
أضواء على استراتيجية الأمن القومي الصيني
د. صلاح الغول
أصدر المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني، في 12 مايو 2025، كتاباً أبيض بشأن الأمن القومي للصين في العصر الجديد، يتضمن أول استراتيجية للأمن القومي في تاريخ الصين الحديث.
وربما تكون التغيرات الراديكالية في المشهد الاستراتيجي العالمي، بالإضافة إلى التحديات الداخلية، هي التي حفزت بكين لإصدار أولى استراتيجيتها للأمن القومي. وتتلخص هذه التغيرات، التي أورد الكتاب الأبيض معظمها، في تصاعد الهيمنة السياسية الأحادية الأمريكية، وزيادة الاتجاهات الحمائية واندلاع الحروب التجارية، وتكثيف المنافسة العسكرية العالمية، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
وتتبنى الاستراتيجية الصينية اقتراباً شاملاً للأمن القومي، يُنسب إلى الرئيس شي جين بينغ الذّي طرحه في إبريل/ نيسان 2014. ورغم أنّ مفهوم الأمن القومي الشامل ليس جديداً في الدراسات الأمنية الدولية، فقد قدم المفهوم في الكتاب الأبيض على أنه يمثل «أول فكر استراتيجي رئيسي لعمل الأمن القومي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وأنه جزء مهم من فكر شي جين بينغ عن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وإسهام أيديولوجي ونظرية مهمة للصين المعاصرة للعالم»، ويغطي مفهوم الأمن القومي الشامل العديد من القطاعات والمجالات الرئيسية، دون أنْ يعني الأمن المطلق، بما في ذلك المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية ومجالات العلوم والتكنولوجيا العسكرية والثقافة، ويجمع بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي، والأمن القومي والأمن الدولي، والأمن التقليدي والأمن غير التقليدي، والأمن الذاتي والأمن المشترك.
وتؤكد استراتيجية الصين للأمن القومي الترابط أو التنسيق بين الأمن والتنمية كونه أحد المبادئ الرئيسية لحكم الصين. وتشير إلى أن «التنمية عالية الجودة هي الأولوية القصوى، وعدم وجود تنمية هو أعظم انعدام للأمن»، وأن «الأمن رفيع المستوى هو شرط أساسي للتنمية، ومن دونه لن يكون هناك تنمية عالية الجودة». وتوضح الاستراتيجية كيف يمكن للأمن رفيع المستوى أن يدعم ويضمن نتائج التنمية عالية الجودة من أربعة جوانب: خلق بيئة أمنية خارجية جيدة، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي بحزم، وحل المخاطر والتحديات المختلفة في التنمية عالية الجودة، وتعزيز التطوير الآمن للتكنولوجيات الجديدة وأشكال الأعمال الجديدة والنماذج الجديدة.
وتؤكد الاستراتيجية أن الأمن القومي الصيني يوفر دعماً قوياً للتقدم الثابت والمستمر للتحديث الصيني. ويضمن التنمية عالية الجودة. كما أنه يتصدى ويخفف من مختلف المخاطر في عملية تعزيز التحديث الصيني، ويعزز درع الأمان الضروري للنهضة العظيمة للأمة الصينية. وثمة تشديد على أهمية تحديث القوات المسلحة الصينية ومنظومة الأمن القومي وقدراتها بصفة عامة، ولاسيما في مجالات الأمن السيبراني، والفضاء، والتكنولوجيا الحديثة، لضمان الاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية.
وتتطلع الاستراتيجية الصينية إلى عالمٍ من التعددية القطبية «أكثر عدلاً ومساواة»، تكون فيه الصين أحد هذه الأقطاب، ويقوم على الأمن المشترك، والحوكمة الأمنية العالمية القائم على التشاور الموسع والإسهامات المشتركة والمنافع المتبادلة.
وكثيراً ما يلجأ واضعوا الاستراتيجية الصينية إلى مقارنة تصورهم للأمن القومي مع نظيره الأمريكي، الذّي يختلف اختلافاً جوهرياً من ناحية سعيه إلى العقوبات، وفك الارتباط، والترهيب، والابتزاز.
وتتصور الاستراتيجية للصين دوراً عالمياً، باعتمادها مبادرة الأمن العالمي، التي قدمتها الصين في إبريل/ نيسان 2022، وتنهض على عدة مبادئ لضمان الأمن وتعزيز السلام العالمي، تتلخص في تحقيق الأمن المشترك بين دول العالم، واحترام سيادتها ووحدة أراضيها، والالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار الهواجس الأمنية المشروعة لجميع البلدان، وحل النزاعات بين الدول بالوسائل السلمية، والحفاظ على الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية على حد سواء. ويذكر الكتاب الأبيض أنه بحلول نهاية عام 2024، حظيت مبادرة الأمن العالمي بدعم وتقدير 119 دولة ومنظمة دولية، وتم تدوينها في 123 وثيقة سياسية ثنائية ومتعددة الأطراف.
وتركز وثيقة الأمن القومي الصيني على الأمن السياسي، الذي يُعد أساس الأمن الشامل، بل تضعه في المقام الأول. وهذا ما يتوافق مع الطبيعة السلطوية للحكم الصيني. ويقصد بالأمن السياسي حماية الدولة ضد التهديدات «غير العسكرية» التي تستهدف الاستقرار التنظيمي للدولة، وخاصة هويتها الوطنية وشرعية نظام الحُكم فيها وأيديولوجيتها «الاشتراكية الصينية» ومؤسساتها، ولاسيما الحزب الشيوعي الصيني.
وثمة خلط في الكتاب الأبيض الصيني بين مفهومي الأمن الاجتماعي والأمن المجتمعي، فالكتاب يذكر الأول وهو يقصد الأخير. ويُشير مفهوم الأمن المجتمعي، وهو مفهوم حديث، أساساً إلى الحفاظ على الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي، وما يتضمنه ذلك من الحفاظ على القيم الأساسية والعادات والتقاليد وأنماط السلوكيات في المجتمع في ظل الظروف المتغيرة. أمّا مصطلح الأمن الاجتماعي، فمعني أساساً بسياسات الرفاه الاجتماعي للأفراد الأقل حظاً في المجتمع، من رعاية صحية وتأمين صحي، وخدمات تعليمية وإسكانية، وفرص العمل، وبرامج الضمان الاجتماعي وإعانات البطالة...إلخ.
والخلاصة: إنّ إصدار أول استراتيجية للأمن القومي الصيني، وبصرف النظر عن تقييمنا لمفهوم الأمن الشامل الذّي تبنته، يؤشر إلى مرحلة جديدة تستعد فيها الصين لمتابعة سياسة خارجية أكثر ديناميكيةً، والاضطلاع بدور دولي فعّال، ليس فقط في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية، بل في المجال الأمني أيضاً. وهذا يتسق مع تصور الصين لعالم متعدد الأقطاب يقوم على الأمن المشترك والشامل والمستدام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الإمارات اليوم
منذ 2 ساعات
- الإمارات اليوم
السيدة البرازيلية الأولى تُحرج الصين.. وتثير جدلاً سياسياً
تسببت السيدة البرازيلية الأولى في حرج بالغ لمضيفتها السيدة الصينية الأولى، بينغ لي يوان، خلال زيارة الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا لبكين، الأسبوع الماضي، حيث تحدثت روزانجيلا دا سيلفا، المعروفة باسم «جانجا»، أمام مضيفتها عن قضية إدمان الأطفال على تطبيق «تيك توك» للفيديوهات القصيرة، وأشارت إلى الجدل الدائر حول وفاة فتاة برازيلية، تبلغ من العمر ثماني سنوات، بعد استنشاقها «مزيل عرق بخاخ» كجزء من «تحدٍّ» على «تيك توك». وورد لاحقاً أن محاولتها الحسنة النية لإثارة قضية إدمان الأطفال على «تيك توك»، قوبلت بردود فعل فاترة من نظيرتها الصينية، وقيل أيضاً إن وزيراً صينياً شعر بالانزعاج مما جرى. وانتقل الجدل الآن من «تيك توك» إلى السياسة البرازيلية، حيث تركّز الاهتمام على كيفية انتقال القصة في الصحف. ويُعتقد أن المشتبه فيه الرئيس هو رئيس ديوان الرئيس البرازيلي، روي كوستا، الذي كان حاضراً، ويُقال الآن إن دوره الأوسع كقوة وراء الكواليس، ما جعل ذلك موضع تساؤل. وجاء تعليق «جانجا» على «تيك توك» بعد حديث قصير بين الرئيس البرازيلي والرئيس الصيني، شي جين بينغ، حول قضية تنظيم الإنترنت الشائك. ولم تكن هناك خطة لإلقاء خطابات رسمية، وبالتأكيد ليس من قِبل أيٍّ من النساء الحاضرات، بمن فيهن بينغ. ووفقاً لتقارير تم تسريبها إلى موقع إلكتروني برازيلي، قيل إن «جانجا» شعرت بالإهانة مما اعتبرته علامة على عدم احترام زوجها. لكن وفقاً لموقع «جي ون» الإخباري البرازيلي، طلبت «جانجا» التحدث - وهي خطوة قيل إنها فاجأت حتى المسؤولين البرازيليين - وانتقدت «تيك توك» لسماحه بانتشار المحتوى الضار، على حد تعبيرها. واضطر لولا منذ ذلك الحين إلى الدفاع عن زوجته علناً، قائلاً إن زوجته «طلبت الكلام»، وقال إنه وجد من «المستغرب» أن تصل القضية إلى الصحافة، ما أثار تكهنات أدت إلى التركيز على روي كوستا. ومع ذلك، يبدو أن الأمر لم يكن محل اهتمام شي نفسه، ويُقال إنه ردّ على البرازيليين بأن «الأمر لا يعنيه، وإذا كانوا قلقين بشأن (تيك توك)، فلماذا لم يفرضوا عليه الرقابة بأنفسهم، كما تفعل الصين؟». ودافعت السيدة البرازيلية الأولى عن التصريحات التي أدلت بها بشأن «تيك توك» خلال العشاء الرسمي في بكين، في خطوة خرجت عن المألوف الدبلوماسي، وأثارت جدلاً واسعاً في هذه الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية. وأقرّت «جانجا» بخرقها للبروتوكول في بكين، الأسبوع الماضي، مؤكدة أنها لن تسكت عندما تكون سلامة الأطفال على المحك. وزعمت أن خوارزمية المنصة «تميل إلى محتوى اليمين المتطرف في البرازيل»، وهي قضية حساسة في بلد يعاني الاستقطاب السياسي والتضليل الإعلامي. وذكر «جي ون» أن تصريحات «جانجا» أثارت استياء السيدة الأولى الصينية، التي أفادت التقارير بأنها فسرتها على أنها «لا تحترم شي جين بينغ». وروى لولا لاحقاً أن بينغ ردّ دبلوماسياً و«أقر بحق البرازيل في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي». ومع ذلك، بعد العشاء، سُرّبت تفاصيل المحادثة إلى الصحافة، ما أثار توترات عميقة داخل الحكومة البرازيلية نفسها. وقال لولا للصحافيين: «أجد من الغريب أن يصل هذا الموضوع إلى الصحافة، لأن وزرائي فقط كانوا هم الحاضرين». وأضاف: «لقد تجرأ أحدهم على الاتصال بالصحافة، وتسريب معلومات حول محادثة دارت أثناء العشاء، وهو أمر سري وشخصي للغاية». وتابع الرئيس البرازيلي: «سألت شي جين بينغ إن كان بإمكانه إرسال شخص يثق به إلى البرازيل لمناقشة مسائل التنظيم الرقمي، خصوصاً ما يتعلق بـ(تيك توك)». وفي حديثها، الإثنين الماضي، خلال فعالية حكومية في برازيليا حول حماية الأطفال من العنف الجنسي، أشارت «جانجا» بشكل غير مباشر إلى هذه الحادثة. وفي بداية كلمتها، سخرت بشكل غير مباشر من رد الفعل العنيف. وقالت بابتسامة، مخاطبة وزيرة حقوق الإنسان التي كانت بجانبها، ما أثار تصفيق الحضور: «أنا سعيدة بدعوتي والسماح لي بالتحدث هنا». ثم رفضت السيدة البرازيلية الأولى فكرة أن البروتوكول يجب أن يمنعها من مناصرة الفئات المستضعفة، وإثارة المخاوف بشأن تأثير منصات التواصل الاجتماعي. عن «التايمز» . روزانجيلا دا سيلفا تحدثت عن إدمان الأطفال على «تيك توك».


الإمارات اليوم
منذ 2 ساعات
- الإمارات اليوم
وزير الزراعة الياباني يستقيل بعد اعترافه بالحصول على الأرز مجاناً
استقال وزير الزراعة الياباني، تاكو إيتو، بعد أن صرّح بأنه لا يشتري الأرز أبداً، لأنه يحصل عليه مجاناً، وهو تصريح أثار غضباً شعبياً في بلد يواجه ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية. وفاقمت استقالة إيتو الضغوط على رئيس الوزراء، شيغيرو إيشيبا، الذي فشل في كبح جماح ارتفاع أسعار الأرز، ومعالجة أزمة غلاء المعيشة الأوسع، ما أغضب الناخبين قبل انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو. وواجه إيتو دعوات للاستقالة، بعد أن زعم أنه لم يضطر أبداً إلى شراء الأرز، وأنه يعتمد بدلاً من ذلك على هدايا من مؤيديه. وأبدى إيتو تعاطفه في البداية مع «المشقة» التي يعانيها المستهلكون، بعد أن أفرجت الحكومة عن نحو 300 ألف طن من الأرز من مخزونات الطوارئ، في وقت سابق من هذا العام، على أمل خفض الأسعار. لكن في حديثه خلال حملة لجمع التبرعات، في نهاية الأسبوع الماضي، قال إيتو إنه «لم يشترِ الأرز بنفسه قط»، لأن مؤيديه يتبرعون له بالكثير، لدرجة أنه يستطيع بيعه عملياً. واستُبدل إيتو بوزير البيئة السابق، شينجيرو كويزومي، الذي ترشح دون جدوى ضد إيشيبا لقيادة الحزب الديمقراطي الليبرالي في الخريف الماضي. وأثار تعليق إيتو غضب المستهلكين، الذين يضطرون لدفع ما يقرب من ضعف سعر كيس الأرز مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لأرقام نُشرت في أبريل. وقال إيتو، وفقاً لوكالة «كيودو» للأنباء: «سألت نفسي عما إذا كان من المناسب لي البقاء على رأس وزارة الزراعة في وقت حرج تشهد فيه أسعار الأرز ارتفاعاً، وخلصت إلى أنه ينبغي أن أرحل». وأضاف: «مرة أخرى، أعتذر للناس عن الإدلاء بتعليقات غير لائقة للغاية بصفتي وزيراً في ظل معاناتهم ارتفاع أسعار الأرز». ويرجع نقص الأرز في اليابان إلى عوامل عدة، منها ضعف المحاصيل بسبب الطقس الحار في عام 2023، والشراء بدافع الذعر نتيجة تحذير من «زلزال هائل» في عام 2024. ويُعتقد أيضاً أن تجار الجملة والموزعين يُخزنون الأرز تحسباً لمزيد من النقص. وأدت أزمة الأرز المستمرة، وارتفاع فواتير الغذاء والطاقة المنزلية، إلى تراجع شعبية حكومة إيشيبا، قبل أسابيع من انتخابات مجلس الشيوخ التي قد تُحدد مستقبله كرئيس للوزراء. وفي استطلاع رأي أجرته وكالة «كيودو» أخيراً، أبدى 87% من المشاركين استياءهم من تعامل الحكومة مع أسعار الأرز، بينما انخفضت معدلات تأييد حكومة إيشيبا إلى أدنى مستوياتها منذ توليه منصبه في أكتوبر الماضي. وبلغ متوسط سعر الأرز المبيع في المتاجر الكبرى، خلال الأسبوع المنتهي في 11 مايو الجاري، رقماً قياسياً بلغ 4268 يناً (29 دولاراً) لوزن خمسة كيلوغرامات، مرتفعاً عن 4214 يناً في الأسبوع الذي يسبقه، ونحو ضعف سعره قبل عام. عن «الغارديان»


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
بحث التعاون البرلماني بين الإمارات والهند
حضر اللقاء سارة محمد فلكناز، وسلطان بن يعقوب الزعابي، وفاطمة علي المهيري، أعضاء لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية، كما حضرها أحمد هاشم خوري، وسمية عبدالله السويدي. والدكتورة نضال محمد الطنيجي، أعضاء لجنة الصداقة مع برلمانات الدول الآسيوية في المجلس الوطني لاتحادي. وتم خلال اللقاء بحث سبل تعزيز علاقات التعاون البرلماني بين البلدين، مع التأكيد على أهمية التنسيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ودور الدبلوماسية البرلمانية في مواكبة توجهات الدول وتحقيق مستهدفاتها. مشيراً إلى أن البلدين شريكان أساسيان في تعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. وتطرق معاليه إلى الدور الثابت والريادي، الذي تضطلع به دولة الإمارات في التصدي لظاهرة الإرهاب ومكافحة التطرف، مؤكداً أن موقف الدولة في هذا الشأن ثابت، ويعكس التزامها القوي بالمساهمة في ترسيخ دعائم الأمن والسلام العالميين.