
اللقاء السنوي للطلحاويين في آيت حسان: تلاحم الجذور ووفاء الإنتماء لأرض الأجداد
اللقاء السنوي للطلحاويين في آيت حسان: تلاحم الجذور ووفاء الإنتماء لأرض الأجداد
ناظورسيتي: محمد العبوسي - بلال مرابط
شهدت قرية آيت حسان ببني توزين الواقعة بجماعة إجرماواس بإقليم الدريوش، يوم الأحد 3 غشت 2025، مناسبة متميزة تمثلت في الافتتاح الرسمي لمسجدها التاريخي، عقب انتهاء أشغال ترميمه وإعادة تأهيله بشكل يحافظ على طابعه الأصيل.
وجاء هذا الحدث في سياق اللقاء السنوي الذي اعتادت جمعية بني حسان للتنمية والتعاون بهولندا تنظيمه صيف كل عام، والذي يجمع أبناء المنطقة من داخل المغرب وخارجه، خاصة المقيمين بأوروبا. حيث يشكل هذا الموعد فرصة لتعزيز أواصر التواصل وصلة الرحم بين الجالية وأهالي المنطقة، كما يُعد مناسبة لتدارس مشاريع تنموية محلية، وتنظيم زيارات ميدانية لفائدة الشباب من أبناء الجالية المغربية، بهدف تعميق ارتباطهم بأرض الآباء والأجداد.
وقد حضر مراسيم الافتتاح عدد من الفعاليات المحلية وأعضاء الجمعية، يتقدمهم رئيس المجلس العلمي المحلي لإقليم الدريوش، الدكتور بنعيسى بويوزان، الذي ألقى كلمة بالمناسبة تطرق فيها إلى أهمية هذا الإنجاز في سياق برنامج "الأبواب المفتوحة" الموجه لمغاربة العالم، والذي دأب المجلس العلمي على تنظيمه سنوياً منذ تولي الدكتور بويوزان رئاسة المجلس. وشدد على أن هذه اللقاءات تسهم في مد جسور التواصل مع الجالية، وتستهدف مختلف الشرائح الاجتماعية، بما فيها النساء والشباب، كما أنها تتيح التفاعل مع رؤساء الجمعيات المشرفة على المساجد المغربية بالخارج.
وتوقف الدكتور بويوزان أيضاً عند تاريخ منطقة إجرماواس الزاخر بالعلماء الذين خلدت ذكرهم كتب التراجم المغربية والأندلسية، من أمثال ابن الخطيب السلماني وابن القاضي المكناسي، مشيداً بدور العلماء الطلحاويين الماواسيين في نشر العلم الشرعي واللغة العربية. وأعرب عن أمله في أن تحتضن البلدة قريباً مدرسة قرآنية تستأنف الدور التاريخي للمنطقة في تحفيظ القرآن وتعليم علومه، انسجاماً مع توجيهات أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي يولي عناية كبرى لتعليم القرآن الكريم في مختلف جهات المملكة.
من جهته، عبّر السيد محمد الطلحاوي، رئيس جمعية بني حسان للتنمية والتعاون بهولندا، في كلمته بهذه المناسبة، عن سعادته الغامرة بتحقيق مشروع ترميم المسجد التاريخي، الذي كان على رأس أولويات الجمعية عند تأسيسها في يناير 2020 بمدينة أوتريخت الهولندية.
وأشار إلى أن المسجد الجديد لن يكون مجرد فضاء لأداء الصلوات، بل سيتحول إلى مركز إشعاع علمي وروحي من خلال افتتاح مدرسة لتحفيظ القرآن، بشراكة مع المجلس العلمي المحلي لإقليم الدريوش. كما ذكّر بالدور الحيوي الذي لعبه المسجد في الماضي في تكوين أجيال من العلماء والفقهاء الذين ساهموا في خدمة المنطقة والمغرب عامة.
ليختتم كلمته بأن ارتباط أبناء آيت حسان من مغاربة العالم بقريتهم ليس معزولاً عن شعورهم العميق بالانتماء للمملكة المغربية الشريفة، هذا البلد الذي احتضن الحضارة الإسلامية في جناحها الغربي بعد سقوط الأندلس، ويواصل مسيرة البناء والتحديث تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله ورعاه.
وفي سؤال لناظور سيتي عما إذا كانت للمنطقة احتياجات أخرى أجاب السيد محمد الطلحاوي:
"لقد لاحظنا بأن المنطقة بحاجة فعلا إلى مجموعة من الاحتياجاتمن بينها، إعادة تأهيل السوق التاريخي للمنطقة ثلاثاء إجارماواس، فك العزلة عن المنطقة من خلال تعبيد شبكة الطرق المؤدية إلى المنطقة، وتوفير الماء الصالح لللشرب للساكنة من خلال حفر بئر أو اثنين.
وفي الأخير أعربت الجمعية عن استعدادها للمساعدة في حدود إمكانياتها في مثل هذه المشاريع التي تدخل في اختصاصات السلطات المحلية والإقليمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 8 ساعات
- أخبارنا
الإبهار.. في آيتي الليل والنهار
أمر الله تبارك وتعالى عباده أن يتفكروا في خلق السموات والأرض وما جعل الله فيهما من الآيات الباهرات، والدلائل البينات، والمعجزات القاهرات الدالة على عظمته وحكمته وكامل قدرته. وقد حوى الكون من هذه الآيات ما يبهر العقول القويمة والنفوس السليمة والفطر المستقيمة ويجعل الإنسان يقر بعظمة خالق الكون، ويؤمن به وبربوبيته وألوهيته. وكثير من آيات الله تخفى على الناس لشدة ظهورها، أو لدوام اعتيادها؛ فتغفل القلوب والعقول عنها.. ومن هذه الآيات ما دل الله عليه بقوله: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء:12]، وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}(آل عمران: 190)، وقال: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}[يس:37]. فالليل آية من أعجب آيات الخالق سبحانه، ولذلك أقسم الله تعالى بها في كتابه أكثر من مرة، وبين فضله على عباده في وجودها وتقلبها وإتيانها وذهابها وتقلب الليل مع النهار، قال سبحانه: {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس . والصبح إذا تنفس}[التكوير:17]، وأقسم به إذا غشِي الشمسَ حين تغيب: {والنهار إذا جلاها . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}[الشمس:4]، وإذا غطَّى الخلائق بظلامِه: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى والنهار إذا تجلى}[الليل:1، 2]، وأقسم به إذا سكَن فأظلم: {وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى}[الضحى: 2]. ومن عجيب صنع الله في هذه الآية ودلائل قدرته وقوَّته وإحكام مُلكِه أنه يدخل الليل في النهار والعكس، ويورد أحدهما على الآخر في سلاسة عجيبة وتدرج مبهر وانسيابية خلابة؛ حتى ينتقل الناس من أحدهما إلى الآخر بدون فزع أو خوف، قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}[لقمان: 29]، وقال: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} [يس: 37]. وخَلقُ الليل بعد النهار رحمة من الله بعباده، فإنه سبحانه جعل النهار للسعي في الأرض وطلب الرزق، والاجتهاد والعمل، ولابد لهم بعد التعب والنصب من السكون والراحة: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}[النبأ: 10ـ11]، وأخبر أنها رحمة منه بهم فقال: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}[القصص: 73]. {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}[غافر:61]. وقد كان سبحانه قادرًا أن يجعل حياتهم كلها ليلا بلا نهار أو نهارًا بلا ليل، ولو فعل ما قدر أحدٌ على تغيير خلقِه ومراده، ولكنه خلافُ الحكمةِ؛ كما بين ذلك جل وعلا بقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)}[القصص:71]. والليل محل النوم.. والنومُ نعمة أخرى من نِعَم الله الجسيمة، يحتاجه الغنيّ والفقير، والكبير والصغير، والذكر والأنثى، وبِفضل من الله جعله يسيرًا في كلّ مكان، ويناله كلّ مخلوق بلا ثمَن، ليس بمتاعٍ يحمله المسافِر فيجهَد، ولا بذِي ثمَن يفقِد الفقيرُ ثمنَهُ فيحزَن، ولا ذِي عَرَضٍ يعجز الضعيفُ والصغير عن نقلِه. تُغمَضُ العينانِ فترتَفع الروح، فينالُ الجسدُ الراحةَ والسكون، قال عز وجل: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}[النبأ: 9]. وهو من آيات الله العظيمةِ الدالةِ على قوَّته وجبروته، قال جلَّ شأنه: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[الروم: 23]. يميتُ البشرَ بالنوم ثم يوقِظهم متى شاء إذا شاءَ، ولا ينام هو لكمال حياته وقيوميته، فلا تأخذه سنة ولا نوم، وفي الحديث: (إنَّ اللهَ لا ينامُ ، ولا ينبغي له أن ينامَ ، ولكن يخفضُ القسطَ ويرفعُه ، يُرفعُ إليه عملُ اللَّيلِ قبل عملِ النَّهارِ ، وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ)[رواه مسلم]. واليقظة أيضا نعمة وكما أن النوم نعمة وآية فكذلك اليقظة بعد النوم آية أخرى من آيات ذي الجلال والإكرام؛ فإن النومُ قسيمُ الموت ويُذكِّرُ به، وهو وفاة صغرى، كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَ ٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الزمر:42]. ومِن دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم عند نومِه: (إن أمسَكت نفسي فارحمها)[متفق عليه].. وعند البخاري عن حذيفة بن اليمان قال: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا). فاليقظة بعد النوم حياة جديدة، فكم من نائمٍ ماتَ في نَومَته، وكم من نائم نام سنين طويلة كأصحاب الكهف، والعزير نبي الله، نام الأوائل ثلاثمائة سنة وتسع سنين، ونام الآخر مائة عام، ولولا أن الله بعثهم من نومهم لما قاموا إلى يوم القيامة.. فاليقظة من النوم نعمة؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يشكر الله ويحمده إذا استيقظ.. كما في صحيح البخاري: (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ). الليل كله نعم والليل محل نعم كثيرة، دنيوية وأخروية.. ومن نعم الله الشرعية في الليل: أن الصلاة فيه أفضل الصلاة بعد الفرائض؛ فقد روى مسلم في صحيح عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)[رواه مسلم]. أن التأثر بالقرآن فيه أكبر، وتعلُّقُ القلوبِ فيه بالله أرجَى، قال سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً}[المزمل:6]. فأمر الله رسولَه بالإكثارِ من الصلاةِ والتسبيحِ فيه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل:2]، وقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} [الإنسان: 26]، واقتفى الصالحون أَثَرَه فـ {كانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:17ـ18]. أن فيه صلاةُ الوتر، واللهُ وِتر يُحبُّ الوتر، وصلاةُ آخر الليل مشهودة، ومن صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصفَ الليل، ومن صلَّى الفجرَ في جماعةٍ فكأنما قام الليلَ كلَّه. أن العبد يكون فيه أقرب إلى الله من غيره: فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكر اللهَ في تلك السَّاعة فكُنْ) [رواه النَّسائي والترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ]. ودعاء الليل مسموع، وأقرب للإجابة؛ خصوصا في جوف الليل ووقت السحر وقت النزول الإلهي فإنه سبحانه يتفضل على عباده فينزل في ثلث الليل الآخر ليقضي حاجاتهم ويفرج كرباتهم فيقول: (من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) [رواه البخاري]. وفي صحيح مسلم: (إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة). ودعوةُ المستيقِظ من اللّيل مع الذّكر مستجابَة، وصلاتُه مقبولة، قال عَليه الصّلاة والسّلام: (مَن تَعارَّ من الليل ـ أي: استيقظ ـ فقال: لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير، الحمدُ لله، وسبحانَ الله، ولا إلهَ إلاَّ الله، والله أَكبر، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بِالله، ثم قال: اللّهمّ اغفر لي، أو دعا إلا استُجِيبَ له، فإن توضَّأ وصلّى قُبِلت صلاتُه)[رواه البخاري]. وفي الليل ليلة القدر، وفيه بدأ نزول القرآن، ونزلت فيه آيات التوبة على الثلاثة الذين خلفوا، فقبول التوبة فيه أرجى من غيره. وهو جُنة المتعبدين، ومتعةُ القائمين، ومنحةُ المحبين، يخلون فيه برب العالمين، فالسعيدُ مَن تفكَّر في آياته، وانتفع بأوقاته، فأراح بدنه، وأراح قلبه ونفسه، وتقرب إلى ربه، واغتَنَم ساعاته بالقرُبات، وتزود فيه بالأعمال الصالحات ومجانبةِ السيَّئات.


مراكش الآن
منذ 9 ساعات
- مراكش الآن
الجمعية اليوسفية بمراكش تحيي أجواء روحانية في 'يوم الدليل' بمدينة البيضاء
في أجواء إيمانية عامرة بالخشوع والمحبة، شاركت الجمعية اليوسفية للتراث والسماع وتلاوة دلائل الخيرات، برئاسة بلطاقي الحاج مولاي أحمد، في فعاليات 'يوم الدليل' الذي احتضنته الزاوية العلوية الشاذلية بمدينة الدار البيضاء، تحت إشراف الشيخ المهدي منصور حفظه الله. وتأتي مشاركة الجمعية اليوسفية ضمن جهودها المتواصلة في صون التراث الروحي المغربي والتعريف بجمالية فن السماع وتلاوة دلائل الخيرات، حيث شكل الحفل مناسبة متميزة للتلاقي بين مختلف الفرق والمجموعات المهتمة بالذكر والمديح. وقد نوهت الجمعية في تصريح رسمي بروعة التنظيم وحرارة الاستقبال، مؤكدة أن هذا الحدث الديني شكل لحظة استثنائية اتسمت بالصفاء الروحي، وجسدت أسمى معاني المحبة والوفاء لخير البرية، النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وشهدت المناسبة لحظات مؤثرة من الإنشاد الجماعي والصلاة على النبي، في مشهد روحاني بديع عكس عمق التعلق بالمرجعية الصوفية وثراء الموروث المغربي الأصيل في هذا المجال. وفي ختام مشاركتها، أعربت الجمعية عن شكرها العميق للقائمين على الزاوية العلوية الشاذلية، مشيدة بمبادرتهم في إحياء هذا اليوم المبارك، الذي يعزز من أواصر التراحم والتواصل بين أبناء المدرسة الروحية المغربية.


كش 24
منذ 18 ساعات
- كش 24
جعفر الكنسوسي يكتب عن الإمام الجزولي مؤلف دلائل الخيرات
إن تجديد الإسلام وتقدمه يقوم على إحياء قيمه العميقة متجاوزا الإستعارة السطحية من الخارج والانغلاق في القوالب الشكلية. وبالنسبة للمتنطعين على الأعلام. فتعظيم الأولياء وفي مقدمتهم الشيخ الجزولي لن يختفي قريبا من الإسلام. رغم عدم استيعاب البعض لمثل هذه الرهانات الثقافية والروحية. قال عبد الرحمان بن خلدون في كتابه شفاء السائل موضحا تسلسل الأزمنة الأولى من بداية الإسلام "...ثم درج الصحابة رضوان الله عليهم وجاء العصر التالي لعصرهم تلقى أهله هدي الصحابة مباشرة وتلقينا وتعليما. وقيل لهم التابعون. ثم قيل لأهل العصر الذين بعدهم أتباع التابعين. ثم اختلف الناس... ونسي الناس أعمال القلوب وأغفلوها... ثم طرقت آفة البِدع في المعتقدات وتداعى العِباد وإلى هذا معتزلي ورافضي وخارجي ... فانفرد خواص السُنة المحافظون على أعمال القلوب المقتدون بالسلف الصالح في أعمالهم الباطنة والظاهرة وسموا بالصوفية". في بعض الأحيان، ومن أجلِّ أعمال القُربات، كان بعض المحسنين المغاربة يلتجئون في القرون الماضية إلى طلاب جامعة ابن يوسف بمراكش من أجل استنساخ كتب جميلة مكتوبة بخط اليد من كتاب دلائل الخيرات للإمام الجزولي. وبالتالي لدينا بعض الشهادات الثمينة عن فن الخط من ذلك الزمن، واستنساخ الكتب المعظمة هو أنبل الفنون عند المسلمين، يتعاطاه الأمراء وأكابر العلماء بالأصالة. وبعد وصول الطبع على الحَجر إلى المغرب متأخرا حوالي عام 1869، سرعان ما أتقن صَنعتَها تاجر من فاس ورثها عن رجل من أهل سوس. وكان كتاب الشمائل للترمذي أول كتاب ينشر على هذا المنوال في المغرب وبعده مباشرة طُبع كتاب دلائل الخيرات. ونعلم ما لهذين المؤلفين من صلة ومن تعظيم لتعلقهما بشخص الرسول. يُتداول كتاب دلائل الخيرات واستخدامه شائع، وغالبا ما يتم نشره بكيفية مجهولة وبدون إشارة إلى الناسخ. وعلى سبيل المثال، وفي إحدى الطبعات المتأخرة في بيروت لم يذكر حتى اسم المحسن الناشر على ما جرى به العمل. فعلى الأقل، بفضل المطبعة، تيسرت حيازة هذا الكتاب. وغالبا ما يُهدى ويوزع مجانا. ويمكن شراء نسخة مقابل بضع عملات معدنية وهو معروض عند الكتبيين وفي الأكشاك في الساحات العمومية كجامع الفناء في مراكش، أو بداخل المكتبة المتواضعة المجاورة للمسجد الأكبر بباريس في الحي اللاتيني أو في القاهرة بحرم سيدنا الحسين أو في جاكرتا. وفي سوق المزاد للكتب بفناء بداخل الجامع اليوسفي للمخطوطات القديمة في مراكش، يوم الجمعة بعد صلاة العصر مباشرة، قد يحدث أن تظهر مخطوطة جميلة بارعة الخط من "الدليل"، وقد تكون واحدة من تلك النسخ التي دُوِنَتْ ونُمِّقَتْ وذُهِّبَتْ وسُفِّرَتْ بأناقة وبهاء بمال محسن أو محسنة ثم أرسلت إلى الآفاق. تظهر في هذا الجمع ثم تختفي على الفور في صخب المزاد. أعتقد كذلك أن إشارة لطيفة إلى هذا الكتاب في الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم ضمنها كاتب شهير في روايته الأدبية، يظهر فيها شخص في نهاية القصة وتبرز حكايته مثل نشيد من متن رِقٍّ مسطور. ويخبرنا مؤلف الرواية أن الكناش يضم " مائة صفحة من خط يثير كماله وإتقانه إعجابا منقطع النظير". يحدث هذا المشهد على شرفة منزل قديم في حي سيدي بن سليمان في المدينة بمراكش. يُعلَمُ القارئ أن شريفا شابا مضيف الراوي غالبا ما يسمع في الليل تلاوة على نموذج الذكر عند الصوفية وكان قلبه يمتلئ بمشاعر قوية، وأحيانا كان يبكي من السعادة. " ولا محالة تكون هذه إشارة إلى كتاب دلائل الخيرات في واحدة من أفضل الروايات الأدبية الحديثة التي ألفها كاتب مغربي. وسيكون هذا مثل الجانب الخفي الآخر من الرواية. ومن الجدير بالذكر على الأقل كفرضية، إذا ثبت أنها صحيحة فهذا يعني أن كتاب دلائل الخيرات ما يزال يستمر تأثيره في عالم الكتابة المعاصرة، على الأقل بهذه الطريقة اللطيفة في قلب أدبنا الحالي. بل ورد ذكر دلائل الخيرات في أول كتاب ألفه كاتب مغربي في القرن العشرين في الأدب الحديث، كما عده النقاد المعاصرون، أعني كتاب الزاوية للشيخ مولاي التهامي الوازني، ولو أن ما يَنزع إليه هؤلاء فيه نظر، حيث لا يستقيم أن نحشر هذا المؤلف الصوفي المُعبر عن توق السالك، نعده من باب التخييل الأدبي والرواية الحداثية. قال المؤلف " كنت سمعت من شيخنا العلامة سيدي أحمد الرهوني، فقد كان حدثنا على سبيل الاستطراد في درس من الدروس بأن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تقوم مقام الشيخ. وذكر أن طريقة أسلافنا أهل وزان رضي الله عنهم قائمة على أساس الصلاة على النبي". "وفي الحقيقة أن الإمام الجزولي هو من سنَّ سنة كبرى تتجلى في الأهمية القصوى التي اقترنت بالصلاة على النبي كعمل تعبدي عند الصوفية. ولو أن العمل بالصلاة على النبي لم يكن بدعا في المغرب الكبير علما أن التصلية هي من العناصر الأساسية في العبادات". قال صاحب الممتع (ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع وما لهما من الأتباع): "التصلية هي الأساس الذي تستند عليها طريقته [الجزولي] وطريقة أتباعه." ومع ذلك فالإمام الجزولي لا شك هو أول من بنى طريقته في السلوك على هذه الممارسة من قُرب النوافل بل وأكد أن درجة السالك الروحية تعلو بموجب العمل الروحي بالتصلية. سيدي بنسليمان هذا الاسم له وقع كبير ومثير للتعظيم عند المسلمين منذ قرون. بل إن اسمه يحمله اليوم حي كبير انتظم حول مركب حضري في قلبه ضريحه والجامع المحاذي له بمراكش العتيقة. فهذا الولي موضوع تبجيل المؤمنين، يحجون إلى مرقده من مشارق الأرض ومغاربها. وكم من مرة شهدت بنفسي وفود جماعات من الزائرين العلماء وغيرهم يدخلون زاويته في خشوع وغبطة وسرور. مولاي امحمد بنسليمان الجزولي مؤلف دلائل الخيرات، توفي عام 1465 (870 ه) وهي نفس السنة التي انتهى فيها حكم المرينيين الطويل بالمغرب. فزيارة ضريحه الفخم المهيب لدى السالك آنذاك كما هو الحال اليوم، هو الوقوف على المقامة الرابعة، واسطة عقد المقامات السبعة بمراكش، والزيارة الدائرية هذه "للرجال السبعة" تعتبر من أشهر المزارات ببلاد الإسلام. لقد ألَّف الشيخ محمد المهدي الفاسي1698-1624) )، ثلاثة كتب، بما في ذلك الشرح الكبير على دلائل الخيرات بعنوان تحفة الأخيار يخبرنا فيه بأن هذا الولي كان يمتلك الكيمياء التي تحول معادن النفوس الخسيسة إلى إبريز أي ذهب خالص. لذلك بالنسبة للأجيال اللاحقة، فمقام الشيخ الجزولي يضاهي مقام الشيخ الجيلاني ببغداد، بحيث يتقاسم هذان الإمامان ثلاث شمائل أساسية: انتسابه لأهل البيت، غزارة علمه وعلو مقامه في عمل الإحسان والصلاح. ولإثبات ذلك يؤكد الشيخ الفاسي في كتابه "ممتع الأسماع" أن كتاب دلائل الخيرات هو من إملاء النبي صلى الله عليه وسلم. يقول كاتب السيرة إنه حصل على هذه المعلومات من أسلافه، أي من أسرة السادة الفاسيين، وربما عن والده أبي العباس أحمد، وعن عمه أبي محمد سيدي عبد القادر، وخاصة من جده الأكبر أبي المحاسن سيدي يوسف الفاسي الفهري. . . ينتمي هؤلاء الرجال إلى سلسلة ممتدة متراسلة من العلماء والصوفية ذوي النسبة الجزولية. فلا غرابة من مثل هذه الدعوى. فإثنان من مشايخ المسلمين، الشيخ الأكبر ابن العربي إمام هذا الطريق" قبل الجزولي بوقت طويل، والشيخ سيدي أحمد التجاني في عصر متأخر من تجديد عمل الزوايا يُقران بنفس الدعوى ويتحدثان بالطابع المُلْهَم لكتاباتهما. يوضح الشيخ الجزولي هدفه بجلاء، في مقدمة مجموعه: جمع كل الأذكار السابقة، وجميع الصلوات المتعلقة بشخص النبي، دون ذكر مصادره، وذلك من أجل الإيجاز. ويكتب بالإضافة، أنه يروي بعض الأحاديث النبوية، ويحث المؤمن السالك على استدعاء روح النبي من خلال هذه الصلوات. ويبدو أن الكتاب هو عبارة عن تجميع، لم يبدع فيه المؤلف أي شيء جديد. مع علمنا أن الإقبال الذي لقيه الكتاب يعتبر حدثا روحيا استثنائيا وفريدا عند المسلمين يتراسل إلى يومنا هذا في باب التَّبتلِ والاستغاثة بشخص النبي. ويذهب بعض الباحثين أن أكبر عدد من ميراث المخطوطات الإسلامية على مر العصور حازها كتاب دلائل الخيرات. وهكذا أراد الشيخ الجزولي أن يكون هذا المجموع من الصلوات مرتبطة بالبركة مقرونة بالجمال والحسن والكمال. ويسأل الله أن تكون هذه الصلاة "دائمة إلى منتهى الأبد بلا انقطاع ولا نفاد" وترشد خطوات من يستدعيها في ليل الشك البهيم. من الواضح أن هذه المؤشرات القليلة لا تفسر المصير المذهل لكتاب دلائل الخيرات. في الواقع، السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا أصبح مُؤَلَّف "الدليل" أداة أساسية لتلقين لمريدي الشيخ الجزولي ومن بعده تلامِذَتَهُ وهم من ظهروا على معظم الزوايا في هذه البلاد المغربية والمشرقية؟ من أين سيأتي نجاح هذا الكتاب؟ إن كتاب دلائل الخيرات الذي خول للإمام المرتبة العليا في بلاد المسلمين يمثل أداة مميزة توسل بها رجال التصوف لبسط نفوذهم في الأوساط الشعبية. فمن خلال "الدليل" ومراسم المولد النبوي الشريف وبردة الإمام البوصيري انتشر تعظيم شخص الرسول في المجتمع وحضوره في حياة المؤمنين. إن محبة النبي وتعظيمه نجدها في مركز الحياة الروحية للمسلمين: في المراسم الشعبية كما هو الحال في التعاليم الصوفية العالمة. فلهذه المحبة أسس في النصوص الشرعية ونقف عليها في آلاف القصائد الشعرية كما نجدها في مجموعة كبيرة من مؤلفات العلماء. تؤكده كلود عداس الباحثة في الدراسات الإسلامية في كتابها "دار النبي". إن حركة النفس نحو المَدارِج العاليات ستكون دائما من خلال ذكر أسماء الله الحسنى. ومن ثمة بناء الجزء الأول بأكمله من الكتاب على هذا الجانب الأولي من الذكر. لكن التصلية ستحتل من الآن فصاعدا مكانا مركزيا في الأذكار. ولهذا أنكر المنكرون والمخاصمون على الشيخ صنيعَه. وسيقول هؤلاء لقد ابتدع الإمام منكرا ولهذا وجب حرق الكتاب ونعتوه "بمصحف الصوفية"! على العكس من ذلك، ففي زمن الجزولي، لم يكن الكتاب مجرد مجموع مثير من الصلوات من عمل عالم محدث، ولكن حالفه نجاح اجتماعي، تلقفه معاصروه ومن بعدهم، لأن الصلاة على النبي والتعلق بذكراه ستكون علامة لاجتماعهم حول قضية وجودية، في مواجهة عدوانية الإيبريين الصليبية الذين حولوا أراضي دار الإسلام إلى منطقة حرب، سواء في الأندلس أو ما تبقى منها وفي المغرب الكبير. وإلا فمن حضَّر لعقود الأوساط العالمة والشعبية للمعركة الحاسمة في وادي المخازن واستنهض القُوى الكامنة في الضمائر وانتخب الأسرة السعدية التݣمدارتية لقيادة الحركة القومية المغربية آنذاك؟ هم بلا شك مشايخ الجزولية وفُرسانُهم وفِتيانهم. ولمواجهة الخطر المُحدق بوجود الإسلام رأسا في هذه البلاد، كرس الآلاف من أتباع الجزولي عدة أشهر للجهاد الدفاعي عن النفس والوطن كل سنة. وسندهم في ذلك كله كتاب دلائل الخيرات. من ناحية أخرى، سوف يستمد ورثته الروحيون من تعاليمه القوة اللازمة لمواجهة التأثير المتزايد للطائفة المنحرفة المسماة بالعكاكزة. ظهرت هذه الطائفة على مجمل المغرب الكبير، بعد عقود قليلة من وفاة الشيخ. لا يمكن تقويم هذه الحقبة التي عرفت اهتزاز الوعي الروحي الجمعي والذي تولد عنه فتنة عقدية غير عادية، بشكل صحيح إلا على ضوء المفارقة التالية، بصفتها مأزق حقيقي للمؤرخين، وهي التي تشير بحق إلى عدم تجانس الطوائف الصوفية ما بين صوفي مهتدي وبدعي معتدي. فالمثال الشَّاذ الذي قدمه العكاكزة يَعِظنا بشكل مثير للغاية بشأن مجافاة الشريعة والمنهاج المحمدي على السواء. واستمر الحديث عنهم حتى زمن الشيخ الحسن اليوسي (المتوفى عام 1691) والذي أفرد لهم فتوى شهيرة تدينهم. أما السلطان مولاي إسماعيل (توفي عام 1727)، من جانبه، فقد تصدى لهم بقوة وحاربهم أيضا. وبالنسبة لبعض المؤرخين، كانت هذه علامة على التفكك الاجتماعي، وفرضية التخلف المزعوم الذي مهد الطريق للتخلف. وعلى النقيض من هذا التحليل، فإننا على الأقل نعمل على أن ندرك الوقائع. كان هناك أيضا انتعاش مذهل، وازدهار الطرق الصوفية والزوايا، بوسعنا أن نتعرف على مذاهبها ومشاربها تماما، ولا سيما من قبل أولئك المطلعين على كتاب الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي. تتعدد ما بين زاهد وعابد في خلوات الجبال أو في فيافي الصحراء والقفار أو ملتزم بأوراد طريقة صَحو أو طريقة سكر إلهي، والجميع وفقا لأسلوبه الخاص وسَنَنِهِ، شاركوا في الإحياء الروحي الحقيقي منذ ذلك العصر. بل وبالرغم من النكير والتبديع، ومن خلال كل إدانات الممارسات المنحرفة، تظهر قناعة ذات وقع حاسم: في نظر المعاصرين، كانت الطريقة الجزولية بلا شك هي السور المنيع الذي احتمت وراءه العقيدة الإسلامية بالمغرب الكبير. وصف جاك بيرك، المستعرب الفرنسي البارز، عصر أصحاب الجزولي المباشرين بأنه "لحظات عظيمة" في المجتمعات المغاربية. وكتب الناصري في كتابه الإستقصا: "وما دخل الأشراف السعديون دار ملك المغرب إلا من باب شيوخهم الجزولية." تجدر الإشارة الآن إلى أن نهج استخلاص العبرة من عمل الشيخ الجزولي وورثته الروحيين فقط على مستوى التاريخ السياسي والأحداث ليس إلا، يتبين في نهاية المطاف أنها مقاربة قاصرة. عِلاوة على ذلك، سيكون من السهل أن ننسى أن مطلبنا مُرْتَكَزُهُ بالأصالة يوجد في مضمار الوَلاية. من المُسَلم به أن كتاب دلائل الخيرات عبارة عن مجموع "صغير" من المصنفات التي تحث على التقوى وعرض بسيط للغاية. لكن العقيدة التي هي وسيلة له ويحملها في طياته ليست بسيطة البتة. يروي كاتب الممتع عن الشيخ الجزولي: "قيل لي: يا عبدي، لقد فضلتك بين مخلوقاتي لكثرة صلاتك على النبي." هذا القرب الإلهي من العبد هو "ثمرة" الدوام على الذكر، وقرب النوافل التي مستندها في الحديث:.. ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أُحِبَّه... "يشير الأستاذ علي شودكيفيتش في كتابه "بحر لا ساحل له" إلى أن « ممارسة النوافل تفترض اختيارًا، اختيارًا إراديًا، وبالتالي إرادةً ذاتيةً ما تزال قائمة. أما الإلتزام بالفرائض، أي الخضوع الكامل للشريعة، فهي التعبير الأمثل عن العبودة أو العبودية الخالصة، والإقرار النهائي بعدم الوجود الكياني للمخلوق. « عندما اتخذ الشيخ الجزولي الصلاة على النبي في مركز دائرة أذكاره، تمَكن بذلك من تجديد مسألة مركزية في العقيدة وتسويتها: وهي الأسوة الحسنة لأن النبي سيدنا محمد هو نموذج كل الكمال. كتب الشيخ الشعراني في القرن السادس عشر مخاطبا المريد السالك في كتابه "لواقح الأنوار": "إعلم أن الشيخ الحقيقي هو النبي صلى الله عليه وسلم. " ومن ثمة يتحقق السلوك التام بمعاهدة الشيخ الحقيقي: ففي شخص الرسول يوجد النموذج والأصل ومنتهى كل وَلاية. وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الأوساط الصوفية في المغرب بعد القرن السادس عشر الميلادي كانت ترجع دائما إلى سلطة الإمام الجزولي رمز إحياء الوَلاية ومؤسسات الصلاح وتميزها في جميع جوانب الحياة، كلما ذكرت الصلاة على النبي. وبالفعل يخبرنا مشايخ القرون المتأخرة أن كل أبواب الفتح الروحي قد سُدَّت إلا باب الصلاة على النبي. فلم يبق للسالك إلا اقتفاء أثر الشيخ الجزولي في عروجه تأسيا بتلك المرأة الولية بفاس التي أشارت عليه بهذا المسلك الأسنى: مسلك معرفة الله بالصلاة على النبي.