، أو إزاحة المتشددين من مواقعهم، بل تستدعي تنصيب حكومة صديقة لإسرائيل، تكون مستعدة للتخلي عن بقايا البرنامج النووي الإيراني، وضمان عدم السعي مستقبلاً إلى امتلاك سلاح نووي. بكلمات أخرى، سيتعين على إسرائيل أن تحقق نسخة معاصرة مما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1953، عندما دبّرا انقلابًا عسكريًا، أطاح برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق، واستبدلوه بنظام الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم من الغرب. لكن خلافًا لما حدث عام 1953، أو في انقلابات أخرى دُبرت من الخارج، فإن إسرائيل تسعى لاستخدام القوة الجوية كأداة رئيسية لإسقاط النظام الإيراني، بدلًا من الاعتماد على عناصر محلية من الجيش أو النخب السياسية. ومثل هذا النهج من المرجّح، أن يثير معارضة شعبية واسعة ضد التدخل الأجنبي، دون أن يؤدي فعليًا إلى تفكيك بنية النظام الإيراني. القوة الجوية حتى إذا اقترنت بشبكات استخباراتية متطورة، لم تُسقط يومًا نظامًا حاكمًا، فمنذ ولادة نظريات القصف الاستراتيجي في الحرب العالمية الأولى، كان بعض منظري سلاح الجو يؤمنون، بأن الحملات الجوية قد تُفضي إلى انتفاضات شعبية ضد الحكومات، وعلى مدار القرن التالي، جرّبت جيوش عدة قصف المدن المكثف لدفع المدنيين إلى مطالبة حكوماتهم بتقديم التنازلات ووقف الهجمات. لكن، في أكثر من 40 حالة قصف استراتيجي منذ الحرب العالمية الأولى حتى حرب الخليج الأولى عام 1991، سواء كانت الحملات مكثفة ومركزة أو خفيفة ومبعثرة، لم تخرج الجماهير أبدًا بأعداد مؤثرة لإسقاط حكوماتها. تغيير النظام هدف مبالغ فيه لم يغيّر اختراع الأسلحة الدقيقة قبل أكثر من ثلاثين عامًا هذه الحقيقة. وحتى مع القنابل الذكية عالية الدقة، فإن قتل القادة من الجو كثيرًا ما يعتمد على الحظ بقدر، ما يعتمد على الدقة والمعلومات الاستخبارية. ففي عام 1986، نفذت الولايات المتحدة أول محاولة لـ 'قطع الرأس' بدقة، مستهدفة الزعيم الليبي معمر القذافي، أصابت الغارة خيمة القذافي، لكنه كان قد غادرها للتو. وادعى القذافي، أن ابنته قُتلت في الهجوم، ما دفع ليبيا لاحقًا إلى تنفيذ هجوم انتقامي بتفجير طائرة 'بان آم 103' عام 1988، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين. كما حاولت الولايات المتحدة اغتيال الرئيس العراقي صدام حسين بضربات جوية دقيقة أعوام 1991 و1998 و2003، على أمل أن تحقق الاستخبارات المتفوقة الهدف، لكنها فشلت في كل مرة. وحده الغزو البري الأمريكي أنهى حكم صدام. حتى عندما تؤدي القوة الجوية إلى قتل الزعيم، نادرًا ما تكون النتائج مباشرة أو محسومة. ففي عام 1996، قتلت روسيا الزعيم الشيشاني جوهر دوداييف بصواريخ موجهة إلى إشارات الراديو، بعد أن تم تحديد موقعه أثناء مكالمة مع الرئيس الروسي بوريس يلتسن، لكن خلفه زعيم جديد أكثر تطرفًا، سرعان ما طرد القوات الروسية من الشيشان، مما أدى إلى حرب برية دموية لإعادة فرض الحكم الموالي لموسكو بعد ثلاث سنوات. وقد نجحت القوة الجوية في تحقيق تغيير النظام في عصر الدقة فقط، عندما كانت مدعومة بقوات برية محلية، ضمن نموذج 'المطرقة والسندان'، كما فعلت الولايات المتحدة في أفغانستان عام 2001 وليبيا عام 2011 لإسقاط حكم طالبان والقذافي. وعلى عكس الولايات المتحدة، لا يبدو أن إسرائيل مستعدة أو قادرة على تنفيذ عمليات برية كبرى في إيران قد تؤدي إلى انهيار النظام الإيراني. وأخيرًا، يكمن أكبر عائق أمام تنصيب حكومات صديقة في الشعور الشعبي أو النزعة القومية داخل البلد المستهدف. فالقومية تميل إلى التصاعد بسرعة، عندما تواجه الشعوب المحلية احتمال الخضوع لحكم أجنبي، خاصة إذا كان نتيجة تدخل عسكري خارجي، وهذا هو السبب الأساسي الذي جعل جهود الولايات المتحدة لتنصيب أنظمة ديمقراطية ظاهريًا في العراق وأفغانستان تُقابل بالإرهاب— ولماذا تواجه إسرائيل صعوبات مماثلة في غزوها العسكري الحالي لغزة. إن الضربات الجوية التي تستهدف قادة محليين، لا تؤدي إلا إلى تفاقم هذا الاتجاه. فعدم رضا السكان المحليين عن قياداتهم، مهما كان شديدًا، لا يعني أنهم يريدون أن يُحكموا، مباشرة أو غير مباشرة، من قبل قوة أجنبية مستعدة لقتل أي قائد، لا تتفق معه. ولعل إسرائيل تعلمت هذا الدرس من تجربتها الخاصة: فكلما قتلت قائدًا إرهابيًا، لم يكن خلفه يومًا أكثر ودًا تجاه إسرائيل. ولن تكون إيران استثناءً من هذه القاعدة. الوقوع في الفخ لا تستطيع القوة الجوية الإسرائيلية القضاء بشكل حاسم على البرنامج النووي الإيراني؛ إذ يمكن لإيران أن تعيد تجميع برنامجها سرًا من البقايا، بقدر أقل من الرقابة والمعلومات الاستخبارية الغربية حول تطوير الأسلحة. ولو كانت إسرائيل تملك خطة لتنفيذ انقلاب عسكري ضد الحكومة الإيرانية، لكانت قد شرعت فيها بالفعل. بدون تدخل أمريكي مباشر لصالحها، ستجد إسرائيل نفسها وحدها، دون خيارات جيدة، في مواجهة إيران أكثر خطرًا من أي وقت مضى. وكما يبدو الآن، فإن الصراع يتصاعد نحو 'حرب المدن' بين تل أبيب وطهران، حيث يهاجم الطرفان مناطق حضرية مكتظة بالسكان. ومع تزايد أعداد الضحايا المدنيين، سيزداد عناد الطرفين، مما ينذر بعواقب كارثية متزايدة. أما إدارة ترامب، فقد شجعت إسرائيل في حربها على غزة، وهددت بشن ضربات عسكرية على إيران، تسبق مفاوضات نووية، يبدو أنها لم تعد مطروحة على الطاولة، وبعد أكثر من عشرين عامًا، من شنها حربًا استباقية في العراق، قد تنضم الولايات المتحدة إلى حرب إسرائيل في إيران، لكن التدخل الأمريكي ليس أمرًا حتميًا. وإذا تصرفت إيران بضبط النفس، فقد يتمكن ترامب من مقاومة الانجرار إلى حرب جديدة لا تنتهي. تطلّب الأمر هجمات 11 سبتمبر، حتى تُقنع واشنطن بخوض حرب وقائية ضد العراق، وفي غياب استفزاز كبير، فإن قلة من القادة الأميركيين، خاصة من يهتمون بصورتهم مثل ترامب، سيرحبون بمغامرة جديدة كهذه. وفي هذه الحالة، ستبقى إسرائيل وحيدة في مواجهة احتمال حصول إيران سرًا على سلاح نووي. وفي النهاية، قد لا تجد إسرائيل مفرًا من وهم القنابل الذكية، أو من مستنقع جديد في الشرق الأوسط.

الوقوف مع الظالم
الوقوف مع الظالم

الشروق

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشروق

الوقوف مع الظالم

العدوان المتواصل على إيران، وسلسلة الاغتيالات والضربات الجوية الصهيونية على المنشآت الحيوية والسكنية في عدة مدن إيرانية، سرعان ما قوبل برد إيراني غير منتظر، وغير متوقع، ومتراكم ومتدرّج في القوة والدقة.. ردّ أربك كثيرا الحسابات في تل أبيب، وفي واشنطن، وعدة عواصم غربية تقليدية، تتباكى على الكيان ظالما، غير مظلوم. الغرب التقليدي، الاستعماري، وبطبيعة بنيته التاريخية وتكوينه السياسي والاقتصادي والإيديولوجي، ما ينفكّ يقف مع دولة الكيان حتى في عز الاعتداءات السافرة التي يقوم بها على شعوب ودول ذات سيادة جارة أو حتى تلك التي تبعد عنها آلاف الكيلومترات.. فالكيان، ككيان صنيع لهذه القوى الغربية الاستعمارية، لا يمكنه أن يتخلى عن صنيعه، لكون هذا الصنيع، يمثل قلبه النابض بفكر التوسع والهيمنة والاحتلال والاستعمار والمركزية الأنانية للغرب الأوربي قبل أن ينتقل هذا المركز إلى الغرب الأمريكي وسوطه الذي يستعبد به الشعوب. ما يحدث اليوم، من ترك الغرب الحبل على الغارب للكيان الصهيوني، لكي يصول ويجول بلا رقيب ولا رادع ولا حسيب ولا محاسِب، يقتل الأطفال ويدمر شعبا بأكمله ويبيد قضية برمتها بمباركة كل الإدارات الغربية تقريبا، فيما خلا بعضها جانحة تاريخيا للثورة ورفض لكل أشكال الهيمنة والعبودية والاحتلال والميز العنصري، ما يحدث، يوحي بأن العالم يتغير بسرعة، ويعيد تشكيل نفسه على مقاسات جغرافية واصطفاف اقتصادي وجيوسياسي جديد، غير المقاسات التي كانت قائمة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بل إن الأمور قد تتدحرج نحو شفير اصطدام نووي قائم، إذا ما تمادى الغرب بقيادة أمريكا وخلفها أوروبا، في تقليص جغرافيا نفوذ الدول النووية العظمى الأخرى ومنها الصين وروسيا. الحرب على إيران، هي حربٌ على أبواب روسيا الحليف الاستراتيجي، وعلى أبواب تركيا والصين وباكستان، وكلها ترى في رغبة الكيان، ومعه الغرب، في إسقاط نظام الحكم في إيران، يعني تقدم الغرب نحو حدود روسيا والصين، وهذا ما قد يستنفر في الأيام القادمة كل هذه القوى، التي لا تزال ترى في إمكانية إخماد الحرب الناتجة عن العدوان الصهيوني على إيران. لهذا نرى تلك التحركات الدبلوماسية على مستوى روسيا وأمريكا وتركيا، خشية أن تتدخَّل أطرافٌ أخرى في هذه الحرب التي أريد لها أن تكون خدمة لرغبة صهيونية وحكومة نتنياهو اليمينية، رغبة شخصية قبل أن تكون رغبة إيديولوجية وسياسية. نتنياهو المأزوم سياسيا، الذي يحاول أن يهرب من حرب إلى حرب، ومن جبهة إلى جبهة، لإطالة عمره السياسي الافتراضي، سيجد نفسه أمام وضع غير ذلك الذي رسمته له أحلامه التوراتية والشخصية، في أن يكون 'آخر ملوك بني إسرائيل على أرض الميعاد'، وهذا حلمه ودينه وديدنه: فإيران ليست دولة موز، وقد تحدِث دمارا وخرابا كبيرا في البنية الاجتماعية الصهيونية والدورة الاقتصادية التي يقتات عليها الكيان. الكيان الصهيوني هو جسمٌ غريب محتل، إنما جاء ليتمتع بالرخاء على حساب سكان والأرض وخيراتهم ومقدراتهم، ولا سبيل له أن يبقى تحت رحمة جهنم بلا أفق. كما أن جغرافيا الكيان لا تقارَن مع جغرافيا دولة إيران مترامية الأطراف ومقدراتها الموزَّعة على خريطة ممتدة شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، وإمكانية الصمود لديها، رغم الدمار، أكبر في تحمل تبعات العدوان المدمر المفروض عليها، ولا سبيل لإيران إلا الدفاع عن نفسها بكل ما أوتيت وأعدت من قوة ورباط، وهذا ما قد يضعف قدرة الكيان حتى مع تدخل أمريكي محتمل هجوميًّا، بعد أن تورطت دفاعيا وإعدادا وتنسيقا وتمويلا وتسليحا.

الملك في ستراسبورغ
الملك في ستراسبورغ

جفرا نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • جفرا نيوز

الملك في ستراسبورغ

جفرا نيوز - فيصل الشبول لم تشهد قارة في العالم قتلاً ودماراً شاملاً مثلما شهدته أوروبا في القرن الماضي. على مدى نحو ثلاثين عاماً، وعبر حربين عالميتين، ومزيدٍ من مشاعر الحقد والكراهية والاستخدام الكارثي للقوة، قُتل الملايين، ودُمّرت المدن، وتوقفت عجلة الاقتصاد، وانتشرت المجاعات والأمراض. أمام أحفاد المتحاربين، الذين صفقوا وقوفاً وطويلاً احتراماً لضيفهم الكبير، وقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمس مخاطباً برلمانيي أوروبا في ستراسبورغ، ليُذكّرهم بالإنجاز الحضاري الأوروبي الكبير، عندما استبدل آباؤهم الحرب بالسلام، والحقد بالتسامح، فنهضت أوروبا الحضارية وأشعلت النور بعد ليلها الطويل، الذي امتد حتى منتصف القرن الماضي تقريباً. الخليفة الراشدي العادل عمر بن الخطاب كان هناك أيضاً. جلالة الملك ذكّر الأوروبيين بالعهدة العمرية لمسيحيي القدس، ووصاياه لجنده بألا يقتلوا كاهناً، ولا طفلاً، ولا امرأة، ولا شيخاً. هي العهدة التي ورثها الهاشميون في رعايتهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. هي المثال على العيش المشترك على مدى 14 قرناً في مهد السيد المسيح. صوت جلالة الملك مسموع في العالم، لأنه يمثل صوت الحكمة والحق والاعتدال. أوروبا تستمع لجلالته جيداً، وتحترم مواقفه المستندة إلى شرعية العدالة والحقوق المشروعة والمبادئ الإنسانية والأخلاقية. صوت قائدٍ عربيٍّ مسلمٍ إنسانيٍّ موثوقٍ عالمياً. القوة لا تُنشئ حقاً، ولا سلاماً لأحد، بدليل ما شهدته أوروبا في القرن الماضي، وبدليل ما تشهده منطقتنا اليوم. أما المبادئ الأخلاقية والإنسانية، فقد أصبحت على المحك اليوم، بعد أن تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء، فاستهدفت المنشآت الصحية في غزة 700 مرة، وأصبح قتل الفلسطينيين وتجويعهم أمراً اعتيادياً أمام المجتمع الدولي: أيُّ مجتمعٍ عالميٍّ لا يتحرك ضميره أمام كل هذه الجرائم الوحشية؟ القيم الإنسانية المشتركة على المحك حين ينظر العالم إلى الجرائم الإسرائيلية من دون أيّ حراكٍ مؤثرٍ في مسار الأحداث، وحين تنكر إسرائيل حقوق الفلسطيني، بدءاً من حقهم في الحياة، وانتهاءً بحقهم في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، وعاصمتها القدس الشريف. يراهن جلالته على الدور الأوروبي، رغم تراجع هذا الدور مؤخراً، في العودة إلى تبنّي القيم الأخلاقية والقيم المشتركة للإنسانية. أوروبا هي الجار الأقرب للشرق الأوسط، والأعرف بشؤونه، رغم الانحياز الغربي، وبشكل عام، لإسرائيل. دقّ جلالته ناقوس الخطر في ستراسبورغ أمس، وكعادته في الاستشراف، فقد حذّر من تجاوز الانفلات حدود العالم كله انطلاقاً من منطقتنا... عندما يفقد العالم قيمه، فإنه يفقد التمييز بين الحق والباطل. بعد الحرب العالمية الثانية، والدمار الشامل الذي انتهت إليه باستخدام السلاح النووي، أنشأ المجتمع الدولي هيئة الأمم المتحدة لتكون مظلة للسلام والعدل الدوليين. في ستراسبورغ، طرح جلالة الملك السؤال بوضوح عمّا تبقى من العدل والسلام وحقوق الإنسان في عالمٍ يسوده منطق القوة فحسب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store