
المقاوم مولاي عبد السلام الجبلي يكتب: « الكتاتيب القرآنية والمدارس الوطنية: إضاءات حول تعليم الذكور والإناث في مراكش الأربعينيات »
تتشرف جريدة مراكش الإخبارية وموقع مراكش7 بنشر هذا المقال الذي توصلت به من المقاوم الفذ مولاي عبد السلام الجبلي الذي يستعيد فيه ملامح الكتاتيب القرآنية والمدارس الوطنية كمدرسة الفضيلة ومدرسة الحياة والمدرسة العبدلاوية والمدرسة الحسنية..والأدوار التي اطلعت في تعليم الذكور والإناث من أبناء مدينة مراكش في أربعينيات القرن الماضي.
مولاي عبد السلام الجبلي من مواليد 1929 أطال الله في عمره، وكما هو معلوم فهو أيقونة فذة من أيقونات المقاومة المسلحة والكفاح الوطني، تشرًب الفكر التحرري وهو لم يشب بعد عن الطوق، بنكران للذات نذر حياته من أجل تحقيق الاستقلال إبان فترة الحماية الفرنسية، كابد مرارة الإعتقال مرات عديدة بسجون القنيطرة، مراكش، تارودانت، ورزازات، تازناخت، والدار البيضاء، قبل أن يتجرع مرارة النفي خارج أرض الوطن بعد أن حكم عليه بالإعدام ثلاث مرات.
صدر له حول سيرته الذاتية كتاب تحت عنوان « يوميات العمل الوطني المسلح في المغرب » للكاتب عبد الله العلوي، وكتاب ثان بعنوان: « المقاومة وتستمر الحكاية » للكاتب أسامة الزكاري، ثم كتاب ثالث موسوم ب « أوراق من ساحة المقاومة المغربية » باللغتين العربية والفرنسية، ومن المنتظر أن يصدر له كتاب جديد خلال الأيام القليلة القادمة.
في 1934 أمر والدي العائلة بأخذي إلى الكُتاب، وكنا نسكن في حي سيدي أحمد السوسي، حيث يقع ضريح سيدي سليمان الجزولي، وكان الكتاب القرآني في سوق الغاسول الذي يتوفر على ثلاثة كتاتيب قرآنية، وكان السي لحسن السوسي يتولى التدريس في هذا الكتاب وعلى يده حفظت القرآن الكريم إلى حدود سورة الرحمان. جرت العادة الاحتفاء بالأطفال الذين حفظوا القرآن الكريم إلى حدود سورة الرحمان، طافوا بي أضرحة الأولياء السبعة* على متن جواد برفقة الأهل والعائلة والتلاميذ خاصة الصغار من الكتاتيب القرآنية، والطبالة، والغياطة، وانطلق الجميع في إنشاد هذه الكلمات:
قلم الحقيقة أوجب مانقولُ
نقول صدقا تعرفه العقولُ
ومـامــحــمــد إلا رســـولٌ
رسول الله أحمد يا شفـيع
عندما أتممت حفظ القرآن الكريم أقام والدي حفلا للعائلة والأصدقاء والطلبة وأهل الحي وتلاميذ الكتاتيب، وسلموني « اللوحة » وهي لوحة تخطط من طرف خطاط موسومة بآية قرآنية كأنها شهادة، تسلم للطفل تنويها به إذا وصل مرحلة الرحمان أو طه، أو إذا تخرج وختم القرآن. واللوحة يتسلمها أستاذ الكتاب القرآني، وأثناء الاحتفال يجلس الطفل على كرسي وسط الحفل حاملا لوحة ويبدأ المدعوون في وضع إكراميات أو مايسمى شعبيا « غرامة » على اللوحة، تُسلم للفقيه/الأستاذ الذي يجلس بجانب الطفل المحتفى به، إذ تفرغ المبالغ التي على اللوحة في حضن الفقيه ويسلم عليه المدعوون ويشركونه على عنايته بالطفل. وهكذا أقيمت ثلاثة احتفالات: الرحمان، وطه، والختم، رحم الله الفقيه الجليل لحسن السوسي وجزاه خيرا.
*عبد السلام الجبلي والمرحوم عبد الله إبراهيم*
كنت قد انتقلت مع العائلة إلى حي قاعة بناهيض ولم أغادر الكُتاب القرآني بسوق الغاسول، إلا أن السلكة* الثانية تمت في حارة الصورة بمسجد سيدي بوحربة، الكتاب القرآني الملحق به، وعلى يد الفقيه سيدي علال المسيوي، أما السلكة الثالثة فكانت على يد الفقيه بوعزة في قاعة بناهيض ثم التحقت بجامعة بنيوسف في 1946، وكان عمري 17 سنة، كنا ندرس في حلقات حسب الأقسام الابتدائي، والثانوي الأول والثاني، والنهائي الابتدائي: 3 أقسام، والثانوي الأول: 3 أقسام، والثانوي الثاني: 3 أقسام، والنهائي: 3 أقسام، والتخرج يكون إما في الشريعة، أو الآداب. ويأخذ الدارس شهادة العالِمية عند التخرج. ومن المعروف أن جامعة ابن يوسف تأسست في العصر المرابطي، وكانت الدراسة فيها في حلقات في البداية تختم بإجازة مكتوبة من الفقيه الذي يُدرس المادة. لكن هذا النظام اتسم ببعض الارتباك، وفي بداية الأربعينيات تولى المرحوم ابن عثمان رئاسة الجامعة فوضع النظام وأُسس الإدارة وهيئة الأساتذة والأقسام، وسنوات التعليم كما شرحنا سابقا. وقد تعرض الفقيه بن عثمان لحملة ظالمة من طرف الحركة الوطنية وكتبوا على الجدران اسمه باعتباره خائنا. والواقع أن الفقيه بن عثمان كان له هدفٌ سام هو إعادة الاعتبار للجامعة اليوسفية وتنظيمها ووضع أسس تربوية وإدارية تحكمها، الأمر الذي لم يُدرك من طرف مجايليه فاعتقدوا أنه يقوم بمؤامرة ضد وحدة الحركة الوطنية في التعليم مع جامعة القرويين بفاس، مما أدى إلى إصابته بسكتة قلبية نتيجة هذه الحملة الظالمة. كان منزله في حي المواسين، وكان الجدار المقابل لمنزله يمتلئ بالكتابات المناوئة له، مما عجل -كما أشيع- بوفاته، وتولى رئاسة الجامعة بعده الأستاذ عبد القادر المسيوي، ومن طاقمه الإداري مولاي الصديق العلوي ومحمد بن المعلم وغيرهم.
كنت قد انخرطت في الحركة الوطنية قبل أن ألج جامعة ابن يوسف بعامين في 1944، وقد طردت من الجامعة بسبب مواقفي –مع جماعة من الوطنيين- حوالي 1950، وكنت الوحيد الذي صدر القرار بطرده نهائيا ومنعه من ولوج أي مدرسة أخرى سواء بمكناس أو فاس، فالتحقت بمدرسة التعليم الحرة أو التقليدية بشيشاوة بمنطقة السعيدات، وهي مدرسة داخلية لا تأتمر بأمر السلطات الاستعمارية، ودرست فيها لموسمين، وكان الأستاذ والمشرف على المدرسة يُدعى السي عبد القادر من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان يدرسنا وهو على كرسي متحرك رحمه الله.
مدرسة الفضيلة للبنات
تأسست مدارس الحركة الوطنية بمراكش -والمغرب ككل- بهدف تعليم صغار الذين لم ينخرطوا في التعليم الفرنسي/الأجنبي، وكانت أول مدرسة: مدرسة الحياة، كان مقرها بحي المواسين في درب اسنان، وبعد الأربعينيات بدأ تأسيس المدارس التي أشرفت عليها الحركة الوطنية وهي عديدة منها المدرسة العبدلاوية والحسنية والقصبة وغيرها. وقد انتبه الإخوة في الحركة الوطنية إلى ضرورة تعليم البنات، فتم إنشاء مدرسة الفضيلة. كانت أغلب العائلات تتخوف من تدريس بناتها وخروجهن من المنزل، إلا بعض العائلات من الأعيان الذين وافقوا على ذهاب البنات إلى المدرسة وأغلبهن تجاوزن مرحلة الطفولة، وأغلب المدارس الوطنية لم تك تحدد سنا للتعلم؛
ومن أهم العائلات المراكشية التي سمحت لبناتها بالذهاب إلى المدرسة عائلة الشرايبي، وعائلة العاصمي، وعائلة السنتيسي، وعائلة الفقيه بنعبد الرازق وغيرها.
وقد تطوع أعضاء الحركة الوطنية للتدريس فيها، منهم الراحل أحمد الشهيدي، ومن الطريف أن الأخ الشهيدي كان في حالة مرضية أو عطلة فطلب مني أن أنوب عنه ودَرّستُ فيها لمدة أسبوع إلى أن عاد من عطلته، ومن أساتذة « الفضيلة » أذكر الصديق الغراس، وعبد النبي بلعادل، وعبد القادر بناني، وهناك من قدم بها دروسا في بعض المناسبات كالأستاذ عبد الله إبراهيم. وقد تعرف على زوجته السيدة فاطمة السنتيسي في مدرسة الفضيلة. وتمتد فترة الدراسة صباحا ومساء. وأثناء تأسيس المدرسة فكر الإخوة في من يكون مديرا ويتصف بصفات تطمئن العائلات لإرسال بناتهن للمدرسة، وقد اتفق عبد الله إبراهيم ومحمد الملاخ وعبد القادر حسن على تعيين حسن العاصمي شقيق عبد القادر حسن.
كان لمبادرة السلطان محمد الخامس بتشجيع كريمته الأميرة عائشة على إلقاء الخطابات وإظهارها كمتعلمة أثر في تشجيع العائلات على انخراط بناتهن في المدارس، وقد لعبت مدرسة الفضيلة دورا هاما في تعليم المرأة بمراكش والنواحي والآفاق.
*سبعة رجال بمراكش هم: الإمام السهيلي، القاضي عياض، أبو العباس السبتي، الغزواني، يوسف بن علي، سليمان الجزولي وعبد العزيز التباع.
*السلكة هي ختم وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب مرة أولى أوثانية أو ثالثة.
● م.الصديق العلوي: خريج ابن يوسف شاعر وأديب وله ديوان مطبوع مع مخطوطات لم تصدر بعد ، وكان دبلوماسيا وصديقا حميما للراحل امحمد بوستة، توفي مولاي الصديق العلوي سنة 2014.
● أحمد الشهيدي: من أعضاء الحركة الوطنية بمراكش، مارس الصحافة، وكان شاعرا، تولى القضاء وكان رئيسا للمحكمة بمراكش وبني ملال، تزوج أرملة الراحل الشهيد محمد الزرقطوني.
● محمد بن المعلم: أديب ومثقف موسوعي، كان مديرا للخزانة والمكتبة الجهوية بمراكش.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كازاوي
منذ 9 ساعات
- كازاوي
المغرب يرتقي في مؤشر التنمية البشرية وخنيفرة تقدم نموذجا محليا للتنمية المستدامة
حقق المغرب خلال سنة 2025 تقدما لافتا في مؤشر التنمية البشرية، مسجلا 0.710 نقطة، مامكنه لأول مرة من الالتحاق بفئة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة، حسب تصنيف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وإن دل هذا الإنجاز على شيء، فإنما يدل على المجهودات الجبارة التي بذلتها الأقسام الاجتماعية على مستوى أقاليم وعمالات المملكة، وعلى سبيل المثال، عمالة إقليم خنيفرة، التي راكمت على مدى عشرين سنة تجربة تنموية رائدة وميدانية. فمنذ انطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، شهد الإقليم دينامية متواصلة، ترجمت إلى مشاريع مهيكلة همت التعليم، والصحة، والماء، والتمكين الاقتصادي، والبنيات الأساسية، مع تركيز خاص على الفئات الهشة بالمناطق القروية والجبلية. وقد ساهم التنسيق المحكم بين المصالح الإدارية والمجتمع المدني في تحقيق نتائج ملموسة، جعلت من خنيفرة نموذجا محليا لمسار تنموي قائم على الاستدامة والشمول. وفي أجواء احتفالية تطبعها روح المسؤولية والاعتزاز، احتضنت قاعة الندوات بعمالة إقليم خنيفرة، اليوم الاثنين 19 ماي 2025، لقاء موسعا بمناسبة ذكرى هذا الورش الملكي الكبير، الذي اختير له هذه السنة شعار: 'المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، 20 سنة من خدمة التنمية البشرية.' وحضر هذا الإجتماع الموسع كل من الكاتب العام للعمالة، ورئيس قسم الشؤون الداخلية، والباشوات، والقياد، ورؤساء الجماعات الترابية بالإقليم، إلى جانب نخبة من المنتخبين، ورؤساء المصالح الخارجية، وفعاليات من المجتمع المدني. وفي مستهل هذا اللقاء، ألقى السيد عامل إقليم خنيفرة كلمة بالمناسبة أشاد من خلالها بحصيلة 20 سنة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مبرزا أن هذه الذكرى تشكل محطة سنوية لتجديد الالتزام الجماعي بمبادئ المبادرة الوطنية، التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله سنة 2005، كورش ملكي طموح يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الهشة والمعوزة. وأكد السيد العامل أن المبادرة الوطنية ليست مجرد برنامج تنموي، بل سياسة حكيمة تجسد رؤية استراتيجية عميقة تنبني على حكامة جيدة، وتدبير مندمج، وتخطيط قائم على النتائج والتقييم المستمر. كما استحضر مضامين الخطاب الملكي السامي ليوم 13 أكتوبر 2006، والذي أكد فيه جلالة الملك على الأهمية القصوى لاعتماد مبادئ الشفافية، والمساءلة، والمشاركة المواطنة، باعتبارها أسسا لنجاح هذا الورش الوطني الكبير. وفي عرض شامل للمراحل الثلاث للمبادرة، أبرز السيد العامل ما تحقق من مكتسبات على مستوى الإقليم: ▪︎ المرحلة الأولى (2005-2010): ركزت على تحسين البنيات التحتية والخدمات الأساسية، حيث تم إنجاز 273 مشروعا بغلاف مالي إجمالي بلغ 117.5 مليون درهم، ساهمت المبادرة فيه بـ83.2 مليون درهم. ▪︎ المرحلة الثانية (2011-2018): وضعت خلالها أسس التمكين الاقتصادي والاجتماعي للفئات الهشة، وتم تنفيذ 851 مشروعا بتكلفة إجمالية ناهزت 290.12 مليون درهم، منها 198.76 مليون درهم كمساهمة من المبادرة. ▪︎المرحلة الثالثة (2019-2025): شكلت تحولا نوعيا من خلال التركيز على تنمية الرأسمال البشري، خاصة في مجالات الطفولة المبكرة، والصحة، والتعليم، والإدماج الاقتصادي للشباب. وتم خلالها إنجاز 664 مشروعا بغلاف مالي قدره 350.60 مليون درهم، منها 284.06 مليون درهم كمساهمة مباشرة من المبادرة. وحرص السيد العامل على التأكيد أن هذه الحصيلة المشرفة، والتي بلغت ما يفوق 1788 مشروعا على أرض الواقع، بتكلفة إجمالية تقدر بـ 757.62 مليون درهم، منها 565 مليون درهم كمساهمة من المبادرة، تعكس المجهود الجماعي لكل الفاعلين من سلطات محلية، ومجالس منتخبة، ومصالح خارجية، ومجتمع مدني، وشركاء تنمويين. وأشار السيد العامل في ختام كلمته إلى أن الاحتفال بالذكرى العشرين يشكل مناسبة لتقييم المسار، وتثمين المكتسبات، واستشراف آفاق جديدة، حيث سيتم خلال الفترة من 19 إلى 24 ماي تنظيم منتديات وندوات موضوعاتية لإبراز التجارب الناجحة وتسليط الضوء على مشاريع متميزة بالإقليم. واعتبر أن تاريخ 18 ماي من كل سنة يظل موعدا متجددا لتعميق النقاش حول سبل تعزيز التنمية البشرية، وتجديد الانخراط في هذا الورش الملكي، الذي لا يزال يشكل أحد الروافد الأساسية لتكريس الكرامة، وتقليص الفوارق، وبناء مغرب الإنصاف والمساواة. بعد كلمة السيد العامل، تم تقديم عرض قيم حول حصيلة القسم الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بإنجازات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مستوى الإقليم خلال العشرين سنة الماضية. وفي الختام، تم في اليوم الأول من هذا الإحتفال الذي سيمتد نحو اسبوع كامل، توزيع عدد من سيارات الإسعاف المجهزة بكامل التجهيزات الطبية على مجموعة من الجماعات الترابية.


المغربية المستقلة
منذ 9 ساعات
- المغربية المستقلة
وزان تحتفي بـ20 سنة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: مشاريع بمئات الملايين وأثر ملموس في القرى والمراكز
المغربية المستقلة : بمرور عقدين على انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، اختارت عمالة إقليم وزان أن تجعل من هذه الذكرى محطة تقييم وتأمل في منجزات ورش ملكي غيّر وجه التنمية المحلية، خاصة في المناطق الهشة والنائية. في هذا السياق، احتضن مقر عمالة الإقليم، يوم الإثنين 19 ماي 2025، لقاءً رسميًا ترأسه عامل الإقليم، بحضور رئيس المجلس الإقليمي، ورؤساء الجماعات، وممثلي المصالح اللاممركزة، وأعضاء اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، ومختلف الفاعلين الترابيين، وذلك تحت شعار: '20 سنة في خدمة التنمية البشرية'. وفي كلمته بالمناسبة، ذكّر عامل الإقليم بالأهمية المحورية التي تحتلها المبادرة الوطنية، منذ إطلاقها من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 18 ماي 2005، باعتبارها أداة استراتيجية لتحسين مؤشرات التنمية ومحاربة الفوارق الاجتماعية والمجالية. وبلغة الأرقام، استعرض المسؤول الترابي حصيلة ثلاث مراحل متتالية من العمل التنموي. ففي المرحلتين الأولى والثانية، تم إنجاز 663 مشروعًا بغلاف مالي إجمالي بلغ 305 مليون درهم، ساهمت فيه المبادرة بـ153 مليون درهم، مكنت من تحسين ظروف عيش حوالي 298.570 مستفيدًا. أما المرحلة الثالثة التي انطلقت سنة 2019 والممتدة إلى غاية 2025، فقد شهدت دينامية غير مسبوقة، تُرجمت إلى 860 مشروعًا باستثمار إجمالي بلغ 265 مليون درهم، من بينها 252 مليون درهم ممولة من طرف المبادرة، وهو ما مكن من الوصول إلى أزيد من 388 ألف مستفيد، موزعين على جميع الجماعات الترابية بالإقليم. المشاريع شملت مجالات متعددة وذات طابع اجتماعي مباشر، أبرزها البنيات التحتية الأساسية، خدمات الصحة والتعليم الأولي، دعم الأنشطة المدرة للدخل، خلق فرص الشغل للشباب، والاهتمام بصحة الأم والطفل. كما أشاد السيد العامل بالانخراط الجماعي لكافة المتدخلين، داعيًا إلى الحفاظ على نفس وتيرة التنسيق والتعبئة لضمان استمرارية هذا الورش، واستثمار مكتسباته في أفق تحقيق تنمية محلية أكثر إنصافًا واستدامة. الاحتفال بذكرى المبادرة لن يقتصر على اللقاء الرسمي، إذ تمت برمجة سلسلة من الورشات والزيارات الميدانية والعروض التقييمية من 19 إلى 30 ماي الجاري، بمشاركة جمعيات المجتمع المدني والمصالح التقنية، لإبراز وقع المشاريع ومشاركة التجارب الميدانية الناجحة. هكذا، يواصل إقليم وزان مساره التنموي بخطى ثابتة، مستفيدًا من روح وفلسفة المبادرة الوطنية، التي ما تزال تؤكد بعد عشرين سنة أنها أكثر من مجرد برامج تمويل، بل رؤية متكاملة لتنمية الإنسان والمجال.


المغربية المستقلة
منذ 9 ساعات
- المغربية المستقلة
عمالة إنزكان أيت ملول تحتفي بالذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تحت شعار:'20 سنة في خدمة التنمية البشرية
المغربية المستقلة : في أجواء احتفالية متميزة، ووفاءً لروح المبادرة الملكية السامية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في 18 ماي 2005، أشرف السيد إسماعيل أبو الحقوق، عامل عمالة إنزكان أيت ملول، بصفته رئيس اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، صباح يوم الإثنين 19 ماي 2025، على فعاليات الاحتفال الرسمي بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تحت شعار: 'المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: 20 سنة في خدمة التنمية البشرية.' وقد جرت أطوار هذا الحدث المتميز بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر العمالة، بحضور السادة أعضاء اللجنة الإقليمية، و السادة رؤساء المصالح الخارجية و الأمنية، و السادة رؤساء الجماعات الترابية، وممثلي جمعيات المجتمع المدني، وشركاء المبادرة، إلى جانب ثلة من الفاعلين المحليين والجهويين، وممثلي وسائل الإعلام. استُهل البرنامج الرسمي لاستحضار هذا الحدث الوطني، باستقبال المدعوين وتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاه عزف النشيد الوطني، ثم ألقى السيد العامل كلمة توجيهية استعرض فيها حصيلة المبادرة خلال عشرين سنة من العمل الميداني، مبرزًا الأهداف النبيلة التي رسمها جلالة الملك منذ انطلاق المبادرة سنة 2005، والتي تجسدت على أرض الواقع من خلال برامج ومشاريع نوعية شملت جميع الفئات المستهدفة، وعلى رأسها الشباب، والنساء، والأشخاص في وضعية هشاشة، والتلاميذ المنحدرون من أسر معوزة. و في كلمته بالمناسبة، أكد السيد العامل في أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عبر مراحلها الثلاث 2005-2010 و 2011-2018 و 2019-2025 عملت على اعتماد استراتيجية تروم في المرحلة الأولى والثانية الاشتغال على سد الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وبنايات الاستقبال من خلال إنجاز عدد مهم من المشاريع تهدف محاربة الإقصاء الاجتماعي بالأحياء الناقصة التجهيز ، ومحاربة الهشاشة ، والإدماج السوسيو اقتصادي ، وإنجاز عمليات ذات الوقع القوي على الأحياء والمجالات القروية التي تعرف خصاصا حادا ، في إطار مقاربة تشاركية وانخراط مختلف المتدخلين والفاعلين ، عملا بمنهجية الإلتقائية لتنسيق برامج المبادرة و البرامج التنموية والبرامج القطاعية. و أبرز في ذات السياق أن حصيلة المكتسبات المحققة تتجلى في ظل أجرأة هذا المشروع المجتمعي الطموح على مستوى هذه العمالة خلال 20 سنة الماضية على تطور مجموعة من المؤشرات القيمية والكمية ، والتي تعكسها تحسين ظروف عيش الساكنة المستهدفة وخاصة الفئات الأكثر هشاشة ، والتي كانت للعمليات الموجهة لفائدتها أثر إيجابي ووقع قوي . حيث شمل تدخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على وجه الخصوص دعم البنيات التحتية والتجهيزات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم والرياضة والثقافة ، وبنايات الاستقبال الاجتماعية ، والإدماج السوسيو- اقتصادي من خلال إحداث أسواق نموذجية لايواء الباعة المتجولين وخلق أنشطة مدرة للدخل لفائدة السجناء السابقين. و في ختام كلمته، جدد السيد العامل دعوته لجميع المتدخلين والفاعلين من سلطات عمومية ، وهيئات منتخبة وكل الفعاليات الاقتصادية وهيئات المجتمع المدني التي انخرطت في هذا الورش المجتمعي على مواصلة العمل بنفس التعبئة والابتكار لتعزيز هذه المكتسبات وتوجيهها لبلوغ الأهداف النبيلة والخلاقة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وترسيخ قيمها ومبادئها الفضلى خدمة لرعايا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره اللّٰه وأيده. و شكل الحفل مناسبة لتقديم عرض شامل لحصيلة إنجازات ومكتسبات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على صعيد الإقليم، منذ انطلاقتها إلى اليوم، حيث استهل بالتذكير بمضامين الخطاب الملكي السامي الذي أعلن فيه جلالة الملك عن إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، حيث اعتبرها 'ورشًا مفتوحًا باستمرار'، و'سياسة خلاقة تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية'. كما تم التأكيد على المبادئ الخمسة المؤسسة لهذا الورش: القرب، التشاور، الشراكة، التعاقد، والشفافية. و في هذا الإطار، عرفت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقتها ثلاث مراحل متكاملة: 1. المرحلة الأولى (2005-2010): تميزت بإطلاق برامج أفقية وموجهة لمحاربة الإقصاء الاجتماعي والهشاشة، وارتكزت على تشييد مشاريع اجتماعية كبرى، من أبرزها القطب الاجتماعي التكافلي بعمالة إنزكان أيت ملول، الذي حظي بتدشين ملكي سنة 2009. 2. المرحلة الثانية (2011-2018): شهدت توسيعًا في نطاق التدخلات وارتفاعًا ملحوظًا في التمويلات المخصصة، حيث بلغت الزيادة ما يفوق 125 مليون درهم مقارنة بالمرحلة السابقة. وتم تسجيل قفزة نوعية في عدد المشاريع، لاسيما في البنيات التحتية الرياضية والاجتماعية، حيث ارتفع عدد الملاعب من 3 إلى 29. 3. المرحلة الثالثة (2019-2025): جاءت هذه المرحلة لترسيخ المكتسبات وتطوير التدخلات في مجالات الصحة، التعليم، التمكين الاقتصادي، والتأهيل المهني، من خلال اعتماد منهجية جديدة تركز على المواكبة الفردية ودعم قدرات الفئات المستهدفة. كما تميزت حصيلة المبادرة خلال السنوات الأخيرة بتحقيق إنجازات من خلال إعطاء إنطلاقة لمجموعة من البرامج النوعية تجلت في: • قطاع التعليم: عبر تعزيز تعميم التعليم الأولي بإنشاء 32 وحدة تعليمية، ودعم برنامج 'مليون محفظة'، إلى جانب محاربة الهدر المدرسي في الوسطين الحضري والقروي. • قطاع الصحة: تم تحقيق انخفاض معدل وفيات الأمهات بنسبة 35% خلال العقد الأخير، بفضل برامج العناية بالأم والطفل، وتأهيل مراكز صحية كبرى بالعمالة، مثل مركز التمسي للولادة والمركز الإقليمي لإعادة التأهيل الوظيفي. • في مجال الإعاقة: تم إنشاء 11 مركزًا متخصصًا لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، تقدم خدمات تربوية، طبية واجتماعية، وتستهدف ما يفوق 1300 مستفيد بمختلف الجماعات الترابية. • في مجال التمكين الاقتصادي والتشغيل: تم إحداث منصتين للشباب بكل من أركانة (أيت ملول) والأمل (الدشيرة الجهادية)، استفاد من خدماتهما أزيد من 4000 شاب وشابة. كما تم إطلاق برنامج دعم المقاولة لدى الشباب وبرنامج إعادة تأهيل الباعة المتجولين. و عملت المبادرة على تنزيل الجهاز الترابي المندمج لحماية الطفولة بإنزكان أيت ملول، من خلال إحداث المركز الاجتماعي لحماية الطفولة في وضعية صعبة بحي الرمل، ومركز للمواكبة ومصلحة للمساعدة الاجتماعية المتنقلة، بكلفة إجمالية بلغت 5.5 مليون درهم، بشراكة مع وزارة التضامن والتعاون الوطني. فبفضل الجهود الحثيثة التي بذلت من لدن كل الشركاء بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرامجها المتعددة الأبعاد، حافظت المملكة المغربية على موقعها ضمن الدول ذات 'التنمية البشرية المرتفعة'، محتلة المرتبة 120 عالمياً من أصل 193 دولة، مع تجاوز مؤشر التنمية البشرية عتبة 0.700، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2025. و تضمن برنامج الاحتفال بالذكرى 20 لانطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عرض فيلم مؤسساتي يوثق للمسار التنموي الذي قطعته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقها، من خلال شهادات وشروحات حول التدخلات الميدانية، والمشاريع التي تم تمويلها وإنجازها في مجالات الصحة والتعليم والتكوين والتشغيل، ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وهو ما يعكس حجم التعبئة الجماعية والانخراط القوي لمختلف الشركاء، من سلطات، ومنتخبين، ومجتمع مدني، ومصالح خارجية. واختُتم هذا المحور بتنظيم حفل شاي على شرف الحضور، وفرصة للتواصل بين مختلف الفاعلين وتعميق النقاش حول سبل تطوير تدخلات المبادرة وتعزيز مردوديتها في المستقبل، خاصة في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها المنطقة، وتزايد حاجيات الساكنة في مجالات متعددة. و في إطار استكمال البرنامج الاحتفالي، أشرف السيد العامل و الوفد الرسمي المرافق له على تدشين المعرض الذي نظم بساحة الجماعة الترابية لإنزكان، حيث احتضن الفضاء منتدى تشاركيا تم خلاله عرض تجارب ناجحة متنوعة لجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الشريكة في تنفيذ مشاريع المبادرة الوطنية و مجموعة من الشباب الطموح بالإقليم الذين استفادوا من برامج الدعم و المواكبة ليؤسسوا مشاريعهم الخاصة، من خلال أروقة تبرز مسار الإنجاز، والنتائج المحققة، والإكراهات التي تم تجاوزها، وكذا الأثر الميداني على المستفيدين. و في ذات السياق، استعرضت كل الجماعات الترابية لأهم المنجزات المحققة لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على أرض الواقع و وقعها الإيجابي في الرقي بحياة المواطنين و المواطنات. و شكّل هذا الحدث البارز مناسبة لتجديد التزام مختلف المتدخلين بمواصلة الجهود وتثمين المكتسبات، مع تعزيز التنسيق المؤسساتي وتوسيع الشراكات، بما يضمن تحقيق الأهداف المسطرة للمرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمتمثلة في الاستثمار في الرأسمال البشري، وتحقيق العدالة المجالية، وتمكين الفئات الهشة من حياة كريمة وفرص متساوية. و يأتي تنظيم هذا الحفل الوطني في سياق استحضار الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، التي جعلت من التنمية البشرية محورا أساسيا للنهوض بأوضاع الفئات الهشة، وتقليص مظاهر الإقصاء، ودعامة أساسية لإرساء نموذج تنموي قائم على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وبهذا تكون عمالة إنزكان أيت ملول قد بصمت مرة أخرى على محطة تنموية بارزة، عكست روح المبادرة، وأظهرت التفاعل الإيجابي لجميع الفاعلين في خدمة المشروع المجتمعي و التنموي.