
العام الهجري الجديد.. فرصة للتأمل وتجديد العهد
يأتي العام الهجري الجديد كل عام ليذكر المسلمين بمسيرة حياتهم، إذ يُعد مناسبة غنية بالدلالات والرموز، حيث يشعر المسلمون عند بداية كل عام بأنهم على عتبة مرحلة جديدة، يمكنهم من خلالها أن يعيدوا تقييم مسيرتهم وينظموا أولوياتهم، هذه المناسبة ليست مجرد تقويم زمني، بل هي رمز لتجدد الأمل ونقطة انطلاق للعديد من الأهداف والطموحات.
إن تأمل الفرد في تاريخ العام الهجري، الذي بدأ بالهجرة النبوية الشريفة، يمثل منارة هداية له، فتلك الهجرة لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت نهضة حضارية، وتجسيدًا مبهرًا للصبر والتضحية والإيمان، فتلك الفترة تلقي الضوء على قيم مهمة يجب أن تظل حاضرة في مسيرة المسلمين، مثل الأخوة، الإيثار، والعزيمة.
على ضوء هذا التاريخ، يمكن لكل مسلم أن يستلهم العبر والدروس، فالعام الهجري يعد فرصة سانحة للتأمل في الذات وتجديد العهد مع القيم والمبادئ الإسلامية، ومن ثم يتعين على كل مسلم أن يسعى في هذه الفترة إلى تحديد أهدافه الشخصية والروحية، ويدعو الله أن يوفقه في سعيه نحو تحقيقها، قد تكون هذه الأهداف مرتبطة بتطوير الذات، أو تحسين العلاقات الاجتماعية، أو زيادة الالتزام بالعبادات.
إن وجود شعور التجديد في بداية كل عام هجري، يدفع المسلم إلى مواقف إيجابية، فالبداية الجديدة تمثل لحظة تجديد العهد مع الله ومع النفس، حيث يمكن لكل فرد أن يستعرض تجاربه السابقة ويستخلص منها ما يعرفه عن نفسه وما يسعى لتحقيقه، فالتخطيط الجيد وتحديد الأهداف يسمح له بتحقيق التوازن المطلوب في حياته، سواء في الجانب المادي أو الروحي.
هذا التأمل الذاتي لا يُعد واجبًا دينيًا فحسب، بل هو أيضًا عنصر أساسي لتحقيق النجاح في الحياة، فيدعو الإسلام إلى التفكر والتدبر، وهذا ما يحتاجه المسلمون في بداية العام الهجري الجديد، فالتفكير في ما يمكن تحسينه في الذات يساهم في بناء الشخصية المستنيرة، ويزيد من قدرة الفرد على مواجهة التحديات.
أمة واحدة
إن ما يدفع المسلمين للاحتفال بالعام الهجري ليس فقط تذكر أحداث ماضية، بل هو الإيمان بأن هذه البداية الجديدة تمنحهم فرصة لتجديد العزيمة وإعادة توجيه البوصلة نحو أهداف سامية، فما أجمل أن تكون بداية العام الهجري هذه فرصة للغوص في عمق القيم الإسلامية التي تعزز من روح التعاون والمودة بين الأفراد والمجتمعات، فمناسبة العام الهجري، تذكير للمسلمين بأنهم جزء من أمة واحدة، تتعزز روح المحبة والألفة بينهم، فالتعاون ليس فقط واجبًا بل يعتبر من أعظم مصادر القوة التي تعين الأفراد على تجاوز العقبات والمحن، فالاحتفال بهذه المناسبة يدعو المسلمين إلى استكشاف كيفية تطبيق هذه القيم في حياتهم اليومية، وكيفية تعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية، سواء في المحيط الأسري أو في المجتمعات المحلية، حتى تعود هذه الروح الإيجابية بالنفع على الجميع.
وفي خضم احتفالات المسلمين بالعام الهجري، لا ينبغي لهم أن ينسوا إخوتهم في غزة، الذين يعانون من ويلات الظلم والقهر، فالجراح التي لا تزال تنزف في تلك البقعة المباركة، تظل تذكيرًا بواجب الإنسانية تجاه أولئك المنكوبين، إن الطغاة الذين يسيطرون على مصائر الناس في غزة، يسومونهم سوء العذاب، متجاهلين آدميتهم وحقوقهم، وفي هذه المناسبة، يجب أن يُذكّر كل مسلم بأن التزامه بقيم العطاء والتعاون لا ينتهي عند حدوده الجغرافية، بل يمتد ليُشمل كل إنسان يتألم في أي مكان.
عليه، تُعد بداية العام الهجري، فرصة ليس فقط لتجديد العزيمة وإعادة النظر في الأهداف الشخصية، بل هي أيضًا دعوة إلى المشاركة في قضايا الإنسانية، وإعلاء قيم التعاون والمودة، فالأمة التي تُجدد إيمانها ومبادئها لا يمكن أن تُهزم، بل تستمر في النهوض وتقديم الدعم لمن يحتاجونه،
فما أجمل أن تكون بداية العام الهجري، دافعًا نحو الغوص في عمق القيم الإسلامية، مستلهمين من روح الإسلام ضرورة العمل من أجل بناء مجتمع متماسك وقوي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مستقبل وطن
منذ 36 دقائق
- مستقبل وطن
«نفسي أدخل كلية الطب».. الأول مكرر في إعدادية أسيوط يكشف سر تفوقه
سادت حالة من الفرحة والبهجة لدى أسر أوائل الشهادة الإعدادية بأسيوط للعام الدراسي "2024/ 2025" بعد اعتمادها من اللواء دكتور هشام أبو النصر محافظ أسيوط، وتهنئة الأوائل هاتفيًا على نجاحهم وحثهم على الاجتهاد في مرحلة التعليم الثانوي. وقال مالك صلاح معروف، الطالب بمدرسة دار حراء بمدينة أسيوط، الأول مكرر بالشهادة الإعدادية على مستوى المحافظة، إن سر تفوقه يرجع إلى والديه وحرصهما على توفير مناخ مناسب للمذاكرة والمراجعة بعيدًا عن أجواء القلق والتوتر؛ مشيرًا إلى إنه كان يذاكر ما بين 4 إلى 5 ساعات يوميًا، تزيد خلال أيام الامتحانات للمراجعة بمساعدة والدته. وأضاف مالك، أنه كان يأخذ دروساً خصوصية في بعض المواد الدراسية ولذلك لزيادة التحصيل؛ مشيرًا إلى صعوبة مادتي اللغة العربية والعلوم، مشيرًا إلى أن هوايته هي ممارسة لعبة كرة القدم، وأنه يطمح في دخول كلية الطب لعلاج الفقراء. من جانبه قال الشيخ صلاح معروف مأذون شرعي ووالد الطالب مالك، إن نجله كان متفوقًا دراسيًا في المراحل التعليمية السابقة، وكان حريصًا على مشاهدة البرامج التعليمية، وأنه كان يحرص على المراجعة والمذاكرة للمواد الدراسية. وأشار إلى أن الفضل في ذلك يرجع بعد الله عز وجل لوالدته لأنها كرّست حياتها في خدمة أبنائها ورفضت العمل من أجلهم رغم حصولها على مؤهل عالٍ وهو بكالوريوس خدمة اجتماعية، مؤكدًا أنه كان يتوقع أن يحصد نجله مركزًا من ضمن أوائل الشهادة الإعدادية. واختتمت أسرة الطالب مالك صلاح حديثها بتوجيه الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية وحرصه على تطوير منظومة التعليم في مصر لمواكبة متطلبات العصر، موجهًا الشكر لمحافظ أسيوط على حرصه على متابعة المدارس وسير العملية التعليمية بالمحافظة.


الأسبوع
منذ 43 دقائق
- الأسبوع
«بداية جديدة وأمل جديد».. موضوع خطبة الجمعة غدًا لـ وزارة الأوقاف
خطبة الجمعة خطبة الجمعة.. تزايد البحث من قبل الكثير من الأئمة والخطباء عن نص خطبة الجمعة غدًا الموافق 27 يونيو 2025، و2 محرم 1447هـ. وأعلنت وزارة الأوقاف المصرية، أن خطبة الجمعة غدًا سيكون عنوانها: «بداية جديدة وأمل جديد». وأشارت وزارة الأوقاف، إلى أن الهدف من هذه الخطبة هو توعية الجمهور بأهمية تجديد الأمل مع استقبال العام الهجري الجديد. خطبة الجمعة غدا وتوفر «الأسبوع» لمتابعيها كل ما يخص خطبة الجمعة غدا، وذلك من خلال خدمة متقدمة لمتابعيها في جميع المجالات، ويمكنكم المتابعة من خلال الضغط هنـــــــــا. نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف وجاء نص خطبة الجمعة غدًا، كالتالي: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا»، وأَشْهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيّدنا ونبينا محمدًا عبده ورسولُهُ، اللَّهُمَّ صَلَّ وَسَلَّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصحبه أجمعين، ومَنْ تَبعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن من القيم العظيمة التي دعا إليها الإسلام، وجعلها جوهر الحياة، قيمة الأمل، الذي ينمي في قلب العبد حسن الظن بالله تعالى، ونحن في استقبال عام جديد يجب أن نتحلى بالأمل وعدم اليأس، فقد عدّ أهل العلم اليأس والتأييس والإحباط والتحبيط من الكبائر، لما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاس (رضي الله عنهما) أنه قَالَ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متكئا، فدخل عليه رجل، فقال: ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله)، وحين أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل «رضي الله عنهما» إلى اليمن أوصاهما قائلًا: «بَشَرًا وَلَا تُنَفَرَا …». إن الأمة التي تجعل من الأحداث التي مرت بها دافعا قويا إلى الأمل والعمل، وتأخذ من ماضيها لحاضرها، وتستفيد من الأزمات والمحن الدروس والعبر، وتستثمر وقتها في البناء والتنمية، إنما تشق طريقها الصحيح نحو المستقبل، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا في وقت الشدائد على بث روح التفاؤل والأمل في قلوب أصحابه حتى لا تتسارع إلى نفوسهم روح الإحباط أو اليأس، فعلى الرغم مما تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى هو وأصحابه لم يفارقه الأمل والتفاؤل فيقول صلى الله عليه وسلم لهم: «…واللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمْرَ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»، ويقول صلى الله عليه وسلم: (واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا، واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا)، فلولا الأمل ما ذاكر طالب ولا اجتهد، ولولا الأمل ما زرع زارع ولا حصد، ولولا الأمل ما فكر والد في إنجاب الولد، يقول الشاعر: أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ غير أن الأمل الذي دعا إليه الإسلام هو الأمل الذي يحمل الإنسان على العمل، لأن الأمل بلا عمل أمل أعور أو أعرج لا طائل منه، ولا فائدة، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه) يقول:« لَا يَقْعُدُن أَحَدُكُمْ عَنْ طَلَبِ الرِّزْقِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً »، وقال الحسن البصري: «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، وإن قومًا خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحسن الظن بالله. وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل». لقد نظر الإسلام إلى العمل نظرة توقير وتمجيد، فرفع قدره وقيمته، وجعله سبيلا للرقي والتقدم، وجعل النجاح الإصلاح مرتبطين بالعمل، فقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}، وكان (صلى الله عليه وسلم يعمل بنفسه، ويقوم على خدمة أهله، فكان: (كان يَخيطُ ثوبَهُ، ويخصِفُ نعلَه، ويعملُ ما يعملُ الرجالُ في بيوتِهم)، ومدح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العامل المنتج، بقوله: (اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلَى)، ولأهمية العمل في حياة الأمة كان صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى العمل حتى في آخر لحظات الدنيا، فيقول صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن قامتِ السَّاعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتَّى يغرِسَها فليغرِسْها)، ولا يكفي مجرد العمل، إنما ينبغي أن يكون العمل متقنا، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللهَ يحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكم عملًا أنْ يُتقِنَه)، وإِن من إتقان العمل التخطيط له قبل البدء فيه، فالعمل بلا تخطيط يؤدي إلى التخبيط، ومن ثم لا بد أن نضع خططا قصيرة، ومتوسطة، وطويلة المدى لما يستقبل من أيامنا، فهل خطط كل منا على المستوى الفردي أو موقعه المؤسسي لإنجاح عمله، وتطوير نفسه، واستثمار قدراته وطاقاته؟ إن الإنسان الذي يسير على غير هدى لا يعرف له وجهة، ولا يدرك له غاية، لهو إنسان تتوالى عليه الضربات فتسقطه صريع المحن بائس الحال، شقي النفس قليل الإنجاز أو عديمه، قال عمر (رضي الله عنه): ' إنِّي أَكْرَهُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ يَمْشِي سبَهْلَلاً ' أَيْ: لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَلَا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، والتخطيط للمستقبل لا يتنافي مع التوكل على الله تعالى فلا حرج على المسلم أن يقول: إن شاء الله سأفعل كذا، قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}، لكن ذلك لا يعني أن يكون أمره عفويًّا بلا دراسة ولا تخطيط، فالتخطيط المتقن أحد أهم عوامل النجاح، وفي قصة نبي الله يوسف عليه السلام كان التخطيط المدروس سببًا لنجاة البلاد والعباد من مجاعة مهلكة، وخطر محدق، فقد وضع نبي الله يوسف عليه السلام خطة استغرق تنفيذها خمس عشرة سنة. كما حكي القرآن الكريم على لسانه تأويلا لرؤيا الملك في قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}، لقد وازن سيدنا يوسف عليه السلام بين العمل الدؤوب، والإنتاج المتقن، والاستهلاك الرشيد والادخار المحكم، وهذه دروس بالغة الأهمية، فلا ينبغي الاكتفاء بعرض المشكلة فقط والوقوف عندها، بل ينبغي السعي لإيجاد المخرج من الأزمة. ومن أراد أن يتعلم التخطيط فليتأمل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان صلى الله عليه وسلم نموذجًا للقائد والمعلم، فتراه وهو في رحلة الهجرة يخطط ويدبر ويثق في نصر الله عزّ وجلّ أولاً وأخيرًا، فيأتي بعلي بن أبى طالب رضي الله عنه، لينام في فراشه على سبيل التمويه، ويسلك طريقًا وعِرًا غير مأهول ولا معتاد، ويختبئ في الغار حتى يهدأ الطلب عليه وعلى صاحبه، ويدبر من يأتيه في الغار بالأخبار والطعام، ومن يعفي على الآثار، ويحسن انتقاء من يقوم بكل مهمة، وهو في هذا كله متوكل على الله تعالى، مُعلنا أنه في معية الله تعالى، فيقول لصاحبه: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا …} على أننا نؤكد أن كل ذلك يحتاج إلى عزيمة وإرادة صلبة، إذ لا يمكن أن نقتحم غمار المستقبل بغير عدته، ولا أن نغير واقعنا إلا بعزيمة وإرادة قوية للتغيير في كل المجالات، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم الخطبة الثانية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وصحبه أجمعين. إخوة الإسلام إن التغيير المنشود لابد أن يشمل تصحيح المفاهيم الخاطئة، والأفكار المنحرفة، ومن أهمها ما يتعلق بسماحة الإسلام، وقبوله لسنن الله الكونية في التنوع والاختلاف، وترسيخ أسس المواطنة المتكافئة والعيش المشترك، فإن من الحقائق المؤكدة أن الاختلاف بين الناس سنة كونية من سنن الله عز وجل يجب أن نحترمها، لأن الناس لا يفكرون بطريقة واحدة، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، فهذا الاختلاف دليل على أن الله عز وجل منح عباده حرية الاختيار، ومن ثم يجب علينا التعامل في الحياة مع كل الناس على اختلاف أفكارهم وتباين عقائدهم دون السعي إلى الإقصاء للمختلفين منهم. إن الإسلام دين الله للبشرية كلها، شرعه لتنظيم حياة الناس جميعًا، فدعا إلى التواصل والتعايش بين أتباع الديانات، وجعل العلاقة بين الناس جميعًا تقوم على أساس التعارف والتآلف والتعايش السلمي، ذلك لأن أصلهم واحد، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، فالناس على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وعقائدهم إخوة في الإنسانية تنشأ بينهم علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية قوامها التعارف والتآلف، ويتضح هذا من خلال تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مجتمع المدينة، فقد أسس نظاماً عاماً أساسه التعايش السلمي بين الناس جميعا، والمسلمون اليوم في بلادهم، ومع من يعيشون معهم من مختلف الطوائف والملل والنحل هم في أشد الحاجة إلى تطبيق هذا التعايش مع الآخر في سلام وأمان. فحماية الوطن بكل مفرداته ومواجهة الإرهاب الغاشم وكشفه والقضاء عليه واجبنا جميعًا مجتمعين متحدين، لأن المستهدف أمن الوطن كله يجب وجوبا شرعيا ووطنيا الإبلاغ عن أي إرهابي أو خائن أو عميل كما يجب التعاون مع كل أجهزة الدولة المعنية بكشف جرائم هؤلاء والتصدي لهم بكل شجاعة وحسم. إن الإسلام يؤكد أن حق الدين والوطن يدفعان كل إنسان إلى الأمل والعم وفق منهج مدروس من التخطيط والإعداد سعيًا للإنتاج والإتقان والبناء والنماء لا إلى الكسل والإحباط والتشاؤم فحبنا لديننا وأوطاننا ينبغي أن يكون حبًّا حقيقياً يقوم على التضحية في سبيله والعمل لأجله سعيًا إلى رقيه، وتقدمه، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه».


الطريق
منذ ساعة واحدة
- الطريق
أوقاف أسيوط تنظِّم ندوة للفتيات بعنوان: 'الأخلاق والقيم طريق النجاح'
الخميس، 26 يونيو 2025 04:21 مـ بتوقيت القاهرة نظَّمت مديرية أوقاف أسيوط ندوة توعوية بعنوان: "الأخلاق والقيم طريق النجاح"، وذلك بمركز تأهيل الفتيات بمدينة الفتح، ضمن التعاون المشترك بين المديرية ووحدة السكان بديوان عام محافظة أسيوط. جاءت الندوة بتوجيهات الأستاذ الدكتور أسامة السيد الأزهري وزير الأوقاف، وبرعاية الشيخ محمد عبد اللطيف محمود مدير عام الدعوة والمراكز الثقافية بالمديرية، وبحضور كل من: الدكتورة شيماء صالح عبد الحميد الواعظة بالأوقاف، والدكتورة نسرين عبد الرحمن مدير وحدة السكان، والأستاذة ولاء حسن عبد الحكيم منسقة الوحدة بمركز الفتح. تحدثت الدكتورة شيماء صالح عن أهمية الأخلاق في بناء الإنسان والمجتمع، وأكدت أن القيم ليست مجرد شعارات، بل سلوك يُترجم الإيمان، وأن الأخلاق هي طريق النجاح الحقيقي في الدنيا والآخرة، واستشهدت بقول الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيم﴾، وبحديث النبي ﷺ:"أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا". ووجّهت حديثًا مباشرًا للفتيات، قائلة: "كل خُلق طيب هو لبنة في بناء شخصيتك، وكل قيمة تُغرس فيكِ هي أساس لحياة ناجحة متزنة، كوني نورًا في بيتك ومجتمعك، وكوني قدوة في زمن تتزاحم فيه المؤثرات". من جانبها، أشادت الدكتورة نسرين عبد الرحمن بدور وزارة الأوقاف في تعزيز الوعي المجتمعي، وربط الخطاب الديني بقضايا الناس، مشيرة إلى أن غرس القيم في النشء ركيزة أساسية في التنمية. واختُتمت الندوة بدعوة الفتيات إلى الثبات على المبادئ، والتحلي بالأخلاق النبيلة، باعتبارها مفتاح التوفيق في الدنيا ورضا الله في الآخرة.