الدايخ لـ"المدن" رداً على مهاجميه: المسلمون والمسيحيون اتفقوا...ضدنا!
لعلها من المرات النادرة في لبنان التي يلتقي فيها المسلمون والمسيحيون في الهجوم على طرف واحد.. وبعد البيان شديد اللهجة الذي أصدره "الكاثوليكي للإعلام" ضد برنامج "مرحبا دولة" التلفزيوني الساخر، تقدم ثلاثة محامين بإخبار إلى النيابة العامة، تحت عنوان "الجرائم التي تمسّ بالدين وتثير الفتن".
والبرنامج، في موسمه الجديد، ينزع ثياب "قوى الأمن الداخلي" من كادره التمثيلي، بعد اعتراض قوى الأمن في الموسم السابق، لكنه نقل مشاهده الى قرية متخيلة، يسكنها مسيحيون ومسلمون، وينقل مشاهد ساخرة عن ادعاء أحد الأشخاص بأنه "المخلّص".
انتظروا الخلاص!
تتابعون
— LBCI TV (@LBCILebanon)
ويمتد المقطع الذي أثار الجدل، دقيقتين ونصف، ويُظهر أشخاصاً يتسابقون لدخول مسجد بهدف حضور لقاء ديني. وقد صوّر البرنامج الشيخ كأنه "مهرّج"، وحوّل المسجد إلى "مسرح فكاهي"، حسبما ورد في الإخبار الأخير. واعتُبر أن المقطع يستهزئ بأركان الإسلام ويسيء إلى المقدسات.
Long time no see يا مؤمنين
مرحبا دولة الجزء الثاني الخميس ٩ و نص المسا على الـ LBCI
— LBCI TV (@LBCILebanon)
الدايخ ينفي الاتهامات
ردّ المخرج والممثل محمد الدايخ على الاتهام بشأن محتوى الحلقة، مؤكداً في حديث لـ"المدن" أن "البرنامج يطرح مواضيع واقعية، يرفض المجتمع الخوض فيها". وأكد "أننا لم نتعرض للشعائر الدينية أو المقدسات، بل سلطنا الضوء على الواقع اللبناني".
وفي ما يتعلق بفكرة "المخلّص"، أوضح الدايخ أن الحلقة عرضت شخصية تدّعي التبشير بالمخلّص، في إشارة إلى استغلال بعض الشخصيات الدينية بساطة الناس وترويج أفكار تُبقيهم في انتظار دائم لحل خارجي. وأضاف: "هذا ما يحصل في مجتمعاتنا، حيث تُرسَّخ ثقافة الانتظار ويُمنع الناس من الثورة على الأنظمة".
اتفاق إسلامي مسيحي نادر
ردود الأفعال لم تقتصر على الناحية الإسلامية، فقد أصدر "المركز الكاثوليكي للإعلام" بيانًا شديد اللهجة عقب حلقة سابقة تناولت مشهدًا لخوري يستمع إلى اعترافات داخل الكنيسة. واستنكر المركز ما اعتبره "تمادياً في استباحة القيم الأخلاقية وتوجيه إشارات مسيئة للديانات السماوية".
بدوره يقول الدايخ إنه "للمرة الأولى يتفق المسلمون والمسيحيون... وكان الاتفاق على مهاجمة (مرحبا دولة)"، مضيفاً: "لم نُسئ إلى رجال الدين من مشايخ وقساوسة، بل جسّدناهم كصورة عن الصالحين، وكان النقد موجَّهًا إلى الرعية التي تُصدّق كل ما يُقال لها".
لبنان الجديد لا يقبل القمع
وفي معرض حديثه عن حرية التعبير، أشار الدايخ إلى مواقف كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، "اللذين شددا عند توليهما مهامهما على أن "لبنان الجديد" يقوم على احترام حرية التعبير كحق مقدس"، مشيراً إلى أنه "من حق الجميع التعبير عن وجهة نظرهم، كما من حق الطرف الآخر الرد، لكن من دون اللجوء إلى القضاء لإسكات الصوت المخالف".
البث مستمر
ليست هذه المرة الأولى التي يُواجه فيها الدايخ والبرنامج انتقادات حادة، فقد سبق لوزارة الداخلية اللبنانية أن رفعت دعوى تهدف إلى وقف بثّه في العام الماضي، ممثلة برئيسة "هيئة القضايا" في وزارة العدل. كما تعرض مبنى LBCI سابقًا لهجوم بقنبلة، عقب بث حلقة من برنامج "تعا قلو بيزعل" الذي أعدّه الدايخ، وتناول فيه بأسلوب كوميدي "اللغة الشيعية" المستخدمة، مما أثار ردود أفعال عنيفة. وحينها أعلنت القناة في بيان أنها "ستكون منبراً للحرية والدفاع عن لبنان".
ويقول الدايخ إن "البرنامج الحالي لن يتوقف عن البث"، وإن القناة "كانت ولاتزال داعمة لمسيرتنا منذ البداية".
اقوى برنامج
— noha (@noha_Bdn)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

LBCI
منذ يوم واحد
- LBCI
القريدس بالكاري والأرز... إليكم طريقة تحضير هذا الطبق الشهي مع الشيف فادي زغيب (فيديو)
أعد الشيف فادي زغيب في هذه الحلقة من برنامج Morning Talk عبر شاشة الـLBCI، القريدس بالكاري والأرز وسلطة الخضار بطريقة مميزة.

المدن
منذ يوم واحد
- المدن
كان رفيق سلاح عبدالناصر والسادات...أحمد مظهر السياسي
قلما تجد في تاريخ الفن المصري رجلاً بهذا التنوع والثراء، فقد تشعبت اهتمامات الممثل أحمد مظهر الذي رحل عن الحياة في الثامن من أيار 2002 بين الفن والأدب والرياضة والزراعة والسياسة على خلفية من أصوله العسكرية. بل كان بإمكانه أن يصبح – إذا أراد – أحد اللاعبين الكبار في المسرح السياسي في أعقاب ثورة 23 يوليو 1952. وإذا كان مشواره كممثل الذي بدأ بالصدفة حين شارك في فيلم "ظهور الإسلام" العام 1951 قد قاده لأن يكون أحد أبرز أسماء السينما العربية بما يقرب من مئة فيلم وعشرات الشخصيات الدرامية التي باتت من كلاسيكياتها، وإذا كانت صداقته الحميمة بالأديب نجيب محفوظ قد أدخلته عالم الأدب من الباب الكبير باعتباره صاحب الفضل في تكوين جماعة "الحرافيش" وهو الذي أطلق عليها هذا الاسم منذ أربعينيات القرن الماضي، وإذا كانت نشأته الرياضية الباكرة وجمعه بين الملاكمة والرماية والفروسية قد دفعت به إلى منصات التتويج ومشاركته في دورتي لندن 1948 وهلسنكي 1952 الأولمبيتين، فإن صفحة مهمة في حياته ظلت مجهولة أو شابها على الأقل كثير من الافتئات، فوقعت تفاصيلها بين التهوين تارة والتهويل أخرى، وأعني هنا دوره الخفي في الحياة السياسية بمصر في مرحلة شديدة الخصوصية والاضطراب من تاريخها المعاصر. التحق أحمد مظهر بالكلية الحربية العام 1936 في أعقاب توقيع مصر معاهدتها الشهيرة مع بريطانيا، فوجد في دفعته كلاً من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وخالد محيي الدين وحسين الشافعي وعبد اللطيف البغدادي وزكريا محيي الدين، وكان يسبقه بدفعة أنور السادات، وبدفعتين الأديب يوسف السباعي، ولحق به الدكتور ثروت عكاشة، وهي الأسماء التي غيرت في ما بعد وجه الحياة السياسية في مصر ومنطقة الشرق الأوسط. ثم رافق مظهر بعد التخرج كل من جمال عبد الناصر وأنور السادات حين تم توجيه الثلاثة إلى معسكرات الجيش في منقباد التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر. وحينما سألته عند بداية تعارفنا في تشرين الأول 1987 عن ذكرياته عن هذه المرحلة من حياته، قال إنه لاحظ اهتمامات عبد الناصر بالتكتيك العسكري والنظريات القتالية، فيما كان السادات معنياً بالأحزاب السياسية والعمل السفلي والكفاح ضد الاستعمار الإنكليزي، ما انعكس عليه هو الآخر. وأضاف أن السادات حينما انتقلا معًا إلى القاهرة، فيما ذهب ناصر إلى جبل الأولياء بالسودان، هو الذي عرّفه على الفريق عزيز المصري الذي لُقّب بـ"أبو الأحرار" والمعروف بميله إلى معسكر الألمان في الحرب العالمية الثانية من أجل تخليص مصر من الاحتلال البريطاني. ومنذئذ لم يفارق مظهر الفريق عزيز المصري حتى في مغامرته الخطرة بمقابلة القائد روميل على متن طائرة عند قدومه بجيش المحور إلى الصحراء الغربية بمصر قبيل وقوع معركة العلمين الشهيرة التي قلبت موازين القوى في الشمال الأفريقي لمصلحة دول الحلفاء في أتون الحرب العالمية الثانية. وبحسب ما قاله لي أحمد مظهر ونشرته في حينه، أنه كان المؤسس للتنظيم الأول للضباط الأحرار الذي كان عزيز المصري أباه الروحي، وكان التنظيم يجتمع في شقته في شارع الحلمية في مصر الجديدة قبل أن يعلم البوليس السياسي باجتماعات التنظيم، ويصدر القرار بمهاجمة الشقة والقبض على أفراده باعتباره تنظيماً شيوعياً. فقرر الرجل، إثر هذه الواقعة، حلّ التنظيم قبل أن يعيد عبد الناصر تشكيله العام 1949 عقب عودته من حصار الفلوجة بفلسطين إبان النكبة الكبرى العام 1948، فانضم إليه أحمد مظهر أيضاً باعتباره ضابطا في سلاح الفرسان بعد مشاركته في حرب 1948 متطوعاً، رغم معارضة الملك فاروق اشتراك سلاح الفرسان في الحرب باعتباره قوة الجيش التي تؤمن عرشه بالقاهرة. ولم تنقطع علاقة مظهر بالرياضة في تلك الفترة، فقد حقق نتائج باهرة في الفروسية أهّلته لعضوية الفريق المصري المشارك في دورتي لندن وهلسنكي الأولبيتين، من من دون أن يتخلف عن اجتماعات الضباط الأحرار الذين كانوا يجهزون لحركتهم الثورية. وفي مقال له نشرته صحيفة الأهرام القاهرية عقب وفاة أحمد مظهر العام 2002، كشف صديقه نجيب محفوظ عن دور خفي قام به مظهر في تلك الفترة الحرجة، فذكَر أن مظهر كان الوسيط بين الضباط الأحرار وحزب الوفد، حين سلّم صهره محمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية المصري والقطب الوفدي البارز، رسالة من عبد الناصر إلى النحاس باشا رئيس الوفد ورئيس الوزراء، يخبره فيها بنيّة الأحرار الانقلاب على الملك، طالباً الدعم والتنسيق مع التنظيم. غير أن النحاس رفض الانقلاب على الدستور وسيطرة الجيش على السلطة، لكنه حفظ للأحرار سرّهم. وأضاف محفوظ أن النحاس، ووزير داخليته فؤاد سراج الدين، كانا على علم بتحركات الضباط الأحرار، لكنهما – ما معناه – غضا الطرف عنها حسبما أبلغه صديقه الحرفوش الأكبر أحمد مظهر. وفي صيف 1952، ذهب مظهر إلى عبد الناصر ليبلغه أنه يستعد للسفر إلى فنلندا للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية، مستفسراً عن موعد القيام بالثورة، فأبلغه ناصر بأنه لم يحدّد الموعد بدقة ونصحه بالبقاء في القاهرة. لكن كثرة تأجيلات موعد القيام بحركة الضباط الأحرار دفعت قائد مدرسة الفرسان إلى عدم الاستماع لنصيحة ناصر والسفر إلى أوروبا، غير أن تسرّب أخبار التنظيم إلى القصر الملكي وفوز اللواء محمد نجيب في انتخابات نادي ضباط الزمالك على حساب رجال الملك، دفعا عبد الناصر للتعجيل. وحينما قامت الثورة بالفعل، فجر 23 يوليو، كان أحمد مظهر قد وصل إلى باريس في طريقه إلى فلندا، ولم يكن في الإمكان العودة إلى القاهرة، فأكمل طريقه مع البعثة المصرية إلى هناك. وقال لي مظهر قبل أسبوعين من وفاته، وبينما كنت أحرّر كتاب تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي 2002، أنه لم يشأ بعد عودته من الدورة الأولمبية التقرب من زملائه الأحرار، خشية أن يتصور بعضهم أنه يبحث عن منصب رفيع. لكن عبد الناصر احتفظ له بمكانه كقائد لكلية الفرسان وأحد قادة سلاح الفروسية، وأضاف أن علاقته في تلك الفترة اقتصرت على الفارسين يوسف السباعي وثروت عكاشة باعتبارهما رفيقي سلاح الفروسية. وحكى مظهر أن عبد الحكيم عامر وقف في طريقه بشدة حينما قرر قبول دعوة يوسف السياعي للمشاركة في التمثيل في فيلم "رد قلبي" الذي يحكي قصة ثورة يوليو، اعتقاداً منه بأن في ذلك إهانة للزي العسكري الذي يرتديه مظهر. ولم يتحول إلى الحياة المدنية إلا حينما أحاله عامر إلى التقاعد العام 1956 عقاباً له، فاختاره السباعي مساعداً له في المجلس الأعلى للفنون والآداب، ليبدأ الرجل منذ ذلك اليوم مشواره الطويل في عالم التمثيل، ولم يقترب قط من رفقاء السلاح، لا سيما عبد الناصر والسادات، لكنه عند وفاة ناصر في أيلول 1970، حرص على اصطحاب ابنه شهاب إلى بيت الرئيس الراحل في صباح اليوم التالي لتسجيل كلمته في سجل العزاء. أما السادات، فقد اختاره ليمثل شخصيته في أكثر من عمل إذاعي تناول حياة الرئيس، لا سيما بعد انتصارات أكتوبر 1973.


شبكة النبأ
منذ يوم واحد
- شبكة النبأ
مفهوم التعددية وتطبيقاته عند الامام الشيرازي
شكل السيد محمد الشيرازي علامة فارقة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما في تناوله لمفهوم التعددية بمستوياته المختلفة، وقد استطاع أن يقدم رؤية إسلامية عقلانية وإنسانية للتعدد، تنبع من القرآن والسنة، وتدعو إلى احترام الاختلاف، وتغليب الحوار، وتكريس الشورى، ونبذ الاستبداد والتسلط، وتعزيز ثقافة الحوار ودعم الافكار الداعية لنشر... تعد التعددية من أبرز المفاهيم التي يتم تناولها بشكل متعمق ومفصل، لما تمثله من فكرة محورية تنبثق من حتمية التنوع الكوني والانساني، وقد غابت عن تناول الكثير من المفكرين والإسلاميين ولم يكن هناك سعي مستدام لتأصيل هذا المفهوم ضمن الإطار الإسلامي، بما ينسجم مع قيم الإسلام وتعاليمه التي دعت الى الحرية ورفع الاكراه وتمكين الارادة، وقد برز المرجع الديني الراحل والمجدد الإسلامي البارز الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي، كأبرز المنظرين في هذا المجال. لقد خص الشيرازي (رحمه الله) مفهوم التعددية باهتمام بالغ في مختلف مؤلفاته وكتاباته ومحاضراته، حيث قدم رؤية إسلامية أصيلة تنسجم مع الفطرة الانسانية، وتؤكد على احترام التعدد والاختلاف، وتدعو إلى التعايش السلمي بين المذاهب والأديان والثقافات. نهدف في هذا المقال إلى استعراض وتحليل مفهوم التعددية في فكر السيد محمد الشيرازي، من خلال التطرق إلى أبعاده الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية، والوقوف على المنطلقات التي أسس عليها رؤيته. مفهوم التعددية التعددية (Pluralism) هي مصطلح يشير إلى القبول والاعتراف بوجود تنوع في الآراء والأفكار والمعتقدات والثقافات والمذاهب ضمن مجتمع أو نظام معين، مع الاعتراف بحق هذا التعدد في الوجود، وضرورة التفاعل والتعايش معه بشكل سلمي. تطرح التعددية في سياقات مختلفة، مثل التعددية الدينية، والسياسية، والفكرية، والمذهبية، والعرقية، وهي على النقيض من الأحادية والتفرد أو الإقصاء او التهميش والابعاد، حيث يفترض في التعددية احترام الآخر المختلف وعدم فرض الرأي أو المعتقد الواحد على الجميع. التعددية في المنظور الإسلامي من منظور إسلامي، يمكن القول إن التعددية ليست فكرة غريبة عن الإسلام، بل هي موجودة في صلب تعاليمه، فالقرآن الكريم يؤكد على خلق الله للناس مختلفين، ويقر بحرية العقيدة، ويعترف بوجود أديان وشعوب متعددة، يقول الله تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود: 118) كما يؤكد الباري (عز وجل) على التنوع والتعددية في قولة: "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" (الحجرات: 13) ويقول تعالى: "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون: 6) إلا أن التحدي يكمن في كيفية تفسير هذه الآيات وتطبيقها في الواقع الاجتماعي والسياسي والديني والمذهبي، حتى لا تحرّف عن سياقاتها الطبيعية، او يستهدفها الافراط والتفريط، ومع كثرة التفسيرات والتجاذبات في حدود وانواع ومفاهيم وابعاد التعددية، برزت الافكار التي طرحها الامام الراحل كمفهوم اسلامي اصيل يراعي التناغم الانساني ويحفظ كرامة الفرد والمجتمع. التعددية في فكر الشيرازي يمثل السيد الشيرازي صوتًا بارزًا في الدفاع عن التعددية داخل المنظومة الإسلامية، وقد قدم رؤية متكاملة تضع التعددية كضرورة عقلية واجتماعية يقرها الشارع المقدس، ويمكن تحليل هذا المفهوم عنده في عدة مستويات: 1. التعددية الدينية والمذهبية: يرى السيد الشيرازي أن الإسلام دين يعترف بالتعددية والتنوع والاختلاف، ويحترم أتباع الأديان الأخرى، فهو لا ينادي بفرض الإسلام بالقوة، ويرفض استخدام العنف والاكراه في قبول الافكار والمعتقدات، بل بالدعوة السلمية والحوار الهادئ والتعايش السلمي، وقد أكد في كتاباته عن آداب الحوار على ضرورة احترام أتباع الديانات الأخرى، خصوصا أهل الكتاب. كما كان من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأكد على أهمية احترام المذاهب الإسلامية المختلفة، ودعا إلى التفاهم بدل التكفير، والحوار بدل الصراع، وكان يعتبر أن وحدة الأمة لا تعني إلغاء المذاهب، بل تعني تعايشها في ظل الاحترام المتبادل. 2. التعددية السياسية: تبنى الامام الشيرازي في كتابه "السبيل إلى إنهاض المسلمين" نظام الشورى كبديل عن الاستبداد، ورأى أن الإسلام لا يعارض التعددية الحزبية أو السياسية، طالما أن هذه الأحزاب تعمل ضمن إطار سلمي وتحترم القيم الإسلامية العامة، ورفض مبدأ القمع والإقصاء والتسلط. ولا يمكن ضمان التعددية في ظل نظام دكتاتوري مستبد لذلك يحارب الامام الراحل كل اشكال الاستبداد اينما ظهرت من اجل ضمان الاستقامة والحياة الكريمة: "لا دكتاتورية في الإسلام، لا في الحكم ولا في المرجعية الدينية، ولا في الأحزاب والحركات والتنظيمات، فالإسلام دين الحريات والعدالة الاجتماعية". 3. التعددية الفكرية والثقافية: في كتابه "الحرية الاسلامية"، دعا السيد الشيرازي إلى حرية التعبير وحرية التفكير، ورفض الرقابة على الفكر أو الحجر على الآراء المختلفة، حتى وإن خالفته، وكان يرى أن النقد البناء ضروري لتطور الأمة، وأن الاجتهاد لا يجوز أن يتوقف، وكان يرى انه: "من اللازم إطلاق الحريات، وتوفير شرائطها من ناحية، وتحديدها بحدود الصلاح والحكمة، من ناحية أخرى، وهذا هو شأن القيادة الصحيحة للفرد والجماعة، وقد لاحظ الإسلام الناحيتين، ووضع الخطط العامة، للسير بالبشرية نحو التقدم والرقي، بدقة وإتقان". وكان الشيرازي يؤمن إن: "الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً". 4. التعددية الاجتماعية والعرقية: في كتاب "الصياغة الجديدة"، دعا إلى المساواة بين الأعراق والقبائل والشعوب، واعتبر أن الإنسان مكرم بإنسانيته، لا بعرقه أو قوميته، وكان يؤمن أن الإسلام جاء لإزالة الحواجز العنصرية والقبلية حيث قال: "تقوم الأديان السماوية على مصلحة الإنسان، لذلك فإن للأديان وخصوصاً الإسلام القدرة على اقتلاع جذور الأفكار الضيقة المبنية على مصلحة القوم أو الفئة أو العرق أو اللغة أو الجغرافية، وبالدين تكونت أمم عامرة وقامت حضارات زاهرة". المنطلقات الفكرية للتعددية - القرآن الكريم: انطلق السيد الشيرازي في رؤيته من نصوص قرآنية تؤكد على الاختلاف والتنوع كقانون كوني. - السيرة النبوية: استشهد بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في تعامله مع اليهود والمشركين والمنافقين في المدينة، حيث اعتمد أسلوب الحوار والمعاهدات من اجل بناء ثقافة التعددية والتعايش السلمي. - العقل والبرهان: رأى أن العقل يقتضي احترام التعدد وقبول الاخر المختلف، لأن القمع لا يؤدي إلا إلى الفتنة والانفجار، والعنف لا يولد الى المزيد من العنف المقابل. - الواقع الاجتماعي والسياسي: اعتبر أن التعددية أصبحت ضرورة اجتماعية وسياسية في ظل تداخل المجتمعات وتنوعها. تطبيقات التعددية ا. دعوته إلى تأسيس منظمات المجتمع المدني. ب. دعوته إلى إنشاء "مجالس شورى محلية" في البلاد الإسلامية. ج. تبنيه لمبدأ اللاعنف كوسيلة للتغيير السياسي والاجتماعي. د. دعمه للمؤسسات الثقافية التي تنشر الفكر المعتدل وتقبل الحوار. الخاتمة لقد شكل المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي علامة فارقة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما في تناوله لمفهوم التعددية بمستوياته المختلفة، وقد استطاع أن يقدم رؤية إسلامية عقلانية وإنسانية للتعدد، تنبع من القرآن والسنة، وتدعو إلى احترام الاختلاف، وتغليب الحوار، وتكريس الشورى، ونبذ الاستبداد والتسلط، ومن هذا الاساس يمكن ذكر جملة من التوصيات التي تسهم في زيادة الوعي الاجتماعي في نشر ثقافة التعددية وتطبيقها: 1. تعزيز ثقافة الحوار بين الاديان السماوية من اجل ضمان تقارب المجتمعات الانسانية، فضلاً عن ترسيخ مبدأ الحوار والتفاهم والانسجام بين المذاهب الإسلامية لتعزيز روح الاخوة الاسلامية. 2. إدراج مفاهيم التعددية السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية ضمن المناهج التعليمية لتنشئة اجيال مؤمنة بأهمية التعددية. 3. دعم الافكار الداعية لنشر الحرية والشورى والتعايش السلمي والايمان بالتعددية والحوار وغيرها من القيم الاسلامية الاصيلة. 4. إنشاء مؤسسات بحثية تعنى بالبحث في مضمار التعددية وتطبيقاتها العملية. 5. نشر مؤلفات الامام الشيرازي المتعلقة بالتعددية بشكل موسع في المكتبات والجامعات. 6. الدعوة الى تعزيز العمل المؤسسي والشوروي في المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية. 7. تشجيع النقاشات الحرة والبناءة في المجتمعات الإسلامية.