
أحداث الساحل بين تقريري دمشق والأمم المتحدة.. تشابه في النتائج وانتظار لإجراءات العدالة
التقرير الأممي الصادر في ظرف انتقالي بالغ التعقيد يضع روايته جنبا إلى جنب الرواية الوطنية، كاشفا عن تقاطعات لافتة في توصيف حجم الانتهاكات وخطورتها، ويبرز -في المقابل- تباينات في قراءة الدوافع وتحديد المسؤوليات.
وفي حين أن التوازي بين التحقيقين يسلط الضوء على تنوع المنهجيات واختلاف زوايا النظر، فإنه يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق عما إذا كانت هذه النتائج ستتحول إلى خطوات ملموسة نحو العدالة المنشودة.
من يتحمل المسؤولية؟
في مارس/آذار الماضي، أسفرت المواجهات عن سقوط مئات الضحايا في مدن وبلدات اللاذقية وطرطوس، معظمهم من المدنيين، وسط اعتراف من الحكومة السورية بارتكاب عناصر في الجيش انتهاكات، مما دفعها لتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات ما حدث، وتحديد هوية المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات من الطرفين.
ورغم تقاطع نتائج عمل اللجنتين الوطنية والدولية في توصيف حجم الانتهاكات وخطورتها، فإن جوهر الجدل تمحور حول سؤال من يتحمل مسؤولية الانتهاكات التي جرت في الساحل السوري؟
وخلص تقرير لجنة التحقيق الأممية إلى أن جرائم حرب ارتكبها طرفا الصراع، بيد أنه أوضح أنه لم يجد دليلا على وجود سياسة أو خطة حكومية منظمة لتنفيذ تلك الهجمات، مرجحا أن ما وقع كان نتيجة أفعال مجموعات شاركت في العمليات العسكرية ولم تلتزم بالأوامر التزاما جيدا.
بالتوازي مع ذلك، حمّل تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق "فلول النظام السابق" المسؤولية الأساسية، متهما إياهم بتنفيذ سلسلة هجمات منسقة في السادس من مارس/آذار استهدفت مواقع أمنية وعسكرية، وأسفرت -وفق تقديرات اللجنة- عن مقتل 238 عنصرا من الجيش والأمن، بعضهم أُعدم ميدانيا وهم أسرى أو جرحى.
وأوضح التقرير أن الرد العسكري الحكومي -الذي تضمن مشاركة قوات نظامية وفصائل محلية- شهد بدوره تجاوزات واسعة النطاق أودت بحياة 1426 شخصا معظمهم من المدنيين، بينهم 90 امرأة، بعضها وقعت بعد توقف المعارك نتيجة حملات تفتيش وانتقام نفذتها مجموعات غير منضبطة.
وفي هذا السياق، يشير المحامي والمستشار في القانون الجنائي الدولي محمد الحربلية إلى أن تقرير لجنة التحقيق الدولية وزّع المسؤولية بين مقاتلي النظام السابق وعناصر من فصائل تم دمجها في القوات الحكومية، إضافة إلى أفراد عاديين انخرطوا في العمليات، معتبرا أن بعض الجرائم ارتُكبت بطريقة ممنهجة وعلى أساس الانتماء الديني، مما يشي بضلوع مسؤولين في مواقع قيادية.
وفي المقابل، يلفت الحربلية -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن التقرير الوطني اعتبر الانتهاكات التي ارتكبها مقاتلون من الفصائل أو مجموعات مستقلة "أفعالا فردية وغير ممنهجة"، ولا تعكس سياسة معتمدة من جانب الحكومة، وإن كانت قد أسهمت في اتساع دائرة الانتهاكات.
تباين في توصيف الدوافع
وفي حين يتفق التقريران الأممي والوطني على خطورة ما جرى في الساحل السوري خلال آذار/مارس الماضي، فإنهما يختلفان في توصيف طبيعة تلك الأحداث وأهدافها، إذ لا يقتصر هذا التباين على التفاصيل الميدانية، بل يمتد إلى تفسير الخلفيات السياسية والعسكرية.
من جانبه، أشار تقرير اللجنة الوطنية إلى أن ما جرى كان "محاولة انقلابية" منظمة، موضحا أن الهجمات التي استهدفت قوات الأمن والحواجز العسكرية، وتدمير 6 مستشفيات، واستهداف المدنيين، وقطع الطرق الرئيسية، جاءت ضمن خطة للسيطرة على أجزاء من الساحل وفصلها عن الدولة.
وتدعم هذه الرواية تصريحات وزير الداخلية السوري أنس خطاب، الذي أعلن في 16 أبريل/نيسان أن الحكومة السورية أنهت "مشروع انقلاب" كان يجري التحضير له على يد مجموعة من ضباط النظام السابق.
في المقابل، لا يتبنى تقرير لجنة التحقيق الأممية هذا التوصيف، ولا يشير إلى وجود محاولة لعزل الساحل، بل يضع ما حدث في سياق أوسع يتعلق بمسار العدالة الانتقالية، مسلطا الضوء على أن أغلب من كان في الجيش والأمن السابقين ينتمون للطائفة العلوية.
ويوضح رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن التقرير الدولي يربط أحداث الساحل بغياب إطار واضح للعدالة الانتقالية بعد سقوط الأسد، مما دفع بعض الأفراد إلى تطبيق القانون بأيديهم، ويتطرق أيضا إلى وقائع سابقة للأحداث.
وأشار عبد الغني -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن التقرير الأممي يتضمن نقطة إيجابية لمصلحة الحكومة السورية، إذ سمحت للجنة بدخول المنطقة وتسجيل ملاحظاتها وتسهيل مهمتها، بخلاف النظام السابق الذي كان يمنعها من دخول البلاد.
ووفقا لتحقيق بثته الجزيرة، فإن التمرد في الساحل كان أقرب إلى محاولة انقلاب منظم، إذ قسّم قائد أركان الفرقة الرابعة في جيش النظام السابق، غياث دلا ، قواته إلى 3 مجموعات: "درع الأسد"، و"لواء الجبل"، و"درع الساحل"، وسيطرت هذه القوات على نقاط مفصلية داخل مدن ومراكز محافظتي اللاذقية وطرطوس، قبل أن تتمكن قوات وزارتي الدفاع والداخلية والمجموعات الموالية لهما من إفشال المخطط.
التوصيف القانوني للانتهاكات
لا يقتصر الفرق بين استنتاجات اللجنة الوطنية ولجنة التحقيق الأممية على جانب من توصيف ما حدث، بل يمتد إلى التوصيف القانوني للانتهاكات التي شهدها الساحل السوري وإلى الإطار التشريعي الذي ينبغي أن يُعتمد عند الحكم على الأحداث.
من ناحيتها، اعتمدت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق في توصيفها على قانون العقوبات السوري وقانون العقوبات العسكري، معتبرة أن ما جرى يندرج تحت جرائم القتل العمد، والتعذيب، والشتم بعبارات طائفية، ومحاولة سلخ جزء من أراضي الدولة، وإثارة النزاعات الطائفية، والسلب، وتخريب الممتلكات، ومخالفة الأوامر العسكرية.
أما لجنة التحقيق الأممية فقد اختارت إطارا أوسع، وصنفت الانتهاكات على أنها جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ، مستندة إلى أحكام القانون الجنائي الدولي العرفي، نظرا لمحدودية تطبيق معاهدات الجرائم الدولية في سوريا، وما تتيحه المعايير الدولية من آفاق أوسع للمساءلة أمام هيئات قضائية عالمية.
وفي هذا السياق، يوضح الحربلية أن هذا التباين يعكس اختلافا جوهريا في المرجعيات، إذ يمنح التوصيف الأممي إمكانية ملاحقة المسؤولين على الصعيد الدولي، بينما يقيد التوصيف الوطني إجراءات المحاسبة بإطار محلي.
وكانت اللجنة الوطنية نفسها أقرت -في أثناء مؤتمرها الصحفي الذي عرضت فيه نتائج التحقيق- بضرورة مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا، وفقا لمقتضيات الإعلان الدستوري ، وهو ما يتطلب استكمال تشكيل السلطة التشريعية لإجراء الإصلاحات اللازمة.
وفي هذا السياق، شدد تقرير صادر عن المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون على أن غياب المواءمة بين القوانين الوطنية السورية والمعايير الدولية للعدالة الجنائية يعوق محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، ويفتح الباب للإفلات من العقاب.
من جانبه، شدد رئيس اللجنة الوطنية، جمعة العنزي، في مقابلة سابقة مع الجزيرة، على أن عمل اللجنة تم "بكل شفافية" وبلا أي تدخل حكومي، وأنها سلمت أسماء المتورطين إلى النيابة العامة قبل صدور التقرير لفتح تحقيقات رسمية.
بين الترحيب وتحمل المسؤولية
لم يقتصر تفاعل الحكومة السورية مع تقرير لجنة التحقيق الأممية على التصريحات البروتوكولية، بل اتخذ شكلا أقرب إلى تبني جزء كبير من مضمونه وتوصياته، في خطوة رآها مراقبون رسالة سياسية للمجتمع الدولي بشأن جديتها في التعاون والالتزام بمعايير العدالة.
وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني عن شكره لرئيس لجنة التحقيق الأممية باولو سيرجيو بينيرو على "جهوده في إعداد التقرير الأخير حول أحداث الساحل"، معتبرا أن ما ورد فيه "ينسجم مع تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة".
وفي بيان صادر عن الخارجية السورية، أكد الشيباني أن الحكومة "تأخذ على محمل الجد الانتهاكات المزعومة" الواردة في التقرير، كما شدد على التزام بلاده بدمج توصيات اللجنة الدولية ضمن مسار بناء المؤسسات وترسيخ دولة القانون.
من ناحيته، يرى الحقوقي فادي موصلي -في حديثه للجزيرة نت- أن ترحيب الخارجية السورية بالتقرير الأممي "يوجه رسالة للمجتمع الدولي بأن الحكومة الجديدة ملتزمة بالتعاون مع المنظمات الدولية واحترام القانون الدولي"، ما يعزز -برأيه- شرعيتها على المستوى الخارجي.
وأشار موصلي إلى أن تعزيز الشفافية والسير نحو طريق أفضل على مستوى تحقيق العدالة يتطلب خطوات عملية، مثل نشر المنهجية الحكومية الكاملة، وإعلان أسماء الموقوفين والتهم الموجهة إليهم، وإنشاء آلية شكاوى للضحايا، إضافة إلى إشراك ممثلي الأقليات في مراقبة قطاع الأمن وتدقيق انتساب الأفراد إلى التشكيلات العسكرية والأمنية.
من جهته، يشدد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن على الحكومة السورية البناء على هذا التحقيق، وعدم الاكتفاء بنتائج لجنة التحقيق الوطنية، بل الجمع بين التقريرين، إضافة إلى تقارير الشبكة ومنظمات أخرى، بهدف المحاسبة وتعويض الضحايا والاعتراف بما جرى.
إعلان
ودعا إلى حماية المقابر الجماعية ، واتخاذ خطوات لإعادة الثقة بين الأهالي، خاصة في أوساط المجتمع العلوي، ووقف التحريض الطائفي أو الكراهية، مع إشراك القيادات المجتمعية والدينية في جهود المصالحة.
وكان المتحدث باسم لجنة التحقيق الوطنية، ياسر الفرحان، أكد في تصريحات صحفية، أمس الخميس، أن الحكومة بدأت التحقيق مع الموقوفين على خلفية هذه الأحداث، مشددا على أن مساءلة المتورطين تمثل "أولوية قصوى". وأشار الفرحان إلى أن توصيات اللجنة الوطنية تتفق مع توصيات اللجنة الأممية، وأن الإجراءات الحكومية المتخذة حيال أحداث الساحل تمثل "خطوة غير مسبوقة نحو تحقيق العدالة".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
حماس والجهاد الإسلامي تدينان العملية الإسرائيلية شمال قطاع غزة
دانت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) و الجهاد الإسلامي الخطط الإسرائيلية للهجدوم على حي الزيتون شمال قطاع غزة ، وسعى الاحتلال لتهجير سكانه. وقالت حماس في بيان إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن هجوما وحشيا منذ أسبوع على أحياء غزة الشرقية والجنوبية ضمن مخطط إبادة وتدمير شامل للحياة. وأشارت الحركة أن الطائرات الحربية والمدفعية والروبوتات المتفجرة تعمل على تدمير ممنهج لحي الزيتون، "ضمن حرب الإبادة الوحشية والمخطط الإجرامي الساعي لتدمير قطاع غزة وكل صور ووسائل الحياة فيه". وأضافت الحركة أن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب ، المتكرر عن هجوم درسدن، والذي تترجمه جرائم جيشه الإرهابي على الأرض من خلال القصف المتواصل والمجازر وقتل وتشريد السكان جنوب غزة؛ يؤكّد أننا أمام فصل جديد ووحشي من الانتهاكات بحق المدنيين الأبرياء والبنية التحية. وأوضحت حماس أن استمرار جرائم الاحتلال خلال 22 شهرا ما كان ليحدث لولا ضوء أخضر أميركي، وطالبت الإدارة الأميركية بمراجعة سياساتها التي تجعلها شريكا فعليا في حرب إبادة لن يغفر التاريخ للمسؤولين عنها. ودعت الحركة المجتمع الدولي و الأمم المتحدة والدول العربية والإسلامية، لمغادرة مربع الصمت والعمل لوقف جريمة الاحتلال الفاشي التي يرتكبها في مدينة غزة وعموم القطاع بهدف تحقيق حلم " إسرائيل الكبرى". وأهابت حماس بالشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم الانتفاض نصرة لغزة ورفضا للمجازر وتصعيد الاحتجاج لوقف الإبادة، والنزول إلى الساحات والميادين وتشكيل أكبر ضغط لوقف حرب الإبادة المستمرة في القطاع. الجهاد الإسلامي وفي ذات السياق قالت حركة الجهاد الإسلامي إن إعلان جيش الاحتلال عن إدخال خيام إلى جنوب القطاع، في إطار "هجومه الوحشي لاحتلال مدينة غزة هو استهزاء فجّ ووقح بالمواثيق الدولية وامتهانا صارخا لما يسمى بالمؤسسات الأممية". وأشارت الحركة إلى أن فرض تهجير السكان وسط معاناة مفتوحة من التجويع والمجازر والتشريد، يمثل جريمة متواصلة بحق الإنسانية. وانتقد بيان لحركة المجتمع الدولي، موضحة أننا "أمام انكشاف كامل لعجز المجتمع الدولي ومؤسساته التي تكتفي بالتصريحات المكرّرة فيما يواصل الاحتلال فرض وقائع على الأرض بوحشية غير مسبوقة". واعتبرت الحركة أن "الصمت الدولي إزاء هذه الجرائم لا يعني سوى تشجيع الكيان المجرم على الاستمرار في سياساته العدوانية". ودعت القوى الحية والشعوب الحرة حول العالم أن ترفع الصوت عاليا رفضا لهذه السياسات. يذكر أنه من المقرر أن يصادق جيش الاحتلال غدا الأحد على خطة لاقتحام مدينة غزة ومن ضمنها حي الزيتون، وكان قد أعلن في وقت سابق أنه سيزود سكان القطاع بخيام ومعدات إيواء ابتداء من يوم غد الأحد استعدادا لتهجيرهم من مناطق القتال إلى جنوب القطاع. يذكر أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية كانت قد ذكرت أن أنصار الحرب على قطاع غزة في الحكومة والمجتمع الإسرائيلي يرون أن على إسرائيل أن تفعل بحركة حماس وسكان القطاع مثلما فعلت القوات البريطانية والأميركية من قصف مكثف على مدينة دريسدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية في 13 فبراير/شباط 1945.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
تحركات "قسد" نحو مناطق دمشق.. مناوشة عابرة أم تكتيك لمسار جديد؟
الحسكة- بعد أيام من محاولات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التمدد في مناطق سيطرة الحكومة السورية، يتجدد الجدل حول دوافعها وحدودها واحتمالات التصعيد المقبل. وشهدت خطوط التماس بين الجيش السوري و"قسد" شمالي البلاد مناوشات متقطعة، فتحت الباب أمام تساؤلات أوسع عن مستقبل العلاقة بين الطرفين. وجاءت الاشتباكات الأخيرة، الأربعاء، وسط تصاعد التوترات السياسية، مما دفع مراقبين إلى اعتبارها رسائل ضغط محسوبة، بينما يُحذِّر آخرون من انزلاق نحو صدام أشمل. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل تمثل هذه التحركات مجرد تكتيك عابر، أم بداية لتحول إستراتيجي في مسار العلاقة بين دمشق وقسد؟ اتهامات ورسائل من جهتها، وصفت دمشق الحادث بأنه "عمل عسكري منظم"، مؤكدة أن "قسد" تواصل خرق الاتفاقات، وأنها سترد على أي هجوم جديد لحماية قواتها. وقالت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية للجزيرة نت إن تسلّل مجموعتين من "قسد" إلى نقاط انتشاره في تل ماعز شرقي حلب كان "عملية منظمة" لا حادثا عرضيا. وفي المقابل، اتهمت "قسد" مجموعات "غير منضبطة" تابعة للحكومة السورية باستفزازها في محور دير حافر وحلب. وقالت في بيان لها إن التحركات تضمنت تحليق طائرات مُسيَّرة تابعة لتلك المجموعات، واعتبرت ذلك انتهاكا لوقف إطلاق النار وتهديدا للمدنيين. ويرى المحلل السياسي بسام سليمان أن التصعيد مرتبط بتوتر مسار التفاوض، إذ قرأت "قسد" التحولات الإقليمية والدعوة الفرنسية "بشكل مختلف، وروّجت لنفسها كبديل عن الحكومة". ويشير إلى أن "قسد" تريد بعث رسائل بأن سوريا تحت حكم هذه السلطة غير مستقرة، وفي الوقت نفسه تروج لنفسها عبر المؤتمر الذي عقد في الحسكة أنها تحتوي على جميع مكونات الشعب السوري. وأضاف للجزيرة نت أن "قسد" تسعى لإظهار دمشق كتهديد للمكونات، في حين تقدم نفسها كمظلة جامعة لها، مع تعزيز أوراقها التفاوضية وإظهار الحكومة كسلطة طائفية عاجزة عن إدارة التنوع. إثبات وجود من جهته، يرى الباحث السياسي عماد مصطفى أن خطوة "قسد" تحمل رسالة مزدوجة: إعلان إظهار القدرة على المبادرة وتوجيه إنذار بأن أي محاولة لاستغلال انشغالها لن تمر بلا رد. اختبار مرونة قواعد الاشتباك واحتمالات التصعيد في المستقبل. ويضيف مصطفى، الذي يقيم في الحسكة ، أن "دمشق تريد تثبيت حضورها كرمز للسيادة، وقسد تسعى لقطع الطريق على أي تمدد يخلّ بتوازن القوى في مناطقها". ورجَّح ألا يتحول التوتر الأخير إلى مواجهة كاملة "لأن الطرفين يدركان كلفة الانزلاق إلى صراع شامل"، ومع ذلك يرى أنه إذا تراكمت حوادث مماثلة، مع غياب قنوات لضبط التوتر، فقد تنتقل تدريجيا إلى مستوى تصعيدي أوسع. "تفاهمات هشة" أما الباحث في مركز جسور للدراسات وائل عمران فذهب إلى أن تحركات "قسد" في مناطق حلب و دير الزور تهدف إلى تثبيت وجودها في الحسكة وتأمين مكتسباتها السياسية، حتى لو تراجعت نسبيا في تلك المناطق. وقال للجزيرة نت إن "التحركات الأخيرة تأتي دفاعية واستباقية، الحكومة قد تستخدم نفوذها بشكل محدود من دون الدخول في صدام واسع". وأضاف أن التفاهمات بين الطرفين ستبقى هشة، لكنها لن تنهار بالكامل، وتابع "سيسعى كل طرف للحفاظ على الاتفاقات السابقة وتوجيه اللوم للطرف الآخر عند حدوث أي خرق"، وفي الوقت نفسه تستغل "قسد" هذه الاشتباكات لتعزيز موقفها التفاوضي والحصول على مكتسبات "اللامركزية السياسية". ومن منظور إستراتيجي، يرى الباحث عمران أن الخيار العسكري الواسع غير مطروح، سواء محليا أو إقليميا ودوليا، لكن قد يلجأ الطرفان إلى مواجهات محدودة ومتفرقة لفرض شروطهما على طاولة التفاوض. وبهذا الأسلوب، تبقى الاشتباكات أداة ضغط أكثر منها صراعا مفتوحا، مع الحفاظ على التوازن بين القوة العسكرية والمكاسب السياسية.


الجزيرة
منذ 14 ساعات
- الجزيرة
قلق حول مصير "منقذ السوريين" حمزة العمارين بعد اختطافه في السويداء
إدلب – لم يكن حمزة العمارين، أحد عناصر الدفاع المدني السوري " الخوذ البيضاء"، يعلم أن رحلة إنقاذ جديدة قد تتحول إلى مأساة شخصية. فبعد أن وُثَّقت صورته وهو يخرج طفلة من تحت أنقاض منزل في مدينة إدلب بعد الزلزال الذي ضرب سوريا و تركيا في فبراير/شباط 2023، يقبع العمارين اليوم في مكان مجهول بعد اختطافه أثناء مشاركته في مهمة إخلاء خلال الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء قبل شهر. وصورة العمارين التي لفتت أنظار العالم قبل عامين تعود اليوم، لكن بقصة أخرى مقلوبة، فبينما كانت العدسات تلاحق بطولته في شمال سوريا، تبحث عنه اليوم ولا تجده في جنوبها. ويقول غزوان العمارين، شقيق المنقذ المختطف للجزيرة نت، إن حمزة وبعد يوم واحد على اختطافه، تمكَّن عند العاشرة صباحا من الاتصال عبر تطبيق واتساب بزوجته، وأخبرها أنه في السويداء، وطلب منها الاعتناء بأطفاله الثلاثة في غيابه، وكان ذلك آخر تواصل بينهم. ويضيف غزوان أن الدفاع المدني تواصل مع هاتف حمزة بعد ساعات من اتصاله بزوجته، فجاء الرد من الخاطفين بأن حمزة بخير ولا تقلقوا عليه. وطرقت العائلة كل الأبواب وتواصلت مع شخصيات في السويداء، لكن دون أي نتيجة سوى وعود بأن من لا يحمل السلاح سيكون بخير، بينما يقول شقيقه إنهم يعيشون قلقا لا يوصف، ويترقبون أي خبر عنه. ويضيف "نعوّل على جهود الدفاع المدني وندعو للإسراع في إطلاق سراحه، فهو أب لثلاثة أطفال ينتظرونه، وأي تأخير قد يضاعف معاناتهم". وانضم حمزة للدفاع المدني في درعا منذ تأسيسه وعمل في أكثر المناطق خطورة قبل اتفاق التسوية الذي سيطر النظام السوري بموجبه على درعا في عام 2018. ثم غادر عبر حافلات التهجير إلى الشمال السوري وعمل هناك ضمن فرق الدفاع المدني، حيث ترك بصمة واضحة من خلال قيادة أحد فرق الإنقاذ بعد الزلزال الذي راح ضحيته الآلاف. وإلى درعا عاد حمزة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون أول الماضي، وأشرف على إعادة هيكلة الدفاع المدني السوري في المحافظة بعد سنوات من التوقف، وتسلم إدارة مركز مدينة إزرع. مهمة إنسانية ويروي مدير الدفاع المدني في درعا شادي الحسن تفاصيل المهمة الإنسانية الأخيرة التي كُلّف بها حمزة، موضحا أنه كان متوجها إلى مدينة السويداء لإخلاء وفد أممي عالق داخل أحد الفنادق، بعد تنسيق بين الوفد والدفاع المدني، إلا أن الاتصال به انقطع قبل أن يصل إلى وجهته. وعن دور العمارين، يؤكد الحسن أنه كان من أبرز العاملين في عمليات إخلاء المدنيين من السويداء إلى مناطق أكثر أمانا، ونجح بنقل عشرات العائلات خلال اليوم الذي سبق اختطافه، حيث كانت فرق الإخلاء تعمل تحت إشرافه المباشر. وشدد الحسن على أن فرق الدفاع المدني لم تواجه أي مضايقات أثناء دخولها إلى السويداء خلال تنفيذ عمليات نقل المدنيين، ما يجعل حادثة اختطاف العمارين صادمة ومقلقة، وتثير المخاوف لدى عناصر الفرق من احتمالية تعرضهم لمصير مشابه. وعن الجهود المبذولة للإفراج عنه، أوضح الحسن أن وزارة الطوارئ والكوارث تبذل قصارى جهدها للتواصل مع منظمات أممية بهدف إطلاق سراح العمارين، معربا عن أمله في أن تثمر هذه الجهود عن عودته سريعا ليكون بين أسرته وأطفاله، ومن ثم بجانب زملائه في ميدان العمل الإنساني. وكان الدفاع المدني السوري قد نظم وقفات احتجاجية في عدة محافظات، منها دمشق وحلب ودرعا، شاركت بها الفعاليات المدنية والأهالي، الذين طالبوا المجتمع الدولي بالتحرك للضغط لإطلاق سراح حمزة العمارين، مؤكدين أن عمل الدفاع المدني إنساني وليس طرفا في النزاع. "المنقذ الشجاع" ويقول أحد زملاء حمزة في العمل إنه عمل إلى جانبه في السويداء، وشهد شجاعته وإصراره على إنقاذ المدنيين رغم المخاطر، ويضيف "أذكر يوما كنا نُجلي عائلة محاصرة في أحد الأحياء الغربية للمدينة، وكانت أصوات الاشتباكات قريبة جدا، لكنه أصر على الدخول بنفسه وحمل طفلة صغيرة على كتفه حتى وصلنا بها إلى بر الأمان". ويضيف أن حمزة كان آخر من يغادر موقع الإخلاء، ويرفض المغادرة قبل التأكد من خروج آخر عائلة ووصولها إلى النقطة الآمنة، ولم يكن ينظر إلى عمله كمهمة فقط، بل كان يعتبر كل عائلة يتم إنقاذها وكأنها عائلته، ويتابع "اختطاف حمزة ليس استهدافا لشخصه فقط، بل لكل من يعمل من أجل إنقاذ المدنيين". وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت محافظة السويداء تصاعدا في الأحداث الأمنية واشتباكات عنيفة بين فصائل محلية وقوات الحكومة السورية، خلفت قتلى وأسرى، وأجبرت العشرات من العشائر البدوية على ترك منازلهم هربا من السويداء باتجاه درعا.