logo
علماء يزعمون اكتشاف "لون جديد" لم يره أحد من قبل

علماء يزعمون اكتشاف "لون جديد" لم يره أحد من قبل

الوسط٢٠-٠٤-٢٠٢٥

Getty Images
اللون، الذي يقال إنه عبارة عن ظل مشبع من اللون الأزرق والأخضر، لا يمكن رؤيته بالعين المجردة دون مساعدة التحفيز
يقول فريق من العلماء إنهم اكتشفوا لوناً جديداً، لم يره إنسان من قبل.
يأتي هذا البحث في أعقاب تجربة، قام فيها باحثون في الولايات المتحدة عبر إطلاق ومضات من الليزر صوب أعينهم.
ومن خلال تحفيز خلايا مُحددة في شبكية العين، يقول المشاركون أنهم شاهدوا لوناً بين الأزرق والأخضر، أطلق عليه العلماء اسم "أولو"، غير أن بعض الخبراء يقولون إن اكتشاف لون جديد سيكون أمراً مثيراً للنقاش.
ووصف البروفيسور رين نغ، الباحث المشارك في الدراسة من جامعة كاليفورنيا، النتائج التي نُشرت في مجلة "ساينس أدفانسز" يوم الجمعة، بأنها "رائعة"، إذ يرى هو وزملاؤه أن هذه النتائج قد تُسهم في تعزيز البحث في مجال عمى الألوان.
وصرح البروفيسور نغ، الذي كان أحد خمسة أشخاص شاركوا في التجربة، لبرنامج "توداي" على راديو بي بي سي 4 السبت، بأن اللون الجديد (أولو) "أكثر تشبعاً من أي لون آخر قد تراه في العالم الحقيقي".
يُذكر أن مصطلح "تشبع اللون" يعني قوة اللون أو سطوعه.
وقال نغ: "لنفترض أنك تتجول طوال حياتك ولا ترى سوى اللون الوردي، وردي فاتح، وردي باستيلي (باهت)، ثم في أحد الأيام ترى شخصاً يرتدي قميصا لونه وردي مشبّع لم تره في حياتك، ويقول لك إنه رأى لوناً جديداً، أما نحن نسميه اللون الأحمر".
خلال تجربة الفريق، سلط الباحثون شعاع ليزر على بؤبؤ عين واحدة لكل مشارك.
كان هناك خمسة مشاركين في الدراسة - أربعة ذكور وأنثى واحدة - يتمتعون جميعاً بقدرة طبيعية على تمييز الألوان، بينما أعدّ ثلاثة من المشاركين - بمن فيهم البروفيسور نغ - الدراسة.
ووفقا لورقة البحث، نظر المشاركون في جهاز يُسمى "أوز" يتكون من مرايا وليزر وأجهزة بصرية، وصُمم سابقاً من قِبل بعض الباحثين المشاركين - فريق من العلماء من جامعة كاليفورنيا، بيركلي وجامعة واشنطن - وحُدِّث للاستخدام في هذه الدراسة.
شبكية العين هي طبقة نسيجية حساسة للضوء تقع في الجزء الخلفي من العين، وهي مسؤولة عن استقبال ومعالجة المعلومات البصرية، وتُحوِّل الضوء إلى إشارات كهربائية، تُنقل بدورها إلى الدماغ عبر العصب البصري، ما يُمكّننا من الرؤية.
وتحتوي الشبكية على خلايا مخروطية، وهي خلايا مسؤولة عن إدراك الألوان، وتوجد ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطية في العين وهي: S, L, M وكل منها حساس لأطوال موجية مختلفة من الأزرق والأحمر والأخضر.
ووفقا للبحث، فإنه خلال الرؤية الطبيعية "يجب على أي ضوء يُحفِّز خلية مخروطية M، أن يُحفِّز أيضا الخلايا المخروطية L و/أو S المجاورة لها"، لأن وظيفته تتداخل معها.
وفي هذه الدراسة، حفَّز الليزر الخلايا المخروطية M فقط، "التي من حيث المبدأ، تُرسِل إشارة لونية إلى الدماغ لا تحدث أبداً في الرؤية الطبيعية"، وفقا للبحث.
هذا يعني أنه لا يمكن رؤية اللون "أولو" بالعين المجردة في العالم الحقيقي، دون مساعدة تحفيز محدد.
وللتحقق من اللون المرصود خلال التجربة، قام كل مشارك بضبط قرص ألوان ليتطابق مع اللون "أولو".
مع ذلك، يقول بعض الخبراء إن اللون الجديد المكتشف "قابل للتفسير".
إذ قال البروفيسور جون باربور، عالِم الإبصار في مستشفى سيتي سانت جورج بجامعة لندن - ولم يشارك في الدراسة - إنه على الرغم من "أن البحث يُعد إنجازاً تقنياً في تحفيز الخلايا المخروطية الانتقائية، إلا أن اكتشاف لون جديد مسألة قابلة للنقاش".
وأوضح أنه إذا تم، على سبيل المثال، تحفيز الخلايا المخروطية الحمراء (L) بشكل كبير، فسوف "يشعر الناس بلون أحمر غامق"، لكن السطوع قد يتغير تبعاً للتغيرات في حساسية الخلية المخروطية الحمراء، وهو أمرٌ مشابه لما حدث في هذه الدراسة.
لكن البروفيسور نغ، المشارك في الدراسة، أقر بأنه على الرغم من أن رؤية اللون "أولو"، "أمر بالغ الصعوبة"، فإن الفريق يدرس النتائج لمعرفة ما قد يعنيه ذلك للأشخاص المصابين بعمى الألوان، الذين يجدون صعوبة في التمييز بين ألوان معينة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لماذا يفقد الرجل الثقة بنفسه عندما تحصل الزوجة على دخل أعلى منه؟
لماذا يفقد الرجل الثقة بنفسه عندما تحصل الزوجة على دخل أعلى منه؟

الوسط

timeمنذ 4 ساعات

  • الوسط

لماذا يفقد الرجل الثقة بنفسه عندما تحصل الزوجة على دخل أعلى منه؟

Getty Images هل تعلم أن الدخل الذي نحصل عليه قد يؤثر على صحتنا النفسية، لا سيما عند مقارنته بدخل الآخرين من حولنا، كما ينعكس سلباً على الصحة النفسية لدى الرجال تحديداً؟ يتحدث ديف عن وضعه الاجتماعي كأب عاطل عن العمل يباشر الأعمال المنزلية: "أشعر بجرح في كبريائي عندما تصبح زوجتي العائل الوحيد للأسرة بالكامل". ويقول توم: "أنا، كما يُقال، رجل تقليدي، لكن حين تقول لآخرين إنك تباشر الأعمال المنزلية، يظنون أنك رجل تتمتع بصفات أنثوية". شارك ديف وتوم في دراسة بحثية تناولت الآثار الناتجة عن كون المرأة هي المصدر الرئيسي للدخل في العلاقة الزوجية، وشملت الدراسة مقابلات مع رجال ونساء على حدّ سواء. أما بريندون، فقد كان له ما يبرر شعوره بأنه محل انتقادات، إذ وصفه أفراد أسرته بلقب مسيء، يدل على كونه مجرد شخص يؤدي مهام المنزل لأنه خاضع أو تابع. وليست هذه سوى ثلاثة نماذج فقط تسلط الضوء على حكم المجتمع على الرجال العاطلين عن العمل، عندما تتحمّل زوجاتهم العبء المالي الأكبر في العلاقة الزوجية. وقال رجال مشاركون في الدراسة إن الحكم عليهم نابع إلى حد ما من فرضية تقليدية راسخة اعتبرت الرجال المعيلين الأساسيين في المجتمع. لكن عدد النساء اللواتي يتفوقن على أزواجهن في كسب الدخل آخذ في الازدياد، ويبرز هذا النمو التدريجي في عدد النساء المعيلات للأسرة وأن قضية من يكسب المال يكون هو الشخص صاحب الأثر الدائم والمؤثر على موازين القوة داخل الأسرة أو في المجتمع ككل. ويرجع التأثير الكبير لهذه التغيرات في ديناميكية الأسرة إلى الارتباط الوثيق بين المال والسلطة، فعندما لا يكون الرجل هو الأعلى دخلاً في أسرته، قد يشعر بفقدان النفوذ والسيطرة، مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية، وقد يرفع من خطر حدوث الطلاق. وعموماً لا يزال الرجال يتفوقون على النساء في معدلات الدخل، حتى في أوساط الأزواج الذين لديهم أطفال، وتقوم النساء بنسبة أكبر بمباشرة الأعمال المنزلية وتربية الأبناء، وهي فجوة واضحة لا زالت تُلاحظ على مستوى العالم. ويُعزى ذلك جزئياً إلى قوالب نمطية ذات صلة بالجنس، إلا أنه في بعض الحالات يعكس الأمر ضرورة اقتصادية، حيث تُمنح الأولوية عادةً لمهنة الشخص الأعلى دخلاً، وهو ما يدفع العديد من النساء إلى التراجع والرضا بوظائف مرنة أو بدوام جزئي. وعلى الرغم من زيادة عدد النساء المعيلات، فإن سلوك الجنسين تجاه العمل مدفوع الأجر والأدوار المنزلية كانت أبطأ في التغير، فالنساء، حتى وإن كنّ الأعلى دخلاً، يقمن بمباشرة الأعمال المنزلية والتربوية على نحو يفوق ما يقوم به شركاؤهن من الرجال أصحاب الدخل الأقل. وبينما تُظهر بعض الفئات العمرية دعماً متزايداً للمساواة بين الجنسين، يبقى مستوى رضا الرجال منخفضاً عندما تتفوّق زوجاتهم عليهم في كسب المال. وتشير دراسات إلى أن تفوّق الزوجة على الرجل في الدخل قد يؤثر سلباً على احترام الرجل لنفسه ومستوى سعادته. والسؤال ما مدى جدّية هذه القضية بالفعل؟ وما هي الحلول الممكنة لمساعدة الرجال على التأقلم مع هذا الواقع الجديد؟ Getty Images لا يزال الحديث عن أثر تفوّق الزوجة في كونها المعيلة الأساسية للأسرة واحداً من الموضوعات الحساسة بالنسبة للرجال، حتى لو أظهروا دعماً لمسيرة زوجاتهم المهنية، إلا أنهم في ذات الوقت يشعرون بأنهم لا يؤدون دورهم التقليدي في إعالة الأسرة، نظراً لوجود العديد من التصورات الموروثة بشأن الرجولة. ويتضح ذلك عندما يتحوّل الرجل إلى أب يباشر الأعمال المنزلية نتيجة ظروف خارجة عن إرادته، مثل فقدان العمل أو الانتقال الجغرافي، لا بسبب قرار شخصي نابع منه. كان هاري بانتون، وهو مستشار سابق ومؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي يقيم في سيدني، في أستراليا، قد فقد وظيفته مؤخراً، وقال من خلال منشور وجّهه إلى الآلاف من متابعيه، إن "قيمته كرجل وزوج وأب" تأثرت سلباً. وقال بانتون: "أدرك تماماً السبب وراء ارتفاع معدلات الاكتئاب، وما هو أسوأ، بين هذه الفئة من الرجال، فعندما لا تسير الأمور كما هو مُخطط لها، قد يحمل ذلك أثراً مدمّراً، وقد يهز ثقة الرجل بذاته وبرجولته". وأضاف: "أتمنى من خلال مشاركة قصتي، أن يتمكن الآخرون من إدراك أن قيمتهم لا تتوقف على مثل هذه الظروف، بل أشعر الآن بقوة تدفعني لأكون الأب الذي طالما طمحت أن أكونه". وعلى الرغم من أن بانتون تبنى نهجاً إيجابياً تجاه التغيير الذي طرأ على نمط حياته، إلا أن حالته تُمثل مثالاً واضحاً على مدى تأثير دخل الرجل، مقارنةً بشريكته، على حالته النفسية. وأظهرت دراسة حديثة في السويد، شملت بيانات دخل على مدار عشر سنوات إلى جانب سجلات تشخيص الحالات النفسية، أنه عند المرحلة التي تفوقت فيها الزوجات على أزواجهن من حيث الدخل المالي، سُجّل ارتفاع في معدلات تشخيص الاضطرابات النفسية لدى الرجال. وعلى الرغم من تسجيل ارتفاع بنسبة تصل إلى 8 في المئة في تشخيص هذه الحالات بين جميع الشركاء، من بينهم النساء، إلا أن الرجال سجّلوا ارتفاعاً أكبر وصل إلى نحو 11 في المئة. وأثناء عملي في تأليف كتابي القادم الذي يحمل عنوان "من يعيل الأسرة"، أجريت حواراً مع ديميد جيتيك، الأستاذ المساعد في قسم الاقتصاد في جامعة دورهام، الذي أشرف على هذه الدراسة، للوقوف على مزيد من التفاصيل بشأن القضية. ولفت جيتيك إلى أنه رغم غياب التصريح العلني بأنه ينبغي للرجل أن يكون الأعلى دخلاً، إلا أن هذه التوقعات لا تزال سائدة بشكل واسع، مضيفاً أن زيادة تشخيص حالات الاضطرابات النفسية بين الرجال الذين بدأت زوجاتهم أو شريكاتهم في تحقيق دخل أعلى، قد يُشير أيضاً إلى تراجع مستوى الرضا بالعلاقة. من ناحية أخرى، كشفت دراسات حديثة أن الأزواج الأعلى دخلاً هم الفئة الأكثر ميلاً للانخراط في علاقات عاطفية خارج حدود الزواج، ويرجع الباحثون هذا السلوك إلى كونه وسيلة لبعض الرجال لمحاولة استعادة هويتهم الذكورية، التي قد يشعرون بأنها تعرضت للتهديد نتيجة تفوق زوجاتهم عليهم من الناحية المالية. وتشير أبحاث إلى أن الضغط المجتمعي الواقع على الرجال للقيام بدور المعيل يؤثر سلباً على صحتهم النفسية، وتبيّن أن الرجال العاطلين عن العمل يعانون من معدلات اكتئاب أعلى من النساء العاطلات عن العمل، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن النساء يتمتعن غالباً بشبكات دعم اجتماعي أقوى خارج بيئة العمل مقارنةً بالرجال، الأمر الذي يجعل الآباء الذين يباشرون الأعمال المنزلية أكثر عرضة للعُزلة مقارنةً بالأمهات في نفس الظروف. ولفهم السبب وراء العلاقة الوثيقة بين مستوى الدخل والصحة النفسية، ينبغي تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة، فعلى الرغم من أن النساء المعيلات غالباً يُنظر إليهن على أنهن ناجحات وطموحات مهنياً، إلا أن الكثير من هذه الحالات تعود في الواقع إلى فقدان الرجال لوظائفهم، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث ضغط اقتصادي على الأسرة. وتُظهر الدراسات أن الأسرة التي تعتمد على دخل المرأة وحدها، غالباً تكون ذات دخل أقل من الأسرة التي يعيلها الرجل، وذلك بما يتماشى مع فجوة الأجور بين الجنسين. لهذا السبب تقول هيلين كواليفسكا، الأستاذة بقسم السياسات الاجتماعية والعلوم بجامعة باث: "معظم الدول لا تبذل جهوداً كافية لتعويض تراجع دخل الأسرة التي تعيلها النساء"، وتؤكد الباحثة أن أنظمة الرعاية الاجتماعية ينبغي أن تقوم بدور أقوى في دعم هذه الأسر ذات الدخل المنخفض. "الأمور ليست سيئة على الإطلاق" Getty Images على الرغم من ذلك يعود فقدان الرجال للعمل بفوائد إيجابية على الأسرة، ففي بريطانيا، يكرّس الآباء وقتاً أكبر لأطفالهم مقارنةً بالماضي، وتشير دراسات إلى أن الآباء الذين يباشرون الأعمال المنزلية يقضون وقتاً أكثر مع أولادهم. وكما هو متوقع يسهم هؤلاء الآباء بشكل أكبر في رعاية الأطفال مقارنةً بالأمهات أو الآباء المعيلين، وعلى الرغم من ذلك فإنهم لا يزيدون من نصيبهم من الأعمال المنزلية بطريقة ملحوظة، بل تظل إسهاماتهم تقريباً مساويةً لما تقوم به زوجاتهم، أما في جميع الحالات الأخرى، تميل النساء إلى أداء الجزء الأكبر من العمل المنزلي، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن مركز "بيو" للأبحاث عام 2023 اعتماداً على بيانات من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن سياسة حصول الرجل على إجازة أبوة لا تزال محدودة في كثير من الدول، إلا أن منح الآباء الفرصة للاستفادة بها ينعكس إيجابياً على العلاقة الزوجية، ويعزز من مشاركة الأب في رعاية الأبناء، حتى بعد عودته إلى العمل. وأظهرت دراسات أن الآباء الذين يحصلون على إجازة أبوة يعززون روابط أوثق مع أطفالهم، مما يؤدي بدوره إلى نشوء أطفال يشاهدون بعينهم تقسيم العمل داخل الأسرة بطريقة متوازنة، ومن الطبيعي أن يؤثر هذا التقسيم في تشكيل وعي هؤلاء الأطفال بشأن الأدوار الأسرية مستقبلاً. كما أن التوزيع العادل للأعمال المنزلية يسهم في تمكين النساء من مواصلة حياتهن المهنية، وبالتالي في تعزيز الفرص المتاحة لهن لزيادة الدخل. بيد أن الفوائد التي تعود على النساء من هذه التحولات المجتمعية تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ خلصت دراسة أُجريت على أسر مكسيكية إلى أن اتساع فرص العمل المتاحة للنساء خارج المنزل يرتبط بزيادة نفوذهن في مجالات أخرى، خاصة فيما يتعلق بالقرارات المالية الكبرى، وتتوافق هذه النتائج مع ما توصلت إليه دراسات سابقة، إذ أن التمكين المالي للمرأة، في مجتمعات كانت تفتقر فيه إلى هذه القوة، يسهم في تعزيز قدرتها على تحقيق دخل أعلى، وفي تنمية استقلاليتها، وتقدمها في حياتها المهنية. وعندما تتغير الأعراف الاجتماعية ويصبح من الطبيعي أن يتخلى الرجل عن العمل لفترات بسبب التزامات الأسرة، تزداد رفاهية الأسرة بأكملها. وتشير بيانات سويدية إلى أنه عند تطبيق إجازة الأبوة لأول مرة في عام 1995، حصل الآباء على ما يُعرف بـ "شهر الأب"، وشهدت الدفعة الأولى من الرجال الذين حصلوا على هذه الإجازة حدوث تراجع في استقرار العلاقة الزوجية وزيادة في احتمالات الانفصال، إلا أنه عندما زادت مدة الإجازة إلى شهرين في عام 2002، تلاشت هذه الآثار السلبية. ويتمتع الآباء حالياً في السويد بثلاثة أشهر من الإجازة، وفق سياسة تعرف باسم "استخدمها أو اتركها"، وتسجل معدلات استغلال هذه الإجازة بين الآباء ارتفاعاً كبيراً، بل يُعتبر التخلي عن هذه الإجازة الأبوية أمراً غير وارد. ورغم زيادة الوعي بأهمية تمكين النساء اليوم، لا تزال الآراء متفاوتة جداً بشأن ذلك، إذ خلصت دراسة حديثة أجرتها شركة "إبسوس" بالتعاون مع "كينجز كوليدج" لندن، إلى أن الجيل الأصغر سناً، الذي يُطلق عليه الجيل زد، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاماً، هم الأكثر انقساماً في الآراء. وأظهر استطلاع رأي شمل نحو 24 ألف شخص أن الشباب كانوا أكثر احتمالًا للموافقة على القول بأن الأب الذي يبقى في البيت ليعتني بأطفاله "أقل رجولة"، وأيد 28 في المئة من شباب الجيل زد هذا الرأي، مقابل 19 في المئة فقط من فتيات الجيل زد، بينما كانت النسبة في باقي الفئات العمرية، أقل. وعندما طُلب منهم إبداء رأي في العبارة التي تقول: "يُتوقع من الرجال أن يفعلوا الكثير لدعم المساواة"، أيد 60 في المئة من شباب الجيل زد، مقابل 38 في المئة من فتيات الجيل زد. Getty Images وتقول هيجونغ تشونغ، أستاذة الأعمال والتوظيف بكينجز كوليدج لندن وواحدة من المشرفين على الدراسة، إن أحد العوامل التي تؤدي إلى تصاعد هذه المواقف هو زيادة فرص التعليم الجامعي للشابات مقارنةً بالشباب، لذا، بحسب قولها، تحصل النساء في بداية العقد الثالث من عمرها على دخل يفوق قليلاً ما يحصل عليه الرجال، وللمرة الأولى، أصبح هناك عدد أكبر من الطبيبات مقارنةً بالأطباء في المملكة المتحدة. وتوضح تشونغ: "نلاحظ وجود العديد من المؤشرات على تحقيق المساواة بين الجنسين في بعض المجالات"، وربما لا يختبر هؤلاء الشباب التفاوتات الأوسع التي لا تزال تواجهها كثير من النساء في الوقت الحاضر". كما يعد أحد الأسباب الأخرى لهذا الانقسام في الرأي تجاه المساواة هو أن مفاهيم الرجولة تشهد تغيّراً مستمراً، لكنها ليست واسعة النطاق في كل المجتمعات. وكشفت دراسة أجرتها روزي كامبل، أستاذة العلوم السياسية بكينجز كوليدج لندن، وجود تفاوت متزايد في آراء الأجيال الشابة تجاه الرجولة، فعلى سبيل المثال، تختلف آراء الرجال والنساء حول مدى صعوبة أن تكون رجلاً مقارنة بأن تكون امرأة في العصر الحالي. وتقول كامبل: "من الضروري أن نعيد التفكير في كيفية توصيل فكرة ما يعنيه أن تكون رجلاً في هذا العصر، وما هي القدوات التي يعتد بها". ويكتسب ذلك أهمية خاصة بالنظر إلى تصاعد التأثيرات المعادية للنساء على الإنترنت، كما قدّمها مؤخراً مسلسل "سن المراهقة- Adolescence" الذي انتجته نتفليكس. وعلى الرغم من هذه النتائج، تشير أحدث استطلاعات رأي تشونغ وفريقها إلى اتفاق أغلبية الأفراد على أهمية تحقيق المساواة بين الجنسين. كما يوجد عدد من الدراسات التي توضح تحوّل الرجال في تصورهم للرجولة والأبوة، نحو نمط يتسم بالرعاية، والتعاطف، وغيرها من المهارات الهادئة التي غالباً ما تُعتبر خاصة بالنساء، بدلاً من الافتراض أن الرجولة تعني كسب المزيد من المال لإعالة الأسرة فقط. وأُطلق على هذا الاتجاه مصطلح "الرجولة الرعوية" أو "الرجولة الحنونة". وتقول كارلا إليوت، أستاذة الدراسات الجندرية بجامعة موناش في ملبورن بأستراليا: "الأمر لا يقتصر على قيام الرجال بأنشطة ممتعة تحظى بتقدير، بل يشمل أيضاً مشاركتهم في الجوانب المعقدة والصعبة من أعمال الرعاية". وتشير دراساتها إلى أن زيادة مشاركة الرجال في هذه المهام العملية يؤدي إلى تعزيز نزعة الرعاية لديهم، وتوضح إليوت أن نشر هذا التصور الجديد للرجولة يتطلب من الرجال، بالإضافة إلى تحملهم لمزيد من مهام الرعاية، أن يتخلوا عن السيطرة وعدم المساواة. ويرى بعض الباحثين أن السياسات التي تعزز إجازة الأبوة، وبالأخص التي تخصص فترة محددة للرجال مع الأسرة، تسهم في تعزيز تركيزهم على مهام الرعاية، وقد يؤدي ذلك إلى تخفيف العبء عن الرجال في دورهم كمقدمي الدعم المالي، ويساعد النساء على تعزيز قدرتهن على الكسب. وقد يستغرق تطبيق التغييرات السياسية وقتاً حتى يترسخ، لذا يمكننا جميعاً أن نمارس دوراً في نشر رسائل إيجابية تعكس توقعاتنا المتجددة بشأن أدوارنا المجتمعية. وتقول إليوت: "توجد فرصة كبيرة حالياً، فإذا شعر الرجال بأن احترامهم لذاتهم يتأثر بمستوى دخل زوجاتهم، فهذه فرصة مثالية لهم لمراجعة أسباب ذلك، وربما إعادة النظر في بعض المعتقدات الراسخة حول الأدوار الجندرية". ونظراً لتزايد عدد النساء المعيلات للأسر اقتصادياً، قد يتحول هذا التغير الاقتصادي إلى أمر معتاد بمرور الوقت، وهذا يستلزم من الأزواج، الذين لديهم أطفال، التكيّف مع الأمر من خلال زيادة العمل المرن والمشاركة في مهام الرعاية، على نحو يسهم في تمكين زوجاتهم، اللواتي يتمتعن بدخل أعلى، لمواصلة تطور مسيراتهن المهنية. ومع الوقت، قد تؤدي هذه التغيرات في السلوك إلى تراجع التوقعات التقليدية التي تفرض على الرجل أن يكون المعيل والمرأة ربة المنزل، مما يعزز رضا العلاقات الزوجية ويحقق توازناً صحياً في توزيع القوة.

"الرجال بلا مشاعر" ومعلومات مغلوطة أخرى لا نفهمها عن "الرجولة"
"الرجال بلا مشاعر" ومعلومات مغلوطة أخرى لا نفهمها عن "الرجولة"

الوسط

timeمنذ 20 ساعات

  • الوسط

"الرجال بلا مشاعر" ومعلومات مغلوطة أخرى لا نفهمها عن "الرجولة"

Getty Images من الشائع في مجتمعاتنا العربيّة أن ينشأ الأولاد في أسرٍ لا يُظهر فيها الآباء مشاعرهم بشكلٍ صريح. وإذا عبّروا عنها، فإنّ الغضب غالباً ما يكون الشعور الوحيد المسموح بإظهاره. وإن "تلصصنا" على المحادثات الخاصة لشابات في يومنا على إنستغرام، قد نجد هاجساً مشتركاً، وهو السخرية أو الغضب من من برود الرجال العاطفي، ولا مبالاتهم، والحيرة في كيفيّة التعامل معهم، وضرورة عرضهم على أطباء نفسيين. ورغم أنّ هذه المواد تبدو، في ظاهرها، نوعاً من المزاح البريء المنتشر على الإنترنت، إلا إنّها تسلّط الضوء على أزمةٍ أعمق، تتعلّق بطريقة تفاعل الرجال مع مشاعرهم، ومع الآخرين، في العلاقات التي تتطلّب قدراً من التعبير العاطفيّ. هناك اعتقاد سائد لا يزال راسخاً في ثقافتنا، أنّ الرجال لا يعبرون عن عواطفهم، أنهم "بلا مشاعر". ويرى كثيرون أنه من "المعيب" على الرجل أن يشكي همه، يفصح عن هشاشته أو مشاعره، فالرجال "لا يبكون". ولكن هذه الأفكار قد تكون خطيرة وتؤثّر على صحة الرجال النفسية والجسدية على المدى الطويل. فهل يعاني الرجال حقاً من "برود عاطفي"، أم أنه نتاج لتوقعات اجتماعيّة مفروضة عليهم؟ 1- "الرجال غير عاطفيين" واحدة من أكثر المعلومات المغلوطة شيوعاً التي تتردد في مجتمعاتنا هي أنّ الرجل "بطبيعته" أقلّ عاطفية، أو غير قادر على الإحساس العميق. هذه الفكرة، المتداولة على نطاقٍ واسع، تُعامل كحقيقة بيولوجية، وكأنّ الرجل مؤهّل للتعبير أو حتى الشعور. يرى المعالج النفسي هادي أبي المنى في حديث إلى بي بي سي عربي أن "واحدة من أبرز الصور النمطية المغلوطة في مجتمعاتنا هي الاعتقاد بأنّ التعبير عن المشاعر سلوكٌ "أنثوي"، وكأنّ المشاعر بطبيعتها ترتبط بالأنوثة. في المقابل، يُنظر إلى كتمان المشاعر أو تحمّل الألم بصمتٍ على أنه دليل على "الرجولة". هذا الربط القائم بين قمع المشاعر و"الرجولة" لا ينعكس فقط على الحياة العاطفية للرجال، بل على صحّتهم النفسيّة أيضاً، إذ يحرم كثيرون من فرصة العيش بتوازنٍ وهدوءٍ داخليّ، خوفاً من أن يساء فهم ضعفهم أو حساسيّتهم. يقول المعالج النفسي هادي أبي المنى في حديثٍ إلى بي بي سي عربي: "كثيراً ما يقال إنّ الرجال ليسوا عاطفيّين بما يكفي، أو أنّهم غير قادرين على الشعور بعمق، وبالتالي لا يعبّرون عن مشاعرهم بالطريقة نفسها المتوقعة من النساء. يعتقد أنّ هذا أمرٌ طبيعي، يولد به الذكر. لكن الحقيقة أنّ جميع البشر، رجالاً ونساءً، يتساوون في القدرة على الشعور وعمق الإحساس". ما الذي يحدث إذن؟ بحسب أبي المنى، فإنّ الرجل، وخصوصاً في مجتمعاتنا، "يتعلّم منذ الصغر ألّا يعبّر عن مشاعره بالكلام". هذا التعليم لا يلغي المشاعر، بل يدفنها، أو يعيد توجيهها. ويشرح المعالج النفسي أنّ هذه المشاعر "لا تختفي، بل تتحوّل وتظهر بطرقٍ أخرى، مثل الصمت، أو الغضب، أو الانغماس المفرط في العمل". عندما سألناه إن كان الانشغال بالعمل يمنح شعوراً مؤقّتاً بالراحة، أجاب: "على المدى القصير، نعم. لكن استبدال الشعور الأساسي بمشاعر أو أفعالٍ أخرى، يمنع الفرد من إدراك مشاعره وتحليلها، والاعتراف بها وفهمها والتعبير عنها، أي أنه يتجنّبها تماماً". ويشدّد أبي المنى على أنّ هذا التجنّب "ليس حلاً طويل الأمد، ولا يساهم في معالجة المشاعر أو حلّ المشكلة الأساسيّة". Getty Images 2- "الكلام لن يحلّ المشكلة" يشيرهادي أبي المنى إلى أنّ واحد من أكثر الأفكار المتكرّرة التي يسمعها من الرجال الذين يتجنّبون اللجوء إلى العلاج النفسي، هي أن "الحديث عن المشكلة لا قيمة له، لأنه لا يساعد في حلّها". لكنّه يوضح أنّ الحديث عن المشكلة هو بالضبط ما يشكّل جوهر العلاج النفسي. ويقول: "يسمح العلاج النفسي للشخص بالتحدّث عن مشكلاته ومشاعره، ويفهم ماذا يحدث معه، حتى لو لم يجد حلولاً فوريّة للمشكلة. ذلك يعطي فكرة عن كيفية التعامل مع مشاعره وتنظيمها". ويلفت إلى نقطة مهمّة غالباً ما تغفل: "حين يقوم الشخص بتسمية مشكلاته، يعطيه ذلك القليل من القوة أمامها". من جهتها، ترى المعالجة النفسية جيزيل صليبا أنّ تردّد الرجال في اللجوء إلى العلاج النفسي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصورة نمطيّة رُسّخت في أذهانهم منذ الصغر. وتقول لـبي بي سي عربي: "الرجال الذين يتخذون قرار اللجوء إلى معالج نفسي غالباً ما يكونون متردّدين جداً، بسبب اعتقادهم بأنّ ذلك يُعدّ ضعفاً أو يقلّل من رجولتهم". وتشرح قائلة: " دائماً ما يؤكّدون أنّ أحداً لا يجب أن يعلم بالأمر. يحصل ذلك لأنهم سمعوا منذ الصغر عبارات مثل: أنت رجل، عليك أن تكون قادراً على فعل كل شيء وحدك، أو حلّ كل شيء من دون مساعدة". وتضيف: "تجنّب التعبير عن المشاعر شائعٌ جداً بين الرجال، لأنّهم كأطفال قيل لهم إنّ البكاء أو التعبير عن التوتر أو الخوف أو الانزعاج، لا يليق بالذكور، وأن الرجال لا يفعلون ذلك". Getty Images عادةً ما يستهزئ مشجعو كرة القدم ببكاء لاعب الفريق المنافس باعتباره "ضعيف" و"كثير المشاعر" 3- "الوقت كفيل بحل كل شيء" لطالما سمعنا في الأمثال الشعبيّة والأغاني المتداولة بلغاتٍ عدّة أنّ "الوقت كفيل بحلّ كل شيء" أو "الزمن يُنسي". لكنّ الأبحاث أثبتت مراراً أنّ هذا الاعتقاد الشائع لا يستند إلى أساسٍ علميّ. ويشرح هادي أبي المنى أنّ تجاهل المشكلة أو الامتناع عن الحديث عنها لا يساهم في حلّها، بل يؤدّي إلى تفاقمها مع مرور الوقت. ويقول: "تجنّبنا الحديث عن أمرٍ ما يجعل المشكلة تتضخّم، فبدلاً من أن تختفي، تصبح أكثر تعقيداً". ويقدّم مثالاً توضيحيّاً قائلاً: "ليس بالضرورة أن تصاب أسناننا بالتسوّس كي نبدأ بتنظيفها. الحقيقة أنّنا ننظّفها كي لا تصاب بالتسوّس، أو تتفاقم المشكلة لاحقاً". ويشدّد على أهمية التدخّل المبكر، قائلاً إنّه "كلّما حصل التدخّل في وقتٍ أبكر، كلّما خفّت حدّة المشكلة، وتراجعت احتمالات امتدادها إلى جوانب أخرى من حياة الفرد". 4- "الرجال يتدبرون أمورهم بدون مساعدة" Getty Images ويشير هادي أبي المنى إلى أنّ أحد الأسباب الجذريّة وراء تردّد الرجال في طلب الدعم النفسي، هو أنّهم ببساطة لم يتعلّموا أنّ طلب المساعدة أمرٌ طبيعي. ويشرح أنّ الرجل، حين يبادر إلى طلب الدعم، "يحمَّل بالعار وينظر إليه على أنّه ضعيف"، لأنّ المجتمع يربط بين مفهوم "الرجولة" وبين الاستقلاليّة التامّة وعدم الحاجة إلى أحد. ويقول: "الصورة النمطيّة للرجل القوي، الذي يمكنه حلّ كل شيء بنفسه، والذي لا يحتاج ولا يطلب مساعدة، ما زالت مرتبطة اجتماعياً بفكرة الرجولة والقوة. في المقابل، ينظَر إلى الرجل الذي يطلب المساعدة أو يعبّر عن مشاعره على أنّه ليس رجلاً بما فيه الكفاية". هذه المعايير المغلوطة، كما يشير أبي المنى، تثير أسئلة كثيرة حول تأثير التوقّعات الاجتماعيّة غير المنطقيّة على الصحة العقليّة للرجال، وعلى قدرتهم في التفاعل مع أنفسهم والآخرين بصدقٍ وراحة. 5- "الرجل الناجح هو المتماسك دائماً" يؤكّد هادي أبي المنى أنّ النجاح الحقيقي لا يقاس بمدى التماسك الظاهري أو الصلابة الخارجيّة، بل يرتبط بالقدرة على تحقيق توازن داخلي يمكّن الفرد من فهم مشاعره ومشكلاته والتعامل معها بشكلٍ صحّي. ويضيف أنّ الوعي بالمشاعر والقدرة على تنظيمها هو ما يوفّر للشخص أدوات فعليّة للتقدّم بثبات، بينما أيّ اضطراب داخلي غير معالَج في التعامل مع الأفكار والمشاعر قد يعيق تطوّره الشخصي والمهنيّ على حدّ سواء. من جهتها، تلفت المعالجة النفسيّة جيزيل صليبا إلى أنّ بعض الأشخاص الذين يسعون إلى التحكّم الكامل بأنفسهم، ويحاولون أن يكونوا عقلانيّين طوال الوقت، إنّما يعبّرون عن تربية قائمة على تصوّرٍ خاطئ مفاده أنّ المشاعر أمرٌ سلبي. وتقول: "هناك من يعتقد أنّ عليه أن يهتم فقط بالعمل ويقمع أي وجود للمشاعر. هؤلاء غالباً ما نشأوا على فكرة أنّ الشعور هو ضعف، وأنّ الانشغال بالوجدان أمرٌ غير منطقي أو غير مجدٍ". هل تزيد التوقعات الاجتماعية من معاناة الرجل؟ Getty Images يجمع خبراء الصحة النفسية على أنّ تطوّر أي اضطراب نفسي أو مرض عقلي لا يحدث نتيجة عاملٍ واحد فقط، بل هو نتيجة تقاطع ثلاثة عوامل رئيسية: التكوين البيولوجي، والخلفيّة النفسية، والظروف الاجتماعيّة المحيطة. وفي هذا السياق، تؤكّد جيزيل صليبا أنّ كبت المشاعر والضوابط الاجتماعيّة غير المنطقيّة التي تُفرض على الرجال، قد تجعلهم أكثر عرضةً لتطوّر مشكلات في الصحة العقليّة. تقول إن هناك "ضغوطاً كبيرة يضعها المجتمع على الرجل، من بينها أنّه لا يجب عليه التعبير عن مشاعره أو التأثّر أو الحديث عن ذلك". هذه الضغوط لا تغيّر فقط من شكل التجربة النفسيّة، بل تؤثّر حتى على طبيعة الأعراض التي تظهر لدى الرجال. وتوضح: "نعتقد أن الاكتئاب مثلاً، يظهر لدى الجميع بشكل حزنٍ وانطواء. لكنّه يظهر لدى كثير من الرجال على شكل غضبٍ دائم، لأنّ التعبير عن الحزن غير مسموح به للذكور". وتضيف أنّ نسب الانتحار أعلى بكثير لدى الرجال مقارنةً بالنساء، قائلةً: "لكي يصل أحدهم إلى هذه المرحلة، فهذا يعني أنّه بلغ وضعاً نفسيّاً بالغ الصعوبة". وتفسّر هذه الأرقام بقولها: "النساء عادةً لا يواجهن مشكلة في التحدّث عن مشكلاتهنّ ومشاعرهنّ، بينما الرجال غالباً ما يحتفظون بكل شيء لأنفسهم ويكبتون الألم والمشاعر". Getty Images "أنت رجل لا يمكنك البكاء" تشير المعالجة النفسية جيزيل صليبا إلى أنّ نِسب استخدام المواد المخدّرة والإدمان على الكحول أعلى بكثير لدى الرجال مقارنةً بالنساء، كما أنّ اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، الذي يتميّز بأنماط سلوكية تتجاهل حقوق الآخرين وتعتمد على الخداع أو التلاعب والتهوّر، يظهر بشكلٍ أكبر لدى الذكور. هذا الاضطراب يكون مرتبطاً بعوامل بيولوجيّة وراثيّة بحسب هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، إضافةً إلى تجارب الطفولة المؤلمة، مثل التعرّض للإهمال أو الإساءة العاطفية أو غياب أحد الوالدَين من الناحية الوجدانية. أما على الصعيد الجسدي، فيُجمع كلّ من صليبا وهادي أبي المنى على وجود علاقة موثّقة بين الكبت والتوتّر والإجهاد العاطفي من جهة، وظهور أمراض جسديّة من جهة أخرى. ويضرب أبي المنى مثالاً بمرضي الروماتيزم والفيبروميالجيا، حيث تساهم المشكلات العاطفية، بحسبه، في تفاقم الأعراض. ويقول: "تحريك الجسد، كالمشي أو التمارين الرياضيّة، يساهم كثيراً في تحسين الصحة النفسيّة. أما الكبت والتوتّر، فقد يؤدّيان إلى آلام جسديّة حقيقيّة، مثل الصداع أو ارتفاع ضغط الدم". وتنبه صليبا إلى خطورة التقليل من شأن التوتّر، وتقول: "في السنوات الأخيرة، نلاحظ تزايداً في الشكاوى الجسديّة التي لا يكون لها تفسير عضوي. ننسى في هذه الحالات أنّ الأمر لا يعني أننا بخير، بل أن التوتّر أو القلق قد تَسبّب فعلاً بمشكلة جسديّة حقيقيّة". وتشرح قائلة: "أظهرت الدراسات أنّ التوتّر قد يضعف المناعة، يؤثّر على صحّة القلب، يسبّب اضطرابات النوم، أو حتى اضطرابات الأكل، وكلّها ترتبط بعدم القدرة على التعامل مع مشاعرنا بشكلٍ صحّي". وتختم صليبا بنصيحة توجّهها إلى الأهل، وتحديداً إلى من يربّون أطفالاً ذكوراً: "جملة مثل 'أنت رجل، لا يمكنك البكاء'، كفيلة بأن تجعل الطفل عاجزاً عن التعامل مع مشاعره طوال حياته". وتضيف: "بدلاً من أن نصنع منه رجلاً أقوى، كما نتصوّر، نكون بذلك قد زرعنا فيه أزمة عاطفيّة عميقة وغياباً للراحة الداخليّة". وتؤكّد في النهاية: "لا يمكننا أن نمنع أحداً من أن يشعر. ما نفعله، هو أنّنا نجعل مهمّة فهم هذه المشاعر والتعامل معها أصعب بكثير".

إصابة الرئيس السابق جو بايدن بالسرطان "الأكثر عدوانية"، ما هو بروتوكول العلاج؟
إصابة الرئيس السابق جو بايدن بالسرطان "الأكثر عدوانية"، ما هو بروتوكول العلاج؟

الوسط

timeمنذ 2 أيام

  • الوسط

إصابة الرئيس السابق جو بايدن بالسرطان "الأكثر عدوانية"، ما هو بروتوكول العلاج؟

Getty Images بايدن فقد ابنه في 2015 بسبب السرطان وأطلق مبادرة ضخمة للحد من الوفيات بسبب السرطان أعلن مكتب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، البالغ من العمر 82 عاماً، إصابته بسرطان البروستاتا وانتشار الورم في عظامه. وقال المكتب في بيان يوم الأحد، إن الأطباء اكتشفوا حالة بايدن، يوم الجمعة، أثناء فحوصات بعد شكوى من ألم وأعراض أخرى أثناء التبول، وعثر الأطباء على كتلة صغيرة (عقيدة) في غدة البروستاتا. وأوضح البيان أن هذا النوع من السرطان هوأكثر عدوانية، وأن بايدن وعائلته يراجعون خيارات العلاج. وغادر بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني الماضي، وكان أكبر رئيس ينا في الحكم في تاريخ الولايات المتحدة، وكان هناك الكثير من الشكوك والتساؤلات حول صحته خلال فترة ولايته، مما دفعه إلى سحب ترشحه من الانتخابات الرئاسية الماضية وتنازل لنائبته كامالا هاريس. وأضاف مكتب الرئيس السابق: "في الأسبوع الماضي، خضع الرئيس جو بايدن لفحص جديد لكتلة (عُقيدة) في البروستاتا بعد أن عانى من أعراض بولية متزايدة." وتم تشخيص سرطان البروستاتا، الذي يتميز بدرجة 9 على مقياس غليسون (الدرجة الخامسة) مع انتقاله إلى العظام. وعلى الرغم من أن هذا يمثل شكلاً أكثر عدوانية من المرض، إلا أن هذا النوع يبدو حساساً للهرمونات، مما يسمح بالعلاج الفعال." وبحسب مؤسسة أبحاث السرطان في بريطانيا، فإن درجة غليسون التي تبلغ تسعة تعني أن مرضه يُصنف بأنه "شديد الخطورة"، وأن الخلايا السرطانية قد تنتشر بسرعة. دعم ومواساة فور انتشار أنباء التشخيص بالمرض، تلقى بايدن دعماً كبيراً من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وكتب الرئيس دونالد ترامب، على منصته الاجتماعية "تروث سوشيال"، سالة لبايدن، قال فيها إنه والسيدة الأولى ميلانيا ترامب "يشعران بالحزن لسماعهما خبر التشخيص الطبي الأخير لجو بايدن". ووجه حديثه إلى السيدة الأولى السابقة جيل بايدن: "نتقدم بأحرّ وأطيب تمنياتنا لجيل وعائلتها. نتمنى لجو الشفاء العاجل والناجح". أما كامالا هاريس، نائبة بايدن السابقة والمرشحة السابقة في الانتخابات الرئاسية، فكتبت على منصة "إكس" أنها وزوجها دوغ إمهوف، "يدعوان لعائلة بايدن بالشفاء العاجل." وقالت هاريس: "جو مقاتل، وأعلم أنه سيواجه هذا التحدي بنفس القوة والمرونة والتفاؤل التي ميزت حياته وقيادته". بيما عبر الرئيس السابق باراك أوباما، الذي تولى الرئاسة من عام 2009 إلى عام 2017 وكان جو بايدن نائبه، عن دعمه هو وزوجته ميشيل، وقال في بيان على إكس إنهما "يفكران في عائلة بايدن بأكملها". وأضاف أوباما: "لم يبذل أحد جهداً أكبر لإيجاد علاجات مبتكرة للسرطان بجميع أشكاله أكثر مما فعله جو، وأنا على يقين من أنه سيواجه هذا التحدي بعزيمته وصبره المعهود. ندعو الله له بالشفاء العاجل والكامل". وأثناء حكم أوباما، كلف بايدن فيعام 2016، بقيادة برنامج بحثي حكومي على نطاق واسع لمكافحة السرطان. ومن بريطانيا قال رئيس الوزراء كير ستارمر: "أشعر بحزن شديد لسماع أن الرئيس بايدن أُصيب بسرطان البروستاتا. أتمنى كل التوفيق لجو وزوجته جيل وعائلتهما، وأتمنى له علاجاً سريعاً وناجحاً". تأتي هذه الأخبار بعد قرابة عام من انسحاب الرئيس السابق من الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بسبب مخاوف بشأن صحته وتقدمه في العمر. واجه بايدن، المرشح الديمقراطي آنذاك الذي كان يتنافس على إعادة انتخابه، انتقادات متزايدة لأدائه الضعيف في مناظرة تلفزيونية ضد منافسه الجهوري في ذلك الوقت الرئيس الحالي دونالد ترامب، في يونيو/حزيران 2024. ليتم في النهاية استبداله كمرشح ديمقراطي بنائبته، كامالا هاريس. وأصبح ترامب، البالغ من العمر 78 عاماً، ليكون أكبر شخص سناً يؤدي اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة عندما تولى منصبه خلفاً لبايدن. بروتوكول العلاج يُعد سرطان البروستاتا ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الرجال، بعد سرطان الجلد، بحسب بيانات عيادة كليفلاند. وتشير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، إلى أن 13 من كل 100 رجل سيصابون بسرطان البروستاتا في مرحلة ما من حياتهم. ويُعتبر التقدم في العمر العامل الأخطر والأكثر شيوعاً للإصابة بالمرض، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. ويرى الدكتور ويليام داهوت، كبير المسؤولين العلميين في الجمعية الأمريكية للسرطان وطبيب متخصص في سرطان البروستاتا، أن هذا السرطان "أكثر عدوانية بطبيعته"، وفقاً للمعلومات المُعلن عنها حول تشخيص بايدن. وقال الدكتور داهوت لبي بي سي: "بشكل عام، إذا انتشر السرطان إلى العظام، فلا نعتقد أنه يمكن أن يكون سرطاناً قابلاً للشفاء". ومع ذلك، أوضح أن معظم المرضى يستجيبون جيداً للعلاج الأولي، "ويمكن للناس أن يعيشوا سنوات عديدة بعد تشخيصهم بالمرض". وعن البروتوكول العلاجي، أضاف الدكتور داهوت، "من المرجح تقديم علاجات هرمونية لمريض بنفس سرطان بايدن، لتخفيف الأعراض وإبطاء نمو الخلايا السرطانية." وتوارى بايدن عن الأنظار بصورة كبيرة منذ مغادرته البيت الأبيض، ولم يظهر علناً إلا نادراً. وكان أول ظهور إعلامي له منذ فوز ترامب، مع بي بي سي في مايو/آيار، وأقر خلاها بأن قرار التنحي عن انتخابات 2024 كان "صعباً". وواجه بايدن أسئلة حول حالته الصحية في الأشهر الأخيرة. لكنه نفى في لقاء مع برنامج "ذا فيو" الأمريكي في مايو/آيار الماضي أيضا، مزاعم معاناته من "تدهور إدراكي" خلال أخر سنة في حكمه، وقال: "لا يوجد ما يدعم ذلك". وكان بايدن من أبرز المدافعين عن أبحاث السرطان، خلال سنوات طويلة. في عام 2022، أعاد هو والسيدة جيل بايدن إطلاق مبادرة "الانطلاقة الكبرى للسرطان" بهدف حشد الجهود البحثية لمنع أكثر من أربعة ملايين حالة وفاة بالسرطان بحلول عام 2047. فقد بايدن نفسه ابنه الأكبر، بو، بسبب سرطان الدماغ عام 2015.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store