logo
حُسنُ الإصغاء كأداة لحل الصراعات: المآلات الإستراتيجيّة للنزاعات في المجتمعات الانقساميّة..

حُسنُ الإصغاء كأداة لحل الصراعات: المآلات الإستراتيجيّة للنزاعات في المجتمعات الانقساميّة..

إيطاليا تلغراف٢٥-٠٤-٢٠٢٥

إيطاليا تلغراف
* الدُّكتُور عَبْدُ اللَّهِ شَنْفَار
إحدى المهارات القياديّة التي تتطلبها المرحلة السياسيّة الراهنة في المغرب؛ هي الإصغاء. فليس الإصغاء مجرد ترف أو سلوك اجتماعي، بقدر ما هو إستراتيجيّة سياسيّة تساهم في تخفيف حدة الصراعات وتوجيه الأزمات إلى حلول عمليّة.
هذا، وقد أشار (هنري كيسنجر)، الدبلوماسي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى أهمية حُسن الإصغاء في القيادة، قائلاً: 'لقد كان (الشاه محمد رضا، وكان آخر شاه (ملك) يحكم إيران قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979،) قائدًا يُحسنُ الإصغاء.'
هذه المقولة، التي قد تبدو غريبة في السياق العام السياسي الإيراني، تحمل في طياتها درسًا عميقًا حول دور الإصغاء في القيادة السياسيّة، حتى في الظروف المعقدة.
* فن الإصغاء في ظل الأزمات السياسية:
في المغرب، كما في العديد من الدول العربيّة، يعاني الفضاء السياسي والاجتماعيّ والثقافي، من تحديات كبيرة بسبب غياب الإصغاء الفعّال بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمثقفين. فغالبًا ما تتحول المعارك السياسيّة إلى صراعات حادة تفتقر إلى الحوار البناء، ويغيب فيها الاستماع إلى الآراء المتنوعة. نجد هذا جليًا في التفاوت الكبير بين الأحزاب السياسيّة والنقابات والهيئات في رؤاها حول النموذج التنموي أو الهوية الثقافيّة أو المواقف الاجتماعيّة.
إذا كانت السياسة المغربية اليوم تشهد حالة من الاستقطاب الحاد بين مختلف القوى السياسيّة، فذلك يعود إلى غياب ثقافة حُسْن الإصغاء بين الأطراف المختلفة، مما يؤدي إلى تعميق الهوة بين المعارضة و الأغلبية، ويزيد من حدة التوترات السياسيّة. وإذا ما أردنا تجاوز هذه التوترات، سيكون الإصغاء هو الأداة الفعالة التي تسمح بتفعيل الحلول التوافقيّة.
* حُسْنُ الإصغاء كمفتاح لحل الأزمات الكبرى:
عندما نعود إلى تجربة الشاه محمد رضا، على الرغم من كونها مثيرة للجدل، نجد أن قدرته على الاستماع كانت أحد الأسباب التي جعلت من إيران تحت حكمه الذي استمرّ أزيد من ثلاث عقود، (من سنة 1941 إلى سنة 1979.) واحدة من القوى الإقليميّة الكبيرة، رغم القمع السياسي والاضطهاد الذي مارسته السلطة ضد المعارضة. لكن الإصغاء لا يعني بالضرورة القبول بكل الأفكار المطروحة، بل هو أداة للتكيف و المناورة السياسيّة.
في المغرب، إذا استطاع القادة السياسيّون الاستماع إلى آراء جميع الأطراف السياسيّة والاجتماعيّة، وخاصة المعارضة، فإن ذلك سيؤدي إلى إصلاحات جذريّة حقيقيّة وتفعيل العدالة الاجتماعيّة. والإصغاء لا يتعلق فقط بالاستماع للنقد، بل أيضًا بفهم المواقف المتباينة والقدرة على اتخاذ قرارات إستراتيجيّة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الجميع.
* حُسْنُ الإصغاء والنموذج التنموي:
نستحضر مثلاً من خلال قراءة المقترحات السياسيّة حول النموذج التنموي في المغرب، نلاحظ التباين الكبير بين الأحزاب السياسيّة حول القيّم والحريات. فبينما تركز بعض الأطياف السياسيّة على الحريات الفرديّة والتحديث الاجتماعي، نجد آخرين متمسكين بالقيّم الدينيّة والاجتماعيّة التقليديّة. هذه الخلافات ليست مجرد صراع حول المناصب، بل هي صراع فكري حول رؤية المستقبل.
إن الإصغاء بين هذه الأطراف قد يكون السبيل الوحيد إلى حل الخلافات وتقديم تسويات حقيقيّة تقود إلى توازن سياسي يتجاوز الحساسيّات التاريخيّة والجغرافيّة.
إذا كانت السياسة المغربية تُعاني من الاستقطاب والتباعد الكبير بين الفرقاء، فإن الإصغاء المتبادل قد يعيد التوازن إلى النظام السياسي ويُسهم في استقرار المجتمع على المدى الطويل.
* الاستماع إلى نبض الشعب والتفاعل مع تطلعاته:
وفي سياق أعمق، علينا أن نتذكر أن الإصغاء لا يقتصر فقط على القوى السياسيّة، بل يشمل الاستماع إلى تطلعات الشعب، الذي يعاني من الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة. ويتطلب الأمر قادة سياسيّين لديهم القدرة على الاستماع إلى معاناة الناس وفهم التحولات الاجتماعيّة التي تحدث في المجتمع. هذا الإصغاء الشعبي سيُمكن القادة من تصميم سياسات عامةً وعموميّة وقطاعيّة، أكثر توافقًا مع احتياجات ومتطلبات قضايا الشعب.
* الخلاصة:
إن الإصغاء في السياسة ليس مجرد أداة دبلوماسيّة أو سمة شخصيّة للقادة، بل هو ضرورة إستراتيجيّة لاحتواء الصراعات السياسيّة وتحقيق التسويات بين الأطراف المتباينة.
وإذا كانت المعارك السياسيّة في المغرب، كما في العديد من دول العالم، قد طال أمدها بسبب الاستقطاب والتجاهل المتبادل، فإن حُسْن الإصغاء قد يكون الحل الأمثل لتجاوز هذه التحديات وفتح آفاق جديدة للتفاهم والتعاون بين القوى المختلفة.
إيطاليا تلغراف

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وهْم الكثرة ومِعيار الحق: بين صخب الجماهير وصمت الفاعلين..
وهْم الكثرة ومِعيار الحق: بين صخب الجماهير وصمت الفاعلين..

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 4 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

وهْم الكثرة ومِعيار الحق: بين صخب الجماهير وصمت الفاعلين..

إيطاليا تلغراف * الدُّكتُور عَبْدُ اللَّهِ شَنْفَار – مفهوم 'الكثرة' أو الأكثريّة ومكانتها في الوعي الجمعي.. في مشاهد متكررة من ذاكرة الوعظ والإرشاد والسياسة والفن؛ نسمع ونرى الآلاف يحتشدون لسماع خطب هذا الشيخ أو الهتاف بحياة جمال عبد الناصر، أو التماهي مع فنانين وفنانات. وفي الظاهر، قد تبدو هذه الكثرة مؤشراً على القبول والنجاح، وربما حتى على 'الحقّانية' الجماهيريّة. لكن، هل الكثرة دليل صواب؟ وهل العدد يحسم المعنى؟ 1. الكثرة ليست حجة: تأملات في شعبويّة العدد ومقاييس الفعل الحضاري.. نجد في المقابل، حين يلقي مفكر استراتيجي محاضرة، أو يتحدث أحد العلماء العقلانيّين، فإن قاعة المحاضرات غالباً ما تكاد تكون شبه فارغة، أو لا يتجاوز الحضور أصابع اليد. هنا تبدأ المفارقة الكبرى: قلة لا تعني بالضرورة ضعف الرسالة، كما أن الكثرة لا تُزكّي مضمونًا. 2. الكثرة ليست معيارًا للصواب، بل مرآة للتشابه فقط.. الصحيح أن الكثرة أو القلة ليستا معيارًا للحقيقة أو الخطأ، بل هما انعكاس لدرجة مدى انسجام الخطاب مع ذوق الجمهور والاتباع ووعيهم. فالاتباع والجماهير، تميل غالبًا لمن يشبهها في اللغة والانفعال والسرديّة، وليس لمن يُشاكلها في التفكير والتأمل والوعي الحضاري. وقد يكون الخطاب الحق عميقًا في مغزاه، صعبًا على الذوق الشعبي، فلا يُستقبل بكثافة، بل يُهاجره الناس كما هاجروا كثيرًا من الأنبياء والرسل؛ واعتبروهم سحرة وكذابين (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ؛ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ.) 3. القرآن وحقيقة الكثرة: نعث القرآن الكريم الأكثريّة بصفات سلبيّة متكررة، منها: لا يعلمون؛ لا يسمعون؛ لا يعقلون؛ لا يؤمنون! لا يشكرون! ضالُّون؛ غافلون! يبغون! معرضون؛ مشركين! يجهلون! مشركون؛ يظنون! للحق كارهون! أضلُّ السبيل! (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.) فهي كثرة لا قيمة لها، لأنها تفتقد البوصلة، وتضل الطريق، وتُعرِض عن المعنى وتستهين بالعمق. 4. من الكثرة إلى الفاعلية النوعية: ولذلك، فإن المطلوب ليس مجرد تجميع الحشود من الاتباع والجمهور، بل المطلوب هو صناعة 'الكم الفاعل'؛ الفئة القليلة التي تحمل الوعي وتزرع البصيرة وتحدث الأثر. هؤلاء هم الذين يصنعون التحول في الحضارة ويصنعون التاريخ. هم الذين يُحدثون الفرق، وليس الجماهير التي تهتف اليوم وتنسى غدًا. * خلاصة: لا تغترّ بالعدد، بل قم بفحص وتشخيص المضمون: لا تجعل الكثرة غايتك ولا معيارك، فإن طريق الحق وعرٌ وصعب، ولا تسلكه الجموع. وليكن سؤالك دائمًا: ما هو مضمون الخطاب؟ وما أثره وجدواه الحضاري؟ لا: كم عدد الحاضرين؟ ولا: من الأكثر شهرةً؟ فـ'الحق لا يُعرف بالرجال، ولكن يُعرف الرجال بالحق'. إيطاليا تلغراف

سمعة تونس في الخارج!
سمعة تونس في الخارج!

إيطاليا تلغراف

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

سمعة تونس في الخارج!

محمد كريشان نشر في 13 مايو 2025 الساعة 22 و 41 دقيقة إيطاليا تلغراف محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي «ما الذي يجري عندكم في تونس ؟!».. في نوع من البهتة، يسارع كثر إلى هذا السؤال ظنا منهم أنك قد تكون من بين من يُفترض أنهم على اطلاع أوسع من غيرهم بحقائق الأمور هناك، بل وقد يطرح السؤال نفسه بلهفة أكبر بين التونسيين أنفسهم في محاولة للفهم غالبا ما تنتهي بمزيج قاس من المرارة والفشل: مرارة استعراض العبث الجاري هناك، وفشل العثور على بصيص نور في نهاية هذا النفق. الصحافة العربية والدولية وشبكات التلفزيون العالمية لم تقف عند هذا الحد، فقد استقرت لديها، تدريجيا وبشكل متصاعد، صورة سلبية للغاية عن تونس وحاكمها، تسندها في كل مرة ما تقوله المنظمات الدولية عن واقع الحريات وحقوق الانسان، وما تورده التقارير الاقتصادية عن حال البلاد والعباد، وما تعبّر عنه نخبة البلاد السياسية والاجتماعية بخصوص حالة اختناق لا أحد يدري متى تنتهي. في كل ما يكتب ويقال اليوم عن تونس في مختلف المنابر العالمية، لا شيء إيجابيا على الاطلاق!! ما من صحيفة أو مجلة أو إذاعة أو تلفزيون تطرّق إلى الشأن التونسي إلا ووجد من المعطيات الصارخة ما يؤثث به صورة سلبية للغاية عن الكيفية التي تدار بها البلاد حاليا على أكثر من صعيد.. فهل كل ذلك افتراء وتجن؟! بالتأكيد لا. لا شيء يرفع صورة أي دولة في الخارج ويجمّلها إلا ما يفعله القائمون على شؤونها في الداخل في المقام الأول، ولا شيء يشينها ويشوّهها سواه، ولا فائدة هنا في اجترار حديث سمج مفاده أن الدوائر الأجنبية لا تضمر لنا خيرا ومغتاظة من سياستنا المرتكزة على السيادة الوطنية واستقلال القرار، أو أن لوسائل الاعلام الدولية أجندة غير عادلة في تقييم ما يجري في هذا العالم ففي هذا الكلام بعض الحق الذي يراد به كل الباطل. لقد مرت سمعة تونس العالمية بمراحل مد وجزر طوال العقود الماضية كانت أبهاها في السنوات الأولى بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وبروز اسم الحبيب بورقيبة زعيما كبيرا تكاد البلاد لا تُعرف إلا به، وكذلك في السنوات الأولى بعد ثورتها على نظام زين العابدين بن علي عام 2011. من الصعب، على سبيل المثال لا غير، أن ننسى تلك الزيارة التاريخية التي أدّاها بورقيبة إلى الولايات المتحدة في مايو/ أيار 1961 وفيها حظي باستقبال حار للغاية سواء من الرئيس جون كينيدي أو من عشرات الآلاف الذين خرجوا لاستقباله في شوارع وشرفات مدينة نيويورك. من الصعب كذلك أن ننسى ما حظيت به تونس من صيت عالمي حين خاطب الرئيس محمد منصف المرزوقي البرلمان الأوروبي في فبراير/ شباط 2013، أو حصول 4 منظمات تونسية على جائزة نوبل للسلام عام 2015، أو حين حضر الرئيس الباجي قايد السبسي قمة الدول السبع في إيطاليا في مايو/ أيار 2017. من أوجز وأوجع ما كتب عن تونس مؤخرا ما جاء في مقال بصحيفة «الشرق الأوسط» للكاتب اللبناني المعروف سمير عطاء الله في عموده اليومي المواظب عليه منذ 1987 حين كتب في 12 مايو/ أيار الحالي تحت عنوان «التونسية في السجن» أن « تونس كانت بعيدة عنا جغرافياً، وصلاتنا معها قليلة، وليس بيننا، على سبيل المثال، طيران مباشر. لكن بورقيبة أتقن كيف يجعل كل الدنيا قريبة من تونس. وفي الداخل أقام حكماً راقياً وعادلاً، وجعل التعليم إلزامياً. ولم تكن تونس دولة غنية، لكنها كانت دولة محترمة (…) وجاء من بعده زين العابدين بن علي، فلم يكن ممكناً أن يكون بورقيبة آخر، كما أنه أُحيط بحاشية أفسدت عليه الحكم. لكن بناء الدولة بقي قائماً (…) ثم مضى وقت وتونس لم تعد تونس. وفي كرسي بورقيبة، بعد 60 عاماً، حلّت أمزجة متوترة، وقلوب غاضبة، وتسامح قليل، وإدارات لا تعرف كيف تستقر على سكة الحكمة». وأضاف الكاتب، وكأنه يعتذر عن أنه اضطر للكتابة عن تونس، خاصة بعد ما تم الزج بنساء تونسيات في السجون، لأنشطتهن الاجتماعية السلمية أو لآرائهن السياسية، بعد أن كانت البلاد نفسها تفخر بمكاسبها المختلفة في مجال المرأة، بأنه «منذ سنوات وأنا أمنع نفسي عن الكتابة في الشأن التونسي، لأن معرفتي به لا تؤهلني، ولذلك، وفي الآونة الأخيرة، تكاثرت وتراكمت وتفاقمت السياسات المسيئة لسمعة الدولة، التي كانت نموذجاً ذات يوم». موجعة للغاية تلك الإشارة بأن تونس زمن بورقيبة «لم تكن غنية لكنها كانت دولة محترمة»، وبأن في زمن بن علي «بناء الدولة بقي قائما»، مع ما يعنيه ذلك للأسف بأنها اليوم لم تعد لا هذه ولا تلك. كلام يبقى مع ذلك أقل بكثير مما يقال اليوم في كبريات الصحف والمجلات العالمية مما رسّخ صورة قاتمة عن هذا البلد في محنته الحالية. ومع ذلك، ما من شيء يدل على أن القوم هناك مستعدّون لمراجعات تفرضهما المصلحة والحس السليم معا، قبل أن تقتضيها أصول السياسة في حدّها الأدنى. السابق اليوم العالمي للممرض التالي دجوكوفيتش ينفصل عن موراي بعد فترة قصيرة من تعاونهما

أبرز الملفات الحرجة في أول لقاء بين ترامب وأردوغان
أبرز الملفات الحرجة في أول لقاء بين ترامب وأردوغان

إيطاليا تلغراف

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • إيطاليا تلغراف

أبرز الملفات الحرجة في أول لقاء بين ترامب وأردوغان

إيطاليا تلغراف كمال أوزتورك كاتب وصحفي تركي كان أمام الزعيمين قائمة بالمواضيع التي سيتم مناقشتها خلال الاتصال الهاتفي. عادةً ما تُعدّ مكاتب الرؤساء هذه القوائم وفقًا لأهمية الموضوع، وتُقدَّم تحت عنوان 'ملاحظات الاجتماع'. كما تُدرج مواضيع أخرى تحت عنوان 'إذا تبقّى وقت'، لتُناقش في حال الانتهاء من القضايا ذات الأولوية. عادةً ما تُبلَّغ المواضيع الحرجة للطرف الآخر مسبقًا، برسالة مفادها: 'رئيسنا يعتزم طرح هذا الموضوع بهدف إيجاد حل'، فيتم إعداد إجابات وتحضيرات داخل المكتب المقابل. أولويات الزعيمين من الطبيعي أن تختلف الأجندة الأميركية عن التركية، لكن هناك نقاط تقاطع مشتركة في اهتمامات البلدين. الملف الأول على قائمة الزعيمين كان إحياء العلاقات التركية- الأميركية وتعزيزها. فقد كانت العلاقات خلال فترة بايدن متوترة وباردة للغاية، ولم يحدث أي لقاء وجهًا لوجه بين بايدن وأردوغان. كما اتخذت إدارة بايدن عدة قرارات تعارضها تركيا بشدة، مما زاد من تدهور العلاقات. منذ تسلّمه السلطة، يثني ترامب علنًا على أردوغان، ويؤكد أهمية تركيا ودورها، ويتبادل الطرفان خطوات ومجاملات لإصلاح العلاقات الثنائية. سفير صديق لتركيا أثناء مكالمة أردوغان وترامب التي استغرقت نحو ساعة ونصف، وصل السفير الأميركي الجديد إلى أنقرة، وأعلن من المطار عن رغبته في جعل العلاقات بين البلدين 'رائعة من جديد'. السفير توم باراك، رجل أعمال ملياردير مثل ترامب، يبلغ من العمر 78 عامًا، لكنه نشط وفعّال، ويتمتع بقدرة على إيجاد حلول عملية خارج إطار الدبلوماسية التقليدية. باراك، المسيحي من أصول لبنانية، اتُّهم عام 2021 بممارسة الضغط نيابة عن الإمارات بطرق مخالفة، لكنه بُرّئ لاحقًا. لديه معرفة واسعة بقضايا الشرق الأوسط، وشارك في بعضها سابقًا. خلال جلسة اعتماد تعيينه في مجلس الشيوخ، شدد على أهمية تركيا بالنسبة للولايات المتحدة والمنطقة، ونال الموافقة بـ60 صوتًا مقابل 36. ومن خلال تصريحاته الأولى بعد وصوله إلى تركيا، أوضح أن تعيينه يُعد أول خطوة ملموسة في سعي ترامب إلى إعادة العلاقات التركية-الأميركية إلى مستوى 'استثنائي'. ترتيب الملفات بين الزعيمَين بعد المكالمة، أعلن كل من أردوغان وترامب من حساباتهما الشخصية ترتيب أولوياتهما. أولوية الزعيمين الأولى كانت تعزيز العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. أردوغان وصف المحادثة بأنها مثمرة ومفيدة، وأوضح أنه طرح قضايا التعاون في الصناعات الدفاعية، والحرب الروسية- الأوكرانية، وسوريا، وغزة. التركيز على الصناعات الدفاعية مهم؛ إذ سبق أن أخرجت إدارة بايدن تركيا من مشروع مقاتلات إف- 35، وأثارت مشاكل في ملف مقاتلات إف-16، وفرضت بعض العقوبات وفقًا لقانون كاتسا. أردوغان أعاد طرح هذه القضايا. من أبرز مشاغل تركيا أيضًا، التنافس على النفوذ في سوريا مع إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بمشكلة 'قوات سوريا الديمقراطية/ YPG' التي ترفض إلقاء السلاح أو الاندماج مع النظام في دمشق، والتي ترى أنقرة أنها تشكل خطرًا إستراتيجيًا. إسرائيل تحاول إعاقة نفوذ تركيا في سوريا، حتى لو تطلب الأمر قصف مناطق قرب دمشق. والرجل الوحيد الذي قد يوقفها، بحسب المقال، هو ترامب. كذلك فإن قضية غزة والكارثة الإنسانية فيها كانت ضمن أولويات أردوغان. أردوغان عرض هاتين القضيتين على ترامب وطلب تدخله لكبح إسرائيل، لكن المعلومات تشير إلى أن ترامب تحدّث بإيجابية 'توحي بالأمل'، من دون تقديم تعهد واضح. ترامب يركّز على أوكرانيا أولوية ترامب القصوى كانت إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية. وربما يسعى من خلالها لنيل جائزة نوبل للسلام، لكن الدافع الحقيقي بحسب المقال هو المعادن الثمينة في أوكرانيا. لهذا، كان هذا الملف هو الأكثر حضورًا في حديثه مع أردوغان، وقد صرّح ترامب علنًا قائلًا: 'أتطلع للعمل معًا في هذا الشأن'، ما يوضح ترتيب أولوياته. لم يأتِ على ذكر سوريا أو غزة في تصريحه. ترامب يرى أهمية في علاقته بأردوغان نظرًا لعلاقته الوثيقة مع بوتين، ولعلاقات تركيا المتوازنة مع أوكرانيا. ولذلك، يعِد بتحسين العلاقات التركية- الأميركية، لكنه يتجنّب الالتزام بأي موقف تجاه غزة أو سوريا. فعليًا، سبق أن أعلن عزمه على الانسحاب من سوريا، وكان مستعدًا لقبول نفوذ تركي هناك، لكن إسرائيل عطّلت ذلك عبر نفوذها داخل الإدارة الأميركية. الاسم الحقيقي للخلاف بين تركيا والولايات المتحدة: إسرائيل اتخذت تركيا مؤخرًا خطوة مهمة عبر إعلان أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني PKK نيته تفكيك التنظيم والتخلي عن السلاح. ومن المنتظر أن يعلن الحزب التزامه بهذا القرار في مؤتمره القادم. لكن فرع الحزب في سوريا، وهو YPG، رفض ذلك، كما تجاهل الاتفاق مع دمشق. والسبب الوحيد لهذا الرفض، بحسب النص، هو إسرائيل. بناءً على طلب من ترامب، أوقفت تركيا عمليتها العسكرية ضد YPG، واشترطت مقابل ذلك أن تتدخل الولايات المتحدة لمنع إسرائيل من مهاجمة سوريا. لكن ترامب لم يتمكن من التأثير على إسرائيل لا في ملف سوريا ولا في ملف غزة. وربما تكون السياسات الإسرائيلية هي العقبة الأكثر خطورة في العلاقات التركية- الأميركية. ففي بقية الملفات، هناك توافق كبير بين البلدين. ترامب لا يريد خسارة تركيا التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، وتمتلك أقوى جيوش المنطقة واقتصادًا مؤثرًا. لكن إسرائيل، التي جعلت من الاحتلال والإرهاب سياسة دولة، تفعل كل ما بوسعها لمنع تحسن العلاقات. ويختم النص بالتأكيد على أن العلاقة لن تتحسن ما دام نتنياهو في السلطة، ويُلمّح إلى أن ترامب ينتظر اللحظة المناسبة لذلك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store