logo
أوسكار "لا أرض أخرى" يستفز إسرائيل...وتهديدات لصنّاعه

أوسكار "لا أرض أخرى" يستفز إسرائيل...وتهديدات لصنّاعه

المدن٠٦-٠٣-٢٠٢٥

فاز فيلم "لا أرض أخرى"،
للفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، بالتعاون مع الفلسطيني حمدان بلال، والإسرائيلية راشيل سزور
، بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي. لكن ليس الجميع في إسرائيل سعداء بهذا الفوز لأنه يعيد التذكير بأصل وفصل القضية: حكاية شعب وسكّان أصليين بمواجهة قوة استعمارية تحاول اقتلاعهم من أرضهم.
الفارق لا يمكن أن يكون أكبر، فعندما دعا الصحافي والمخرج الإسرائيلي الحائز جائزة الأوسكار مؤخراً، يوفال أبراهام، من خشبة مسرح حفلة توزيع الأوسكارات هذا العام، إلى تغيير المسار في فلسطين ووقف التطهير العرقي بحقّ الشعب الفلسطيني، صفّق الجمهور بحماسة. لكن في إسرائيل كان استقبال الجائزة متواضعاً.
ردود الأفعال بدأت سريعاً في أعقاب الفوز المهمّ وغير المتوقّع لفيلمٍ لم يجد إلى الآن موزّعاً أميركياً ليتسنّى للجمهور في الدولة الداعمة لإسرائيل مشاهدة الواقع القاسي الذي يعانيه الفلسطينيون منذ عقود. وقال وزير الثقافة الإسرائيلي مخلوف (ميكي) زوهار، إن الجائزة "لحظة حزينة في عالم السينما". وأضاف الوزير - المنتمي لحزب الليكود والمتحمّس لإعادة استيطان غزة - أن الوثائقي، الذي يوثق الطرد المنهجي للمزارعين الفلسطينيين من قراهم في الضفة الغربية، وسيلة "لتخريب دولة إسرائيل". واعتبر زوهار إن "حرية التعبير قيمة مهمّة"، لكن في هذه الحالة يتعلّق الأمر أكثر بكسب الاعتراف الدولي من بوابة "تشويه سمعة إسرائيل"!
في إسرائيل، ربما يساعد هذا التتويج المرموق في جعل الفيلم معروفاً لجمهور أكبر، على الأقل بالاسم. فرغم تتويج "لا أرض أخرى" بجوائز في العديد من المهرجانات، بما في ذلك جائزة مهرجان برلين لأفضل فيلم وثائقي العام الماضي، لم يجد إلى الآن طريقاً لعرضه في دولة الاحتلال، التي لا توفّر سلطاتها جهداً في التعتيم عليه وسدّ المنافذ أمام عرضه للجمهور. وعلى الأغلب لن يتمكّن نصف طاقمه الإخراجي (فلسطينيان وإسرائيليان) من السفر حتى لو عُرض الفيلم في دور السينما في القدس أو تل أبيب. واضطر صنّاع الفيلم إلى السفر إلى حفلة توزيع جوائز الأوسكار عبر طرق مختلفة، فطار يوفال أبراهام وراشيل سزور من تل أبيب، في حين اضطر الفلسطينيان باسل عدرا وحمدان بلال إلى اتخاذ طريق بديل عبر عمّان في الأردن.
الفيلم، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنروج، ساهم في إخراجه رباعي مكوّن من الثنائي الفلسطيني باسل عدرا، وحمدان بلال، والثنائي الإسرائيلي يوفال أبراهام، وراشيل تسور، يتتبع قصة مخاطرة عدرا بالاعتقال أثناء محاولته توثيق تدمير الجنود الإسرائيليين لمسقط رأسه في قرية مسافر يطا، في الطرف الجنوبي بالضفة الغربية، ليلتقي بصحافي إسرائيلي يساعده في نشر قصّته ونقل معاناة الفلسطينيين في مواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي.
(يوثق الفيلم عمليات التهجير القسري في قرى الضفة الغربية)
حالياً، يعيش حوالى ألف فلسطيني في مسافر يطا في مجتمعات صغيرة، يربّون الأغنام ويزرعون الخضروات والزيتون. لكن الجيش الإسرائيلي قرّر إقامة منطقة تدريب عسكرية هنا في ثمانينيات القرن العشرين لأن المشهد الجبلي يشبه في تضاريسه جنوب لبنان. لكن لم تُجر أي تدريبات. والآن أصبح سكّان مسافر يطا تحت التهديد المستمر - إما من جانب جيش الاحتلال الذي يهدم المنازل والمدارس والإسطبلات، أو من جانب عصابات المستوطنين العنيفة التي تجوب القرى. يوثّق "لا أرض أخرى" هذا المصير وتلك الوقائع الحيّة، على مدى سنوات، رافداً إياها بنهجٍ إسرائيلي في التدمير والتهجير والتغييب والنهب، سابق لحرب إبادة جديدة في غزة في أعقاب "طوفان الأقصى" (السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023).
قبل يومين من مغادرتهما إلى الولايات المتحدة، تواصلت "المدن" مع عدرا وأبراهام للإجابة على بعض الأسئلة، استكمالاً لحديثٍ ممتد منذ عرض الفيلم للمرة الأولى عالمياً في مهرجان برلين أوائل العام الماضي. وعند سؤالهما عمّا إذا كان الفيلم قد غيّر أي شيء بشأن عمليات الطرد والتهجير لعائلات مسافر يطا، قال الثنائي "أن الوضع لم يتحسّن. في الواقع، إنه أسوأ بكثير مما كان عليه في ذلك الوقت".
لكنه أيضاً فيلم عن الصداقة والتمسّك بالحياة والحفاظ على الإنسانية في أوقات الشدّة. يتحدث أبراهام وعدرا عن كيف أن واقع الضفة الغربية المحتلة يفرض أيضاً ضغوطًا على علاقتهما. ففي حين يستطيع أبراهام العودة إلى منزله إلى سرير دافئ بعد يوم من انتهاكات حقوق الإنسان الموثَّقة؛ في المقلب الآخر، عدرا مسلوب الهوية، تُنتهك حقوقه يومياً، وبجانب سريره ترقد كاميرته التي قد يضطر إلى الخروج بها في الليلة التالية لتصوير جرّافات مقتربة لهدم بيته أو بيت جيرانه.
يقول عدرا: "التصوير والتوثيق والتظاهر.. هذه هي الأدوات المتبقية لدينا للدفاع عن أنفسنا". ويضيف زميله الإسرائيلي "أنهم إن لم يفعلوا سيجدون أنفسهم جالسين هناك لإحصاء المنازل المُهدّمة". وعند سؤاله عمّا إذا كان هو نفسه عرضة للقمع الإسرائيلي، أجاب أبراهام: "إنني أدفع ثمناً أكبر في بيئتي الاجتماعية". لم يعد بعض أصدقائه يتحدثون معه. وبعد الجائزة في برلين، اضطرت والدة أبراهام إلى الفرار من منزلها لبضعة أيام لأنها تعرّضت للتهديد من قبل متطرّفين يمينيين. حتى أبراهام نفسه تلقّى تهديدات بالقتل، فقط لأنه جاهر بالوقوف إلى جانب الحقّ الفلسطيني بمواجهة ظلم وإجرام ترتكبهما دولته يومياً على مرأى ومسمع العالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

للمرة الأولى منذ 22 عاماً... جعفر بناهي يعود لمسرح "كان" ويوجه رسالة مؤثرة
للمرة الأولى منذ 22 عاماً... جعفر بناهي يعود لمسرح "كان" ويوجه رسالة مؤثرة

MTV

timeمنذ 2 أيام

  • MTV

للمرة الأولى منذ 22 عاماً... جعفر بناهي يعود لمسرح "كان" ويوجه رسالة مؤثرة

ظهر المخرج الإيراني جعفر بناهي، الذي منعته حكومة طهران من السفر لمدة 15 عاماً، على السجادة الحمراء لمهرجان "كان" السينمائي لحضور العرض الأول لفيلمه "إت ووز جاست أن أكسيدينت" الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان. وكانت آخر مرة يحضر فيها بناهي، الذي اعتُقل عدة مرات بسبب إنتاجه السينمائي، إلى المهرجان في 2003 عندما عُرض فيلمه (كريمزن غولد). وشهد المهرجان أيضاً حضور زوجته وابنته، بالإضافة إلى العديد من أعضاء فريق عمله، ومنهم الممثل الرئيسي وحيد مبصري. وذكر متحدث باسم الفيلم أن بناهي 64 عاماً لم يخضع لأي عقوبات رسمية خلال السنوات القليلة الماضية، وأنه لا توجد قضايا منظورة في المحاكم حالياً. في عام 2010، منعت محكمة إيرانية بناهي من صناعة الأفلام أو السفر إلى الخارج بعد إدانته بتهمة "الدعاية ضد النظام". وبكى بناهي بعد العرض الأول للفيلم في مسرح غراند لوميير الفخم، وارتجف صوته وهو يهدي الفيلم إلى المخرجين الممنوعين من التصوير في إيران، ولا سيما المخرجات والممثلات اللاتي دعمن المتظاهرات من أجل حقوق المرأة. وفي مقابلة مع مجلة "سكرين ديلي" نُشرت اليوم، قال بناهي إنه لا يزال مضطراً إلى الحفاظ على سرية عمله والعمل بصورة غير قانونية على الرغم من رفع الحظر. وتدور أحداث فيلم "إت ووز جاست أن أكسيدينت"حول وحيد، الذي يؤدي دوره مبصري والذي يخطف رجلاً بساق صناعية يشبه تماماً الرجل الذي عذبه في السجن ودمر حياته. وينطلق وحيد ليتأكد من ناجين آخرين أن هذا الرجل هو الذي كان يعذبهم بالفعل ثم يقرر ما الذي سيفعله به. وفاز بناهي بالعديد من الجوائز الدولية، منها جائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "البالون الأبيض" (وايت بالون) عام 1995، وجائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي لعام 2015 عن فيلمه "سيارة أجرة" (تاكسي) الذي صوره في إيران عندما كان حراً طليقاً بكفالة.

الهرّ الأسود 'فلو' يحذّرنا من الكوارث الآتية
الهرّ الأسود 'فلو' يحذّرنا من الكوارث الآتية

سيدر نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • سيدر نيوز

الهرّ الأسود 'فلو' يحذّرنا من الكوارث الآتية

ماذا ستفعل لو وجدت نفسك وحيداً في عالَمٍ يغرق؟ ماذا لو خسرت أحباءك ومنزلك وكل ما تملك، وسرت تائهاً بلا وجهة، والمياه تغمر كل شيء؟ ما الذي سيحلّ بنا عندما يأتي الطوفان؟ يدفعنا فيلم الرسوم المتحركة 'فلو' إلى طرح هذه الأسئلة، وإلى تخيّل سيناريو ما بعد الكارثة. الفيلم الذي أخرجه اللاتفي غينتس زيلبالوديس، وشارك في كتابته وإنتاجه مع ماتيس كازا، يخلو من أي حوار. يحكي قصة هرّ أسود اسمه فلو، يحاول النجاة من طوفانٍ يجتاح العالم، برفقة مجموعة من الحيوانات الهاربة، ويدعو إلى التفكير في تداعيات تغيّر المناخ على الأرض وسكانها. واعتمد المخرج في تنفيذ العمل على برنامج 'بلندر' (Blender) لصناعة الرسوم المتحركة، وقرّر الاستغناء عن الحوار تماماً، فجاء تواصل الحيوانات بأصواتها الطبيعية، من دون أن تُسقَطَ عليها أي صفات أو سمات بشرية. هذا الخيار أضفى على الفيلم طابعاً واقعياً، وجعله متاحاً للجميع، من دون أن تشكّل اللغة عائقاً أمام فهمه. عرض العمل لأول مرة في 22 أيار/مايو 2024 ضمن قسم 'نظرة ما' في مهرجان كان السينمائي، ونال جائزة أوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة، وفاز كذلك بجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم رسوم متحركة، إلى جانب جوائز عدّة أخرى، بينها جائزة سيزار الفرنسية عام 2025. وبدأ عرض الفيلم حديثاً في عدد من الدول العربية، من بينها لبنان، والسعودية، والإمارات. كلّ شيء يغرق يخرج 'فلو' من منزله وحيداً وخائفاً، بعد أن فقد الأمل في عودة أصحابه. المياه تغمر كلّ شيء، ومنسوبها يستمرّ بالارتفاع. لم يعد بإمكانه البقاء في منزله، عليه أن يهجره ويتحرّك وسط غابةٍ بدأت الفيضانات تجتاحها أيضاً. كلّ ما حوله يغرق ويختفي تحت الماء. الرياح تشتدّ، والمطر لا يتوقّف. الحيوانات الأليفة والبرّية تركض مسرعةً لتنجو، وتكاد تدهسه. في هذه اللحظات، لا أحد يفكّر سوى بالهرب والنجاة من الطوفان. تطفو أمامه جثث حيوانات نافقة، قتلها الفيضان. ما أسباب حدوث الفيضانات وكيف يجب أن نتصرف عندما تحدث؟ يتوقّع العلماء أن يشهد العالم مزيداً من الكوارث الطبيعية، وبشكل خاص الفيضانات والحرائق، بوصفها من أبرز تداعيات تغيّر المناخ، التي ستصطحب معها ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، وهبوب رياح عاتية، وهطول أمطار غزيرة. الفيضانات وارتفاع منسوب المياه سيقابلهما جفاف وندرة في الأمطار. هذان العاملان كفيلان بتدمير الغابات والأراضي الزراعية، وبتهديد التنوع البيولوجي في أي مكان، بما في ذلك الكائنات النادرة المهدَّدة بالانقراض. في الطريق إلى مكان يساعده على تفادي الغرق، يلتقي فلو بحيوانات أخرى ضلّت طريقها، ويختلط عالم البحر بعالم اليابسة. كلّ حيوان يحمل سلوكاً وأطباعاً مختلفة عن الآخر. عليهم الآن أن يعيشوا معاً، بعدما تداخلت عوالمهم: قندس، وصقر جديان، وقرد ليمور، وكلاب أليفة. بعد النجاة، يأتي هَمُّ الغذاء وهَمُّ المبيت. هذان العاملان، اللذان يؤمّنان الاستمرار والاستقرار، سيكونان أيضاً سبباً للنزاع بين الناجين. سيجد الناجون أنفسهم، بعد وقت، على متن سفينة مهجورة. ستكون وسيلة النجاة الوحيدة، ومنها ستبدأ الرحلة في عالم ضربته الكارثة، حيث غمرت المياه المعالم الطبيعية والمناطق السكنية، وما تبقّى من الحضارات والتاريخ. يذكّر هذا المشهد بسفينة نوح، سفينة النجاة التي حملت الناجين من الطوفان الكبير، كما يرد في الكتب المقدسة. ستبحر السفينة وسط الرياح الشديدة والمطر الغزير. وعلى متنها، ستتعلّم الكائنات المختلفة التكاتف والتعاون وبناء علاقات جديدة، كما ستُضطر لاكتساب مهارات مثل العوم، وصيد الأسماك، وقيادة السفينة. فهل سيتعاون البشر مع بعضهم البعض حين تحلّ الكارثة؟ سينما خضراء؟ تناولت السينما العالمية الكوارث الطبيعية في عدد كبير من الأفلام، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، لكنها كانت تركّز في الغالب على معاناة الأفراد في مواجهة الخطر، من دون التطرّق مباشرة إلى الأسباب الكامنة وراء هذه الكوارث. ومع تصاعد حملات التوعية حول تغيّر المناخ وتداعياته خلال العقود الأخيرة، بدأ بعض الكتّاب والمخرجين بمحاولة مقاربة هذه الأزمة من منظور أعمق، لا يكتفي فقط برصد النتائج، بل يحاول العودة إلى جذور المشكلة. يرى الناقد السينمائي إلياس دُمّر، في حديث مع بي بي سي عربي، أنّ هناك تحولاً واضحاً في المعالجة السينمائية خلال السنوات الأخيرة. يقول: 'في السابق، كانت الكوارث الطبيعية تُقدَّم في الأفلام بوصفها أحداثاً خارقة أو ضرباً من القضاء والقدر، من دون التعمّق في الأسباب الجذرية مثل تغيّر المناخ. ركزت أفلام مثل Twister (الإعصار) الصادر عام 1996، وVolcano (بركان) الصادر عام 1997، على الإثارة والتشويق، ولم تتناول البُعد البيئي أو المناخي بشكل فعليّ'. يقول دمّر: 'شهدنا عبر السنين، تحوّلاً تدريجياً في اللغة السينمائية تجاه المسؤوليّة البيئيّة. فعلى سبيل المثال، يعتبر فيلم The Day After Tomorrow (بعد غد)، الصادر عام 2004، من أوائل الإنتاجات الهوليوودية الكبرى التي ربطت بوضوح بين التغيّر المناخي والكوارث الطبيعية، رغم ما وُجّه إليه من انتقادات تتعلق بالمبالغة العلميّة'. أما فيلم Don't Look Up (لا تنظر إلى الأعلى)، الصادر عام 2021، فقدّم معالجة مجازية وساخرة سلّطت الضوء على اللامبالاة البشريّة تجاه التحذيرات العلميّة، سواء تعلّقت بالمناخ أو بغيره من المخاطر الوجوديّة. الفيلم من بطولة ليوناردو دي كابريو، كايت بلانشيت، ميريل ستريب، وجنيفر لورنس. ويشير مّر إلى أنّ السينما الوثائقية تبدو أكثر حرية في تناول قضايا الواقع، بما في ذلك تغيّر المناخ، إذ إنها لا تخضع غالباً لشروط السوق أو لمعادلات الربح والخسارة، كما أنّ كلفتها الإنتاجية عادة ما تكون أقلّ. ومن بين الأمثلة التي يذكرها، الفيلم الوثائقي Before the Flood (قبل الطوفان)، الصادر عام 2016، من إنتاج ليوناردو دي كابريو بالتعاون مع الأمم المتحدة، والذي يتناول التهديدات المناخية بلُغَة مباشرة. كما يلفت إلى فيلم An Inconvenient Truth (حقيقة غير مريحة)، الذي صدر عام 2006، وفاز بجائزتي أوسكار، ويعدّ – بحسب دمّر – مثالاً بارزاً على التناول الصريح لقضية تغيّر المناخ في السينما العالمية. يقول إلياس دمّر إنّ 'هناك حساسية أكبر تجاه قضايا البيئة بدأت تظهر في هوليوود، خاصة مع تصاعد ضغوط جماعات البيئة والمشاهير الناشطين، مثل ليوناردو دي كابريو وإيما طومسون'. ويضيف: 'شهدنا أيضاً اتجاهاً متنامياً في بعض المهرجانات السينمائية لتخصيص جوائز أو فئات خاصة بالأفلام البيئية، مثل مهرجان 'كان' الذي منح مساحات أوسع للأفلام الوثائقية عن الحياة البرية، أو مهرجان 'صندانس' الذي دعم تجارب بيئية مستقلة'. لكن، رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يرى دمّر أنّ السينما التجارية لا تزال 'أسيرة منطق السوق، وبالتالي فإنّ الإنتاج البيئي المباشر لا يحظى غالباً بالزخم نفسه، ما لم يُغلّف بالإثارة أو يحظَ بنجوم كبار'. ويتابع قائلاً إنّ هناك تحديات عدّة أمام السينما التي تتناول قضايا المناخ والبيئة. 'أولها الجمود الجماهيري'، يوضح دمّر، 'فالجمهور عموماً ينجذب إلى الترفيه أكثر من التوعية، ما يضع الأفلام البيئية في موقع صعب على المستوى التجاري'. أما التحدي الثاني، بحسب دمّر، فيكمن في 'تعقيد القضايا المناخية ذاتها؛ فمن الصعب تبسيط موضوع مثل الاحتباس الحراري أو تأثير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الأرض بلغة سينمائية جذابة'. ويشير أيضاً إلى أنّ 'بعض الدول أو الجماهير لا تتقبّل بسهولة الرسائل التي تحمل نقداً ضمنياً للنظام الاقتصادي أو الصناعي، وهو ما يزيد من تعقيد استقبال هذا النوع من الأعمال'. أما التحدي الثالث، فيتعلّق بـ'التحفّظات الإنتاجية'، إذ يميل العديد من المنتجين إلى تجنّب المواضيع الواقعية الثقيلة، خوفاً من عدم تحقيق عائدات مضمونة. ويرى دمّر أنّ الحلّ قد يكمن في 'الدمج الذكي بين الترفيه والتوعية، عبر خلق شخصيات وقصص إنسانية تتقاطع مع الكوارث البيئية بشكل عاطفي وجذّاب'. لكن المفارقة برأيه أنّ صناعة السينما نفسها من بين الأنشطة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والوقود، وتخلّف أثراً بيئياً سلبياً، ما قد يتعارض مع الرسائل التي تدعو إلى الحفاظ على البيئة. ومن هنا ظهر مصطلح 'السينما الخضراء'، وهي مقاربة تعتمد على استخدام الطاقة النظيفة والتقنيات المستدامة في مواقع التصوير. ويتابع دمّر: 'التأثير البيئي لصناعة السينما لا يستهان به، بدءاً من استهلاك الطاقة، مروراً باستخدام الطائرات والشاحنات لنقل الطواقم والمعدّات'. ويضيف: 'للوصول إلى سينما خضراء، توصي العديد من طاولات النقاش منذ سنوات بتقليل عدد عناصر فرق الإنتاج، وتخفيض التنقّلات، والاعتماد على الطاقة النظيفة في مواقع التصوير، إضافة إلى إعادة تدوير الديكور والأزياء بدلاً من صناعتها من جديد'. ويختم دمّر بالقول إنّ 'السينما الخضراء ليست حلماً بعيد المنال، لكنها تتطلب تنظيماً حازماً من الهيئات الرسمية، والتزاماً جدياً من داخل الصناعة نفسها، إلى جانب وعي جماهيري يضغط باتجاه هذا التغيير'. مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

معرض الكتاب: ذاكرة ورقية تأبى الإنزياح
معرض الكتاب: ذاكرة ورقية تأبى الإنزياح

المدن

timeمنذ 4 أيام

  • المدن

معرض الكتاب: ذاكرة ورقية تأبى الإنزياح

على الرغم من وفرة الكتب، فإن التجوّل في أروقة معرض الكتاب يشي بأننا إزاء ذاكرة ورقية تأبى الإنزياح، ذاكرة متجذرة لكنها في الوقت نفسه على وشك الإنقراض. ربما الكتاب لدى البعض يتجاوز كونه محض تلك الأوراق المصفوفة فوقها الكلمات، بل أن كل كتاب نقرأه ربما هو في بعض نواحيه أقرب إلى دفتر ذكريات. لعل الكتاب في معرض بيروت، يقع بالنسبة للغالبية العظمى من الروّاد، في هذه الخانة. في كتاب "مثالب الولادة" يقول سيوران أن الطريقة الأنجع للخروج من الإحباط تتمثّل في تناول معجم ثم الشروع بالبحث عن كلمات وكلمات. تراني أتمثّل معرض الكتاب في بيروت في نسخته الأخيرة كمعجم كبير بالمعنى الذي ذهب إليه سيوران. هذا المعرض حاجة ماسة للخروج من إحباط له علاقة بتصوراتي الخاصة عن مستقبل الكتاب الورقي، وأقولها بصراحة، له علاقة بمستقبلي الشخصي إزاء العلاقة مع الكتاب... فأنا كائن ورقي إلى أقصى الحدود. ثمة تصورات عن الكتاب ومعارضه تفي لدى عشّاق الكتب حاجات سحيقة الغور، ومعرض الكتاب في بيروت هو في هذا الصدد بمثابة حكم مسبق عصيّ على الإجتثاث، كما آمل. وهو أمل لا مكان له في التالي من السنين، ومع هذا فلا بأس بأن يتشبث المرء بأمل أرعن من آن إلى آخر. بصرف النظر عن روّاد المعرض من بشر عاديين تجري في عروقهم الدماء، إن معرض الكتاب في بيروت هو -في متنه الأروع- قصر منيف يعجّ بكم هائل من الأشباح. أشباح من نمط خاص، لطيفة تقفز من بين سطور الكتب وتتلصص على قرائها بإمعان. بالنسبة إلي، وجود هذه الأشباح أكثر يقينية في المعرض من وجود الآخرين، ومن وجودي أنا بالذات، وأتكلم بشكل خاص عن شخصيات روايات عشقتها وكوّنتني، مثل أوسكار "الطبل الصفيح" لغونتر غراس، وهولدن كولفيلد الفتى الرائع في "الحارس في حقل الشوفان"، والجندي الطيّب شفيك الذي لطالما أخذ بيدي هو ومؤلفه ياروسلاف هاشيك، والشرير ستافروغين بطل ممسوسي دوستويفسكي، فضلاً عن شلّة مركب نجيب محفوظ في "ثرثرة فوق النيل" وغيرهم الكثير الكثير. يستعير الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في كتابه "حكمة الغرب"، عبارة الشاعر الإغريقي كاليماخوس، القائلة بأن الكتاب الكبير شرّ كبير، وبصرف النظر عن توظيف راسل لعبارة كاليماخوس في كتابه، فإن الكتاب، كبيراً كان أو صغيراً، هو بالفعل شرّ كبير، لا سيما عندما يستحوذ على الذهن كله، فضلاً عن استحواذه الرائع على القلب والعينَين وبشكل خاص على أصابع الكفّين. إن الأصابع في هذا المحل هي بعينها الكتاب، وأقول هذا عن تجربة في غاية العمق، وسحقاً لسخرية البعض ممن لا يفهمون ما أعنيه بهذا الكلام. فأنا كائن ورقي بإمتياز، وتراني مع الكتاب الورقي إزاء استدراج رائع، إزاء انتهاك من أروع الإنتهاكات. لطالما كان معرض بيروت للكتاب واحة سنوية من الإنتهاكات الجميلة، تستوي في روعتها مع الشرّانية الحميمة للكتاب الذي بين الكفّين والذي هو على شفير الإنقراض. فللأسف الشديد، المستقبل يبّثنا بشكل يومي خبر انتفاء الحاجة للكفّين في العلاقة مع الكتاب. ثمة انحياز ملحّ لعلاقة الأصابع بالغلاف وبالورق، يغذيه معرض الكتاب. وثمة رأفة بالأنف يعمل هذا المعرض على تهيئتها عبر زرع هذا الأنف بين متون الصفحات، وهو ما نحن في صدد فقدانه في المقبل من السنين. معرض بيروت هو بمثابة طبطبة حنو فوق ذاكرتنا الورقية قبل رحلة الوداع. في رائعته التأريخية "المكتبات في العالم القديم" يقول المؤلف ليونيل كاسون، إن الطريقة التي كان يتم عبرها تداول الكتب في العهد الروماني القديم، قامت على تقديم المؤلفين نسخاً منكتبهم للأصدقاء ولزملائهم الكتّاب. لكن، ماذا لما يكون المعرض –معرض بيروت– هو الصديق الأقرب، الصديق الذي شاخ؟ إن التحديق بعينين عتيقتين قد يفي شرط الرؤية في بعض الحالات، إنما في حالة الكتب الورقية ومعارضها، فإن هذا التحديق تلويحة الوداع. ثمة في هذا العالم الضيّق مَن يتنافس على الإستحواذ على الكلمات، وأراني محلّ حدس مفاده أن معرضنا الجميل للكتاب، شأن كل معارض الكتب في العالم، سوف يكون خارج هذه المنافسة كما تشي كل ضروب ما نعايشه من "ذكاء". في نصّه الشهير "مكتبة بابل"، يخبرني الصديق خورخي لويس بورخيس، إن حلّ طلاسم الكون يكون عبر مقاربة هذا الكون اللامتناهي كمكتبة ضخمة، محض مكتبة مترامية الأطراف. في تسعينات القرن المنصرم، لطالما تمثّلتُ معرض الكتاب كحيّز لامتناهي الأطراف، ككَونٍ بيروتي على تخوم البحر. إلا أن الهوية المرتقبة لشكل الكتاب في المقبل من الأيام تقودني للظن أني عما قريب سأكون إزاء نوستالجيا رقراقة، محض ذكريات ورقية تتشبّث بماضيها الحميم. لست أدري من قال أن الشعور هو في العمق التزام الروح بما يحايثها من أفراح أو منغصات، وليس التجوال في أروقة معرض بيروت للكتاب إلا تعضيداً لمنغصات الوداع على الرغم من وفرة الكتب. ومع هذا، تبقى لهذا المعرض وجاهته التي تأبى الإنزياح، وفي البال ما بثّته ليندا مكلستون في كتابها "القواميس" حيال علاقة الإنسان بالكلمات. ليس التفتيش عن الكلمات في القواميس مجرد جمعٍ لأوصال المعنى، بحسب مؤرخة اللغة الإنكليزية، مكلستون. ذلك أن هذا التفتيش عن الكلمات ينطوي في حدّه الأخير على رغبة المرء في جمع أوصال نفسه، عبر جمّ الكلمات. بالنسبة إلي، ما كفّ معرض الكتاب في بيروت عن أن يكون قاموساً بالمعنى الذي ورد في كتاب "القواميس". لطالما شكّل هذا المعرض فرصة لجمع أوصال الذات واستجابة نشطة لشدّ حبال الذات هذه. إنما، وعلى الرغم مما يكتنف مستقبل الكتاب في العالم من غموض وضبابية وربما انمحاء، فلا بأس بأن تبقى معارض الكتب الورقية بمثابة طقوس تتكرر عاماً بعد عام، شأن كل الطقوس. فكما يقال: ما دام هناك قبر تحت الأرض فستكون ثمة أزهار فوقه على الدوم. إنها طقوس الولاء لما يخصّ الأعماق، طقوس متعة الإنصياع إلى ألق الكتاب. وربما في بعض نواحيه، يشكّل معرض بيروت للكتاب طقس استئناف لإنفعالات صارت في خبر كان. فكما قال واحد من أعرق الأصحاب إزاء العلاقة مع الكتب والمكتبات والمعارض وتاريخ القراءة والكلمات: "الآن، وقد بدأ يلحّ اليقين بأن النهاية آتية لا ريب فيها، فلأتمتع أكثر من أي وقت مضى بالأشياء التي ألفت أن أكبر معها: كتبي المفضلة، الأصوات التي أحبها والصحبة القليلة من الأصدقاء" (آلبرتو مانغويل)... ومعرض الكتاب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store