
مسيحيّو سوريا يرفعون الصوت: باقون هنا
استهدف هجوم إرهابي كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة في دمشق يوم الأحد الفائت، ما أسفر عن استشهاد نحو 25 مسيحيًّا خلال القداس، مثيرًا صدمة واسعة في الأوساط المسيحية ومجدّدًا التساؤلات حول مصير الأقليّات في سوريا. وخلال صلاة الجنازة التي أقيمت الثلثاء، ألقى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي كلمة حادّة انتقد فيها تقصير السلطات السورية في حماية المسيحيين، معتبرًا أنّ اتصال الرئيس السوري أحمد الشرع بعد التفجير غير كافٍ لأنّ المصيبة كبرى، وهو موقف قوبل بتصفيق حارّ وطويل من الحاضرين، في تعبير واضح عن حالة الغضب والاحتقان لدى الطائفة الأرثوذكسية.
من المهادنة إلى المواجهة
حول العلاقة الجديدة بين الكنيسة الأرثوذكسية والسلطة السورية، رأى الباحث في التاريخ والخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور عماد مراد خلال حديث مع "نداء الوطن" أنّ هذه الحادثة تشكّل تحوّلًا في العلاقة، خصوصًا في ضوء انتقادات البطريرك المتكرّرة للحكم الجديد. ولفت إلى أنه "قبل استلام السلطة السورية الجديدة الحكم، لم يكن هناك تباين بين الكنيسة الأرثوذكسية والدولة"، مشيرًا إلى أن "حافظ الأسد كان يعتمد مبدأ أنّ قوّته قائمة على تحالف الأقليّات، كونه ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تشكّل أقليّة بدورها، وبالتالي، كان من الطبيعي أن يوطّد علاقته بالمسيحيين، ولا سيّما الأرثوذكس".
وأوضح مراد أنّ "المسيحيين خلال حكم آل الأسد لم يتمتّعوا بحماية أو حرّية كاملة، لكن كان هناك نوع من الأمان ومصلحة متبادلة بين الطرفين"، لافتًا إلى أن "الأسد الأب كان يروّج لفكرة أن سقوط نظامه سيؤدي إلى قيام دولة إسلامية في سوريا، ما دفع الأقليات إلى التمسّك به كحامٍ ولو ضمنيًا".
في سياق متصل، رأى مراد أن "النظام السوري السابق، إلى جانب "حزب اللّه"، شكّلا نوعًا من الضمانة الموَقتة لمسيحيي سوريا، من خلال الوقوف في وجه الموجات المتطرّفة". لكنه اعتبر أن "هذا الواقع ترك أثرًا سلبيًا، إذ دفع بعض المتطرّفين داخل السلطة السورية الحالية إلى التعامل مع المسيحيين على أنهم امتداد سياسي للنظام السابق، ما جعلهم عرضة لانتقام مقنّع".
الكنيسة الأرثوذكسية ودورها المرتقب
البطريرك يازجي لم يكن جديدًا على خطاب المواجهة، إذ سبق له أن وجّه انتقادات مماثلة للسلطة خلال عظته في احتفالات عيد الميلاد، داعيًا إلى الانفتاح والتعاون مع جميع مكوّنات الشعب السوري. أمّا اليوم، وبعد المجزرة التي أودت بحياة مسيحيين أثناء صلاتهم داخل كنيسة مار الياس، فبدا خطابه أكثر حدّية، ليضع الحكم أمام اختبار حقيقي وجديد حول مدى استعداده لحماية المسيحيين وسائر الأقليات في البلاد واحترام حقوقهم.
الوضع الراهن يضع المسيحيين السوريين أمام تحدّيات جسيمة، خصوصًا في ظلّ التصاعد المستمرّ لأعمال العنف ضدّهم. لكن رغم ذلك، أكّد مراد أن "المسيحيين متعلّقون بأرضهم، ولا يرغبون في الهجرة أو التخلّي عن جذورهم، والدليل على ذلك مشاركتهم الواسعة في مراسم دفن شهداء التفجير، التي تحوّلت إلى تظاهرة إيمانية ووطنية تعبّر عن تشبّثهم بسوريا رغم الألم".
وفي السياق، اعتبر مراد أن "الكنيسة الأرثوذكسية في سوريا، بقيادة البطريرك يازجي، تمثل صوت جميع المسيحيين، وستلعب دورًا محوريًا في المرحلة المقبلة، تمامًا كما لعبت الكنيسة المارونية دورًا سياسيًا في لبنان في مراحل حسّاسة من تاريخه".
وحول خلفيات التفجير الإرهابي الذي استهدف المسيحيين، فضلًا عن المضايقات التي يتعرّضون لها، رأى مراد أن "هذه العمليات ليست ذات طابع سياسي، بل هي ذات بُعد ديني واضح، وتهدف إلى فرض الإسلام المتشدّد من قِبل جماعات متطرّفة تسعى إلى إقامة دولة إسلامية وترى في غير المسلم مواطنًا من الدرجة الثانية".
وإذ شدّد مراد على أنه "لا تجوز المقارنة بين مسيحيي الشرق، وتحديدًا سوريا، وبين المسيحيين في لبنان"، أوضح أن "مسيحيي لبنان لديهم جذور عريقة في تأسيس الكيان اللبناني، وهم الذين رسموا حدود لبنان الكبير، ولا يزال لهم دور سياسي وثقافي أساسي في الحياة اللبنانية".
وأشار إلى أن "البطريرك الراحل مار نصرالله صفير، على الرغم من معارضته الشديدة للوصاية السورية على لبنان، لم يهاجم يومًا رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، ورفض إسقاطه في الشارع، ما يُعبّر عن نمط مختلف من التعاطي السياسي لا يمكن إسقاطه على الواقع السوري".
وختم مراد أن "الوضع المسيحي في لبنان، خصوصًا بعد الحرب الإسرائيلية على "حزب اللّه"، وانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، يشهد استقرارًا وازدهارًا ملحوظًا، وهو ما يفتقر إليه المسيحيون في سوريا في هذه المرحلة الحرجة".
المسيحيون في الشرق ليسوا مجرّد أقلّية تبحث عن أمان، بل هم مكوّن تأسيسي يحمل رسالة، ومقاومون حتى الرمق الأخير. المسيحيون لا يبحثون عن حماية، ولا هم أتباع، بل أحرار ومتجذّرون في أرضهم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تيار اورغ
منذ 2 ساعات
- تيار اورغ
حايك في لقاء تضامني مع مسيحيي سوريا: من سكت لن يسلم من دينونة التاريخ!
ألقى نائب رئيس التيار الوطني الحر للعلاقات مع الأحزاب الخارجية ناجي حايك كلمة في اللقاء التضامني مع مسيحيي سوريا بدعوة من اللقاء الارثوذكسي، جاء فيها: في كنيسةٍ مار الياس في سوريا، امتدّت يدُ الحقد لتقتل الأبرياء…ليسوا ضحايا صدفة، بل مستهدَفون لأنهم مسيحيون، لأنهم ما زالوا يحملون الصليب في أرضٍ حاولت العتمة أن تطفئ نورها. دماءُ المؤمنين سالت على أرضٍ مشبعةٍ بقداسة الشهداء والرسل.أرضٌ نَطَقَت فيها المسيحية قبل أن تُولد دول، وقبل أن يُرسم تاريخٌ حديث على حساب التاريخ الحقيقي. نقولها بلا تردّد:المسيحيون في سوريا والشرق ليسوا جالية، بل هم أصل الأرض وملحها.جذورهم أعمق من جغرافيا الطارئين، وأقوى من سيوف الغزاة والمتسلّطين. لكن الجريمة ليست في القتل فقط، بل في التواطؤ…في صمت العالم، وصمت 'الشركاء'، وصمت من يدّعون الحرص على التنوّع.هذا السكوت ليس حيادًا، بل خيانة. وفي هذا المشهد الحالك، يبقى لبنان هو المنارة.لبنان، بجبلِه وكنائسه، بصليبه وروحية مقاومته، هو الدرع الأخير لمسيحيي الشرق.مسيحيو لبنان ليسوا مراقبين، بل خط الدفاع الأول، ومنهم تستمدّ الكنيسة المشرقية صلابتها وكرامتها. ولذلك، نوجّه نداءً من قلب الجرح: اتّحدوا أيها المسيحيون في لبنان، فوحدتكم هي الرجاء الأخير.اتّحدوا لأن أعين مسيحيي الشرق شاخصة إليكم، ترجو صمودكم، وتستنير بوضوحكم.هذه دعوة الى الاحزاب التي تمثل الشارع المسيحي ، اتحدوا لان كل تفرقة بينكم، هي ثغرة يدخلون منها لضرب كنيسةً جديدة ولمحو ذكرى اخرى الدم المسفوك في سوريا، في العراق، في لبنان، في كل موطئ قدم للمسيح، هو جرس إنذار.إمّا أن نستيقظ ونحمل القضية، أو نُمحى قطعةً قطعة. نحن هنا قبل الجميع، وسنبقى رغم كلّ الخيانات.من كنيسة الشام إلى بكركي الى البلمند ، ومن أنطاكية إلى بيروت، الصوت واحد: المسيحية ليست يتيمة في الشرق، هي من اصل للشرق وكل من سكت، لن يَسلم من دينونة التاريخ.


النهار
منذ 3 ساعات
- النهار
صلاة في دير سيدة البلمند البطريركي لراحة أنفس شهداء تفجير كنيسة مار الياس
أقيمت في دير سيدة البلمند البطريركي، صلاة عن راحة نفس شهداء وسلامة جرحى تفجير كنيسة مار الياس، دويلعة في سوريا، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة والرهبان، وفي حضور نواب الكورة وفعاليات سياسية واجتماعية ودينية. وقد استنكرت كلمات رجال الدين عملية التفجير، مركزة على أن "المسيحين شعب يحب الحياه لأنها عطية الله"، موضحين أن "الذين رموا أنفسهم على الانتحاري هم من عائلة واحدة، لينقذوا الآخرين الذين كانوا يصلون ويرفعون صلاة الشكر لله". وترحم الحضور على الأموات، متمنين في المقابل الشفاء العاجل للجرحى، و"أن يلهم الله اصحاب القرارات في العالم إلى طرق الصواب".


النهار
منذ 3 ساعات
- النهار
وئام وهاب: ثلاثة لبنانيين معتقلون في دمشق على خلفية تفجير كنيسة مار الياس
كشف رئيس حزب التوحيد العربي، وئام وهاب، أن السلطات السورية تحتجز ثلاثة لبنانيين ثبت تورطهم في التفجير الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق، في وقت سابق. وقال وهاب في تصريح عبر حسابه على منصة "إكس": "للأسف، هناك ثلاثة شبان لبنانيين معتقلين في دمشق لمشاركتهم في تفجير كنيسة مار الياس". وشدد على ضرورة دعم الأجهزة الأمنية اللبنانية لحماية البلاد، مضيفًا: "فلندعم الأجهزة الأمنية اللبنانية لحماية لبنان". ويأتي هذا التصريح بعد أيام من التفجير الانتحاري الذي هزّ العاصمة السورية، مستهدفًا كنيسة مار الياس في دمشق ما أدى الى سقوط 22 شهيدا وعدد من الجرحى.