
تأثير "ميديشي".. كيف نفجّر طاقاتنا لخلق أفكار إبداعية؟!
في عالم يتسارع نبضه وتتشابك خيوطه، يبرز سؤال جوهري: كيف نطلق العنان للطاقات الكامنة فينا لنخلق أفكارًا إبداعية تحدث تغييرًا حقيقيًا؟ وكيف ننقل تلك الأفكار من أفق الخيال إلى أرض الواقع؟
في كتابه الملهم، يأخذنا الكاتب فرانز جوهانسون في رحلة فكرية ممتعة تحت عنوان "تأثير ميديشي"، يستكشف فيها أسرار الإبداع، مستلهمًا من تأثير "ميديشي"، تلك الظاهرة التي أشعلت شرارة النهضة في فلورنسا القرن الخامس عشر، ليقدم لنا خريطة طريق عملية لإعادة إحياء تلك الروح الإبداعية في عصرنا الحديث.
الإبداع، كما يصفه جوهانسون، ليس مسارًا خطيًّا يتبع خطوات معروفة، بل هو مغامرة في بحر التقاطعات، حيث تتلاقى أفكار من مجالات متباينة لتنتج ما هو جديد ومدهش
تأثير ميديشي.. عندما تتلاقى العوالم
في قلب مدينة فلورنسا الإيطالية، حيث ازدهرت عائلة ميديشي، تجلت واحدة من أروع فترات الإبداع في تاريخ البشرية. لم تكن هذه العائلة مجرد رعاة للفنون والعلوم، بل كانت جسورًا حية تربط بين عوالم متباعدة؛ ففيها الرسامون، والنحاتون، والفلاسفة، والمعماريون، جميعهم التفوا حول موائد النقاش، يتبادلون الفِكَر كما يتبادل التجار الكنوز، ومن هذا التلاقح، انبثقت أفكار غيرت وجه العالم.
يرى جوهانسون أن هذا "التقاطع" -حيث تلتقي المفاهيم من مجالات مختلفة- هو مفتاح الإبداع الحقيقي؛ فعندما ننقل فكرة من حقل إلى آخر، كما فعل المعماري ميك بيرس حين استلهم من أبراج النمل الأبيض تصميم مبنى موفر للطاقة في هراري، تتولد ابتكارات لم تكن لترى النور لولا هذا التلاقح.
الإبداع، كما يصفه جوهانسون، ليس مسارًا خطيًّا يتبع خطوات معروفة، بل هو مغامرة في بحر التقاطعات، حيث تتلاقى أفكار من مجالات متباينة لتنتج ما هو جديد ومدهش.
التفكير الاتجاهي، ذلك الذي يسير في مسارات مألوفة، قد يكون آمنًا، لكنه يحد من الابتكار. أما التفكير التقاطعي، فهو كالريح التي تهب من زوايا غير متوقعة، تجمع بين أفكار تبدو غريبة عن بعضها، لتخلق ما يصعب على المنافسين توقعه.
ليوناردو دا فينشي، رجل النهضة العظيم، كان يرى أن فهم الشيء يتطلب رؤيته من زوايا متعددة. وهكذا، يدعونا جوهانسون لنكون سباحين ماهرين في هذا البحر، نستكشف الثقافات، ونتحدى الافتراضات، ونبحث عن نقاط الالتقاء.
فالعظماء، مثل أينشتاين وبيكاسو وإديسون، لم يكونوا مجرد موهوبين بالفطرة، بل كانوا "منتجين غزيرين"، حياتهم مليئة بالمحاولات، بالنجاحات والإخفاقات على حد سواء.. إنها لعبة الأرقام.
كلما زادت فِكَرك، زادت فرصك في الوصول إلى الفِكَر الرائدة!. التفكير التقاطعي يعزز هذه الوفرة، فكلما دمجت بين مجالات أو ثقافات مختلفة، تضاعفت الإمكانات كما تتضاعف الألوان في لوحة فنان. إن مزج نوعين من الموسيقى -على سبيل المثال- لا ينتج مجرد مجموع بسيط، بل يفتح آفاقًا جديدة تمامًا.
الإبداع يحتاج إلى وقت ووعي، والضغط والمواعيد النهائية قد تكبل العقل، بينما الفسحة تمنحه حرية التحليق. ينصح جوهانسون بأخذ استراحات لإعادة تقييم الفِكَر، فالبعد عن فكرة ما يمنحنا منظورًا جديدًا. كما يدعو إلى تنمية الوعي، ذلك الذي يجعلنا نرى التقاطعات في كل مكان. توماس إديسون وتشارلز داروين -على سبيل المثال- كانا يدونان ملاحظاتهما بعناية، يعيدان النظر فيها باستمرار، ما سمح لهما بصقل فِكَرهما.
في عصرنا، يمكن لتطبيقات مثل تدوين المهام والتنظيم والأرشفة أن تكون خزانة رقمية لفِكَرنا، تجمع الاقتباسات، والصور، والملاحظات، لنستعيدها حين نحتاجها.
مثل عائلة ميديشي، التي جمعت مبدعين من تخصصات مختلفة، كان ابن سينا يحمل في عقله "مجلسًا تقاطعيًّا"، حيث تلاقت الفِكَر من مجالات متنوعة لتنتج إبداعًا غير مسبوق
كيف تجسد تأثير ميديشي لدى ابن سينا؟
ابن سينا، الذي عاش في العصر العباسي، ألف كتاب القانون في الطب، وهو موسوعة طبية شاملة، ظلت مرجعًا أساسيًّا في الطب في العالم الإسلامي وأوروبا لقرون. هذا العمل لم يكن مجرد تجميع للمعارف الطبية، بل كان ثمرة تلاقح إبداعي بين مجالات مختلفة، ما أنتج نهجًا جديدًا للطب يركز على الإنسان ككل، جسدًا وعقلًا وروحًا.
ابن سينا لم يكن مجرد طبيب أو فيلسوف، بل كان عقلًا تقاطعيًّا جمع بين الطب وعلوم أخرى؛ حيث درس أعمال أبقراط وجالينوس، لكنه أضاف ملاحظاته السريرية الخاصة مضيفًا لها معرفته العميقة في الفلسفة، وعلم النفس، والكيمياء، والمنطق، ليخلق نهجًا شاملًا للطب.
على سبيل المثال، عندما ربط بين الحالة النفسية والصحة الجسدية، كان ينقل مفاهيم من الفلسفة -كفيلسوف متأثر بأرسطو والفلسفة اليونانية وعلم النفس- إلى الممارسة الطبية، وهو ما لم يكن شائعًا في عصره. كذلك، استخدامه للكيمياء في تطوير الأدوية كان نقلًا لمفاهيم من مجال علمي إلى آخر.
مثل عائلة ميديشي، التي جمعت مبدعين من تخصصات مختلفة، كان ابن سينا يحمل في عقله "مجلسًا تقاطعيًّا"، حيث تلاقت الفِكَر من مجالات متنوعة لتنتج إبداعًا غير مسبوق.
كتاب القانون في الطب لم يكن مجرد كتاب طبي، بل كان ثورة فكرية. ظل مرجعًا أساسيًّا في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر، وأثر على تطور الطب الحديث. نهج ابن سينا الشامل يجسد تأثير ميديشي لأنه -كشخص واحد- جمع بين الطب، والفلسفة، وعلم النفس، والكيمياء، والمنطق؛ ليبتكر نهجًا طبيًّا شاملًا أعاد تشكيل فهمنا للصحة.
كما كانت فلورنسا مركزًا للإبداع بفضل التلاقح، كان عقل ابن سينا مركزًا للتقاطعات الفكرية.
الابتكار في التقاطعات يتطلب شجاعة رؤية الأمور من زوايا متعددة، والانخراط في نقاشات مع أشخاص من خلفيات متنوعة. التعلم المستمر، دون التقيد بنمط تفكير واحد، هو مفتاح فتح أفق الإبداع
الشجاعة.. وقود التقاطعات
الإبداع يحدث عندما يربط المرء بين فِكَر من عوالم متباعدة؛ ليخلق شيئًا يغير مسار العلم والمعرفة.
هذا النهج التقاطعي يظهر كيف يمكن لشخصية مثل دافنشي، بمثابة "ميديشي متنقل" داخل عقله، الجمع بين مجالات تبدو غير مترابطة (الفن، والعلم، والهندسة) من خلال الفضول والتفكير متعدد التخصصات؛ ليبدع في إنتاج إسهامات ثورية تتجاوز حدود عصره.
الابتكار في التقاطعات يتطلب شجاعة رؤية الأمور من زوايا متعددة، والانخراط في نقاشات مع أشخاص من خلفيات متنوعة. التعلم المستمر، دون التقيد بنمط تفكير واحد، هو مفتاح فتح أفق الإبداع.
أسوأ مخاطر الإبداع هو التوقف.. جوهانسون يحذر من أن التراخي هو بداية التراجع، فالعالم يتحرك بلا توقف!. الأشخاص الأكثر نشاطًا هم الأكثر مقاومة للشيخوخة والتدهور العقلي. في العمل، يجب تهيئة بيئة تشجع على المخاطرة، تجعل التراخي أصعب من المحاولة.. المخاطر تزيد من الفشل، لكنها أيضًا تزيد من النجاحات، وهذا هو السبيل إلى نهضة جديدة.
دعوة إلى الإبداع
في عالم يزداد تعقيدًا، يقدم جوهانسون رؤية ملهمة: الإبداع ليس حكرًا على العباقرة، بل هو متاح لكل من يجرؤ على استكشاف التقاطعات.
من خلال السباحة في بحر الفكر، وتقبل الفشل، وتنمية الشجاعة والوعي، يمكننا أن نوقظ طاقاتنا ونخلق أفكارًا تغير العالم. فلنكن -كما كانت عائلة ميديشي- جسورًا تربط بين العوالم، ونارًا تشعل فتيل الابتكار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 أيام
- الجزيرة
لمّه.. منصة للإبداع الفلسطيني تحت أغصان الزيتون
في عام 2017، اجتمع نفر من الشباب الفلسطيني والعربي تحت مظلة الشغف بتوفير مساحة للإبداع وتحمل ذكريات الهوية الفلسطينية وأحداثها، ويحدوهم حلم بتنظيم فعاليات إبداعية، وسرعان ما تجسد الحلم على هيئة منصة "لمّه" المستوحاة من تجربة "تديكس" العالمية. ويقول مؤسس المنصة الدكتور محمد عمرو عن هذه التجربة لقد "أردنا أن نمنح الفلسطينيين والعرب المبدعين مساحة للتعبير عن قصصهم وأفكارهم الفنية والأدبية عن فلسطين، وأن نسلّط الضوء على الجانب الإبداعي والإنساني بعيدًا عن صورة الألم والبؤس السائدة عن المخيمات". وتعرف "لمّه" على موقعها الإلكتروني بأنها منصة تهدف إلى إتاحة الفرصة أمام الأجيال ممن هم دون 20 ربيعا حول العالم لنشر الأفكار والقصص والفنون الملهمة في جميع المجالات، بالإضافة إلى نشر الوعي والإلهام والمعرفة والأمل من خلال إيجاد محتوى عربي عصري وتعزيز الحوار الإيجابي حوله. وفي مقابلة مع الجزيرة نت، يشير مؤسس المنصة إلى أن "الهدف الأول من تأسيس المنصة كان إنتاج محتوى باللغة العربية يركّز على البعد الفلسطيني، ولكن بنكهة إبداعية مختلفة عما هو سائد". ويضيف "أردنا منح الشباب الفلسطيني -والعربي عمومًا- فرصة التعبير عن نفسه وفنه وأدبه المتعلق بفلسطين، كما ركزنا على تسليط الضوء على رموز فلسطينية أو عربية مبدعة وغير معروفة لنقدمها للجمهور الواسع". ومن الأهداف كذلك إحياء الذاكرة الفلسطينية والتعريف بتاريخ القضية، خاصة أحداث النكبة وقضية اللاجئين الفلسطينيين. ويشير عمرو إلى أن ما "يهمنا أن نقدم الفلسطيني بصورة مختلفة، صورة المبدع والفنان والكاتب، وليس فقط صورة الألم والمعاناة التي نجدها في كل مراحل الكفاح الفلسطيني". وبيّن أنهم نجحوا في ذلك عن طريق "عرض قصص نجاح الشباب الفلسطيني في الوطن والشتات، ومن ثم تغيير الصورة النمطية وتقديم نماذج قادرة على التأثير والإبداع". وبدأت "لمه" منصة فلسطينية الهوية، لكنها سرعان ما توسعت لتشمل الشباب العربي عمومًا، شريطة أن تكون إسهاماتهم متعلقة بفلسطين، واستضافت المنصة مشاركين من جنسيات مختلفة، وكان أداؤهم مميزًا وملهمًا، مما عزز فكرة التلاقي العربي على أرضية القضية الفلسطينية، حسب ما قاله عمرو للجزيرة نت. المحتوى الذي تهتم به منصة "لمه" يتضمن قصصا مؤثرة استطاعت أن تلامس الجمهور وتثير لديهم مشاعر الانتماء والحنين، واستشهد عمرو في حديثه للجزيرة نت بالعديد من الفعاليات التي تركت أثرا كبيرا في الحضور ولدى المتابعين على وسائل التواصل المختلفة. ويمكن تقسيم المحتوى الذي تعرضه "لمه" إلى 3 محاور: الأفكار الملهمة: كاستضافة مشروعات أو أفكار جديدة تلامس جوهر القضية أو تقدم حلولا إبداعية، مثل أفكار حول التميز والإبداع البشري. الفنون: ويشمل ذلك جميع أنواع الفنون مثل الكاريكاتير، والفنون التشكيلية، والعروض الموسيقية، والغناء، بشرط أن تحمل رسالة وطنية ملتزمة. القصص الإنسانية: ويقصد بها قصص الفلسطينيين والعرب المرتبطة بفلسطين، سواء كانت قصص كفاح أو نجاح في مجال ما أو حتى تجارب إنسانية فردية. ويضيف مؤسس "لمه" أن المنصة لا يقتصر عملها على الفعاليات فقط، بل عملت أيضًا على توثيق الإنتاج الفني الفلسطيني، فجمعت أعمال أكثر من 15 فنان كاريكاتير فلسطينيًا وخصصت لكل منهم "ألبومًا" خاصًا، ووثقت أعمال ما بين 50 و60 فنانًا تشكيليًا، في إطار جهودها لحفظ الذاكرة الفنية الفلسطينية ونقلها للأجيال. الذاكرة الفلسطينية يقول محمد عمرو إن اختيار "لمه" اسما للمنصة يعد تعبيرا عن روح "اللمة" التي "ترمز إلى الحميمية والعائلة في الثقافة الفلسطينية، وهو ما تجسد في اختيار "شجرة الزيتون" شعارا للمنصة، تلك الشجرة التي لا يكاد يخلو منها بيت فلسطيني، والتي تُعد رمزًا للمحبة والحنان والجذور العميقة في الأرض". ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، فأكد مؤسس المنصة أنها ملتزمة بتسليط الضوء على أعمال فنية وأدبية ذات صلة بغزة وفلسطين، وذلك عبر توثيق ونشر كل ما يتعلق بهذه القضايا من فنون وقصص وروايات. وأضاف أنه رغم صعوبة تنظيم فعاليات على الأرض في الوقت الراهن بسبب الظروف الصعبة في القطاع، فإننا "نحاول أن نبقى جزءًا فاعلًا في نقل رسالة الفن والإبداع الفلسطيني مهما كانت التحديات". وأشار عمرو إلى أنهم يعملون على برنامج جديد يتضمن إقامة "لمات" صغيرة في أكثر من مكان، ويحضرها عدد أصغر من المشاركين، وتتجمع لاحقا في "لمة" واحدة جامعة في كل بلد، من أجل إتاحة المجال أمام أكبر عدد من المشاركين، وأصحاب الفكر والفنون والمبدعين. كما أن من البرامج التي تعمل عليها منصة "لمه" هو حفظ الذاكرة الفلسطينية حية بين الأجيال المختلفة، منذ النكبة وحتى الأحداث الجارية، وذلك من خلال الشهادات التي يرويها المعاصرون لها أو من عاشوا أحداثها، في الداخل الفلسطيني أو في الشتات. فريق العمل وتحدث عمرو عن فريق العمل الذي يقف خلف منصة "لمه"، وقال إن "المنصة يديرها فريق أساسي يضم نحو 10 أشخاص من عدة دول، ويتواصلون ويخططون وينسقون معظم أعمالهم افتراضيا عبر الإنترنت". وأضاف "المنصة ليس لها مقرّ ثابت، بل تعتمد مرونة عالية في الانتقال بين البلدان لتنظيم الفعاليات، ففي كل مدينة أو دولة تستعين بفريق دعم محلي يمكن أن يتوسع في المناسبات الكبيرة ليضم ما بين 40 و50 شخصًا، ووصل العدد في إحدى فعاليات لبنان إلى 200 متطوع لإدارة حدث حضره نحو ألفي شخص، مع فرق متخصصة في التنظيم والإعلام والعلاقات العامة والاتصال. كما ذكر أن منصة "لمة" تعتمد على التنقل سنويا بين عواصم ومدن عربية وعالمية، إذ أقيمت فعاليات في إسطنبول وعمان وبيروت والخليل. وصرح عمرو بأنهم يخططون إلى تنظيم حدثها القادم في الدوحة، مشيرا إلى أن كل فعالية تحمل طابع المدينة المستضيفة وتستجيب للاحتياجات التنظيمية المحلية، مع الحفاظ على جوهر "لمة" ورسالتها. أما في ما يتعلق بتمويل الفعاليات والأنشطة التي تقدمها "لمه"، فأكد مؤسسها أن "لمه" منصة غير ربحية ولا تتقاضى رسوما من المشاركين أو الحضور، كما لا تقدم مبالغ مالية للمشاركين. مبينا أن التمويل "يعتمد على الدعم الذاتي بشكل أساسي، إلى جانب الرعايات المجتمعية المحلية لكل فعالية.


الجزيرة
منذ 7 أيام
- الجزيرة
تأثير "ميديشي".. كيف نفجّر طاقاتنا لخلق أفكار إبداعية؟!
في عالم يتسارع نبضه وتتشابك خيوطه، يبرز سؤال جوهري: كيف نطلق العنان للطاقات الكامنة فينا لنخلق أفكارًا إبداعية تحدث تغييرًا حقيقيًا؟ وكيف ننقل تلك الأفكار من أفق الخيال إلى أرض الواقع؟ في كتابه الملهم، يأخذنا الكاتب فرانز جوهانسون في رحلة فكرية ممتعة تحت عنوان "تأثير ميديشي"، يستكشف فيها أسرار الإبداع، مستلهمًا من تأثير "ميديشي"، تلك الظاهرة التي أشعلت شرارة النهضة في فلورنسا القرن الخامس عشر، ليقدم لنا خريطة طريق عملية لإعادة إحياء تلك الروح الإبداعية في عصرنا الحديث. الإبداع، كما يصفه جوهانسون، ليس مسارًا خطيًّا يتبع خطوات معروفة، بل هو مغامرة في بحر التقاطعات، حيث تتلاقى أفكار من مجالات متباينة لتنتج ما هو جديد ومدهش تأثير ميديشي.. عندما تتلاقى العوالم في قلب مدينة فلورنسا الإيطالية، حيث ازدهرت عائلة ميديشي، تجلت واحدة من أروع فترات الإبداع في تاريخ البشرية. لم تكن هذه العائلة مجرد رعاة للفنون والعلوم، بل كانت جسورًا حية تربط بين عوالم متباعدة؛ ففيها الرسامون، والنحاتون، والفلاسفة، والمعماريون، جميعهم التفوا حول موائد النقاش، يتبادلون الفِكَر كما يتبادل التجار الكنوز، ومن هذا التلاقح، انبثقت أفكار غيرت وجه العالم. يرى جوهانسون أن هذا "التقاطع" -حيث تلتقي المفاهيم من مجالات مختلفة- هو مفتاح الإبداع الحقيقي؛ فعندما ننقل فكرة من حقل إلى آخر، كما فعل المعماري ميك بيرس حين استلهم من أبراج النمل الأبيض تصميم مبنى موفر للطاقة في هراري، تتولد ابتكارات لم تكن لترى النور لولا هذا التلاقح. الإبداع، كما يصفه جوهانسون، ليس مسارًا خطيًّا يتبع خطوات معروفة، بل هو مغامرة في بحر التقاطعات، حيث تتلاقى أفكار من مجالات متباينة لتنتج ما هو جديد ومدهش. التفكير الاتجاهي، ذلك الذي يسير في مسارات مألوفة، قد يكون آمنًا، لكنه يحد من الابتكار. أما التفكير التقاطعي، فهو كالريح التي تهب من زوايا غير متوقعة، تجمع بين أفكار تبدو غريبة عن بعضها، لتخلق ما يصعب على المنافسين توقعه. ليوناردو دا فينشي، رجل النهضة العظيم، كان يرى أن فهم الشيء يتطلب رؤيته من زوايا متعددة. وهكذا، يدعونا جوهانسون لنكون سباحين ماهرين في هذا البحر، نستكشف الثقافات، ونتحدى الافتراضات، ونبحث عن نقاط الالتقاء. فالعظماء، مثل أينشتاين وبيكاسو وإديسون، لم يكونوا مجرد موهوبين بالفطرة، بل كانوا "منتجين غزيرين"، حياتهم مليئة بالمحاولات، بالنجاحات والإخفاقات على حد سواء.. إنها لعبة الأرقام. كلما زادت فِكَرك، زادت فرصك في الوصول إلى الفِكَر الرائدة!. التفكير التقاطعي يعزز هذه الوفرة، فكلما دمجت بين مجالات أو ثقافات مختلفة، تضاعفت الإمكانات كما تتضاعف الألوان في لوحة فنان. إن مزج نوعين من الموسيقى -على سبيل المثال- لا ينتج مجرد مجموع بسيط، بل يفتح آفاقًا جديدة تمامًا. الإبداع يحتاج إلى وقت ووعي، والضغط والمواعيد النهائية قد تكبل العقل، بينما الفسحة تمنحه حرية التحليق. ينصح جوهانسون بأخذ استراحات لإعادة تقييم الفِكَر، فالبعد عن فكرة ما يمنحنا منظورًا جديدًا. كما يدعو إلى تنمية الوعي، ذلك الذي يجعلنا نرى التقاطعات في كل مكان. توماس إديسون وتشارلز داروين -على سبيل المثال- كانا يدونان ملاحظاتهما بعناية، يعيدان النظر فيها باستمرار، ما سمح لهما بصقل فِكَرهما. في عصرنا، يمكن لتطبيقات مثل تدوين المهام والتنظيم والأرشفة أن تكون خزانة رقمية لفِكَرنا، تجمع الاقتباسات، والصور، والملاحظات، لنستعيدها حين نحتاجها. مثل عائلة ميديشي، التي جمعت مبدعين من تخصصات مختلفة، كان ابن سينا يحمل في عقله "مجلسًا تقاطعيًّا"، حيث تلاقت الفِكَر من مجالات متنوعة لتنتج إبداعًا غير مسبوق كيف تجسد تأثير ميديشي لدى ابن سينا؟ ابن سينا، الذي عاش في العصر العباسي، ألف كتاب القانون في الطب، وهو موسوعة طبية شاملة، ظلت مرجعًا أساسيًّا في الطب في العالم الإسلامي وأوروبا لقرون. هذا العمل لم يكن مجرد تجميع للمعارف الطبية، بل كان ثمرة تلاقح إبداعي بين مجالات مختلفة، ما أنتج نهجًا جديدًا للطب يركز على الإنسان ككل، جسدًا وعقلًا وروحًا. ابن سينا لم يكن مجرد طبيب أو فيلسوف، بل كان عقلًا تقاطعيًّا جمع بين الطب وعلوم أخرى؛ حيث درس أعمال أبقراط وجالينوس، لكنه أضاف ملاحظاته السريرية الخاصة مضيفًا لها معرفته العميقة في الفلسفة، وعلم النفس، والكيمياء، والمنطق، ليخلق نهجًا شاملًا للطب. على سبيل المثال، عندما ربط بين الحالة النفسية والصحة الجسدية، كان ينقل مفاهيم من الفلسفة -كفيلسوف متأثر بأرسطو والفلسفة اليونانية وعلم النفس- إلى الممارسة الطبية، وهو ما لم يكن شائعًا في عصره. كذلك، استخدامه للكيمياء في تطوير الأدوية كان نقلًا لمفاهيم من مجال علمي إلى آخر. مثل عائلة ميديشي، التي جمعت مبدعين من تخصصات مختلفة، كان ابن سينا يحمل في عقله "مجلسًا تقاطعيًّا"، حيث تلاقت الفِكَر من مجالات متنوعة لتنتج إبداعًا غير مسبوق. كتاب القانون في الطب لم يكن مجرد كتاب طبي، بل كان ثورة فكرية. ظل مرجعًا أساسيًّا في الجامعات الأوروبية حتى القرن السابع عشر، وأثر على تطور الطب الحديث. نهج ابن سينا الشامل يجسد تأثير ميديشي لأنه -كشخص واحد- جمع بين الطب، والفلسفة، وعلم النفس، والكيمياء، والمنطق؛ ليبتكر نهجًا طبيًّا شاملًا أعاد تشكيل فهمنا للصحة. كما كانت فلورنسا مركزًا للإبداع بفضل التلاقح، كان عقل ابن سينا مركزًا للتقاطعات الفكرية. الابتكار في التقاطعات يتطلب شجاعة رؤية الأمور من زوايا متعددة، والانخراط في نقاشات مع أشخاص من خلفيات متنوعة. التعلم المستمر، دون التقيد بنمط تفكير واحد، هو مفتاح فتح أفق الإبداع الشجاعة.. وقود التقاطعات الإبداع يحدث عندما يربط المرء بين فِكَر من عوالم متباعدة؛ ليخلق شيئًا يغير مسار العلم والمعرفة. هذا النهج التقاطعي يظهر كيف يمكن لشخصية مثل دافنشي، بمثابة "ميديشي متنقل" داخل عقله، الجمع بين مجالات تبدو غير مترابطة (الفن، والعلم، والهندسة) من خلال الفضول والتفكير متعدد التخصصات؛ ليبدع في إنتاج إسهامات ثورية تتجاوز حدود عصره. الابتكار في التقاطعات يتطلب شجاعة رؤية الأمور من زوايا متعددة، والانخراط في نقاشات مع أشخاص من خلفيات متنوعة. التعلم المستمر، دون التقيد بنمط تفكير واحد، هو مفتاح فتح أفق الإبداع. أسوأ مخاطر الإبداع هو التوقف.. جوهانسون يحذر من أن التراخي هو بداية التراجع، فالعالم يتحرك بلا توقف!. الأشخاص الأكثر نشاطًا هم الأكثر مقاومة للشيخوخة والتدهور العقلي. في العمل، يجب تهيئة بيئة تشجع على المخاطرة، تجعل التراخي أصعب من المحاولة.. المخاطر تزيد من الفشل، لكنها أيضًا تزيد من النجاحات، وهذا هو السبيل إلى نهضة جديدة. دعوة إلى الإبداع في عالم يزداد تعقيدًا، يقدم جوهانسون رؤية ملهمة: الإبداع ليس حكرًا على العباقرة، بل هو متاح لكل من يجرؤ على استكشاف التقاطعات. من خلال السباحة في بحر الفكر، وتقبل الفشل، وتنمية الشجاعة والوعي، يمكننا أن نوقظ طاقاتنا ونخلق أفكارًا تغير العالم. فلنكن -كما كانت عائلة ميديشي- جسورًا تربط بين العوالم، ونارًا تشعل فتيل الابتكار.


الجزيرة
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
بعد جدل ومنع.. مؤرخ إيطالي يدخل "الشوك والقرنفل" لجامعة لا سابينزا
شكلت الدعوة التي وجهها المؤرخ الإيطالي والأكاديمي البارز المختص بالتاريخ الإسلامي، ماركو دي برانكو، لتقديم رواية "الشوك والقرنفل" للقائد الفلسطيني الراحل يحيى السنوار في جامعة لا سابينزا الإيطالية، مفاجأة لجميع المراقبين في الساحة الثقافية الإيطالية، خصوصا أن الحدث الذي احتضنته الجامعة يوم 5 مايو/أيار الماضي، بحضور الناشر دافيدي بيكاردو، تناول عملا لم يتوقف عن إثارة الجدل منذ صدوره بالترجمة الإيطالية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي عن دار لا لوتشي بميلانو. الترجمة التي تعد الأولى لكتاب السنوار في دولة غربية أثارت لغطا واسعا، منذ أن حط الناشر ضيفا على البرنامج الإذاعي الأشهر في إيطاليا La zanzara للإعلان عن صدورها حيث اتهمه في الحلقة الإعلامي دافيد بارينزو أنه "يروج للإرهاب"، في حين أكد بيكاردو أن "السنوار شخصية ملهمة لا تقل تأثيرا عن تشي غيفارا في الوجدان الإنساني المقاوم"، واعتبر أن "تجاهل النتاج الفكري والابداعي للشهيد السنوار يعد خسارة لكل من يرغب في الاطلاع على تاريخ النضال الفلسطيني". إلا أن الزوبعة التي أثارها العمل ودفعه لتصدر عناوين كافة الجرائد الإيطالية الكبرى كانت نهاية شهر فبراير/شباط الماضي عندما أعلنت دار النشر عن تقديم الرواية في جامعة لاسابينزا بروما في حدث من تنظيم "الطلبة الفلسطينيين بإيطاليا"، لتشنّ مباشرة بعدها الصحافة اليمينية والجالية اليهودية في إيطاليا حملة على الناشر والجامعة لسماحها ببرمجة اللقاء، وتخرج جامعة لا سابينزا بعدها بأيام وتعلن عن إلغاء الحدث بدعوى أنها لم تكن مطلعة على كافة حيثياته، وبالتزامن مع ذلك أوقفت منصة أمازون بيع الكتاب. تداعيات الأزمة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تفاقمت بعد أن أصر "الطلبة الفلسطينيون بإيطاليا" على انعقاد الحدث بنفس اليوم (5 مارس/أذار) ولكن في قاعة أخرى يسيّرها طلبة إيطاليون من تشكيلات يسارية، وذلك رغم منع الجامعة رسميا احتضان النشاط، وهو ما أثار جدلا واسعا على وسائل الإعلام حول التداعيات التي من شأنها أن تخلفها الندوة التي كان من المفترض أن يقدمها دافيدي بيكاردو، رفقة مايا عيسى ناشطة ممثلة لـ "الطلبة الفلسطينيين بإيطاليا". عقب ذلك بأيام قليلة شهدت الأحداث انعطافة غير متوقعة عندما أعلنت ممثلية عن التشكيلات اليسارية لطلبة الجامعة عن رفضها منح القاعة لإقامة الندوة. وقد خرجت بمنشور مطول على أنستغرام تبرر خطوتها المفاجئة، من بين ما أتى فيه أن ناشر كتاب السنوار الإيطالي لا يدعم مثليي الجنس وهو ما اعتبروه "خيانة لنضالات المضطهدين في العالم". ليخرج دافيدي بيكاردو بعدها بافتتاحية على صحيفة لا لوتشي اتهم فيها هذه التشكيلة اليسارية بتعريض كتاب السنوار لمنع ثلاثي بعد المنع الصهيوني واليميني، وأطلق عليهم اسم "الكولونياليين الذين يزعمون محاربة الكولونيالية"، وندد بممارستهم للاستعمار الثقافي وبازدرائهم لديانة الشعب الفلسطيني، ودعاهم للتخلص من أوهامهم الأيديولوجية وسعيهم المحموم لفرض توجهاتهم على بقية الشعوب. إعلان وفي الوقت الذي بدا فيه أن الأحداث قد بلغت مداها، بفرض حصار تام وعزل كامل لرواية السنوار من جميع الأطراف في إيطاليا، خرج الأكاديمي والمؤرخ البارز ماركو دي برانكو، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة لا سابينزا، ليعلن عن تنظيم تقديم لكتاب يحيى السنوار في الجامعة ضمن لقاء تواجد فيه الناشر دافيدي بيكاردو، وعدد من أساتذة القسم، بحضور طلابي كبير. حِسّ المؤرخ الرصين الذي لا يؤمن بحظر أي سردية من شأنها أن تساهم في تشكيل صورة كاملة عن أي حقبة تاريخية مهما كانت حدة الصراعات الأيديولوجية والسياسية التي تحفها، كان هو بطل الحدث الذي جرى ضمن أجواء علمية هادئة، ظهرت فيها المسؤولية الأخلاقية لدي دي برانكو حيال تاريخ الشعب الفلسطيني الذي يكتبه اليوم بدمائه: "في هذه اللحظة المفصلية والمأساوية التي يعيشها العالم لا يمكن أن ندّعي بأن لا شيء يحدث من حولنا وذلك ليس من منظور سياسي فحسب بل من منظور يتعلق بكتابة التاريخ نفسه". وواصل المؤرخ الإيطالي تقديمه "للشوك والقرنفل" مؤكدا على أهمية رواية السنوار لناحية الظروف المحيطة بتلقيها في إيطاليا: "وعلى الرغم من أنني مختصّ بتاريخ القرون الوسطى إلى أن النص الذي نناقشه اليوم تنبع أهميته من كونه يعد من دون أدنى شك وثيقة تاريخية، تعرضت لنوع من أنواع الحظر الناعم". وندد الأكاديمي الإيطالي، الذي يعد من أبرز وجوه جامعة لا سابينزا التي تضم أكبر عدد من الطلبة في إيطاليا، بالمنع الذي أحاط بخلفيات تقديم كتاب السنوار قبل أسابيع: "هذا المنع مرفوض خصوصا أن إدارة الجامعة نفسها لا تزال تقيم علاقات مع الجامعات الإسرائيلية زاعمة بأن ذلك يصب في إطار دعم جهود السلام وأن الثقافة لابد أن تعلو عن السياسة، لكن عندما تجري محاولة تقديم السردية المقابلة يتم حظرها بالشكل الذي رأيناه جميعا". ودعا المؤرخ لاحترام وجهات النظر جميعها من خلال اعتماد النهج العلمي ومحاولة فهم وجهات نظر جميع الأطراف: "لذلك أجدني اليوم أدعو دافيدي بيكاردو الذي قرر في هذه اللحظة المأساوية من التاريخ الفلسطيني نشر رواية يحيى السنوار، القائد السياسي لحركة حماس". ووصف دي برانكو نص السنوار بأنه: "نص شديد الأهمية لأنه يشكل تقريرا مفصلا عن حياة شباب فلسطيني يعيش تحت الاحتلال كتب نصه من داخل السجن"، وشدد دي برانكو على أننا أمام وثيقة تاريخية أساسية من شأنها أن تفيد المؤرخين في المستقبل لكتابة التاريخ الفلسطيني: "بعد خمسين أو مائة عام من اليوم سيخبرنا هذا النص ما الذي يعنيه الاحتلال الذي تعرضت له فلسطين". وفي سياق تقديم بيكاردو للنص شدد هذا الأخير على خلو الرواية من أي مشاعر للحقد أو الكراهية بل العكس تماما حيث كانت تكتنف العمل مشاعر المؤمن المطمئن لقضاء الله. ليستطرد مباشرة دي برانكو في أن السنوار كان يواجه في روايته مفهوم "المكتوب" في الثقافة العربية، وأن عاطفة الكاتب الهادئة كما ظهرت في النص، من شأنها أن تثير استغراب القارئ الغربي لكونه لا يشف عن أي مشاعر كره لليهود أو ما يعرف بمعاداة السامية، وهو ما اعتبره المؤرخ الميزة الأبرز في العمل. من جهته عبر دافيدي بيكاردو عقب الندوة، في منشور تناقلته وسائل الإعلام، عن تقديره لشجاعة الدكتور ماركو دي برانكو في استقبال رواية السنوار "التي تعرضت للشيطنة والمنع"، وهي الخطوة التي مسحت بحسب بيان بيكاردو عار الجامعة الإيطالية. ليخرج بعدها، لوكا سبيزيكينو، رئيس "اتحاد الشبيبة اليهودية في إيطاليا" على جريدة "إل فوليو" اليمينية، ويعتبر ما حصل في لا سابينزا على يدي دي برانكو "تجاوزا صارخا لكل الخطوط الحمر". يذكر أن ماركو دي برانكو (1966) هو أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة لا سابينزا، من بين إصداراته "قصص عربية عن الإغريق والرومان: اليونان وروما في القصص العربية في القرون الوسطى" (2004)، "إبن تيمية: رسالة إلى قائد صليبي. ترجمة وتعليق" (2004)، "الإسكندر الأكبر: بطل عربي في القرون الوسطى" (2011)، وترجمة النص الأندلسي "كتاب هروشيوش" (2024) الحائزة مؤخرا على جائزة الشيخ زايد للترجمة.