logo
عبدالعزيز آل الشيخ.. القيادي الفذ

عبدالعزيز آل الشيخ.. القيادي الفذ

سعورس٠٩-٠٥-٢٠٢٥

وُلد عبدالعزيز آل الشيخ عام 1336ه، تعلم في مدرسة عبدالرحمن بن مفيريج -رحمه الله- القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، وهذه المدرسة قد كتبت عنها تقريراً مفصلاً قبل أربعة أعوام، فهي مدرسة خرجت الأمراء والعلماء وجمهرة من أهالي الرياض ، ومكثتْ ما يقارب أكثر من نصف قرن وهي تؤدي دورها التعليمي في الرياض ، فجزى الله خيراً القائمين عليها المقرئ عبدالرحمن بن مفيريج وأخاه عبدالله مساعده الأيمن خيراً.
تعليم وتحصيل
كان عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- أحد العلماء الذين خرجتهم مدرسة عبدالرحمن بن مفيريج العتيقة المباركة، وقد درس على الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ والمفتي محمد إبراهيم آل الشيخ، وهذا طلبه للعلم حينما رجع إلى مدينة الرياض بعد انتقاله مع والده إلى مكة المكرمة ، أمّا المدارس النظامية فقد درس الابتدائية في مكة ثم انضم إلى المعهد العلمي السعودي وبعدها رحل إلى جامعة الأزهر ودرس فيه، وبهذا التعليم والتحصيل المعرفي كان أحد العلماء الكبار ليُعيّن إماماً وخطيباً بالمسجد الحرام وخطيباً بعرفة.
مرجع مهم
وعُيّن عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- برئاسة القضاء مساعداً لوالده ونائباً له، وكان من المشرفين على تنظيم القضاء، إذ عاصر جميع التنظيمات القضائية، وألّف في القضاء بالمملكة وتاريخه كتاباً يعد أحد المراجع المهمة لنشأة القضاء ومراحله، حتى أنه مع توليه وكالة وزارة المعارف لم يترك رئاسة القضاء، فهو شخصية قضائية عارفاً وعالماً بهذا الأمر الحساس، فرئاسة القضاة التي كان يرأسها والده هي بمثابة وزارة العدل، وهي مختصة لكل ما يتعلق بالدوائر الشرعية القضائية وكتّاب العدل وتعيين القضاة بالمنطقة الغربية، فنال خبرة في الجهاز القضائي، طبعاً شخصيتنا لم يتول القضاء، لكنه عالم بالقضاء نظرياً، حيث تعرض قضايا كثيرة على والده -رئيس القضاة-، إذ كانت ثمة نظر أو تصديق أو رفعة قضية من الملك للنظر فيها، فشخصيتنا عالم بالقضاء وما يدور في مجلس القضاء.
وكيل ثم وزير
وعندما تولى الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- الحكم 1373ه تحولت إدارة المعارف إلى وزارة، وتولى الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- هذه الوزارة، وعُيّن عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- وكيلاً لوزير المعارف، وهو الرجل الثاني فيها، وقد كانت الوزارة عليها مسؤولية كبيرة في نشر التعلم بمراحله الثلاث في جميع أنحاء المملكة، ولم يألو عبدالعزيز آل الشيخ جهداً ووقتاً في مساندة وزير المعارف آنذاك الملك فهد، وكانت ثقة وزير المعارف في شخصيتنا لا حدود لها، فهو قيادي من الطراز الأول وإداري متقن، كان التحدي كبير جداً في هذه المرحلة من حيث مناهج التعليم، وتأسيس المدارس التعليم العام، وجلب وتوفير الأساتذة، خاصةً من خارج المملكة، مئات القرى بحاجة إلى مدارس ليتعلم أبناؤها، وكانت الدولة قد بدأت مرحلة التحديث وإرساء البنية التحتية لجميع المرافق في جميع أنحائها، ومن أهم ما أولته كل الاهتمام والعناية وضخ الموارد البشرية والمادية في وزارة المعارف، لقد كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل، وكانت آنذاك الأُمية هي الغالبة على المجتمع، لكن الجهود تظافرت في وزير المعارف ووكيله والطاقم الإداري والفني، وسهلت هذا التحدي الكبير، وكانت لآل الشيخ جولات على المدارس الحكومية ومشاركات في المؤتمرات التعليمية، فهو من المؤسسين للتعليم النظامي الحديث بالمملكة ومن المشرفين على تأسيس الأنظمة التعليمية، وفي ختام رحلته في التعليم أصبح شخصيتنا وزيراً لوزارة المعارف سنة واحدة.
أمر بالمعروف
بعد وفاة عم شخصيتنا الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ الذي كان رئيساً لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صدر مرسوم ملكي بتعيين عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- 1396ه رئيساً لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقام به أعظم قيام وأتمه، وفي 1397ه استقال من رئاسة الهيئات.
وكانت لشخصيتنا زيارات كثيرة خارج المملكة في مراكز الدعوة، وألقى عدة محاضرات، وقد ألّف الداعية سعيد بن عبدالعزيز الجندول -رحمه الله- كتاباً عن رحلاته الدعوية، وذكر أنه صحب آل الشيخ في عدة رحلات دعوية، وكان الجندول صديقا مقربا وحميما له منذ أن كان بمكة ، وهو زميله في المسجد الحرام، إذ أن الجندول كان أحد خطباء المسجد الحرام.
وكانت خُطب عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- في المسجد الحرام ويوم عرفة متميزة جداً، وكان فصيحاً وخطيباً مفوهاً، وكانت نبرات صوته بديعة وجميلة، ولعل آخر خطبة كانت له بالمسجد الحرام عام 1404ه في صلاة عيد الفطر، وكان يخطب بالمسجد الحرام في غير العيدين.
متسامح كريم
وألّف عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- كتاباً عن تاريخ التعليم في المملكة، وهو من المصادر الأساسية في التعليم النظامي بالمملكة، وشاهد عصر لبدايات التعليم النظامي، وكان له دور فعال في عملية التعليم منذ أن كان وكيلاً لوزارة المعارف ثم أصبح وزيراً، وله مؤلفات عدة منها رسالة في الحج وكتاب عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وقال المؤرخ عبدالله البسام عن شخصيتنا: كان -رحمه الله- مثالاً في الخُلق، مهيباً وقوراً، حسن المعشر متسامحاً كريماً، كما كان مثالاً للرجل العالم العاقل والعامل بعلمه، فسجاياه أكثر من أن نوفيها حقها، ونحصرها في عجالة كهذه، رحل عن ذويه ومحبيه قرير العين راضي النفس، وكان حتى آخر لحظة من عمره مشغولاً بذكر ربه محافظاً على صلواته جماعة حتى في أصعب ظروفه الصحية، وكان لسانه يلهج بشكر الله وذكره رغم ما كان يعاني من مرض عضال، حتى أن أصحابه كانوا يعجبون من صبره وجلده، فلم يَشْكُ مما أصابه؛ لأنه كان يعلم يقيناً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، عاش عمراً طويلاً، وظل دائماً مستقيماً غيوراً على الدين والمحارم، فأكسبه ذلك هيبة ووقاراً، فأحبه الأقربون وغيرهم، وأحبه واحترمه حتى من اختلف معه في الرأي، وكانت نفسه تنأى دوماً عن سفاسف الأمور، فغدا بذلك أشبه بمن عرفناهم وقرأنا عنهم من علمائنا العاملين من سلفه، فلا غرو إذن أن يتمتع بكل تلك المكانة السامية، وأن يكون له كل ذلك الحب والإكبار، عاش عزيزاً كريماً، ومات مشكوراً مأسوفاً عليه، وعلى ما امتاز به من سمح الخصال وكريم الشمائل.
تواضع جم
وقال عبدالله خياط عن عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله-: هو من الشخصيات العالمية اللامعة التي خدمت المملكة في مجالات عدة، وكان له الأثر البارز في تنظيم المؤسسات القضائية والتعليمية وتطويرها.
وذكر يوسف المطلق أن آل الشيخ كان أحد العلماء المجاهد بلسانه وقلمه ونصحه وإرشاده.
وأوضح الدكتور الوليد الفريان أنه كان يسعد بزيارة عبدالعزيز آل الشيخ في منزله، وينتفع بمجالسته، ويُنصت إلى نصائحه وتوجيهاته، ويجد فيه ما لا يجده في كثير من أهل وقته من صالح الرأي وبعد النظر وقوة الإدراك ودقة الملاحظة، والقدرة على متابعة الأحداث وتحليلها، والغيرة العظيمة على حرمات الله، والمحبة الخالصة لأهل العلم وطلابه، والتواضع الجم وسلامة الصدر، وصدق العاطفة، والبُعد التام عن كل ما يُدنّس النزاهة، ونقاء الأهداف، مع الحرص الشديد على المصالح العامة ونفع الآخرين.
رؤية واتزان
وقال عبدالله بن حمد الحقيل: عرفنا عبدالعزيز آل الشيخ -رحمه الله- عالماً ورعاً وتقياً ومربياً فاضلاً، تحلى بمكارم الأخلاق، ورجاحة العقل، وامتاز بأعماله البناءة، ومواقفه المشرفة، والحرص على رفعة الإسلام، وإعلاء كلمة الحق.
وأوضح عبدالمحسن بن محمد التويجري أن شخصاً فاضلاً، وعالماً جليلاً، هو الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ الذي اختاره الله لجواره بعد عمر قصير طويل، قضاه في الأعمال الصالحة، متجهاً إلى ربه الأعلى بعقيدة صافية، وفقه راسخ في الدين، وفهم عميق لأحكامه، ومحاولة جادة لتطبيق شرع الله بعد استيعابه، والإلمام بمقاصده الشريفة، ومراميه النافعة، بإدراك واع وبصيرة نافذة، ووعي ثاقب مع رؤية واتزان عرف بهما، ومرونة واعتدال، كانا ديدنه، ومجاراة واقعية للعصر ومستجداته في حدود المنطق السليم والعقل الحصيف. -انتهى من كتاب علماء آل الشيخ لمؤلفة أحمد بن عبد الرحمن العوين-.
مجلس عامر
وتوفي عبدالعزيز آل الشيخ بتاريخ 28/ 6/ 1410ه، وصُلي عليه في جامع الامام تركي في مدينة الرياض ، رحمه الله وغفر له، وقد زرته في منزله في حي المربع بصحبة الشيخ الواعظ حمد الراشد -رحمه الله-، وكانت هي أول زيارة لشخصيتنا، وأنست بها، وسمعت حديثه وسألته بعض الأسئلة بعضها فقهي وبعضها تاريخي، ثم رأيته مرةً ثانية بعد مدة، وسلمت عليه ورجوته أن أدرس عليه بعض من العلوم الشرعية لكنه اعتذر لمرضه، لكني ندمت أنني لم أواصل زيارته في مجلسه العامر، وكانت له جلسه بعد صلاة كل عصر في منزله يومياً إذا كان حاضراً في الرياض ، وأذكر من الجلساء الذين يرتادون مجلسه الشيخ عبدالرحمن الشعيل -المفتش القضائي-، والمؤرخ عبدالرحمن الرويشد، والمؤرخ إبراهيم بن عثمان، وصديقه سعيد الجندول، وغيرهم من العلماء والأعيان والوجهاء، وكلما صليت في مسجده الذي بجوار منزله -مازال قائماً- تذكرت شخصيته، مُهابه وقوية ومؤثرة.
عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله-
عبدالعزيز آل الشيخ في مرحلة الشباب
آل الشيخ في المركز الإسلامي باليابان
.. وهنا في الجامعة الإسلامية بإندونيسيا
وُلد عبدالعزيز آل الشيخ في الرياض عام 1336ه
إعداد- صلاح الزامل

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بتعيينه أميرًا للمنطقة
أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بتعيينه أميرًا للمنطقة

الحدث

timeمنذ 3 ساعات

  • الحدث

أمير جازان يستقبل منسوبي الإمارة المهنئين بتعيينه أميرًا للمنطقة

استقبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، بالإمارة اليوم، بحضور صاحب السمو الأمير ناصر بن محمد بن عبدالله بن جلوي نائب أمير المنطقة، وكلاء ومنسوبي إمارة المنطقة بمناسبة صدور الثقة الملكية الكريمة بتعيينه أميرًا للمنطقة، وتعيين سمو الأمير ناصر بن محمد نائبًا لأمير المنطقة. وأعرب سمو أمير المنطقة عن شكره للجميع على التهنئة، رافعًا باسمه وباسم سمو نائبه الشكر والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على الثقة الملكية الكريمة بتكليفهما لخدمة المنطقة بتعيينه أميرًا لجازان، وتعيين سمو الأمير ناصر بن محمد نائبًا، سائلًا الله العلي القدير أن يعينهما على أداء هذه الأمانة. ووجه سموه الجميع بتقديم كل ما يحتاجه المواطن والمقيم بمنطقة جازان، ويسهل سرعة إنجاز معاملاتهم، ويضمن تقديم أفضل الخدمات لهم، راجيًا من الله تعالى العون والتوفيق والسداد للجميع.

دعوهم يتألمون
دعوهم يتألمون

سعورس

timeمنذ 3 ساعات

  • سعورس

دعوهم يتألمون

هنا يعلم الله أنني لا أتحمس كثيرا حينما أرى سعوديا أو عربيا وحتى من خارج محيطنا يناوش ويقارع أولئك الذين يريدون إسقاطا ولؤما على هذه البلاد، لأنني أتمنى أن يترفعوا عنهم لأن لا سبيل لإقناع حاقد.. هنا لا ننكر أننا نعيش في عالم كثير منه بلا مبادئ ولا أخلاق، سبيله أمام الناجحين محاولة صناعة صورة مختلفة مختلقة وفق ما يريده، ويبدو أن هذا استفز أصحاب الأخلاق والمصداقية وفق الردود التي نجدها تدحض ما يتعرض له الناجحون من الفاشلين، ملتزمين بالواقع الذي يقول إنه لم يعد هناك مجال لتركهم يفترون ويكذبون. من تلك التوطئة هل نحن نبالغ في تفسير مفهوم حب الوطن والدفاع عنه، ونتجاوز إلى الأنانية، والأكيد.. لا.. ولا علينا من ذلك فحينما يحضر الوطن بكل تجلياته تسقط كل التحديات والعوائق، ولا بأس من تغيير المفاهيم والعلاقات، بل والحب والكره والصداقة والعداوة، وإن كنا مع تمسكنا بتلك المبادئ أن نؤكد أن التاريخ لم يعرف قديما وحديثا أن السعودية بلد معتدٍ أو مثير فتن وصانع فرقة، وحينما تكون السعودية الحضور الأول لرئيس الدولة الأهم والأعظم في العالم فذلك عنوان أن السعودية ضمن الأكثر أهمية وتأثيرا في كل العالم. هنا في المملكة بلغ الرقي شأنا لم يعرفه كثيرون ممن يلوكون في الكلام ولا يصنعون تقدما ينطلق من تراث إنساني زاخر بكل الإيجابيات الدينية والدنيوية، إرث سعودي علّمنا كيف نصنع مستقبلا أفضل وقبله نضع حدا فاصلا وحاسما بين الصح والخطأ، بين المبادرة المدروسة والتهور، رسّخ كيف نتعامل مع الوطن وكيف نستمر منتصرين له، أنشأ فينا وفي دواخلنا آليات جذب داخلية للانتصار له والتقرب منه في كل فترة يحتاج لنا، فعلا أو قولا. لن نتحدث عن الحق والباطل ولا كيفية الرد على أولئك المساكين من المنفجرين ضيقا مما وصلت إليه السعودية وينتقدون كل فعل عظيم معينا لها في مستقبلها، لأننا إن فعلنا ذلك نضيع وقتا على من لا يستحق في إطار سعينا الدائم للارتقاء بالوطن، ليس إلا أننا نعيش مجموعة الأخلاقيات السامية المتجذرة من الآباء والأجداد والتراب والماء وكل التاريخ الذي يحيط بها، مع التزام أخلاقي بمبادئ الوطن وأهل الوطن وقادته. الرقي السعودي ليس في أجندته مجادلة التافهين، لأنه مشغول بما هو أهم؛ كالتزام أبدي نتمتع بخيراته، ونلتزم له بحمايته متى ما احتاجنا تاركين كل المتع والامتيازات وما تريده النفس من خيرات خلفنا وراء ظهورنا، فنحن نحب وطننا وقيادته، في برقه ورعده وجنوبه وشماله.. تاركين للمسوفين الكلام لأننا مشغولون بالعمل.

وصف العرب للعرب: نقائض أم فبركات مجهولة؟
وصف العرب للعرب: نقائض أم فبركات مجهولة؟

Independent عربية

timeمنذ 7 ساعات

  • Independent عربية

وصف العرب للعرب: نقائض أم فبركات مجهولة؟

تجادل هذه المقالة بأن معظم معاركنا العربية-العربية الكلامية على صفحات الإعلام الاجتماعي (الـ"سوشيال ميديا") هذه الأيام هي من نسج الفبركات، وأن وراءها حسابات وهمية، وأخرى مزيفة، ولعلها مخططة ومدروسة، فالوهمي يتخذ اسماً حركياً غالباً ما ينتسب للطيور وللحيوانات، الطائر الملون والأسد الهصور والغزال الشارد والسلحفاة الطائرة وهكذا... بينما تتخذ بعض الحسابات أسماء علم مثل عبدالله سعد وسعد العجمي وخالد المطيري وفهد البغدادي ومدحت المصري إلخ. لكن المتابع لا يمكن أن يلغي النقائض في التوصيف والتنميط، أي إننا ننمّط بعضنا بعضاً بمجالسنا الخاصة في الغالب، ولكن هناك من يراقب ويتابع ويدرس كيف ننظر إلى بعضنا بعضاً كمجاميع عربية بحسب التجمعات الجغرافية، فيختار من هذه التوصيفات ما يثير التراشق والغضب والحنق، بالتالي معارك على حسابات الـ"سوشيال ميديا". فأهل الخليج عند بعض العرب "الغاضبة"، على سبيل المثال، بدو متخلفون وهمج لا يفهمون، يركبون الجمال ويأكلون الضبان، بل هم أنكى من ذلك بأن وصفهم الله في القرآن الكريم بأنهم أعراب وأشد الناس كفراً ونفاقاً. لكنهم "بعين الرضا" عند عرب آخرين أهل الكرم والمروءة والشمائل العربية الحميدة، يغيثون الملهوف ويعينون المحتاج ويساندون القضايا العربية ويقدمون المساعدات النفطية والبترودولارية لكل العرب الآخرين. وزد على هذا أن نبي الإسلام واحد منهم وعندهم الحرمان الشريفان. وينظر بعض العرب إلى الفلسطينيين نظرة تعميمية سوداوية غير إنسانية بالمرة، غدارون منافقون حاقدون باعوا أرضهم ويقتتلون في ما بينهم ويتكسبون على قضيتهم. لكن المناقض لهذا التوصيف يصف مَن يقولون ذلك بالصهينة وخذلان الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ويرى أن الفلسطينيين قدموا وما زالوا يقدمون الغالي والثمين من الأرواح والممتلكات، نضالاً من أجل تحرير أرضهم وتقرير مصيرهم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) العراق مهد الحضارات البشرية ومنبع الكتابة والقوانين منذ أيام قانون حمورابي، وهو سومر وبابل وعاصمة الخلافة العربية العباسية ومحج الثقافة والعلم والفنون قروناً طويلة. لكن النقضاء العرب يسمونه أرض النفاق والشقاق وقتلة آل البيت والغدر والانقلاب والدموية البشعة ومنبع للخزعبلات والخرافات. مصر هي سبعة آلاف سنة من الحضارة الفرعونية، وهي بلد الثقافة والعلم والأزهر والتقدم وقلب العروبة النابض، منها خرج المعلمون والمثقفون والفنانون والنحاتون والرسامون والمهندسون، لكن مناقضي هذا القول يرددون ما نسب لعمرو بن العاص زوراً، "أرضها ذهب ونساؤها لعب والأمر فيها لمن غلب". ولا يرون في مصر شيئاً من الجمال ويتهمون أهلها بأبشع الصفات والأوصاف. أما ما يقوله عرب المغرب العربي عن بعضهم، فقد لا يكون صالحاً للنشر، وما يقوله السودانيون في الشمال عن السودانيين بالجنوب قول عنصري لا يليق بالقلم في هذا المقام، وهكذا، فلا تكاد توجد منطقة عربية داخل البلد الواحد إلا ولها تصنيف متناقض عند المناطق الأخرى. والحق أن هذه النقائض ليست حكراً علينا في المنطقة العربية، فكل دول العالم لديها تصنيفات وتنميط لبعضها بعضاً يصعب التطرق إليهما بشمولية في هذه المقالة، لكن ما يهم هنا هو تصنيف وتنميط العرب لبعضهم بعضاً، وهو تنميط في غالبه سيئ هذه الأيام، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يوحي بأن "وراء الأكمة ما وراءها". ففجأة تشتعل حرب إعلامية بين مصر والسعودية، وبين سوريا والعراق، وبين الجزائر والمغرب بل بين داخل دول الخليج نفسها وهلم جرا. وتستخدم في هذه الحروب كافة أسلحة التنميط الشامل الذي يعم ولا يخص، وكل أدوات التصنيف التعميمية على البلدان بكل شعوبها وطوائفها وأجناسها. أمر خطر أن تنجرف الناس لحروب النقائض هذه، وأخطرها جميعاً حروب الطوائف من وراء الشاشات وامتشاق لوحات المفاتيح لخوضها، فقديماً قيل، "الحرب أولها كلام". العقلاء هم مطافئ هذه الحروب، وأنجع سلاح لمقاومتها تجاهلها وتجنبها وعدم تصديق من يقف وراءها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store