logo
القصائد البصرية والأبيات الشعرية المشبعة بالاستعارات

القصائد البصرية والأبيات الشعرية المشبعة بالاستعارات

الرياضمنذ 4 أيام
في حياتنا هناك لون واحد كما هو الحال في لوحه الفنان، والتي توفر معنى الحياة والفن، إنه لون الحب "مارك شاغال"، لأنه قلب صادق قادر على إيصال الصوت والصدح بمضامين تحتاج الإمعان والتفكير، عبر شريط سينمائي أمام أعين المتلقين، مثلت التجارب الإبداعية للفنان "هاني ررزق" إرهاصاً مهماً محفزاً لشحذ مسعى شعري ولغة صورية ذات تفرد بنزوع فريد نحو التبسيط الاختزالي لشاعر قبل أن يكون فناناً بصرياً، ينسج خيوطه الشعرية التي تدثر ثوب الفكرة لديه، ويغذيها من العوالم الصافية والتي انتقاها بمجهر الصدق والجدية لينجز ويبتكر ويشرق أكثر بالفكرة والفن لتكوينات حداثية منطلقها المفاهيمي تحرير الواقع من أكباله وتخليص مخيلة الفنان من براثن الواقع، والاحتفاء بجماليات التركيب والتحوير والتلخيص وطاقة التعبير بغرض التحديث الذي يؤطر الجوهر والمكتنز الذي ينتفض من التفاصيل الزائدة، وتحريف يجيش الاقتناص المشاهد لواقع نفسي أعمق للإفصاح عن مكنوناتها الداخلية، من خلال تضفير هارموني لعناصر منطلق حضورها إعلاء الشعري الحسي حسب مقتضيات المفاهيم الفنية والفلسفية.
فلم تتوازَ تأليفاته الفنية وتتماس مع الواقع الذهني الملموس الذي يشكل جزءاً من المحيط الواقعي أو تصدير ارتجالات فنية سريعة تحاكي المرئي وتمثل الأشياء كما هي في العالم الحقيقي -بل انطلق الفنان "هاني رزق" منذ بواكيره الفنية نحو تقديم اللامألوف وتصدير مشاعر من أعماق نفس شخوصه ونوازع الذات، عبر تحطيم أفق التوقع للمشاهد، وتشييد حداثته الخاصة وتجسيد شغفه وتشكيل كينونته التي تغذت من رحيق الشعرية والمنبثقة من الأحلام لقطع كل الصلات بالواقعي الظاهري السطحي وأنماط الهاجس الجمالي القديم، لتلمس شعرية مرتكزة على أعمدة الحلم وسلطة اليقظة النابضة التي تشبعت بها ذاته بنظرة متأملة تستوحي كوامن نفسه ‏مغلفة بروحانية ‏ورهافة حس تتسق مع منظوماته ‏الأدبية الشعرية ذات الشحنات والتوجهات المفعمة بالتعبيرية.
وضمن سعيه الحثيث الصادق لتسطير عوالم أسطورية خاصة ذات طوابع مقدسة، عبر خلطة فنية تشبه المنظومات الشعرية الرصينة والقصائد ذات الثراء الاستعاري الموسيقي، واللغة البصرية المقدسة تخلى "هاني رزق" عن زوايا الرؤية المنظورية وأصبحت أطروحاته الفنية ذات نسق متحرر من الحواجز التى تفصل بين الماضي والحاضر، فضلاً عن الجمع بين أمكنة وأزمنة متباينة في العمل نفسه، وتحركت عناصره منفردة تهمس إلى ذاتها وتصغى لأصوات عوالمها، مصاحبة لعناصر أخرى ونوافذ مفتوحة وشخوص تعزف لهم الموسيقى وتشاركهم المرح والانطلاق والصخب، في بيئات يتحاور فيها الحصان مع الدراجة والبنت والولد مع حيوانات وديعة وطيور صادقة وزهور وأوراق النبات والأشجار والبحيرات والأسماك، وتنزه في مراكب نيلية، وعلى شواطئ الأنهار، ويظهر الأطفال محلقين مع البالونات الملونة والطيور ووسط النجوم التي ترصع فضاءاته الحالمة، وداخل البيوت في علاقات الدفء والاحتواء والأمومة.
وفي اختلافه عن أقرانه وسائر فناني جيله، عبر مسعاه الشعري واللغة الصورية التعبيرية، ولعدم اقتراب أحد آخر من الفنانين من تجسيد حياة الفرح واللون والحب مثل الفنان "هاني رزق"، ينبري العالم الفني له من خلال أشروحاته التي (انطلقت من الواقع لإعادة تشكيل المفردات والعناصر وبثها داخل فضاءات من الدال والمدلول ومستويات سيمولوجية عميقة وبراءة فلسفية تتوشح بالبعد الروحي) لتدشين قوة مغناطيسية تجتر مشاعر المتلقي لمناطق وأحاسيس ومجريات خاصة داخل منظوماته التعبيرية التي تعكس مدي امتصاصه لرحيق القيم الحضارية في الفن المصري القديم واستردافها خلال عبوره إلى آفاق الحداثة- وتوضح التأثيرات الواسعة التي يمكن أن يوجهها الفنان من خلال (تكثيف تملؤه هويته وحياته وشغفه وحبه، عبر لغة الرسام الشاعر الذي يسطر قصائده البصرية النابضة والأبيات الشعرية الغنية بالاستعارات) التي تترجم بالوسائط والخطوط والألوان التي يجسد بواسطتها أحلامه وأحاسيسه وأماله.
ونحو ابتكار عوالم استهامية حقيقية ونبذ الواقع والجنوح نحو الحلم والتحليق في عوالم اللاشعور، وبعيدًا عن المناخات الواقعية سعي الفنان خلف إمكانيات ووظائف الخط (كتحديد الاتجاه والأشكال والهيئات، والحد الفاصل بين الأسطح والمساحات اللونية، وتحديد الفراغ وحصره، وإنتاج الأشكال وذلك بتكاثر الخطوط واتجاهاتها، والتحكم في مناطق الفاتح والغامق وتنويع القيمة الملمسية، وتعزيز الفعل الحركي، وتحقيق السيادة ووحدة التكوين)، واستثمار مخططات اللون عبر مستويات من "الزاهي" الذي يمثل أصل اللون وصفته كلون أولى، "والمضيء" كدرجات لونية تنتج من إضافة الأبيض لتعزيز قوة وشدة اللون، "والقاتم" الذي ينتج من إضافة الأسود لخفض القوه والشدة، "والباهت"من إضافة درجات الرمادي والأبيض إلى اللون المضيء، "والشاحب" من إضافة درجات الرمادي والأسود إلى اللون المضيء، لينحو بعيدًا عن قضايا الزخرف وتقليدية معالجة الأسطح لصالح الفكرة وإعلاء طاقة التعبير.
لقد تحول أسلوب الفنان "هاني رزق" لكيان مرتكز على أسانيد الخيال الجامح والتلقائية لإبراز طاقة التعبير والفكرة الجوهرية، عبر ابتداعه للغته التي تهجر مألوفية العمل وتزيح القيم الراسخة الاستهلاكية، وتعلي وسائل فنية جديدة للتعبير تنحو عن تشخيص الواقع عبر تجريد الفكرة من رقابة الذهن والحلول الاعتيادية لصالح التحديث المحتفي بعمليات المبالغة والتحريف والاختزال وذلك على المستوى الفكري والتقني والأدائي، بما يحقق الدهشة للمتلقي والتي تتجاوز الذهنية لتلمس الوجدانية والداخل، وإعادة ترتيب الواقع بطريقة مختلفة تعبر بعمق وصدق عن مشاعر الفنان وذاته الإنسانية التي تترجم قدرته على السيطرة علي وسائطه مع التأكيد على شخصيته وهويته، في مخالفة للخطابات العقلية المعتادة ذات المتواليات الذهنية والمعالجات الخاوية من شحنات التعبير ووهج الفكرة.
*الأستاذ بقسم التصميمات
البصرية والرقمية المساعد
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«أشرار» تجمع دنيا سمير غانم وأحمد سعد.. ما علاقة «روكي الغلابة»؟
«أشرار» تجمع دنيا سمير غانم وأحمد سعد.. ما علاقة «روكي الغلابة»؟

عكاظ

timeمنذ 9 ساعات

  • عكاظ

«أشرار» تجمع دنيا سمير غانم وأحمد سعد.. ما علاقة «روكي الغلابة»؟

طرحت الشركة المنتجة لفيلم «روكي الغلابة» الأغنية الدعائية بعنوان «أشرار»، التي يقدمها كل من المطرب المصري أحمد سعد والفنانة المصرية دنيا سمير غانم. والفيلم مقرر طرحه في دور العرض يوم 30 يوليو الجاري. أغنية «أشرار» من تقديم دنيا سمير غانم وأحمد سعد، وكلمات منة القيعي وفلبينو، وألحان أحمد طارق يحيى. وظهرت دنيا سمير غانم أخيراً خلال البرومو الرسمي بشخصية فتاة فلاحة تمارس الملاكمة وهي «البودي جارد» الخاص بمحمد ممدوح، الذي يعمل طبيباً ويستعين بها لتعلمه الملاكمة لأنه يتلقي تهديدات من عدة أشخاص، ومن ثم تتوالى الأحداث. يُشار إلى أن فيلم «روكي الغلابة» بطولة دنيا سمير غانم وعدد من النجوم، أبرزهم محمد ممدوح، محمد ثروت، محمد رضوان، وسلوى عثمان، إلى جانب ظهور مميز لعدد من ضيوف الشرف، من بينهم أحمد سعد وأوس أوس. الفيلم من تأليف كريم يوسف، وأحمد الجندي، وندى عزت، ومن إنتاج محمد أحمد السبكي، وإخراج أحمد الجندي. ويشهد فيلم «روكي الغلابة»، مشاركة مجموعة من ضيوف الشرف منهم أحمد الفيشاوي، وإيمي سمير غانم، وكايلا رامي رضوان ابنه دنيا سمير غانم، وأحمد سعد، وأوس أوس. وعلى جانب الأعمال الدرامية، شاركت دنيا سمير غانم في موسم دراما رمضان الماضى بمسلسل «عايشة الدور»، وضم العمل كلاً من نور محمود، فدوى عابد، ليلى عز العرب أميرة أديب وغيرهم، والعمل من إخراج وتأليف أحمد الجندي. أخبار ذات صلة

«هجرة» لمهرجان فينيسيا السينمائي
«هجرة» لمهرجان فينيسيا السينمائي

الرياض

timeمنذ 9 ساعات

  • الرياض

«هجرة» لمهرجان فينيسيا السينمائي

يشارك الفيلم السعودي "هجرة" في الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي والتي من المقرر انطلاقها في الفترة من "27 أغسطس إلى 6 سبتمبر" من العام الجاري، وذلك ضمن مسابقة "Spotlight"، بعد حصوله على دعم من وكالة "CAA" العالمية لتمثيله دوليًا، ويأتي الفيلم بدعم من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء" ووزارة الثقافة السعودية- مبادرة "ضوء" من هيئة الأفلام السعودية، صندوق دعم مهرجان البحر الأحمر السينمائي، الهيئة الملكية "فيلم العلا"، الهيئة الملكية "فيلم نيوم". وتروي قصة الفيلم رحلة جَدة مع حفيدتيها في عام 2001، من الجنوب إلى مكة، وعندما تختفي الحفيدة الكبرى، تسافر الجدة برفقة الحفيدة الصغرى شمالًا في رحلة بحث تكشف من خلالها جماليات المملكة العربية السعودية، وتبرز تنوعها الثقافي والحضاري، وعمقها التاريخي، في قصة إنسانية شاعرية. بدوره قال اختصاصي البرامج الثقافية في مركز "إثراء" فراس المشرّع "نفخر بدعم هذا العمل ورؤيته معترفًا به في أحد أعرق المهرجانات السينمائية في العالم، مشيرًا إلى أن فيلم "هجرة" يجسد حرص "إثراء" على الاحتفاء بثقافتنا، ورعاية المواهب، ودعم القصص الأصيلة ورواية القصص بطريقة فريدة. وتحاول المخرجة السعودية شهد أمين من خلال الفيلم الذي يعد من أفلام الطريق، إبراز التنوع الجغرافي والثقافي للمملكة، في قصة تسلط الضوء على نساء من أجيال مختلفة ودورهن في بناء المجتمع السعودي، ويضم طاقم التمثيل نخبة من النجوم السعوديين منهم: خيرية نظمي، نواف الظفيري، وظهور جديد لبطلة الفيلم لمار فدان، وبراء عالم كضيف شرف في الفيلم، كما يضم الفريق خبرات سعودية وعربية لها تاريخ طويل في صناعة الأفلام بقيادة شهد أمين التي تسعى إلى إبراز فيلم عالمي ذو هوية سعودية خاصة. وامتد العمل بالفيلم لأكثر من ثلاث سنوات بين المخرجة وكاتبة الفيلم شهد، والسينمائي العراقي محمد جبارة الدراجي كمنتج رئيسي، فيما تم تصويره في ثماني مدن سعودية من بني مالك الطائف، جدة، المدينة، العلا، تيماء، تبوك، نيوم وضباء. ويُعد اختيار "هجرة" لمهرجان فينيسيا تتويجًا جديدًا لمكانة شهد أمين في السينما العالمية، بعد نجاح فيلمها الأول "سيدة البحر" الذي عرض لأول مرة في فينيسيا أيضًا، ومثّل المملكة في سباق الأوسكار، وفاز بأكثر من "15" جائزة دولية. بدورها ذكرت المخرجة شهد أمين أن فيلم هجرة، من أصعب الأفلام التي عملت عليها، وقالت "صورنا في مدن ومناطق نائية، لكننا نؤمن بأهمية هذه القصة التي تتناول حكاية نساء سعوديات من أجيال مختلفة في سياق إنساني وتاريخي غني". كل ذلك في حبكة فيلم يبرز التنوع الثقافي والتاريخي للمملكة ويشهد على أن المملكة كانت ولا زلت مأوى لجميع الناس التي طلبت الأمان في هذه الأرض. ومن المنتظر أن تحضر المخرجة شهد أمين والمنتج محمد الدراجي وفريق العمل؛ العرض العالمي الأول في فينيسيا، وسط اهتمام كبير من الصحافة العالمية والنقاد.

فضاء معرفيبين النقد الثقافي والأدبي
فضاء معرفيبين النقد الثقافي والأدبي

الرياض

timeمنذ 9 ساعات

  • الرياض

فضاء معرفيبين النقد الثقافي والأدبي

يشير مصطلح «النقد الثقافي» إلى منهج تحليلي يدرس النصوص الأدبية والفنية ضمن سياقاتها الثقافية والاجتماعية، وليس من زاويتها الجمالية أو اللغوية فقط كما في النقد الأدبي التقليدي، فهو لا يسأل: «هل هذا العمل جميل أو متقن؟» بل يسأل: «ما القيم الثقافية التي يعكسها هذا العمل؟ ما الأيديولوجيا التي يروّج لها؟ من المستفيد ومن المهمَّش في هذا النص؟» ولهذا نجد أن النقد الثقافي ينطلق من فكرة أن النص الأدبي ليس بريئًا، بل يعكس أو يكرّس قوى اجتماعية وثقافية (مثل: الطبقة، النوع، العِرق، الدين، السلطة)، ويهتم بكشف المسكوت عنه، وبتحليل الصور النمطية، وآليات الهيمنة داخل النصوص. لهذا وكما أظن أن النقد الثقافي يعتبر أشمل وأعم من النقد الأدبي الذي ساد في فترة الثمانينات الميلادية، إبان ظهور موجة الحداثة في المملكة العربية السعودية، وبلا شك أن لتلك الفترة أهميتها البالغة في ترسيخ وتأسيس الحراك الثقافي الكبير الذي شهدته المملكة فيما بعد، وربما كانت بداية حقيقية لتحفيز الكتاب والمبدعين السعوديين لتقديم ما لديهم من أعمال إبداعية مهمة، حيث ساد-في تلك الفترة- الشعر والقصة القصيرة، وظهرت على استحياء القصة القصيرة جداً، وكان يصاحب كل ذلك الإنتاج نقداً أدبياً، حيث كان للنقاد الأدبيين نجوميتهم وأهميتهم، الأمر الذي وضع تساؤلاً مهماً في حينها من الذي أظهر الآخر؟ النقد أظهر المبدعين، أم المبدعون كانوا سبباً في بروز النقاد. وبالعودة إلى النقد الثقافي الذي برز في العقدين الأخيرين على يدي الناقد الكبير عبدالله الغذامي وآخرين، لا بد أن نشير إلى الثقافة السعودية التي باتت اليوم مواكبة للتحولات الجوهرية المهمة التي يعيشها العالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store