
اشتباك نووي على الأبواب.. 75 عاماً من النزاع الهندي-الباكستاني
شفق نيوز/ في جنوب آسيا، يعود شبح الحرب ليخيّم من جديد على العلاقة المضطربة بين الهند وباكستان، في أعقاب تبادل ناري غير مسبوق عبر الحدود، هو الأخطر منذ معركة كارغيل في عام 1999. لم يكن ما جرى مجرد مناوشة تقليدية في كشمير، بل ضربات جوية وصاروخية طالت العمق الباكستاني، ورد باكستاني مماثل، وسط مشهد يُنذر بانزلاق نووي.
عند استقلال الهند، الدولة ذات الغالبية الهندوسية والنظام الديمقراطي البرلماني، وباكستان، التي تأسست كدولة ذات غالبية مسلمة على أساس الهوية الدينية، عن بريطانيا عام 1947، نشأت بينهما خصومة جيوسياسية عميقة تمحورت حول إقليم كشمير المتنازع عليه.
وفيما مالت الهند منذ عقود نحو سياسة عدم الانحياز مع تقارب تدريجي مع الاتحاد السوفياتي ثم الغرب، اختارت باكستان التحالف مع الولايات المتحدة ثم عززت لاحقاً شراكتها الاستراتيجية مع الصين. ومنذ التقسيم، خاض البلدان أربعة حروب شاملة، إضافةً إلى اشتباكات حدودية متكررة، كان لكل منها أسبابها ونتائجها التي رسّخت خطوط التقسيم وعمّقت العداء التاريخي بين الجانبين.
عاد التوتر ليخيم على جنوب آسيا، حيث تبادلت الهند وباكستان قصفًا ناريًا في أخطر مواجهة بينهما منذ معركة كارغيل عام 1999، عندما وقع هجوم في 22 أبريل في منطقة بهلغام جنوب كشمير، وأسفر عن مقتل 26 مدنيًا هنديًا، حيث تتهم نيو دلهي جماعة TRF المدعومة من باكستان بالوقوف وراء الاعتداء، فيما تنفي إسلام آباد أي ضلوع مباشر.
ردت الهند فجر 7 مايو بغارات جوية وصاروخية طالت أهدافًا قالت إنها لمعسكرات مسلحين داخل باكستان، ليتبعها قصف باكستاني مضاد، مما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وتدهور في العلاقات الدبلوماسية.
حرب 1947–1948 (حرب كشمير الأولى)
اندلعت أول حرب بين الهند وباكستان مباشرةً بعد التقسيم عام 1947 نتيجة نزاعهما على ولاية جامو وكشمير الأميرية. حاولت باكستان دعم تمرد في كشمير عقب انضمام حاكمها إلى الهند، فتدخلت قوات قبَلية باكستانية ثم نظامية، وردّت الهند بإرسال جيشها إلى الإقليم. استمر القتال من أكتوبر 1947 حتى نهاية عام 1948، قبل أن تتوسط الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.
انتهت الحرب بتوقيع اتفاق كراتشي 1949 الذي رسم خطًا لوقف إطلاق النار عبر كشمير، أصبح لاحقًا خط التحكم (LoC) الفاصل بين سيطرة البلدين.
بموجب ذلك، بقيت مناطق وادي كشمير وجامو ولداخ تحت السيطرة الهندية (سُمّيت ولاية جامو وكشمير)، في حين سيطرت باكستان على أجزاء غرب كشمير (منها ما يُعرف بـ'آزاد كشمير' وغيلغت بلتستان).
شكّل هذا التقسيم أساس النزاع المزمن، إذ اعتبرته باكستان غير عادل واستمرت بالمطالبة بكامل كشمير ذات الأغلبية المسلمة، بينما تمسكت الهند بأحقيتها في الإقليم.
حرب 1965 (الحرب الهندية-الباكستانية الثانية)
تصاعد التوتر مجددًا في منتصف الستينيات على خلفية مناوشات حدودية ومشروع باكستاني لزعزعة الحكم الهندي في كشمير. في أغسطس 1965 أطلقت باكستان عملية سرية باسم عملية جبل طارق بإرسال قوات خاصة ومتسللين إلى القسم الهندي من كشمير بهدف تأجيج تمرد ضد الحكم الهندي. سرعان ما تطور الأمر إلى حرب شاملة بعدما شنت الهند هجومًا مضادًا واسعًا اخترق الحدود الدولية باتجاه إقليم البنجاب الغربي في باكستان.
دارت معارك ضارية بريًا وجويًا استمرت 17 يومًا خلال سبتمبر 1965، وأسفرت عن آلاف القتلى من الجانبين دون تحقيق نصر حاسم لأي طرف. تحت ضغوط دولية، وافق الطرفان على وقف القتال وعُقدت قمة طشقند بوساطة سوفياتية في يناير 1966، حيث وُقّع إعلان طشقند الذي أكد إعادة كل طرف قواته خلف حدود وقف إطلاق النار لعام 1949 والعودة إلى الوضع السابق للحرب.
نتيجة لذلك، عادت الأوضاع الحدودية بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب. ورغم عدم تغيّر الحدود، أدت الحرب إلى رفع وتيرة سباق التسلح بين البلدين وتعزيز كل منهما لعلاقاته الدولية (حيث شعرت باكستان بخيبة أمل من موقف أميركا وبريطانيا المحايد فاتجهت أكثر نحو الصين، فيما زادت الهند تقاربها مع الاتحاد السوفياتي).
حرب 1971 (حرب تحرير بنغلاديش)
اندلعت الحرب الثالثة والأكبر بين الهند وباكستان عام 1971 وكانت مختلفة عن سابقاتها في أسبابها ومسارحها. فخلافًا للحربين السابقتين اللتين تمحورتا حول كشمير، جاءت حرب 1971 على خلفية أزمة داخلية في باكستان نفسها؛ إذ انتفض السكان البنغاليون في جناح باكستان الشرقية مطالبين بالاستقلال بسبب التمييز السياسي والقمع الذي واجهوه من السلطة المركزية في غرب باكستان. دعمت الهند بقوة حركة القوميين البنغاليين (متمثلة بـ"عصبة أوافامي") سياسيًا وعسكريًا، ومع تصاعد الصراع الداخلي عبرت القوات الهندية الحدود الشرقية في ديسمبر 1971 لدعم المقاتلين البنغاليين. حققت الهند وقوات المقاومة البنغالية انتصارًا سريعًا وحاسمًا أدى إلى انهيار القوات الباكستانية في الشرق وإعلان استقلال جمهورية بنغلاديش الشعبية في أواخر ذلك العام.
تكبدت باكستان هزيمة قاسية وتم أسر نحو 90 ألفًا من جنودها في الحرب. ورغم قصر مدة الحرب (استغرقت حوالي أسبوعين من العمليات الرئيسية)، تقدر الخسائر البشرية الإجمالية (غالبيتها من المدنيين البنغال الذين قتلهم الجيش الباكستاني قبل التدخل الهندي) بحوالي 3 ملايين قتيل – وهو رقم لا يزال موضع جدل تاريخي لكنه مشهور في الخطاب البنغالي. في العام التالي 1972 وقع الطرفان اتفاقية شملا التي كرست وقف إطلاق النار الجديد ورسمت خط السيطرة الحالي في كشمير مكان خط وقف إطلاق النار السابق.
نصت الاتفاقية أيضًا على اعتبار خط السيطرة حدودًا مؤقتة بين البلدين وعلى حل الخلافات سلميًا، لكن هذا الخط بقي عمليًا الحد الفاصل الدائم في كشمير منذ ذلك الحين. مثّل انتصار الهند في 1971 نقطة تحول كبرى أضعفت باكستان سياسيًا وعسكريًا، وفي المقابل عززت مكانة الهند الإقليمية. وبعد الحرب دخل البلدان النادي النووي: أجرت الهند أول اختبار نووي لها عام 1974، فيما سعت باكستان بشكل محموم للحاق بها إلى أن نجحت في تفجير قنبلتها النووية الأولى عام 1998 – لتصبح الدولتان قوتين نوويتين متواجهتين.
حرب كارغيل 1999 (الصراع المحدود في كارغيل)
في منتصف عام 1999 تجدّدت المواجهة المسلحة بين الهند وباكستان في منطقة كارغيل الجبلية شمال كشمير، فيما اعتُبر أخطر تصعيد عسكري بينهما بعد عقود من حرب 1971. تسللت قوات خاصة باكستانية ومسلحون موالون لها خلال الشتاء إلى مناطق استراتيجية على قمم جبال كارغيل داخل الجانب الهندي من خط السيطرة، مستغلين فراغ المواقع الهندية خلال موسم الثلوج. مع ذوبان الثلوج في مايو 1999، تفاجأت الهند باحتلال تلك المرتفعات وبدأت هجومًا مضادًا شرسًا لاستعادتها.
شهد النزاع معارك عنيفة على ارتفاعات شاهقة استخدمت فيها المدفعية والطيران الحربي لدعم القوات البرية في التضاريس الوعرة. تمكنت القوات الهندية خلال أسابيع من استعادة معظم المواقع المخترَقة، وسط خسائر بشرية فادحة قُدرت بنحو 1000 قتيل من الجانبين.
وإثر ضغوط دبلوماسية شديدة ووساطة أميركية، اضطرت باكستان إلى سحب ما تبقى من قواتها من مناطق كارغيل بحلول يوليو 1999.
انتهى الصراع بتحقق الهدف الهندي في إعادة ترسيم الوضع السابق على خط السيطرة، لكن الحادث أدى إلى توتر سياسي داخلي في باكستان (حيث وُجهت اتهامات للقيادة العسكرية بالمغامرة الفاشلة) وأسهم في وقوع انقلاب عسكري أطاح بالحكومة المدنية هناك أواخر 1999. تعتبر حرب كارغيل محدودة زمنياً وجغرافياً مقارنة بالحروب السابقة، لكنها كانت أول مواجهة عسكرية كبيرة بين قوتين نوويتين في التاريخ (حيث أجرت الدولتان تجاربهما النووية قبلها بعام واحد فقط)، مما أثار قلقًا عالميًا من احتمال الانزلاق إلى حرب أوسع تشمل أسلحة نووية. وقد أكدت أحداث كارغيل الحاجة الملحة للحوار، فاستؤنفت المفاوضات الثنائية لاحقًا وإن ظلت هشّة.
على الرغم من توقف الحروب الشاملة بعد كارغيل، لم ينعم شبه القارة بالسلام؛ إذ ظلت كشمير بؤرة توتر مستمر وشهد خط السيطرة الفاصل بين شطريها اشتباكات متقطعة وتصعيدات خطيرة خلال العقدين التاليين.
التوازن العسكري والنووي
تملك الهند قوة عسكرية ضخمة يبلغ تعدادها 1.4 مليون جندي، فيما تعتمد باكستان على جيش قوامه نحو 650 ألف جندي ومساندة من قوات شبه عسكرية.
البلدان يمتلكان ترسانات نووية متكافئة تقارب 170 رأسًا لكل طرف. الهند تتفوق في سلاح الجو والمعدات الثقيلة، بينما تراهن باكستان على قدرات صاروخية حديثة وتحالفات خارجية، أبرزها مع الصين.
رغم التلويح بالقوة، غالبًا ما يتدخل المجتمع الدولي لتطويق الأزمات. ومع ذلك، يشير محللون إلى أن استمرار الهجمات وتزايد الخطاب القومي قد يدفع الطرفين إلى مواجهة يصعب احتواؤها.
بشكل عام، ظلت الجبهة الكشميرية مشتعلة تحت الرماد في العقدين الأخيرين. فإلى جانب الاشتباكات العسكرية، استمرت أعمال العنف داخل كشمير الهندية (تمرد انفصالي وحملة قمع هندية)، وتبادل الطرفان الاتهامات بدعم الإرهاب عبر الحدود. كل ذلك أبقى المنطقة في حالة استنفار دائم، وجعل أي هجوم كبير (مثل پلواما 2019 أو بهلغام 2025) مرشحًا لإعادة إشعال النزاع بين الدولتين المسلحتين نوويًا. وفي القسم التالي نستعرض القدرات العسكرية الحالية لكل من الهند وباكستان والتي تشكل الخلفية لأي مواجهة بينهما.
أحداث 2025 في سياقها التاريخي
شهدت العلاقات الهندية-الباكستانية تصعيدًا خطيرًا للغاية في الأسابيع الأخيرة، بلغ ذروته في يومي 6 و7 مايو 2025 بتبادل القصف عبر الحدود وتنفيذ ضربات صاروخية وجوية غير مسبوقة منذ سنوات.
بدأت الأزمة الحالية في 22 أبريل 2025 حين وقع هجوم مسلح دامٍ في منطقة بهلغام السياحية بجنوب كشمير (الخاضعة للهند). استهدف الهجوم حافلات تقل سياحًا هندوس في وادي بيساران قرب بلدة بهلغام، وأسفر عن مقتل 26 مدنيًا وإصابة 17 آخرين.
أعلنت جماعة تُدعى "جبهة مقاومة كشمير" (TRF) مسؤوليتها عن الهجوم، وهي جماعة متشددة تُعتبر واجهة لتنظيم Lashkar-e-Taiba المتمركز في باكستان. أثار هذا الهجوم الأكبر من نوعه منذ سنوات صدمة وغضبًا في الهند، وسارعت نيودلهي إلى اتهام عناصر في باكستان بدعمه.
نفى المسؤولون الباكستانيون أي صلة لهم بالأمر، لكن ذلك لم يمنع اندلاع أزمة دبلوماسية حادة بين البلدين.
تبادل الطرفان إجراءات عقابية شملت: طرد دبلوماسيين، وخفض مستوى التمثيل الرسمي، وإغلاق بعض المعابر، بل وأقدمت الهند لأول مرة على تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند (الموقعة عام 1960) مُلوحةً باستغلال حصتها المائية كاملةً.
وردّت باكستان بخطوات مثل تعليق اتفاقية شملا 1972 (التي تؤطر العلاقة في كشمير) وإغلاق مجالها الجوي أمام الهند.
بالنظر إلى السياق التاريخي، تقع أحداث مايو 2025 ضمن سلسلة نمطية من التصعيدات التي تبدأ غالبًا بـهجوم إرهابي كبير في كشمير يتبعه رد عسكري هندي عبر الحدود ثم رد باكستاني معاكس، قبل أن يتدخل المجتمع الدولي لتخفيف حدة التوتر.
في المحصلة، ترسخ أحداث 2025 حقيقة أن السلام بين الهند وباكستان يظل هشًا، وأن أي حادث يمكن أن يجر البلدين إلى شفا الحرب رغم كل إجراءات الردع والتوازن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ ساعة واحدة
- شفق نيوز
"مدن الظل" في العراق.. 9 ملايين نسمة بقبضة العشوائيات
شفق نيوز/ تقترب عدد التجاوزات من 4 آلاف تجمع عشوائي في عموم العراق، ربعها في العاصمة بغداد، والباقي موزعة على باقي المحافظات، بحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، الذي أشار إلى نسبة الساكنين في التجمعات العشوائية تصل إلى حوالي 5 بالمئة من مجموع سكان العراق. وبحسب وزارة التخطيط العراقية، فإنها أعلنت في 24 شباط/فبراير 2025، النتائج الأساسية للتعداد العام للسكان، التي أظهرت أن عدد سكان العراق يبلغ 46 مليوناً و118 ألف نسمة، وبالتالي عند تقسيم هذا العدد على خمسة، يظهر أن عدد ساكني العشوائيات يبلغ 9 ملايين و223 ألف نسمة. ويأتي هذا في ظل انتقادات من قبل المتخصصين، الذين أكدوا أن هذه العشوائيات أثرت على الراضي التابعة للدولة والمساحات الخضراء، فيما أكدوا أن حلها بحاجة لـ"إرادة وطنية" والتخطيط ببديل لها، فضلا عن التوجه لإنشاء منازل منخفضة التكلفة والتأكد من المستوى الاقتصادي الحقيقي لسكان هذه التجمعات العشوائية. وعن الخطط الحكومية لمعالجة هذا الملف، يوضح الهنداوي لوكالة شفق نيوز، أن "هناك خطة تضمنتها خطة التنمية الخمسية للسنوات 2024 – 2028، وكذلك نحن مقبلون على إطلاق استراتيجية مكافحة الفقر للسنوات الخمس المقبلة من 2025 إلى 2029، وكلتا الخطتين التنمية والاستراتيجية لمكافحة الفقر، تضمنتا معالجات لمشكلة السكن العشوائي في العراق". ويضيف، "كما هناك إجراءات أخرى تقوم بها الحكومة لمعالجة ملف العشوائيات، منها مسودة قانون يجري الإعداد لها لمعالجة هذا الملف، كما هناك تنسيق وتعاون مع جهات دولية منها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، لمعالجة السكن العشوائي". يذكر أن مجلس الوزراء العراقي خوّل خلال جلسته التي عقدت في 13 كانون الثاني/يناير 2025، أمين بغداد والمحافظين، باستثناء كركوك، ببيع الأراضي المملوكة للبلديات المختصة للمتجاوزين عليها ممن بنوا مشيدات ثابتة، استثناءً من المزايدات العلنية. واشترط القرار أن تكون تلك الأراضي ضمن التصميم الأساس، وأن يقدم الطلب خلال 180 يوماً من صدور القرار، مع اشتراط عدم امتلاك شاغلها لأي قطعة سكنية أخرى وببدل بيع حقيقي تقدره اللجنة المختصة. وتتصدر العاصمة بغداد بأعداد العشوائيات بواقع 1022 مجمعاً عشوائياً لغاية عام 2017، وفق عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية، مهدية اللامي، مشيرة إلى أن "التجاوز على الأراضي مستمر لحد الآن، في ظل عدم وجود رادع، فأينما وجِد فضاء واسع يأتي المتجاوزون ويقيمون عليه وحدات سكنية عشوائية". وتكشف اللامي لوكالة شفق نيوز، أن "العشوائيات في بغداد بعضها أُقيم على أراضٍ تابعة لمؤسسسات حكومية لديها مشاريع، وبعضها على محرمات نفط وبنى تحتية كما في خط الخنساء، وبعضها الآخر كان على محرمات طرق كما في حي طارق وغيرها من المناطق". وتضيف، "كما هناك تجاوزات على المساحات الخضراء، وبحسب البرنامج الحكومي فإن 28 بالمئة من الأراضي المتجاوز عليها هي مساحات خضراء، لذلك يلاحظ أن الأزقة غير صحيحة والشوارع غير معبدة، وهناك تجاوز على البنى التحتية وعلى الماء والكهرباء والمدارس والمراكز الصحية". وتؤكد، أن "هذا بالمجمل ألقى بظلاله سلباً على الواقع الذي يعشيه المواطن في هذه العشوائيات، إلى جانب النظرة الدونية لهؤلاء الساكنين كونهم يقطنون في مناطق غير رسمية". "الأمر يتطلب إرادة وطنية جادة في العمل لمعالجة العشوائيات التي انتشرت نتيجة عدم وجود خطة متكاملة، بل عادة ما يتم اللجوء إلى العمل العشوائي غير المنظم"، تقول اللامي. وتبين، أن "البرنامج الوطني لمعالجة العشوائيات صدر في 20 آب/ أغسطس 2017، وكان من مخرجات هذا البرنامج إنشاء صندوق دعم لمعالجة العشوائيات على أن ينظم بقانون، والقضية الثانية معالجة العشوائيات على أن تنظم بقانون أيضاً". وتتابع، أن "القانون تم إرساله إلى مجلس النواب وقُرأ قراءة أولى وأُعيد إلى الحكومة، وفي هذه الدورة البرلمانية الحالية (الخامسة) تم إرسال القانون مرة أخرى إلى لجنة الخدمات والإعمار وقُرأ قراءة أولى، لكن تم إرجاعه إلى الحكومة مرة أخرى لأنه لم يكن يتناغم مع واقع العشوائيات وتضمنه تقديم إيجارات وبدل نقدي للمتجاوزين، وهذا غير صحيح". وتلفت إلى أنه "على الحكومة تصنيف المواطن المتجاوز وتصنيف الأرض المتجاوز عليها، من خلال بيان حال المواطن وهل يملك قطعة أرض أو بيتاً لكنه يسكن في العشوائيات، أم هو تحت خط الفقر وسكن العشوائيات لظروفه الاقتصادية القاهرة، وكذلك تصنيف الأرض المتجاوز عليها، هل هي عائدية حكومية أم أهلية". وعن المجمعات السكنية ودورها في التخفيف من ظاهرة التجاوزات، توضح، أن "هناك خمس مدن جديدة أعلنت في عموم العراق منها في كربلاء وبغداد في مناطق النهروان وأبو غريب ومدينة الصدر خلف السدة، لكن ما يلاحظ أن أسعار بعضها يفوق قدرة الكثيرين، لذلك يفترض تحديد الجهات المستهدفة قبل إنشاء الوحدات السكنية". وبناءً على ذلك، يقترح الخبير الاقتصادي، كريم الحلو، "بناء مجمعات اقتصادية للطبقة الفقيرة والمتوسطة كما في الدول الغربية التي فيها بيوت اقتصادية وحتى إيجار لمن لا يملك ثمن الشراء، وتتولى البلديات دفع أقساط الإيجار، لكن المشكلة في العراق هي في التنظيم حيث هناك خلل ونقص في جميع القطاعات". ويوضح الحلو لوكالة شفق نيوز، أن "المستوى المعيشي في العراق غير منظم، وقضية السكن من المشاكل الكبيرة والعالمية أيضاً، ورغم أن مساحة العراق واسعة لكن يلاحظ أن نسبة البناء لا تتجاوز 20 بالمئة من المساحة الكلية للبلاد، والباقي أراضٍ جرداء، وهذا يعود إلى التلكؤ بالمشاريع وفساد الأحزاب وعدم توفر إحصائيات صحيحة". ويتابع، "كما أن العراق يشهد زيادة سكانية تقدر بمليون نسمة سنوياً مقابل ضعف في البنى التحتية والكهرباء والمجاري والماء، لذلك الزيادة السكانية لا تتناسب مع ما موجود وبالتالي تبقى المشكلة مستمرة، خاصة في ظل عدم وجود فرص عمل في بعض المحافظات مثل المثنى والديوانية وميسان، وبالتالي يحصل زخم على مدن بعينها كما في بغداد والبصرة ونينوى والنجف وغيرها". وعن حملات إزالة العشوائيات، يشدد الحلو على "أهمية ترتيب أوضاع ساكني العشوائيات وإيجاد بديل لهم قبل البدء بإزالتها، رغم أن أغلب ساكني العشوائيات بنسبة تصل إلى 70 بالمئة ليسوا تحت خطر الفقر، بل يملكون بيوتاً في مناطقهم الأصلية سواء كانت في الأرياف أو المحافظات، لكنهم سكنوا العشوائيات أملاً بتمليكهم إياها". "وفي ظل عدم وجود إحصائية تصنف ساكني العشوائيات وعدم تنظيم المستوى المعيشي للمجتمع، وعدم ترتيب أوضاع بعض المحافظات وإيجاد فرص عمل لأبنائها، سوف تستمر ظاهرة الهجرة إلى المدن والسكن في العشوائيات"، يقول الحلو في نهاية حديثه.


شفق نيوز
منذ 3 ساعات
- شفق نيوز
انسحابات تهدد بتفكك تحالف إدارة كركوك ومخاوف من انهيار "اتفاق فندق الرشيد"
شفق نيوز/ تعيش محافظة كركوك على وقع أزمة سياسية جديدة، بعد إعلان عضوين عربيين في مجلس المحافظة انسحابهما من تحالف "إدارة كركوك"، الذي شُكّل في عام 2024 عقب انتخابات مجالس المحافظات، حيث جاء هذا الانسحاب بعد تسعة أشهر فقط على تأسيس التحالف، الذي وُصف حينها بأنه محاولة لخلق توازن بين مكونات المحافظة، لكنه اليوم يواجه خطر التفكك. وتشكل تحالف إدارة كركوك مطلع عام 2024، عقب الاتفاق السياسي الذي أُبرم في فندق الرشيد بالعاصمة بغداد يوم 24 كانون الثاني/يناير 2024، وأسفر عن تسمية المحافظ بالاتفاق بين الأطراف الكوردية والعربية والمسيحية. وقد ضم التحالف خمسة أعضاء من الاتحاد الوطني الكوردستاني، إلى جانب مقعد واحد لتحالف "بابليون" المسيحي، وعضوين عربيين يمثلان "تقدم" و"الجبهة العربية الموحدة" وحصل العرب بموجب الاتفاق على منصب رئيس مجلس محافظة كركوك، إذ جرى تسمية ابراهيم علي تميم. وتشكّل التحالف على قاعدة تفاهم سياسي تهدف إلى إدارة المحافظة وملفاتها الحساسة، أبرزها الأمن، التوظيف، وإيجاد حلول لملف المغيبين، لكنّ غياب ضمانات تنفيذ حقيقية وتباين أولويات الأطراف أدّى إلى تآكل الثقة، ما انعكس في تطورات الأزمة الحالية. عدم الالتزام وأعلن عضوان عربيان في مجلس محافظة كركوك، يوم الأربعاء، انسحابهما من تحالف إدارة كركوك، بسبب ما وصفاها بعدم الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق الذي تشكلت على أساسه الإدارة الحالية للمحافظة. وقال عضو المجلس رعد الصالح خلال مؤتمر صحفي مشترك حضره مراسل وكالة شفق نيوز، إنه "قررت الانسحاب إلى جانب زميلي ظاهر أنور العاصي من التحالف، بسبب عدم تنفيذ شروط الاتفاق الموقّع بين الأطراف المشاركة"، مشيراً إلى أن "أبرز البنود التي لم تُنفذ تتعلق بملف المغيّبين العرب في سجون إقليم كوردستان، إلى جانب قضايا أخرى لم تُطبق حتى الآن". وأكد الصالح أن "انسحابهما لا يعني التخلي عن عضويتهما في مجلس محافظة كركوك، قائلاً: "سنستمر في ممارسة مهامنا ومراقبة أداء الإدارة من داخل المجلس، دون أن يكون لهذا الانسحاب أي علاقة بملف الترشح في الانتخابات المقبلة". وأوضح أن "الخطوة تهدف إلى الضغط باتجاه تنفيذ الاتفاقات السياسية التي أُبرمت عند تشكيل الحكومة المحلية، والتي لم تُحترم من قبل الشركاء الآخرين في التحالف". وفي بيان مشترك، أعلن كل من الشيخ ظاهر أنور العاصي (عن الجبهة العربية الموحدة) ورعد صالح حسين (عن تحالف تقدم) انسحابهما من التحالف، مرجعين ذلك إلى "عدم تنفيذ بنود الاتفاق السياسي"، وعلى رأسها ملف المغيّبين العرب في سجون إقليم كردستان، إلى جانب قضايا أخرى لم تُنفذ. توازنات دقيقة تحالف إدارة كركوك تشكّل في مطلع عام 2024 وضم خمسة أعضاء من الاتحاد الوطني الكوردستاني، إلى جانب مقعد واحد لتحالف بابليون المسيحي، وعضوين عربيين يمثلان "تقدم" و"الجبهة العربية الموحدة". وقد تشكّل التحالف على قاعدة تفاهم سياسي هدف إلى إدارة المحافظة وملفاتها الحساسة، أبرزها الأمن، التوظيف، والملف الإنساني للمغيّبين. لكنّ التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذا التفاهم لم يصمد طويلًا أمام الخلافات السياسية والتنفيذية، خاصة مع اتهامات متكررة من الأعضاء العرب بعدم احترام الاتفاقات الموقعة وتهميش القضايا ذات الأولوية بالنسبة لهم. وقال العضوان المنسحبان في بيان مشترك: "شاركنا ليس من أجل المناصب، بل للدفاع عن حقوق أهلنا، لكننا لم نرَ أي جدية في تطبيق الاتفاق السياسي". وأضاف البيان أن "استمرارنا في المجلس سيكون من موقع الرقابة فقط، دون خوض أي انتخابات مستقبلية ما لم يتم تأسيس تنظيم سياسي عربي جامع". في ختام البيان، دعا العضوان جمهور المكوّن العربي إلى "الزحف إلى مراكز التحديث والاستعداد للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدين أهمية اختيار ممثلين يعبرون عنهم بصدق أمام الرأي العام المحلي والدولي". أول تعليق تركماني في أول تعليق تركماني على تطورات الأزمة، قال عضو مجلس محافظة كركوك أحمد رمزي، لوكالة شفق نيوز: "حتى الآن، الأمور غير واضحة بعد إعلان العضوين العربيين انسحابهما، وننتظر الموقف الرسمي لمعرفة ما إذا كان التحالف سيجتمع مجددًا أو أن عقده قد انفرط بالفعل." وأضاف رمزي: "نترقب ونتابع التطورات عن كثب، وسنتخذ مواقفنا وفقًا لما ستؤول إليه الأمور في الأيام المقبلة." دعوة للمساءلة من جانبها أكدت عضو مجلس محافظة كركوك عن قائمة جبهة تركمان العراق الموحد، سوسن عبد الواحد جدوع، أن الحكومة المحلية التي تشكلت في 'فندق الرشيد' جاءت بإرادة خارجية، بعيدًا عن إرادة أبناء كركوك، ولا تعكس طموحاتهم الحقيقية. وقالت جدوع، لوكالة شفق نيوز: "منذ اليوم الأول كنا ندرك أن هذه الحكومة شُكّلت وفق محاصصات سياسية وحزبية ضيقة، تخدم مصالح أشخاص على حساب أبناء كركوك، وتكرّس نهج التهميش والإقصاء". وأشارت إلى أن "انسحاب عضوين من المكوّن العربي في مجلس المحافظة اليوم، يمثل دليلًا واضحًا على صحة ما كنا نحذّر منه منذ البداية، فهذه الحكومة وُلدت ولادة غير شرعية ولا تمتلك الشرعية الشعبية المطلوبة". وشدّدت جدوع على أن "التركمان هم رقم صعب في معادلة كركوك، فهم مكوّن أصيل لا يمكن تجاهله، ونحن نمتلك رؤية سياسية بعيدة المدى، لا تُقاس بمكاسب آنية ولا تخضع لمنطق الشعارات الزائفة أو أسلوب المتاجرة السياسية". ووجّهت جدوع رسالة مباشرة إلى من وصفتهم بأنهم "يراهنون على هذه الإدارة"، قائلة: "عودوا إلى رشدكم، وراجعوا أنفسكم. السياسة لا تُبنى بالصراخ ولا بالمواقف الانفعالية، بل تُبنى بالحكمة، والرؤية، والإخلاص للشعب". وأكدت على "تمسّك التركمان بحقوقهم المشروعة، وسعيهم المستمر لضمان تمثيل عادل وحقيقي، يحفظ هوية كركوك ويضمن استقرارها". في حين بيّن المحلل السياسي أحمد عبد الرحمن على الحدث قائلاً إن "انسحاب العضوين العرب يسلط الضوء على هشاشة التحالفات المبنية على تقاسم النفوذ بدلاً من مشروع إداري متكامل. هذه الأزمة قد تتصاعد إذا استمرت بقية الأطراف في تجاهل المطالب الجوهرية للمكونات". وأضاف لشفق نيوز، أن "هذه التطورات تضع تحالف إدارة كركوك أمام اختبار صعب، في وقت حساس من تاريخ المحافظة، التي تعيش تعقيدات قومية وطائفية وسياسية، تجعل أي إخلال بالتوازنات فيها سريع التأثير وعميق التداعيات. فهل تنجح الأطراف الأخرى في احتواء الأزمة، أم أن هذا الانسحاب سيكون أول خطوة نحو انهيار التحالف؟ الأيام القادمة ستكشف المسار".


ساحة التحرير
منذ 9 ساعات
- ساحة التحرير
ماذا يفعل بنا العدو الأمريكي ؟محمد سيد أحمد
ماذا يفعل بنا العدو الأمريكي ؟! بقلم / د. محمد سيد أحمد منذ اندلاع موجة الربيع العربي المزعوم في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 ونحن نكتب ونتحدث ونحذر من ألاعيب العدو الأمريكي، ولم نترك منبر إعلامي سواء مقروء أو مسموع أو مرئي أتيحت لنا من خلاله فرصة الكتابة أو الحديث إلا وأكدنا على أن العدو الأمريكي هو الذي يخطط لهذه المؤامرة الكبرى على منطقتنا العربية، وأن هذا العدو لديه مشروع استعماري جديد يحمل مسمى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهو مشروع يستهدف إعادة تقسيم وتفتيت منطقتنا العربية، وهذا المشروع الاستراتيجي للعدو الأمريكي ليس بجديد، فقد وضع مخططاته مستشار الأمن القومي الأمريكي في حكومة الرئيس جمي كارتر، المفكر الاستراتيجي بريجينسكي في الفترة من ١٩٧٧ حتى ١٩٨١، والذي استعان بالمفكر الصهيوني برنارد لويس ليرسم له خرائط تقسيم المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وتم اعتماد المشروع وميزانيته في جلسة سرية بالكونجرس الأمريكي في عام ١٩٨٣، وهذا المشروع الاستراتيجي للعدو الأمريكي تم تنفيذ بعض أجزائه في العراق والسودان وليبيا واليمن وسورية، ولا زال يواصل تنفيذه ولا يمكن أن تتراجع عنه الإدارة الأمريكية أبداً، وكل من يأتي إلى البيت الأبيض عليه أن يسير نحو تحقيق الهدف المنشود. وبنظرة سريعة على ما تم انجازه من مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد يمكننا القول أن العدو الأمريكي الذي بدء مشروعه مبكراً في العراق أحد أهم الدول العربية النفطية والتي كانت تمتلك كل مقومات النهوض والتنمية والتقدم، حيث وجد العدو الأمريكي ضآلته في الرئيس العراقي صدام حسين الذي استلم الحكم في ١٦ يوليو ١٩٧٩، وبعد ما يقرب من أربعة عشر شهر أوعزوا له بغزو إيران ودخل في حرب طويلة استمرت من ٢٢ سبتمبر ١٩٨٠ وحتى ٢٠ أغسطس ١٩٨٨، وعرفت هذه الحرب بحرب الخليج الأولى، ولم يمضي سوى عامين حتى أوعز العدو الأمريكي مرة ثانية لصدام حسين بغزو الكويت في ٢ أغسطس ١٩٩٠، وكانت هذه الجريمة بداية التدخل العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة، حيث بدأت حرب الخليج الثانية لاسترداد الكويت في ١٧ يناير ١٩٩١، وبحلول ٢٨ فبراير ١٩٩١ كان الجيش العراقي قد دمر واستعيد استقلال الكويت، وبذلك تحقق جزء من حلم الصهاينة بالقضاء على أحد أهم وأكبر جيوش المنطقة، وظل التربص بالعراق مستمر حتى جاء الغزو الأمريكي للعراق في ١٩ مارس ٢٠٠٣ والذي عرف بحرب الخليج الثالثة والتي على أثرها انتهت العراق وقسمت فعلياً، ولم تعد حتى اليوم. مع انطلاق موجة الربيع العربي المزعوم وفي ظل النيران المشتعلة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، يتفاجأ الجميع في ٩ يوليو ٢٠١١ بإعلان جنوب السودان دولة مستقلة في أعقاب الاستفتاء الذي حصل على موافقة بنسبة ٩٨.٨٣٪ من الأصوات، وبالطبع دعم هذه الخطوة العدو الأمريكي الذي يسعى لتقسيم وتفتيت الوطن العربي، وبذلك أصبحت جنوب السودان دولة عضو في الأمم المتحدة، ودولة عضو في الاتحاد الأفريقي، وفي يوليو ٢٠١٢ وقعت جنوب السودان على اتفاقيات جنيف، ومنذ إعلان الاستقلال وجنوب السودان يعاني من الصراع الداخلي، واعتباراً من ٢٠١٦ لديها ثاني أعلى درجة على مؤشر الدول الهشة (الدول الفاشلة)، ولم يكتفي العدو الأمريكي بذلك بل دعم في ١٠ أبريل ٢٠١٩ الانقلاب العسكري على حكم الرئيس عمر البشير أحد أدواتهم المساهمة في تقسيم السودان وانفصال الجنوب، ولم تستقر الأوضاع حيث اشتعلت النيران من جديد في ١٥ إبريل ٢٠٢٣ بين شركاء الأمس وأعداء اليوم القوات المسلحة السودانية التي يقودها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع تحت قيادة قاطع الطريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، والتي تحولت لحرب أهلية مدمرة لازالت تأكل الأخضر واليابس، وترشح السودان لانقسامات جديدة. وفي قلب الربيع العربي المزعوم قام العدو الأمريكي باستهداف ليبيا العربية، حيث قام بانتزاع قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) عسكرياً في ليبيا، وبدأ الهجوم في ١٩ مارس ٢٠١١، وصمدت ليبيا ثمانية أشهر تحت القصف الصاروخي المجرم، وفي ٢٠ أكتوبر ٢٠١١ تم اغتيال القائد الليبي معمر القذافي والتمثيل بجثته أمام الرأي العام العالمي في مشهد مأساوي يندى له الجبين الإنساني، ومنذ ذلك التاريخ اندلعت أعمال العنف بين مليشيات مختلفة تابعة للعدو الأمريكي وأعضاء حلف الناتو المتصارعين على تقسيم الكعكة الليبية، وقسمت ليبيا فعلياً على الأرض، ولازالت النيران مشتعلة حتى اليوم، وأصبحت ليبيا التي كانت أحد أهم الدول العربية النفطية تصنف على أنها دولة فاشلة، بفضل التدخل العسكري الكارثي لحلف الناتو بقيادة العدو الأمريكي. وفي إطار الربيع العربي المزعوم كانت اليمن مستهدفة بقوة، ففي ١١ فبراير ٢٠١١ حرك العدو الأمريكي النشطاء الحقوقيين في صنعاء مطالبين برحيل الرئيس علي عبدالله صالح، واستمرت النيران مشتعلة لمدة عام تقريباً، انتهت باتفاق برعاية مجلس التعاون الخليجي وبدعم من مجلس الأمن والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بنقل السلطة لنائب الرئيس عبد ربه منصور الهادي مقابل حصانة علي عبدالله صالح ومساعديه من الملاحقة على الجرائم المرتكبة أثناء رئاسته، وفي ٢١ فبراير ٢٠١٢ انتخب عبد ربه منصور الهادي رئيساً انتقالياً لمدة عامين، ولم تستقر الأوضاع في اليمن واندلعت الحرب الأهلية وفي ٢٠ يناير ٢٠١٥ فرض الحوثيون على عبد ربه منصور الهادي إقامة جبرية بعد سيطرتهم على صنعاء، ثم تمكن من الفرار، ثم بدأ التحالف العربي هجوماً عسكرياً في ٢٦ مارس ٢٠١٥ ضد الحوثيين عرف بعاصفة الحزم التي انتهت بهدنة وقعت في ٢ إبريل ٢٠٢٢ برعاية الأمم المتحدة، ولازالت النيران مشتعلة بالداخل اليمني وشبح التقسيم يطارد أهلها، وتصنف اليمن بأنها دولة فاشلة. وفي سياق الربيع المزعوم ذاته خاضت سورية العربية أعنف معركة في تاريخها وتاريخ أمتنا العربية، فعلى مدار ١٤ عام صمدت خلالها صموداً أسطورياً في مواجهة العدو الأمريكي وأدواته، وتمكن الجيش العربي السوري من تجفيف منابع الإرهاب المدعوم أمريكياً، لكن الحصار الاقتصادي الرهيب كان أكثر فاعلية، حيث أدى في النهاية مع تخلي الحلفاء إلى سقوط الدولة بشكل دراماتيكي غريب وسريع، ومنذ إعلان سقوط النظام في ٨ ديسمبر ٢٠٢٤، تحرك العدو الصهيوني للقضاء على الجيش العربي السوري، وفي ذات الوقت احتلال الجنوب السوري، وقسمت سورية فعلياً بين العدو الأمريكي والصهيوني والتركي. ولم يكتفي العدو الأمريكي بما فعله بنا خلال السنوات الماضية، بل جاء رئيسه في زيارة للمنطقة خلال هذا الأسبوع، وتسابقت الدول التي قام بزيارتها بمنحه جزء من ثروات شعوبهم، ووقف هو بمنتهى الوقاحة والبجاحة ليفرض شروطه على الجميع، ولعل أهم ما أسفرت عنه زيارته هو التأكيد على الصفقة السورية، فقد أحضر الإرهابي الدولي أبو محمد الجولاني الذي كانت بلاده قد أعلنت أن تنظيمه تنظيماً إرهابياً وأنها سوف تمنح من يدل على مكانه ١٠ ملايين دولار، وذلك في عام ٢٠١٧ أثناء ولاية المعتوه ترامب الأولى، واليوم يستقبله ويصفه بأنه 'رائع وشاب يافع وماضيه قوي جداً'، وبذلك تنكشف الجريمة في حق سورية، فالجولاني سينفذ تعليمات ترامب، حيث أكد على قبوله الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، وبذلك يكون العدو الأمريكي قد تمكن من تحقيق جزء كبير من مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، فهل سنقف متفرجين حتى يستكمل ما تبقى من مشروعه ؟!، أم أن المارد العربي سوف تكون له كلمة أخرى، كما حدث في محطات كثيرة عبر التاريخ، اللهم بلغت اللهم فاشهد. 2025-05-21