
في وداع فرنسيس... البابا المُثيرُ للجَدَل
الأب فادي سميا
«جاءَ ابنُ الإنسانِ يأكلُ ويشرب، فتقولون: هوذا إنسانٌ أكولٌ وشِرِّيبُ خمرٍ، مُحبٌّ للعشّارينَ والخُطاة!»
(لوقا ٧: ٣٤)
إنَّه كلامٌ بلا مواربة، كلامُ يسوعَ المذكورُ في إنجيلي متى ولوقا عن الجيلِ الذي لا يُرضيه شيء، إذْ رفضوا يوحنّا المعمدان لأنَّه كان زاهدًا، ويرفضون يسوعَ لأنَّه عاشَ قُربَ الناس، وأحبَّ الخطأةَ ودعاهم إلى التوبة.
يسوعُ لم يَخَفْ من مُخالطةِ الخطأة، بل جعلَ من قُربِه إليهم شهادةً على محبَّةِ اللهِ التي تفتِّشُ عن الضّائع وتُداوي الجريح. هذا الاتّهامُ الذي أطلقه عليه البعض، يُظهِرُ في الحقيقةِ عُمقَ رسالتِه: أنْ يكونَ "الله معنا"، لا في الأبراجِ العالية، بل في الشوارعِ، على الموائدِ، في البيوتِ البسيطة، حيثُ القلوبُ العَطشانةُ تنتظرُ كلمةَ حبٍّ وغفران.
في لحظاتِ وداعِ البابا فرنسيس، يَنطبِقُ ما قيلَ عن يسوعَ على البابا المُثيرِ للجَدَل، فقط لأنَّه كانَ كمُعلِّمِه.
في يومِ وداعِه، في زمنِ قيامةِ الربِّ يسوع، نصمُتُ أمامَ سِرِّ الحياةِ والموت، لكنّنا اليومَ لا نَنظرُ إلى رَحيلِ رجلٍ فحسب، بل نشهدُ على حياةٍ أُعطِيَت بالكامِلِ من أجلِ اللهِ والإنسان. البابا فرنسيس لم يكنْ فقط أُسقُفَ روما، بل كانَ قلبًا نابضًا في وسطِ الكنيسةِ والعالَم. رجلٌ خرجَ من تخومِ الأرجنتين ليُعانقَ آلامَ الإنسانيّةِ جميعًا، ويُعيدَ إلى الكنيسة، جسدِ المسيحِ السرّي، وجهَها الرَّحومَ والمُتواضِع.
وبينما يُسجَّى جَسدُه، يَبقى صوتُه حيًّا فينا:
"لا تخافوا من الرّحمة، لا تخافوا من الآخَر، افتحوا الأبوابَ للمسيح."
هذه كلماتٌ لا تُدفن، بل تُورَّث.
عاشَ البابا فرنسيس كأبٍ لا كحاكم، لم يجلسْ على عرش، بل وقفَ إلى جانبِ الناسِ، خصوصًا المجروحين والمنسيّين. سكنَ في دارِ القدّيسةِ مرتا بدلَ القصرِ الرَّسولي، كان يَطهو أحيانًا بنفسِه، يَحملُ حقيبتَه، ويَركعُ أمامَ الأطفالِ وكِبارِ السنّ.
رؤيتُه للكنيسةِ كانت: "كنيسةٌ خارجةٌ من ذاتِها"، تُشبِهُ الراعي الذي يَشمُّ رائحةَ خرافِه، لا كنيسةً مُغلقةً على امتيازاتٍ أو بروتوكولات.
أطلقَ سنةَ الرّحمةِ عام ٢٠١٥، ويوبيلَ الرّجاءِ الذي لا يُخيّب (رومة ٥: ٥) عام ٢٠٢٥، وفتحَ أبوابَ الكنيسةِ على مصراعيها لكلِّ إنسانٍ جريحٍ يَبحثُ عن الله. غيَّرَ منهجيَّةَ العلاقةِ بين الكنيسةِ والمؤمنين: لم تَعُدِ القوانينُ أوّلًا، بل المحبَّة، والحوار، والمرافقة.
قادَ إصلاحاتٍ شُجاعةً في الكوريا الرومانيّة، أعادَ ترتيبَ الأولويّات، وذكّرَنا أنَّ السُّلطةَ في الكنيسةِ هي خدمةٌ لا امتياز.
في رسالتِه البيئيّة Laudato Si'، دعا البشريّةَ إلى توبةٍ بيئيّة، مذكّرًا إنسانَ اليوم أنَّ الأرضَ بيتٌ مُشتَرَك يجبُ أن نَحميَه. وقفَ مع اللاجئين، ورفعَ الصوتَ في وجهِ الحروب والمجاعات، وقال للعالم: "لا يمكنُ أن نبنيَ سلامًا فوق الظُّلم."
زار أماكنَ لم يَزرْها بابا قبلَه، من العراق إلى أفريقيا، من أحياءِ الفقرِ إلى المنابرِ العالميّة، حاملًا حُلمَ الإنجيل.
لم يكنْ بابا الكاثوليك فقط، بل أبًا لكلِّ إنسان. فتحَ أبوابَ الحوارِ مع المسلمين واليهود والملحدين، ووقّعَ وثيقةَ "الأخوّة الإنسانيّة" في أبو ظبي، ليؤكِّد أنَّ الإيمانَ يجبُ أن يُوحِّدَ لا أن يُقسِّم.
تقرّبَ من الكنائسِ الأخرى، وسعى إلى وحدةِ الكنيسةِ بجسارةِ محبّة، لا بمنطقِ السُّلطة، ولا بالتخلّي عن أصالةِ الإيمانِ الكاثوليكي.
الصورةُ التي ستبقى في ذاكرتِنا، تلك التي ظهرَ فيها وحيدًا، تحتَ المطر، في ساحةِ القديس بطرس خلالَ جائحةِ كورونا، رافعًا القربانَ للعالمِ كلّه، في صمتٍ عميقٍ لا يحتاجُ كلمات.
كانت صلاتُه بسيطةً، صادقة، وكانَ يطلبُ دائمًا من الجميعِ أن يُصلّوا من أجلِه. في زمنٍ كثُرت فيه الأصوات، كان هو صوتًا يُصغي، لا يتكلَّم فقط.
إرثُ البابا فرنسيس ليسَ فقط وثائقَ ورسائل، بل أسلوبُ حياةٍ كنسيّ وروحيّ جديد: أسلوبُ التواضع، والقُرب، والرّحمة.
علَّمنا أنَّ الكنيسةَ ليست متحفًا للمقدّسين، بل مستشفىً للخطأة. وأنّه يُمكنُنا أن نُحبَّ الكنيسةَ رغمَ جراحِها، وأن نكونَ فيها شهودًا للرجاء، لا حرّاسًا على القوانين.
نُودِّعُه اليوم، لا كمن يُودِّعُ زعيمًا أو صاحبَ مقام، بل كمن يُودِّعُ أبًا غيّرَ وجهَ البيت. البابا فرنسيس زرعَ فينا حُلمًا لكنيسةٍ أكثرَ إنسانيّة، أكثرَ قربًا من الألم، أكثرَ شَبَهًا بيسوع.
لم يكنْ كاملًا، لكنَّه كان أمينًا. لم يدّعِ الكمال، بل طلبَ الرحمة. اليوم، ونحن نرفعُ صلاتَنا من أجلِ راحته، نشعرُ أنَّ رسالتَه لم تنتهِ، بل تبدأُ معنا.
فليمنحْنا الربُّ شجاعةَ التواضع، وفرحَ الإنجيل، وجرأةَ المحبّة، لكي نحملَ نحنُ أيضًا هذا النورَ فينا، ونمضيَ به إلى العالم، تمامًا كما أوصى يسوعُ القائمُ من الموتِ تلاميذَه:
"اذهبوا... وأنا معكم كلَّ الأيّام."
شكرًا أيُّها البابا المُزعج، شكرًا أيُّها المُثيرُ للجدل، لقد جسّدتَ في حياتِكَ صورةَ يسوعَ الحيّ، القريبِ من شعبِه، والحاضرِ في كنيستِه بأبهى صورة.
حسبَ التلميذُ أنْ يُشبَّهَ بمعلّمِه، على أنَّه معاشرٌ للزواني والخطأة... تَشفّعْ فينا من ملكوتِ يسوع، ونحن سنُصلّي كي يُظهِرَ اللهُ قداستَك قريبًا.
شكرًا، بابا فرنسيس... إلى اللقاء

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 14 ساعات
- ليبانون 24
قداس الشكر السنوي لرابطة كاريتاس
ترأس رئيس أساقفة أبرشية صور للموارنة المطران شربل عبد الله ، بدعوة من رابطة كاريتاس لبنان - إقليم صور، قداس الشكر السنوي في كنيسة سيدة البحار في صور، عاونه فيه رئيس رابطة كاريتاس الأب شربل عبود، ورئيس كاريتاس صور المونسنيور مارون غفري، والأبوان يعقوب صعب وريشار فرعون ممثلا راعي ابرشية صور للروم الملكيين المتروبوليت جورج اسكندر، وكاهن رعية الكتيبة الإيطالية في "اليونيفل"، بحضور قائد القطاع الغربي الجنرال الإيطالي نيكولا مندوليسي وضباط من "اليونيفيل" وشبيبة كاريتاس صور وحشد من ابناء الرعية . بعد القداس، ألقى عبد الله عظة قال فيها: " القيامة تحمل أولًا رسالة السلام. قال يسوع لتلاميذه: السلام لكم. هذا السلام هو ثمرة الانتصار على الموت، حيث غلب المسيح الموت والشيطان، ومنحنا الحياة الأبدية. سلام المسيح يفتح قلوبنا على السماء، لأن المؤمن لا يعيش فقط لزمن هذا العالم، بل يتوق إلى موطنه الأبدي. وبالتالي هذا السلام هو أيضًا سلام المصالحة، فقد صالحنا يسوع مع الآب ومع ذواتنا. من يمتلك سلام المسيح، يعيش بالنعمة ويطلب القداسة، إذ لا حياة مقدّسة خارج يسوع". أضاف: "المسيح دعانا للتوبة ومغفرة الخطايا. من تحرر من الخطيئة لا يعيش في خوف، بل في نور القيامة، أما من استعبدته الخطيئة، فهو في ظلمة وقلق.واشار البرّ ليس من الإنسان، بل من الله. لا نتبرر بأفكارنا، بل بأفكار المسيح وسلوكه، لأنه وحده يحررنا من الموت الثاني. وغاية الإيمان هي خلاص النفوس وهذا ما نبلغه بالإيمان بقيامة المسيح". وختم: "يسوع القائم من بين الأموات حاضر معنا، لا كذكرى، بل كشخص حيّ يحمل جراحه، ويهبنا سلامه الحقيقي". بعد انتهاء القداس القى الاب الروحي للكنيسة يعقوب صعب كلمة قال فيها: "نلتقي اليوم في هذا القداس لنتوجّه بشكرنا إلى الله، الذي يقودنا دومًا بمحبّته ورحمته، ويبارك مساعينا الإنسانية والروحية. نجتمع تحت جناح كاريتاس – هذه اليد الممدودة من الكنيسة إلى الإنسان المتألّم – لنرفع صلاتنا في ختام سنة من العطاء والتفاني، وفي انطلاقة حملة كاريتاس السنوية تحت شعار "إيمان إنسان لبنان"، هذا الشعار الذي يعكس التزامنا الثابت بخدمة الإنسان، أيقونة الله، في وطن يتوق إلى الرجاء والكرامة. بفرح كبير، نرحّب بيننا اليوم ، كما نوجّه تحيّة محبّة لكل من شارك من متبرّعين في حملة كاريتاس وشركاء، وأصدقاء، وإخوة في الرسالة.، فلنقدّم هذا القداس بنية الشكر والتضرّع، سائلين الرب أن يبارك هذه الحملة ويغدق علينا نعم الإيمان والثبات في خدمة الإنسان.معاً، نصلّي، نحبّ، ونعمل. ومعاً، على متابعة المسيرة" . بدوره ألقى الأب عبود كلمة باسم كاريتاس لبنان عبر فيها عن شكره وامتنانه. مستهلا كلمته بتوجيه الشكر إلى المطران شربل عبدالله "على حضوره الدائم ودعمه المستمر لكاريتاس"، مشيرًا إلى "دوره الريادي حين كان رئيسًا للإقليم"، ومؤكدًا أن "شهادته تعني الكثير ولا سيّما في ظل متابعته الحثيثة لقضايا الأبرشية خلال فترة الحرب". وحيا إقليم صيدا برئاسة المونسنيور مارون غفري وجميع أعضاء الإقليم، مثنيًا على "جهودهم المتواصلة ومتابعتهم الدقيقة لكل أعمال الإقليم، ولا سيّما خلال الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد". وأكد أن "كاريتاس بذلت كل ما بوسعها، بكل ما أوتيت من قوة، للوقوف إلى جانب أهل الجنوب بمختلف الطرق الممكنة". وفي ختام كلمته، شكر "اليونيفيل" الإيطالية على مشاركتهم في القداس، معتبرًا أن "دعمهم يشكل رسالة تضامن مهمة للبنان في كل لحظة. ومن خلالكم، أوجّه الشكر إلى الشعب الإيطالي وكل الجهات الراعية التي تقدم لنا المساعدة، ولا سيّما عبر كاريتاس إيطاليانا، في تأكيد دائم أن الشعب اللبناني ليس وحده، بل تحيط به أيادٍ ممدودة بالخير والمحبة". بعدها انتقل الحضور إلى صالون الكنيسة فأقيم حفل ضيافة.


بيروت نيوز
منذ 17 ساعات
- بيروت نيوز
دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: 'يأتي إنجيل أعمى أريحا في الأحد الأخير من الفترة الفصحية، وقبل عيد الصعود، ليعكس مفاعيل القيامة في البشرية جمعاء. لقد جعلت قيامة المسيح من بين الأموات الحياة حياة جديدة لا تعرف الفساد والموت، حياة خالية من الخطيئة ما دام الإنسان يطهر ذاته بالتوبة والغفران اللذين بهما يعيش المؤمن القيامة، إذ يدحرجان حجر زلاته وخطاياه عن قلبه، فتشتعل فيه مجددا شرارة نور القيامة ويشع من جديد. لقد ارتبطت الحياة بالنور منذ بدء الخليقة، وهذا ما نعبر عنه في مجتمعنا عندما يولد إنسان جديد، فنقول إنه «أبصر النور»، أي أبصر الحياة. من هنا، يكون العمى موتا. أعمى أريحا كان في الظلمة، في الموت، وبشفاء الرب يسوع له، أعيد إلى الحياة. هذه هي القيامة التي تعيدنا إلى الحياة بعد أن كنا تحت سلطان الموت. لا يعيش إنسان من دون علاقة مع الله. وحدها العشرة مع الإله المثلث الأقانيم تحيينا، لأنه الحياة ومصدرها ومحورها، فيه فقط «نحيا ونتحرك ونوجد» (أع 17: 28)، ووحده قادر أن يمنحنا الإستنارة'. أضاف: 'سمع هذا الرجل الأعمى الجمع مجتازا، فشعر بأن هناك أمرا غير اعتيادي. علم أن الرب يسوع عابر، ومع أنه لم يره بعينيه الجسديتين، ولم يعاين العجائب التي صنعها، إلا أنه آمن بأنه المسيا المنتظر، لأنه كان يعرف من نبوءات العهد القديم التي سمعها أن المسيا الآتي من نسل داود سوف يشفي أمراض البشر (إش 61: 1)، وهذا ما قرأه الرب يسوع من سفر إشعياء النبي في بداية مسيرته التعليمية قائلا: «روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر» (لو 4: 18). يعيدنا هذا الحدث إلى المعمودية، حيث الإنسان الموعوظ، الذي لم يقتبل المعمودية بعد، وما زال يتهيأ لها، هو كذاك الأعمى الذي لم ير الرب يسوع بعد، لكنه يسمع عنه في الوعظ والتعليم والقراءات الكتابية، فيؤمن به مخلصا وفاديا لحياته فيهتف نحوه: «يا يسوع ابن داود ارحمني» (18: 38). بعد اقتباله المعمودية يولد الموعوظ من جديد بالماء والروح، فتنفتح عيناه ويبصر وجه المسيح، فيتبعه مكرسا ذاته له، ويصبح له تلميذا يشهد للحق ويمجد الله الذي أقامه إلى قيامة حياة، فيؤمن آخرون بالمسيح ويأتي بثمار كثيرة وخراف إلى مائدة الملكوت'. وتابع: 'تمثل حادثة شفاء الأعمى حكاية كل إنسان مع الله. كلنا عميان بسبب خطايانا وزلاتنا، نتوه في برية عالم فاسد تشده الشرور والأنانيات من كل صوب، تشتته ذئاب المجتمعات التي تضلل تحت شعار الحرية والتحرر، فتضيع البوصلة الطريق الحقيقي. لكن رحمة الرب أوسع من الغمام، وهي تظلل طالبيها. ساعتئذ، يمد الله يده إلينا مجددا ويفتح بصيرتنا ونراه النور الوحيد، فيرشدنا إلى الطريق والحق والحياة. متى شع نور القيامة الذي لا يغرب في قلوبنا، ننطلق مبشرين به العالم أنه الإله الحقيقي مخلصنا الذي افتدانا بدمه الكريم عندما سمر على الصليب. نشهد له بإيمان توما الرسول ورجائه، وشجاعة النسوة الحاملات الطيب وصلابتهن، واندفاع المرأة السامرية، بلا خوف من العالم والمجتمع والناس، وإيمان الأعمى. بنور المسيح القائم وسكناه فينا تتجدد حياتنا فننال الفرح الذي لا يستطيع أحد، مهما قوي، انتزاعه منا'. وقال: 'إنجيل اليوم يعلمنا من خلال الحوار بين يسوع والفريسيين أن الخطيئة مرض يعمي البصيرة وهذا أخطر من عمى البصر. مع الفريسيين نتعرف على مأساة البشرية التي تتمسك بالقشور والمظاهر البعيدة عن محبة الله ورحمته. فعوض أن يفرحوا بشفاء الأعمى قالوا عن يسوع «هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت»، مدفوعين بحسدهم وحقدهم، عائشين في ظلمة روحية تمنعهم من رؤية الحقيقة ومعاينة نور الله'. وختم: 'يصادف اليوم أيضا تذكار وجود هامة السابق يوحنا المعمدان. لقد كان عمل المعمدان على الأرض تهيئة عيون البشر الجسدية والروحية لاقتبال نور المسيح المقبل إلى العالم ليخلص الجميع. كان يوحنا نورا يرشد الضالين إلى شمس العدل، لذلك يرمز إليه بالشمعة التي تسير أمام الإنجيل في الدورة الصغرى في القداس، لأنه هيأنا، بنور المعمودية، لاقتبال نور كلمة الله في قلوبنا، وحملها إلى العالم أجمع، بجرأة وثبات، مثله، غير هيابين قطع الهامات أو نخس الأجساد. لذلك، دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا، ونقتبل المسيح نورا لحياتنا، ونشع بهذا النور في العالم الذي أظلمته الخطيئة والحقد والشر، فننجو من شباك المحال(الشيطان) ونخلص الآخرين معنا، آمين. المسيح قام، حقا قام'.


المركزية
منذ 17 ساعات
- المركزية
عودة: دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يأتي إنجيل أعمى أريحا في الأحد الأخير من الفترة الفصحية، وقبل عيد الصعود، ليعكس مفاعيل القيامة في البشرية جمعاء. لقد جعلت قيامة المسيح من بين الأموات الحياة حياة جديدة لا تعرف الفساد والموت، حياة خالية من الخطيئة ما دام الإنسان يطهر ذاته بالتوبة والغفران اللذين بهما يعيش المؤمن القيامة، إذ يدحرجان حجر زلاته وخطاياه عن قلبه، فتشتعل فيه مجددا شرارة نور القيامة ويشع من جديد. لقد ارتبطت الحياة بالنور منذ بدء الخليقة، وهذا ما نعبر عنه في مجتمعنا عندما يولد إنسان جديد، فنقول إنه «أبصر النور»، أي أبصر الحياة. من هنا، يكون العمى موتا. أعمى أريحا كان في الظلمة، في الموت، وبشفاء الرب يسوع له، أعيد إلى الحياة. هذه هي القيامة التي تعيدنا إلى الحياة بعد أن كنا تحت سلطان الموت. لا يعيش إنسان من دون علاقة مع الله. وحدها العشرة مع الإله المثلث الأقانيم تحيينا، لأنه الحياة ومصدرها ومحورها، فيه فقط «نحيا ونتحرك ونوجد» (أع 17: 28)، ووحده قادر أن يمنحنا الإستنارة". أضاف: "سمع هذا الرجل الأعمى الجمع مجتازا، فشعر بأن هناك أمرا غير اعتيادي. علم أن الرب يسوع عابر، ومع أنه لم يره بعينيه الجسديتين، ولم يعاين العجائب التي صنعها، إلا أنه آمن بأنه المسيا المنتظر، لأنه كان يعرف من نبوءات العهد القديم التي سمعها أن المسيا الآتي من نسل داود سوف يشفي أمراض البشر (إش 61: 1)، وهذا ما قرأه الرب يسوع من سفر إشعياء النبي في بداية مسيرته التعليمية قائلا: «روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر» (لو 4: 18). يعيدنا هذا الحدث إلى المعمودية، حيث الإنسان الموعوظ، الذي لم يقتبل المعمودية بعد، وما زال يتهيأ لها، هو كذاك الأعمى الذي لم ير الرب يسوع بعد، لكنه يسمع عنه في الوعظ والتعليم والقراءات الكتابية، فيؤمن به مخلصا وفاديا لحياته فيهتف نحوه: «يا يسوع ابن داود ارحمني» (18: 38). بعد اقتباله المعمودية يولد الموعوظ من جديد بالماء والروح، فتنفتح عيناه ويبصر وجه المسيح، فيتبعه مكرسا ذاته له، ويصبح له تلميذا يشهد للحق ويمجد الله الذي أقامه إلى قيامة حياة، فيؤمن آخرون بالمسيح ويأتي بثمار كثيرة وخراف إلى مائدة الملكوت". وتابع: "تمثل حادثة شفاء الأعمى حكاية كل إنسان مع الله. كلنا عميان بسبب خطايانا وزلاتنا، نتوه في برية عالم فاسد تشده الشرور والأنانيات من كل صوب، تشتته ذئاب المجتمعات التي تضلل تحت شعار الحرية والتحرر، فتضيع البوصلة الطريق الحقيقي. لكن رحمة الرب أوسع من الغمام، وهي تظلل طالبيها. ساعتئذ، يمد الله يده إلينا مجددا ويفتح بصيرتنا ونراه النور الوحيد، فيرشدنا إلى الطريق والحق والحياة. متى شع نور القيامة الذي لا يغرب في قلوبنا، ننطلق مبشرين به العالم أنه الإله الحقيقي مخلصنا الذي افتدانا بدمه الكريم عندما سمر على الصليب. نشهد له بإيمان توما الرسول ورجائه، وشجاعة النسوة الحاملات الطيب وصلابتهن، واندفاع المرأة السامرية، بلا خوف من العالم والمجتمع والناس، وإيمان الأعمى. بنور المسيح القائم وسكناه فينا تتجدد حياتنا فننال الفرح الذي لا يستطيع أحد، مهما قوي، انتزاعه منا". وقال: "إنجيل اليوم يعلمنا من خلال الحوار بين يسوع والفريسيين أن الخطيئة مرض يعمي البصيرة وهذا أخطر من عمى البصر. مع الفريسيين نتعرف على مأساة البشرية التي تتمسك بالقشور والمظاهر البعيدة عن محبة الله ورحمته. فعوض أن يفرحوا بشفاء الأعمى قالوا عن يسوع «هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت»، مدفوعين بحسدهم وحقدهم، عائشين في ظلمة روحية تمنعهم من رؤية الحقيقة ومعاينة نور الله". وختم: "يصادف اليوم أيضا تذكار وجود هامة السابق يوحنا المعمدان. لقد كان عمل المعمدان على الأرض تهيئة عيون البشر الجسدية والروحية لاقتبال نور المسيح المقبل إلى العالم ليخلص الجميع. كان يوحنا نورا يرشد الضالين إلى شمس العدل، لذلك يرمز إليه بالشمعة التي تسير أمام الإنجيل في الدورة الصغرى في القداس، لأنه هيأنا، بنور المعمودية، لاقتبال نور كلمة الله في قلوبنا، وحملها إلى العالم أجمع، بجرأة وثبات، مثله، غير هيابين قطع الهامات أو نخس الأجساد. لذلك، دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا، ونقتبل المسيح نورا لحياتنا، ونشع بهذا النور في العالم الذي أظلمته الخطيئة والحقد والشر، فننجو من شباك المحال(الشيطان) ونخلص الآخرين معنا، آمين. المسيح قام، حقا قام".