logo
"اَلْخُطْبَةُ الْمُوَحَّدَةُ" وَالْأَئِمَّةُ الْخَوَارِجُ!

"اَلْخُطْبَةُ الْمُوَحَّدَةُ" وَالْأَئِمَّةُ الْخَوَارِجُ!

لكم١١-٠٦-٢٠٢٥

عبارة 'الخوارج' أضحت، في عصرنا الراهن، وَسْماً يطلق على كل مخالف، وإن كان خلافه على قاعدة الخلاف الشرعي الذي لا يفسد للود قضية. فقد أصبحنا نسمع، من أفواه، وعلى ألسنة، الكثير من الدعاة والعلماء والحكام، هذا الوسم يطلقونه على عواهنه دون اعتبار لخطورة حمولته العقدية التي قد تصل إلى درجة التكفير (فالخوارج يُطلق عليهم أيضًا المُكفرة أو المارقة).
والخوارج، تاريخيا، من الفرق الضالة التي عاثت في الأمة الإسلامية، فسادا، وفتنة، وإرهابا. وقد عرفت أولى بوازغها في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – مع ذي الخويصرة الذي اعترض على قسمته- صلى الله عليه وسلم – للغنائم. واستمرت تتمدد بالفتنة حتى بلغ شأوُ طغيانها اغتيال رابع الخلفاء الراشدين علي كرم الله وجهه ورضي عنه، بعد أن هزمهم في معركة النهروان.
وليست مناسبة هذا الكلام، وفصُّهُ، سوى ما 'زَلَّ' به لسان وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد التوفيق الذي وسم الرافضين لخطبته الموحدة بالخوارج، في إشارة إلى خروجهم عن إجماع ما عليه أئمة وخطباء المساجد من الالتزام الحرفي بمضمون 'الخطبة الموحدة'، والذين يمثلون، حسب ما صرح به، 97% في مقابل 3% المتبقية ممن وسمها بالخوارج، والفئة الشاردة التي لا تأثير لها. مما أثار عليه زوبعة من السخط، في المنابر الإعلامية، والصالونات العلمية والثقافية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، أدهى وأشرس من الزوبعة الإعلامية التي أثيرت حول خرجته التي وسم فيها المغرب بالدولة العلمانية.
لقد سبق لنا أن كتبنا مقالا (*) حول الخطبة الموحدة المفروضة في إطار تنزيل خطة تسديد التبليغ، انتقدنا فيه لجوء الوزارة إلى هذا النوع من التنميط الذي قد يفقد خطبة الجمعة دورها الديني والاجتماعي في معالجة أقضية وقضايا تختلف من مدينة إلى أخرى، ومن حي إلى سواه، مما يُحْوِجنا إلى خطب جمعة متعددة بتعدد المواقع، وباختلاف القضايا الواقعة أو المتوقعة في هذا الموقع عن تلك الواقعة أو المتوقعة في غيره. واعتبرنا هذا التنميط عامل هدم سيأتى على هذه الشعيرة من القواعد.
مباشرة بعد الجلبة التي عرفها المغرب الديني والثقافي والإعلامي، والتي وصلت أصداؤها إلى خارج المغرب، استدرك المجلس العلمي الأعلى هذا الأمر بتقديم توضيح حول هذه الخطبة؛ حيث اعتبرها خطبة مقترحة وغير ملزمة. وهو التوجيه/التوضيح الذي جعل بعض الأئمة، الذين وسمهم السيد الوزير، في خرجته الأخيرة، بالخوارج، يواصلون تقديم الخطبة بشكلها القديم دون الالتزام بالوارد بالخطبة الموحدة التي يتوصل بها جميع خطباء الجمعة على مستوى التراب الوطني. فقد وجدوا في هذا التوضيح الموجه للرأي العام الغاضب مندوحة للاستعاضة عن هذه الخطبة بخطبهم المختارة التي تعالج الكثير من قضايا الواقع المعيش للمصلين ممن يجدون فيها سلوتهم وشفاءهم. غير أنه مع توالي الجُمَعِ، وظهور انخراط أغلب الائمة في الالتزام الحرفي بالخطبة الموحدة، بدأنا نسمع أن هذا التوضيح ليس سوى ذر للرماد في العيون، وأن القرار الداخلي بالوزارة، لم يتغير، وأن إلزامية هذه الخطبة الموحدة أمر لا تراجع عنه. وأن الإخلال به، يعد جنوحا عن السرب، قد تترتب عليه جزاءات. مما دفع بجمهرة غفيرة من الأئمة، حتى الذين حادوا، بادي الأمر، عن الالتزام بالخطبة الوزارية، إلى الاكتفاء بهذه الخطبة 'العصماء'(!) التي تأتيهم كل يوم خميس أو قبل ذلك، يتلونها حق تلاوتها، ومنهم من يضيف إليها بعض التوضيحات الطفيفة، ومنهم من وجد فيها الملاذ الآمن من كل مساءلة، بعد أن كانت فرائصه ترتعد كلما 'زل' لسانه بكلام قد يقلق من بيدهم زمام الأمور. فلم يكن يجد ما يحدث به كل يوم جمعة، مما قد يقيه المساءلة، سوى مواضيع، الوضوء والطهارة، والحج، والصلاة، أما غيرها من 'المحظورات'/ المطلوبات لدى المصلين (الفساد بأنواعه، والظلم بأنواعه، والربا، والزنا، والخمر، والسفور، والإلحاد، والغلاء، والصحة، والتعليم، وفلسطين، وغزة، والصهاينة،…) ، فلا يقرب ناحيته إلا نادرا. أما الآن، فقد كفته الوزارة، بهذه الخطبة 'الآمنة'، شر الحديث 'فيما لا يعنيه' !!، وتكئة لتبرير نكوصه عن الاستجابة لمطلوبات المصلين. وكأن لسان حاله يقول لمن يستمع لخطبته/ خطبتهم الموحدة: ما في يدي حيلة، انا موظف مأمور؛ قيل لي : اقرأ، فقرأت. وكفى الله المؤمنين أثافيَ القتال!.
إن وسم أئمة الجمعة، ممن ينوبون عن الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – بالخوارج، فقط لأنهم استعاضوا عن خطبة رسمية إلى غيرها مما يدخل في صميم قناعات المغاربة المذهبية؛ لَيُعدُّ مؤشرا خطيرا على عدم ثقة الوزارة الوصية في علمائها ووعاظها، وتوجسا لا مبرر له من انفراط الجسم الوعظي، الذي حرصت الوزارة على تكوينه، وإجازته، من خلال معاهد ومراكز الإرشاد الديني، إلى الاستغلال الأهوج لمنبر الجمعة لغير ما وضع له، رغم أن الرقابة على ما يقدم خلال هذه الخطب لم تتوقف يوما. كما أن لجوء الوزارة إلى ترتيب الجزاءات الضبطية على كل انحراف، أو جنوح، واقع أو محتمل، من هذا الفقيه أو ذاك، ليجعلنا نتساءل عن الخلفية الحقيقية الثاوية وراء الإصرار على الإلزام بهذه الخطبة الموحدة: هل هو فقط تدبير وعظي، إرشادي، يبغي توحيد التوجيه الديني وفق آلية منهجية تعليمية تروم تعريف المغاربة بدينهم وفق مبدأي الوسطية والاعتدال؟. أم هو تدبير استراتيجي ممنهج يؤسس لنشر طريقة لتدين معتدل جدا، ومتسامح حدَّ الميوعة، ومطبع بالمطلق مع كل المظاهر المرفوضة اجتماعيا، وثقافيا، واقتصاديا، إما بتغييبها بالمرة، وهو الظاهر في الخطب التي توالت منذ الجمعة الأولى لتنزيل هذه الخطة، حيث اكتفت بمواضيع جافة لا علاقة لها بواقع المغاربة الاجتماعي، والثقافي، والمعيشي، ولا بانتظاراتهم الدينية. أو بالسعي إلى نشر ملامح جديدة لدين دَرْوَشي جامد و'مُعَلْمَن'، لا علاقة له بالحياة، ولا يفيد في ربط العبد/المواطن بآخرته ولا بدنياه، في أفق ترسيخ هجرة طوعية نحو 'عقائد' جديدة أكثر انفتاحا وتحررا؟ !!.
إن هذا التركيز المبالغ فيه على تنفيذ توجيه الوزارة القاضي بإلقاء خطبة رسمية موحدة، وتحريم الخروج عنها، أو الاجتهاد فيها، كأنها قرآن منزل، حتى من قبل الأئمة العلماء، والدكاترة الأفذاذ، الذين يفوقون واضعي هذه الخطبة علما، والتزاما، وتشبتا بالمذهب المالكي،… ، تحت طائلة التعرض للمساءلة، أو النعت بالخوارج؛ ليُعَدُّ أمرا مستغربا حقيقة، إن لم يكن مستنكرا. اللهم إن كان لصناع القرار الديني في هذا البلد مخططا أكبر من هذه الخطة، يركن الدين إلى زاوية القناعة الرسمية، ويعتبر ما سواها من الاجتهادات، والأفكار، والرؤى، التي تصدر عن ذات المذهب، مروقا، وزندقة، وإن شهدت لها النصوص، وأثبتتها المصادر.!
دمتم على وطن.. !!
————-
(*) 'وفي محاولة لحصر الخطاب الديني الوعظي بعيدا عن الهم اليومي للمواطنين، ونأياً له عن الخوض في الانزلاقات الأخلاقية، والاجتماعية، والفكرية، والثقافية، التي يضِجُّ بها الوطن، والتي يعتبر التنبيه عليها، والوعظ فيها، أحد أهم مقاصد خطبة الجمعة، وأحد أهم مسؤوليات من ينوب عن الرسول – صلى الله عليه وسلم-، قررت الوزارة الوصية قرارها الغريب والعجيب، والذي لقي انتقادات واسعة، وغير مسبوقة، عبر وسائط التواصل الاجتماعي، من كل تلوينات المجتمع المغربي؛ الإعلامية، والفكرية، والثقافية، فضلا عن الدينية، والتي أجمعت على أن هذا الحصر الحاصر لخطبة الجمعة في شكل واحد ووحيد، تحجيم لحرية تعبير الأئمة، والخطباء، وضرب صارخ لحق المواطنات والمواطنين، من المسلمات والمسلمين، في معرفة رأي الدين وحكمه في قضايا وأقضية تهم واقعهم المعيش الذي يختلف من مدينة إلى أخرى، ومن قرية إلى أخرى، ومن مدشر إلى آخر،… ويجعل من توحيد الخطبة عبثا لا يفيد، وحضورا مُمِلا لا ينهض بتحقيق الغاية الأسمى من هذه الشعيرة الأسبوعية الفريدة التي يتشوف لها المسلمون كل يوم جمعة، ويعدون لها العدة؛ اغتسالا، ولباسا، وتبكيرا،.. ورغبة جامحة في سماع جديد الخطبة…' (مقتطف من مقالنا: )

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بمناسبة حلول العام الهجري الجديد.. الملك يهنئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية
بمناسبة حلول العام الهجري الجديد.. الملك يهنئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية

كواليس اليوم

timeمنذ ساعة واحدة

  • كواليس اليوم

بمناسبة حلول العام الهجري الجديد.. الملك يهنئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية

و م ع بمناسبة حلول العام الهجري الجديد، بعث أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، بطاقات تهنئة إلى أشقائه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية، ضمنها أطيب تهاني ومتمنيات جلالته، مقرونة بدعائه لله تعالى بأن يهل عليهم هذا العام المبارك بدوام الصحة والعافية والهناء.

في أول كلمة إلى الشعب الإيراني بعد الحرب..خامنئي يشيد بـ"انتصار" بلاده
في أول كلمة إلى الشعب الإيراني بعد الحرب..خامنئي يشيد بـ"انتصار" بلاده

بلبريس

timeمنذ 2 ساعات

  • بلبريس

في أول كلمة إلى الشعب الإيراني بعد الحرب..خامنئي يشيد بـ"انتصار" بلاده

بلبريس - ياسمين التازي أشاد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بـ "انتصار" إيران على إسرائيل، وذلك في كلمة متلفزة إلى الشعب الإيراني هي الأولى بعد إعلان انتهاء الحرب مع الدولة العبرية، والتي استمرت 12 يوما. وقال خامنئي إن الولايات المتحدة "لم تحقق أي إنجاز من هذه الحرب"، وإنها دخلت الحرب "لأنها شعرت أنها إذا لم تفعل ذلك فستدمَر إسرائيل بالكامل". وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترامب "بالغ" في تأثير الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية، قائلا إن ترامب كان بحاجة إلى القيام "باستعراض" وإن إيران وجهت "صفعة قاسية" لواشنطن. وهدد الزعيم الإيراني بضرب القواعد الأمريكية مرة أخرى في حال تعرض بلاده إلى هجوم، مؤكدا أن إيران "لن تستسلم قط" للولايات المتحدة. واعتبر المرشد، في رسالة أوردتها وسائل الإعلام الرسمية، أن "الكيان الصهيوني قد انهار وسحق تقريبا تحت ضربات الجمهورية الإسلامية". وتابع بالقول إن ترامب "كشف الحقيقة وهي أن أمريكا لن ترضى إلا باستسلام إيران"، مشددا على أن "الاستسلام أمر لن يحدث أبدا فأمتنا قوية". البيت الأبيض: تصريحات خامنئي غايتها "حفظ ماء الوجه" واتهم البيت الابيض الخميس آية الله علي خامنئي بمحاولة "حفظ ماء وجهه". وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت خلال إحاطة صحافية: "شاهدنا فيديو آية الله، وعندما يكون لديك نظام شمولي، عليك أن تحافظ على ماء الوجه". نتانياهو يؤكد مواصلة العمل مع ترامب "لهزيمة الأعداء المشتركين" ومن جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الخميس إنه سيواصل العمل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لهزيمة أعدائنا المشتركين، وتحرير رهائننا، وتوسيع دائرة السلام بسرعة".

البيت الأبيض يهاجم خامنئي بعد ضربات إيران النووية
البيت الأبيض يهاجم خامنئي بعد ضربات إيران النووية

المغرب اليوم

timeمنذ 3 ساعات

  • المغرب اليوم

البيت الأبيض يهاجم خامنئي بعد ضربات إيران النووية

اتهم البيت الأبيض علي خامنئي بمحاولة "حفظ ماء وجهه"، بعد أن قلل المرشد الإيراني من تأثير الضربات الأميركية على منشآت إيران النووية. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، خلال إحاطة صحافية بعد أول ظهور لخامنئي منذ الضربات العسكرية الأميركية: "شاهدنا فيديو آية الله، وعندما يكون لديك نظام شمولي، عليك أن تحافظ على ماء الوجه". وكان خامنئي، قال الخميس، إن الولايات المتحدة "لم تحقق أي إنجاز" في الضربات التي شنتها على إيران خلال الحرب بينها وبين إسرائيل. مؤكدا أن إيران وجهت "صفعة على وجه أميركا". واعتبر خامنئي في تصريح متلفز، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان "بحاجة إلى القيام "باستعراض"، مشيرا إلى أن واشنطن بالغت في تصوير نتائج هجماتها على المنشآت النووية الإيرانية، وقال: "واشنطن "تضخّم" من أهمية هجماتها على منشآتنا النووية وقد وجهنا صفعة قوية لها". وأشار إلى أن بلاده أثبتت قدرتها على استهداف القواعد الأميركية في المنطقة، مشيراً إلى أن الهجوم على قاعدة "العديد" خلّف أضرارا بالغة. وتابع: "أي استهداف لإيران سيقابل بتكرار استهداف القواعد الأميركية". وقال خامنئي، إن "أي عدوان في المستقبل على إيران سيكون ثمنه فادحا"، مضيفاً أن القوات المسلحة الإيرانية "نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية المتعددة الطبقات، ووجهت ضربات إلى مناطق عسكرية وحضرية داخل إسرائيل". وأضاف المرشد الإيراني أن الضربات التي نفذتها إيران "دمرت القدرات العسكرية الإسرائيلية"، مؤكدا أن تل أبيب "لم تكن تتصور إمكانية تلقي مثل هذه الضربات القاسية من طهران".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store