
خواجة فى الريف المصرى
شغلتنا الأحداث المتتالية منذ انتهاء جائحة كورونا، وأقصد بها الحرب الروسية الأوكرانية، ثم مأساة غزة، وما تلاها من عدوان على لبنان، ومتغيرات حادة فى سوريا، شغلنا كل ذلك عن متابعة الكتابات الجديدة المهمة، لا سيما مع تراجع الحركة النقدية، ومتابعات الكتب فى مصر والعالم العربى.
من الكتب المهمة التى صدرت فى العام الماضى، كتاب «الفلكلور المصرى: يوميات عالم ألمانى فى الريف المصرى»، ترجمة عالم الفلكلور الجليل الدكتور محمد الجوهرى، وصدرت الترجمة عن المركز القومى للترجمة.
الكتاب فى الأصل هو يوميات هانز فينكلر فى الريف المصرى من عام ١٩٢٩ وحتى عام ١٩٣٤. ويحدد الجوهرى أهمية فينكلر ورحلاته ويومياته لموقعها الريادى فى تاريخ علم الفلكلور فى مصر: «شرع فينكلر فى جمع كتابه وفى يده خطة واضحة ذات أهداف وأبعاد محددة، ألا وهى إنجاز الدراسات التمهيدية لأطلس مصرى للفلكلور، على غرار أطلس الفلكلور الألمانى».
ولم يرضَ فينكلر بالإقامة فى القاهرة، بل قام برحلات ميدانية لجمع المادة العلمية، عبر وادى النيل والواحات والصحراء. وكان فينكلر يفضل الإقامة فى بيوت الفلاحين، والجلوس معهم على المصطبة، وأحاديث السمر على ضوء القمر، وطرح الأسئلة عليهم، ثم تدوين ذلك. كما قام أيضًا برحلات فى الصحراء مع قوافل البدو، ليرى ويسمع بنفسه، ويعايش تلك المجتمعات، وشملت رحلات فينكلر الدلتا والصعيد، وجنوب مصر، والصحراء الشرقية والغربية.
كما قام فينكلر بتطبيق المناهج الحديثة- آنذاك- فى علم الفلكلور على رحلاته وأبحاثه ومنها «الكلمات والأشياء»، وهو المنهج الذى يستدل من أسماء الآلة أو الأداة التى يستخدمها المجتمع محل الدراسة على التاريخ الاجتماعى لها، وانعكاسات ذلك على تحديد وإبراز المناطق الثقافية. ساعده على ذلك تخصصه وإتقانه للغات السامية.
وتوضح اليوميات كيف استطاع فينكلر إقامة علاقات إنسانية ناجحة مع المجتمعات التى عايشها، سواء من خلال التحدث معهم بالعربية، أو التودد إليهم من خلال بعض الهدايا، لا سيما السجائر.
ومن أكثر الآلات الزراعية التى قام بدراستها آلة المحراث، نظرًا لأهميتها فى التاريخ الاقتصادى والثقافى فى الريف المصرى. كما قام بدراسة لغوية ثقافية حول أصول أسماء بعض أدوات المعيشة الحديثة، حتى فى الريف المصرى، ولاحظ مدى تأثير اللغة الإيطالية على هذه المسميات آنذاك.
كما رصد فينكلر مدى انتشار وتأثير الطرق الصوفية فى الريف المصرى، آنذاك، وقبل الهجمة السلفية، كما أشار إلى أهم هذه الطرق وأماكن أتباعها فى الريف المصرى. ومن الملاحظات المهمة التى رصدها نظرة الفلاح المصرى إلى الصحراء آنذاك، فهو لا يهتم بها كثيرًا، بل إنها كثيرًا ما تثير رعبه، سواء لوحشتها، أو لأنها مصدر هجوم البدو على القرى الآمنة.
كما يرصد المفارقات بين الدين الرسمى، والدين الشعبى، وإيمان البسطاء فى «الرجال الصالحين»، هؤلاء الذين «تتقمصهم فى أوقات معينة روح أحد الموتى لتبعث على لسانه تعليمات ونصائح للناس».
ويذكر فينكلر كيف أنه دخل فى نقاش حاد مع عجوز متعصب، لأن فينكلر قال إن الجنة سيدخلها الجميع دون النظر إلى الاختلاف الدينى، بينما أصر العجوز على حرمة دخول الجنة لغير المسلم! ورغم استمتاع فينكلر برحلاته، إلا أنه يذكر أحيانًا تعرضه لمضايقات نتيجة شك البعض فيه على أنه ربما يكون «جاسوسًا»، أو حتى من رجال الحكم فى القاهرة، لكنه كان يستطيع التغلب على ذلك سواء بمعسول الكلام، أو بعض الهدايا.
الكتاب مهم ومثير، رحلات ويوميات عن قرى الدلتا وصولًا إلى قرى النوبة، وبدو الصحراء، عن الآلات الزراعية، إلى الطاحونة وصناعة الخبز، عن التعددية والتنوع فى مصر التى ربما لا نعرفها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بوابة الأهرام
١٠-٠٣-٢٠٢٥
- بوابة الأهرام
وزارة الشباب تُنظّم سلسلة لقاءات تعريفية للبرنامج القيادي "ريحانة" بمحافظتي الشرقية والإسماعيلية
محمد الجوهرى تأكيدًا على دور المرأة في بناء المجتمع، وتزامنًا مع يوم المرأة العالمي 2025، أطلقت وزارة الشباب والرياضة سلسلة من اللقاءات التعريفية للبرنامج القيادي "ريحانة" بمحافظتي الشرقية والإسماعيلية، تحت رعاية الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، وتنفيذ الإدارة المركزية لتنمية النشء – الإدارة العامة للموهوبين والمبدعين. موضوعات مقترحة جاءت اللقاءات لترسم ملامح جيل جديد من الفتيات القياديات، عبر مناقشة محاور أساسية تُمكن الفتاة من تعزيز وعيها وصقل شخصيتها، بدءًا من دورها في المجتمع، والتوعية الصحية والقانونية، والقيادة النسوية، والاستقلالية، والإتيكيت، والمخاطر المجتمعية، وصولًا إلى تدريبات الزومبا التي تمنحها طاقة إيجابية وثقة بالنفس. ويُعد برنامج "ريحانة" من المبادرات الريادية التي أطلقتها الوزارة تحت رعاية السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، مستهدفًا الفتيات من سن 13 إلى 18 عامًا، بهدف تمكينهن من التعبير عن أنفسهن، وتنمية مهاراتهن، وترسيخ ثقافة الوعي المجتمعي لديهن. بهذه الخطوة، يؤكد "ريحانة" التزامه بمسيرة التمكين، ليكون منصة تُضيء الطريق أمام الفتيات نحو الريادة والمسؤولية، في ظل رؤية الجمهورية الجديدة التي تؤمن بدور المرأة كشريك رئيسي في التنمية المستدامة. البرنامج القيادي ريحانة بمحافظتي الشرقية والاسماعيلية


الدستور
١٣-٠٢-٢٠٢٥
- الدستور
خواجة فى الريف المصرى
شغلتنا الأحداث المتتالية منذ انتهاء جائحة كورونا، وأقصد بها الحرب الروسية الأوكرانية، ثم مأساة غزة، وما تلاها من عدوان على لبنان، ومتغيرات حادة فى سوريا، شغلنا كل ذلك عن متابعة الكتابات الجديدة المهمة، لا سيما مع تراجع الحركة النقدية، ومتابعات الكتب فى مصر والعالم العربى. من الكتب المهمة التى صدرت فى العام الماضى، كتاب «الفلكلور المصرى: يوميات عالم ألمانى فى الريف المصرى»، ترجمة عالم الفلكلور الجليل الدكتور محمد الجوهرى، وصدرت الترجمة عن المركز القومى للترجمة. الكتاب فى الأصل هو يوميات هانز فينكلر فى الريف المصرى من عام ١٩٢٩ وحتى عام ١٩٣٤. ويحدد الجوهرى أهمية فينكلر ورحلاته ويومياته لموقعها الريادى فى تاريخ علم الفلكلور فى مصر: «شرع فينكلر فى جمع كتابه وفى يده خطة واضحة ذات أهداف وأبعاد محددة، ألا وهى إنجاز الدراسات التمهيدية لأطلس مصرى للفلكلور، على غرار أطلس الفلكلور الألمانى». ولم يرضَ فينكلر بالإقامة فى القاهرة، بل قام برحلات ميدانية لجمع المادة العلمية، عبر وادى النيل والواحات والصحراء. وكان فينكلر يفضل الإقامة فى بيوت الفلاحين، والجلوس معهم على المصطبة، وأحاديث السمر على ضوء القمر، وطرح الأسئلة عليهم، ثم تدوين ذلك. كما قام أيضًا برحلات فى الصحراء مع قوافل البدو، ليرى ويسمع بنفسه، ويعايش تلك المجتمعات، وشملت رحلات فينكلر الدلتا والصعيد، وجنوب مصر، والصحراء الشرقية والغربية. كما قام فينكلر بتطبيق المناهج الحديثة- آنذاك- فى علم الفلكلور على رحلاته وأبحاثه ومنها «الكلمات والأشياء»، وهو المنهج الذى يستدل من أسماء الآلة أو الأداة التى يستخدمها المجتمع محل الدراسة على التاريخ الاجتماعى لها، وانعكاسات ذلك على تحديد وإبراز المناطق الثقافية. ساعده على ذلك تخصصه وإتقانه للغات السامية. وتوضح اليوميات كيف استطاع فينكلر إقامة علاقات إنسانية ناجحة مع المجتمعات التى عايشها، سواء من خلال التحدث معهم بالعربية، أو التودد إليهم من خلال بعض الهدايا، لا سيما السجائر. ومن أكثر الآلات الزراعية التى قام بدراستها آلة المحراث، نظرًا لأهميتها فى التاريخ الاقتصادى والثقافى فى الريف المصرى. كما قام بدراسة لغوية ثقافية حول أصول أسماء بعض أدوات المعيشة الحديثة، حتى فى الريف المصرى، ولاحظ مدى تأثير اللغة الإيطالية على هذه المسميات آنذاك. كما رصد فينكلر مدى انتشار وتأثير الطرق الصوفية فى الريف المصرى، آنذاك، وقبل الهجمة السلفية، كما أشار إلى أهم هذه الطرق وأماكن أتباعها فى الريف المصرى. ومن الملاحظات المهمة التى رصدها نظرة الفلاح المصرى إلى الصحراء آنذاك، فهو لا يهتم بها كثيرًا، بل إنها كثيرًا ما تثير رعبه، سواء لوحشتها، أو لأنها مصدر هجوم البدو على القرى الآمنة. كما يرصد المفارقات بين الدين الرسمى، والدين الشعبى، وإيمان البسطاء فى «الرجال الصالحين»، هؤلاء الذين «تتقمصهم فى أوقات معينة روح أحد الموتى لتبعث على لسانه تعليمات ونصائح للناس». ويذكر فينكلر كيف أنه دخل فى نقاش حاد مع عجوز متعصب، لأن فينكلر قال إن الجنة سيدخلها الجميع دون النظر إلى الاختلاف الدينى، بينما أصر العجوز على حرمة دخول الجنة لغير المسلم! ورغم استمتاع فينكلر برحلاته، إلا أنه يذكر أحيانًا تعرضه لمضايقات نتيجة شك البعض فيه على أنه ربما يكون «جاسوسًا»، أو حتى من رجال الحكم فى القاهرة، لكنه كان يستطيع التغلب على ذلك سواء بمعسول الكلام، أو بعض الهدايا. الكتاب مهم ومثير، رحلات ويوميات عن قرى الدلتا وصولًا إلى قرى النوبة، وبدو الصحراء، عن الآلات الزراعية، إلى الطاحونة وصناعة الخبز، عن التعددية والتنوع فى مصر التى ربما لا نعرفها.


اليوم السابع
٢٨-١٢-٢٠٢٤
- اليوم السابع
القومى للترجمة ينظم ندوة لمناقشة كتاب الفولكلور المصري غدا
ينظم ا لمركز القومي للترجمة يوم الأحد المقبل 30 ديسمبر الساعة 12 ظهرا بالمركز القومي للترجمة ندوة لمناقشة كتاب الفولكلور المصري تأليف فنكلر وترجمة دكتور محمد الجوهري. ويشارك في مناقشة الكتاب الدكتور سعيد المصري ، والدكتور سامي سليمان، والدكتور خالد ابو الليل، وذلك في المركز القومي للترجمة بساحة الأوبرا. يضم كتاب "الفولكلور المصري" أكبر حشد المادة فولكلورية مصرية بعد كتاب العالم الإنجليزي إدوارد وليام لين الشهير عن عادات المصريين المحدثين الصادر عام 1836، إذ يتميز بوجود خطة واضحة الأهداف بحيث أصبح الكتاب أكثر من مجرد عملية جمع وتسجيل تستهدف التعرف إلى التاريخ الحضاري والواقع الاجتماعي للشعب المصري هكذا بصفة عامة، إضافة إلى اتساع نطاق ظواهر التراث الشعبي التي تعرض لها كتاب فينكلر بالدراسة، ويكفي أن نشير هنا إلى مدى الأهمية التي حظيت بها عناصر الثقافة المادية - من أدوات عمل وإنتاج وكذلك اتساع نطاق المصدر الذي جمعت منه هذه المادة فشمل مصر من شمالها إلى أقصى جنوبها، ومن شرقها لغربها. ومهما يكن في كتاب "فينكلر" من نواحي قصور فقد جعلته المميزات الكثيرة التي يجمعها مرجعا لا يمكن الاستغناء عنه لأي مشتغل بالتراث الشعبي بل بالتاريخ الحضاري لمصر وكذلك للمهتمين بدراسات الفولكلور في البلاد المجاورة. وتعد الدراسة الشاملة التى يتضمنها كتاب "الفولكلور المصري" للباحث الألمانى الأشهر فى علم الفولكلور سابقة فى أسلوبها واستنتاجاتها، وبالتالى فهى تحتفظ بأهميتها اليوم، ليس فقط للفولكلور المصرى، ولكن أيضا لتاريخ الأنثروبولوجيا والتاريخ الاجتماعى لمصر.