logo
حكم قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح في الركوع.. الإفتاء تجيب

حكم قول سبوح قدوس رب الملائكة والروح في الركوع.. الإفتاء تجيب

صدى البلدمنذ 5 أيام
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم قول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" في الركوع؟ وما معناها؟.
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي عن السؤال قائلة: إنه يجوز للمصلي أن يقول في ركوعه: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ"، بل هو سُنَّة مُستحبة؛ لكونه نوعًا من أنواع الذِّكر الوارد في الركوع عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما معناه: فهو أن الله سبحانه وتعالى مُنزَّهٌ عن النقائص أبلغ تنزيه، ومُطهَّرٌ عن كل ما لا يليق أبلغ تطهير، وأنه تعالى هو الخالق المالك لهذا الكون بما فيه من أملاك وأفلاك؛ فهو وحده المستحق للتعظيم على الحقيقة.
فضل الصلاة في الإسلام
وأوضحت أنه من المقرر شرعًا أن الصلاة أحب الأعمال إلى الله، ومن أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه؛ إذ هي عماد الدين وركنه الركين؛ لما روي عن عكرمة بن خالد بن سعيد عن عمرَ مُرسَلًا، قال: «جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ عِنْدَ اللهِ فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَا دِينَ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عِمَادُ الدِّينِ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (3/ 360، ط. دار المعرفة): [وفي الصلاة أسرارٌ لأجلها كانت عمادًا، ومن جملتها: ما فيها من التواضع بالمثول قائمًا وبالركوع والسجود] اهـ.
حكم قول: "سبوح قدوس رَبُّ الملائكة والروح" في الركوع
وبينت أن الركوع في الصلاة -الذي هو ركنٌ من أركانها- محل تعظيم الله سبحانه وتعالى بالتسبيح والتقديس والذكر والدعاء؛ فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 197، ط. دار إحياء التراث العربي): [أي: سبِّحوه ونزِّهوه ومجِّدُوه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 118، ط. أوقاف المغرب): [وأجمعوا أن الركوع موضع تعظيم لله بالتسبيح والتقديس ونحو ذلك من الذكر] اهـ.
وإن هذا التعظيم يكون بنحو قولنا: سبحان ربي العظيم، أو غيره كقولنا: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكة والروح"، والذي هو محل السؤال، وهذا تسبيح مستحبٌّ وثابت بلفظه في السُّنَّة المطهرة، فقد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 122، ط. دار ابن حزم): [اعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصود الفصل، وهو تعظيم الرب سبحانه وتعالى في الركوع بأيِّ لفظٍ كان، ولكن الأفضل أن يجمع بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك] اهـ.
فيظهر من ذلك أن هذا الذكر من ألفاظ التسبيح المطلوبة في الركوع والسجود على جهة الندب كغيرها من الألفاظ الواردة في السنة المطهرة، والتي كان يقولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (16/ 120-121): [وقد رُوي عن النبي عليه السلام أنه كان يقول في ركوعه وسجوده أنواعًا من الذكر.. وهذا كله يدل على أن لا تحديد فيما يقال في الركوع والسجود من الذكر والدعاء، ولكن أكثر الفقهاء في صلاة الفريضة على التسبيح بـ "سبح اسم ربك العظيم" ثلاثًا في الركوع، و"سبح اسم ربك الأعلى" ثلاثًا في السجود، وحملوا سائر الأحاديث على النافلة] اهـ.
وقد تتابعت نصوص الفقهاء على جواز هذا الذكر المسؤول عنه وغيره في الركوع، وأنه لا حرج على قائله؛ يُنظر: "المحيط البرهاني"، للإمام ابن مازَه الحنفي (1/ 360، ط. دار الكتب العلمية)، و"كفاية الطالب الرباني" للشيخ أبي الحسن علي المالكي (1/ 266، ط. دار الفكر)، و"المجموع" (3/ 413، ط. دار الفكر)، و"كشاف القناع" للبُهُوتي الحنبلي (1/ 354، ط. دار الكتب العلمية).
بيان معنى قول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"
أما معنى قولنا: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ"، فالسُّبُوح: هو المُنَزَّه عن النقائص أبلغ تنزيه، والمُبَرَّأ من الشريك ومن كلِّ ما لا يليق بصفة الألوهية، وأمَّا القُدُّوس: فهو المُطَهَّر عن كل ما لا يليق، أبلغ تطهير، وأمَّا رَبُّ الملائكة: فهو المالك والخالق والرازق؛ أي: المصلح لجميع أحوالهم، وأمَّا الرُّوح: فهو سيدنا جبريل عليه السلام؛ وخُصَّ بالذِّكِر تشريفًا له، وإن كان من جملة الملائكة؛ يُنظر: "المفهم" للإمام أبي العباس القُرْطُبي (2/ 91، ط. دار ابن كثير)، و"إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم" للقاضي عِيَاض (2/ 402، ط. دار الوفاء)، و"المجموع" للإمام النووي (3/ 433)، و"حاشية العَدَوي على كفاية الطالب الرباني" (1/ 266، ط. دار الفكر).
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البطريرك الراعي خلال قداس في إهدن: البطريرك أسطفان الدّويهي كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة
البطريرك الراعي خلال قداس في إهدن: البطريرك أسطفان الدّويهي كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة

النهار

timeمنذ 8 ساعات

  • النهار

البطريرك الراعي خلال قداس في إهدن: البطريرك أسطفان الدّويهي كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة

توج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات رعية إهدن - زغرتا بذكرى مولد الطوباوي البطريرك أسطفان الدويهي والذكرى السنوية الأولى لإعلان طوباويته. ترأس غبطته قداساً احتفالياً في كنيسة مار جرجس إهدن التي وصلها من الديمان قرابة الساعة الخامسة والنصف، وجرى له استقبال حاشد عند مدخل إهدن الجنوبي بقرب كنيسة مار ماما الاثرية حيث كان في الاستقبال جمع من الأهالي والأخويات والحركات الرسولية والكشافة والكهنة والمطارنة، وانتقل البطريرك إلى الكنيسة التي تحوي ذخائر الطوباوي الدويهي وضريح يوسف بك كرم وسط قرع الأجراس والزغاريد وحرق البخور. وعند السادسة تراس غبطته قداساً احتفالياً حضرته فعاليات زغرتا السياسية والاجتماعية والعسكرية وجمع من المؤمنين، وبعد الإنجيل المقدس ألقى غبطته عظة من وحي المناسبة تناول فيها الدويهيي البطريرك والرحل المدافع عن الوطن والموارنة، وقال البطريرك: 1. وقعت دعوة المسيح هذه في قلب الطوباويّ أسطفان الدويهي، الذي يجمعنا هذا المساء، عشيّة ذكرى مولده في 2 آب 1630. لم تكن هذه الدعوة، بالنسبة إليه، عابرة، بل كانت دعوة حياة. الزهد هنا لا يعني اإنكار الذات لمجرّد التقشف، بل هو التحرّر من عبودية الأنا، والارتقاء إلى حبّ الله من دون قيد. الزهد الحقيقي هو بداية السير على درب المسيح، حيث يصبح حَملُ الصليب طاعةَ محبّة، لا خضوعاً قاسياً. الطوباوي البطريرك أسطفان زاهد بنفسه، وحمل صليبه، وتبع سيده بثبات في جميع مراحل حياته. 2.يسعدني أن أحييكم جميعاً، وقد توافدتم من كل مكان، للاحتفال معنا بهذه الليتورجيا الإلهية التي نكرّم فيها ذكرى مولد الطوباوي البطريرك أسطفان الدويهي، ابن هذه المدينة إهدن، منبتِ البطاركة العظام والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين، وأرضِ رؤساء الجمهوريات، ورجال الثقافة والسياسة والشأن العام. 3. الطوباوي البطريرك كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة، كنسياً في العمق، مؤرخاً دقيقاً، كاتباً غزيراً، ورجلاً يوازن بين الإيمان والعقل، بين التقليد والتجدّد. وكان مربّياً للأجيال، ورائداً في الدفاع عن الهوية المارونية، ومقاوماً لكل محاولة تفتيتٍ أو تشويهٍ. عاش كاهناً قديساً، وأسقفاً ورعاً مثقّفاً، وبطريركاً مدبّراً شجاعاً، فأعلنته الكنيسة طوباوياً، واليوم نواكب بالصلاة دعوى رفعه قديساً فوق المذابح في كنائس العالم. 4. وُلد في زمن الشدائد والانقسامات، فحمل شعلة الإيمان والعِلم، وتربّى على التقوى والصلابة في الرؤية. عاش في روميه، وتثقّف في جامعاتها، لكنه ظلّ أميناً لتراث كنيسته المارونية، وعاد ليصير أسقفاً وبطريركاً في أحلك الظروف، وراح يكتب ويحفظ ويدوّن، حتى صار حارس التاريخ واللاهوت والليتورجية في الكنيسة المارونيّة، حافظاً لتراثها، ومجدداً لليتورجيتها، ومؤسساً لهويتها الحديثة. إن الكنيسة المارونية حين تقرأ سيرة قديسيها، لا تفعل ذلك لتذكرهم فحسب، بل لتستدعي حضورهم الحيّ، وتعيد تقديمهم كشفعاء وقدوة. ففي قداس اليوم، نرفع صلاتنا شاكرين الله على نعمة الدويهي، وملتمسين شفاعته من أجل كنيسة لبنان، وشعبنا المؤمن، ومؤسساتنا الروحية، ليبقى نورُ الايمان متقدّاً وسط ظلمات هذا الزمان. 5. كيف نذكر الدويهي، ولا نتذكّر رسالته الوطنية؟ كيف نحتفل به وننسى أنه كان رجل دولة بامتياز، يكتب إلى قناصل الدول، ويرعى شعبه في زمن الفقر والاحتلال؟ لقد كان صوتاً حراً في وجه القهر، وراعياً جسوراً في زمن الانقسامات. كان يرى أن البطريركية المارونية ليست فقط مسؤولية كنسية، بل رسالة وطنية، وصوتاً للكرامة، وجسراً للوحدة. من هذا الوادي المقدس الذي أنجب الدويهي، نرفع صلاتنا ليولد في لبنان اليوم رجال يعلون فوق الانقسامات، يحمون لبنان من شهوة السلطة، من جفاف الضمير، رجال يحكمون بالحقّ لا بالمصلحة، يقدمون المصلحة العامة، لا مصالحهم. 6.في ضوء كلمة الربّ في إنجيل اليوم: "من أراد أن يتبعني، فليزهد بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16: 24)، نتساءل "ألا يحتاج لبنان اليوم قادة يزهدون بذواتهم، ويتبعون صوت الضمير، صوت الله في أعماق نفوسهم؟ ألا نحتاج إلى زعماء وسياسيّين لا يبحثون عن النفوذ بل عن النهوض؟ ألا نحتاج إلى رجال دولة، لا رجال صفقات؟ إلى رجال فكر لا رجال مصالح؟ إلى رجال ضمير، لا أدوات تابعة؟". نحن نحتاج اليوم عودة روحيّة ووطنيّة، إلى بناء دولة تصان فيها الكرامة، ويعلوها الدستور، ويكون فيها المسؤول راعياً لا متسلّطاً، شريكاً لا خصماً. هذا ما شهده التاريخ في وجه الدويهي، وما يجب أن نشهده اليوم في وجه كلّ مسؤول، في أي موقع كان. 7. لقد حدّد لنا الطوباويّ البطريرك أسطفان الدويهي هوّيتنا وسالتنا. الهويّة هي فسيفساء الأديان والطوائف، أي الوحدة في التنوّع. أمّا الرسالة فهي العمل معاً من أجل إكمال قيام الدولة المدنيّة التي تفصل بين الدين والدولة، وتبقي قائمة العلاقة بين الدولة وعقيدة كلّ دين، وتجعل أساسها العدالة والمساواة وإشراك مختلف المواطنين في مؤسّسات الدولة. وعلى هذا الأساس تعود الثقة بين جميع اللبنانيّين، وتكون المواطنة حجر الزاوية. فبدون هذه الثقة تبقى الريبة هي الأساس، ويقود الشكّ إلى أن يحتمي المواطنون بالطائفة لا بالدولة. أمّا تنقية الذاكرة فتبقى المدخل الأساس إلى الثقة بين المواطنين. 8. فلنصلّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يشرق فجر جديد على لبنان، وعلى كنيستنا، وعلى عائلاتنا. نصلّي من أجل شرقنا الجريح، من فلسطين إلى سوريا والعراق، ومن أجل السلام في الأرض التي أحبّها الدويهي وكرّس حياته لأجلها. ونرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، إلى الأبد، آمين. * * *

هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟.. يسري جبر: ليسوا في غفلة
هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟.. يسري جبر: ليسوا في غفلة

صدى البلد

timeمنذ 10 ساعات

  • صدى البلد

هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟.. يسري جبر: ليسوا في غفلة

قال الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، إن الأموات في قبورهم ليسوا في غفلة تامة عن الدنيا، بل يشعرون ويُعرض عليهم من أعمال ذويهم ما يُسعدهم أو يُحزنهم، مؤكداً أن الموت بداية لحياة برزخية واعية. وأضاف الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن شعور الأموات بما يدور حولهم يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا أمواتكم بأعمالكم فإن أعمالكم تُعرض على أمواتكم"، مشيرًا إلى أن الإنسان مطالب بأن تكون أعماله بعد وفاة والديه وأجداده مصدر فخر وسرور لهم، لا مصدر أذى وألم. يسري جبر: النبي كان يسلم على أهل القبور ويخاطبهم بخطاب الحاضر وأضاف الدكتور يسري جبر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم على أهل القبور ويخاطبهم بخطاب الحاضر، قائلاً: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين"، وهو دليل على أن الأموات في حالة وعي وإدراك. وأشار الدكتور يسري جبر إلى قول سيدنا علي بن أبي طالب: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"، مبينًا أن هذا القول لم يأتِ من فراغ بل من فهم عميق للقرآن والسنة، وهو الذي وصفه النبي بأنه "باب مدينة العلم". كما بيّن الدكتور جبر أن الموت ليس غفلة، بل هو لحظة كشف الحجب، حيث قال الله تعالى: "فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد". فالإنسان يرى عند الموت من أمور الغيب ما لم يكن يراه في حياته، بل وقد يرى مكانه في الجنة أو النار، وتستقبله أرواح أهله الذين سبقوه. وأكد الدكتور يسري جبر على ضرورة معاملة الموتى بالأدب والتقدير، والامتناع عن ذكر مساويهم، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم"، مشددًا على أن غيبة الميت أشد من غيبة الحي، لأنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وحرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًا.

البطريرك الراعي خلال قداس في إهدن: البطريرك أسطفان الدّويهي كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة
البطريرك الراعي خلال قداس في إهدن: البطريرك أسطفان الدّويهي كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة

تيار اورغ

timeمنذ 10 ساعات

  • تيار اورغ

البطريرك الراعي خلال قداس في إهدن: البطريرك أسطفان الدّويهي كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة

توج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالات رعية إهدن - زغرتا بذكرى مولد الطوباوي البطريرك أسطفان الدويهي والذكرى السنوية الأولى لإعلان طوباويته. ترأس غبطته قداساً احتفالياً في كنيسة مار جرجس إهدن التي وصلها من الديمان قرابة الساعة الخامسة والنصف، وجرى له استقبال حاشد عند مدخل إهدن الجنوبي بقرب كنيسة مار ماما الاثرية حيث كان في الاستقبال جمع من الأهالي والأخويات والحركات الرسولية والكشافة والكهنة والمطارنة، وانتقل البطريرك إلى الكنيسة التي تحوي ذخائر الطوباوي الدويهي وضريح يوسف بك كرم وسط قرع الأجراس والزغاريد وحرق البخور. وعند السادسة تراس غبطته قداساً احتفالياً حضرته فعاليات زغرتا السياسية والاجتماعية والعسكرية وجمع من المؤمنين، وبعد الإنجيل المقدس ألقى غبطته عظة من وحي المناسبة تناول فيها الدويهيي البطريرك والرحل المدافع عن الوطن والموارنة، وقال البطريرك: 1. وقعت دعوة المسيح هذه في قلب الطوباويّ أسطفان الدويهي، الذي يجمعنا هذا المساء، عشيّة ذكرى مولده في 2 آب 1630. لم تكن هذه الدعوة، بالنسبة إليه، عابرة، بل كانت دعوة حياة. الزهد هنا لا يعني اإنكار الذات لمجرّد التقشف، بل هو التحرّر من عبودية الأنا، والارتقاء إلى حبّ الله من دون قيد. الزهد الحقيقي هو بداية السير على درب المسيح، حيث يصبح حَملُ الصليب طاعةَ محبّة، لا خضوعاً قاسياً. الطوباوي البطريرك أسطفان زاهد بنفسه، وحمل صليبه، وتبع سيده بثبات في جميع مراحل حياته. 2.يسعدني أن أحييكم جميعاً، وقد توافدتم من كل مكان، للاحتفال معنا بهذه الليتورجيا الإلهية التي نكرّم فيها ذكرى مولد الطوباوي البطريرك أسطفان الدويهي، ابن هذه المدينة إهدن، منبتِ البطاركة العظام والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين، وأرضِ رؤساء الجمهوريات، ورجال الثقافة والسياسة والشأن العام. 3. الطوباوي البطريرك كان لاهوتياً متبحّراً في العقيدة، كنسياً في العمق، مؤرخاً دقيقاً، كاتباً غزيراً، ورجلاً يوازن بين الإيمان والعقل، بين التقليد والتجدّد. وكان مربّياً للأجيال، ورائداً في الدفاع عن الهوية المارونية، ومقاوماً لكل محاولة تفتيتٍ أو تشويهٍ. عاش كاهناً قديساً، وأسقفاً ورعاً مثقّفاً، وبطريركاً مدبّراً شجاعاً، فأعلنته الكنيسة طوباوياً، واليوم نواكب بالصلاة دعوى رفعه قديساً فوق المذابح في كنائس العالم. 4. وُلد في زمن الشدائد والانقسامات، فحمل شعلة الإيمان والعِلم، وتربّى على التقوى والصلابة في الرؤية. عاش في روميه، وتثقّف في جامعاتها، لكنه ظلّ أميناً لتراث كنيسته المارونية، وعاد ليصير أسقفاً وبطريركاً في أحلك الظروف، وراح يكتب ويحفظ ويدوّن، حتى صار حارس التاريخ واللاهوت والليتورجية في الكنيسة المارونيّة، حافظاً لتراثها، ومجدداً لليتورجيتها، ومؤسساً لهويتها الحديثة.إن الكنيسة المارونية حين تقرأ سيرة قديسيها، لا تفعل ذلك لتذكرهم فحسب، بل لتستدعي حضورهم الحيّ، وتعيد تقديمهم كشفعاء وقدوة. ففي قداس اليوم، نرفع صلاتنا شاكرين الله على نعمة الدويهي، وملتمسين شفاعته من أجل كنيسة لبنان، وشعبنا المؤمن، ومؤسساتنا الروحية، ليبقى نورُ الايمان متقدّاً وسط ظلمات هذا الزمان. 5. كيف نذكر الدويهي، ولا نتذكّر رسالته الوطنية؟ كيف نحتفل به وننسى أنه كان رجل دولة بامتياز، يكتب إلى قناصل الدول، ويرعى شعبه في زمن الفقر والاحتلال؟ لقد كان صوتاً حراً في وجه القهر، وراعياً جسوراً في زمن الانقسامات. كان يرى أن البطريركية المارونية ليست فقط مسؤولية كنسية، بل رسالة وطنية، وصوتاً للكرامة، وجسراً للوحدة.من هذا الوادي المقدس الذي أنجب الدويهي، نرفع صلاتنا ليولد في لبنان اليوم رجال يعلون فوق الانقسامات، يحمون لبنان من شهوة السلطة، من جفاف الضمير، رجال يحكمون بالحقّ لا بالمصلحة، يقدمون المصلحة العامة، لا مصالحهم. 6.في ضوء كلمة الربّ في إنجيل اليوم: "من أراد أن يتبعني، فليزهد بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" (متى 16: 24)، نتساءل "ألا يحتاج لبنان اليوم قادة يزهدون بذواتهم، ويتبعون صوت الضمير، صوت الله في أعماق نفوسهم؟ ألا نحتاج إلى زعماء وسياسيّين لا يبحثون عن النفوذ بل عن النهوض؟ ألا نحتاج إلى رجال دولة، لا رجال صفقات؟ إلى رجال فكر لا رجال مصالح؟ إلى رجال ضمير، لا أدوات تابعة؟". نحن نحتاج اليوم عودة روحيّة ووطنيّة، إلى بناء دولة تصان فيها الكرامة، ويعلوها الدستور، ويكون فيها المسؤول راعياً لا متسلّطاً، شريكاً لا خصماً. هذا ما شهده التاريخ في وجه الدويهي، وما يجب أن نشهده اليوم في وجه كلّ مسؤول، في أي موقع كان.7. لقد حدّد لنا الطوباويّ البطريرك أسطفان الدويهي هوّيتنا وسالتنا. الهويّة هي فسيفساء الأديان والطوائف، أي الوحدة في التنوّع. أمّا الرسالة فهي العمل معاً من أجل إكمال قيام الدولة المدنيّة التي تفصل بين الدين والدولة، وتبقي قائمة العلاقة بين الدولة وعقيدة كلّ دين، وتجعل أساسها العدالة والمساواة وإشراك مختلف المواطنين في مؤسّسات الدولة. وعلى هذا الأساس تعود الثقة بين جميع اللبنانيّين، وتكون المواطنة حجر الزاوية. فبدون هذه الثقة تبقى الريبة هي الأساس، ويقود الشكّ إلى أن يحتمي المواطنون بالطائفة لا بالدولة. أمّا تنقية الذاكرة فتبقى المدخل الأساس إلى الثقة بين المواطنين. 8. فلنصلّ، أيّها الإخوة والأخوات، كي يشرق فجر جديد على لبنان، وعلى كنيستنا، وعلى عائلاتنا. نصلّي من أجل شرقنا الجريح، من فلسطين إلى سوريا والعراق، ومن أجل السلام في الأرض التي أحبّها الدويهي وكرّس حياته لأجلها. ونرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، إلى الأبد، آمين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store