
قضية نوال الدجوي وملف ميراث البنات
من باب الإحترام والاحتياط، لا نصطدم مع موقف الأزهر وإنما نفتح بابًا للنقاش الهادئ الرصين، ونحاول الدفاع عن مبدأ العدالة والمساواة وفق قراءة عصرية من داخل الفقه ذاته.
اكتب هذه المقدمة حتى أتلاشى مزايدة من هنا أو تلاسن من هناك، والموضوع هو ما أثارته قضية الدكتورة نوال الدجوي وسرقة الأموال وصراع الأحفاد على الميراث.
نلاحظ أنه في ملف الميراث.. تتصارع الأرحام، وهذا هو بالضبط ما لاحظناه على هامش ما دار من أصداء في قضية الدكتورة نوال الدجوي، رائدة التعليم في مصر، لم يكن الخلاف على الميراث مجرّد نزاع عائلي داخلي، بل صورة مُصغّرة لما يحدث في آلاف البيوت، حين يتقاطع المال مع الأعراف، وتشتبك النصوص مع الواقع، يتحول "الإرث" من رابطة قرابة إلى شرارة خصام.
قضية نوال لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، قبلها رأينا في إحدى قرى كفر الشيخ، نُقل مواطن إلى المستشفى بعد أن ضربه إخوته ضربًا مبرّحًا لأنه تجرأ وكتب أملاكه لبناته، وقد صرخ الإخوة المعتدين في وجه أخيهم"حرام عليك، دي أملاك العيلة!"، قالوها وهم يكسرون عظامه، لا دفاعًا عن الشريعة، بل عن الميراث الذكوري الذي اعتادوه، وكأن البنت خلقت فقط لتُربَّى وتُزوَّج وتُقصى.
بين النص والتاريخ والتأويل مسافات واختلافات، هنا قوانين المواريث في مصر، كما في سائر البلدان الإسلامية، تستند إلى نصوص قرآنية صريحة، أشهرها قوله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ" [النساء: 11]، وهو نص لا مجال لإنكاره أو تجاوزه، لكن ماذا عن تفسيره؟ وهل يمكن أن تُعاد قراءته في ضوء السياق التاريخي والاجتماعي الذي نزل فيه؟
الإجابة قد تبدو مستفزة للبعض، لكنها مطروحة بقوة داخل دوائر الاجتهاد الإسلامي ذاته، مفكرون كثر – من داخل المنظومة الدينية لا خارجها – طرحوا مراجعات جادة، منهم المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي، وأمين معلوف في مقارباته الثقافية، والمفكرة المغربية فاطمة المرنيسي. هؤلاء وغيرهم لم ينادوا بإلغاء النصوص، بل بإعمال العقل في تأويلها، فهم يرون أن "التفريق في الميراث" ارتبط بوضعية كانت فيها المرأة لا تعمل، ولا ترث مسؤوليات مالية، بينما اليوم، النساء يعملن ويُنفقن، بل ونسبة كبيرة منهن يدخلن تحت وصف المرأة المعيلة التي تقود أسرة في غياب الرجل، وفي حالات كثيرة نرى نساء يتولين أمورًا تعادل الرجال وربما تفوقهم.
ولذلك من حقنا أن نسعى نحو عدالة لا تصطدم بالعقيدة، ونتفق بهدوء على أن الدعوة لتعديل قوانين المواريث لا تعني المساس بالقرآن الكريم، بل تتجه إلى تنظيم ما يمكن تنظيمه ضمن دائرة "ما لا نص فيه"، وإعادة النظر في تفسير بعض الحالات الخاصة، وهناك فارق كبير بين "الحكم القطعي" وبين "المجال الاجتهادي"، وهو ما أكد عليه فقهاء معتبرون، مثل الشيخ محمد عبده في تفسيره العصري، والشيخ شلتوت حين قال: "لا يجوز أن يُغلق باب الاجتهاد في وجه الأزمنة المتغيرة، واستند الشيخ شلتوت في ذلك على أن الدين صالح لكل زمان ومكان."
في تونس.. التجربة تكتب فصلًا مختلفًا
ربما تكون تونس قد فتحت الباب الأوسع للنقاش حين أصدرت عام 2018 مشروع قانون للمساواة التامة في الميراث بين الرجل والمرأة، استنادًا إلى مبدأ "حرية التصرّف والمواطنة المتساوية"، وهو ما أثار جدلًا واسعًا، هذا الباب الذي فتحته تونس لم يُغلق، بل فتح أفقًا للحوار. ونشاهد الآن المغرب وهي تتبنى مدونة أسرة متقدمة عام، راعت الظروف الاجتماعية وحاولت تحقيق التوازن. وحتى لبنان، رغم طابعه الطائفي، شهد محاولات تشريعية تطالب بمراجعة قوانين الأحوال الشخصية بما فيها المواريث، خاصة لدى الطوائف غير الإسلامية.
النظام الحالي – رغم عدالته في بعض السياقات – بات يُنتج مظالم في حالات متكررة بنات يُطردن من بيت الأب بعد وفاته، فقط لأن العم "أولى"، أرامل لا يملكن إلا "الثُمن"، بينما يذهب باقي التركة إلى أخوة لا علاقة لهم بحياة المتوفى، بنات يقفن إلى جوار آبائهن في مرضهم، ويُكافأن بالإقصاء من الإرث "لأن الشرع كده".
بل وصل الأمر إلى حيل قانونية يلجأ إليها الآباء والأمهات بقلوب واجفة، فيكتبون ما يملكون لبناتهم في حياتهم خشية أن يُظلمن بعد موتهم، فتقوم الدنيا عليهم، وتُنهش سمعتهم، وكأنهم كفروا. هل هذا هو الدين الذي أراده الله رحمة وعدلًا بين عباده؟
لذلك نحن في حيرة من أمرنا، بين الأزهر والمفكرين.. أين نقف؟ الأزهر، كمؤسسة دينية عليا، لا يزال يتمسك بالنصوص كما وردت، لكنه في الوقت نفسه لم يُغلق الباب تمامًا، بل أبدى انفتاحًا على النقاش حول الوصية الواجبة، وبعض الاجتهادات التي تراعي الواقع، وهو موقف يُحسب له، حين قال الإمام الطيب: "الميراث ثابت بالنص، لكن لا مانع من التفكير في حلول تكميلية تحفظ حقوق الجميع".
ما يُطلب ليس انقلابًا على النص، بل قراءة منفتحة، عقلانية، تستند إلى مقاصد الشريعة لا إلى الحرف وحده، فالعدل من أهم مقاصد الإسلام، ولا يمكن أن يعلو حظّ الذكر على دموع أنثى ظُلمت.
إذا كنا نعيش في عصر تخرج فيه البنات والنساء إلى سوق العمل، ويتحملن بيوتًا، ويُربّين أجيالًا، أفلا تستحق هذه التحولات قراءة مختلفة للنصوص التي نزلت في سياقات مغايرة؟ المساواة في الميراث ليست تمردًا على الدين، بل دعوة لفهمه في ضوء الزمن، والعدل لا يتغير، لكنه أحيانًا يحتاج منا أن نخلع نظارات الماضي، وننظر إلى الحاضر بعينٍ لا تخاف من النور.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الصباح العربي
منذ 2 ساعات
- الصباح العربي
بين نزاع الذهب وبيع 6 قصور.. صراع أحفاد نوال الدجوي يشعل نار الميراث
تصاعدت الخلافات في أسرة الدكتورة نوال الدجوي، رئيسة مجلس إدارة جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون، بسبب نزاع ميراثي غير مسبوق، اتسعت أبعاده لتشمل جوانب قانونية وعائلية معقدة، عقب بيع ستة قصور تملكهم الجدة، مع اتهامات متبادلة بالسرقة والتزوير. يُطالب أحفادها الذكور: أحمد وعمرو ومحمد شريف الدجوي، بوقف بيع القصور الستة في مناطق الزمالك والدقي، التي باعها حفيدتا ابنتها الراحلة منى الدجوي مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز خمسين مليون جنيه، بينما قيمتها الحقيقية بأكثر من ملياري جنيه. ورفع الدفاع طعنًا رسميًا يشير إلى تزوير العقود، التي حررت كلها في يوم واحد مع وضع بصمة مزعومة للدكتورة نوال، رغم أن توقيعها يتم عادة بخط يدها. وفي سياق متصل، أثار مقطع فيديو تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي جدلًا واسعًا، حيث يظهر فيه أشخاص يحملون حقائب كبيرة داخل فيلا العائلة، مما دفع جهات التحقيق إلى مصادرة الفيديو وتحويله إلى إدارة التوثيق لفحصه، مع طلب تحريات حول هوية هؤلاء الأشخاص والسبب الحقيقي وراء حملهم لتلك الحقائب. على الجانب الآخر، تقدمت حفيدتا منى الدجوي، إنجي وماهيتاب، ببلاغ رسمي ضد أبناء العمومة، متهِمتَين إياهم بسرقة أموال وعملات أجنبية ومشغولات ذهبية تقدر قيمتها بحوالي خمسين مليون جنيه، ثلاثة ملايين دولار، 350 ألف جنيه إسترليني، و15 كيلوغرامًا من الذهب. محامي الأحفاد الذكور، ياسر صالح، وصف الاتهامات بأنها جزء من نزاع قضائي محتدم تجاوز العشرين قضية، وأكد أن موكليه متهمون زورًا، وأن الحفيدتين المسؤولتان عن رعاية الجدة وتحويل القضية إلى بلاغات مضادة ضدهما، وأضاف أن الحفيدتين تحتجزان الجدة بمنزلهما في الزمالك، ولا يسمحان لباقي العائلة بزيارتها أو التواصل معها. حالياً، تواصل النيابة الكلية التحقيقات في هذه القضية المعقدة التي باتت تمثل حالة استثنائية في نزاعات الثروات العائلية، وسط متابعة إعلامية واهتمام شعبي واسع.


بوابة الفجر
منذ 2 ساعات
- بوابة الفجر
القصة الكاملة لسرقة أموال ومجوهرات من فيلا نوال الدجوي بأكتوبر
كشفت الدكتورة نوال الدجوي، سيدة الأعمال المعروفة، عن تفاصيل مثيرة أمام نيابة أكتوبر في بلاغ تقدمت به بشأن سرقة أموال ومجوهرات من داخل فيلتها الكائنة بكمبوند هاي لاند بمدينة 6 أكتوبر، مشيرة إلى تورط اثنين من أحفادها في الواقعة. وقالت الدجوي في التحقيقات إنها اكتشفت الواقعة أثناء زيارتها الأخيرة للفيلا، حيث فوجئت بعدم استجابة الخزنة لمفاتيحها المعتادة، ليتبين لاحقًا تغيير الكالون. وعثرت خارج الخزنة على كيس يحتوي على بعض المسروقات، إلى جانب الأغلفة التي كانت تغلف المحتويات. وأضافت أن الحادث وقع في نحو الساعة الخامسة والنصف من مساء الأمس، بحضور حفيدتيها إنجي وماهيتاب محمد. وأشارت إلى أن المسروقات كانت محفوظة داخل الخزنة، وآخر مرة اطلعت عليها كانت في يناير 2023. وأكدت الدجوي أن المسروقات تشمل مبالغ مالية ضخمة، مشغولات ذهبية، سبائك وجنيهات ذهبية، بالإضافة إلى عملات أجنبية، من بينها 360 ألف جنيه إسترليني من فئات ورقية صغيرة وقديمة الإصدار، مشيرة إلى أنها ستقدم بيانًا تفصيليًا لاحقًا بعد مراجعة الجرد. واتهمت السيدة نوال حفيديها أحمد وعمرو الدجوي بالسرقة، مستندة إلى علامات الثراء المفاجئ التي ظهرت عليهما منذ مارس 2024، رغم عدم وجود مبرر مالي واضح، إلى جانب حيازتهما مفاتيح الفيلا. كما أوضحت أن المتابعة الدورية للخزنة كانت تتم من خلال موظف يدعى مصطفى يعمل في جامعة نوال الدجوي. وأكدت وجود خلافات سابقة بينها وبين المتهمين بدأت منذ مايو 2024، مشيرة إلى أنها تمتلك قرائن تعزز شكوكها بشأن تورطهما في الواقعة. ولا تزال النيابة العامة تواصل التحقيقات للوقوف على ملابسات الحادث، وتحديد المسؤولين عن واقعة السرقة التي هزت الرأي العام.


مستقبل وطن
منذ 2 ساعات
- مستقبل وطن
طول عمري من الأثرياء.. عمرو الدجوي يكشف تفاصيل مثيرة في واقعة سرقة ثروة الدكتورة نوال
أنهت جهات التحقيق المختصة بمدينة 6 أكتوبر الاستماع إلى أقوال عمرو الدجوي، حفيد الدكتورة نوال الدجوي، في القضية المتداولة بشأن سرقة مشغولات ذهبية ومبالغ مالية ضخمة من داخل شقتها، وقررت صرفه من سرايا النيابة بعد الإدلاء بأقواله. وخلال التحقيقات، نفى عمرو الدجوي اتهامات السرقة الموجهة إليه من قبل حفيدتي نوال الدجوي، إنجي وماهيتاب، مؤكدًا أن مظهر الثراء الذي ظهر عليه مؤخرًا ليس جديدًا، قائلاً: "أنا عمرو الدجوي ابن شريف الدجوي، وطول عمري من الأثرياء.. إزاي يبان عليا من 2024؟" وطالب بمواجهة مباشرة مع جدته نوال الدجوي دون وجود حفيدتيها، لبيان مدى قدرتها العقلية على استيعاب المواقف والتوقيع على العقود. كما طلب عرضها على طبيب متخصص في أمراض المخ والأعصاب لتقييم حالتها الصحية. وأشار إلى أن والدته الراحلة منى الدجوي وابنتيها كانتا تسيطران على نوال الدجوي، مؤكدًا:"ماما نوال قالت إن منى وابنتها كانوا بيخدوا منها فلوس وينقلوها لحسابتهم". كما قدّم عمرو الدجوي محادثات ومستندات تتضمن اعترافًا من ماهيتاب الدجوي بأن مفاتيح الخزانة بحوزة شقيقتها إنجي، بالإضافة إلى مستندات بصرف شيكات بمبالغ ضخمة صادرة من نوال الدجوي إلى ابنتها منى وأحفادها. وأوضح أيضًا أنه يمتلك فيديوهات مراقبة تُثبت عدم دخوله الشقة منذ أكثر من عام، بينما يظهر في اللقطات زوج إنجي الدجوي، مشيرًا إلى أنه يملك أدلة مادية تفيد بعدم علاقته بالواقعة. يُذكر أن النيابة كانت قد استمعت في وقت سابق إلى أقوال الدكتورة نوال الدجوي، التي أكدت تعرضها لسرقة 50 مليون جنيه، و3 ملايين دولار، و15 كيلو ذهب، و350 ألف جنيه إسترليني من داخل شقتها.