logo
مخيم زمزم.. قتل وهروب متجدد ومآسي نزوح بلا نهاية

مخيم زمزم.. قتل وهروب متجدد ومآسي نزوح بلا نهاية

التغييرمنذ يوم واحد
شمال دارفور، 16 أغسطس 2025، (سودان بكرة)- كأن القدر كتب عليهم الفرار والتهجير والحياة وسط بؤس وخوف دائم. النازحون في (مخيم زمزم)، الذي يقع على بعد 15 كلم جنوب الفاشر، كان ملاذا لمئات الآلاف من المدنيين الذين فروا من النزاع في دارفور منذ أكثر من عشرين عاما، لكن من ظنوا أنه موقع أمنهم تحول فجأة إلى مسرح لكارثة إنسانية جديدة، أُلقي عليها ستار من الصمت الدولي، بعد هجوم قوات الدعم السريع والسيطرة عليه، وتعرض النازحين لصنوف من الانتهاكات، ليختفى المخيم من على خريطة المساعدات والإغاثة، تاركا وراءه آلاف القصص المأساوية التي لم تُروَ بعد.
مخيم كان 'مدينة' في قلب الصحراء
تأسس مخيم زمزم في عام 2004، ليصبح على مر السنين واحدا من أكبر مخيمات النزوح في السودان. حيث كان يضمّ، قبل الحرب وتصاعد النزاع في عام 2023، أكثر من 120.000 نازح. ومع بداية عام 2024، تزايد العدد ليُقدّر بين 500,000 و 700,000 نازح، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن. ويشكل المخيم مجتمعا مصغرا يضم أسواقا ومراكز صحية ومدارس مدعومة من منظمات إنسانية دولية ومحلية.
وخلال فبراير ومارس 2025 تغيرت الصورة بالكامل، حيث تصاعدت الهجمات على (مخيم زمزم) والمناطق المحيطة، ما أدى إلى تعليق منظمة (أطباء بلا حدود) لأنشطتها بما فيها المستشفى الميداني بالمخيم. إلا أن الهجوم الأكبر الذي دام لثلاثة أيام، 11- 13 أبريل 2025 كان الأعنف، وأسفر عن مئات القتلى يقدر عددهم بأكثر من 400 شخص، وفرار نحو 400,000 من سكان المخيم إلى مناطق أخرى، تاركين وراءهم كل ما يملكون. وتشير التقارير إلى أن المهاجمين نهبوا وحرقوا الممتلكات، وحولوا المخيم إلى منطقة خالية من الحياة.
شهادات من قلب الكارثة
النازحون يروون التدهور في أحوالهم من بدايات الفرار من الحرب، حين كانت المساعدات الغذائية والسكنية متوافرة، على عكس الوضع اليوم، إذ انقطع الغذاء والخيم، وفُقد الأمن معهما.
يروي محمد يوسف، 65 عاما، والذي نزح من (مخيم زمزم) إلى منطقة (طويلة)، قصة أيامه الأخيرة في المخيم بصوتٍ يملؤه الألم: ' كنا نعيش في خوف دائم، لكننا لم نتوقع أن يأتي اليوم الذي نضطر فيه إلى ترك كل شيء.. رأيت بأم عيني كيف كانوا يطلقون النار عشوائيا على الناس.. كنا نركض ونحن لا نعرف إلى أين نذهب '. ويضيف محمد يوسف: 'هذه ليست المرة الأولى التي أُهجّر فيها، لكنها الأكثر قسوة.. في السابق كانت هناك خيم، طعام، ومساعدات.. اليوم، ليس لدينا شيء، ننام تحت الأشجار، ونأكل مما نجده.. لا أحد يهتم بنا'.
وفي داخل مدينة الفاشر، تعيش فاطمة علي، التي نزحت من المخيم مع أطفالها الثلاثة، حياة جديدة من المعاناة. تقول: 'كنت أبيع الشاي في المخيم لأُطعم أولادي.. الآن لا أستطيع الخروج من المنزل خوفا من القتل أو الاغتصاب.. ليس لدينا طعام، ولا مال.. أطفالي يبكون من الجوع، وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئا لهم'.
ووفقا لصحيفة (الغارديان) أكدت كلير نيكوليه، نائبة رئيس قسم الطوارئ في منظمة (أطباء بلا حدود)، إن الهجوم استهدف 'أحد أكثر الشعوب ضعفا على وجه الأرض'. وأشارت إلى أن من نجا منهم تعرض لـ 'عمليات نهب واسعة النطاق، وعنف جنسي، وهجمات أخرى أثناء الطريق، بالإضافة إلى أوضاع معيشية مروعة في مواقع النزوح المؤقتة'.
الانتهاكات ضد النساء
نزحت 'أمينة' من (مخيم زمزم) بسبب العنف، إذ تعرّضت للاغتصاب من مسلحين أثناء محاولتها العودة إلى منطقتها بعد سقوط المخيم. ووفقا لشهادتها، كان المهاجمون يختارون الفتيات الصغيرات ويطلقون النساء الأكبر سنا، وهو ما وصفته بـ'الأمر الفظيع'.
تُعاني فاطمة حاليا من اضطرابات نفسية حادة نتيجة للصدمات المتكررة والانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها، وتؤكد أن غياب الحماية وانعدام الأمن جعل النساء أهدافا سهلة أثناء التنقل والفرار.
ووثقت (الغارديان) أن أعدادا كبيرة من النساء قد اختُطفن وما زلن في عداد المفقودين، وهناك أكثر من 20 امرأة نُقلن إلى نيالا، المعقل الرئيسي لقوات الدعم السريع، والواقعة على بعد 160 كيلومتر من زمزم.
أرقام تُخجل الصمت
تقدم الأرقام التي وثّقتها المنظمات الإنسانية صورة أكثر وضوحا لحجم الكارثة. وفقا لشبكة (صيحة) SIHA، وصل عدد القتلى المدنيين الموثقين حتى 13 أبريل إلى نحو 330 شخصا، من بينهم 42 امرأة، إضافة إلى 200 امرأة مصابة وعدد من الأطفال. هذه الأرقام هي مجرد جزء من الصورة الكاملة، فعدد الضحايا الفعلي يقدر بأكثير من ذلك.
ويُظهر تقرير للأمم المتحدة أن الأزمة الغذائية في المخيم وصلت إلى مستويات حرجة، حيث كان نحو نصف السكان يعانون من نقص الغذاء قبل الهجوم. ومع تشتت النازحين في مناطق جديدة لا تتوفر فيها المساعدات، من المتوقع أن تتفاقم هذه الأزمة.
وتؤكد التقارير أيضا أن أكثر من 825,000 طفلا في المنطقة أصبحوا معرضين للخطر الشديد بسبب النزوح، ونقص الغذاء، وتوقف الخدمات الصحية والتعليمية. هذه الأرقام تُشير إلى جيل كامل يُدمّر مستقبله بسبب النزاع.
موقف المنظمات الإنسانية والحاجات العاجلة
كانت المنظمات الإنسانية تعمل بجهد داخل المخيم لتقديم المساعدات، لكن بعد الهجوم، توقفت أعمالها، وانقطع التواصل مع الكثير من النازحين. 'كنا نقدم المساعدة الغذائية والصحية لمئات الآلاف من الأشخاص، لكن اليوم لا نعرف مصيرهم.. نحن قلقون للغاية من أن الكارثة التي كنا نخشاها قد وقعت بالفعل'، يقول أحد العاملين في منظمة إغاثية كانت تعمل في المخيم.
يُشير العامل إلى أن الحاجة الملحة الآن هي التدخل العاجل من المجتمع الدولي لفتح ممرات آمنة للنازحين، وتوفير المساعدات الإنسانية في المناطق التي فروا إليها، والضغط على الأطراف المتنازعة لحماية المدنيين.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (سودان بكرة) حول قصة (مخيم زمزم) تُعبر عن الانتهاكات وما تعرض له من تحديات، لأكبر مخيم للنزوح في البلاد، في ظل غيابٍ شبه كامل للمتابعة الإعلامية والدعم الدولي. وهي معاناة تتفاقم مع مضي الوقت وفقدان الأمن، ما يتطلب تحركا عاجلا للحؤول دون تجدد كارثة إنسانية تُهدد مئات آلاف النازحين.

هاشتاغز

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قرارات لـ «البرهان» بترقيات و إحالات للتقاعد و إخضاع القوات المساندة لقانون الجيش
قرارات لـ «البرهان» بترقيات و إحالات للتقاعد و إخضاع القوات المساندة لقانون الجيش

التغيير

timeمنذ ساعة واحدة

  • التغيير

قرارات لـ «البرهان» بترقيات و إحالات للتقاعد و إخضاع القوات المساندة لقانون الجيش

أصدر القائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، قرارات عسكرية واسعة تضمنت ترقية عدد من الضباط وإحالة آخرين للتقاعد، وشملت القرارات أيضاً إخضاع جميع القوات المساندة للجيش و تحمل السلاح لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتعديلاته. و تأتي هذه الخطوة ضمن تحركات بارزة داخل المؤسسة العسكرية تشمل إجراءات لتعزيز سيطرة الجيش على جميع القوات المساندة. و في إطار هذه التغييرات، تم تعيين الفريق ركن رشاد عبد الحميد، قائد القوات البرية، مفتشًا عامًا للجيش. وبحسب الناطق الرسمي باسم الجيش، فإن هذه الإجراءات الراتبة و المعتادة بحسب وصفه تتوافق مع قانون القوات المسلحة ولوائحها المنظمة. و شملت قرارات الإحالة للتقاعد عددًا من الضباط، منهم قادة متحركات غرب الأبيض «أم صميمة» وقائد منطقة كرب التوم، كما تم إحالة نائب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، اللواء ركن حسن بلال أحمد، للتقاعد. ومن بين الضباط المحالين للتقاعد، أربعة عمداء: جمال عمر محمد علي، المغيرة مبارك علي بابكر، عبدالتواب الأمين إبراهيم طه، وجعفر محمد أبكر حامد. و أصدرالبرهان قراراً آخر اليوم الأحد 17 أغسطس 2025 بإخضاع جميع القوات المساندة العاملة مع القوات المسلحة وتحمل السلاح لأحكام قانون القوات المسلحة لسنة 2007 وتعديلاته. وينص القرار على أن تكون كل هذه القوات تحت إمرة قادة القوات المسلحة بمختلف المناطق، ويسري هذا القرار اعتبارًا من 16 أغسطس 2025.

«عاملون بمصفاة الجيلي»: خاطرنا بحياتنا والإدارة حرمتنا حقوقنا المالية
«عاملون بمصفاة الجيلي»: خاطرنا بحياتنا والإدارة حرمتنا حقوقنا المالية

التغيير

timeمنذ 3 ساعات

  • التغيير

«عاملون بمصفاة الجيلي»: خاطرنا بحياتنا والإدارة حرمتنا حقوقنا المالية

كشف مصدر عن ما أسماه سياسية (خيار وفقوس للعاملين) باستمرار صرف بدل المخاطر لأشخاص متواجدين في مدينتي، شندي وبورتسودان وبعضهم لم تطأ أقدامه أرض المصفاة أيام الحرب من الذين لديهم علاقات بالجهات النافذة و 'الكيزان'.. التغيير: بورتسودان طالب عدد من العاملين بمصفاة الخرطوم للنفط بالجيلي الإدارة بمنحهم حقوقهم كاملة عبارة عن بدل مخاطر (بيرداي) خلال فترة الحرب إبان تواجد قوات الدعم السريع في المصفاة. وتقع المصفاة في منطقة الجيلي على بعد 70 كيلومتراً شمالي العاصمة، وأُسّست في عام 1997، وبدأ تشغيلها في عام 2000 بالشراكة بين وزارة الطاقة السودانية والشركة الوطنية للنفط الصينية قبل أن تؤول إلى الوزارة لاحقا، وبلغت كلفة إنشائها أكثر من مليار دولار، وتنتج (100) الف برميل يوميا. وقال مصدر لـ«التغيير» أن قراراً صدر مع بداية الحرب في العام 2023 يمنح العاملين في المصفاة بدلات مخاطر، وبالفعل تم منح بعضهم مرتب شهرين في العام 2023، إلا أن الصرف توقف في العام 2024. وأشار المصدر إلى أن صرف المرتبات أيام سيطرة الدعم السريع على المصفاة كان مرتبطاً بالوُجود في المصفاة، ولا زال العاملون في المصفاة في انتظار متأخراتهم بدل مخاطر لمدة عامين. وسيطرت قوات الدعم السريع، على مصفاة الجيلي بعد أيام من اندلاع الحرب مع الجيش، في أبريل، 2023. واستعاد الجيش السوداني السيطرة عليها في يناير الماضي 2025. مُحاباة وكشف المصدر عن ما أسماه سياسية (خيار وفقوس للعاملين) باستمرار صرف بدل المخاطر لأشخاص متواجدين في مدينتي، شندي وبورتسودان وبعضهم لم تطأ أقدامه أرض المصفاة أيام الحرب من الذين لديهم علاقات بالجهات النافذة 'والكيزان'. في حين تم حرمان العاملين الذين ضحوا بأنفسهم، وخاطرا بالعمل في المصفاة أيام احتلالها من قبل الدعم السريع، ومنهم من 'استشهد'، ومنهم من أصيب، بحسب المصدر، الذي أكد أن الإدارة حالياً غيرت نظام العمل (التبادلي) وأصبح الدخول للمصفاة حكراً لفئة معينة تستمتع بالحوافز. وأضاف: 'عندما طالب العاملون بحقوقهم تجاهلتهم الإدارة تماماً لذلك نناشد الوزير الجديد المعتصم إبراهيم بمنح العاملين حقوقهم.' وكانت وزارة الطاقة والنفط السودانية أكدت أن حجم خسائر المصفاة من الحرب تجاوزت المليار دولار، مع فقدان 300 ألف برميل من النفط، وفقدان الخام النفطي والمنتجات البترولية المحفوظة في المستودعات الاستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم.

حين يتحول الزواج إلى «ساحة قتل» .. جذور نفسية وثغرات قانونية
حين يتحول الزواج إلى «ساحة قتل» .. جذور نفسية وثغرات قانونية

التغيير

timeمنذ 4 ساعات

  • التغيير

حين يتحول الزواج إلى «ساحة قتل» .. جذور نفسية وثغرات قانونية

في بلدٍ يُفترض أن يكون فيه البيت هو المأوى، تتحول جدرانه رويدًا رويدًا إلى أدوات قتل، بين كل امرأة قُتلت وأخرى هربت بحياتها، قصة تبدأ بالصمت، وتنتهي إما بالنجاة أو النعش.. جريمة مقتل الطبيبة السودانية، روعة علاء الدين أمام بوابة المستشفى الذي تعمل فيه ليست حدثًا معزولًا، بل يُعتبر جزءاً من سياق متكرر، تتغير فيه الأسماء، لكن يتطابق فيه ذات النمط؛ عنف يبدأ من داخل البيت، يباركه صمت المجتمع، وتحرسه ثقافة تعفي الجاني وتدين الضحية. روعة، لم تُقتل فقط بسكين في يد طليقها، بل اغتيلت بالتواطؤ الصامت لمؤسسة كانت تعمل فيها، عندما تجاهلت بلاغاتها السابقة المتصلة بالعنف الذي تتعرض له، وحين قررت طردها من السكن بدلًا من طرد التهديد. جُرّدت من الأمان مرتين، الأولى حين لم تجد من يصدقها، والثانية حين أصبحت ضحية مطاردة انتهت بطعنات أمام زملائها. ما حدث لروعة، حدث قبلها لرؤى، الطبيبة السودانية التي قُتلت مغتربة في السعودية، على يد زوجها السابق، داخل منزل العائلة، عندما اقتحم القاتل البيت بـ'ساطور'، وأغلق الباب على جريمة استغرقت دقائق فقط، لكنها تلخّص سنوات من الصمت والعنف المتراكم. وكأنما الاغتراب لا يكفي، فجدران البيت في المهجر لم تحمِ الضحية من أن تتكرر مرة أخرى. شهادات ناجية وفي السودان، آية الخواض لم تُقتل، لكنها نجت بأعجوبة، اختارت أن تكسر حاجز الصمت، وخرجت لتحكي قصتها، لا طلبًا للتعاطف، بل لتحذير كل النساء الأخريات. زوجها السابق، كما روت، انهال عليها بالضرب، ثم طاردها في البيت بسكين بنيّة قتلها. لم تنجُ منه إلا عندما أغلقت الغرفة واتصلت بالإسعاف، بينما كان هو يحاول كسر الباب لقتلها. أُنقذت آية. كانت بين الحياة والموت، نُقلت بالإسعاف بعد أن استدعى الجيران الدفاع المدني. وُضع القاتل في السجن، لكن لستة أسابيع فقط، وكأن محاولة القتل جريمة مؤقتة. آية، في شهادتها، لا تهاجم الرجال، بل تحذّر النساء من الوقوع في فخ 'الصبر' على المعنف. تقول بوضوح 'المجرم لا يُصبر عليه، مكانه السجن، وليس قلب امرأة.' تختصر آية تجربتها برسالة واحدة 'أي رجل يرفع عليكِ صوته، سيتطوّر لعنفٍ جسدي، ثم للقتل إن لم تتحركي من أول لحظة.' ثقافة التبرير ثقافة التبرير، بحسب الناشطة مريم حيدر، تشكل الحاضنة الأولى للعنف ضد النساء. تشير حيدر إلى أن التربية الخاطئة للذكور في المجتمع السوداني تُعزز فكرة الملكية الذكورية للمرأة، وتجعل من الزوج المعتدي شخصية 'مسنودة' اجتماعيًا، مهما كانت جرائمه. وتضيف مريم : 'المجتمع لا يرى في المرأة المعنّفة ضحية، بل يحاسبها على خروجها من بيت زوجها، كأنما الطلاق خيانة جماعية، لا قرار حماية فردي.' تقول مريم حيدر: في كل الحكايات، تتكرر مفردات واحدة: لوم الضحية، تبرير المعتدي، والخوف من الفضيحة. لكن الفضيحة الحقيقية هي أن تُقتل امرأة؛ لأن قانونًا لم يحمِها، أو لأن مؤسسة فضّلت صورتها على سلامتها. الفضيحة هي أن تصل الضحية للمشرحة قبل أن يُصدقها أحد. الناشطة سندس أزهري تضيف بُعدًا تحليليًا لما يحدث، فتقول إن العنف لا يبدأ بالسكين، بل يبدأ برفع الصوت. بعدها تأتي الكلمة الخادشة، ثم 'ضربة توعوية'، ثم الضرب الكامل، ثم القتل. وتؤكد أن الغالبية العظمى من المعنّفين رجال متعلمون، ومثقفون. سافروا وعملوا، لكنهم يرفضون 'رفض المرأة لعنفهم'. وتُحذر من أن المرأة حين تخرج من هذا النمط، وتبدأ في النجاح، يُقابل تمكينها بتشويه وتشكيك، وربما محاولة تدمير نهائي باسم 'الرجولة'. ورأى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن المعنفات لا يُبلغن السلطات، ليس لأنهن خائفات، بل لأن أقرب الناس إليهن يطلبون منهن 'الصبر' باسم الدين أو 'السترة'، مضيفين أن العنف ضد النساء في السودان ليس مجرد ظاهرة، بل أزمة صامتة، مغلّفة بعادات، محروسة بتقاليد، ومشرعنة بالسكوت. وسوم وتضامن قضية الطبيبة روعة علاء الدين أصبحت قضية رأي عام، حيث اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات ، إلى جانب حملات إلكترونية تطالب بتعديل القوانين وحماية النساء من العنف المنزلي، ومحاسبة كل من أهمل، أو تستر على الخطر. وفي ظل تصاعد الغضب الشعبي، برزت مجموعة من النشطة التي شكّلت امتدادًا رقميًا لصوت النساء الرافضات للعنف، ودعوات العدالة لضحاياه. جاءت الوسوم كنداء جماعي ضد مسلسل الانتهاكات المستمرة، بينما حمل وسم 'علمتني_آية' شهادة شخصية وملهمة للناجية آية الخواض، التي قررت تحويل تجربتها المؤلمة إلى منصة توعوية لمناصرة ضحايا العنف الأسري. هذه الوسوم لم تكن مجرد شعارات، بل تحولت إلى ساحات رقمية نشطة، يتداول فيها المستخدمون قصصًا، ومطالبات بتشديد العقوبات، ومواقف تضامنية واسعة، مما يعكس تحول القضية من حالة فردية إلى حراك اجتماعي واسع يطالب بحماية النساء ورفض ثقافة الإفلات من العقاب. رأي القانون أكد المحامي ياسر الريح في حديثه لـ«التغيير» أن القانون الجنائي ليس متساهلًا تجاه جرائم قتل النساء أو الاعتداء عليهن، مشيرًا إلى أن العقوبات تتضاعف في حال تكرار المخالفات. وأوضح أن النيابة العامة والشرطة تتوليان التحقيق في هذه القضايا، إلا أن بعض حالات الإفلات من العقاب قد تعود إلى ظروف السيولة الأمنية في البلاد. وأضاف الريح أن التهديد يعاقب عليه بموجب مواد الإرهاب في القانون الجنائي، بينما أي اعتداء جسدي على الزوجة يُعامل بوصفه أذى، يبدأ بفتح بلاغ عادي وإجراء الفحص الطبي عبر 'أورنيك 8″، ليُصعَّد بعد ذلك بحسب درجة الإصابة إلى بلاغ أذى جسيم أو جراح أو شجاج، ولكل منها عقوبتها المقررة في القانون، سواء كان المعتدي الزوج أو الزوجة. إفادة مختص من جهتها قالت الاختصاصية الاجتماعية، سِينين صلاح، لـ«التغيير» إن العنف الأسري يرتبط بجملة من العوامل المتشابكة، في مقدمتها التجارب المبكرة التي يمر بها الأفراد في طفولتهم، إذ إن من نشأ في بيئة يسودها العنف يكون أكثر عرضة لإعادة إنتاجه لاحقًا. وأضافت أن الغيرة والشك داخل العلاقة الزوجية قد يشكّلان بدورهما دوافع قوية لاندلاع العنف داخل الأسرة. وأوضحت سينين أن الاضطرابات النفسية تعد من أبرز المسببات، مثل الاكتئاب والاضطراب الوجداني ثنائي القطب أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، مؤكدة أن هذه الحالات تحتاج إلى تدخلات علاجية متخصصة، غير أن بعضها قد يصعب علاجه، ما يجعل العنف انعكاسًا لعوامل نفسية واجتماعية معقدة. ولفتت الخبيرة الاجتماعية إلى التأثيرات الثقافية والاجتماعية، حيث تسهم بعض الممارسات السائدة في ترسيخ التمييز بين الجنسين وتكريس العنف ضد المرأة، إلى جانب الضغوط الاجتماعية التي تدفع الضحايا إلى الصمت والخوف من طلب المساعدة. أما على الصعيد القانوني، فقد شددت المختصة على أن غياب الردع أو التساهل في العقوبات يساهم في إعادة إنتاج الظاهرة، إذ يكتسب الجناة إحساسًا بالإفلات من المحاسبة، ما يجعلهم أكثر عدائية وتكرارًا للأفعال. وأضافت أن القوانين تختلف من بلد إلى آخر، لكن هناك ثوابت ينبغي الاتفاق عليها في الجرائم المتعلقة بالعنف الأسري والجنسي، في مقدمتها تشديد العقوبات لتكون رادعة، وتقديم الدعم للضحايا، ونشر الوعي عبر برامج تعليمية وتثقيفية للحد من الظاهرة، إضافة إلى توفير العلاج النفسي للجناة بما قد يساعد على تغيير سلوكياتهم وتقليل خطر العنف مستقبلاً. وختمت سينين صلاح بالقول إن التعامل مع هذه القضايا يتطلب نهجًا شاملًا يأخذ في الاعتبار الأبعاد النفسية والاجتماعية والقانونية معًا، مشيرة إلى أن أي مقاربة جزئية لن تكون كافية لمعالجة جذور الظاهرة. تفسير السلوك وفي سياق تفسير السلوك العنيف لدى بعض الرجال، تشير د. رشا درويش، مدربة الحياة ومؤسسة أكاديمية للأمومة والطفولة'، إلى أن أسباب العنف الذكوري، خصوصًا داخل الأسرة، تعود إلى ثلاثة محاور جوهرية؛ التربية التقليدية، والشعور بالاستحقاق الزائف، وغياب الوعي الديني الحقيقي. وتوضح درويش أن التربية السائدة في كثير من المجتمعات العربية تحرم الذكور من أبسط حقوقهم الإنسانية، وعلى رأسها تعلم الذكاء العاطفي والتعبير عن المشاعر. فالرجل، بحسب حديثها، منذ الطفولة، يُربّى على كبت مشاعره، واعتبار الغضب وسيلته الوحيدة للتعبير، دون أن يُعلَّم كيف يدير هذا الغضب، أو يفرغه بطريقة صحية. هذا الكبت، كما تقول، يتحوّل لاحقًا إلى عنف غير مبرر تجاه من حوله، يبدأ نفسيًا وينتهي أحيانًا بإزهاق الأرواح. أما العنصر الثاني، فهو الاستحقاق الزائف، حيث يتربى بعض الرجال على قناعة أنهم 'كفاية فقط لكونهم رجالًا'، دون حاجة إلى تطوير الذات أو الاجتهاد في تحسين العلاقات. هذا المفهوم، كما تقول، يحرِم الرجل من متعة السعي نحو الأفضل، ويجعل أي اعتراض أو مطالبة من الشريكة بحقوقها يُقابل بالرفض والصراع، لأنه يهدد صورة 'الرجل الكامل' التي زرعها فيه المجتمع. وتضيف درويش أن غياب الوعي الديني الحقيقي يشكل ثالث العناصر المؤدية إلى العنف، موضحة أن الدين، في جوهره، يهذّب السلوك ويزرع الرحمة. وتستدل بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تكرّس معاني الرفق، والعدل، وحسن العشرة. لكنها تنتقد بشدة التوظيف الانتقائي للنصوص الدينية، وغياب التطبيق الحقيقي لما جاء به الإسلام من رحمة وتكريم للمرأة. وتتشير إلى أن الرجل الحقيقي هو من يدرك عظم مسؤوليته، ويعرف كيف يكون سكنًا لا تهديدًا، ورحمة لا أذى'، داعيةً لإعادة بناء المفاهيم التربوية والدينية التي تشكّل وعي الرجل من الطفولة وحتى الزواج.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store