
النظام التجاري بين الاستمرار والانهيار
الرسوم الجمركية العالية القيمة، والواسعة المجال، والشاملة من حيث جغرافية العالم، تخطى النقاش حولها، التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على كل دولة أو منطقة على حدة، إلى التأثير في مجمل النظام التجاري الدولي المتعارف عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي لم يكن الوصول إلى قواعده سهلاً، حيث كانت جولات التفاوض التي تمتد لسنوات تتوالى، إلى أن تم إقامة منظمة التجارة العالمية منذ ثلاثين سنة.
كان من المفترض أن هذه المنظمة بالقواعد التي تم الاتفاق عليها، وبالآليات التي تم اعتمادها، يمكنها أن تسيّر التجارة العالمية بعدالة. لكن لوحظ أن هناك إهمالاً متزايداً لتلك القواعد والآليات، إلى أن جاءت الضربة الأمريكية المركَّزة للتجارة العالمية، بتلك الرسوم غير المسبوقة.
الرسوم الأمريكية استتبعت رسوماً مضادة، بعضها فُرض بالفعل، كما فعلت الصين ودول أخرى، وبعضها في الطريق، وفريق ثالث اختار عدم الرد، أقله حتى الآن، مثل بريطانيا التي اعتبر رئيس وزرائها كير ستارمر أن الافتراضات القديمة لم يعد بالإمكان اعتبارها من المسلَّمات، وأن «العالم كما عرفناه قد انتهى.. والعالم الجديد تحكمه بشكل أقل قواعد راسخة، وبشكل أكبر اتفاقات وتحالفات».
تلك الظروف الجديدة التي خلقتها سلسلة التفاعلات إثر القرارات الأمريكية، تؤثر في مجمل النظام التجاري الدولي الذي «يشتمل على آلاف القواعد والاتفاقيات الأحادية والثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف بين أكثر من مئتي دولة»، بحسب تعريف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد). وقد أكدت الأخيرة، على لسان لوز ماريا دي لامورا مديرة قسم التجارة الدولية بها، أن مثل هذه التفاعلات قد «تخلق حالة من عدم اليقين» ما قد «يؤدي في نهاية المطاف إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وضرر بالدول النامية». وما يزيد من خطورة الأمر، أن تتحول الرسوم الجمركية إلى أداة لممارسة الضغط السياسي، وهذا سيتسبب في «عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي»، على حد وصف دي لامورا، وهذا ما ذهبت إليه كريستالينا جورجيفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أيضاً، حيث اعتبرت أنها «تمثل خطراً كبيراً على الآفاق العالمية في وقت يشهد نمواً بطيئاً».
من الواضح أن النظام التجاري الدولي واقع تحت ضربات تمثل موجة جديدة من الحمائية، تجعل هذا النظام برمته في خطر، وتطرح تساؤلات كثيرة حول قدرته على الاستمرار في ظل هذه الأوضاع. وحتى لا يصل النظام التجاري الدولي حد الانهيار، بما يمثله ذلك من مخاطر على الجميع، وإن كانت تلك المخاطر ستتضاعف بالنسبة للدول النامية، وخصوصاً الفقيرة والأشد فقراً منها، نظراً لهشاشة أوضاعها قبل أن تجد نفسها في معترك الحرب التجارية هذه.
حتى لا يحدث ذلك، فإن هناك حاجة إلى مراجعات وتسويات والتزامات، وقد يكون الأمر في حاجة إلى اتفاقيات وقواعد وآليات دولية جديدة تضمن بعث الحياة مجدداً في منظمة التجارة العالمية والمنظمات الإقليمية، وحتى على المستوى الثنائي.
سيتوقف الأمر على كيفية تصرف دول العالم، خاصة صاحبة الاقتصادات الكبرى منها، بعد انقشاع غبار هذه الموجة من الرسوم الجمركية، وما إذا كانت مجرد معركة عابرة، أم أنها ستكون حرباً تجارية عالمية طويلة المدى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 4 ساعات
- البوابة
"علاء فاروق" يهنئ وزيرة البيئة بعد تعيينها الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر
تقدم علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بالتهنئة الخالصة وأطيب الأمنيات للدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، بمناسبة تعيينها أمينة تنفيذية جديدة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، لتكون بذلك خامس شخصية تتولى هذا المنصب الرفيع منذ إنشاء الاتفاقية. تتويجًا لمسيرتها العلمية والعملية وأشار فاروق إلى أن اختيار الأمين العام للأمم المتحدة لـ "فؤاد" لهذا المنصب الرفيع، يعد تتويجًا لمسيرتها العلمية والعملية العامة، وكفاءتها، خاصة في مجال مواجهة التغيرات المناخية والتحديات البيئية العالمية، وتحقيق التنمية المستدامة. وأشار إلى أن هذا الاختيار أيضًا، يعد اعترافًا دوليًا بكفاءة الخبرات المصرية في المجال البيئي، ويعكس ثقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على الإسهام الفعال في قضايا البيئة العالمية. وأعرب وزير الزراعة عن تقديره لجهود "فؤاد"، متمنيًا لها دوام التوفيق، وتسديد الخطى في مهمتها الدولية الجديدة. وتُعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)، التي أُنشئت عام 1994، إحدى الركائز الأساسية في النظام البيئي العالمي، وهي الاتفاقية الدولية الوحيدة الملزمة قانونًا التي تربط بين البيئة والتنمية من خلال الإدارة المستدامة للأراضي، لمواجهة خطورة ظاهرتي التصحر وتدهور الأراضي، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة. كما تُعد هذه الاتفاقية الأولى والوحيدة التي تحمل طابعًا دوليًا وملزمًا قانونًا لوضع حلول لمعالجة مشكلة التصحر، كما تضم في عضويتها 194 دولة.


العين الإخبارية
منذ 5 ساعات
- العين الإخبارية
ماكرون يعيد بناء صورة فرنسا.. 6 أيام في جنوب شرق آسيا
مستفيدًا من الصراع الجيوسياسي بين القطبين المتنافسين، الصين وأمريكا، يأمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إعادة بناء صورة بلاده. ويبدأ ماكرون، الأحد، جولة في جنوب شرق آسيا لتكريس استراتيجية بلاده في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الرامية إلى خط مسار ثالث مختلف عن واشنطن وبكين. ويسعى الرئيس الفرنسي، من خلال جولته التي تستغرق ستة أيام وتشمل فيتنام وإندونيسيا وسنغافورة، إلى التأكيد على أن بلاده شريك "موثوق" يحترم "سيادة" هذه الدول و"استقلالها"، في منطقة ينحصر فيها "النفوذ بين الولايات المتحدة والصين"، بحسب أوساطه. ويستهل ماكرون جولته مساء الأحد في العاصمة الفيتنامية هانوي، حيث يلتقي الإثنين قادة البلاد، على أن يجتمع الثلاثاء مع الفاعلين في قطاع الطاقة، وهو ملف رئيسي آخر في هذه الجولة. وفي العاصمة الإندونيسية جاكرتا، يجتمع الأربعاء مع الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، كاو كيم هورن. وتمثل هذه الزيارة فرصة للدفاع عن الموقف الفرنسي باعتباره "قوة توازن" تحظى بالرضا في المنطقة. وقد حضّ الرئيس الصيني، نظيره الفرنسي، الخميس، في اتصال هاتفي، على "الدفاع المشترك عن قواعد التجارة الدولية"، فيما أكد ماكرون الحاجة إلى "تكافؤ فرص المنافسة" بين البلدين. وفي ختام جولته، يُلقي الرئيس الفرنسي، الجمعة، كلمة في افتتاح "حوار شانغريلا"، المنتدى الأمني السنوي في سنغافورة. وتمهيدًا لمؤتمر حول حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، المقرر انعقاده في الأمم المتحدة في يونيو/ حزيران، والذي سترأسه فرنسا إلى جانب السعودية، تشكل قضية الاعتراف بدولة إسرائيل "رهانًا" في محطته في إندونيسيا، أكبر دولة ذات غالبية مسلمة من حيث عدد السكان في العالم، بحسب الإليزيه. aXA6IDgyLjIyLjIzNi4xMTcg جزيرة ام اند امز PL


الموجز
منذ 14 ساعات
- الموجز
"يجب أن تُقصف".. نائب أمريكي يدعو لإلقاء قنبلة نووية على غزة
في تطور مثير للجدل يعكس تصاعد التوترات المرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، دعا النائب الجمهوري راندي فاين إلى استخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة، مستشهداً بما وصفه بـ"النموذج الفعال" لما حدث في هيروشيما وناجازاكي إبان الحرب العالمية الثانية. جاءت هذه التصريحات بعد حادثة إطلاق نار دامية في واشنطن أودت بحياة اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية. في مساء 21 مايو 2025، قُتل كل من يارون ليشينسكي (30 عامًا) وسارة ميلجريم (26 عامًا)، الموظفين بالسفارة الإسرائيلية، إثر إطلاق نار مباشر أمام متحف العاصمة اليهودي في واشنطن. الجريمة نُفذت على يد إلياس رودريغيز (31 عامًا)، ناشط سابق من شيكاغو، والذي أطلق عليهما 21 رصاصة من مسدس عيار 9 ملم، مرددًا أثناء اعتقاله عبارة "حرروا فلسطين"، ما دفع السلطات الفيدرالية لفتح تحقيق باعتبارها جريمة كراهية ذات دوافع سياسية. فاين يشعل الجدل: دعوة مروعة وتحذيرات من إبادة جماعية In response to the horrific killing of Israeli embassy staff in Washington, a Republican Congressman went on Fox News and suggested Gaza be 'nuked" like Hiroshima and Nagasaki. — Waleed Shahid 🪬 (@_waleedshahid) May 22, 2025 في مقابلة بثتها قناة "فوكس نيوز"، وصف النائب راندي فاين القضية الفلسطينية بـ"الشر المطلق"، واعتبر أن الحل يكمن في "إجبار غزة على الاستسلام غير المشروط باستخدام القوة النووية"، على غرار ما حدث في اليابان عام 1945. التصريحات قوبلت بإدانة شديدة من منظمات حقوق الإنسان والجاليات الإسلامية، التي رأت فيها تحريضًا سافرًا على الإبادة الجماعية. التحقيقات كشفت عن تحول تدريجي في سلوك رودريغيز، من ناشط في قضايا العدالة الاجتماعية إلى شخصية متطرفة نشطت في نشر خطابات كراهية عبر الإنترنت. قبيل الهجوم، نشر بيانًا بعنوان "تصعيد من أجل غزة: اجلبوا الحرب إلى الوطن"، يبرر فيه العنف كوسيلة للرد على ما وصفه بـ"الجرائم الإسرائيلية في غزة". ردود فعل رسمية وتحقيقات موسعة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أدان الحادثة بشدة، واعتبرها "عملاً معادياً للسامية لا يمكن التساهل معه"، مؤكدًا على ضرورة حماية الجاليات اليهودية. كما دعت السلطات الأمريكية والإسرائيلية إلى تعزيز الإجراءات الأمنية، بينما تتواصل التحقيقات الفيدرالية لتحديد ما إذا كان رودريغيز تصرف بمفرده أم كان جزءًا من شبكة أوسع.